إبتسمتُ في هُدوء , وأقتربتُ مِنها وقلتْ : بل هوَ زمنُ حَديثك , زمنُ الإنفجار ِ الذي نبحث عنه , زمنُ مآذن ِ الحق ِ التي لا بُدَ أن يرتفعَ صوتها بكل ِ مكان , لنْ يكونَ الصمتُ يوما ً قادرا ً على إختلاق ِ المعجزات , ولنْ يكونَ الطبيبَ الذي يُداوي أوجاعنا الخفيّة !!
الصمتُ لا يُخلـِّفُ بداخلِنا إلا شعورَ الحسرة ِ والخيبة ِ على أنفسنا .. أُتركي لصوتكِ أن يَصل , يكفيه شرفا ً أنهُ صادق , لا يبحثُ عن هُتافات ِ جماهير ٍ ولا نفاق ِ شعارات ..
يوشكُ قلبي على أن يَصفكـِ بامراءة ٍ مناضلة ٍ في حُب ِ هذا الوطن , لكنها رَفعتْ رايتَها البيضاء .... وأستسلمتْ .
التفتَتْ لي في حَضرة ِ دموع ٍ كانَتْ تنهمرُ مِن عينين ِ ما زالتا تحتفظان بجمالهما رَغمَ تقدم ِ العمر بها , ولم تكنْ الظروفُ القاسية ُ التي بدتْ عليها قادرة ً على طمس ِ ملامح ِ هذا الجمال !!
أينَ المنصتونَ لحديثي يا أنتِ ؟ إن كانَ مَنْ يَدعي حُبَ الوطن ِ هوَ مَنْ يخونه ... مَنْ يسرقه ُ كل مساء ... مَنْ يقتلُ رغباته ِ ورغبات ِ أبناءه , لا يلذ ُ له العيشُ إلا مِنْ أفواهـ ِ الفقراء , يُشاركُهم بـِكل ِ شيء , إلا في أنين ِ جُوعهم وموتِ أجسادهمْ , في زمن ٍ كانَ الجارُ
لا يأوي إلى فراشه ِ وصَوتُ أبناءِ جارهـ ِ لم تهدأ خَشية َ أن يكونوا جياعا ً .
اليومَ يا أنتِ يَسرقونَهم حتى أحلامِهم الخفية !
أيُ صوت ٍ هذا الذي تُريدينَ رَفعهُ دون أنْ نـُخنقَ بِغصّاتِ الجوع ِ والخوف .. كيف تريديننا أن نصرخ َ وحبالنـُا الصوتية ُ مُزقتْ منذُ زمن ؟ هؤلاءِ يا أنتِ يرون َ نجاحَكِ وعيشَكِ بكرامة ٍ هما أكبرُ جريمة ٍ ترتكبينها بحقهم , لا أصعبَ عليهم مِن رُؤيتك قادرة ً على أن تقولي " لا " ويرتفعَ بها صوتك , هؤلاء أكبرُ أمانيهم أن يولدَ شعبٌ
أخرس .
هل علمتِ الآن أن همي أكبر من أن يقال لأحدكُم ؟ أنا يا أنتِ أصبحتُ قوية ً بعدد ِ خساراتي ... بعدد خيباتي التي عِشتـُها والتي سمعتها , لم يعُد هُناك شيءٌ أخسرهـ , لذلك أنا مازلتُ أتحدثُ برغم ِ كل شيء , ما زلتُ أقوى وإن بدوتُ بنظركُم ضعيفة .
أن تظَلَ طوالَ هذه ِ السنوات تـُحب الوطن وتحملَ همه
حتى وإن لم تسعفك َ الحياة ُ بأن تقدمَ له ُ شيئا ً فأنت حقا ً نلتَ شرفَ الدفاع ِ عنه , ولو بأضعف الإيمان " قلبك " , نحنُ نحب أوطاننا ولكننا غير قادرين على صُنع ِ مجد ٍ لها يرفعُها ويضمنُ لنا العيش فيها بكرامة , والقادرون على ذلك يا أنتِ غيرُ جديرين بهذا الشرف , لذلك نرى وطنا ً يَحزن .. ووطنا ً يَبكي .. ووطنا ً يُقتل .. والمجرمُ واحد , حتى أنهم لا يحترمونَ تلكَ المشاعرَ بقلوبنا , ولم يتركوا لنا حُرية َ الحُزن ِ عليه والمشي ِ بجنازته , حُرمنا من كل شيء ٍ حتى بتنا نبكي الوطن ونحنُ نغلق أفواهنا .
الوطن لديهم لا يتجاوز تلبية َ رغباتِهم الظاهرة َ والخفية , هم يعلمونَ جيدا ً ماذا يريدونَ منه , لكنهم لا يعلمونَ ماذا يريد منهم ! جعلوا من كل ِ شيءٍ حولنا محرضا ً للإحباط حتى لم يعُد باستطاعتنا أن نحلمَ .. أو أنْ نـُخطط لهذه الأحلام .. لقد شغلونا بأهداف ٍ صغيرة ٍ تافهة ٍ عن أهدافهمُ الكبيرة ِ التي تسلب منا كل شيء ..!!
لا يُهمهُم إن تحولَ الشعبُ إلى سارقين .. وعاطلين .. ومجرمين
هم بالنهاية ِ لديهُم الحصانة ُ الكافية ُ لحمايتهم من كل هؤلاء ,
مرري عيناكـ ذاتَ مساءٍ على شوارع ِ هذه المدينة ِ أو أتركي لـسمعك أن يتجولَ على أبواب ِ منازلها , لن تسمعي سوى أحاديث ٍ خافتة ٍ تندبُ الحظ َ وترثي الوطن .. ولن تري سوى عيون ٍ تبكي البطالة َ والفقرَ والجوع .
حتى نقولَ أننا نعيشُ بكرامة ٍ ورضى , لا بُدَ أن يُعَلـَّمَ هؤلاء كيف
تكون التضحية ُ من أجل الوطن , وكيف َ يكون ُ الإعتناء به , بقطع أيدي سارقيهـ .. ومحاربة ِمن ينهبُ خيراته ِ !
سمعتُ من الخطابات ِالوطنية ِ ما يجعلني أشعرُ بالتخمة َ منها ..قرأت من قصائد الوطن بعدد شعراءه ِ , لكني لم أصغ ِ يوما ً لأحدها كما هُوَ إصغاءي لحديث ِ تلكَ المراءه , ولا أعلمُ سرَ انجذابي لهذا الحُبِ الكامن في صدرها !!
أهوَ الصدق ؟ ذلك القاسمُ المشتركُ بين قلبينا ؟ أم هو ذاتُ الهم ِ وذاتُ القضية ِ التي عاشتْ معي ومعها ؟
هذه السيدة ُ كانت قريبة ً مني للدرجة التي جعلتني أتمنى أنْ يطولَ وقتي معها .. أو أن لا ينتهي !!
كُنت أسابقُ الوقتَ لأسمعَ منها الكثير , هل نحنُ عند الحبِ نتمنى سماعَ كلِ شيء ؟ حتى الذي نعلم ُ مسبقا ً بأنهُ سيؤلمنا ؟
أم أن حديثها هو الحقيقة ُ التي كانتْ تـَغيب أو كانت تـُغيب وكـُنت ُ أبحث ُ عنها ؟
منذ ُ غادرتـُها وأنا لا أعلمُ أيَ الطرقِ أسلك .. وعلى من أعلنُ الحربَ , لقد كان ذلكَ اللقاء بمثابةِ لعنةٍ حَلـّـتْ عليَّ , فحملتُ خطيئتَها .
أخذتُ موعدا ً ووعدا ً للقاءِ بها , ولهذهِ اللحظةِ لا أعلمُ كمْ سأحتاجُ مِنْ عُمر لأعودَ لها وأنا أحملُ بيدي براءتي مِنْ دَمِ هذا الوطن ... !!!
إنتهى ..