محمد عابد الجابري (1936 - الآن)
أستاذ الفلسفة و الفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب بالرباط . ولد عام 1936
و حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في عام 1967 حصل على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس - كلية الآداب عام 1970،
يشغل حالياً منصب استاذ في الفكر الفلسفي والإسلامي في جامعة محمد الخامس في المغرب .
أغنى المكتبة العربية بتأليفه 30 كتاباً تدور حول قضايا الفكر المعاصر ويعد «توطين الفكر العربي»
أهمها وكان قد ترجم إلى عدة لغات، حصل على جائزة بغداد للثقافة العربية من اليونسكو عام 1988
والجائزة المغربية للثقافة في تونس عام 1999، يعتبر د. الجابر من اهم المفكرين المغربيين
الذين تركوا بصمة واضحة في الأدب العربي المعاصر.
الجابري بدأ بطرح نظرياته المتقحمة في مسألة "نقد العقل العربي"، منذ مطلع الثمانينيات،
حين أصدر كتابه "نحن والتراث" (1980)، الذي أعلن فيه بصراحة أن العقل العربي قام بـ"إلغاء الزمان والتطور"
عن طريق رؤية الحاضر والمستقبل، من خلال الماضي،
فهو فكر لاتاريخي ذو "زمان راكد" لا يتحرك ولا يتموج. " لذلك كانت قراءته للتراث قراءة سلفية تنزه الماضي وتقدسه وتستمد منه الحلول الجاهزة لمشاكل الحاضر والمستقبل" (ط 6، ص19). وأعقبه بـ"الخطاب العربي المعاصر" (1982)، الذي يعتبر مدخلا ثانيا لـ"نقد العقل العربي"، إذ يشكك فيه بأن العرب تمكنوا من تحقيق شيء كثير من نهضتهم المأمولة. ويتساءل، في مقدمته، هل هم "يغالبون، بدون أمل، الخطى التي تنزلق بهم إلى الوراء".
وهي حقيقة لاحظها هذا المفكر منذ زمن طويل. وقد تفاقمت على نحو متواصل حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من كوارث يومية متزايدة. ثم يشير إلى مختلف الميادين التي بحثها المفكرون لتشخيص الداء، ويردف قائلا "ميدان واحد لم تتجه إليه أصابع الاتهام بعد، وبشكل جدي صارم، هو تلك القوة أو الملكة أو الأداة التي بها يقرأ العربي ويرى ويحلم ويفكر ويحاكم. إنه العقل العربي ذاته" (ط4، ص7-8).
ثم شرع بإصدار مشروعه الكبير في "نقد العقل العربي"، أو بالأحرى تشريح هذا العقل، الذي بدأه بـ"تكوين العقل العربي" (1982)، فـ"بنية العقل العربي" (1986)، فـ"العقل السياسي العربي" (1990)، وصولا إلى " العقل الأخلاقي العربي" (2001) .
كيف يتسنى لفيلسوف يجمع بين الاشتغال المعرفي/الفلسفي والعمل السياسي/ الحزبي أن يؤسس لمقاربات فيها قدر معقول من التجرد والموضوعية؟! إننا وإن كنا منذ البداية نعتقد أن الموضوعية الوحيدة في أي اشتغال معرفي -كما يقول بعض علماء الاجتماع- هي أن يعتقد الباحث أنه غير موضوعي
فإن هذا لن يمنعنا من القول بأنه ليس من العيب أن يكون المثقف (بالمعنى العام والشامل) منخرطا في قضايا سياسية وحزبية، إذا كان هذا المثقف يستطيع أن يضع بينه وبين الأحداث "مسافة" معينة تمكنه من رؤية الأمور على حقيقتها،
أو على الأقل أن يرى شيئا من حقيقتها؛ إذ المطلوب من المثقف الحزبي أن تكون لديه ضمانات معرفية ومنهجية تجعله يطمئن إلى "حتمية" الوصول إلى صياغة مقاربات تقترب من ملامسة الإشكاليات والظواهر المختلفة.
إن المشكلة الأساسية تحصل عندما تكون الاختيارات السياسية/الحزبية بمنزلة المنظار الذي من خلاله ينظر المثقف إلى موضوعاته ذات الطابع المعرفي؛ فتتلون المقاربات والظواهر بلون هذه الاختيارات القبلية، ومن ثم تتحول المعرفة إلى أيديولوجيا.
ومن بين المثقفين العرب الذين اشتغلوا بالثقافة والسياسة في آن واحد الفيلسوف العربي محمد عابد الجابري؛ إذ تأرجح طوال مسيرته الفلسفية بين التعمق في قضايا التراث العربي والعقل العربي.. وبين الانخراط في العمل السياسي الحزبي. وكثيرا ما مال الجابري إلى اعتقاد؛ مفاده أن المثقف الحقيقي ينبغي أن يظل دائما "فوق" السياسي
أي أن يكون المثقف هو الذي يوجه السياسي، وأن تكون السياسات التي يبنيها السياسي مبنية على ما وصل إليه المثقف من تأسيسات نظرية ومن تقديرات للمواقف.
إن المثقف المحنك تماشيا مع هذه الرؤية هو الذي يحصر همه في فهم الظواهر والأحداث، أما السياسي الناجح فهو الذي يتلقف ذلك الفهم؛ فيحوله إلى خطط وبرامج من أجل التغيير؛ فرسالة المثقف هي الفهم،
ورسالة السياسي هي التغيير. وعندما يكون الإنسان مثقفا وسياسيا في نفس الوقت فإن عملية الجمع بين الفهم السليم والتغيير الناجح تظل معادلة صعبة لا يقوى على حلها إلا من فهم حدود كل من الثقافي والسياسي، وأدرك ما بينهما من جدلية.
وقد أصدر الجابري مؤخرا عددا جديدا من سلسلة: "مواقف إضاءات وشهادات"؛ هذه السلسلة عبارة عن كتب
وهي أقرب إلى جنس السيرة الذاتية منها إلى الكتابات الأكاديمية. وقد ارتأينا أن يقتصر عرضنا على ما جاء في العدد 22 من هذه السلسلة؛ بسبب ما تضمنه من مقاربات لبعض الأسئلة المعرفية والثقافية
التي طالما نذر الجابري نفسه وكرس حياته لخدمتها. ومجمل ما جاء في هذه المقاربات هو جزء من بعض الحوارات التي أجريت مؤخرا مع الجابري. وقد حاولنا في هذه المساهمة أن نرتب تلكم المقاربات المنثورة في ثنايا الكتاب كله تحت عناوين كبيرة تختصر الاتجاه العام للأفكار.