ذَاكِرَةٌ مُكَعَّبَةٌ | مُحَمَّدْ الْبْلُوِي - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
الهبوب الصلف (الكاتـب : عادل الدوسري - مشاركات : 0 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 3847 - )           »          صالون النثر الأدبي 3 (الربيع ) (الكاتـب : نادرة عبدالحي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 66 - )           »          مَا لَمْ أقله لكـ (الكاتـب : محمد سلمان البلوي - آخر مشاركة : صالح العرجان - مشاركات : 1977 - )           »          بَازَلْت (الكاتـب : عَلاَمَ - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 12 - )           »          ورّاق الشعر [ تفعيلة ] (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 12 - )           »          خربشات لا أكثر .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 9 - )           »          فَــوَاق ! (الكاتـب : ماجد العيد - آخر مشاركة : نوف الناصر - مشاركات : 13 - )           »          مُعْتَكَفْ .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 60 - )           »          سقيا الحنايا من كؤوس المحابر (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 7436 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد الهدوء

أبعاد الهدوء اجْعَلْ مِنَ الْهُدُوْءِ إبْدَاعَاً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-06-2014, 09:41 AM   #1
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي ذَاكِرَةٌ مُكَعَّبَةٌ | مُحَمَّدْ الْبْلُوِي


ذَاكِرَةٌ مُكَعَّبَةٌ

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2014, 09:50 AM   #2
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي الْحُبُّ الْحَقِيْقِي | مُحَمَّدْ الْبْلُوِي



الْحُبُّ الْحَقِيْقِي

اِسْمُكِ، بِحُرُوْفِهِ الْأَرْبَعَة، أَعْرِفُهُ جَيِّدًا، وَتَتَشَبَّثُ بِهِ ذَاكِرَتِي؛ كَمَا لَوْ أَنَّهَا اِتَّخَذَتْهُ اِسْمًا لَهَا، أَمَّا أَنْتِ؛ فَلَا أَعْرِفُكِ، أَكْذِبُ إِنْ قُلْتُ أَعْرِفُكِ، وَأمَّا وَجْهُكِ؛ فَعَنْ ظَهْرِ حُبٍّ أَعْرِفُهُ، لَا أَعْرِفُ كَيْفَ تَسَلَّلَ إِلَى جِهَاتِي كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُ صَارَ وِجْهَتِي الْوَحِيْدَة؛ ثُمَّ مَحَطَّتِي الْأَخِيْرَة. لَا أَرَاكِ كَامْرَأَةٍ، وَلَا أَتَذَكَّركِ إِلَّا كَفِكْرَةٍ نَاضِجَةٍ؛ لْنْ أَقُوْلَ عَابِرَةً؛ وَلَكِنَّهَا فِي لَحْظَةٍ مَا عَبَرَتِ الْفَضَاءَ لِتَشْرَبَ مِنْ مِدَادِ رُوْحِيَ قَطْرَةً، ثُمَّ اِسْتَقَرَّتْ؛ فَأَغْرَقَتْنِي فِي فَرَاغِ غُمُوْضِهَا، وَبَيْنَ يَقِيْنِي وَتَخْمِيْنِي؛ أَبْقَتْنِي حَائِرًا وَمُعَلَّقًا. وَالْعَجِيْبُ! أَنَّنِي بِكِ أَعْرِفُنِي، لَيْسَ تَمَامَ الْمَعْرِفَةِ، وَلَكِنْ بِمَا يَكْفِي لِأَنْ: أُحِبَّنِي قَلِيْلًا، وَأَكْرَهَنِي كَثِيْرًا، وَأُحِبَّكِ كَثِيْرًا، وَأَكْرَهَكِ قَلِيْلًا. وَأَظُنُّهَا الْقَضِيَّةُ أَكْبَرُ مِنْكِ وَأَكْبَرُ مِنِّي، وَأَكْبَرُ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْكُرْهِ، لَا أَعْرِفُ كُنْهَهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ، وَلَا أَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ أَتَتْ وَلَا كَيْفَ وَلَا مَتَى بَدَأَتْ! وَلَكِنِّي أَبْصَرْتُ أُمِّي تَبْكِي -ذَاتَ يَوْمٍ- وَأَبِي يَضْحَكُ، فَقَطْ؛ يَضْحَكُ؛ فَأَدْرَكْتُ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مَا غَابَ عَنِّي؛ أَوْ سَقَطَ مِنِّي. كَانَتْ تَبْكِي بِسَبَبِهِ وَلِأَنَّهَا أَحَبَّتْهُ، وَكَانَ يَضْحَكُ لِسَبَبٍ مَا، رُبَّمَا لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِهِ، وَأَنْتِ مِثْلُ أُمِّي، وَأَنَا مِثْلُ أَبِي؛ عَلَّمَتْكِ، وَعَلَّمَنِيْ، عَلِمَا، فَعَلِمْنَا: أَنَّ عَلِيْهَا أَنْ تُحِبَّ وَأَنْ تَبْكِي، وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَضْحَكَ لِسَبَبٍ مَا.

تُشْبِهُ الْكِتَابَةُ إِلَى اِمْرَأَةٍ مَا؛ الْكِتَابَةَ إِلَى أُمَّةٍ بِأَسْرِهَا، وَأَنَا لَا أُرِيْدُكِ قِدِّيْسَةً وَلَا مَاجِنَةً، فَقَطْ؛ كُوْنِي إِنْسَانَةً، ثُمَّ كُوْنِي، إِنْ شِئْتِ، مُقِيْمَةً أَوْ زَائِرَةً. لَوْ أَدْرَكَ الرِّجَالُ، يَا عَزِيْزَتِي، أَنَّ مَا يَحْكُمُ كُلَّ اِمْرَأَةٍ فِي عَلَاقَتِهَا بِرَجُلِهَا وَيَتَحَكَّمُ بِهَا؛ هِيَ غَرِيْزَةُ الْأُمُوْمَةِ؛ لَمَا خَسِرَ أَحَدٌ مِنْهُمُ قَلْبَ اِمْرَأَةٍ أَحَبَّتْهُ، وَلَأَثَّرَ كَثِيْرًا فِي قَلْبِ كُلِّ اِمْرَأَةٍ أَحَبَّهَا، إِلَّا أَنْ يَكُوْنَ شَاذًّا أَوْ مُكَابِرًا أَوْ لَئِيْمًا. تُرِيْدُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلَ طِفْلَهَا، وَأَنْ تَكُوْنَ أُمَّهُ، مُذْ كَانَتْ طِفْلَةً؛ وَهيَ تَحْلُمُ أَنْ تَكُوْنَ أُمًّا، وَمُذْ كَانَتْ أُمَّهُ؛ وَهيَ تُدْرِكُ أَنْ ثَمَّةَ أُمًّا أُخْرَى سَتَسْرِقهُ مِنْهَا. تُرِيْدُ الْمَرْأَةُ مَحَبَّةَ الرَّجُلِ وَحَنَانَهُ وَحِمَايَتَهُ لَهَا...، وَلَكِنَّهَا قَبْلَ هَذَا تُرِيْدُهُ طِفْلًا لَهَا؛ وَلَوْ كَانَ مُشَاغِبًا أَوْ فَظًّا أَوْ غَلِيْظًا. وَيُرِيْدُ الرَّجُلُ -غَالِبًاً- مِنْ كُلِّ اِمْرأَةٍ يَلْقَاهَا شَيْئًا مَا، وَمِنِ اِمْرَأَتِهِ يُرِيْدُ كُلَّ شَيءٍ؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيْهِ حَقٌّ، وَلَا يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ حَامِيًا وَلَا حَانِيًا وَلَا حَبِيْبًا وَلَا زَوْجًا وَلَا أَبًا... دُوْنَ مُقَابِلٍ. أَنَا لَا أُعَمِّمُ، وَلَا أُحَاوِلُ أَنْ أُخِيْفَكِ؛ وَلَكِنِّي أُصَارِحُكِ بِمَا فِي قَلْبِي؛ لِتَطْمَئِنِّي!.

قَدْ تَكُوْنُ الْعَشَرَةُ عَلَى الشَّجَرَةِ أَضْمَنُ مِمَّا فِي الْيَدِ! وَقَدْ يُعِيْدُ الْعُصْفُوْرَانِ الْحَجَرَ إِلَى الصَّيَّادِ -الَّذِي رَمَى؛ فَأَخْطَأَ- ثُمَّ يَتَظَاهَرَانِ بِالسُّقُوْطِ أَوْ بِالْمَوْتِ! قَدْ...، وَقَدْ...، قَالَتِ الْمَرْأَةُ -وَقَدْ تَجَلَّتْ حِكْمَتُهَا- ثُمَّ أَرْدَفَتْ: أُحِبُّ السَّمَكَ يَكْوْن طَازَجًا، وَأُحِبُّ الشِّبَاكَ تُنْصَب لِي، وَمَحَبَّتِي لِلصَّيَّادِ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيْرةٍ؛ مِنْهَا: هَلْ يَصْطَادُ السَّمَكَةَ لِيَأْكُلَهَا أَمْ لِيَبِيْعَهَا، وَالَّذِي يَحْتَفِظُ –مِنْهُمْ- بِهَا لِلزِّيْنَةِ؛ أَكْرَهُهُ كَثِيْرًا! تُصِيْبُنِي الْمَرَايَا -رَغْمَ مَحَبَّتِي لَهَا- بِالِانْفِصَامِ؛ إِذْ أَنَّهَا تُفرِّقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالصُّوْرَةِ بِخَيْطٍ رَفِيْعٍ مِنَ الْوَهْمِ أَوْ بِخَطٍّ؛ يَجْعَلنِي أَخْلُطُ بَيْنَهُمَا وَأَحْتَارُ؛ أَيُّهُمَا أَجْمَلُ، وَأَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيْقَةِ. تِلْكَ كَانَتْ حَبِيْبَتِي، وَلَمْ أَكُنْ حَبِيْبَهَا. تِلْكَ كُنْتُ حَبِيْبَهَا، وَلَمْ تَكُنْ حَبِيْبَتِي. كُنَّا بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْكُرْهِ؛ نَتَبَادَلُ التُّهَمَ وَالْأَدْوَارَ وَالضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ وَالْقُبَلَ وَالشَّتَائِمَ الْبَذِيْئَةَ، وَكَانَتْ تُصِيْبُنِي حِكْمَتُهَا بِالدُّوَارِ، وَحَمَاقَاتِي تُصِيْبُهَا بِالْغَثَيَانِ؛ وَلَكِنَّنَا لَمْ نُعْلِنْ –وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ- أَمَامَ نَفْسَيْنَا الْهَزِيْمَةَ، كُنَّا نُكَابِرُ مَا اسْتَطَعْنَا؛ كَي لَا يَتَغَلَّبَ عَلَيْنَا الْفِرَاقُ، وَنُعَانِدُ الْإِهْمَالَ وَالنِّسْيَانَ؛ بِاخْتِلَاقِ الْمُصَادَمَاتِ وَالْمُصَادَفَاتِ، كَأَنْ أَدْلُقَ الْقَهْوَةَ عَلَى رُكْبَتِهَا؛ فَتَثُوْر! أَوْ تَدُسَّ فِي جِيْبِ قَمِيْصِي رِسَالَةً مَجْهُوْلَةَ الْهَوِيَّة؛ ثُمَّ تَتْهِمنِي بِالْخِيَانَةِ وَالْعُقُوْقِ! كَانَتْ مَجْنُوْنَةً، وَكُنْتُ أَكْثَر مِنْهَا جُنُوْنًا، وَكَانَتْ أَيَّامُنَا جَمِيْلَةً، جَمِيْلَة جِدًّا وَعَجِيْبَة!.

وَالْيَوْم؛ لَا سَمَاءَ تُظَلِّلُ خَيْمَتِي، وَلَا وَسِيْلَةَ تُنْقِذُنِي مِنْ خَيْبَتِي، لَا جَنَاحَ، وَلَا شِرَاعَ، وَلَا قَدَمَ تَسُوْقُهَا قَافِلَةٌ، أَوْ طَرِيْقَ تَتْبَعُهَا مَدِيْنَةٌ، وَلَا مِصْبَاحَ، وَلَا مِفْتَاحَ، وَلَا لُغَةَ أَعْرِفُهَا؛ تُلْقِي عَلَيَّ التَّحِيَّةَ؛ فَأُرَحِّبُ بِهَا بِقَصِيْدَةٍ، وَلَا فِكْرَةَ تَنُوْءُ بِي؛ فَأُجْهِضهَا، أو تُنْجِبنِي، وَلَا اِمْرَأَةَ تَزُوْرُنِي؛ فَأَجْذِبهَا، أَوْ تَجْذِبنِي، وَلَا سَبِيْلَ لِلْبُكَاءِ أَوِ الصَّهِيْلِ، لَا شَيءَ، لَا شَيءَ، غَيْرَ طَيْفِكِ وَسَجَائِرِي وَقَهْوَتِي الْبَارِدَة وَمِذْيَاعِي وَجَرِيْدَةٍ قَدِيْمَةٍ!.

وَشْمُ الصَّحْرَاءِ عَلِى سِحْنَتِي السَّمْراءَ تَرْجَمُوْهُ لِلْعِبْرِيَّةِ! مَا هَمَّنِي! مَا هَمَّنِي! إِنْ رَطَنْتُمْ وَتَسَطَّحْتُمْ وَتَبَطَّحْتُمْ وَتَوَرَّطْتُمْ فِي التَّبَعِيَّةِ أَكْثَر، ثُمَّ تَكَالَبْتُمْ عَلَى الْبَرْدَعَةِ! لِي قِلْبِي، وَمَا تَبَقَّى لَكُمْ، وَلِي اِمْرَأةٌ وَاحِدَةٌ؛ هِي الْوَطَنُ، وَأَنَا –الْيَوْمَ- بِلَا وَطَنٍ، أَوْ بِوَطَنٍ أَوْدَعَنِي الْكَفَنَ وَاسْتَوْدَعْتُهُ الْقَدَرَ!.

أُعِيْدُ الْأَشْيَاءَ –عَلَى قِلَّتِهَا- إِلَى مَوَاضِعِهَا وَالْمَشَاعِرَ إِلَى تَوَازُنِهَا، وَأُحَرِّكُ الصَّمْتَ الرَّاكِدَ فِي حَنْجَرَتِي بِنُقْطَةٍ أَخِيْرَةٍ، أَحْسَبُهَا إِلَى الصَّرْخَةِ أَقْرَب، ثُمَّ أَطْوِي الرِّسَالَةَ الْيَتِيْمَةَ، الرِّسَالَة الَّتِي لَا وِجْهَةَ لَهَا، وَأَضَعُ الْقَلَمَ جَانِبًا، وَرَأْسِي عَلَى الْمِخَدَّةِ، ثُمَّ أَعْبَثُ بِمِفْتَاحِ الْمِذْيَاعِ؛ فَيَتَسَلَّلُ إِليَّ صَوْتُكِ –عَبْرَ الْأَثِيْرِ- هَامِسًا: أَنَا فَيْرُوْزُكَ، وَنَجَاتُكَ الصَّغِيْرَة، وَشَادِيَةُ رُوْحكَ؛ إِذْ تَشْدُو بِـ "الْحُبِّ الْحَقِيْقِي".


محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2014, 09:57 AM   #3
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

الصورة الرمزية محمد سلمان البلوي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 145

محمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي نَائِلُ (لَوْنٌ خَدِيْجٌ، ورَائِحَةٌ نَيِّئَةٌ) | مُحَمَّدْ الْبلُوِي



نَائِلُ
(لَوْنٌ خَدِيْجٌ، ورَائِحَةٌ نَيِّئَةٌ)


مِنْ حَاسَّةِ الرَّسْمِ فَاضَ الْأَزْرَقُ عَلَى يَدِي الْـ تُشْبِهُ الشَّجَرَةَ وَيَدِكِ الْـ تُشْبِهُ النَّهْرَ، لَمْ تَكُنِ الْفِكْرَةُ أَنْ نَتَصَافَحَ فَنَغْرَقَ ولَا أَنْ نَتَعَانَقَ فَنَحْتَرِقَ، كُنْتُ أَظُنُّنَا بِالْحُبِّ سَنَشْتَعِلُ، وَكَانَ يَكْفِيْنَا مُرُوْرٌ عَابِرٌ يُحْدِثُ شَرَارَةً صَغِيْرَةً عِوَضًا عَنْ هَذَا الطُّوْفَانِ الْمُدَمِّرِ، مُرُوْرٌ يُشْبِهُ قُبْلَةً خَاطِفَةً عَلَى ثَغْرِ جَمْرَةٍ خَافِتَةٍ؛ لَا تُثَارُ؛ فتَضُرُّ.

حَسَنًا، حَسَنًا، لَقَدْ أَخْطَأْتُ؛ فَرُبَّمَا كَانَ مِنَ الْأَصْوَبِ الْقَوْلُ: يَدُكِ الشَّجَرَةُ، وَيَدِيْ النَّهْرُ. فَأَنَا مَنْ يَجْلِبُ الْمَاءَ وَيَحْلِبُ اللَّوْنَ، وأَنْتِ مَنْ يَطْرَحُ الثَّمَرَةَ ويَمُدُّ الظِّلَّ، وَأَظُنُّنِي أَخْطَأْتُ -أَيْضًا- إِذْ عَانَقْتُكِ بَدَلًا مِنَ الْفِكْرَةِ ذَاتِهَا؛ فَكَسَرْنَا الضَّوْءَ، وَغَرِقْنَا –لِلَحْظَةٍ- فِيْ عَسَلِ الْخَاصِرَةِ؛ أَوْ كِدْنَا.

فَلْتَعْلَمِيْ –يَا مَاجِدَةُ- أَنَّنِي لَمْ أَسْرِقْ أَحْلَامَ أَحَدٍ، كَمَا أَنَّنِي لَنْ أَحْرُسَ أَحْلامَ أَحَدٍ، وَلَا أَظُنُّنِيْ أَمْتَلِكُ مَا يَسْتَحِقُ السَّرِقَةَ أَوِ الْحِرَاسَةَ، كُنْتُ -فِيْمَا مَضَى- أَحْرُسُ "مَلَاكِيَ الْحَارِسَ" إِلَى أَنْ سَرَقَ نَفْسَهُ مِنِّي ومَضَى؛ فَانْطَفَأَ الزَّيْتُ فِي لَوْحَتِي الْمَاجِنَةِ وَتَبَخَّرَتِ الرُّؤَى. أَنَا الْأَعْمَى، وَذَاكِرَتِي مُكَعَّبَةٌ، أَشُمُّ رَائِحَةَ الْأَلْوَانِ، وَأَرَىْ مَلَامِحَ النُّوْرِ فِي وَجْهِ الظِّلَالِ، وَأَعِي –جَيِّدًا- مَا لَا يُقَالُ، وَأَقْرَأُ مَا لَا يُكْتَبُ، وَأَسْمَعُ الصَّمْتَ، وَأَلْمِسُ الصَّدَىْ، وَأَتَذَوَّقُ رَحَابَةَ الْمَدَىْ وَحِيْرَةَ الْخُطَى، وَأَتَخَيَّلُ شَكْلَ الظَّلَامِ فِيْ الظَّلَامِ وَشَكْلَهُ حِيْنَ يَنَامُ، وَأُضِيءُ؛ وَإِنْ لَمْ يَمْسَسْنِي شَوْقٌ، وَبِالشَّكِّ أَنْطَفِئُ؛ فَلِمَاذَا الْخَوْفُ أَنْكَصَكِ وَأَقْعَدَنِي الذَّنْبُ وَأَعْيَتْنِي الْحِيْرَةُ وَأَكَلَكِ الذِّئْبُ؟!.

أَرْمَلَةُ الْحُبِّ كَانَتْ مَيُّ، وَأَنْتِ فُسْتَانَهُ الْمُزَرْكَشَ؛ الَّذِي لَا تَعْرِفُ أَلْوَانُهُ الْحِيَادَ وَلَا الْحِدَادَ عَلَى أَحَدٍ، أَحْبَبْتُكِ؛ كَمَا لَوْ كُنْتِ صَدِيْقَتِيْ الْوَحِيْدَةَ! وَكَرِهْتُكِ؛ كَمَا لَوْ كُنْتِ قَصِيْدَتِي الْهَزِيْلَةَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَيْكِ وَعَنْكِ أَدْبَرْتُ؛ كَمَا لَوْ كُنْتِ فُرْصَتِي الْأَخِيْرَةَ! لَمْ أُفَكِّرْ –كَثِيْرًا- بِأُنُوْثَتِكِ الْفَائِحَةِ، وَلَا هَمَّ قَمِيْصِي –لِلَحْظَةٍ- بِأَنْفَاسِ عِطْرِكِ السَّادِرِ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدْتُ –جَازِمًا- أَنَّكِ وَرْدَةٌ بَتُوْلٌ مِنْ نَارٍ وَنَادِرَةٌ. عَمَّا قَلِيْلٍ؛ نَلْتَقِي، عَمَّا قَلِيْلٍ؛ نَفْتَرِقُ، أَكَادُ أَشُمُّ رَائِحَةَ الْعِنَاقِ وَالْقُبَلِ، أَكَادُ أَرَانَا فِي صَفْحَةِ الْأَشْوَاقِ المُنْثَالَةِ نَفْتَرِقُ. وَهَذَا الَّذِي ظَنَنْتِهِ أَنَا؛ لَيْسَ أَنَا، وَهَذِيْ الَّتِي ظَنَنْتُهَا أَنْتِ؛ لَيْسَتْ أَنْتِ، فَقَطْ؛ تَشَابَهَتْ عَلَيْنَا فِي الظَّلَامِ الظِّلَالُ وَفِي النِّسْيَانِ الرُّسُوْمُ وَالسِّمَاتُ وَالأَسْمَاءُ.

سَتَفْقِدِيْنَ –يَوْمًا- ظِلَّكِ؛ فَأَنْسَاكِ، وَأَفْقِدُ ظِلِّي؛ فَتَتَذَكَّرِيْنَنِي، بَيْنَمَا الْآنَ؛ لَا أَحَدَ مِنَّا يَفْتَقِدُ الْآخَرَ؛ سِيَّانَ عِنْدَهُ غَابَ أَمْ حَضَرَ، وَلِلْغِيَابِ فِي قَلْبِي غُصَّتَانِ: غُصَّةٌ طَوَتْهَا الْغُرْبَةُ، وغُصَّةٌ تَحْنِيْهَا الْخَيْبَةُ. وَأَنَا بَيْنَ حَابِلٍ ونَابِلٍ؛ أَقْضِمُ أَصَابِعَ نَائِلَ، وَأَشْتُمُ -بِكُلِّ مَحَبَّةٍ- أُمَّهُ؛ أُمُّهُ الْـ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ، فَـ وُلِدَ خَدِيْجًا مِنْ صُلْبِ الْمِدَادِ وَرَحِمِ الْفِكْرَةِ، وَنَمَا يَتِيْمًا فِي قَلْبِ النَّخْلَةِ، وَكُنْتُ -كَالْأَبِ الْجَانِي- بِعُنْفٍ أَهُزُّهُ، ثُمَّ مِنْ عَقِبَيْهِ -فِي الرُّكْنِ الْمُعْتِمِ مِنَ الْقِصَّةِ- أُعَلِّقُهُ، وَأُحَاوِلُ بِالْكِتَابَةِ أَنْ أُرَوِّضَهُ، وَبِالْمِمْحَاةِ أَنْ أُعَلِّمَهُ؛ أُعَلِّمُهُ الْجِنَايَةَ وَالرِّمَايَةِ، لَعَلَّهُ إِذَا مَا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي؛ فَأَنْسَانِي أُمَّهُ.

يَا نَائِلُ: لَمْ تَجْرَحِ السَّنَابِلَ بِمِنْجَلِكَ الْمُسَالِمِ؛ فَلِمَ نَبَذَتْكَ الْحُقُوْلُ وَتَسَلَّطَتْ عَلَيْكَ الفَزَّاعَاتُ وَسَطَتِ الْجُحُوْرُ؟! وَأَنْتَ الْعُصْفُورُ الصَّائِمُ عَنِ الْحَبِّ وَالْحُبِّ؛ مُذْ بَذَرْتَ ضُلُوْعَكَ النُّوْرَ فِي أَرْضٍ بُوْرٍ، لَا تُنْبِتُ غَيْرَ الْعُقُوْقِ وَالْجُحُوْدِ! وَأَنْتَ الْفِكْرَةُ الْبِكْرُ؛ الَّتِي اِغْتَلْنَاهَا بِمَكْرٍ، ثُمَّ أَنْكَرْنَا الْجَرِيْمَةَ، وَأَصَابِعُنَا النَّصْلُ تُنَاغِيْ الطِّفْلَ فِيْكَ وَفِيْنَا، ثُمَّ تَرْضَعُ –طَعْنًا- مِنْ مَآقِيْنَا!.

يَا نَائِلُ: نَقْتُلُهُمْ أَبْطَالُ رِوَايَاتِنَا، نَقْتُلُهُمْ دُوْنَ رَحْمَةٍ، وَلِمُجَرَّدِ الْمُتْعَةِ، لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ، وَبِأَبْسَطِ الْأَدَوَاتِ؛ بِالْمِمْحَاةِ –مَثَلًا- أَوْ بِالثِّقَابِ، وَكَذَا يَقْتُلُوْنَنَا؛ إِذَا مَا تَمَكَّنُوْا مِنَّا وَتَسَلَّطُوْا عَلَيْنَا، وَبَعْضُهُمْ يَتَحَوَّلُ –فِي عُقُوْلِنَا- إِلَى شَيَاطِيْنَ تَؤُزُّنَا وتُفَجِّرُ فِيْنَا الْجُنُوْنَ والْفَوْضَى.

يَا نَائِلُ: كُلُّ أَلْوَانِ الْحُبِّ مُخَادِعَةٌ؛ حَتَّى الأَبْيَضَ! وَكُلُّ لُغَاتِهِ كَاذِبَةٌ؛ وَأَكْذَبُهَا الدَّمْعُ! ذَاكِرَتُهُ تَخُوْنُ، وَقَرِيْحَتُهُ تَخُوْنُ، وَدَوَاتُهُ، وَمِمْحَاتُهُ، وَأَصَابِعُهُ، وَأَضْلَاعُهُ، وَرَقَصَاتُهُ، وَشُمُوْعُهُ، وَقُبَلُهُ، وَعُطُوْرُهُ، وَمَرَايَاهُ، وَصُوَرُهُ، وَهَدَايَاهُ، وَوُرُوْدُهُ، وَسَجَائِرُهُ، وَجَرَائِدُهُ، وَمَقَاعِدُهُ، وَقَهْوَتُهُ، وَقَمَرُهُ، وَمَطَرُهُ، وَحَقَائِبُهُ، وَمَوَانِئُهُ...، كُلُّهَا، كُلُّهَا تَخُوْنُ! وَأَخْوَنُهَا جَمِيْعًا: شَالُ الْحَرِيْرِ، وَالْمَنْدِيْلُ، وَصُنْدُوْقُ الْبَرِيْدِ، وَالسَّرِيْرُ، وَعُلَبُ الدَّوَاءِ، وَالسُّعَالُ، وَالأَرْصِفَةُ الْـ تَقْذِفُ بِكَ بَغْتَةً فِي قَلْبِ الْعَاصِفَةِ، عَاصِفَة الْأَسْئِلَةِ الْغَبِيَّةِ؛ كَأَنْ تَسْأَلَ نَفْسَكَ -وَقَدْ سَحَقَتْكَ الصَّدْمَةُ-: مَا الَّذِي حَدَثَ؟!.


محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-06-2014, 11:46 AM   #4
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

الصورة الرمزية محمد سلمان البلوي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 145

محمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعةمحمد سلمان البلوي لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي أُمْنِيَةُ | مُحَمَّدْ سَلْمَانْ الْبْلُوِي



أُمْنِيَةُ


- تَبْدُوْ الْأَفْكَارُ مُسْتَدِيْرَةً وَالْكَلِمَاتُ مُسْتَقِيْمَةً وَالْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ لَوْحَةً هَنْدَسِيَّةً كَئِيْبَةً! لَنْ أَكْتُبَ -الْيَوْمَ- شَيْئَاً، وَلَنْ أَرْسُمَ، وَإِنَّمَا سَأُغَنِّي؛ فَهَلْ تُغَنِّي مَعِيْ؟ كَفَاكَ تَذَمُّرًا؛ يَبْعَثُ عَلَى الْاكْتِئَابِ وَيُحَرِّضُنَا عَلَى الْبُكَاءِ! رُبَّمَا غَدَاً، أَوْ بَعْدَ غَدٍ، نَبْكِيْ -مَعًا- وَنَتَوَغَّلُ فِي الْبُكَاءِ؛ إِلَىْ أَنْ نَكِلَّ، بِيْنَمَا –الْآنَ- أُرِيْدُنَا أَنْ نُغَنِّيْ، فَقَطْ نُغَنِّيْ، وَلَوْ أُغْنِيَةً وَاحِدَةً؛ وَلْتَكُنْ، إِنْ شِئْتَ، حَزِيْنَةً. أَنْتَ تُفَكِّرُ كَثِيْرًا، كُلُّنَا نُفَكِّرُ؛ وَلَكِنَّكَ تُفَكِّرُ كَثِيْرَاً، وَهَذِهِ الْـ "كَثِيْرًا" سَتَجْلِبُ عَلِيْكَ وَعَلَيَّ الْمَتَاعِبَ! لَا فَائِدَةَ! فَأَنْتَ كَأُخْتِي الصَّغِيْرة (حُلْمْ)؛ تَتَحَرَّجُ مِنَ الْغِنَاءِ؛ فَتَتَلَعْثَم، يُخيَّلُ إِلَيَّ –أَحْيَانًا- أَنَّكُمَا بَلِيْدَانِ! أَسْتَوْدُعُ اللهَ كُلَّكَ وَقَلْبِي، وَنِكَايَةً بِكَ؛ سَأَمْضِي وَأَنَا أُغَنِّي: "أُحِبُّهُ كَثِيْرًا".

- هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَجْنُوْنَةٌ، مَجْنُوْنَةٌ تَمَامًا، وهِيَ تَدْرِيْ أَنَّهَا مَجْنُوْنَةٌ، ولَا تَتَرَدَّدُ فِي إِظْهَارِ جُنُوْنِهَا!.

- مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ تَكُوْنَ سَاخِرًا؛ فِي زَمَنٍ بَاتَتْ فِيْهِ الْأَفْكَارُ عَوْرَةً، والْجَرِيْئَةُ مِنْهَا تُهْمَةً! وَمِنَ السُّخْرِيَةِ أَنْ تَكُوْنَ –فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ- حَكِيْمًا! سَأَمْتَنِعُ عَنِ الْكِتَابَةِ وَالرَّسْمِ؛ إِلَىْ أَنْ يَتَوَقَّفَ الْمَوْتُ عَنْ سَحْلِ الْأَطْفَالِ وَالْقُبْحُ عَنْ سَحْقِ الْجَمَالِ، عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ شَيْئًا غَيْرَ التَّحْبِيْرِ وَالتَّلْوِيْنِ؛ مَا فَائِدَةُ الْقَلَمِ الْعَاجِزِ وَالْفُرْشَاةِ الْكَسِيْحَةِ؟! لَسْتُ أَسْأَلُكَ؛ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ اللهَ، الله الَّذِي يُحِبُّ الْأَطْفَالَ وَالْجَمَالَ وَيُحِبُّنَا، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَسْتَوْدِعُهُ كُلَّكَ وَقَلْبِي.

- أَظُنُّكِ أَكْثَرُ الْمَجَانِيْنِ عَقْلًا، وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ جُنُوْنًا، وَلَا أَدْرِي إِنْ كُنْتِ مَجْنُوْنَةً عَاقِلَةً أَوْ عَاقِلَةً مَجْنُوْنَةً! وَلَكِنَّهُ الْجُنُوْنُ لَا يُفَارِقُكِ الْبَتَّةَ!.

- فِي كُلِّ شَارِعٍ سَيَّارَةٌ مُفَخَّخَةٌ وَحِزَامٌ نَاسِفٌ أَوْ عُبُوَّةٌ، أَكْرَهُ كَاتِمَاتِ الصَّوْتِ وَالْأَمَاكِنَ الْمُرْتَفِعَةَ! وَأَمْقُتُ الْأَحْزَابَ كُلَّهَا والشِّعَارَاتِ الْجَوْفَاءَ والرَّايَاتِ الْمُلَوَّثَةَ والْوَجَبَاتِ السَّرِيْعَةَ! وأَشْعُرُ –دَائِمًا- أَنْ ثَمَّةَ مَنْ يَتَرَصَّدُنِي وَيَتَرَبَّصُ بِي؛ وَلَكِنِّي لَا أُبَالِيْ! وَلَا أَظُنُّكَ تُبَالِي! فَأَنْتَ تَعْشَقُ الْخَطَرَ مِثْلِي! وَتُغَامِرُ بِرَأْسِكَ أَكْثَر مِنِّي! هَلْ تَسْمَعُنِي؟ كُنْتُ أُحَدِّثُكَ عَنْ أَسْعَارِ الْفِجْلِ! أَتْعَبْتَ قَلْبِي يَا رَجُلْ! أَسْتَوْدُعُ اللهَ كُلَّكَ وقَلْبِي.

- سَأَمُوْتُ قَبْلَكِ، وَرُبَّمَا بِسَبَبُكِ!.

- بَيْنَ الْبَابِ وَالْبَابِ؛ رَجُلٌ يُحِيِّي الْمَارَّةَ بِبَشَاشَةٍ، وَيَشْتُمُ السَّجَّانَ، وَرُبَّمَا كَانَ بَابُ بَيْتِهِ وَبَابُ سِجْنِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ ذَاتِهَا أَوْ مِنَ الْمَنْجَمِ ذَاتِهِ! لَا يَهُمُّ! لَقَدْ زُرْتُ -الْيَوْمَ- أَبِي، حَدَّثَنِي عَنْ رِفَاقِهِ وَعَنْ زِنْزَانَتِهِ ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْكَ؛ فَأَجَبْتُهُ أَنَّكَ بِخَيْرٍ، وَلَكِنَّكَ صَائِمٌ –مِثْلِي- عَنِ الْكِتَابَةِ والرَّسْمِ؛ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكَاً وَقَالَ: كِلَاكُمَا مَجْنُوْنٌ! ثُمَّ كَلَّفَنِي بِإِيْصَالِ رِسَالَةٍ شَفَوِيَّةٍ إِلَى أَحَدِهِمْ. عَلَى الْعُمُوْمِ؛ أَسْتَوْدُعُ اللهَ كُلَّكَ وقَلْبِي يَا مَ جْ نُ وْ نُ!.

- نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة، أَمَّا أَنْتِ؛ فَنَعْمْ، وَأَمَّا أَنَا؛ فَلَا.

- تُغْرِيْكَ بَنَاتُ أَفْكَارِيْ أَكْثَر مِنِّي! وَيَسْتَهْوِيْكَ عَقْلِي أَكْثَر من رَسْمِي! لَسْتُ جَمِيْلَةً إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يُحَرِّكُ رَغَبَاتِكَ وَيَجْعَلُ لُعَابَ فُحُوْلَتِكَ يَسِيْلُ عَلَى فُتَاتِ أُنُوْثَتِي! أَعِي هَذِهِ الْحَقِيْقَةَ جَيِّدًا، وَأَعِي –أَيْضًا- أَنَّكَ فَنَّانٌ مُوْلَعٌ بِالْجَمَالِ، وَمَعْ هَذَا؛ فَأَنَا لَسْتُ دَمِيْمَةَ الْقَسَمَاتِ وَلَا قَبِيْحَةَ الْمَلَامِح وَالتَّضَارِيْس! كَمَا أَنَّنِي لَسْتُ بَارِدَةً إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يَجْعَلُكَ مُهَذَّبًا مَعِي وَمُؤَدَّبًا إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ الْجَارِحَةِ! عَجِيْبٌ أَمْرُكَ يَا أَمْجَدُ! أَلَسْتَ تُحِبُّنِيْ؟! بِتُّ أَكْرَهُ كَوْنِي مُثَقَّفَةً؛ تَفْتَتِنُ بِحَدِيْثِهَا وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَفَاتِنِهَا! تَذَكَّرْ –وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ- أَنَّنِي اِمْرَأَةٌ؛ فَأَنَا لَمْ أَنْسَ -وَلَوْ لِلَحْظَةٍ- أَنَّكَ رَجُلٌ وَأَنَّنَا مَخْطُوْبَانِ! لَا فَائِدَةَ! أَسْتَوْدُعُ اللهَ كُلَّكَ وقَلْبِي.

- أَسْتَوْدِعُ اللهَ عَقْلَكِ.

- أَعْرِفُكَ لَا تُعَاقِرُ الْخَمْرَ وَلَا تَتَعَاطَى الْمُخَدِّرَ، وَلَكِنَّكَ ثَمِلٌ –غَالِبَاً- أَوْ مُخَدَّرٌ! جِسْمُكَ حَاضِرٌ، وَعَقْلُكَ غَائِبٌ أَوْ مُغَيَّبٌ! تَضْحَكُ دُوْنَ سَبَبٍ! وَدُوْنَ سَبَبٍ تَبْكِيْ! وتُثَرْثِرُ دُوْنَ سَبَبٍ! وَدُوْنَ سَبَبٍ تَصْمِتُ! هَلْ قُلْتُ: "دُوْنَ سَبَبٍ تَصْمِتُ"؟! مَا أَغْبَانِيْ! وهَلْ يَحْتَاجُ الصَّمْتُ إِلَىْ سَبَبِ؟! هِيْهِ؛ أَنَا أَسْأَلُكَ: هَلْ يَحْتَاجُ الصَّمْتُ إِلَى سَبَبٍ؟! أَرَأَيْتَ؟! لَقْدْ لُذْتَ – مُجَدَّدًا- بِالصَّمْتِ! وَكَأَنَّكَ تَسْتَفِزَّنِي أَوْ تُؤَكِّدَ لِي صِدْقَ ظُنُوْنِي! وَمَعْ هَذَا؛ فَأَنَا أُحِبُّكَ، وبِجُنُوْنٍ...، بِجُنُوْنٍ أَيُّهَا الْمَجْنُوْنُ! أَسْتَوْدُعُ اللهَ كُلَّكَ وقَلْبِيْ، ولِي رَجَاءٌ أَخِيْرٌ، أَوْ إِنْ شِئْتَ، وَصِيَّةٌ أَخِيْرَةٌ: لَا تَنْسَانِي!.

- أُحِبُّكِ! وبِجُنُوْنٍ...، بِجُنُوْنٍ أَيُّتُهَا الْمَجْنُوْنَةُ! رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكِ، كَثِيْرًا مَا كُنْتِ تُرَدِّدِيْنَ عَلَى مَسَامِعِي: "رُبَّ أُمْنِيَةٍ جَلَبَتْ مَنِيَّةً". وَهَا قَدْ قَتَلَتْكِ الْأَمَانِي! أَسْتَوْدُعُ اللهَ كُلَّكِ وقَلْبِي يَا أُمْنِيَتِيْ.


محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-20-2014, 03:53 AM   #5
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي مِمْحَاةُ الْمَلَامِحِ | محمد سلمان البلوي



مِمْحَاةُ الْمَلَامِحِ

إِلَيْهَا: أَعْرِفُهَا، وَلَا تَعْرِفُ نَفْسَهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْتُلْنِي مَحَبَّتِي لَهَا؛ قَتَلْتُهَا.

يَا اِمْرَأَة:
مِنْ جَبِيْنِ الْفُقَرَاءِ تَطْلُعُ الشَّمْسُ؛ وَفِي جُيُوْبِ الْأَثْرِيَاءِ تَغِيْبُ، وَظِلُّ الشَّجَرَةِ لِلْكَادِحِيْنَ؛ وَثِمَارُهَا لِلْعَابِثِيْنَ، وَالْوَطَنُ مَائِدَةُ الطُّغَاةِ؛ وَلَا حَظَّ فِيْهِ لِلْمُسْتَضْعَفِيْن، وَالْعَصَافِيْرُ قَمْحُ الْحَيَاةِ؛ فَمَنْ صَيَّرَ السَّنَابِلَ رَقْصَةً لِلرُّمَاةِ وَكَأْسًا لِلْمَاجِنِيْن؟! وَالْأَسْمَاكُ مِلْحُ الْجِبَاهِ؛ فَمَنْ وَهَبَ الْبَحْرَ كُلَّهُ لِلدَّيْنَامِيْتِ؟! وَالْمَجْدُ يَصْنَعُهُ الْأَحْرَارُ؛ فَكَيْفَ يَنْتَحِلهُ الْأَنْجَاسُ الْمَنَاكِيْدُ؟! أَمَّا الشُّعَراءَ؛ فَلَا كَيْلَ لَهُمْ فِي الْحِيْلَةِ وَلَا مِيْرَةَ؛ فَمَنْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رِحَالِهِم؛ ثُمَّ أَذَّنَ: "إِنْكُمْ لَسَارِقُوْنَ"؟!.

وَبَعِيْدًا عَنِ الشِّعْرِ بِإِيْقَاعٍ وَقَافِيَةٍ، وَعَنِ الْأَوْطَانِ بِقَافِلَةٍ؛ لَمْ نَعُدْ نَحْتَاجُ إِلَى بُوْصَلَةٍ أَوْ خَارِطَةٍ وَلَا إِلَى نَجْدَةِ حَظٍّ عَاثِرٍ أَوْ غَوْثِ حَمَامَةٍ زَاجِلَةٍ؛ تَكْفِيْنَا قُلُوْبُنَا الْحَائِرَةُ وَأَجْنِحَتُنَا الْحَالِمَةُ وَفِكْرَةٌ غَرِيْبَةٌ وَاحِدَةٌ؛ تَحْمِلُنَا إِلَى "رُوْمَا" أَوْ "قُرْطُبَةَ"؛ أَوْ حَتَّى إِلَى حَافَّةِ الْهَاوِيَةِ، فَكُلُّ الطُّرُقِ تُؤدِّي إِلَى نِهَايَاتِهَا؛ لَا إِلَى غَايَاتِنَا، وَكُلُّهَا تَقُوْدُنَا إِلَى الْآخَر وَالْآخِرَةِ، وَالْآخَرُ عَدُوْنَا الْمُحْتَمَلُ؛ وَإِنْ كَانَ حَبِيْبَنَا الْمُؤْتَمَنَ، وَالْآخِرَةُ خِتَامُ الْحَبْو وَالْخَطْو وَالْحَظِّ وَالْفُرَصِ السَّانِحَةِ.

سَتَسْقُطُ رُؤُوْسُنَا -حَتْمًا- وَلَكِنْ إِلَى الْأَعْلَى؛ سَتَجْذِبُهَا الْفِكْرَةُ الْمُجْدِيَة، وَتَبْقَى الْأَرْضُ -بِجَاذِبِيْتِهَا الْجَذَّابَةِ- مُجْدِبَةً وَأَجْسَادُنَا الْمُجْهَدَة مُجَعَّدَةً؛ كَتَذْكِرَةِ سَفَرٍ فِي جَيْبِ غَرِيْبٍ؛ بَاغَتَهُ الْمَوْتُ؛ فَأَعَاقَ حَقِيْبَتَهُ عَنِ الرَّحِيْلِ، وَالْحَقِيْقَةُ فِيْهَا؛ تَحْتَ الْمُغَلَّفِ الْأَبْيَضِ، وَفَوْقَ الْأَسْوَدِ، وَرُبَّمَا فِي الرَّمَادِي، أَوْ فِي جَيْبِ الْمِعْطَفِ، وَلَكِنْ أَيْنَ الْحَقِيبَةُ؟!.

يَا أَنْتِ:
إِنَّ الْأَفْكَارَ الَّتِي تَخُوْنُنَا؛ لَا تَخُوْنُنَا؛ إِلَّا لِأَنَّنَا لَمْ نَنْقُلْهَا مِنْ عُقُوْلِنَا إِلَى قُلُوْبِنَا، وَلَو كَانَ لِعَيْنِي لِسَانٌ؛ لَصَارَ لِكَلَامِهَا مَذَاقَ الصُّوَرِ وَرَائِحَةَ الْأَلْوَانِ وَمَلْمَسَ الصَّوْتِ السَّائِطِ وَهُوَ يَغُوْصُ فِي الْجَسَدِ الْمُنْهَارِ؛ وَلَكِنَّهُ بَصِرِي الْكَفِيْفُ أَصَمُّ وَأَبْكَمُ، وَبِبَصِيْرَتِي أَرَى، وَبِبَصِيْرَتِكِ أَسْمَعُ؛ فَأُحْيِيْكِ بِمَا أَرَى، وَتَقْتُلِيْنَنِي بِمَا تَسْمَعِيْنَ.

وَالْحُبُّ -كَمَا أَعْرِفُهُ- هُوَ وَخْزُ اللَّحْظَةِ الْمُرْبِكَةِ؛ الَّذِي نَلْتَذُّ بِهِ وَنَألَمُ فِي آنٍ، وَنُرِيْدُ لَهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي وَخْزِنَا اللَّحَظَاتُ؛ فَلَا تَمَلُّ مِنَّا وَلَا تَكِلُّ؛ فَتَكْسِرَ -فِي مَآقِيْنَا- إبْرَتَهَا، ثُمَّ تَرْحَلُ، وَكَأَنَّنَا -حِيْنَ نُحِبُّ- نَكُوْنُ الْغَرِيْقَ وَالْيَمَّ وَالْيَدَ الَّتِي تَمْتَدُّ إِلِيْنَا بِقَشَّةِ النَّجَاةِ أَوْ بِصَخْرَةِ الْهَلَاكِ.

أَعْدَاؤُنَا لَا نُحِبُّهُمْ؛ وَلَكِنَّنَا قَدْ نَحْتَرِمُ بَعْضَهُمْ، وَأَصْدِقَاؤُنَا نُحِبُّهُمْ، كَثِيْرًا نُحِبُّهُمْ، وَإِنْ لَمْ نَحْتَرِمْ بَعْضَ مَوَاقِفِهِمْ، وَلَا أَلَمَ يَعْدِلُ خَيْبَةَ الْأَمَلِ؛ وَقد خابتْ في كثيرٍ مِنْهُم آمَالُنَا، وَآنَ لَنَا أَنْ نَتَخَلَّى عَنْ دَوْرِ الظِّلِّ الْمُنْتَظِرِ؛ فَلَا نَكُوْنُ الْمَقْعَدَ السَّاهِمَ فِي مَوَاعِيْدِهِمْ وَلَا النَّافِذَةَ السَّاهِرَةَ؛ بَلْ الطَّرِيْقَ السَّادِرَةَ السَّائِحَةَ؛ الَّتِي تُتَابِعُ سَيْرَهَا؛ وَإِنْ فَارَقَهَا الرَّفِيْقُ، وَخَذَلَهَا الرَّصِيْفُ.

نَعَمْ، لَقَدِ اسْتَفْتَيْنَاهَا قُلُوْبنَا؛ فَصَدَقَتْ، وَلَمْ تَكْذِبْ قُلُوبُهُمْ، هُمْ أَبْرِيَاءُ؛ وَلَكِنَّهَا قُلُوْبُنَا تَجْرِفُنَا بَعِيْدًا عَنْهُمْ، وَالصِّدْقُ يُجْبِرُنَا عَلَى أَنْ نَهْجُرَهُمْ، وَلَيْتَهُمْ يَصْفَحُوْنَ وَقَدْ صَفَحْنَا! وَلَيْتَهُ الصَّفْحُ يَكُوْنُ خَالِصًا وَالْهَجْرُ جَمِيْلًا!.

صَدِيْقَتِي:
إِنَّ الْأَبْوَابَ جُدْرَانٌ نُغْلِقُهَا وَنَفْتَحُهَا، وَالنَّوَافِذَ أَيْضًا، وَأَنَا الْبَيْتُ وَالْمِغْلاقُ وَالْمِفْتَاحُ، وَلَنْ تَلِجِي فِيَّ أَوْ تَخْرُجِي مِنِّي؛ مَا لَمْ أَخْفِضْ لَكِ جَنَاحَ الرِّضَى مِنَ الْمَحَبَّةِ أَوْ عَنْكِ أَغُضُّ الطَّرْفَ.

فِي طَرِيْقِي إِلَيْكِ؛ أَجْمَعُ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا، ثُمَّ أُغْلِقُهَا، ثُمَّ أُوْدِعُهَا صَدْرِي، ثُمَّ عَلَيْهَا وَعَلَى غَابَاتِهَا المُغْتَصَبَةِ أُغْلِقُهُ؛ كَي لَا تَظَلَّ أَصَابِعُكِ خَامِلَةً وَمَفَاتِيْحُكِ مُعَطَّلَةً.

فِي ظِلِّكِ أَبْحَثُ عَنْ مَلَامِحِي، وَفِي ذَاكِرَتِكِ عَنْ رَائِحَتِي، وَفِيْكِ عَنِّي؛ فَأَجِدُنِي فِي حُطَامِ لَوْحَةٍ مَثْقُوْبَةٍ تُشْبِهُنِي؛ إِطَارُهَا مَكْسُوْرٌ، وَالصُّوْرَةُ فِيْهَا مَقْلُوْبَةٌ. قَدْ أَكُوْنُ حَبِيْبَكِ، قَدْ أَكُوْنُ، وَلَكنَّنِي –الْآنَ- لَسْتُ مَنْ كُنْتُهُ قَبْلَ ثَانِيَةٍ، وَقَدْ تَكُوْنِيْنَ حَبِيْبَتِي، قَدْ تَكُوْنِيْنَ، وَلَكِنَّكِ –مِنْ جَرْحٍ يَئِنُّ- لَسْتِ الَّتِي عَرَفْتُهَا.

حَبِيْبَتِي:
وَأَنَا أُمَهِّدُ الطَّرِيْقَ لِلطُّيُوْرِ الْمُسْتَأنِسَةِ؛ كَي لَا يُرْهِقَهَا الْمَسِيْرُ؛ فَتَتَذَكَّرَ أَجْنِحَتَهَا، وَمِنَّا تَتَطَيَّرُ؛ فَتَطِيْرُ؛ أُفَكِّرُ، وَلَسْتُ أَدْرِي لِمَ عَلَيَّ أَنْ أُفَكِّرَ؛ وَجُلُّ الْأَفْكَارِ الْوَاعِدَةِ تَجِفُّ رُوْحُهَا قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ حِبْرُهَا، وَأُحِبُّكِ، وَلَسْتُ أَدْرِي لِمَ عَلَيَّ أَنْ أُحِبَّكِ؛ وَبَعْضُ الْمَشَاعِرِ تَقْتُلُهَا الْمَشَاعِرُ؛ حِيْنًا بِالظَّنِّ الْآثِمِ، وَحِيْنًا بِالثِّقَةِ الْعَمْيَاءِ...، وَأَحْتَاجُكِ، وَلَسْتُ أَدْرِي لِمَ وَفِيمَ أَحْتَاجُكِ؛ وَأَنَا مَنْ يُحَمِّلُ نَفْسَهُ وَتُحَمِّلِيْنَهُ عَنَاءَ إِسْعَادكِ.

أُسْعِدُكِ؛ وَأَنَا الرَّجُلُ التَّعِيْسُ، التَّعِيْسُ جِدًّا، قَتَلَتِ الطِّفْلَ فِيْهِ أَحْلَامُهُ السَّاذِجَةُ؛ مُذْ كَانَ قَلْبُهُ قُبْلَةً فِي رِسَالَةٍ غَرَامِيَّةٍ لَاهِبَةٍ بَيْنَ نَقِيْضَيْنِ وَاهِمَيْنِ. أَكْتُبُ الْأَلَمَ؛ كَمَا لَوْ أَنَّ سَهْمًا أَصَابَنِي فِي ظَهْرِي؛ فَخَرَجَ قَلَمًا نَازِفًا مِنْ يَدِي، وَلَيْتَهُ النَّزْفُ كَانَ دَمْعًا؛ إِذَنْ لَقُلْتُ: إِنَّنِي رَجُلٌ حَزِيْنٌ، أَوْ حَزِيْنٌ جِدًّا!.

يَا أَنَا:
مَا كَانَ الْقَلْبُ لِيَقَعَ فِي قَبْضَةِ الْوَهَمِ؛ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَحِيْدًا وَغَرِيْبًا وَبَيْتَهُ هَوَاء. أَكْتُبُكِ؛ كَمَا لَوْ كُنْتُ أَمْحُوْنِي، وَأَمْحُوْكِ؛ كَمَا لَوْ كُنْتُ أَكْتُبُنِي، وَسَتَظَلُّ أَوْرَاقِي فَارِغَةً مِنْكِ؛ إِلَى أَنْ يَصِيْرَ قَلْبُكِ قَلَمِي وَقَلَمُكِ مِمْحَاتِي.

وَهَا شَمْسُنَا تَمِيْلُ إِلَى الشَّفَقِ، وَأَرَاهَا تَغْرُبُ، وَأَرَانَا نَغِيْبُ؛ وَمِثْلهَا نَحْتَرِقُ، وَكُلَّمَا بَكَيْتِ أَوْ ضَحِكْتِ؛ فَسَتَتَذَكَّرِيْنَ كَمْ كُنْتُ أَمْقُتُهَا دَمْعَتَكِ وَكَمْ أَحْبَبْتُهَا ضِحْكَتَكِ! أَحْبَبْتُهَا؛ رُبَّمَا أَكْثَر مِنْ مَحَبَّتِي لَكِ، وَكُلَّمَا اسْتَمَعْتِ إِلَى "نَجَاةِ الصَّغِيْرَة"؛ فَسَتُفَتِّشِيْنَ فِي صَوْتِهَا عَنْ قَمِيْصِكِ الْأَحْمَر وَعَنْ قَلَمِي الْأَسْمَر، وَسَتَعُوْدِيْنَ –مِرَارًا وَتَحْنَانًا- إِلَى تِلْكَ الصَّحِيْفَةِ الَّتِي مَلَأتُهَا لَكِ بِكَلِمَةِ "أُحِبُّكِ"؛ كَطِفْلٍ يَتَعَلَّمُ الْكِتَابَةَ، أَوْ كَكَهْلٍ يَتَعَلَّمُ الْبُكَاءَ، وَسَتَنْسِيْنَهَا مَلَامِحَكِ كَامِلَةً، سَتَنْسِيْنَهَا؛ وَتَتَذَكَّرِيْنَ مِنَهَا -فَقَطْ- مَا كُنْتُ بِالْفَحْمِ أَرْسُمهُ وَبِالْحُرْفِ أُصَوِّرهُ، وَسَتَسْأَلِيْنَ نَفْسَكِ -يَوْمًا وَرُبَّمَا دَوْمًا- كَيْفَ اِنْتَهَى بِنَا الْمَطَافُ إِلَى مَا يُشْبِهُ الْقَطِيْعَةَ التَّامَّةَ، سَتَسْأَلِيْنَهَا؛ ثُمَّ كَعَادَتِكِ سَتنْحِيْنَ عَلَيَّ بِالْلَائِمَةِ؛ كَمَا لَوْ كُنْتُ شَمَّاعَةَ أَخْطَاءٍ عَامَّةٍ فِي سَاحَةٍ عَامَّةٍ؛ يَقْصِفُهَا الْمَارَّةُ بِأَوْزَارِهِمْ، ثُمَّ يُتَابِعُوْنَ سَيْرَهُم غَيْرَ عَابِئِيْنَ بِهَا؛ وَضَمِيْرُهَا مُثْقَلٌ، وَضَمَائِرُهُمْ مُرْتَاحَةٌ.

أَعْرِفُهُ قَلْبكِ يَتَقَلَّبُ، وَأَعْرِفُهُ حِيْنَ عَلَيَّ يَنْقَلِبُ، وَأَعْرِفُكِ حَيْنَ تَحْتَالِيْنَ لِي، وَحِيْنَ تَحْتَالِيْنَ عَلَيَّ، وَأَعْذُرُهُ، وَأَعْذُرُكِ، وَحَرْفُكِ السَّاحِر أَعْرِفُهُ؛ حِيْنَ يُغْرِيْنِي، وَحِيْنَ يُغَرِّرُ بِي، وَلَوْنُكِ الْآسِر؛ حِيْنَ يُمْطِرُنِي، وَحِيْنَ يُمَاطِلُنِي، وَصَوْتُكِ وَصَمْتُكِ وَشُعُوْرُكِ وَتَفْكِيْرُكِ... أَعْرِفُهُمْ، وَعَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَحْفَظُهُمْ، وَأَظُنُّنَا بَلَغْنَاهَا نُقْطَةَ اللَّا عَوْدَةَ؛ أَوْ كِدْنَا، وَأَظُنُّكِ -وَقَدْ جَرَّبْتُهَا مَحَبَّتَكِ الصَّادِقَة لِي وَخِبْرَتَهَا- تُجَرِّبِيْنَ عَلَيَّ –الْآنَ- كَيْدَكِ كَامْرَأَةٍ مَاكِرَةٍ؛ تُحَاوِلُ بِالْغِيْرَةِ أَنْ تَقْدَحَنِي؛ لِتَفْضَحَنِي، وَبِالتَّمَنُّعِ أَنْ تَكْبَحَنِي؛ لِتُرَوِّضَنِي، وَأَنَا أَتَلَذَّذُ بِذَلِكَ وَأَسْتَمْتِعُ! وَلَيْتَكِ تَتَعَلَّمِيْنَ مِنِّي كَيْفَ نَكْسِرُهَا حِدَّةَ الصَّدْمَةِ الْأُوْلَى ثُمَّ نُفَتِّتُهَا! تُفَارِقِيْنَنِي؛ فَأَعُوْدُ، ثُمَّ تُفَارِقِيْنَنِي؛ فَأَعُوْدُ، ثُمَّ تُفَارِقِيْنَنِي؛ فَلَا أَعُوْدُ إِلَيْكِ أَبَدًا.

محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-20-2014, 03:58 AM   #6
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي أَسْلَاكٌ شَاهِدَةٌ | محمد سلمان البلوي



أَسْلَاكٌ شَاهِدَةٌ

وَامْرَأَتِي تَقُوْلُ: أُرِيْدُ أَنْ أَنَامَ؛ فَالنَّوْمُ جَمِيْلٌ وَحُلْوٌ مَذَاقُهُ كَالْأَطْفَالِ أَوْ كَالْحَلِيْبِ! تَكَادُ تَجْرَحُنِي الْأَلْوَانُ وَتَذْبَحُنِي الْأَوْتَارُ وَالْحُرُوْفُ الصَّامِتَةُ! عَمَّا قَلِيْلٍ: سَتُمْطِرُ الدُّنْيَا غِيَابًا! وَقُلُوْبُنَا الْهَشَّةُ؛ لَا تَحْتَمِلُ عَوَاصِفَ الشَّوْقِ وَلَا هَبَّاتِ الْحَنِيْنِ! أُشْبِهُ الدَّمْعَةَ؛ إِلَّا أَنَّني غَيْمَةٌ تَبْكِي شَجَرَةً فِي بِرْوَازٍ مُنَمَّقٍ وَعَتِيْقٍ، وَأُشْبِهُ الصَّرْخَةَ؛ إِلَّا أَنَّني حَنْجَرَةٌ فِي صُنْدُوْقٍ مُذَهَّبٍ وَمُوْصَدٍ بِالْحَرِيْرِ، وَلَيْتَهُ صَوْتِي كَانَ حُرًّا! كَمَا بَصِيْرَتِي، كَمَا أَنْتَ فِي صَدْرِي وَتَصَوُّرِي، وَلَيْتَهُ صَبْرِي كَانَ بَحْرًا! كَي لَا تَنْهَشنِي الْعِجَافُ بِالْجَفَافِ، وَتَهْشِمنِي الظُّنُوْنُ بِالزُّعَافِ وَبالْوَجَعِ الْعَنِيْفِ. يَأْتِي الْحُزنُ -فِي التَّرْتِيْبِ- أَوَّلًا، يَأْتِي قَبْلَ الْفَرَحِ وَبَعْدَهُ، وَيَأْتِي مَعهُ، وَمَعهُ نُوْلَدُ وَنَمُوْتُ، كَأَنَّهَا النَّايَاتُ حَنْجَرَةَ اِمْرَأَةٍ تَقُوْلُ: "أُحِبُّكَ". وَلَكِنْ تَقُوْلُهَا بِحُزْنٍ شَدِيْدٍ! وَأَتَعَجَّبُ مِمَّا هُوَ مَثْقُوْبٌ؛ كَيْفَ أَنَّهُ -بِبُطءٍ شَدِيْدٍ- يَمْتَلِئُ؛ فَيَطْفَحُ! وَكَيْفَ أَنَّهُ -فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ- مِنْ قَعْرِهِ يَسِيْلُ وَمِنْ جَنَبَاتِهِ يَرْشَحُ بِالْجَمِيْلِ! يَجْلِسُ الثَّلْجُ عَلَى مَقَاعِدِ الْقَلْبِ مُنْتَظِرًا؛ دِفْءَ اللِّقَاءِ، وَعَوْدَةَ الْوَقْتِ بِالْأَحِبَّةِ؛ وَفِي يَدِهِ الْبَيْضَاءَ وَرْدَةٌ مُبْتَلَّةٌ، وَفِي عَيْنَيْهِ شَمْعَتَانِ تَتُوْقَانِ لِلْخَرِيْرِ، وَعَلَى الْأَسْلَاكِ الشَّاهِدَةِ تُرَابِطُ الْحَمَائِمُ مُبْتَهِلَةً؛ وَفِي فَمِ كُلٍّ مِنْهَا أُغْنِيَةٌ، وَتَحْتَ جَنَاحَيْهَا عِنَاقٌ حَارٌّ وَقَمْحٌ وَزَيْتُوْنٌ كَثَيْرٌ.

يَا رَفِيْقَتِي: هَلْ يَحْتَمِلُ الْعُمْرُ جُنُوْنًا آخَرَ؟ وَالْحَيَاةُ هَلْ فِيْهَا مُتَّسَعٌ لِحُلْمٍ أَخِيْرٍ؟ هَا إِنَّنِي أَتَعَلَّمُ كَيْفَ أُخْطِئُ مِنْ جَدِيْدٍ، وَأُحَاوِلُ -رَغْمَ السَّلَاسِلِ- أَنْ أَطِيْرَ، هَا إِنَّنِي أَصُدُّ الرِّيْحَ بِالرُّمْحِ، وَبِالسَّيْفِ أَقْطَعُ جَسَدَ الظَّلَامِ إِلَى نِصْفَيْنِ أَوْ بِالْوَقْتِ؛ لِتَمُرَّ خُيُوْلُ الضُّوْءِ دُوْنَ سُوْءٍ، وَيَنْسَابُ اللَّوْنُ عَلَى الدُّنْيَا وَالْأَنْغَامُ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ. وَهَا أَنْتِ -رَغْمَ الْحُزْنِ- كُلَّمَا اقْتَرَبْتِ؛ ضَحِكَتِ الصُّوْرَةُ فِي عَيْنِي، وَتَرَاقَصَتِ الْأَلْوَانُ، وَصَارَتِ الْمَسَافةُ فَرَاشَةً، وَالْخُطَى فُرْشَاةً! أَعْرِفُكِ؛ مِنْ حَفِيْفِ الْمَاءِ فِي عَيْنَيْكِ، وَمِنْ تَقَصُّفِ الْمِلْحِ فِي صَدْرِ صَمْتِكِ، وَتَعْرِفِيْنَنِي؛ مِنْ صَرِيْرِ الصَّلْصَالِ فِي أَصَابِعِي، وَمِنْ هَدِيْلِ النَّاي فِي قَصَبَةِ حِبْرِي. بِالْمَوْتِ -أَوْ مِنْ دُوْنِهِ- سَنَصِيْرُ ذِكْرَى، إِنْ تَذَكَّرَنَا أَحَدٌ، وَهَا إِنَّا نَسِيْرُ بِحِيْرَتِنَا الْكَامِلَةِ إِلَى الْمَجْهُوْلِ، عَلَى حَافَّةِ حُلْمٍ مَبْتُوْرٍ نَسِيْرُ، لَا ضَوْءَ مَعَنَا، وَلَا ظِلَّ لَنَا، وَلَكِنَّنا مَعًا، وَغَالِبًا لَنَا، مَعًا؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْكَوْنُ كُلُّهُ فِيْنَا، وَلَنَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّ مَا فِيْهِ مِنَّا، وَسَنَبْقَى مَعًا؛ كَمَا لَوْ كَانَ السُّؤَالُ يَجْمَعُنَا، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْإِجَابَةُ لَا تُفرِّقُنَا، وَلَنَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ لَا أَحَدَ غَيْرنَا يَرَانَا وَيَسْمَعُنَا، كَمَا لَوْ كَانَ لَا شَيءَ فِي الْوُجُوْدِ يَسْتَعْبِدُنَا. وَثَمَّةَ حَظٌّ هَا يَهْوِي بِنَا، وَثَمَّةَ اِحْتِمَالٌ هَا يَرْفَعنَا؛ فَنَبْقَى مُعَلَّقَيْنِ - رَغْمَ سَيْرِنَا- فِي مَصِيْرِنَا؛ لَا تَسْقُطُ فِي الظَّلَامِ رَايَاتُنَا، وَلَا تَطْمِسُ مِمْحَاةُ الضَّلَالِ خَطَوَاتِنَا. يُمْكِنُهَا الْجُدْرَانُ أَنْ تَكُوْنَ أَبْوَابًا، وَالْأَبْوابُ جُدْرَانًا، وَأَنْ تَكُوْنَ النَّوَافِذُ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، وَالسَّتَائِرُ أَجْنِحَةً وَأَشْرِعَةً وَمُهَجًا تَسِيْرُ، يُمْكِنُهَا أَنْ...، وَلَكِنَّهَا...، وَلَكِنَّنَا...، وَهَا إِنَّنِي...، هَا إِنَّنَا...، أَلَا تَرَي...؟! أَلَا تَرَي...؟! عَيْنَاكِ مَعِي، وَمَعِي رَبٌّ قَدِيْرٌ.

محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:51 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.