تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فتات خبز مأجور


مها النهدي
07-14-2008, 01:40 AM
فتات خبز مأجور



في أخر رواق المشفى تكومت ككتلة صوف صغيرة نفشتها قطة بخربشتها العشوائية , أنظر للمارين كمخلوقات فضائية و بكسل شديد أدفع يد مربيتي الحبيبة و هي تمسح أنفي المصاب بالزكام ثم أركل الكرسي ببكاء متألم و أرفض كل نصائحها بعدم البكاء قائلة و بصوت حاني بأنني قد أؤذي حنجرتي بالبكاء !
كان العرق يتصبب مني بغزارة و كأنني في حفرة موقدة ,رغم أطرافي المتجمدة و التي راحت مربيتي تفركها بكلتا يديها و هي تتمتم "يا ألله لا تدخلنا في تجربة لأن لك الملك و القوة و المجد إلى الأبد آمين " فرددت معقبة آمين .
دخلنا على الطبيب و جلسنا بينما عيناه لا زلت تنتظر أحداً معنا ,سألني بصوت رقيق "هل ماما معكم" ؟
طأطأت رأسي بـ لا , قام من مكانه و مسح على رأسي ثم أخذني لطاولة الكشف و بعد أن عرف مرضي , وجه كل ارشادته لمربيتي وسلمها وصفته الطبية .
وسط أوجاعي التي لم تهدأ بعد ,احتضنتني و نحن عائدتان إلى البيت أطعمتني كسرة خبز ساخن , لا أعرف حينها ما المذاق الذي تسرب لجوفي ,هل هو طعم الخبز أم طعم الحب المأجور !؟
أكانت كل لقيماتي من قبل من حب مأجور؟
أكانت كل صلواتي و تراتيلي لأجل أن أبقي هذا الحب بجانبي !؟
أكان عيد المسيح هو عيدي أم عيد المأجورة ؟
قذفت طفولتي تحت قدمي و أنا أتصارع كل هذه الأسئلة , كأنبل براءة يمكن أن تنتهك بسؤال بريء جداً "هل ماما معكم" ! ؟
لم يهدئ الوحش الصغير المنتفض بداخلي حتى وصلنا للبيت , و عندما ترجلتُ و قلبتُ ببصري كل زاوية فيه سألت و بصوت يطعن الجدران ,و بحركة وحش صغير جبان ينتفض داخلي , رفع ذيله ليضرب بقدمي الأرض "أين ماما" ؟
تجيب الجدران المطعونة و بنزف أنيق "أين ماما" !؟ و كأنها هي أيضاً تبحث عنها لتعلق عليها لوحات جديدة أو حتى تمسح الغبار من على أطرافها المُتعنكبة .
كسرت الخبز أنبتت لي لسان بوحاً جديد ؛ بلا عظم كالثاني الذي بجانبه , بل يتحرك و ينطق و يتفوه بأسئلة كثيرة , كمنشار طوق الحمامة الصغير جداً ,كان أول ما نطق به و في حضور الأسرة كلها و على رأسهم أبي , و بينما أنا واقفة على طرف الكرسي رافعة يدي التي أخبرتهم بأنني هنا .
"بابا و ماما " و قبل كل شيء
باسم الأب و الابن و الروح القدس نبدأ كل شيء ,كنت حينها أتناول البوظة التي راحت تقطر على الكرسي الأبيض مفترشاً لوناً زهرياً عليه ,لكن الغريب أن والدتي لم تشتمني بل تسمرت كتمثال خشبي ترقب وجهي و لساني الجديد , و والدي فاتحاً عيناه على وسعهما و أذنيه تسمعني جيداً , بينما أنا استرسل في تباهي بريء , رددت أنا أحب مربيتي لأنها علمتني كيف أنطق بلساني القديم اللغة الانجليزية و كيف أصلي للرب كل يوم أن يبارك لي هذه النعمة , و أيضاً أحب الطبيب الذي وصف لي الدواء و أحب معلمتي جداً ,و بنظرة مكسورة و لسانين مختلفين بُرما على بعضهما البعض فجأة !
و أحبكما يا "بابا و ماما " لأنكما سمحتما لي بالوقوف على الكرسي و أعتذر لكما عن اللون الذي صبغ الكرسي و قبل أن أقفز من فوقه قلت اسأل الرب أن يبارك لنا جمعنا هذا و أن يعطينا من خبز الغد لليوم ..آمين .
رمق أبي أمي بنظرات أحستها و كأنها ألام مخاض , ترجل من مكانه ساكباً بقعة ضوء الدهشة نحوي و الأسئلة كطلح النضيد ,تتطاير من أطرافه التي راح يلوح بهما بلا شعور و لا قوة, حضنه كبير كبحر قرر السجود على قرية تطل عليه , تراجعت للخلف منتفضة بعد أن ضمني إلى صدره وهو يهذي "يا ألله ... يا ألله " ,صدقاً لم أفهم ما به و لأول مرة يتبلل كتفي بغير المطر !

بعدها و لأول مرة يزرع لي لساني الجديد النابت من الخبز ,فراشاً بين والدي نمت و كأنني لم أذق النوم من قبل و كأن الذبول لم يطىء ورود عمري التسع ,حلمت تلك الليلة بأن قدماي كجذع النخلة نبتا و رفعاني للسماء و أن يداي طالتا حتى قبضت على أبواب الجنة و بأن رأسي مبلل بأنهار الجنة ؛ كل جديلة من شعري في نهر و كل نهر يصب على جسدي بما فيه ؛ كان العسل ينسكب على ظهري و اللبن على صدري و الخمر على يدي اليمنى و الماء على اليسرى , شعرت و اللبن ينسكب على صدري أن الدنيا ترضعني حبها و قوتها و بأن الرب سيبدل وحدتي أمام رفقتي في المدرسة, و أنني لي أماً مثلهم تحضر مجلس المدرسة الدوري , عندما استيقظت بكيت لأنني بللت فراش والدي و من اليوم الأول , بصوت خجل مبالاً على أوتاره طلبت من أمي أن تنادي لي المربية حتى تأخذني لأبدل ملابسي , وجدتُ حينها والدي يحملني وهو يقول "بسم الله الرحمن الرحيم , ماشاء الله تبارك الله "ماهذا الحلم العجيب الذي بللك بهذا الشكل الغارق ؟ هل حلمتي بأسد يركض خلفك ؟

أجبته بابتسامة تعجب و خجل لا ...أنا أسفة لم أقصد أن أبلل فراشكما" ,ما كان منه إلا أن أطبق فمي بقبلة صغيرة ثم قال بخصوبة أبوية "يا ابنتي أنا أسف" !!
احتضنت رأسه بقوة و تراجع و خوف و سألته و أنا على أعلى كتفه "بابا أين المربية أريد أن أبدل ثيابي" ؟ أجابني وهو يكسر لي قطعة الخبز و يلقمني إياها "عادت لوطنها " .

نورا إسماعيل
07-14-2008, 03:44 AM
وبلا عودة إن شاء الله
وصفحة جديدة تبدأ باسم الله والصلاة على نبيه الكريم للطفلة ولوالديها
ولهذا القلم الكاتب الرائع الذي يعرف كيف ينسج الإبداع فنا ولغة أطيب أمنياتي بالنجاح دائما

كلماتك جميلة وأسلوبك أجمل

سعد المغري
07-14-2008, 05:35 AM
..

مها النهدي..
..

أتيت فقط للترحيب وإلقاء التحية
لكِ و لقلمكِ ..
اهلاً وسهلاً بكِ وبحرفكِ في أبعاد

ولي عودة للنص ..
..

نَفْثة
07-14-2008, 11:57 PM
.’.



.. [ مها الْ ـنهْدِي ] ..


أَيَستَطِيع فتَات الْ ـخُبز أَن يُطَهِرنا | يَجْمعُنا | نَخْطي نَحو الْ ـسماء ..!
وَضعتِ الْتَحني | الوقَعْ | الرَكض عَلى مَنْكَبيهِ حَتى رَفعتُ صَوتي مع يَسوع
بِ " يَا مُعلم | أنتِ | أَرحمنـ/ـينا ".


تَهالكُت هنا حتى لمْ أعد أَعرف كَيف أُمَتِعني بِ ثان
رَائعة وَ وجبتُك كانت دَسمة.



.’.

بندر الصقر
07-15-2008, 05:57 AM
مها النهدي ..


هنا إكتفيت فيما يتعلق بحكمي الشخصي _ المتواضع _ على حرف مها ..

لكني أحذرك ... لن أكتفي من حرف مها .. ولن أتوقف ..

قايـد الحربي
07-15-2008, 06:58 PM
مها النهدي
ــــــــــــــ
* * *




عاطرُ الترحيب بكِ في أبعاد أدبيّة ،
فأهلاً و سهلاً عابقةٌ بحرفك .


من العنوان حتّى الأوطان ،
تسلسلٌ كـ قَطْرٍ و بللٌ كـ شطْرٍ _
لا أملكُ إلاّ دهشتي و الشكر ،

فشكراً كـ وطن .

مها النهدي
07-16-2008, 01:50 AM
يا ألله يا أبعاد !!
أكثر ما يورد خدودي خجلاً " الكرم " و هنا الكرم طائي يا جماعة!!
ما هذا ؟ بحق أخجلتموني .


نورا :
أولا و قبل كل شيء كان الافتتاح بك لذلك أنتِ بالطبع من أشعل "النور" هنا ,ممتنة إذن ستتحملين سداد فاتورة الكهرباء "الصاروخية " بمعنى أنكِ تحملين الكثير من العطاء .
دائماً نوريني هيك .



سعد :
مرحباً بك .



نفثة :

أهلا سيدة نفثة أرجوا أن تكون الوجبة دسمة بلا كفاية ,حتى أراكِ فيما بعد "ع الغدا"
و أهلا بك .



بندر :
أهلا بك و أشكر لك تواضعك و لطفك و حسن الظن بي و"للأبد يا رب" .



قايد :
اسمك فخم يا رجل "قايد الحربي" !
أهلا بك و شكرا على هذا الترحيب الطائي .

سعد المغري
07-16-2008, 02:53 AM
..

عودة للباذخة.
الرائعة مها النهدي..
نص جميل ابدعتِ فيه بشكل كبير
ووصفت لنا حالتكِ وانتِ تعانين الفراغ الأسري
بل كنتِ رائعة اذ جعلتنا نراك ونتابع زفراتكِ
وآلامك ونلمس دموعكِ
تحت رحمة احزانكِ وحتى فرحكِ وآمالكِ..
لغتك السردية سلسة سليمة مشوقة
قدرتكِ بالتحكم في النص
تنبئ ان وراء النص قلم متمكن
واصلي أيتها الجميلة
لكِ احترامي وفائق تقديري..

مها النهدي
07-16-2008, 03:08 AM
سعد :

في لحظة يا سعد يتنهد الصمت في أركان الزوايا فتتسلل الانامل للنافذة و تفجها لتطير الحمامة بعيدا "أنظر هناك" أجل هناك بعيدااااا بعيدااااا بعيداااا و فضاء !

و أهلا .

ناديه المطيري
07-16-2008, 08:14 AM
سرد مشوّق يامها احببت القصة واكملتها حتى النهاية

استفزتني ملامح الحزن لواقع يومي نعيشه ومن ثم الامل بفجر جديد من التغيير

فقط هناك ماينقصها ماهو صدقاً لااعلم

دمتِ بـ ألق ..

مها النهدي
07-16-2008, 04:47 PM
أهلا لامار و مرحبا

هل تعتقدين النقص في البناء مثلاً أو التكثيف ؟

صالح الحريري
07-17-2008, 05:53 PM
فتات / دعاء / خبز / عيد ....
ملامح ثورة لغوية في نصٍ أدبي باذخ جداَ ...!!


يــ مها ..!
تزيد جيد النثر بقلادتك الأدبية ...
فمرحباً بك بوطن أبعاد ..

ناديه المطيري
07-17-2008, 10:57 PM
صدقاً لا اعلم

كل ما اعلمه أن هناك عثرات أربكت مزاج قراءتي

لا أدّعي الكمال .. فـ أنا قارئة هنا لا كاتبة

وربما كنت مخطئة

في مجملها / هي دهشة السرد

وارتواء التفاصيل

بـ انتظار القادم ..

سعـد الوهابي
07-18-2008, 06:24 PM
.
.
.
من التكوم الأول في رواق المستشفى

حتى التشتت بين الاستفهام والتفكير العميق والإجابات المتشظية

تعيش حالة نفسية متداخلة القرارات والرؤى

كل هذا نتاج فقدٍ واضح ، ويُتمٍ ظاهر ، وعطشٌ مميت . .

.
.
.
سيدتي القديرة

" مها النهدي "

إطلالتكِ الأولى كـ انبلاج النور ذات إشراق

سعداء بهذا الحضور

سلمت ودام عطركِ المنساب


(احترامات . . كاملة )

سعـد

عطْرٌ وَ جَنَّة
07-19-2008, 08:21 PM
.../ لَكَأن الْكِتاب الَّذِي سَيْعيشُ لِلقيامة وانْتِ فيه الْكِفاية بِيدي ..
أنتِ أمَامِي ..وَالْسماء تُؤَمِن خَلْفِي ..وَالْعَصافِير تَلْتقم سَنَابِلك وَتَعُود لِمَنْفى عَيْنِي
لِتُثير فِيها نَزْوَة الْطفُولة وَمَشاعر الْمَطر ,
يَامَها : أصَافِحُكِ بَيميني ..
وشِمالي يُخَبْئني عنكِ بِمظلَّة ,

http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif

مها النهدي
07-21-2008, 03:15 AM
صالح الحريري
ممتنة لهذا التشبيه الرقيق و أنا بالانضمام لكم .





نادية

كان بودي أن أعرف نقاط الركاكة و عدم التوازن
و أهلا.


سعد
و يا أهلاً بك غيث رقيق ينسكب نداه على وجه الخبز .



عطر

و كيف لي أن أجيب بلاغتك "بالله"
؟!!
سوى بـ أهلا و سهلا بلغة كأنتِ .

نوف عبدالعزيز
07-21-2008, 05:47 AM
رائعه أنتي أيتها المها

قد نقرأ الكثير من النصوص القصصية و لكن القليل

منها فقط ما يبقى متعلقاً في أذهاننا ..

نص كهذا ممتع و متدفق كما عذوبة المطر

من الصعب نسيانة و لو بعد حين ..

و مما يميزة كون سرد القصه على لسان طفلة

فهذا ما يجعلة مميزاً و يقبع في ثنايا الذاكره

بإنتظار التميز القادم

أهلا بك في أبعاد
،،
،،
،
كل الود والورد

عبدالعزيز رشيد
07-21-2008, 07:48 AM
مها النهدي
أعجبني السرد الهامس واعجبتني المواقف البسيطة والتي فيها ومضة حرف جميلة ,كذلك لاأخفيك ارتبكت قليلا وتشتّت أتساءل عن عمرها وكيف أنّه لاينطبق معها في أوّل السرد إلى أن وصلت لـ "قذفت طفولتي تحت قدمي" حينها ادركت بانّكِ تدركين ماتكتبين,(تراتيل,صلوات,شكرالربّ) لطفلة صغيرة هنا تذكّرني بالطفلة "إيفا" في رواية(كوخ العمّ توم)..أعجبتني شخصيّة طفلتك كثيرا -طفلة العمر كبيرة الروح
تحيّتي لـ روحك