قصص أمسيتي - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
اقرأ الصورة بمِدادٍ من حبر (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : ضوء خافت - مشاركات : 2779 - )           »          ( كان لا مكان ) (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 582 - )           »          (( أبْــيَات لَيْسَ لَهَــا بَيــْت ...!! )) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 15 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75148 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3845 - )           »          غياب القناديل (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          تخيل ( (الكاتـب : يوسف الذيابي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 428 - )           »          ورّاق الشعر [ تفعيلة ] (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 5 - )           »          بُعدٌ جديد ! (الكاتـب : زكيّة سلمان - مشاركات : 1 - )           »          عَـيني دَواةُ الحـرفِ (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 4 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-02-2012, 03:24 PM   #1
مريم الضاني
( أديبة )

الصورة الرمزية مريم الضاني

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 13

مريم الضاني غير متواجد حاليا

افتراضي قصص أمسيتي


هذه هي قصصي التي قرأتها في أمسيتي التي أقامتها جمعية الثقافة والفنون في المدينة المنورة في مبنى النادي الأدبي مساء الأحد الماضي.


القصة القصيرة الأولى: صـناديـق البــكـاء

جلس القرفصاء على الرصيف المقابل للدار؛ يتأمّلُ لوحةَ النيون الباهتةَ التي كساها الغبارُ، وانطفأتْ بعضُ حروفها .
قرأ اللوحةَ بصوتٍ خافت: "دارُ الرعاية الاجتماعيّة" ثُم قال:
ربّما يُصلِحُ الحارسُ الجديدُ اللوحةَ !.
حين نهضَ من مكانِهِ ومشى بفتورٍ صوب بوابةِ الدارِ، بَدَتْ له نوافذُها كأضواءِ سُفُنٍ بعيدةٍ تبحر في بحرٍ متلاطمٍ مظلمٍ . جلس على الكرسيِّ يتابعُ ببصرِهِ السياراتِ القليلة التي تمرّ من أمامه ، وعندما يسودُ الصمتُ يصغي إلى حفيفِ أوراقِ شجرةِ الياسمينِ المتدلّيةِ على سورِ الدارِ المرتفعِ .
أرهفَ السمعَ إلى صوتٍ ناءٍ يتدانى وئيدًا ، كأنّه يَسقُطُ حجرًا، في بحيرةِ الليلِ الساكنةِ؛ فيتناسلُ صداهُ كدوائرٍ تتّسعُ بالتدريجِ وتُجلّلُ السماءَ بالوَحْشَة .
أيقن أنّه دويّ بوقِ سيارةِ الإسعافِ القادمة ِمن المستشفى ... ذلك الدويّ الذي يستفزّ كلَّ خلاياه ، فتضجّ كهوفُ ذاكرتِه بوجوهٍ وأصواتٍ كثيرةٍ :
"عم حسن، بارك لي... فقد نجحتُ في امتحان الثانويةِ العامَّةِ !"
"عم حسن، الحمد لله سأتزوجُ قريبًا ! . أتعرف من هي عروسي ؟ إنّها حنان : فتاةٌ من فتياتِ الدارِ " .
"عم حسن : سمعتُ أنّ رجلًا جاء يسألُ عنّي . ربّما يعرفُ شيئًا عن والديّ ".
نهض عندما حاذتْ السيارةُ البوابةَ، رمى سيجارته المشتعلةَ على الرصيفِ ، وهرولَ نحوَ السيارةِ مادًّا ذراعيه لحملِ النزيلِ الجديدِ .
ضمّ الوليدَ النائمَ إلى صدرِهِ، وتحسّس الزَّغبَ الخفيفَ الذي يكسو رأسَهُ، قرّبَهُ إلى أنفه وشمَّ رَقَبَتَهُ فسَرَتْ الرائحةُ في عروقِه، تأمّل اللفائفَ البيضاء المبقّعةَ التي تحيطُ بالجسدِ اللّدُنِ، والرباطَ الطويلَ الباهتَ الذي لُفَّ حولها، وعُقِدَ بإحكامٍ حولَ القدميْنِ الصَّغيرَتيْنِ . استيقظ الوليدُ مُتمَلْمِلًا ثم سكنَ ، وما لبث أن حرّك ذراعيْه وساقيْه بقوةٍ محاولًا التَّحرّرَ من الرباطِ ، اختلج رأسُه، تمطَّى بفتورٍ، زمّ شفتيه ومدَّهما إلى أسفل، ثم فتح عينيه الذابلتين، دارتْ عيناه في محاجرهما كأنَّهما تجوبانِ في السماءِ وحين استقرَّتا أمامَ وجهِ حسن ، انفجرَ باكيًا، حينئذٍ غذّ حسن الخطى إلى البوابةِ الداخليةِ ، حيث تنتظرُهُ العاملةُ ذات الكفَّين الكبيرتَيْن اللّتَيْنِ تبسطُهما إليه، ثمَّ تنحني بآليَّة لتأخذَ الوليدَ ،ثمَّ تنصرفُ ببطءٍ عبْرَ ممرٍ رخاميٍّ طويلٍ، يهبُّ من أقاصيه هواءٌ باردٌ .

تساقطت الكلماتُ من فمِ حسن كأوراقِ أشجارٍ يابسةٍ، بينما بصرُهُ يلاحقُ الرأسَ الصغيرَ على كتِفِ العاملة ِ:
أعانك اللهُ على أيامِك القادمةِ ! .
تماهى وَقْعُ خطى العاملةِ مع صياحِ الوليدِ، ثمَّ خَفَتَ الصوتُ شيئًا فشيئًا إلى أن تلاشى تمامًا حين ابتلعهما الممرُّ .
التفتَ حسن صوبَ البوابةِ فرأى شابًا يهمّ بالدخول ، فرفعَ عقيرَتَه بسؤالٍ:
أ أنتَ الحارسُ الجديدُ ؟ .
ـ نعم، لا بدّ أنّك العمُّ حسن، حارسُ الدار .
جلسَ الرَّجُلانِ عندَ البوابةِ يتّحدثان، وبعد وقتٍ قصيرٍ، ربَّتَ الشابُّ على ركبةِ حسن بودٍّ وسألَه :
غدًا ستغادرُ الدارَ، ألا يعزُّ عليك فراقُها !؟ .
نهضَ حسن من كرسيِّهِ، ورمى بطَرْفِهِ صَوْبَ الأجسادِ التي بدت كأشباحٍ تتحرّكُ في شرفاتِ الدارِ، وخَلفَ النوافذِ .
تجهّمَ وجهُهُ وهو يُشْعِل سيجارة، ويُجيبُ بنبرةٍ حزينةٍ :
كيف لا يعزّ عليَّ فراقُها، وقد أمضيتُ نصف عمري فيها ! ، لا شيء يبقى على حالِهِ ... يا بُنيّ، لقد كبرتُ وكثُرتْ أمراضي .
صمتَ برهةً، ثمّ أردفَ بصوتٍ مرتعشٍ :
أتعلمُ ؟ إنني لا أتعبُ من الحراسةِ بقدرِ ما أتعبُ من نقلِ صناديقِ التموينِ والخضارِ، من الشاحناتِ إلى المطبخِ في الداخلِ .
نظرَ إلى ساعته قائلًا :
عمَّا قليلٍ، ستصلُ شاحنةُ تموينٍ .
أطرقَ ثُمَّ استطردَ مُتَحَسِّرًا:
هيه ! تلكَ الصناديق، ستكونُ آخرَ صناديقٍ أحمِلُها ! .
شَخَصَ ببصرِهِ إلى نوافذِ الدارِ التي أُطفِئَتْ مصابيحُها، وأُسْدِلَتْ ستائِرُها؛ لِيَهْجَعَ ساكنوها إلى النَّومِ .
قَطَفَ ياسمينةً، وطَفِقَ يفْرِكُها بين أصابِعِهِ، ويشُمّها، و بدا كأنَّهُ في مكانٍ بعيدٍ عن البوابةِ، وهو يتكلم بصوتٍ عميقٍ متأثِّرٍ:
خلالَ سنواتِ عملي الأولى، كنّا نستقبلُ كلَّ شهرٍ طفلًا، وبمرور السنينِ، غَدَوْنا نستقبلُ طِفْلَيْنِ ، والآنَ، نستقبلُ خمسةً أو ستةً! .
رفعَ رأسَهُ إلى السماءِ داعِيًا:
اللهمَّ، الطُفْ بِنا، وارْحَمْنا!.
وَضَعَ بقايا الياسمينةِ في جيبِهِ، ثمَّ عاد إلى كرسيِّه و قالَ محدقًا بلوحة النّيون :
دنيا عجيبة !، كانوا صغارً، ثُمَّ كبروا وتعلّموا... بعضُهُم خَرَجَ إلى مُعْتَرَكِ الحياةِ وبعضُهُم ....
صمتَ وبَصَرُهُ عالقٌ بنافذةٍ قصيّةٍ، ثم استطرد:
ما زالَ هنا .
كفَّ عن الكلامِ؛ إذْ تناهى إلي سمعِهِ دويُّ بوقِ سيارةِ إسعافٍ تقترب من
البوابة . لَمْ يَنْهَضْ من كرسيّهِ ، بلْ مكثَ يراقبُ الرَّجلَيْن اللذَّيْن تَرَجّلا من السيارةِ ، ثُمَّ فَتَحا بابها الخلفيِّ، وشَرَعا يُخْرِجان منها صناديقَ بلاستيكيّةً مكشوفةً، ويَرُصّانِها تِباعًا على الرَّصيف ِ، آنئذٍ ،ُ أُزيحَت الستائرُ عن نوافذِ الدارِ ، وبَرَقَتْ خَلفَها عيونٌ كثيرةٌ في الظَّلامِ، أمّا حسن فقد مشى صوبَ السيارةِ مُتَوَجِّسًا، مُصْغيًا إلى البكاءِ المُتَصاعِد ِمن الصناديقِ، وإذ وصَلَ إليها، جَلَسَ مَبْهوتًا؛ حين رأى في كلِّ صندوقٍ طِفليْن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : مريم خليل الضاني
من قصص مجموعتي القصصية ( سرداب التاجوري ) التي صدرت عن دار المفردات في 1428هـ






القصة القصيرة الثانية: على بابــــــِه

" يا الله ... يا الله "
تلهجُ بهذه الكلمة، وهي تدلفُ من بوابة البنك، و تجرّ قدميها الثقيلتين على بلاطه الصقيل . تخطو خطوات قليلة ثم تتوقّف لالتقاط أنفاسها المتحشرجة، وتسعل سعالًا حادًا ينتهي بصفير يلفت إليها انتباه النسوة من حولها . تُمسِك بإحدى يديها كيسًا كبيرًا شبه فارغ ، و تمسك بالأخرى عكازًا تتكئ عليه . أخرجت من الكيس منديلًا، وبصقت فيه ثم قذفته في الكيس .
لم يكن المقعدُ الوحيدُ الشاغرَ في الصالة بعيدًا عنها، إلا أنها كانت تكابد كي تصلَ إليه، وما أن حاذته حتى استدارت وتهالكت عليه، وهي تجفّف العرق المتصبب بغزارة على وجهها .
ابتسمت لها موظفة الصرافة التي اعتادت أن تراها مطلع كل شهر، ثم نهضت من وراء مكتبها وانحنت لتصافحها بودٍ ظاهرٍ قائلةً :
سلامتك يا خالة... تبدين مريضة ! .
تشبّثت العجوز بيد الموظفة، وعندما همَّت الموظفة بسحب يدها من بين أصابع العجوز، ضغطت عليها بقوة فاستسلمت الموظفة لها برفق .
قالت بصوت متهدّج :
يا ابنتي ، الربو أتعبني... وهموم الدنيا، والدواء الذي ارتفع ثمنه .
ـ لا بأس، هوّني عليك ! . إن الإنسان مبتلى في هذه الدنيا، ولا أحد منّا بمنجاة من الهموم .
سحبت الموظفة أصابعها من بين كفَّي العجوز بلباقةٍ، ثم عادت إلى مكتبها لتبحث عن بيانات العجوز، في ما تسمّرت عيناها على شفتَي الموظفة، منتظرةً سماع العبارة المعتادة المحبَّبة إليها:
" انتظري دقائق يا خالة ريثما أسحبُ نقودك" .
مضى وقت طويل، والموظفة تضرب بأصابعها على أزرار الحاسوب، وقد اكفهرّ وجهها . بدأ القلق يتآكل العجوز التي اتّكأت بذقنها على مقبض العكاز؛ محاولة ًحبس الصفير الذي يتصاعد من صدرها، ويُلفِت إليها المزيد من الأنظار . فجأةً، تركت الموظفة جهازها وأطرقت، فتململت العجوز في مقعدها متسائلةً بوجل :
خيرًا يا ابنتي، ما بك ؟ .
ـ والله لا أعرف ما ذا أقول لك ! .
ازدادت حدة صوت صفير صدرها حين قالت :
ـ يا ابنتي تكلّمي!.
ـ لقد أوقفوا الإعانة الشهرية عنك يا خالة .
وجمت العجوز وبدت ساكنةً في مقعدها كتمثالٍ حجريٍّ.
أردفت الموظفة :
ـ قالوا :إنّ شروط منح الإعانة لا تنطبق عليك؛ إنهم يعينون الأرامل ومن ليس لهنّ وليّ ينفق عليهنّ، مثل : الأب، أو الزوج، أو الأبناء . .يقول تقريرُهم : أن لديك ثلاثة أبناء ذكور... بارك الله لك فيهم !.
أشارت الموظفة بسبابتها إلى شاشة الحاسوب قائلة :
ولدك البكر اسمه :أحمد حسن ، أليس كذلك ؟ .
ـ ........... .
بدت علامات الدهشة على وجه الموظفة حين علّقت قائلةً :
ـ أحمد حسن ، كانت زوجته جارةً لأختي .ألا يمتلك عمارة ًسكنيةً فاخرةً في وسط المدينة !؟ .
خيّم الصمت عليهما فيما حاولت الموظفة التشاغل بجهازها لتخفي إحراجها.
همّت العجوز بالنهوض من مقعدها لتنصرف، بيد أنها تراجعت، وقالت بنبرةٍ خنقتها العبرة :
والله يا ابنتي، لا أحد من أبنائي الثلاثة ينفق عليّ ...شغلتهم الدنيا ... شغلنا الله بطاعته !.
نهضت من مقعدها، وخطت خطوتين، ثم التفتت إلى الموظفة، وتساءلت وعيناها تقطران رجاءً :
هل قرارهم هذا نهائيّ ؟، أقصد .... أقصد حتى لو شرحتُ لهم ظروفي ؟ .
ـ لا أعلم يا خالة .
فتحت الموظفة حقيبتها، وأخرجت منها نقودًا، لفّتها بمنديل، ودسّتها في يد العجوز خفيةً، فأعادت العجوز النقود إليها قائلةً :
لا، لا، وسّع الله عليك ! .
مضت ببطء صوب بوابة البنك، تجّر قدميها الثقيلتين، تخطو خطوات قليلة ثم تتوقّف لالتقاط أنفاسها المتحشرجة، وتسعل سعالًا حادًا ينتهي بصفير، و تلهج بكلمة :
" يا الله ... يا الله ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : مريم خليل الضاني
من مجموعتي القصصية ( سرداب التاجوري )




القصة القصيرة الثالثة: خــادم

رنينٌ حادٌ لا يفترُ يخترق أذنَيْك .
تستيقظ تارةً وتغفو تارةً، تتململ في فراشك، ثم تغمغم حانقًا : من ذا الذي يهاتفني صبيحة عرسي ؟.
على بعد ذراعين منك تضيء شاشةُ هاتفِك؛ فتبدو لك كفوهةِ نفقٍ بعيدٍ موحشٍ . تتجاهل رنينَ الهاتف وتدفنُ رأسَك تحت الوسادةِ فيتراءى لك وجهُ أمِّك العابسُ، وهي واقفةٌ عند باب البيتِ القديمِ، تناديك:
يا حمار، لمَ تأخَرْتَ في المدرسة ؟. هيّا اذهب، واشْترِ خبزًا . إخوتك ينتظرونك.
أجَّجَ ضَحِكُ إخوتُك غيظَكَ فصِحْتَ بكلماتٍ مزّقها البكاء:
دائمًا ترسلينني لأشتري كل شيءٍ ، وهم لا يشترون شيئًا ! .
كانت دموعُك الغزيرةُ تغطي عينيك كسحابةٍ سوداء كثيفةٍ؛ فلم ترَ يدها حين هَوَتْ على وجهك .
تستعيذُ بالله من الشيطانِ الرجيمِ، تُسبّحُ، تأخذك سِنَةٌ، تُصْغي إلى فحيحِ أنفاسِها الحارَّةِ التي تلفح رقبتَك، تشمُّ رائحةَ عَرَقِها ، تتسارعُ نبضاتُ قلبِكَ، بينما تتحسَّسُ أصابعُها عُنُقَكَ ثُمَّ تُطْبِقُ عليْهِ بِبطءٍ .
تستيقظُ مذعورًا لاهثًا، تلتصقُ بعروسِكَ، وتُمنّي نفسَكَ بالعودةِ إلى النَّومِ، ولكنَّ الهاتفَ يرنُّ بإلحاحٍ .
تسيرُ متثاقلًا صوب الهاتف .
ـ ألو .
ـ تعالَ بسرعة .
قالتْ أمُّكَ بنبرةٍ تثيرُ القلقَ .
تشعر بانقباضٍ شديدٍ، تسيرُ صوبَ الحمَّامِ متماهلًا، تقفُ ساكنًا تحتَ تيارِ الماءِ المتدَّفقِ على جسدِك، مصغيًا إلى خرير الماء المتساقط على الأرض، ثم تقلّدُ كلامَ أمِك بصوتٍ نحاسيٍّ حادٍ:
"كلُكُم أبنائي... ولا أُفَضّلُ أحدًا منكم على أحدٍ " هه ! .
يتناهى إلى سمعك رنينُ الهاتفِ كصراخٍ صادرٍ من أقبيةٍ بعيدةٍ .
ماذا تريدُ أمُك منك ؟ ! . تشردُ برهةً، وتداعبك نسماتُ التفاؤلِ .
تتراءى لكَ وهي تجوسُ في حجرتِك، تارةً تقبُّلُ ثيابَك وتناجيك، وتارةً
تقفُ على النافذةِ مترقبةً سماعَ أزيزِ سيارتِكَ، أو وَقْعِ أقدامِكَ . لعلها مرِضَتْ من فَرْطِ تَأَثُّرِها بفراقِكَ، وتريدكَ أن تصطحبها إلى الطبيبِ ! .كنتَ أثناء عرسِكَ تراقبها مذهولًا، وهي تبكي بحرقةٍ؛ فقلتَ لنفسِكَ :
"إن المرءَ لا يعرفُ مدى تعلِّقِهِ بأحبَّتِهِ إلا بعد أن يفارقوه".
تدعكُ جسدَكَ بالصابونِ وتستنشقُ رائحتَه، فتبثُ فيكَ نشوةً عارمةً .
تقتربُ من المرآةِ ثمَّ تقولُ ضاحكًا:
مرحبًا بالأيامِ السعيدةِ ! .
عادَ الرنينُ مرةً أخرى ... لابدَّ أنَّ الأمرَ خطيرٌ، بل لابدَّ أنَّها منهارةٌ تمامًا الآن!.
تخرجُ من الحمام وترتدي ثيابَكَ على عجل، تهمُّ بالذهاب إليها، ولكنَّك تتراجعُ لتهاتفها .
تُمسكُ الهاتفَ بأصابعٍ باردةٍ مرتعشةٍ، يخفقُ قلبُك بعنفٍ، تشنِّفُ أذنَيْك َلسماعِ نشيجِها ، تبتلعُ ريقَكَ بصعوبةٍ قائلًا :
ألو... أمّي .
ـ هيه، يا وَلَد ! أأصمٌّ أنتَ ؟. اتصلتُ بكَ مائةَ مرةٍ، ولكنَّكَ لا تُجيبُ ! .
لقد تعبَ إخوتُكَ البارحةَ في عرسِكَ، ومازالوا نائمينَ إلى الآن .
أريدُ أن أتناولَ إفطاري، وقد نفدَ الغازُ من الأسطوانةِ. تعالَ لتملأها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : مريم خليل الضاني
قصتي هذه فازت بالمركز الأول وبجائزة نقدية وشهادة تقدير، في مسابقة منتديات أوطان الأدبية في 1430هـ.




قصص قصيرة جدًا

( 1 ) سقوط
عندما وصل إلى القمِّة، نظر إلى السَّفح وتمتم : كأنَّهم ذرٌّ . وبحثوا عنه فلم يَرَوْه .


( 2 ) مَصْيَدَة
صَدَرَ عفْوٌ رسميٌّ عن الأديب المنفيِّ؛ فسارع بالعودة إلى وطنه، وعندما وصلَ، استقبلوه بحفاوةٍ، ثمَّ استضافوه تحتَ التراب .


( 3 ) مِسْيار
نهَشَها البَرْدُ في العراءِ؛ فأَوَتْ إلى بيتٍ؛ فوجدَتْه ثلاجةً لحفظ الموتى .

 

مريم الضاني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-03-2012, 02:08 AM   #2
إبراهيم بن نزّال
( أدميرال )

افتراضي



لمثل هذه القصص القصيرة، لابد أن أطيل البقاء والقراءة مليا،
فلي بها متسع من نافذة الأدب والفِكر، سأعود لها،
مريم خليل الضاني، شكرا لكِ هذا القصص القصيرة، فهي كعرائش العنب ( مضلة أدبية )،
تحياتي

 

التوقيع

وقلم، قارب.

إبراهيم بن نزّال غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-03-2012, 10:59 AM   #3
مريم الضاني
( أديبة )

الصورة الرمزية مريم الضاني

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 13

مريم الضاني غير متواجد حاليا

افتراضي


شكرا جزيلا لك أستاذ إبراهيم . آمل أن تستمتع بقراءتها .

 

مريم الضاني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-05-2012, 04:30 PM   #4
عبدالإله المالك
إشراف عام

الصورة الرمزية عبدالإله المالك

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 16866

عبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


النصوص مكثفة وتحتاج لوقفات متأملة لقراءات متعمقة
واللافت للإنتباه المقدرة العالية والتمكن من جميع أدوات الكتابة النصيّة.

شكرًا كثيرًا يا أختنا مريم الضاني

 

التوقيع

دعوةٌ لزيارةِ بُحُورِ الشِّعرِ الفصيحِ وتبيانِ عروضِهَا في أبعادِ عَرُوْضِيَّة.. للدخول عبر هذا الرابط:

http://www.ab33ad.com/vb/forumdispla...aysprune=&f=29


غَـنَّـيْـتُ بِالسِّـفْـرِ المُـخَـبَّأ مَرَّةً

فكَأنَّنِيْ تَحْتَ القرَارِ مَـحَـارَةٌ..

وَأنَا المُـضَـمَّـخُ بِالْوُعُوْدِ وَعِطرِهَا ..

مُــتَـنَاثِـرٌ مِـثلَ الحُــطَامِ ببَحْرِهَا..

وَمُــسَافِرٌ فِيْ فُـلْـكِـهَا المَـشْـحُـوْنِ
@abdulilahmalik

عبدالإله المالك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-20-2012, 02:05 PM   #5
مريم الضاني
( أديبة )

الصورة الرمزية مريم الضاني

 






 

 مواضيع العضو
 
0 نوّاره
0 وداع
0 خطوات ميتة
0 ثورة

معدل تقييم المستوى: 13

مريم الضاني غير متواجد حاليا

افتراضي


أستاذ عبد الإله : ممتنة لك لتعليقك الطيب المشجع واعذرني على تأخري في الرد فقد كنت مسافرة . حفظك الله ورعاك .

 

مريم الضاني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-01-2012, 11:10 AM   #6
حسن الشحرة
( كاتب )

الصورة الرمزية حسن الشحرة

 






 

 مواضيع العضو
 
0 وداع ق.ق.ج
0 إغراء
0 حصاد(ق.ق.ج)
0 قتل

معدل تقييم المستوى: 0

حسن الشحرة غير متواجد حاليا

افتراضي


كان لي شرف قراءة هاته القصص القصيرة عبر المجموعة الورقية

قلمك آسر أختاه

أمنياتي لك باطراد الألق والتقدم

 

حسن الشحرة غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أمسيتي القصصية مريم الضاني أبعاد الإعلام 3 05-02-2012 01:46 AM


الساعة الآن 01:56 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.