ثمن العقد الذي يجب أن ندفعه جميعا

[يوسف الأنصاري]

بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

.. ( ثمن العقد الذي يجب أن ندفعه جميعا ) ..

الفصل الأخير ..( أتمنى لو كان حلماً ) ..

في الحانة ..
مع صوت القطار مسرعاً ..

- ( أدهم ) ( أدهم ) ( أدهم ) ..
ما الأمر تبدوا شارد الذهن ؟

- اشاهد حلماً على ما يبدوا !

- صوتك مهزوز ! أهذا لأنك ثمل ..؟


- أتمنى أن أكون ؟ ..
لكني لست كذلك .. !

( ثم ابتلع ما بقي من كأسه ) ..
وهو ليس بحلم .. !!
نعم ليس كذلك أبداً !! ..

الفصل الأول ( قابض الأرواح ، سرير غطاء وكفن ) ..

- المسنة :
- اعلم بأنك هنا ! ..كنت بانتظارك ..يبدوا أن هو الشيء الوحيد الذي يفصل بيني وبين الموت ! ..

( رجل يرتدي عباءة سوداء ، قناع يخفي هويته ) ..
تقدم بخطوات واثقة ..
إلى غرفة يتوسطها سرير فاخر تحيطه ستائر معقودة شبه شفافة ، يتوسط السرير امرأة تستلقي بوقار ، ضوء الغرفة الخافت يعكس الظلال على غطاء تلحف به جسد المسنة ليبدوا كما لو انه الكفن لاسيما وكل شيء باللون الأبيض ..

- المسنة :
اذا التقنا ، الجميع يتحدث بشأنك .. على ما يبدوا تحمل روح مشاكسة بداخلك ..

- أدهم :
نعم ..أخيراً ! ..
تبدوا الفوضى تناسبك .. ! ..

- المسنة :
في الحقيقة لم أعد متأكدة حتى من نفسي بعد الآن ..
( كحححح ) ....

الفصل الثاني ( كلانا ) ..

- المسنة :
خطوة خطرة تلك التي دبرتها للنقابة ؟ أعني الإنقلاب ضدها ؟؟! ..
افترض بانهم لن يدعوك لتكتشف ذلك ؟ .. سيلاحقونك .. ! أووه نعم تعلم كيف يبدوا الأمر عادلاً فهذه عاقبة المقاول على كل حال .. !

- أدهم :
اعلم بنواياهم منذ البداية ! ، لكني قررت فضحهم.. وحتماً لا أبرر الأعمال القبيحة التي ارتكبتها لأجل ذلك ! ..

- المسنة :
ها انت ذا ايها الأدهم امضي لما قدمت لأجله ! ..
( لم يهتز أو يرمش كونها أفصحت عن هويته ) ..

لتكمل :
ابدأ بسحرك المعتاد .. فالمقاولين أمثالك لا يترددوا .. !

- أدهم :
لست غبياً ، كون الطريقة التي يعمل بها المقاول تجعل القتل كما لو كان التفكير المنطقي لحل المشاكل .. !
ما أراه الآن عاطفة امرأة مقبلة على الهلاك .. !

الفصل الثالث ( لا يوجد فرق ) ..

- المسنة :
لم انشأ المنظمة لتكون الحرب السبيل لبناء الإنسانية ، بل تمهيداً للسلام ..
انظر إلى فخر المقاولين اليوم بينما لم يكن لديهم سوا مصير محتوم ..

أتعلم الفرق بين المقاول وغيره ؟

- أدهم :
ليس لدى المقاول قلب ..

( تفتح عيناها لأول مرة ، تنظر مباشرة نحوه )
- المسنة :
.. يبدوا صوتها مبحوحاً لتكمل : أذلك صحيح ! ..

- أدهم :
ليس لدى المقاول ضمير ..

- المسنة :
يبقى الذنب ذنباً ، لا يختلف ..
ستكون هنالك نفس الآثام والعواقب ..لنتجاهلها بتقبل النتائج ..

- أدهم :
لديهم قدرات مخيفة تميزهم عن غيرهم ، تم تجريدهم الطفولة ليغدوا مجرد قتلة دون عاطفة ..
اطلقت النقابة عليهم مقاولين لأن عقد الحياة لديهم يسدد ثمنه بانعدام أدنى كيان للإنسانية بداخلهم ..

- المسنة :
ذلك ليس سوى شيء اضافي ..
حتى بدون القدرات ، تستطيع أن تنهب حياة برصاصة ، بسيف ، حتى بمجرد يديك العاريتين ! ..
الجرائم لن تزال من الوجود ..
لا اختلاف بين المقاول وأي شخص آخر ! ..
كلنا بشر .. ويبقى بعض البشر أسوء من ذلك حتى !!! ..



- أدهم :
يبدوا لي بأن المقاول أحقر من أن يكون كذلك ..
اننا نعيش وسط الخوف والإنتقام ، هذا ما يجلب المزيد من الدماء ،الدمار والعار .. وهكذا ترى النقابة العالم .. وهكذا نستخدم كأدوات لديها ..

- المسنة :
بامكان المقاول أن يرى الأحلام ..

- ادهم :
احقاً ! أي حلم رأيت اذاً ؟؟؟

- المسنة :
لقد رأيت هذا الحلم منذ عشرات السنين ..ربما لم يكن الحلم المثالي وقتها .. لكنه أقرب إلى ما نستحق ..

انه يتحقق .. استطيع أن اجزم !
لقد تثمن استقرار البشرية أخيراً ، بعد عقود من الحروب ، حروب اختارتنا ، برغم ذلك لم نملك الوقت لنواري من خلفته منا ، الآن اصبح هذا الجيل قادر على رفاهية الحياة بفضل ذلك ، سيأتي يوم يكون صراعهم مختلف جذريا عما قاتلنا لأجله ..

الفصل الرابع ( انت ميتة مسبقاً ) ..

( اككككح ، تبصق دما ) ..
- المسنة :
أذيت كثيراً من الناس ..
كانت مكافآتي عظيمة للوصول إلى هذا الحد ..
لكنها لم تكتمل بعد ..
يجب أن يدفع ثمن العقد كاملاً ..
صدق ذلك أو لا ، تلك الإشاعة صحيحة ، هنالك حرب قادمة بين المقاولين والبشر ، ستدمر كل شيء ، علمت الآن مدى توغل النقابة في الأمر ، هذا ما أريد ايقافه الآن ، أنت اردت انهاء ذلك ..؟ أليس هذا صحيح ؟؟



- أدهم :
( اشار إليها وهي تحاول النهوض ) ..
..لكل حرب مخلفاتها ..!!

- المسنة :
من خلال نظراتك ، أجزم بانك تعلم ما عليك فعله ، لقد قبلت مصيري ، وعشت كفاية لأقهر هذا الخوف ..

- أدهم :
يا إلهي كم أكره المقاولين ، كائنات بغيضة لا تملك أدنى شعور ..
برغم ذلك يبدوا الأمر ساخراً ..
عندما يتحدث مقاول مثلك عن التكفير ..

اعلم كل هذا .. !!!
ألم تفهمي بعد ؟؟؟؟؟ !! ..
انت ميتة مسبقاً..
لقد خانتك النقابة !
يالحقارتهم وجرأتهم ..

..بماذا أفكر ! ، حتى برحيلك وتفكك النقابة ، ستبقى أفكارها العفنة متوغلة لفترة طولية في عقول المجتمع ، لكن بفطرتهم وعميقاً في قلوبهم ثقة وايمان بالإنسانية .. بالمستقبل .. هذا ما بقي لهم ، لنكافئهم على صبرهم بوهم الأمل .. ولنعطي شكوكهم مساحة لتمسح آثام الماضي ، ولنبقي جيلاً قادم نقي يجهل ما ارتكبه اشخاص مثلي ومثلك ، ربما حتى تدوني بطلة في كتبهم .. ههع من يدري ..

( أخذت تسعل الدماء بحدة ) ...
بدأ رأسها يترنح وهي تدير بصرها جهة المحلول الطبي الموصول بجسدها ..
... زادت سوء ، فزعت بقبضتها لتقلع قلادتها .. تشنجت بالكامل ..
تصدر طرقعة أنفاس تقاتل لإحياء الهواء إلى صدرها العاجز .. تدلى لسانها ..
اخذت رغوة بيضاء ترتجع من فمها ..


و ..
وبينما تنزع ..
تزامن ضجيج القطار مع نفسها الأخير ..

الفصل ما قبل الأخير ( الجميع يبكي من الداخل ) ..

ذهب حيث هي ، اغمض عيناها ..
وهو يتنهد ..انتزع من بين اصابعها تلك القلادة ..
لم يكن بها سوا ..
صورة لفتاة مبتسمة ..
بريئة ، كليهما .. الفتاة والإبتسامة ..
لطخت القلادة بالدم ..
غطى بمعطفه جثمان المسنة ، انتزع قناعه وضعه هناك حيث الدماء والفوضى ..
اسدل الستائر ..




رفع هاتفه يجري حواراً من خلاله :
( نعم ..لا يمكن تأجيله ، الحانة ! . اووه نعم قرب محطة القطار .. ) ..


وما ان خطى للخارج ..
حتى امطرت ..

لكنه لم يهتم ..
او هكذا اخفى ..

( النهاية ) ..