قِصصٌ تُروى . - الصفحة 2 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
(( أبْــيَات لَيْسَ لَهَــا بَيــْت ...!! )) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 13 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3845 - )           »          غياب القناديل (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          تخيل ( (الكاتـب : يوسف الذيابي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 428 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75147 - )           »          ورّاق الشعر [ تفعيلة ] (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 5 - )           »          بُعدٌ جديد ! (الكاتـب : زكيّة سلمان - مشاركات : 1 - )           »          عَـيني دَواةُ الحـرفِ (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 4 - )           »          " قلطة " : اقلطوا .. (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 94 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 423 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-21-2009, 04:33 PM   #9
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي غسان كَنفاني


الصغير يذهب إلى المخيم


كنت أسكن مع سبعة أخوة كلهم ذكور شديدو المراس , وأب
لا يحب زوجته ربما لأنها أنجبت له زمن الاشتباك ثمانية أطفال
و كـانــت عــمــتـنا وزوجـهـا و أولادهـا الخمسة يسكنون معنا
أيضا , وجدنا العجوز الذي كان إذا ما عثر على خمسة قروش
على الطاولة أو في جيب أحد السراويل الكثيرة المعلقة
مضى دون تردد واشترى جريدة ولم يكن يعرف القراءة وهكذا
كان مضطرا للاعتراف دائما بما اقترف كي يقرأ أحدنا على مسمعيه الثقيلين أخر الأخبار.



في ذلك الزمن - دعني أولاً أقول لك إنه لم يكن زمن اشتباك
بالمعنى الذي يخيّل إليك , كلا لم تكن ثمة حرب حقيقة . لم تكن ثمة أي حرب على الإطلاق .
كل ما في الأمر أننا كنا ثمانية عشر شخصا في بيت واحد من جميع الأجيال التي يمكن أن تتوفر في وقت واحد . لم يكن أي واحد منا قد نجح بعد في الحصول على عمل , وكان
الجوع - الذي تسمع عنه – همنا اليومي .
ذلك الذي أسميه زمن الاشتباك .. أنت تعلم لا فرق على الإطلاق
كنا نقاتل من أجل الأكل , ثم نتقاتل لنوزعه فيما بيننا , ثم نتقاتل بعد ذلك . في أي لحظة سكون يخرج جدي جريدته المطوية باعتناء من بين ملابسه ناظرا إلى الجميع بعينيه المتحفزتين , معنى ذلك أن خمسة قروش قد سرقت من جيب ما – إذا كان هناك خمسة قروش – أو من مكان ما , وأن شجارا سيقع .

ويظل جدي متمسكا بالجريدة وهو يتصدى للأصوات بسكون الشيخ الذي عاش وقتا كافيا للاستماع إلى كل أنواع الضجيج والشجار دون أن يرى فيها ما يستحق الجواب أو الاهتمام ..وحين تهدأ الأصوات يميل أقرب الصبيان إليه (ذلك أنه لم يكن بالبنات )ويدفع له الصحيفة وهو يمسك بطرفها , كي لا تخطف .

وكنت مع عصام في العاشرة - كان أضخم مني قليلا كما هو الآن
وكان يعد نفسه زعيم أخوته أبناء عمتي – كما كنت أعد نفسي زعيم أخوتي .. وبعد محاولات عديدة استطاع والدي وزوج عمتي أن يجد لنا مهنة يومية : نحمل السلة الكبيرة معاً ونسير ساعة وربع حتى نصل إلى سوق الخضار بعد العصر بقليل .

في ذلك أنت لا تعرف كيف يكون سوق الخضار : تكون الدكاكين قد بدأت بإغلاق أبوابها وأخر الشاحنات التي تعبأ بما تبقى تستعد لمغادرة ذلك الشارع المزحوم وكانت مهمتنا – وعصام و أنا – هينة وصعبة في آن واحد فقد كان يتعين علينا أن نجد ما نعبئ

به سلتنا : أمام الدكاكين … وراء السيارات … وفوق المفارش أيضا
إذا كان المعني في قيلولة أو داخل حانوته .
أقول لك إنه كان زمن الاشتباك : أنت لا تعرف كيف يمر المقاتل
بين طلقتين طوال نهاره . كان عصام يندفع كالسهم ليخطف
رأس ملفوف ممزق أو حزمة بصل ، وربما تفاحة من بين عجلات الشاحنة وهي تتأهب للتحرك , وكنت بدوري أتصدى للشياطين – أي بقية الأطفال – و إذا حاولوا تناول برتقالة شاهدتها في الوحل قبلهم وكنا نعمل طوال العصر : نتشاجر عصام و أنا من جهة مع بقية الأطفال أو أصحاب الدكاكين أو السائقين أو رجال الشرطة أحيانا , ثم أتشاجر مع عصام فيما تبقى مع الوقت .


كان ذلك زمن الاشتباك أقول لك ذلك هذا لأنك لا تعرف : إن
العالم وقتئذ يقف على رأسه , لا أحد يطالبه بالفضيلة ..
سيبدو مضحكا من يفعل أن تعيش كيفما كان وبأي وسيلة
هو انتصار مرموق للفضيلة.حسنا حين يموت المرء تموت الفضيلة أيضا أليس كذلك ؟
إذا دعنا نتفق بأنه في زمن الاشتباك يكون مهمتك أن تحقق الفضيلة الأولى , أي تحتفظ بنفسك حيا َ وفيما عدا ذلك يأتي ثانيا . ولأنك في اشتباك مستمر فأنه لا يوجد ثانيا
أنت دائما لا تنتهي من أولاَ.

وكان يتعين علينا أن نحمل السلة معا حين تمتلئ ونمضي إلى البيت : ذلك كان طعامنا جميعا لليوم التالي .. بالطبع كنا أنا و عصام متفقين على أن نأكل أجود ما في السلة على الطريق ذلك اتفاق لم نناقشه قط , ولم نعلن عنه قط ولكنه كان يحدث وحده ذلك أننا كنا معا في زمن الاشتباك .

وكان الشتاء شديد القسوة ذلك العام الملعون وكنا نحمل سلة ثقيلة حقا (هذا شيء لا أنساه , كأنك وقعت أثناء المعركة في خندق فإذا به يحوي سريرا ) وكنت أكل تفاحة , فقد خرجنا من بوابة السوق وسرنا في الشارع الرئيس .

قطعنا ما يقرب من مسير عشر دقائق بين الناس والسيارات والحافلات وواجهات الدكاكين دون أن نتبادل كلمة (لأن السلة كانت ثقيلة حقا وكنا نحن الاثنين منصرفين تماما إلى الأكل ) وفجأة….

لا هذا شيء لا يوصف لا يمكن وصفه : كأنك على نصل سكين من عدوك و أنت دون سلاح وإذا بك في اللحظة ذاتها تجلس في حضن أمك .

دعني أقول لك ما حدث : كنا نحمل السلة كما قلت لك وكان شرطي يقف في منتصف الطريق , وكان الشارع مبتلاً , وكنا تقريبا دون أحذية وربما كنت أنظر إلى حذاء الشرطي الثقيل والسميك حين شهدتها فجأة هناك كان طرفها تحت حذائه أي كنت بعيدا نحو ستة امتار ولكنني عرفت , ربما من لونها , وأنها أكثر من ليرة واحدة .

نحن في مثل هذه الحالات لا نفكر يتحدثون عن الغريزة
طيب أنا لا أعرف ما إذا كان لون الأوراق المالية شيئا له علاقة بالغريزة .. له علاقة بتلك القوة الوحشية , المجرمة , القادرة على الخنق في لحظة , الموجودة في أعماق كلّ منا .
ولكن ما أعرفه هو أن المرء في زمن الاشتباك لا ينبغي له أن يفكر حين يرى ورقة مالية تحت حذاء الشرطي وهو يحمل سلة من الخضار الفاسد على بعد ستة أمتار.
وهذا ما فعلته : ألقيت ببقايا التفاحة وتركت السلة في اللحظة ذاتها .

ولاشك في أن عصام يتمايل فجأة تحت ثقل السلة التي تركت في يده ولكن كان شاهدها بعدي بلحظة واحدة .
إلا أنني بالطبع كنت قد اندفعت تحت وطأة تلك القوة المجهولة التي تجبر وحيد القرن على هجوم أعمى , غايته أخر الأرض , ونطحت ساقي الشرطي بكتفي فتراجع مذعورا وكان توازني أنا الأخر قد اختل ولكنني لم أقع على الأرض وفي تلك اللحظة التي يحسب فيها الأغبياء أن لاشيء يمكن له أن يحدث – شاهدتها كانت خمس ليرات لم أشاهدها فحسب بل التقطتها واستكملت سقوطي ‘لا أنني وقفت بأسرع مما سقطت وبدأت أركض بأسرع مما وقفت .

ومضى العالم بأجمعه يركض ورائي : صفارة الشرطي , وصوت حذائه يقرع بلاط الشارع ورائي تماما . صراخ عصام ,أجراس الحافلات , نداء الناس … هل كانوا ورائي ؟ ليس بوسعك أن تقول وليس بوسعك أن تقول لقد عدوت متأكدا حتى صميمي أن لا احد في كل الكواكب السيارة يستطيع أن يمسكني . ويعقل طفل عشر السنوات سلكت طريقا أخر لأنني حسبت أن عصام سيدل الشرطي على طريقي لست أدري لم ألتفت كنت أركض ولا أذكر أنني تعبت كنت جنديا هرب من ميدان حرب أحبر على خوضها وليس أمامه إلا أن يظل يعدو والعالم وراء كعبي حذائه

وصلت البيت بعد الغروب , وحين فتح لي الباب شهدت ما كنت أشعر في أعماقي أننهي سأشهده : كان السبعة عشر مخلوقا في البيت ينتظرونني وقد درسوني بسرعة ولكن بدقة , حين وقفت في حلق الباب أبادلهم النظر : كفي مطبقة على خمس الليرات , وقدماي ثابتتان في الأرض .كان عصام يقف بين أمه وأبيه , وكان غاضبا لاشك في أن شجارا

قد وقع بين العائلتين قبل مقدمي.واستنجدت بجدي الذي كان جالسا في الركن ملتحفا بعباءته البنية النظيف ينظر إلي بإعجاب : رجلا كان حكيما , رجلا حقيقا يعرف كيف ينبغي له أن ينظر إلى الدنيا . وكان كل ما يريده من خمس الليرات جريدة كبيرة هذه المرة .

وانتظرت الشجار بفارغ الصبر كان عصام بالطبع قد كذب : وقال لهم إنه هو الذي وجد خمس الليرات وإنني أخذتها بالقوة ليس ذلك فقط بل أجبرته على حمل السلة الثقيلة وحده طوال المسافة المنهكة : ألم أقل لك إنه زمن الاشتباك ؟ لم يكن أي واحد منا متهما بمناقشة عصام , بصدقه أو بكذبه فذلك شيء

لا يمكن أن يكون له أي قيمة .. لم يكذب عصام فقط بل ارتضى أن يذل نفسه ويعلن ربما للمرة الأولى أنني ضربته وأنني أقوى منه ولكن ما قيمة ذلك كله أمام المسألة الحقيقة الأولى .

كان أبوه يفكر بشيء أخر تماما : كان مستعد لقبول نصف المبلغ
وكان أبي يريد النصف الأخر لأنني لو نجحت في الاحتفاظ بالمبلغ كله لصار من حقي وحدي , أما إذا تخليت عن هذا الحق فسأفقد كل شيء وستقاسمون المبلغ .

ولكنهم لم يكونوا يعرفون حقا معنى أن يكون الطفل ممسكا بخمس الليرات في جيبه زمن الاشتباك وقد قلت لهم جميعا بلهجة حملت أول مرة في حياتي طابع التهديد بترك البيت وإلى الأبد : إن خمس الليرات لي وحدي .

و أنت تعرف لاشك : جن جنونهم وضاع رابط الدم فوقفوا جميعا ضدي لقد أنذروني أولا ولكنني كنت مستعدا لما هو أكثر من ذلك ثم بدؤوا يضربونني وكان بوسعي بالطبع أن أدافع ن نفسي ولكن لأنني أردت أن احتفظ بكفي داخل جيبي مطبقة على خمس الليرات فقد كان من العسير حقا أن أتجنب الضربات المحكمة وقد تفرج جدي على المعركة باستثارة بادئ الأمر ثم لما بدأت المعركة تفقد طرافتها قام فوقف أمامهم وبذلك يسر لي أن التصق به اقترح تسوية قال إن الكبار لاحق لهم بالمبلغ ولكن من واجبي أن أخذ كل أطفال البيت ذات يوم صحو إلى حيث نصرف جميعا مبلغ خمس الليرات كما نشاء .

عندما تقدمت إلى الأمام معتزما الرفض إلا أنني في اللحظة ذاتها شهدت في عينيه ما امسكني لم أفهم بالضبط آنذاك ما كان في عينيه ولكنني شعرت فقط بأنه يكذب وأنه كان يرجوني أن أصمت.



أنت تعرف أن طفل عش السنوات – زمن الاشتباك – لا يستطيع أن يفهم الأمور (إذا كان ثمة حاجة لفهمها ) كما يستطيع عجوز مثل جدي .

ولكن هذا ما حصل كان يريد جريدته ربما كل يوم لمدة أسبوع وكان همه أن يرضيني بأي ثمن .

وهكذا اتفقنا ذلل المساء ولكنني كنت اعرف أن مهمتي لم تنته فعلي أن أحمي الليرات الخمس كل لحظات الليل والنهار

ثم علي أ أماطل بقية الأطفال وعلي أيضا أن أواجه محاولات إقناع وتغرير لن تكف عنها أمي قالت لي ذلك السماء إن الليرات الخمس تشتري رطلين من اللحم , أو قميصا جديدا لي ,أو دواء حين تقتضي الحاجة أو كتابا إذا ما فكروا بإرسالي إلى مدرسة مجانية في الصيف القادم .. ولكن ما نفع الكلام ؟ كأنها كانت تطلب مني وأنا أعبر بين طلقتين أن أنظف حذائي .

ولم أكن أعرف بالضبط ماذا كنت أنوي أن أفعل . ولكنني طوال الأسبوع الذي جاء بعد ذلك نجحت في مماطلة الأطفال , بآلاف من الكذبات التي يعرفون أنها كذلك ولكنهم لم يقولوا إطلاقا إنها أكاذيب . لم تكن الفضيلة هنا أنت تعلم كانت مسألة أخرى تدور حول الفضيلة الوحيدة آنذاك : خمس الليرات .



ولكن جدي كان يفخم الأمور وكان يريد جريدته ثمنا معادلا لدوره في القصة وحين مضى الأسبوع بدأ يتململ, لقد شعر (من المؤكد أنه شعر , ذلك لأن رجلا عجوزاً مثله لا يمكن أن تفوته تلك الحقيقة )

أنني لن اشتري له الجريدة وانه فقد فرصته ولكنه لم يكن يمتلك أي وسيلة لاستردادها .
وحين مرت عشرة أيام أعتقد الجميع إنني صرفت الليرات الخمس وأن يدي في جيبي تقبض على فراغ على خديعة ولكن جدي كان يعرف أن الليرات الخمس لاتزال في جيبي

وفي الواقع قام ذات ليلة بمحاولة لسحبه من جيبي وأنا مستغرق في النوم (كنت أنام بملابس ) إلا أنني صحوت فتراجع إلى فراشه ونام دونما كلمة .


قلت لك أنه زمن الاشتباك كان جدي حزينا ولم يحصل على جريدة لأنني نكثت بوعدي لم يتفق عليه كان يفهم زمن الاشتباك , لذلك لم يلمني طوال السنتين اللتين عاشهما بعد ذلك على ما فعلته وقد نسي عصام القصة أيضا كان في أعماقه – كطفل صعب المراس – يفهم تماما ما حدث واصلنا رحلاتنا اليومية إلى سوق الخضار , كنا نتشاجر أقل من أي وقت مضى ونتحادث قليلا يبدو أن شيء ما – جدارا مجهولا ارتفع فجأة بينه – هو الذي مازال في الاشتباك – وأنا الذي تنفست – ليس يدري كم – هواء أخر .

وأذكر أنني احتفظت بخمس الليرات في جيبي طوال خمسة أسابيع كنت أعد خروجا لائقا بها في زمن الاشتباك , غلا أن كل شيء حيت يقترب من التنفيذ كان يبدو كأنه جسر للعودة إلى زمن الاشتباك وليس للخروج منه .


كيف تستطيع أن تفهم ذلك ؟ كان بقاء الليرات الخمس معي شيئا يفوق استعمالها كانت تبدو في جيبي وكأنها مفتاح أمتلكه في راحتي وأستطيع في أي لحظة أن أفتح باب الخروج وأمضي ولكن حين أقترب من القفل كنت أشم وراء الباب زمن اشتباك أخر …
ابعد مدى وكأنه عودة إلى بداية الطريق من جديد.

وما بقي ليس مهما : ذات ليوم مضيت مع عصام إلى السوق وقد اندفعت لأخطف حزمة من السلق كانت أمام عجلات شاحنة تتحرك ببطء وفي اللحظة الأخيرة زلقت وسقطت تحت الشاحنة .

كان حظي جديا فلم تمر العجلات فوق ساقي إنما توقفت بعد ملامستها على أي حال صحوت من إغمائي في المستشفى وكان اول ما فعلته كما لاشك تخمن أن تفقدت خمس الليرات إلا أنها لم تكن هناك .

أعتقد أن عصام هو الذي أخذها حين حملوه معي في السيارة إلى المستشفى ولكنه لم يقل وأنا لم اسأل كنا نتبادل النظر فقط ونفهم لا لم أكن غاضبا لأنه كان ملهيا و أنا انزف بأخذ الليرات الخمس كنت حزينا لأني فقدتها .

وأنت لن تفهم , ذلك كان في زمن الاشتباك

__________________________ تمت

هذه القصة التي لا يمكنني نِسيانه البته ،
فـ كاتبها إستطاع أن يحول الواقع المرير الذي يُعانيه الشعب بعد النكبة ،
إلى مادة هَزلية إستطاع أن يَصوغ تفاصيلاً دون إهمال ما يَود إيصاله من مُعاناة الشَعب ..

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-21-2009, 05:46 PM   #10
عبدالعزيز رشيد
( شاعر وكاتب )

افتراضي كوثر محمّد


(دخلتُ بلادكم بأسمالي*)


لسببٍ ما ماتت أمي, وأرخى بيتـُنا الكبير كفاً من الغربة..
لسبب ٍما امرأة أخرى جرّتْ عقِب الباب خلفها مثل ذيل. طفل ما لن يسمع صوتي. لسبب أكثر غرابة تحرّر اسمي من الكنية؛ أصبح مجرد اسم عادي لا ماء فيه ولا شجر.. لا طفل يأوي بعد المدرسة!.
لسببٍ ما غارتْ غرفةٌ ملونة من بيتي. اختفى الجرفُ و صواتٌ يومي كأنه الشقشقة!. حتى أن السعفات التي أهش بها أحلامه.. هي أيضا ذوَتْ كأنها الشمس!. غارقةٌ في ما يشبهُ الغيم, خفيف وبارد, لا يكاد يحملني؛ كلما تداعى عضوٌ أسندني هواء. مالذي أنا فيه؟!.
التراتيل من جهاتها, الشمس تزاحم الريب.. و تعثرُ بحقيبة طفل. صبية يحاصرون كرةً بأحلامهم, برْقٌ.. حفّارةٌ تجد لها مكاناً في الفوضى, و عرَقٌ أسمعهُ جيدا يحدِّثُ جبيناً أسمراً!. ياردتان فقط ما تفصل بين العابر وسيارة نزقة. أرى جيدا مصابيح نيون معلقة في الهواء. معلقة كالصدى!.

مالذي أنا فيه؟!
لسبب ما قصرت أصابعي, عن الطاولة انزاح مرفقي, وسقط رأسي على هذه الورقة التي أحاكي.. ليست أصابعي ولا هذا الرأس الذي أبيضّت حواسه ما يكتب الآن.. ما يمكنكم أن تسمونها روح هي ذي أنا, ناعمة في ما يسمى الملكوت. أطفال يكشطون الحروف بأقدامهم, ويتشقلبون في فضاء الغيب الكبير!..

لسبب ما أتذكر نافذة بيتنا القديم الذي أرخى يباباً, و أنه لم يكن جسدي ذاك الذي يقلبه المخاض ذات اليمين وذات الوهن!. الصراخُ شاهرٌ وحاد, في غرفة يسترها الله بالملائكة.. لسبب ما لا أتذكر من تلك النافذة إلا أضلاعها الأربعة وأضلاعي التي أوجعتني حدّ الطلقْ, وحد صياح الصبيّ خارجا من دمائي!.. و خارجة أنا من عذريتي.. داخلة في محراب من التفكّر منذها!..

لسبب ما فقدَ والدي حواسه ورجليه وقدرته على الظلم والحقد والنقمة و المكائد. و لسبب ما احتفظ له القدر بماء عينيه, لتنـزفان كأنهما مطر يعقم الأرض!. لسبب ما تفرق شمل الأشياء, الأسماء, الجهات, الحدس, الانتظار, المناسبة, الفتن, النجوى, الأرصفة, ليلة العيد, ليلة العيد, ليلة العيد وأختي!.
أختيْ لسبب ما فرّت من بين غفواتي, فرّت كأنها الدخان, و أنا القارورة.. كأنني الغمدُ وأنها النصل, كأنني الوردة وأنها الطفل!. لسبب ما خطفت ملابسَها من صدري, ورائحتها, وصوتها, وشقاوتنا, وخرجت مع أول جدار!. الأمر الحزين جدا أنها مكثت في مكان كأنه المكان, وكأنه الضباب, هناك مع طفلي؛ في برزخٍ لا يحيون فيه ولا يموتون, أشباح/ أشباح كأنهم الحلم !لسبب ما عاث فيّ دماء وقيح وجلد محترق يتبدل, ورائحة.
لسبب ما الوجوه تضمر, و تحترق الصور!

*:لعلي بن أبي طالب _رضي الله عنه_

 

عبدالعزيز رشيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-22-2009, 08:28 AM   #11
وَرْد عسيري
( شاعرة وكاتبة )

افتراضي




وُجُودُ كُل هَذا الثَراءِ يحتَاجُ لأكثَر مِن وُجودٍ يحتَوِيه وَ يتأملهُ بِـ وعيٍ كَامِل !
عَبد العَزِيز ، لَم تَقع عَيْنِي قراءةً إِلا عَلى الأُولَى .. وَ أكملتُها وَ كَم استَصعبتُ الخُروجَ مِنها !

حَتماً سأعُود كَثِيراً .. شًكراً لكُمَا .. شُكراً كَأن لَم تكُن عَظِيمَةلأحدٍ قَبلاً إِلا لكُم
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

التوقيع

أعرفُ أنني أمضي إلى ما لستُ أعرفُ *


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وَرْد عسيري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-24-2009, 06:39 AM   #12
سعد الميموني
( كاتب )

افتراضي


فكرة رائعة يا عبدالعزيز


بصدق أسعدني الموضوع


لك جزيل الشكر

 

التوقيع


عبث تائه


لا،


أكثر...

!


مدونتي :
http://saad.fqaqee3.net/wordpress/



سعد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2009, 02:40 AM   #13
عبدالعزيز رشيد
( شاعر وكاتب )

افتراضي


ورد عسيري
نثرتي كلّ الورْد بقدومك وأثريت المكان بعطر كلامك
.. الأولى كانت آخر قصّة قرأتها وأردتها الأولى هنا (":
تحيّتي ,



سعد بن علي
ووجودك أسعدني كثيرا
ممتنٌّ لوجودك

 

عبدالعزيز رشيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-04-2009, 12:35 PM   #14
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي عبدالعزيز الفارسي


وجدتها بلا عنوان في أولى صفحات مجموعتة القصصية :
( العابرون فوق شظاياهم )


___________________________________

تقع شناص على الحدود بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة،
وتطلُّ على خليج عمان وبحرٍ من الأحلام سليلة الأمنيات المسافرة.
لم يشأ التاريخ لشناص أن تكون هنا، فقد اختار لها مكاناً بين الجرح والفرح؛
يظللها غمام الحب والرغبات. ولكن ما حدث في الأيام الأولى من الزمان غيّر
المسار كثيراً...
روى لنا الثقات أن سيدنا التاريخ في بداية الحياة، كان يطير حاملاً كل المدن
والقرى في صرّة كبيرة على ظهره، ليعبر الأرض سهولاً وقفاراً وجبالاً وبحاراً...
وكلما مر على مكان أعجبه، ابتسم ثم هبط ليفتح الصرّة فأنزل مدينة أو قرية
هناك، فصارت المدن والقرى كما هي عليه اليوم.
وحُكي أن شناص سقطت سهواً من صرة التاريخ عند مروره هنا، وهوت على
هذه الأرض، فأوجعتْ وتوجعتْ..

وحيث أنه لا يلتفت إلى الوراء، ولا يصحّح ما ارتكب من أخطاء،
فإن سيدنا التاريخ تناسى شناص، وتناسته هي أيضاً...

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2009, 07:49 PM   #15
عبدالله العويمر

شاعر و كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية عبدالله العويمر

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1114

عبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعةعبدالله العويمر لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


مليء ُ ُ بالجَمال ِ والفِكْر ِ ياعبدُالعَزيز


تَجْعَلُنَا نتّفق ُ ُ علَيْك


دُمْتَ وارِفَا ً

 

التوقيع

عبدالله العويمر لاينتمي لأي مجموعه!

عبدالله العويمر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-08-2009, 11:54 AM   #16
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي محمد سيف الرحبي


البارع

حرك قدما باتجاه البحر ،حرك أخرى باتجاه اليابسة ، طفول تختبئ هناك بين أشجار النارجيل ترصد حركة أقدامك ، أمسك خنجرك جيدا وسر مع خطوات رفيقك على
البساط الممدود فالأرض مثقلة بخريفها .

استدر للوراء ، خذ دورتك كاملة ،انتهى المشوار الأول ، انتهت المساحة المهيأة أمامك ،
ارفع قدمك وأستدر ، تعلم أن تضع إضاءة المكان على حد خنجرك ، طفول ربما ، هناك ،
تراقبك ، تنسل من بين أحراج الموز خضراء مدهشة ، يبتل خمارها برذاذ الخريف ، كم
مرة بحد خنجرك أخرجت الماء من بطن نارجيلة ؟! حين شربت طفول ماء (المشلي) أردت أن تخرج لها البياض الطري ، لكنها انسربت منك داخل أشجار الموز الكثيفة ،
أعجبتك اللعبة ، دخلت معها ، لم تكن كما أردت ، حينها غضبت ، وتحركت خنجرك في
سيقان وأوراق الموز تمزق بشراهة الأجساد الطرية .

أزل الذكرى عن كهوفك الآن أيها البارع ، فالموسيقى لا تزال تسكب عنفوان الصور على مخيلة الواقفين حواليك ، والطبل (المرواس) يحمل حدة صوته ، جلية ، متتابعة ، كأنه
يموسق موج البحر ، والطبل (المهجر)عميق كعذابك ، تختال في أذنيك أصوات الناي ،
حزين هذا الناي كحزنك ، شجي وعذب ، كطفول ، لكن طفول ، نزق الأرض ، وشموخ
الجبل ، لا تقبض الخنجر لترقص .. واصل استداراتك فرفيقك يهز خنجره :
"حبل المحبة الهي رب لا تقطع
والشمل تجمع لمن له قلب هجاعي"

عين على الخنجر ،وعين على أطراف المكان ، وطفول ، دفقة خضبت جراحك حنا لا يزول

أيها البارع خفف الذكرى حتى لا تثقلك : حتى لا تقع والخنجر في يدك ، طفول كانت رائحة الوقت والمسافات نحو البعيد ، مضت كغزال بري صوب الجبل ، طفول لا تشرب موج البحر
، لا تسكن إلا ظل الصخر ، ، غادرتك طفول منذ زمن ،وما زلت تقبض على الزمن في حد
خنجرك ، خنجرك مرهف ، عنيد ، متوحش ، جسور .. كخطى طفول ، لكنك لست
كخنجرك:

"لله محبي صغير السن يتواضع
يعطف ويرحم من اللي كبده لساعي"

ارجع خطوك مرة أخرى ، الزمن ليس في صالحك ، جرد ذاتك من ذاتك ، ستكتشف أن
الأرض انسحبت من تحتك ، أن البحر غادر مياهه ، أن الدم لم يرض بشرايينه .. وحدك
تختال مرحا بين الجموع وفي قلبك لهيب الموسيقى وإيقاع الطبل .

"اللي مجاري دموعه جرح المجمع
واللي فؤاده قطار دماعي"

ابتعد عن رفيقك كي لا تقعا معا فالبساط يمتد بامتداد خطوكما ، ليس أبعد من ذلك
ارفع قدما ، انزل قدما ، حرك قدما ، سكن قدما ..

ارفع ، انزل ، حرك ، سكن

احرق اليابسة من تحت أقدامك لعل المكان يخضر بسهوب خريفك ، أشجار العمر
تساقطت ، ضاعت في صحراء الربع الخالي وخريفك ممتد إلى ما لا نهاية ، ممتد لكنه لا
يصل ، فقط يحلم بطفول .

الوجوه تتكاثر من حولك ، تتزاحم لرؤيتك ، وأنت فاقد للرؤية ، الضباب من حلوك يلتئم
على عينيك ، لا رؤية إلا وجه طفول ،يبعث الفضاء ضحكة طفول ، تنشق الرؤيا أمام
عينيك ، تسرع في خطوك ، تبتل قبضتك على الخنجر ، طفول ترسل ضحكاتها في اتجاه
البحر وأنت لا ترى إلا اليابسة ، ولا صوت إلا الناي يتكسر دمعا ، ومن حولك لا يرون دمك
أيها البارع ، كانت طفول ثورتك ، لكن لست ثائرا ،غادرتك أيها البارع ، منذ زمن رحلت
طفول إلى الجبل ، تذرع أنفاس الوحوش وحدها ، كغابة ضيعت أشجارها ، طفول ، هذه
الثائرة في زمن اللاثورة لم تعد كما كانت ، أنت المبلل بالضباب وموج البحر ، تعود إليك
الأصوات ثانية :

"حبل المحبة الهي رب لا تقطع
والشمل تجمع لمن له قلب هجاعي"

حرك قدما ، تقهقر إلى الوراء بظهرك ،وخذ دورتك كاملة ، عد إلى الوراء الذي كنت فيه،
لا زالت الرقصة مستمرة .

حرك قدما ، شاطئ مرباط بعيد عنك ، والسفن يعبث بها الموج في انتظار الإبحار ، حرك
قدما ، استدر للوراء ، ربما السفن تغادر مراسيها، لا تثق بالموج ، فقط احفظ توازنك ، يدك
اليمنى تتمسك بالخنجر أكثر فأكثر ، تصبح كأن اللحم جزء من مقبض النصل ، ورفيقك
معك، الموسيقى ثائرة والكون ضباب أبيض .. أبيض .. كالبياض الطري الذي جعل طفول
تنسل إلى أحراش الموز ، لكن لا مكان أمامك تنسل إليه .

ارفع قدمك ، بادل بينها والأخرى ، لا تبطئ ، أسرع فالنواخذة شدوا صواريهم ، حرك قدما
، لا تبطئ ، فطفول لن تأت ، تذكر أيها العاشق أن البحر أسطورة المغامرين ،الجبل ليس كما هو الجبل ، أخرج الأسطورة من جيبك ،تقول الأسطورة انه في رأس الحمراء تم العثور على 220مدفنا لرجال متوفين في وضع القرفصاء وباتجاه البحر ، أياديهم تمسك
على الأصداف الفارغة ، إلا واحد يمسك لؤلؤة في يده ،تمنيت لو تكون أنت ،لكن طفول
،لؤلؤتك غابت ،غامت سماؤها ، أمطرت جبال سمحان والقمم المجاورة له .


حرك قدما ، هذه الغزالة البرية لا تسمع نغمات برعتك ،لا تلتف إلى حركات قدميك.. ربما .. ربما تفكر فقط في نصل خنجرك .

حرك البارع قدما في اتجاه البحر ..

الأخرى باتجاه اليابسة ..

تهاوى صوت الإيقاع ،وصوت الناي ..

كان البارع يقبض على مقبض الخنجر بيده اليمنى ، وعلى النصل بيده اليسرى، لم يكن المطر وحده يسقط على البساط ، كان هناك شلال أحمر من يدي البارع ، وحدقتيه.

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.