المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا قرأت الزمن عند البدر


جمال الشقصي
05-04-2008, 10:10 PM
\

هكذا قرأت الزمن/ الوقت.. حين يتماهى في قصيدة البدر.. كقصيدة!

استهلال:

(إن أحداً لا يستطيع أن يقول رأيه في زوجته إلا إذا أحكموا إغلاق باب قبره!.. )
تولستوي

:


وما الزوجة إلا أكثر آيات الخصوصية حين نستدعي رمزيتها في مجال الفكر أو الأدب الكتابيّ، وهي الجزء الأكثر تقديساً من حياة آدم وأبناءه في المساحة الطبيعية الشاسعة، شريطة أن يكون الرابط بين القطبين إنساني لأبعد الحدود.
إنني كلما استذكرت بداياتي مع قراءة الشعر فإني عادةً ما أقف على نصوص البدر، وربما يكون ذلك بمحض صدفةٍ جمعتني به دون أن يرشدني إليه أحد، أو قد تكون ذائقتي الصعبة التي فُطرت عليها ـ دون نرجسية مني ـ هي التي قادتني إلى قراءة الأرقام الصعبة في مسيرة الشعر الشعبي المعاصر، تلك التي يجوز لي أن أطلق عليهم مسمى (القلّة الهائلة)على حد قول الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث، ولأنني قرأت الزمن في قصائد البدر قبل قراءتي للآخرين، فأنا اليوم أخشى أن أُلام على عدم طرح رؤيتي الذاتية حول الزمن داخل نص (لا تقول) للبدر بين أسطرٍ انطباعية، لا أن أفنّد أبيات هذه القصيدة برؤية أكاديمية بحتة، ففي مقابل جمالية الزمن التي تشدني قبل سائر التكوينات في أي قصيدة أقرأها؛ فهناك من الأزمان ما تربكني وتنفرّني، وبالذات حين أسنِد القراءة إلى مزاجيتي، هذه المزاجية التي هي جزء لا يتجزأ من حريتي، أو حرية أي فردٍ يصبو إلى تطوير ذائقته لتصل به إلى مراتب الأرقام الصعبة، فهنا يقول المفكر العظيم سقراط (لا تركن إلى الزمن فإنه سريع الخيانة).

:

انثيال:
أنا لا أقرأ البدر، لأن مجرد محاولة سبر أغوار هذا الشاعر.. هي خطوة أولى وأكيدة نحو الغرق، ولكنها قراءة قديمة ارتسخت كل ملامحها منذ أول استماع لهذا النص عبر حنجرة الرائع عبادي الجوهر، وفي نفس العام الذي سُوّق فيه الكاسيت الغنائي وهو يضم قصيدة (لا تقول) للأمير.. البدر.



الليل.. الزمن الأول للعشاق:

لا تقول ودعتني داري=بالحيل ما لي عليك عتاب
مريت في موعدك ساري=وقفت لين النجم ما غاب

دعوني أؤجل البيت الأول، أو أرحّله إلى منطقة أخرى من مناطق هذا الفضاء المعشب لدى البدر، لننطلق من مفردة (ساري) عند مطلع البيت الثاني، لنستدل إلى المسرى، ومن منا لا يعرف بأن المسرى هو طريق الليل، فالبدر بدأ رحلة البحث عن موعده في هذا الزمن من اليوم، ولم يتوقف إلا (لين النجم ما غاب).. وموعد غياب النجم يبدأ حين يتكشف لنا الخيط الأبيض من الأسوط عند نهاية الليل/ بداية الفجر. فهنا فقط استراح البدر، وبدأ يأخذ أنفاسه من رحلة (المسرى) التي رحلت به أول الليل.

الراحل.. يصف مشاهد المسرى:

يبدو أن البدر لم يتوقف ليأخذ أنفاسه كما اعتقدت، بل أجده يمسح ببصره هذا الفضاء / الفراغ من حوله.. دعوني أتخيل معكم مشهداً عادياً من مشاهد الطبيعة، ماذا لو كنتَ جالساً تحت أي شجرة متشعبة الأغصان، أو تخيل أنك تدخل أدغال أفريقيا أو غابات المسسيبي متشابكة الأشجار في وقت الليل، فهل ستشعر بأن كل هذا الغطاء الذي كونته الأشجار أعلاك ومن حولك كافٍ لمواراة الليل؟ لماذا لم يختفِ الليل رغم الطبيعة الجبارة التي استطاعت أن تخفيك أنت عن بعض أطراف جسدك؟ ولذا كان على الابدر أن يقول:
(الليل تحت الشجر عاري).. فلم يجدِ كل هذا النسيج من حياكة ثوبٍ يستر الليل، أو لنقل أن البدر تمنى لو أن الطبيعة تساعده في قتل شيءٍ من وحشة الليل أثناء مسراه، وما استجاب للحظة التمني هذه سوى الانتظار.. انتظار البدر لما بعد الليل، فحدث ما يلي:
(والفجر غطي السما بثياب).. إذن.. فالليل كان جالساً على وجه السماء، أوليست السماء هي هذه الزرقاء الفاتنة التي تسربل أنظارنا نهاراً؟ لماذا أصبحت تسمى الليل إذن بمجرد زوال الشمس؟ فالبدر هنا لا يفرق بين الليل والسماء، لأن رمزين كلاهما هي (الفراغ/ الفضاء) من أعلانا، ومن حولنا. وحده الفجر من أراد اختصار عناء الأشجار؛ ليجلي وحشة المسرى عن طريق البدر، وليس المقصود بالوحشة هنا الرهبة، بقدر ما هي إشارة إلى الوحدة، فالوحدة أشد ضرراً على العاشق من وحشة الظلام!

الوقت يشير إلى وصول الظهيرة:
نحن القرويون نعرف جيداً مكان النسائم في عز القيض، ولذا.. نجدنا عادةً ما نجتمع لنشعل مواقد (الشاي) وسط أقرب غابة لشجر (الغاف) على مشارف الأودية في وقت الظهيرة، أو أننا نلجأ إلى أطراف النخيل، فهناك لا متسع للرطوبة الخانقة، رغم أنها تحكم قبضتها بامتياز على سائر أنحاء القرية، وتقفل الهبوب والنسيم العليل في وجه البيوت والأزقة.
ها هو البدر على نفس الطريق، ولكن الزمن من تبدل هنا، أو الوقت، لنجده قد سار دون توقفٍ منذ بدء الفجر وحتى اللحظة التي بدأت الريح تذري الرمال فيها.. هو لم يذكر لنا النسيم، ولم يصف شبراً معشباً طاف به خلال الرحلة، معنى ذلك أن وقت البدر هو الصيف، أو موسم الجفاف، واللحظة الفعلية التي هو عليها الآن هي فترة الظهيرة، ففي هذه اللحظة دون سواها، نعرف أن الرياح/ أو الهواء يبدأ بمداعبة الرمل أو الأوراق المتساقطة عن بعض الأشجار والنباتات (والريح في كفوفها الذاري)..
وهو ما يسمى بالذرى، والذاري هو الهواء الذي يحرك ما يصدفه في طريقه من بقايا الطبيعة كالرمل أو الأوراق، وما شابه.. حسب تعريفه الخاص في المكان الذي نشأت عليه.



الزمن.. إيحاءٌ صادق للألم:

ماذا بعد أن وصل البدر إلى وقت الظهيرة؟ من كان بانتظاره؟ وكيف نعرف من خلال حركة الزمن النتائج الحتمية لهذه الرحلة الطويلة؟.. لاحظوا جملة (تدفن رسوم الوعد بتراب)، فالريح هي الفاعل، هي من ارتكب الدفن هنا، ومن الضحية تحت كل هذه المدافن يا ترى؟.. إنها (رسوم الوعد)، أماني البدر، تفاصيل العلاقات الحميمة، الحب الذي طال في ذات البدر وقتاً، ولم يظهر أمامه. أتخيل لو أن البدر كان قد وصل إلى هذه اللحظة/ المحطة؛ ووجد بانتظاره الطرف الآخر الذي تكبد عناء الارتحال لأجله، أتخيل أنه لن يكتب المفردة الأكثر إيلاماً على الإطلاق في هذا النص، وهي مفردة (تدفن).. فالمدافن رمز النهايات، والنهايات الفانية المؤلمة على وجه التحديد. فماذا لو كان الطرف الآخر بانتظاره، وتقابلا وجهاً لوجه في الوقت نفسه الذي كانت (الريح بكفوفها الذاري) فيه الريح/ الهواء تمارس طبيعتها مع الطبيعة، ألن يكون الطرف الآخر بمثابة المصد لكل هذه الظواهر الطبيعية؟!.. إذن.. فالمكان بعد كل هذه الرحلة، كان فارغاً، وما من أحدٍ يربت على كتف المسافر ويواسيه أو يشكره على ما تكبده من عناء السفر الشاق:
والريح في كفوفها الذاري=تدفن رسوم الوعد بتراب
هل يعقل أن يواجه العاشق كل هذه الفراغات القاتلة.. وهو من جاء طائراً بجناحيّ نبضه إلى أجمل بقاع الحب على وجه الطبيعة؟!

استفاقة البدر في الوقت المناسب:

ليس البدر من يسوم قلبه للنكسات الختامية، لأنه بدأ هذا النص بالبيت الذي نطلق عليه (بيت القصيد) أو قلب المعنى، حين قال في المطلع:

لا تقول ودعتني داري=بالحيل ما لي عليك عْتاب

فالبدر يستشعر اللحظات كلها، ويستقرئ جيداً ذلك المجهول القادم، أو ليس هو الذي قال يوماً:
(ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول).. ونحن ندرك أن المجهول صفة تقترن دائماً باللقادم/بالمستقبل.. فكيف أصبح المجهول لدى البدر هو رمز الماضي (مضى لي) ؟!.. ولو كان هذا الشاعر كاتباً عادياً لقال دون أن يتعثر به الوزن (بقى لي يشبه المجهول).. ولكنه لو فعل ذلك لتعثر به الإبتكار، وسقط في هاوية التقرير والإخبار والتبسيط لا محالة!

أعود لأقول بأن البدر مسامِحٌ طالما نية المغامرة والاكتشاف هي محمل الإبحار، أو أنها طريق المسرى. فمنذ البداية والبدر على علمٍ تامٍ بما قد لا يُحمد عقباه، فطالما الماضي لديه لم يمكنه من تأريخ أو إنشاء مدينته الفاضلة، فكيف له أن يضمن ذلك مع المستقبل، وهو الرجل الذي يبلغ اليوم ما يقارب ستون الوجع؟! لذلك كان عليه أن يُطمئِن المكان ومن فيه بأنه ذاهب ليعود، ويعود للرحيل مجدداً دون أن يأبه بألم الخواتيم، لذلك جاء نداءه هنا محدداً، موجَّهاً لشخصٍ بعينه دون أحدٍ سواه حين قال منذ البدء:

(لا تقول/ودعتني/ما لي عليك عتاب).. فهو من تهيأ مسبقاً لمدافن الحب، إلا أنه ـ في قرارة نفسه ـ كان يريد لها خاتمةً أخرى، وتمنى أن لا تذري الرياح ما ذرته هناك!

خلاصة شافية. لكل الأزمان!:
يقول ميخائيل نعيمة (متى أصبح صديقك مثلك، بمنـزلة نفسك، فقل عرفت الصداقة).. فإن كان كل هذا السبر الداخلي للذات الإنسانية قد يؤدي بك إلى الصداقة، أو يمنعك منها؛ فما الذي نتخيل ارتكابه من عملٍ جادٍ كي نكسب الحب كعلاقة بيننا وبين العالم، وبيننا وبين أيٍ من الأطراف، وهو الأعلى مرتبة من الصداقة؟!.. لن أطيل في هذا الجانب كي لا أخرج بعيداً عن محور انطباعيتي هنا، وهو محور الزمن/ الوقت.
تناسى البدر ساعته، وزمانه، وأتعاب اللحظة، ليرمي كل النقمات بعيداً عن ضميره الحيّ، وما كان منه إلا أن عاد بخطوة واحدة إلى أول الأزمان، ليجد نفسه وقد ارتكب كل هذا الألم عنوة، وربما أنه اقترفه ليذكرنا بقول شكسبير (ساعاتنا في الحب لها أجنحة ولها في الفراق مخالب)!!.. ورمى بكل النكسات والخيبات على عاتق قلبه وقال:

مريت.. ما للوله طاري=وقفت ما للندم أسباب
لاحظوا قمة الإنسانية لدى البدر حين يختصرهنا المشوار المضني ليختزله إنسانياً ـ إن صح التعبير ـ في مفردة (مريت).. وكأنه لم يخسر شيئاً، أو لم يتكبد تلك القسوة والوحشة، بل لنقل أنه لم يكن الخاسر مؤكداً، أو المتألم، لأنه البدر.

باختصار.. هي رغبة التجريب رغم فوات الزمان!

دعونا نضع بيت القصيد في ترتيبٍ آخر يخص ذائقتنا الشخصية، فماذا لو جربنا أن نضع مطلع النص هنا قبل هذا البيت:

مدري تعودت مشواري=أو خان بي قلبي الكذاب
لتصبح خاتمة النص هكذا:

لا تقول ودعتني داري=بالحيل ما لي عليك عتاب
مدري تعودت مشواري=أو خان بي قلبي الكذاب!


ما الذي قد يحدث جراء هذا الترتيب الجديد؟ أجد على المستوى الشخصي أن الزمن السوداوي الذي كان خاتمةً لرحلة المسرى تلك؛ قد عاد طبيعياً، دون أن يركز رماح نكساته في ذات البدر، ومن يقرأ البيت الأخير الآن، مستحضراً في الوقت نفسه البيت الذي قبله بهذا الترتيب، سيعرف أن وقت البدر قد فات منذ البداية، واختار لنفسه التجريب والمغامرة، سعياً منه لخلق ساعة زمن جديدة في الشعر/ في العلاقات/ في العثور على المدن الفاضلة.. وفي كل الحالات تقع لائمة البدر دوماً على نفسه:
ما ادري تعودت مشواري=أو خان بي قلبي الكذاب!

وآخر شطرٍ في هذا النص يوحي بشجاعة البدر وإن خُيّل لنا مدى انكساره أكثر الأحيان من الخواتيم، فأن يسوّر لك القلب وهم القادم هو خير لك من أن تدفع إلى هذه النهاية الخائبة بفعل الآخر.

خاتمة بلا زمن!
إن مجرد محاولة قراءة نصوص البدر هي مغامرة بحد ذاتها، فكيف لنا أن نحاول وصول قاعها العميق، وأنا بطبيعتي من ذوي النفَس المحدود كما ترون، ولكنني أعرف في المقابل أن المفكر والفيلسوف الفرنسي العظيم ألبير كامو كان قد أتيحت له عوامل هامة ليصبح مع الوقت صاحب التجربة الأمثل في العبث، واللا معقول، ولكنها التجربة التي تصنع المجد، وقد فعلت به ذلك اليوم.
مقابل كامو يوجد بيننا البدر، هذا الرجل الذي يعلمنا يوماً بعد يوم أن نتلمس أضلاعنا، ونشعر من خلالها بأن زمن الحب موجود، طالما وجِدت المغامرة، والمغامرة الإنسانية هي المقصودة ببقائنا على سطح الزمن هنا.



Jamal
1996

بعد الليل
05-04-2008, 10:23 PM
قد لا نتوافق في الاذواق
ولكن الأجمل هُنا أن نتعلم كيف نتذوق أبعاد حروف الشعر
بـــ..سلطنة


شكرا كثيرا كـــ..مطر
على متعة النقد

م.عبدالله الملحم
05-05-2008, 02:04 PM
مُدْهِش
حد الــ لاوصف ... :)


باقة ورد

عبدالرحمن الغبين
05-05-2008, 02:55 PM
عندما يكتب الشاعر الحقيقي مفردة ما،
فهو يعنيها.. حتى رغم وجود الكثير من المرادفات لنفس مفردة.
أحياناً أود من القاريء أن يفكر لماذا تم أختيار هذه المفردة دون سواها ؟!
يزعجني اذا تم تجاهل هذه التفاصيل البسيطة العظيمة في نفس الوقت .
التفاصيل البسيطة هي أعظم ما في النصوص الشعرية.
وجود قاريء يدرك هذا يجعل للقراءة لذة ما بعدها لذة.
وجود قاريء يدرك هذا يجعل للكتابة لذة ما بعدها لذة.
هنيئاً للبدر بقاريء كجمال.
هنيئاً للشعر بقاريء كجمال.

أصيله المعمري
05-05-2008, 11:20 PM
يا جمال
أن ترتب ذوائقنا

وتصنع جيل :)

سـ أذكرك كثيراً
وسـ أذكرهم



شكراً لك عليك
شكراً لنورك هنا
شكراً ترتلك:)

شــمــ نـجـد ــس
05-06-2008, 09:21 PM
:

الشاعر جمال

شكرا للجمال

نافع التيمان
05-08-2008, 10:46 PM
الأقرب جمال الشقصي ..


قرأت أكثر من مرة فــ أردت أن أقتص مقطع من هذه الترانيم الفلسفية المنطقية حينا ,, والمثالية الجبارة حينا آخر .. فعجزت .. أردت أن أثني .. فأدركت أن لا جديد .. فهو جمال الشقصي .. ولا يحتاج هذا ..

أبحث عن ما يمكن أن أعلق عليه للإثراء .. فلا أجد .. فأنت الثراء .. وربي

تمور بي أمواج الإنطباع الذاتي للرائع جمال الشقصي لتخلق لدي عدوى تصيبني بالدهشة فأوافق كــ مؤمن بلا نقاش بذاتية تنمو لتشكل رأي عام في كل ذرة من ذرات خيالي ومنطقي ..


هناك لمحات خارقة ودقيقة جدا .. لا أتردد بأن أقول أن القراءة حين تصاغ بكل هذا الوعي المحكم بــ ما هية الزمن واللاوعي المتدفق من خلال صوت وترانيم عبادي الجوهر تعطي بعدا ثالثا ورابعا لقيمة النص ..


فأحببت أن أبدي رأيا بسيط هنا .. يزيدني فخرا .. أن يكون بحضرتك ..

..........................

يقول الأستاذ جمال الشقصي ..

فالبدر يستشعر اللحظات كلها، ويستقرئ جيداً ذلك المجهول القادم، أو ليس هو الذي قال يوماً:
(ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول).. ونحن ندرك أن المجهول صفة تقترن دائماً باللقادم/بالمستقبل.. فكيف أصبح المجهول لدى البدر هو رمز الماضي (مضى لي) ؟!.. ولو كان هذا الشاعر كاتباً عادياً لقال دون أن يتعثر به الوزن (بقى لي يشبه المجهول).. ولكنه لو فعل ذلك لتعثر به الإبتكار، وسقط في هاوية التقرير والإخبار والتبسيط لا محالة!

فكرتي الخجولة .. بحضورك :

أستوعبت جيدا أن المستقبل كــ زمن لدى البدر ما هو إلا ماض أدركه فهو بحكم المنصرف _ الزمن _ .. وهي خبرة وحدس وقدرة على التعايش بغير الزمان .. لقدرات ومؤهلات تقرب الشاعر من النبوءة بوجهها الجدلي ..



أو أن البدر مع تجربته للــ ماضي كزمن لا تزال مجهولة لا يتذكرها ولا يستوعبها .. ربما لحكمة شعورية أرادها .. وهنا يخالف استيعابه للقادم / المجهول فهو لم يستوعب الماض المعلوم فكيف سيدرك المستقبل / المجهول ؟
وهنا أيضا بعد عن التقريرية والمباشرة .. وتوجه نحو الإبتكار , أو ربما التناقض .. لأن الشطر من قصيدة أخرى .. والتناقض ليس عيبا على الإطلاق .. لكنه تناقض فيما يميزه وهو .. الزمن .. وهنا .. ولأن الزمن من المؤثرات النفسية التي تؤثر في رسم ملامح أي شاعر_ بل أي إنسان _ بنسب متفاوته من شاعر _ أو إنسان _ لآخر أرى أنه ينقص من نسبة تأثر البدر بماهية الزمن .. لأن الزمن وشم يرتسم في مخيلة وشعور أي شاعر ويؤثر بشكل متكرر في كل نصوصه وفق نظرة ثابتة ومكررة بنسب متفاوتة لكنها لا تثبت حينا وتنفى حينا آخر .. هذا ما استطعت فهمه من خلال الشطر التالي ..

(ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول)..


كيف وهو المدرك للزمن القادم .. يجهل مامضى ؟

إلا إن كان الأمر تناقض مقصود ومبتكر .. وهذا ما لا أعتقده .. أمانة .. لأن الأمر هنا يفرض علينا ويوجهنا لتعاطى تجربة البدر كاملة وفق منظومة الزمن وتأثيره في تجربة البدر .. وحين نتناول هذا الأمر ربما سنجد الكثير يخالف هذا التوجه ..


أوافقك أخي جمال أن القصيدة محل القراءة فعلا أجاد البدر في توظيف الزمن .. لكن الكثير من الروعة وتسليط الضوء كانت نتيجة قراءة جمال الشقصي .. ومداه فالقراءة الإبداعية هي من تضيف للجمال جمال ..

لكني لا أرى أن البدر يتعامل وفق إدراك تام ومقصود لعنصر الزمن .. وإن كان كثيفا في نصوصه .. لا يصل لدرجة التقصد .. ومبرر طرحي لهذا الرأي أرى أنه الشطر أعلاه ..بالأحمر ..


ربما نتفق أن البدر يدرك الزمن لكنه ليس إدراكا بمعنى العلم والإستعداد لما سوف يحدث ,, ويقابل ذلك بشجاعة ,, لكنه مستعد لأنه محبط .. فنعلم أن المحبط يستطيع رسم تفاصيل إحباطه وهو الإقدر على التبرير .. من خلال الإحباط ..لا الشجاعة ..

وهذا ما أراد البدر أن يكوّنه لذاته كشاعر حين تحدث عن العارف بالزمن .. ليست معرفة حقيقة ترسم للشخصية في القصيدة صفة الشجاعة .. بل هو إحباط واستسلام .. منطلق من إحباط لا معرفة .. والدليل على ذلك _ أقصد إحباطه _ أنه في النص محل القراءة لا يعاتب ويتوقع النهاية منذ البداية .. وفي الشطر موضوع الإحتاج لدي .. يصور أنه محبط لدرجة أنه يجهل الماضي .. بينما هو لا يجهله حقيقة .. لكن بلا مبالاة محبطة كان " لا يعاتب .. يدرك النهاية .. ويجهل المعلوم .."



الجميل أن تتوالد الأفكار الصغيرة في ذهني حين تبهرني الأفكار العظيمة التي يتحدث حولها الرائع جمال الشقصي ..

الشاعر الأستاذ جمال الشقصي ..
دمت جميلا .. لك الود .. وأكثر ..

جمال الشقصي
05-11-2008, 11:30 AM
قد لا نتوافق في الاذواق
ولكن الأجمل هُنا أن نتعلم كيف نتذوق أبعاد حروف الشعر
بـــ..سلطنة


شكرا كثيرا كـــ..مطر
على متعة النقد



\

الرائعة بعد الليل.. سلاماً من مرافئ الوطن البعيد.. من وجه الرمل المفروش كسحابة عيد..

:

يقول الدهمان فالح: (وتتشابه عقول.. ويختلف فكرها).. وهذا هو الأجمل، أن نتشابه في العقل/ البصيرة/ الإلمام.. ونختلف في الآراء والأذواق، لأن الأشياء لا تحدث ونحن الواقفون على النمط الواحد.

ك

شكراً لعطرك يا قرب النهارات..

/

جمال الشقصي
05-11-2008, 11:35 AM
مُدْهِش
حد الــ لاوصف ... :)


باقة ورد



\

الملهم/ عبدالله الملحم

:

لك زرقة المدى.. وعصافير صبح لا يغرب نهاره تحت غابات النخيل.

:

هل تدلني على ذلك المكان الذي أردتني أن أعبر فيه عن وجه ما؟ فأنا مخمور الذاكرة، ولا وعياً يُطاق تحت سمائي يا عبدالله.. منذ أمد!

/

جمال الشقصي
05-11-2008, 03:28 PM
عندما يكتب الشاعر الحقيقي مفردة ما،
فهو يعنيها.. حتى رغم وجود الكثير من المرادفات لنفس مفردة.
أحياناً أود من القاريء أن يفكر لماذا تم أختيار هذه المفردة دون سواها ؟!
يزعجني اذا تم تجاهل هذه التفاصيل البسيطة العظيمة في نفس الوقت .
التفاصيل البسيطة هي أعظم ما في النصوص الشعرية.
وجود قاريء يدرك هذا يجعل للقراءة لذة ما بعدها لذة.
وجود قاريء يدرك هذا يجعل للكتابة لذة ما بعدها لذة.
هنيئاً للبدر بقاريء كجمال.
هنيئاً للشعر بقاريء كجمال.



\

عبدالرحمن.. صديقي الذي ألتقي به دوماً بين المطر والورد..

صباحك حقيبة.. مساؤك صالة مطار أيها النورس المسافر..

لا أود أن أحتفي بهذا الرجل الشفيف هنا، إنما أنا بصدد قراءة ملامح عدد من الأصوات الشعرية الخلاقة، وأتمنى أن يعينني رب يسوع على إكمال هذا المشهد الأنيق جداً بأصحابه، وعبدالرحمن الغبين من أول الأسماء تلك.
:

عزيزي.. دعنا نحفر في هذا الحجر الصلد/ الصلب.. قد نصل ولو لمرة واحدة إلى تخوم الماء في الأعماق.

ممنون لكرم روحك أيها الأامير الكبير.

/

جمال الشقصي
05-11-2008, 03:45 PM
يا جمال
أن ترتب ذوائقنا

وتصنع جيل :)

سـ أذكرك كثيراً
وسـ أذكرهم



شكراً لك عليك
شكراً لنورك هنا
شكراً ترتلك:)



\

الأصيلة أصيلة

شكراً لنور وعيك.. لقوافل كرمك التي حطت رحالها على مضارب الغريب..

إنني أجتر ذاكرة الصّغـَر كي لا تؤول للنسيان يا أصيلة، فذاكرة مثلي لا تدوم بها الملامح طويلاً.. والأطهر من الملامح تحديدا..
:

بعمق مطرح، وخضرة الجنوب.. ألف شكر لكِ يا أصيلة.

/

جمال الشقصي
05-11-2008, 03:48 PM
:

الشاعر جمال

شكرا للجمال



\

بل هو العابر على هامش النص يا شمس نجد، وكل نهاراتها الدفيئة.

وإن كان جمال شاعراً.. فهو وسام من النجمات القصية، أعلقه على صدر الغريب، إكراماً لجال ذاتك التي أهدتني سبل المرافئ القديمة.

ممنون لكفك الكريمة يا شمس.

/

محمد الضويحي
05-12-2008, 01:01 PM
القدير : جمال الشقصي .. روؤيتك الداخليه لمكامن النص وأثر الزمن بحروفه كانت ذات وقع جميل يدل على صفاء ذهنك الشعري لتسبر من خلاله أبعاد الزمن لدى الشاعر .. وهنا أقول اننا كمتلقين ينتابنا إحساس أثناء قراءة النصوص الشعريه ونبدأ بالإبحار بحسب وقوع النص في قلوبنا لذا يمكن أن نصل به مالم يكن بحسبان الشاعر نفسه لكنني أجزم بأن كتابة الشعر بصدق كفيلة بالإبداع والخيال والصور والبلاغه من القول لنتأكد تلقائياً بأن الشعر يكتبنا ولا نكتبه ليدخل بنا في عالم لم نكن مستعدين له أبداً ... ليأتي من يسبر أعماقه ويخرج مكامنه لمضيئة الجذابه ... وحدهم الذين يحملون نَفَساً شفافة مرهفة يقدرون على هذا التحليق كما فعلته أنت هنا ..... لذا نحن أحوج للقراءات الشعريه من الشعر نفسه كل الود والتقدير لقلمك ...

جمال الشقصي
05-12-2008, 02:43 PM
الأقرب جمال الشقصي ..


قرأت أكثر من مرة فــ أردت أن أقتص مقطع من هذه الترانيم الفلسفية المنطقية حينا ,, والمثالية الجبارة حينا آخر .. فعجزت .. أردت أن أثني .. فأدركت أن لا جديد .. فهو جمال الشقصي .. ولا يحتاج هذا ..

أبحث عن ما يمكن أن أعلق عليه للإثراء .. فلا أجد .. فأنت الثراء .. وربي

تمور بي أمواج الإنطباع الذاتي للرائع جمال الشقصي لتخلق لدي عدوى تصيبني بالدهشة فأوافق كــ مؤمن بلا نقاش بذاتية تنمو لتشكل رأي عام في كل ذرة من ذرات خيالي ومنطقي ..


هناك لمحات خارقة ودقيقة جدا .. لا أتردد بأن أقول أن القراءة حين تصاغ بكل هذا الوعي المحكم بــ ما هية الزمن واللاوعي المتدفق من خلال صوت وترانيم عبادي الجوهر تعطي بعدا ثالثا ورابعا لقيمة النص ..


فأحببت أن أبدي رأيا بسيط هنا .. يزيدني فخرا .. أن يكون بحضرتك ..

..........................

يقول الأستاذ جمال الشقصي ..

فالبدر يستشعر اللحظات كلها، ويستقرئ جيداً ذلك المجهول القادم، أو ليس هو الذي قال يوماً:
(ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول).. ونحن ندرك أن المجهول صفة تقترن دائماً باللقادم/بالمستقبل.. فكيف أصبح المجهول لدى البدر هو رمز الماضي (مضى لي) ؟!.. ولو كان هذا الشاعر كاتباً عادياً لقال دون أن يتعثر به الوزن (بقى لي يشبه المجهول).. ولكنه لو فعل ذلك لتعثر به الإبتكار، وسقط في هاوية التقرير والإخبار والتبسيط لا محالة!

فكرتي الخجولة .. بحضورك :

أستوعبت جيدا أن المستقبل كــ زمن لدى البدر ما هو إلا ماض أدركه فهو بحكم المنصرف _ الزمن _ .. وهي خبرة وحدس وقدرة على التعايش بغير الزمان .. لقدرات ومؤهلات تقرب الشاعر من النبوءة بوجهها الجدلي ..



أو أن البدر مع تجربته للــ ماضي كزمن لا تزال مجهولة لا يتذكرها ولا يستوعبها .. ربما لحكمة شعورية أرادها .. وهنا يخالف استيعابه للقادم / المجهول فهو لم يستوعب الماض المعلوم فكيف سيدرك المستقبل / المجهول ؟
وهنا أيضا بعد عن التقريرية والمباشرة .. وتوجه نحو الإبتكار , أو ربما التناقض .. لأن الشطر من قصيدة أخرى .. والتناقض ليس عيبا على الإطلاق .. لكنه تناقض فيما يميزه وهو .. الزمن .. وهنا .. ولأن الزمن من المؤثرات النفسية التي تؤثر في رسم ملامح أي شاعر_ بل أي إنسان _ بنسب متفاوته من شاعر _ أو إنسان _ لآخر أرى أنه ينقص من نسبة تأثر البدر بماهية الزمن .. لأن الزمن وشم يرتسم في مخيلة وشعور أي شاعر ويؤثر بشكل متكرر في كل نصوصه وفق نظرة ثابتة ومكررة بنسب متفاوتة لكنها لا تثبت حينا وتنفى حينا آخر .. هذا ما استطعت فهمه من خلال الشطر التالي ..

(ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول)..


كيف وهو المدرك للزمن القادم .. يجهل مامضى ؟

إلا إن كان الأمر تناقض مقصود ومبتكر .. وهذا ما لا أعتقده .. أمانة .. لأن الأمر هنا يفرض علينا ويوجهنا لتعاطى تجربة البدر كاملة وفق منظومة الزمن وتأثيره في تجربة البدر .. وحين نتناول هذا الأمر ربما سنجد الكثير يخالف هذا التوجه ..


أوافقك أخي جمال أن القصيدة محل القراءة فعلا أجاد البدر في توظيف الزمن .. لكن الكثير من الروعة وتسليط الضوء كانت نتيجة قراءة جمال الشقصي .. ومداه فالقراءة الإبداعية هي من تضيف للجمال جمال ..

لكني لا أرى أن البدر يتعامل وفق إدراك تام ومقصود لعنصر الزمن .. وإن كان كثيفا في نصوصه .. لا يصل لدرجة التقصد .. ومبرر طرحي لهذا الرأي أرى أنه الشطر أعلاه ..بالأحمر ..


ربما نتفق أن البدر يدرك الزمن لكنه ليس إدراكا بمعنى العلم والإستعداد لما سوف يحدث ,, ويقابل ذلك بشجاعة ,, لكنه مستعد لأنه محبط .. فنعلم أن المحبط يستطيع رسم تفاصيل إحباطه وهو الإقدر على التبرير .. من خلال الإحباط ..لا الشجاعة ..

وهذا ما أراد البدر أن يكوّنه لذاته كشاعر حين تحدث عن العارف بالزمن .. ليست معرفة حقيقة ترسم للشخصية في القصيدة صفة الشجاعة .. بل هو إحباط واستسلام .. منطلق من إحباط لا معرفة .. والدليل على ذلك _ أقصد إحباطه _ أنه في النص محل القراءة لا يعاتب ويتوقع النهاية منذ البداية .. وفي الشطر موضوع الإحتاج لدي .. يصور أنه محبط لدرجة أنه يجهل الماضي .. بينما هو لا يجهله حقيقة .. لكن بلا مبالاة محبطة كان " لا يعاتب .. يدرك النهاية .. ويجهل المعلوم .."



الجميل أن تتوالد الأفكار الصغيرة في ذهني حين تبهرني الأفكار العظيمة التي يتحدث حولها الرائع جمال الشقصي ..

الشاعر الأستاذ جمال الشقصي ..
دمت جميلا .. لك الود .. وأكثر ..


\

الرائع/ الأمير.. القريب من الذات جداً

نافع التيمان

إن التفكيكية هي بؤرة التنظير والنقد الأاكاديمي كما هو معلوم ومتفق عليه، وأنا لا أبحث في هذه القراءة عن شيء من التنظير، قدر بحثي الدؤوب عن أسباب وقوع ذاتي أسيرة داخل فضاءات بعض النصوص الشعرية، بالضبط كما يحدث معي داخل هذا الأسر الحر عند الرائع بدر بن عبدالمحسن، وإنني أعلم مدى وعيك وتفهمك لهذه النقطة، كونك أحد أهم الأسماء التي أحتفي بسقوط ضوئها المبهج على عتمة حرفي الباهرة أيها الأنيق الرائع.
:
أما في ما يخص الزمن داخل هذا النص، فهو لا يعدو كونه وقت اللحظة، وقت المشوار، وقت الخطوة التي سُمّيت لحظة نهايتها مسبقاً، وقبل الخوض في غمار وخضم هذا الطريق المؤدي جهة الحب/ أو قبلة الآخر. مقابل ذلك فنحن لابد أن نعلم جيداً أن الزمن في تجربة البدر ـ لا في نص وحيد من نصوصه ـ هو الأمر الأخطر، ذلك أن هذا الشاعر يأتي ـ من وجهة نظري الصغيرة ـ كواحدٍ من أهم المجربين الحقيقيين في مخاض الشعر الشعبي، ويعد أخطر من يؤنسن الموجود/ البالي/ والرتيب لدى الآخرين، ليصنع منه أنموذجاً حياً يشعرك أن كل الجماد من حولك ما هو إلا مخلوق يستحق نظرة منك إليه، أو توجهاً لو لوهلة وقتٍ صوب كيانه المهمل.

وإن جئنا إلى مثال المجهول الذي أدرجته هنا:
(ألا يالله كان اللي مضى لي يشبه المجهول).. وتحدثنا عنه بصورة أعم وأكمل، فذلك هو الأسلم لنا يا نافع، ذلك أن هذا الشطر له ما يبرره كثيراً في ما لو أننا أكملنا قراءة البيت كاملاً، حين يقول البدر:


ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول=تيسر لي عدوٍ ما عليه أشباه مضنوني


ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول+تيسّر عدوٍ ما عليه أشباه مضنوني!

فباكتمال هذا البيت، أجدني متفق معك في كل ما يتعلق بانكسار البدر، ولكنني أضع نقطة أخرى كإضافة إلى مكامن هذا الانكسار، فيحن يصف البدر عدوه (تيسّر لي عدوٍ) بأنه أنقى وأسلم من الحبيب (ما عليه أشباه مضنوني) فهنا إشارة إلى أن مسببات الانكسار أخطر مما كنا نتخيل.. وأبعد من كونه الزمن هكذا.. حافاً وحيداً. فالإنسان من وجهة نظري هو عامل تكوين الزمن والوقت، وهو المعوّل عليه أنسنة عصره وتحضيره وتطهيره من شوائب الحقب القديمة، وهو المسئول كذلك عن ربط الزمن الآني بالأزمان السابقة حسب الفعل الإنساني الذي هو قائم على إنجازه. وبين هذا وذاك.. فالبدر يرى أن (إنسانه) المشار إليه داخل نصوصه ليس واحداً أو فردا في أغلب الأحيان، بل يتجاوز هذا الكم أحايين كثيرة ليصل إلى مستوى الأمة والشعب برمته!.. وفي هذا الجانب سيطول الحديث بيننا أيها الرائع نافع التيمان، ذلك أنني أحد الذين لا يتحدثون عن ذائقته كثيراً أمام الملأ، بل أنا المحتاج دوماً إلى ركن صغير ضيق، لا يضيء أحرف النقاش فيه إلا أمثالك الكبار، الذين يحولون أضيق الأركان إلى سماء اخرى، تكفي للتحليق طويلاً، وتكفينا قطع الأميال الكثيرة في أقل فترة زمنية ممكنة.

:

من هذا وذاك.. إنك رائع يا نافع، ولا أجد بين يديك إلا فانوساً تحمله أنت كما يقول سركون بولوص : (حامل الفانوس في ليل الذئاب).. وأقول لك: إنك حامله في ليل الغرباء يا نافع.

ممنون لروحك إلى ما لا نهايات.

/

جمال الشقصي
05-12-2008, 02:53 PM
القدير : جمال الشقصي .. روؤيتك الداخليه لمكامن النص وأثر الزمن بحروفه كانت ذات وقع جميل يدل على صفاء ذهنك الشعري لتسبر من خلاله أبعاد الزمن لدى الشاعر .. وهنا أقول اننا كمتلقين ينتابنا إحساس أثناء قراءة النصوص الشعريه ونبدأ بالإبحار بحسب وقوع النص في قلوبنا لذا يمكن أن نصل به مالم يكن بحسبان الشاعر نفسه لكنني أجزم بأن كتابة الشعر بصدق كفيلة بالإبداع والخيال والصور والبلاغه من القول لنتأكد تلقائياً بأن الشعر يكتبنا ولا نكتبه ليدخل بنا في عالم لم نكن مستعدين له أبداً ... ليأتي من يسبر أعماقه ويخرج مكامنه لمضيئة الجذابه ... وحدهم الذين يحملون نَفَساً شفافة مرهفة يقدرون على هذا التحليق كما فعلته أنت هنا ..... لذا نحن أحوج للقراءات الشعريه من الشعر نفسه كل الود والتقدير لقلمك ...


\

أخي العزيز القدير محمد الضويحي.. طابت حياتك أيها الجميل

أشكرك جداً على عبور أشبه بإقامة الورد على رمال البيد، ليستحيل المدى القاحل من حولي لواحة عطر.
إنني لا أجدني قارئاً سابراً بمعنى السبر الحقيقي لدواخل النص، قدر كوني شخص يرغب بأن يقول للعالم.. هكذا قرأت ما قرأت. وإن وصلت هذه القراءة إلى درجاتٍ تعلو عتبة انطباعيتي البسيطة، فثق تمام الثقة أيها الرائع.. أنك الجناح الذي حمل انطباعيتي نحو فضاء القراءات الأبعد/ الأجود.

ممنون لحضورك المعشب/ وممنون لكرم روحك أخي محمد الضويحي.

/

نافع التيمان
05-13-2008, 03:39 PM
\

الرائع/ الأمير.. القريب من الذات جداً

نافع التيمان

إن التفكيكية هي بؤرة التنظير والنقد الأاكاديمي كما هو معلوم ومتفق عليه، وأنا لا أبحث في هذه القراءة عن شيء من التنظير، قدر بحثي الدؤوب عن أسباب وقوع ذاتي أسيرة داخل فضاءات بعض النصوص الشعرية، بالضبط كما يحدث معي داخل هذا الأسر الحر عند الرائع بدر بن عبدالمحسن، وإنني أعلم مدى وعيك وتفهمك لهذه النقطة، كونك أحد أهم الأسماء التي أحتفي بسقوط ضوئها المبهج على عتمة حرفي الباهرة أيها الأنيق الرائع.
:
أما في ما يخص الزمن داخل هذا النص، فهو لا يعدو كونه وقت اللحظة، وقت المشوار، وقت الخطوة التي سُمّيت لحظة نهايتها مسبقاً، وقبل الخوض في غمار وخضم هذا الطريق المؤدي جهة الحب/ أو قبلة الآخر. مقابل ذلك فنحن لابد أن نعلم جيداً أن الزمن في تجربة البدر ـ لا في نص وحيد من نصوصه ـ هو الأمر الأخطر، ذلك أن هذا الشاعر يأتي ـ من وجهة نظري الصغيرة ـ كواحدٍ من أهم المجربين الحقيقيين في مخاض الشعر الشعبي، ويعد أخطر من يؤنسن الموجود/ البالي/ والرتيب لدى الآخرين، ليصنع منه أنموذجاً حياً يشعرك أن كل الجماد من حولك ما هو إلا مخلوق يستحق نظرة منك إليه، أو توجهاً لو لوهلة وقتٍ صوب كيانه المهمل.

وإن جئنا إلى مثال المجهول الذي أدرجته هنا:
(ألا يالله كان اللي مضى لي يشبه المجهول).. وتحدثنا عنه بصورة أعم وأكمل، فذلك هو الأسلم لنا يا نافع، ذلك أن هذا الشطر له ما يبرره كثيراً في ما لو أننا أكملنا قراءة البيت كاملاً، حين يقول البدر:


ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول=تيسر لي عدوٍ ما عليه أشباه مضنوني

ألا يا الله كان اللي مضى لي يشبه المجهول+تيسّر عدوٍ ما عليه أشباه مضنوني!

فباكتمال هذا البيت، أجدني متفق معك في كل ما يتعلق بانكسار البدر، ولكنني أضع نقطة أخرى كإضافة إلى مكامن هذا الانكسار، فحين يصف البدر عدوه (تيسّر لي عدوٍ) بأنه أنقى وأسلم من الحبيب (ما عليه أشباه مضنوني) فهنا إشارة إلى أن مسببات الانكسار أخطر مما كنا نتخيل.. وأبعد من كونه الزمن هكذا.. حافاً وحيداً. فالإنسان من وجهة نظري هو عامل تكوين الزمن والوقت، وهو المعوّل عليه أنسنة عصره وتحضيره وتطهيره من شوائب الحقب القديمة، وهو المسئول كذلك عن ربط الزمن الآني بالأزمان السابقة حسب الفعل الإنساني الذي هو قائم على إنجازه. وبين هذا وذاك.. فالبدر يرى أن (إنسانه) المشار إليه داخل نصوصه ليس واحداً أو فردا في أغلب الأحيان، بل يتجاوز هذا الكم أحايين كثيرة ليصل إلى مستوى الأمة والشعب برمته!.. وفي هذا الجانب سيطول الحديث بيننا أيها الرائع نافع التيمان، ذلك أنني أحد الذين لا يتحدثون عن ذائقته كثيراً أمام الملأ، بل أنا المحتاج دوماً إلى ركن صغير ضيق، لا يضيء أحرف النقاش فيه إلا أمثالك الكبار، الذين يحولون أضيق الأركان إلى سماء اخرى، تكفي للتحليق طويلاً، وتكفينا قطع الأميال الكثيرة في أقل فترة زمنية ممكنة.

:

من هذا وذاك.. إنك رائع يا نافع، ولا أجد بين يديك إلا فانوساً تحمله أنت كما يقول سركون بولوص : (حامل الفانوس في ليل الذئاب).. وأقول لك: إنك حامله في ليل الغرباء يا نافع.

ممنون لروحك إلى ما لا نهايات.

/



الجمال / الشقصي

قبل أن يسقط لب الحوار .. فقد سقطت محبتك هنا في تفاصيلي قبل الزمن .. وقبل الإنسان ..


حين تتحدث بــ كل هذه الأناقة وكل هذا القدر من التمكن من نثر مبررات ذائقتك التي تتعدى كونها ذائقة ذاتية لتنمو وتشكل باستحقاق معايير لذائقة أكثر إتساعا وتشملنا بها حبا وإيمانا واقتناعا .. إعلم يا جمال أن البدر كشاعر لا يستهويني في غالب نصوصه .. لا أقول جميعها " كــ متذوق أتحدث هنا ".. قبل قراءتك له وربي .. الآن .. تمدد البدر كثيرا داخلي فقط لأنك تحرض القاريء أن يبحث بشكل أعمق في زوايا و مساحات مايقرأ ويسمع وسيجد أن هناك ما يستحق وأكثر ..كثيرون أمثال البدر يطرح نتاجهم كما يطرح نتاج غيرهم وبنفس الطريقة .. والضحية ذائقة مختطفة لا تدرك سوى مايعرض .. وهذا للأسف ما حرصت أن لا أقع به .. لكني وقعت به على أي حال ..





أحدّث نفسي في منتصف القراءة والبحث :
................. و هذا يجعل الأفق يتسع نحو تقبل المعرفة واللا معرفة والإدراك واللا إدراك نحو مفهوم أن التناقض لا يعني عدم المعرفة .. أو الترنح الشعوري الغير مقصود , لكنه يشكل من الشجاعة والإحباط الإقدام والإستسلام .. المجهول والمعلوم .. تكامل لا تنافر وفق شخصية مختلفة وتشكل حالة من " غير المعقول " لكنه معقول بعرف القليلين الــ يتعاطون مثل هذه الشخصية بلذة .. وانسجام ..


وما البيت الذي سقط سهوا إلا دليل شامخ على أن هناك ما يمكن أن يكون كل شيء ولاشيء وشي .. وفق منطقة من الإقناع العقلي والشعوري بعضها مبرر وبعضها غير مبرر ..

من زاوية اخرى حقيقة أدهشني وأعجبني قراءتك لإنسان البدر ليكون أكثر من إنسان من نص لآخر بل في نفس النص إن لم أبالغ , و بعد إطلاعي في اليومين السابقين بتمعن لكثير من نصوصه وماينقشه .. تغيرت الكثير من الرؤى لدي ..



ربما الكثير من المباحث تتحدث بماهية الشعر والذائقة والنقد قد تخرجنا من أطر ما نتحدث عنه الآن .. وتعيدنا إليه مرة أخرى .. إنطلاقا من هذه القراءة الملهمة قد تشمل الكثير من الأمور بعضها أدركها .. والكثير يحتاج مراجعته معك نفسيا .. أشعر أنك قريب في مزاجك ومنطقك من أفكار تؤرقني جدا ..




دمت الأجمل .. يا جمال


سنستمر طويلا من أفق لأفق ..
حلّق بنا ياجمال ..نحوك ..

إبراهيم الشتوي
05-18-2008, 10:57 PM
وعي القراءة وقراءة الوعي ..

في طرح بارع وفكر واعٍ..

فشكرا لك وللجمال الذي يسكنك ..

تقديري يا ودق

عبدالله العويمر
03-12-2009, 12:27 AM
مُمْتع يَاجَمال

فهدة
03-12-2009, 01:28 AM
جمال الشقصي

قرأتك رائعة للمعجز ( البدر )

من منا لم يستطعم لذة حروفة ويبحر معة

للغرق ...

الغرق حد الثمالة في جماليات نصة ...

البدر وكفى ...

تحدثني استاذتي عن دراسة النص

تحليليا ً وموسيقيا ً ونفسيا ً ...

هنا وجدتك مغاير ...

حيث انك قمت بقلب الموازين ...

ووضعت البيت الاول بـ الاخير

لنكتشف ذات الشاعر ومدى عمقة ...

بوركت يا اخي

استمتعت جدا ً جدا ً

فهده

حنان الفايز
03-12-2009, 03:05 PM
جمال قرأتك أكثر من رائعه لشاعر مميز ورائع جداً

الأمير بدر بن عبد المحسن هذا الشاعر الذي حينما نقرأ نص من نصوصه نبحر في عالم كله جمال فهو شاعر يحق لنا الفخر به فهو مهندس الكلمة وفنانها ومبدعها فمن منا لايحب أن يقرأ للبدر .


شكراً لك كثيراً على هذا الطرح الراقي والمميز جداً.

أحمد الحسون
03-21-2009, 09:39 PM
الله يا أخي جمال
موضوعك يستغرق قراءة ساعة كاملة لكشف أغواره.
عمق
تميز في الطرح
يعجبني أنك من قرّاء تولستوي الذي مات مشرداً تائهاً.
توصيف جميل للواقع من خلال النص
قراءة فنية جميلة.
دمت أخي بعطاء دائم
اعتبرني من متابعي يراعك المتمرس