تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مجالس المُتنبي (8)


عبد الله العُتَيِّق
02-26-2009, 09:25 PM
المجلس الثامن
29/2/1430 ، 24/2/2009
قال أبو الطيِّبِ المتنبي :
وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى=عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ

وحيُ البيتِ :
الإنسانُ مدنيٌّ بِطبعِهِ ، مجبولٌ على المخالطةِ ، مُقبلٌ على المُعاشَرة ، لتوقُّفِ الاكتمالِ النفعي البشري على ذلك ، و لإتمامِ التعامُلِ بين الناسِ على التواصُلِ ، و في غياب المُخالطاتِ و المعاشراتِ تغيبُ حقائق الصداقات .
الصداقةُ منزلةٌ أعْمقُ من غيرِها ، لابتنائها على الصِّدْقِ ، و قيامها على التصديقِ ، و الصديقُ الحقُّ مَنْ صَدَقَ لا مَنْ صدَّقَ .
تجمع الدنيا الناسَ في صداقاتٍ كثيرةٍ ، منها هو مستحقٌّ لوصف الصداقة ، و منها ما ليس إلا صورةً تزولُ و تغيبُ ، و حيثُ كانت الدنيا مَجْمَعاً لكلِّ شيءٍ هبَّ و دبَّ فالصداقاتُ من تلك الأشياء التي تجمعها الدنيا للناسِ ، فما كان صادقاً حقيقةً بقيَ ، و ما كان زيفاً زالَ و ذهبَ أدراج الرياحِ الغابرةِ .
الصداقةُ بناؤها ، كما هو من اشتقاقها ، من الصدقِ ، و عليه ، و فيه ، و بِهِ ، و إليه ، فلا تَحيدُ عن الصِّدْقِ قَيْدَ أنملةٍ ، و متى كان الكذِبُ في الصداقةِ موجوداً ، متعمَّدَاً ، فقد غابتْ حقائقها ، و بانتْ وثائقها .
فكونها مِن الصِّدْقِ ، فإنَّ أساسها الصدْقُ الجامعُ بين الطرفينِ ، فلا تتكوَّنُ صداقَةٌ بينهما إلا حينَ يبزغُ نجمُ الصدقِ فيهما ، ففي تلك اللحظةِ تتكوَّنُ بُنياناً ثابتاً ، منبثِقاً من تلك اللؤلؤةِ اللامعةِ : الصِّدْقِ .
و كونها علَيْه ، فإنَّ الصداقةَ لا تتمُّ بين اثنينِ إلا على قاعدةٍ صادقةٍ بينهما ، يَبوحُ كلُّ أحدٍ للآخرِ بما في نفسِهِ تجاهه ، و يُحدِّثُ كلٌّ عن نفسِهِ بما فيه ، فلا ادِّعاءَ ، و لا زيفاً ، فلا تسيرُ الصداقةُ إلا على جَناح الصِّدْقِ ، و كلُّ صداقةٍ ابتدأتْ بالكذبِ ، و دامتْ عليه ، فإنها ستزولُ ، و سَتُحِيقُ عبارات اللومِ و الوجَعِ بكلٍّ من الطرفين .
و كونها فيه ، فذلك لأنَّ الصداقَةَ تُوَثَّقُ عُرَاها ببواعثِ الصِّدْقِ ، و بواحثِ الصِّدْقِ ، فلا تَخْرُج العلاقاتُ ، الصَّداقيَّة ، عن الصِّدْقِ في كلِّ شيءٍ ، فبحْرُ الصِّدْقِ يُغْرِقُ الصديقَيْنِ حتى لَيَظُنَّانِ أنَّهما لَن يجرءا يَوماً على النزوحِ إلى محلٍّ فيه غيرُ الصدقِ الجامعِ بينهما ، و لهذا كان أدنى خاطِرِ كذِبٍ في قلبِ أحدِ الصَّدِيْقَيْنِ يتسبَّبُ في فَصْلِ وَصْلِ الصداقةِ ، أو يُزلزِلُها .
و كونها بِهِ ، فتلكَ صَداقةٌ يحوطها صدقٌ في كلِّ شيءٍ بِدْءاً من الكشفِ عن الذاتِ و الصفاتِ ، إلى الوقوفِ على عتَبات النهايات ، فالصِّدْقُ لَصِيْقٌ بها لا ينْفَكُّ عنها ، فما قيلَ عنها : صداقة ، إلا للصدقِ ، و خلافُ الصدقِ في العلاقاتِ زيفٌ يزولُ ، أو طَيْفُ يَحول ، و الصداقةُ جوهرٌ نفيسٌ غالٍ كالصدْقِ .
و كونها إليهِ ، فلأنَّ الصِدْقَ لازمَ أحوال الصدِيْقَيْنِ مِن البَدْءِ ، فإنَّ أمرَها لا يَزالُ مُتقلِّبَاً في الصِّدْقِ ، كُلَّما خرجَ عن الصِّدْقِ في شيءٍ من أحوالهما أعادهما إليه مرةً أخرى ، فلا يتركهما الصِدْقُ مُطلَقَاً ، فهو جوهرٌ يَفِيْ بجوهريَّتِهِ ، و تلك الصداقَةُ الحقيقيةُ ، تَعودُ بالصَّديقَيْنِ إلى لزومِ الصدقِ بينهما ، و لا يَجعلان للكذبِ مدخلاً إليهما ، و في أمثالِ الألمانِ : " الصداقة الحقيقيةُ لا تتجمَّد في الشتاء " ، لأنَّ حرارةَ الصدقِ تُذِيْبُ كلَّ شيءٍ يُجمِّدُ مشاعرَ الأصدقاء .
الصديقُ الوَفِيُّ نادرٌ نُدرةً تُحيلُ عن الأملِ في وجودِهِ ، و إنْ وُجِدَ ففي شيءٍ من الوقتِ لا في كلِّهِ ، فكم تأسَّفَ كثيرون على عدمِ وجودِ صديقٍ ، و كم ندِمَ آخرون على فَواتِ صديقٍ ، إما لقدرٍ أخذَه ، و إما لضررٍ لَحِقَه ، و ذا نكدٌ من الدنيا على الحُرِّ .
و الحُرُّ يَكْسَبُ رُوْحَ الصديقِ قَبْلَ أن يكسبَ جِسْمَه ، حيثُ الصداقَةُ للأرواحِ ، و الأجسادُ تابعة ، و الصداقةُ مَعنى ، و آثارُها انعكاسٌ له ، و في ذا يقول أبو الطيبِ نفسُه :
أُصادِقُ نَفْسَ المرْءِ مِن قَبْلِ جِسْمِهِ=و أعْرِفُها في فِعْلِهِ و التكلُّمِ
و نَكدٌ آخر ، حينَ تبتلينا الدنيا بأعداءَ فتجعلهم لنا أصدقاءَ ، سواءً كان قريباً أو بعيداً ، ضرورةَ العَيْشِ فيها ، و العَيْشُ رَكَّابُ طَيْشٍ ، فإنَّ ذلك من أنكادِها و لأوائها ، فصداقةُ العَدوِّ مجلَبَةٌ لنقضِ أحدِ أساساتِ الصداقةِ ، فلا تتكوَّنُ الصداقةُ للعدوِّ من صِدْقٍ ، و إنَّما من كذبٍ و زُوْرٍ ، و الزورُ لا يرتضيه شريفُ العقلِ ، لهذا كان في المُدارةِ مَخْرَجٌ عن الكذبِ في دعْوى الصداقةِ ، و لجوءاً إلى صورةِ مخالطَةٍ غيرِ الصداقةِ ، ليحْفَظ الصادِقُ صِدْقَ نفسِهِ و فعلِهِ ، فيُبْقِي العِشرةَ صيانةً لأخلاقِ ذاتِهِ ، و لا يُدَنِّسُ خُلقَه و يخرُج عنه من أجلِ مَن لا يستحق .
ففي الصداقَةِ أنكادٌ تُحيطُ بها من جوانبَ كثيرةٍ ، جانبِ البدايةِ ، و جانبِ النهايةِ ، و ما بينَ البدايةِ و النهايةِ أنكادُ الصفاءِ و المصارعةُ للبقاءِ و المحافظةُ على النقاءِ ، و جانبِ الصديقِ صاحبِ الشقاءِ المبغوضِ المَكْروهِ .
كلُّ هذا إنما ليبِيْنَ للصديقِ صِدق الصداقة ، و ليُخْتَبَرْ أهو قادرٌ على القيامِ بِها أم لا ؟ .

عائشه المعمري
02-27-2009, 12:10 AM
عبدالله العتيق

دائما ما كُنت أتساءل في داخلي عن معنى الصداقة ، حينما تتصارع فكرتان عميقتان
إحداها تُؤمن بالصداقة ، ولا تجد لها تعريفاً واقعياً ،
والأخرى ، بنظرة سلبية نحو الحياة تقول / إنتهت الصداقات بموت أبو بكر الصديق ، والرسول صلى الله عليه وسلم ،،

/

وفي قمة إحتياجي لـ حديث كهذا تأتي أنت مُمسكاً بيد المتنبي
لـ تُربك العابرين مِن هُنا
وتربكني ،
في أن أبحث عن مكان مُلائم يحتوي فِكرك
أكبر من النثر الأدبي


،

أنت عملة ، نادرة في هذا الزمن

بُوركت

قايـد الحربي
02-28-2009, 09:53 AM
عبدالله العتيق
ــــــــــــ
* * *


قَالَ المتنبّي هَذَا :

وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى
ـــــــــــــ عَدُوّاً لَهُ ما مِـن صَداقَتِـهِ بُـدُّ

وَ قَد نَصَحهُ ابْنُ الرّوميّ - قَبْلَ ذَلكَ - بِقوْلِهِ :

عَدُوّكَ مِنْ صَدِيقِكَ مُسْتَفَادٌ
ـــــــــــــ فَلا تَسْتَكثِرَنَّ مِنَ الصِّحابِ


:

صَديقِيَ الأجْمَل : عبدالله ،
وَهَا أنتَ تُعيْدنَا إلى مَجالِسِ المُتنبّيْ ،
بَعْدَ أنْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الأمَاكِنْ ..
فشُكراً بِحَجْمِكَ العَظِيم .

عبد الله العُتَيِّق
03-10-2009, 12:51 AM
عبدالله العتيق

دائما ما كُنت أتساءل في داخلي عن معنى الصداقة ، حينما تتصارع فكرتان عميقتان
إحداها تُؤمن بالصداقة ، ولا تجد لها تعريفاً واقعياً ،
والأخرى ، بنظرة سلبية نحو الحياة تقول / إنتهت الصداقات بموت أبو بكر الصديق ، والرسول صلى الله عليه وسلم ،،

/

وفي قمة إحتياجي لـ حديث كهذا تأتي أنت مُمسكاً بيد المتنبي
لـ تُربك العابرين مِن هُنا
وتربكني ،
في أن أبحث عن مكان مُلائم يحتوي فِكرك
أكبر من النثر الأدبي


،

أنت عملة ، نادرة في هذا الزمن

بُوركت

عائشة المعمري
___

الصداقةُ جوهرٌ ، و الأصدقاءُ صُورٌ ، فمنهم مَن يُتقن الحفاظ على الجوهرِ و منهم مَن لا
و المتنبي المنبيءُ عن كمائلِ دقائقِ صفات الرجالِ أمسك بيدي في جلسةٍ في ظلمة ليلٍ فباحَ لي بمكنونِ سرهِ ذاك ، فكتبته .
و أنا في النثرِ الأدبي ، هنا ، أتفيءُ ظلالَ جنانِ فردوسِ معاني رجاله و نُثَّارِهِ
مباركٌ الوجود بك

عبد الله العُتَيِّق
03-10-2009, 12:56 AM
عبدالله العتيق
ــــــــــــ
* * *


قَالَ المتنبّي هَذَا :

وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى
ـــــــــــــ عَدُوّاً لَهُ ما مِـن صَداقَتِـهِ بُـدُّ

وَ قَد نَصَحهُ ابْنُ الرّوميّ - قَبْلَ ذَلكَ - بِقوْلِهِ :

عَدُوّكَ مِنْ صَدِيقِكَ مُسْتَفَادٌ
ـــــــــــــ فَلا تَسْتَكثِرَنَّ مِنَ الصِّحابِ


:

صَديقِيَ الأجْمَل : عبدالله ،
وَهَا أنتَ تُعيْدنَا إلى مَجالِسِ المُتنبّيْ ،
بَعْدَ أنْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الأمَاكِنْ ..
فشُكراً بِحَجْمِكَ العَظِيم .

قايد الحربي
___
بين المتنبي و ابن الرومي شَعرةٌ في سِرِّ الصداقةِ ، فابنُ الرومي متشائمٌ دوماً ، و المتنبي مغامرٌ منازلٌ ، فقرارُهما مختلفٌ باختلافِ النفسيتين ، و كلاهما مُصيبٌ ، فكثيرٌ من الأصدقاءِ نكدٌ ، فلا يُسْتَكْثَرَنَّ من أحدهم .

إن العظمةَ بحجمِ مُهديها لا بحجم المُهداةِ إليه

روجينا محمد
03-10-2009, 04:55 AM
و قد غدت الصداقــة شيء مركون تحت حـَـذر " الكلّ " كمِلف
مـــــــاتَ صاحبه و أصبحَ حرقه أفضل من الإحتفاظ به ..!
إذا كان الكلّ خائف من الصداقة من يُصــادق من ؟!
وشخصٌ واحد لا يعرف من صديقه من بين كثرتِهم ،
هــو " صاحِب الجلالَـة " ...
-
-
قال أحدهم " إحذر عدوّك مرة واحِدة و صديقك ألفَ مرّة ...
عبد الله ،
كيف يُسمى الصديق صديقا إذا كان سيُوَرّثني الهمّ و يشغلني
بالحذر منــه عن ما هو أهم ؟
-
-
كنتَ أكثر من رائعٍ " أعــلاه " فقد قدمت للأبعاد مأدبة دسمَة
تستحِقّ عليها أكثر من الإمتنــــــــــــان ...

http://www.shathaaya.com/vb/images/smilies/i.gif

-