مقالتي "الأدب الضائع"

[إيمان إبراهيم]

"لا تحدثني عن الدين كثيراً، ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك"...لاينفع دين دون خلق حسن، فالدين معاملة وأسلوب، لذا كان أكثر من أسلم في الماضي عن طريق اختلاطهم بالمسلمين ذوي الخلق الكريم أثناء التجارة.
روى أن رسول الله بعث غلاما من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فوجده نائما قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام الباب ودخل فاستيقظ عمر وجلس فان
كشف منه شيء، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات" قد نزلت، فخرّ ساجدا شكرا لله تعالى.
لم يترك دين الإسلام شيئاً إلا وعلمنا كيف نتعامل معه، أدبنا وهذبنا، ومن ضمن هذه التعاليم علمنا أدب الاستئذان...
فأدب الاستئذان خلق رفيع وحضاري، يدخل ضمن المعاملات في البيوت وخارجها...فإن تعلمها الغرب تواً، والتي تدخل عندهم ضمن الإيتيكيت، فنحن قد علمنا إياها إسلامنا منذ آلاف القرون...
ولكن بكل أسف، وكما نسمع دائماً، نرى الإسلام عند غير المسلمين...فقلة قليلة تعي هذا الأدب... ومن أكثر المفاهيم الخطأ التي يدخل فيها الشباب والبنات على حد سواء هو إعطاء الحق لأنفسهم على التجسس والتنصت بحجة الاحتياط من وقوع أي خلل خلقي... فمثلاً نرى الأخ يتجسس على أخته وهي تتحدث في الهاتف مع صديقاتها بحجة الحرص عليها!!
والأكثر خطراً هو الدخول عليها حجرتها دون استئذان، لمباغتتها!!! فعن عطاء قال: سألت ابن عباس فقلت « أستأذن على أختي؟ فقال نعم ، قلت : أنهما في حجري؟ قال : أتحب أن تراهما عريانتين؟!"
والأدهى هو قبول بعض العائلات على أبنائهم هذه التصرفات بحجة أنه الذكر ويجوز له فعل ذلك، فهو المسؤول!
السؤال هنا: هل بدر هذا الخلق من رسولنا الكريم؟! وهل سمعنا أنه كان يفعل ذلك مع بناته أو زوجاته؟!
توجد أساليب عديدة ومهذبة للتعامل مع هذه القضايا دون التجسس والتنصت، وإن كانت صحيحة لقام بها رسولنا الكريم أو أمرنا بها الله تعالى في كتابه!
"فالاستئذان مطلوب حتى مع أهل البيت".
ومن آداب الاستئذان أن يُستأذن قبل الدخول إلى أي بيت، قال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون )(النور:الاية27)
هذه الآية نزلت بسبب أن امرأة من الأنصار جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد .
فلا يجوز لأحد أن يغضب إن هو استئذن وتم رفض مقابلته، فلا أحد يعرف بالظروف التي يمر بها أهل البيت، وليحسن الظن فهذا أسلم له من وسوسة الشيطان وخلق العداوات.
ومن الأدب أن يتم الاستئذان قبل استخدام ما يخص الغير، حتى لو كانوا أقرب المقربين، فربما يتضايق البعض ولكن الحياء يمنعهم من التصريح. وللأسف فمن هؤلاء فئة كبيرة جداً!
فبالاستئذان في جل الأمور الخارجية والداخلية نتفادى الحرج والمتاعب، فلم يأمرنا الله تعالى باتباع أمر أو تركه إلا ومن ورائه فوائد جمة... ولنعيد معاً في قاموس أخلاقنا الأدب الضائع فننتفع وننفع.
إيمان إبراهيم