منتهى القريش
07-26-2008, 07:03 PM
نص قديم نشر في جريدة اليوم منذ ما يقارب الـ عشر سنوات أو أكثر
...............................
حدقت وفي عينيها أسئلة يقتلها الصمت.. كان أبوها موجودا..
كانت تنظر للأحداث اليومية بدهشة يكتفنها المرار .. رحل إلى أين.. لا تدري!
كانت تمر أمام عينيها أشياء مبهمة .. لم تدرك بأنه كان يضيع منها ..
ذات يوم تمرد السؤال .. أيعود أبي؟ رحل السؤال وبقي صداه يضج في أعماقها ..
تذكرت ذات مساء كيف كان أبوها يروح ويجئ, يعربد كالوحش, يصرخ في كل الأشياء حوله ..
ظنت أنه قد جن .. صار يتصرف كالمعتوه ..
تذكرت كيف كانت أمها أحيانا تفقد السيطرة على نفسها وتصرخ فيه بلوعة:
أن ارحل للجحيم .. تلفتت حولها رأت كل الأشياء معتمة يلفها السواد ..
تماما كالهالات المحيطة بعينيه .. رأت الأشياء مجنونة ومتمردة .. سمعت الزوايا تصرخ ..
سمعت أنين الأريكة اللتي كان يلقي عليها جسده المتهالك ..
تنفست .. كادت أن تختنق.. تلك الثياب اللتي يرتديها كانت كمستنقع تسكنه الجرذان ..
وضعت يديها الصغيرتين فوق وجهها ..صمتت .. حبست أنفاسها ..
صرخ الخوف في أعماقها ..
نظرت هناك بعيدا تستطلع المجهول ..
وأتى ذلك الرجل العجوز يحمل فوق كتفيه عذابات السنين..
مد يديه المثقلتين يريد احتضان أوجاعها.. ربت فوق كتفها الصغير.. جذبها نحوه بحنو ..
احتواها بعينيه وقلبه.. لكنها وقفت وسط غابة الخوف والعذاب .. تحتضنها دوامة الوحدة ..
أحست نفسها غريبة في عالم تكاد تموت فيه كل الأشياء الجميلة ..
رأت كآبتها ترتسم داخل عينيه ..قرأت كل عذاباتها فيهما ..
أغمض عينيه على معاناتها وابتعد.. أدرك أنها لم تزل تتعثر في بحر ذاكرتها..
تذكرت ذلك الرجل الذي كان يسكن أعماقها .. كيف رحل بعيدا آخذا معه أجمل لحظات طفولتها ..
تاركا خلفه مستنقعا من العذاب ..
كانت تعلق صورته فوق جدار أيامها .. تحطم الجدار ..
صارت ملامح وجهه بقايا تحت أنقاض الذاكرة ..
تمنت للحظة لو أن جسدها الصغير يدخل بين الأنقاض
لتلملم قصاصات من صورة الإنسان الذي طالما أحبته ..
استجمعت براءتها وتسللت بصعوبة إلى ذلك العالم الكئيب .. وجدت هناك وجها بلا عيون ..
وجدت إسنانا نخرة وجبينا أدمته الحجارة .. أشاحت بوجهها بعيدا .. حملقت في المدى ..
نظرت إلى ما وراء الأفق .. رأته مثل عصفور يسكن الربيع أيامه لولا بندقية صوبت نحوه
فاغتالت فيه إرادة الحياة .. رأته يكبر بين زهور الياسمين لولا زوبعة اقتلعته من الجذور
ورمته وسط خريف موحش.. صار أشبه بغصن كان يوما نقيا .. لكن العاصفة مزقت أوراقه
وغرسته في أرض يشوبها الوحل ..
وهي تلك البحيرة الهادئة كيف استحالت أيامها أمواجا بلا شطآن..
أيعود أبوها بعد رحيل يطول؟
أينزع عنه ثيابه تلك اللتي تمزقت فوق أرصفة الضياع؟ أيسبح عائدا في نهر النقاء؟
أيقتلع ضميره من الوحل؟ أتعود أيامه صافية كصفاء عينيها البريئتين؟
أيرحل الخوف من أيامها؟
وهكذا بقيت تدور في دوامة الاسئلة إلى أن صحت من حلمها على صوت نشيج هارب ..
وصدى يتردد في مسمعها .. لا لن يعود .. لا لن يعود ..
...............................
حدقت وفي عينيها أسئلة يقتلها الصمت.. كان أبوها موجودا..
كانت تنظر للأحداث اليومية بدهشة يكتفنها المرار .. رحل إلى أين.. لا تدري!
كانت تمر أمام عينيها أشياء مبهمة .. لم تدرك بأنه كان يضيع منها ..
ذات يوم تمرد السؤال .. أيعود أبي؟ رحل السؤال وبقي صداه يضج في أعماقها ..
تذكرت ذات مساء كيف كان أبوها يروح ويجئ, يعربد كالوحش, يصرخ في كل الأشياء حوله ..
ظنت أنه قد جن .. صار يتصرف كالمعتوه ..
تذكرت كيف كانت أمها أحيانا تفقد السيطرة على نفسها وتصرخ فيه بلوعة:
أن ارحل للجحيم .. تلفتت حولها رأت كل الأشياء معتمة يلفها السواد ..
تماما كالهالات المحيطة بعينيه .. رأت الأشياء مجنونة ومتمردة .. سمعت الزوايا تصرخ ..
سمعت أنين الأريكة اللتي كان يلقي عليها جسده المتهالك ..
تنفست .. كادت أن تختنق.. تلك الثياب اللتي يرتديها كانت كمستنقع تسكنه الجرذان ..
وضعت يديها الصغيرتين فوق وجهها ..صمتت .. حبست أنفاسها ..
صرخ الخوف في أعماقها ..
نظرت هناك بعيدا تستطلع المجهول ..
وأتى ذلك الرجل العجوز يحمل فوق كتفيه عذابات السنين..
مد يديه المثقلتين يريد احتضان أوجاعها.. ربت فوق كتفها الصغير.. جذبها نحوه بحنو ..
احتواها بعينيه وقلبه.. لكنها وقفت وسط غابة الخوف والعذاب .. تحتضنها دوامة الوحدة ..
أحست نفسها غريبة في عالم تكاد تموت فيه كل الأشياء الجميلة ..
رأت كآبتها ترتسم داخل عينيه ..قرأت كل عذاباتها فيهما ..
أغمض عينيه على معاناتها وابتعد.. أدرك أنها لم تزل تتعثر في بحر ذاكرتها..
تذكرت ذلك الرجل الذي كان يسكن أعماقها .. كيف رحل بعيدا آخذا معه أجمل لحظات طفولتها ..
تاركا خلفه مستنقعا من العذاب ..
كانت تعلق صورته فوق جدار أيامها .. تحطم الجدار ..
صارت ملامح وجهه بقايا تحت أنقاض الذاكرة ..
تمنت للحظة لو أن جسدها الصغير يدخل بين الأنقاض
لتلملم قصاصات من صورة الإنسان الذي طالما أحبته ..
استجمعت براءتها وتسللت بصعوبة إلى ذلك العالم الكئيب .. وجدت هناك وجها بلا عيون ..
وجدت إسنانا نخرة وجبينا أدمته الحجارة .. أشاحت بوجهها بعيدا .. حملقت في المدى ..
نظرت إلى ما وراء الأفق .. رأته مثل عصفور يسكن الربيع أيامه لولا بندقية صوبت نحوه
فاغتالت فيه إرادة الحياة .. رأته يكبر بين زهور الياسمين لولا زوبعة اقتلعته من الجذور
ورمته وسط خريف موحش.. صار أشبه بغصن كان يوما نقيا .. لكن العاصفة مزقت أوراقه
وغرسته في أرض يشوبها الوحل ..
وهي تلك البحيرة الهادئة كيف استحالت أيامها أمواجا بلا شطآن..
أيعود أبوها بعد رحيل يطول؟
أينزع عنه ثيابه تلك اللتي تمزقت فوق أرصفة الضياع؟ أيسبح عائدا في نهر النقاء؟
أيقتلع ضميره من الوحل؟ أتعود أيامه صافية كصفاء عينيها البريئتين؟
أيرحل الخوف من أيامها؟
وهكذا بقيت تدور في دوامة الاسئلة إلى أن صحت من حلمها على صوت نشيج هارب ..
وصدى يتردد في مسمعها .. لا لن يعود .. لا لن يعود ..