ما الضير في أن يكون الشاعر شاعرا وحسب،والكاتب كاتبا وحسب؟ما الضير في أن يعمل كل صاحب موهبته على تعزيز هذه الموهبة ،وتكريسها بالاشتغال عليها بالقراءة ،والمران الدائم على الحضور المختلف،لا الحضور الفارغ.بعيدا عن الزيف والتقليد والنقل الأعمى للمعلومة.
ما الضير في أن يدوّن أسفل كل اسم في المنتديات صفة واحدة للشخص ونبتعد قليلا عن صفات كثيرة نحشو بها المسافات،في الزمن القريب جدا لم يجرؤ شاعر مثلا على أن ينعت نفسه بالناقد ذلك أن مهمة الشاعر تختلف كليا عن مهمة الناقد،هذا يكتب وذاك يربّي،وأعني بالتربية هنا التقويم،وأعني بالتقويم الدراسة المتفحصة للتجربة الذاتية للشاعر وتقديمها عبر رؤى خاصة بمدارس نقدية عظيمة مرت بنا،ومازالت عبر التاريخ الأدبي للإنسان في كل مكان.
ورحم الله تعالى أساتذتنا الكبار طه حسين،وإحسان عباس وغيرهم ممن نشأنا على علمهم،وخفتت أبصارنا ونحن نقرأ لهم،ونتعلم منهم،أولئك الرجال الذين لو كانوا يعيشون زمننا "الشعبي" هذا لماتوا قهرا وكمدا وتحسرا على النقد ورواده ،ومدارسه،وأهدافه،وسبل اتباعه،لكنهم رحلوا،وتطاول على النقد مراهقين يحاولون التسلق على"جوجل" بشتى الطرق من أجل جمع معلومة لصفها في كلام لايمكن وصفه بأكثر من كلام منقول بجهل تام،لأنهم للأسف يفشلون حتى في عملية النقل.
إن أبرز الدروس المنهجية في النقد أن تعيد الشئ إلى صاحبه بمعنى عندما تقتبس جملة فيجب عليك أن تشير إلى مصدرها لأن ذلك يعطي الكاتب قوة في حجته،وثقة فيما ينسج من رأي،لكن أن تكون ناقلا وفاشلا فما هذه والله إلا كارثة وجهل في استخدام المراجع،والمصادر،ولو انبرى كل صاحب موهبة منا إلى ذاته قليلا والتفت إلى موهبته واشتغل عليها الاشتغال المطلوب لوجدنا بين أيدينا اليوم كما من المعرفة يكفي لتعليم أجيال قادمة،لكن الذي يحدث أن الذين يسرفون في أوقاتهم،ووأوقات أعمالهم،ومهاهم الدينية والدنيوية من أجل الجلوس وراء شاشات لمجرد الحضور فقط هم الذين أثروا تأثيرا سلبيا مباشرا على رسالة الكاتب أيا كان تصنيفه في قائمة الاهتمامات المعترف بها لا تلك التي تدوّن أسفل الأسماء في المنتديات بلا وعي،أو مصداقية،أو دراية للأسف الشديد.
إن الكاتب الحقيقي يعرف ماذا يكتب؟ومتى يحضر متسلحا بكافة أدواته الإبداعية في زمن كثر فيه الكلام،وقل الفكر،والكاتب الحقيقي والمتمرس والمهني يدرك تماما أن خروجه من دائرة اهتمامه الأساسي،وموهبته الأولى سوف يجعل منه أضحوكة لدى المتلقي،وما أكثر الذي يستحقون اليوم في عالم المنتديات وشبكة الانترنت أن يحاكموا على ممارسات وتعديات تضر بالكتابة واللغة العربية العظيمة وعوالمها الشفافة،ولعل أكبر جرم يرتكبه أولئك المتثاقفون الذين يخلطون الحابل بالنابل رفعهم للمجرور،وكسرهم للمرفوع،وهي الكارثة الحقيقية.
ولعل أكثر ما يزعج في هذا الأمر أن بعضنا يصمت على الخطأ،ويشجع عليه،لم أجد خلال سنوات مضت لي وأنا بين حضور وانقطاع عبر هذه الشبكة العنكبوتية من يضرب على يد جاهل في التعامل مع الكلمة،لكنني وجدت "مدّاحين" كثار هم مسئولون يوم الحاسب عن كل حرف جاملوا فيه قلما مبتدئا ولم يعلّموه كيف يمكن أن يُصبح كاتبا حقيقيا،صادقا مع نفسه قبل الآخرين،محافظا على تجديد فكره،وشخصيته،واهتماماته بعيدا عن زحمة الألقاب التي زيّفت الحقائق،وشوّهت الرسالة الإنسانية للمشتغلين على الكتابة في عالمنا العربي على الدقة.
إننا في العالم العربي بحاجة إلى كتاب يحترمون مهنة الكتابة،وشعراء يحترمون موهبة الشعر،وإعلاميين يكرّسون شرف الكلمة ،وحرفية المهنة،ولايتقاتلون من أجل الحضور الفارغ يضحكون به على أنفسهم ويخدعون ذواتهم في الوقت الذي لو كرّسوا فيه ذاك الوقت الذي تعدّوا فيه على حقوق الغير الفكرية من أجل النجاح في مهامهم الرئيسة لكنا في خير عميم والله.