تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : {| ثقافة الاختلاف |}


عبد الله العُتَيِّق
02-09-2009, 04:29 PM
[] ثقافة الاختلاف []

" كُلٌّ يَتَّبِعُ ما صحَّ عِندَه ، و كُلٌّ على هُدًى ، و كلٌّ يُريدُ الله "
مالك بن أنس

التوسُّعُ المعرفيُّ قاضٍ باتِّساعِ وُجهاتِ النظرِ و اختلافِ الرأي ، و تلك الوُجهاتُ و الاختلافُ مِن مُوسِّعاتِ المعرفةِ و الثقافة ، و لولاها لبقيَت المعارفُ في ضِيْقٍ و حيِّزٍ محدودٍ ، و تلك سنةٌ من سُنن الله في الثقافات و المعارفِ .
و ذلك الاختلافُ من نتائجِ إعمالِ العقولِ وظائفَ التفكيرِ ، فإن العقلَ في إعمالِهِ التفكيرَ في الواردِ عليه يختلفُ في التحليلِ له من عقلٍ إلى آخرَ ، في محالَّ يُجرى فيها ذلك ، بناءً على خلفياتٍ يعتمد عليها ، كالخلفيةِ الدينية بصورتها العامة ، و كالخلفية اللغوية ، و كالخلفية البيئية ، و مِن ثَمَّ يَحدُثُ تغايرُ الفهومِ للأشياءِ المُتَّحَدِ في النظر فيها و الإعمال العقلي فيها .
حيثُ لا سلامةَ من الاختلافِ في البيئة البشرية ، إذْ هو من لوازمها و من عللِ إيجادهم ، كان الوقوف على تثقيفٍ لمقاصِد الاختلافِ من الأمورِ المُرْشِدة و المهامِّ المُنْجدة ، ليكون وجودُ الاختلافِ رحمةً كما رَمى إلى ذلك الأكابرُ ، و بلا تثقيفٍ لمقاصِدِه بل تفعيلٌ لدورِ صُوَرِهِ و مشاهده يَغدو _ كما هو الآن _ شراً لا خيرَ مرجواً منه .
الثقافات و المعارفُ لا تخرجُ عن منطقتين فهومُ الناسِ فيهما ، و لا تعْزُبُ عن محلَّيْن ، شأنا ثابتاً فيهما :

الأولى : منطقةُ الاتفاق .
و هي منطقةٌ تجمَعُ مقاصِد العلم ، و تُعنى بمُجملاتِ أصولِهِ ، و أساسياتِ الثقافة ، مما لا يَسَعُ أحداً أن يُجريَ فهماً ليخرُجَ عنها بقصدٍ التغييرِ ، و هي منطقةٌ تجمعُ أربابَ الفنِّ الواحد تحتَ رايةِ الانتماءِ إليها ، دون تفريقٍ و إقصاءٍ إلا في حينِ خَرْقِ ذلك بمخالفةٍ ناقضةٍ للتآلُفِ و التواصُلِ ، كمنطقةِ الأديانِ انتساباً ، فلا ينتسبُ مسلمٌ لغيرِ الإسلامِ إلا بخرْقِ منطقةِ انتسابِهِ بمخالفتِهِ مقاصِد و أصولَ الدين ، و كمنطقةِ الفنونِ الثقافية فلا يُقْصَى أحدٌ عنْ فنٍّ منتمٍ إليهِ إلا عندما يأتي بمخالفةِ أصولِ الفنِّ و أُسُسِهِ فلا يكون منسوباً حينَئذٍ ، فالمخالفةُ هنا خِلافٌ منزوعةٌ منه تاءُ التأليفِ لكونه شراً مناقضاً مقاصد العلم و معاقِد الأصلِ .
و هذه المنطقةُ لا يُخْرَجُ منها من أجرى فهمَه في :

الثانية : منطقة الاختلاف .
و هي منطقةُ إعمال العقولِ في درْكِ مقاصِد المنطقة الجامعة ، على حَسْبِ قُوةِ العقلِ إدراكاً و إعطاءً ، فكانت متباينة الفهومُ فيها مما أحدثَ أنواعاً منها ، كُلُّها تجتمعُ في تبيانٍ لِسَعةِ مقاصِد العلمِ ، و شُموليةِ أصول الثقافةِ ، و هذه المنطقةُ أوْرَثَتْ كثيراً من الفَتْحِ الثقافي المعرفي ، فباختلافِ الفهومِ تنويعٌ و توسيعٌ للمعارفِ ، حيثُ مبادلةٌ بين القبولِ و الردِّ ، و الأخذِ و الإعطاءِ ، و فيها فَتْقٌ لمنابعَ أُخَرَ في المعارفِ و العلوم ، لذا كانتْ عائدتها نفعاً ، و ليستْ هذه موصومةً بالعَيْبِ و النِّقْمةِ بل نُعِتَتْ بالخيرِ و الرحمةِ ، لأثرِها في السَّعةِ و التأليفِ .

منطقةُ الاختلافِ تُحْدِثُها بواعثُ لا تخرُج عن ثلاثةٍ :
الأولُ : العقليةُ البشرية .
فليستْ عقولُ الناسِ على نَسَقٍ واحدٍ ، و لا نُسْخةً مكرورةً في كلِّ كائنٍ بشري ، بل هي متفاوتةٌ في الإدراكِ و الوعي ، و كان بذلك تفاوتٌ في الحكمِ و الفهمِ ، و اختلافُ العقليةِ البشريةِ قد يكون فِطرةً ليسَ للشخصِ يدٌ فيها ، كمن قلَّ فهمُه لِقِلَّةِ ذكائه و إدراكه ، و قد يكون اكتساباً في حالِ قَصْرِ العقلِ على فَهْمٍ موروثٍ ، أو حَصْرِهِ على مصدرٍ واحدٍ لا يُبتغى بِهِ بَدلا ، فمما لا بُدَّ منه حينها أن يكون هناك مخالفةٌ لذي رأيٍ آخرَ مخالفٍ .

الثاني : الأدلةُ و البراهين .
ففي كلِّ علمٍ دلائلُ مسائله ، و براهينُ علومه ، و تلك إما أن تكون جائية لا تحتملُ إلا معنًى واحداً ، فالخروجُ عنه مذمومٌ صاحبُه ، و إما أن تكون مما يحتملُ أوجُهاً ، أقلَّها وجهانِ و ربما زادت ، فتكون العقولُ في توظيفِ الفهمِ في تلك الاحتمالاتِ ، فيؤخَذُ باحتمالٍ من قومٍ ، و يؤخذ بآخرَ من آخرين ، و قد يكونُ بعْضٌ يَحملُ دليلاً على كونه قَطعيَّاً في الدلالةِ الحُكمية ، و غيرُه لا يرى في ذلك القطعيَّةَ الواردةَ عليه .
و هذه الاحتمالاتُ قد تكون بسببِ تعدُّدِ الأدلةِ في أمرٍ واحدٍ مختلفةً في الحكمِ ، فقد يكون أحدهما ميَّالٌ إلى المنعِ و الآخرُ إلى عدمهِ .
الثالث : اللغةُ .
فللغةِ دورٌ كبيرٌ في تغييرِ فَهْمِ الأدلةِ و البراهين ، ففيها اختلافٌ في البناءِ الإعرابي ، و في التغيير الصَّرْفي ، و في المعاني المتعددةِ للفظةِ الواحدةِ ، وفيها اللهجاتُ البُلْدانيةُ القَبَلِيَّةُ ، و فيها التطوُّرُ الدِلاليُّ للكلمة ، و فيها الحقيقةُ و المجازُ ، و لدلائلِ اللغةِ أثراً كبيراً كدلائلِ الأفعالِ الأمْرِيَّةِ ، فهذا الاختلافُ اللغويُّ سببٌ في تبايُنِ الأفهامِ في دَرْكِ المُرادِ و تعيينه .

و فيما مضى عذرٌ قائمٌ لكلِّ من أتى منه اختلافٌ في شيءٍ من جزئياتِ العلوم و المعارفِ ، فيُحافَظُ بمعرفتها على صِلَةِ الربطِ بمنقطة الاتفاقِ الجامعة ، و يُحظى بأثرِ التنويعِ المعرفي بمنطقةِ الاختلافِ الواسعة ، فيكون سلطانُ الرحمةِ جامعاً بالتأليفِ و التواصلِ الباني مناراتِ العلوم و المعارفِ ، و لا يبذلُ العذرَ إلا من أدركَ حظاً مِن السَّعةِ في العلوم و المعارفِ ، و كان طُلْعَةً في فنونٍ شتَّى ، و أما من كان قاصرَ الطَّرْفِ على جزءٍ من العارفِ و العلومِ فلن يكون عاذراً أحداً خالَفَه في شيءٍ سائغٍ .

قايـد الحربي
02-09-2009, 04:49 PM
عبدالله العتيق
ـــــــــــ
* * *


أُرحْبُ بِفكركَ الوضّاء .

:

[ ثَقافَة الاخْتلافِ ] مَشْروْطَةٌ بِـ [ اخْتلافِ الثّقافَة ] ،
إذِ الثّانيَةُ تُحِيلُ إلى الأوْلَى بِالضّروْرة لا بِالضّرَرْ .

أذكُرُ لِيْ :
الاخْتلافُ طَريْقٌ لا يُؤدّي إلاّ للْحَياةِ ، وَ لَو تَشَابَه الكَونُ لَفَسُد ،
فَما بَالُنَا لا نَتْفقُ إلاّ مَعَ مَن شَابَهَنا !
هَبْ أنّكَ اسْتَمرّيْتَ بَالنّظرِ إلَى الْمِرآة وَ أنتَ تُشَاهدُ نَفْسَكَ ،
فـ إمّا أنْ تَقذِفَك الْمِرآةُ ، وَ إمّا أنْ تُديرَ ظَهرَكَ لِتَرى غَيرَك ..
لَنْ يَكونَ هُناكَ طَرِيقٌ لِجُمُودِكَ المُسْتمِرّ .

أنْ نَخْتلفَ يَعْنيْ أنّنَا نَتّفقُ بَالفِكرِ لا بَالفِكْرَة ،
فَالجَذْرُ وَاحِدٌ : [ الفِكْر ]
وَ الأغْصَانُ تَتَعدّدُ : [ الأفْكَار ] ،
عِندَهَا فَقَط تُجنَى الثّمَار ، لكِنّنَا حِينَما نَتَشَابهَ بَالفِكرِ وَ الفِكرَةِ ،
فَإنّنا لَمْ نَدَع للثّمَارِ مِنْ مِقطَف .

:

الصّديق : عبدالله العتيق ،
شُكراً كَعَظَمتكَ .

عبد الله العُتَيِّق
02-10-2009, 12:16 AM
عبدالله العتيق
ـــــــــــ
* * *


أُرحْبُ بِفكركَ الوضّاء .

:

[ ثَقافَة الاخْتلافِ ] مَشْروْطَةٌ بِـ [ اخْتلافِ الثّقافَة ] ،
إذِ الثّانيَةُ تُحِيلُ إلى الأوْلَى بِالضّروْرة لا بِالضّرَرْ .

أذكُرُ لِيْ :
الاخْتلافُ طَريْقٌ لا يُؤدّي إلاّ للْحَياةِ ، وَ لَو تَشَابَه الكَونُ لَفَسُد ،
فَما بَالُنَا لا نَتْفقُ إلاّ مَعَ مَن شَابَهَنا !
هَبْ أنّكَ اسْتَمرّيْتَ بَالنّظرِ إلَى الْمِرآة وَ أنتَ تُشَاهدُ نَفْسَكَ ،
فـ إمّا أنْ تَقذِفَك الْمِرآةُ ، وَ إمّا أنْ تُديرَ ظَهرَكَ لِتَرى غَيرَك ..
لَنْ يَكونَ هُناكَ طَرِيقٌ لِجُمُودِكَ المُسْتمِرّ .

أنْ نَخْتلفَ يَعْنيْ أنّنَا نَتّفقُ بَالفِكرِ لا بَالفِكْرَة ،
فَالجَذْرُ وَاحِدٌ : [ الفِكْر ]
وَ الأغْصَانُ تَتَعدّدُ : [ الأفْكَار ] ،
عِندَهَا فَقَط تُجنَى الثّمَار ، لكِنّنَا حِينَما نَتَشَابهَ بَالفِكرِ وَ الفِكرَةِ ،
فَإنّنا لَمْ نَدَع للثّمَارِ مِنْ مِقطَف .

:

الصّديق : عبدالله العتيق ،
شُكراً كَعَظَمتكَ .

قايد الحربي
~~~
جميلٌ هو حرفُك هنا ، و لا مزيد عليه ، إلا أن أقف مُعجباً
شكراً لك يا صديق

د. منال عبدالرحمن
02-10-2009, 02:37 PM
أستاذ عبد الله العتيق أهلاً بكَ ,

الاختلافُ اتفّاقٌ بطريقةٌ أخرى , إذ أنَّ التّباينَ في طُرِقِ التّفكيرِ و التّحليلِ هو سببُ ذاك الاختلافِ و طريقهُ أيضاً إلى اتّفاقٍ على وجهةٍ واحدةٍ او على احترامٍ كلٌّ لوجهةِ الآخر , في حالةِ امكانيّةِ تعدّدِ الوجهاتِ طبعاً .

إذاً فهوَ ظاهرةٌ صحيّة , تختلفُ حتماً عن الخلافِ و الجدالِ العقيمِ الّذي لا طائلَ منهُ إلّا اضاعةُ الوقتِ و التّفكير .

مقالٌ رائعٌ و مضيءٌ جدّاً ,

كلُّ الشُّكرِ و التَّقدير .

عبد الله العُتَيِّق
02-17-2009, 04:53 PM
أستاذ عبد الله العتيق أهلاً بكَ ,

الاختلافُ اتفّاقٌ بطريقةٌ أخرى , إذ أنَّ التّباينَ في طُرِقِ التّفكيرِ و التّحليلِ هو سببُ ذاك الاختلافِ و طريقهُ أيضاً إلى اتّفاقٍ على وجهةٍ واحدةٍ او على احترامٍ كلٌّ لوجهةِ الآخر , في حالةِ امكانيّةِ تعدّدِ الوجهاتِ طبعاً .

إذاً فهوَ ظاهرةٌ صحيّة , تختلفُ حتماً عن الخلافِ و الجدالِ العقيمِ الّذي لا طائلَ منهُ إلّا اضاعةُ الوقتِ و التّفكير .

مقالٌ رائعٌ و مضيءٌ جدّاً ,

كلُّ الشُّكرِ و التَّقدير .

أ. منال عبد الرحمن
بين الاختلاف و الخلاف فرقٌ صُوريٌ جوهريٌ ، فهما سيَّان ، و لكنَّ لُبُّ المُتخالفِ فيه و أسلوبُ العرْضِ و النقضِ جعل بينهما فرقاً جوهرياً .
مُضاءٌ الموضوعُ بوجودكِ ، فشكراً لكِ

أسمى
02-17-2009, 05:54 PM
الإختلاف.. ظاهرة صحية لِتنوُّع الثقافة.
دليلـٌ على تجديد هواء الفِكر..قد يتجهـ هذا التأثر صوبـَ الأفضل
وقد يتجهـ صوبَ الأسوء..ومادامَ الفِكر يجول..فـ الخير وارِد
والزيادة إفادة...والمُقارنة للرِضا تقود.
"
ما وددتُ قولهـ.. الإختلاف دليلُ على التوازي وليسَ ضرورةً
على التفاضل.
.
العُتيِّق عبدالله..
القراءة لك ثراءٌ للفكر والعقل.

عبد الله العُتَيِّق
02-19-2009, 02:02 AM
الإختلاف.. ظاهرة صحية لِتنوُّع الثقافة.
دليلـٌ على تجديد هواء الفِكر..قد يتجهـ هذا التأثر صوبـَ الأفضل
وقد يتجهـ صوبَ الأسوء..ومادامَ الفِكر يجول..فـ الخير وارِد
والزيادة إفادة...والمُقارنة للرِضا تقود.
"
ما وددتُ قولهـ.. الإختلاف دليلُ على التوازي وليسَ ضرورةً
على التفاضل.
.
العُتيِّق عبدالله..
القراءة لك ثراءٌ للفكر والعقل.


قيد من ورد
~~~

الاختلافُ صناعةُ الثقافة ، فلا بُدَّ أن يكون مُحْكَمَاً ، و إحكامه لا يتأتى إلا في حين أن نجعله متوازياً للتكاملِ لا متجاوزاً للتفاضل ، فالعقولُ و الفهوم تابعةٌ لقدْرِ المعلومِ ، و المعلوم ليس محدوداً .
صيَّرَ مرورك الموضوعَ فاضلاً ، فشكراً