تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تغريب النص الأدبي العربي وحمى المنهج النقدي


د.عبد الفتاح أفكوح
03-17-2009, 09:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تغريب النص الأدبي العربي وحمى المنهج النقدي
أكيد أن الوهم النقدي الشائع حول النص الأدبي والمنهج النقدي، قد نال من مسيرة الحركة النقدية في البلاد العربية نيلا شنيعا وعنيفا، ويكفي شاهدا ودليلا على هذا القول، ذلك الخلط والإلتباس الذي دب سريعا في جسد العديد من الكتابات، التي يحسب أصحابها أنها تنبض بحياة النقد الأدبي، في حين أنها مخنوقة بصنيعهم، فلا هوية بقيت من نصيبها، ولا ماهية فضلت من حظها على الساحة الثقافية، فكيف يا ترى سيجيب من أضاعوا النص الإبداعي العربي وغربوه، وأتلفوا المنهج النقدي وشوهوه، إذا ما الحياة النقدية في بلادنا العربية سئلت بأي ذنب وئدت ..؟
إن كل من له غيرة شديدة وصادقة على الروح الإبداعية في سائر العالم العربي، لا شك أنه يطمح إلى تكسير ذلك الوهم النقدي، الذي استنزف كثيرا من الجهود هباء، إذ متى كان المنهج النقدي من طينة، والنص الإبداعي من طينة أخرى مغايرة ..؟ وبأي يقين ينادي البعض بإقامة قطيعة إبداعية بين العمل الأدبي والمنهج النقدي المعتمد لقراءته ..؟
هذا سهم منبعث من قوس المتاهة الوهمية، التي اطمأن بها وسكن إليها كثير من نقاد الأدب العربي القديم والحديث على حد سواء، منذ زمن غير بعيد، حتى أن معظم إفرازات الحركة النقدية موشومة وملغومة بآثار تلك المتاهة، التي حان وقت اقتلاع جذورها الواهية، واجثتات شجرتها التي ما لها من قرار، لأنها بدءا وانتهاء زبد سيذهب جفاء آجلا أم عاجلا، ولا يسع متتبع الحركة النقدية في البلاد العربية إلا أن يحسم بهذه الحقيقة أمر جدال طال واستطال بغير طائل.
ثم إن لكل ذي بصيرة الحق في أن يسأل عما إذا كان النقاد العرب المحدثون يضعون نصب أعينهم، عند كل ممارسة نقدية، الأسئلة النصية والمنهجية ..؟
من المؤكد أن الإجابة على هذا السؤال ستكون بالنفي، إذ أن كثيرا من الأبحاث والدراسات، وكذا الإسهامات المقالية الموصوفة عادة بالنقدية، تعتبر شاهد إثبات على ما يعانيه وجه النقد الأدبي العربي الحديث من شحوب وتجاعيد دامية، ومن أجل إشراقة نقدية عربية، لا مفر من المناداة بصحوة نقدية متميزة وفاعلة، ولتحقيق هذا الحلم الجميل، يجب أن يمتد الحوار وتتسع دائرته لتشمل كل الطاقات المعنية والمنشغلة بواقع النقد الأدبي العربي الحديث، والطموحة إلى ميلاد إشراقته المرتقبة، وإلى تحقيق حياة ثقافية غير مستعارة، نابعة من رؤى إبداعية واعية، ولها من المناعة الذاتية اللازمة ما تميز به السليم المعافى من السقيم المعتل.
كفانا تغريبا للنص الأدبي العربي .. كفانا هذيانا بحمى المناهج النقدية الغربية، فقد غدت الممارسة النقدية في البلاد العربية مسكونة بكل ما هب ودب من الملفوظات .. لا أدعوها بالمصطلحات .. لأن المصطلحات لها تاريخ وجذور ودلالات قائمة الأركان، فنحن نرى اليوم أن من (النقاد) ما لا هم ولا انشغال له سوى التهافت على الإستهلاك الساذج للمفاهيم الغربية، والهضم العسير لما يفد على الساحة النقدية العربية من تراكيب أجنبية مزجية وغير مزجية .. عار هذا الصنيع وقبيح مشين ...
فما الذي حدث يا ترى ..؟ لقد أتى على الحياة الأدبية العربية حين من الدهر، ولى مع مضي السنوات السبعينية، كان لها فيه صيتا قويا وذكرا مذكورا، باعتبار ما تم من المحاولات المكثفة والجادة، من أجل إرساء أرضية متماسكة، تقوم عليها نظرية أدبية نقدية عربية، وقد شكلت هذه الغاية الهاجس الأساس، والقلب النابض للإرث الأدبي والنقدي العربي.
فما الذي حدث وأناخ بكلكله على الحركة النقدية العربية، حتى تخلفت عن المسير، وضاعت بين ركام الضوضاء أغلب خلاصاتها الشرعية ..؟
سؤال محموم وخبره معلوم، ما دامت طائفة كبيرة من (نقاد الإبداع الأدبي) قد تنكرت لأهم مكونات ودعائم الحياة النقدية العربية الحديثة الأصيلة، وتجاهلت نصيحة أو على الأصح استنكار الشاعر أبي العلاء المعري، إذ يقول:
وقبيح بنا وإن قدم العهد*هوان الآباء والأجـــــــداد
سر إن اسطعت في الهواء رويدا*لا اختيالا على رفات العباد
ثم إن ذات الطائفة انصرفت عن إنتاج المناهج النقدية العربية وتطويرها، وأقبلت على شحن (أعمالها النقدية) بإفرازات مدارس النقد الغربية، فساء حال نشاطها بهذا الداء لضعف مناعتها الثقافية، ولما ضنت على شفائها بالدواء، صارت فريسة سهلة هينة لظاهرة شاذة، لن أكون مبالغا إذا ما دعوتها " الغزل الإصلاحي العقيم "، لأن بالفعل ثمة من النقاد من يتغزل بالملفوظات الغربية تغزلا عقيما، على الرغم من كونها لا تمت للوسط الإبداعي العربي بأية صلة، فترى (الناقد) المتغزل منهم يحشد ما امتدت إليه ذاكرته من تراكمات اصطلاحية .. متراكبة متنافرة، ثم يظل يقحمها بوجه وغير وجه أو مناسبة في ما يخط بيمينه، من مبتداه إلى منتهاه، وكل رجائه أن يظهر بالمتميز المتعالي أمام غيره في اللقاءات والنوادي الثقافية، متناسيا أن اللغو هدر وعبث، وأن الثرثرة منعدمة الجدوى والأثر الفاعل، وأن هذه الحال من قبيل الرداءة والهزال.
وهل يعقل أن يقال غير هذا في أعمال ينفر قلبها من قالبها، وأحاديث تضيق روحها بمنطوقها ..؟ بل بأي وجه سنلتمس العذر لـ (ناقد) يلقي بوابل من الملفوظات الدخيلة، بعضها يمسك عنيفا برقاب بعض، فإذا بها تلفظ خلقا غريبا مشوها، لا يعترف له النقد الأدبي العربي بأصل، ولا يقر له بمقام ..؟
وحتى تتحقق للحركة النقدية العربية صحوتها المنشودة، وهويتها الإبداعية المتكاملة، لا بد من حوار متواصل بين ذوي التخصصات .. حوار يجمع الأديب، والناقد، والمؤرخ، واللساني، والمسرحي، والسيميائي وغيرهم، ثم لا بد من إضافة جد هامة، يمكن إيجازها في ضرورة الحوار الذي يجب أن يجمع كل من ذكرنا سلفا بالقارئ المتلقي، وما نستشرفه في المستقبل القريب، هو أن تعود إلى الواقع الأدبي والنقدي العربي ملامحه ومعالمه الأصيلة، وأن يسترد وضعه ومكانته وحجمه الطبيعي ...
حياكم الله
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com

إبراهيم الشتوي
03-21-2009, 07:41 PM
حضور أول لمصافحة النور والبلور ..

ولي عودة بإذن الله أيها الأديب الأريب ..

دمت بالقلب وبالقرب ..

تقديري.

أحمد الحسون
03-21-2009, 08:19 PM
دكتور عبد الفتاح
شكراً لطرحك المصداقي ، لكن المسألة لا تكمن في استيراد المناهج النقدية ، وإن يكن قد استوردنا فذاك دأب الحضارات في التأثر والتأثير ، نعم أنت على حق ، لقد غدت مناهجنا تقليداً غربياً وطبقناها على نصوص قد لا تصلح لهذا المنهج أو ذاك ، المهم أن صاحب التطبيق يريد أن يبهر الحضور بمنهجه المعطوب ، يا أخي إن بذور المنهج النفسي موجودة في نقدنا العربي القديم عند ابن قتيبة ، والنقد اللغوي ونظريات تشومسكي ودي سوسير بذورها في نظرية النظم للإمام عبد القاهر الجرجاني ، وغيره الكثير الكثير مما يصعب حصره .
العيب في أدواتنا المعرفية أثناء قراءة تراثنا الأدبي، ولا عيب أن نستورد نظريات أثبتت فاعليتها ما دمنا نحن عاجزين عن الإتيان بجديد.

لك كل التقدير لأنك حرضت قلمي على البوح برأي ، وأنا أوافقك وأعتز برأيك المقدام.
دمت بعطاء متميز.

قايـد الحربي
03-21-2009, 08:27 PM
د. عبدالفتاح أفكوح
ـــــــــــــــ
* * *



نُرحّبُ بكَ فيْ أبعَاد ،
فأهلاً وَ سَهلاً بِفكركَ المُضيْ .

:

سَأبدأُ مِن حيْث انْتهيْتَ ...
تَقوْلُ :
" وحتى تتحقق للحركة النقدية العربية صحوتها المنشودة، وهويتها الإبداعية المتكاملة، لا بد من حوار متواصل بين ذوي التخصصات .. حوار يجمع الأديب، والناقد، والمؤرخ، واللساني، والمسرحي، والسيميائي وغيرهم، ثم لا بد من إضافة جد هامة، يمكن إيجازها في ضرورة الحوار الذي يجب أن يجمع كل من ذكرنا سلفا بالقارئ المتلقي "

- وَ هُوَ القَوْلُ الحَقّ وَ الأرْوَع ، لكِنّكَ فيمَا سَبَقهُ مِن قَولٍ لكَ ، لَمْ تَفعَل إلاّ إقصَاءَ الآخَر وَ الازْدِراءَ بهِ ، حَتّى أنّكَ
اسْتَكثَرتَ نَعتَ أُسسهِم وَ نَظريّاتِهم بِمُصْطلحَات ، وَ حُجّتكَ فيْ ذَلكَ [ التّاريخ وَ الجُذور ] ،
ألَيسَ مَا تَراه -الآن - مُستَحقّاً لِوصْفِهِ بِمُصطَلح كَانَ عَارياً مِنَ التّاريخِ حيْنَ ظهُورهِ ؟!
حَتّى ألبَسَهُ الزّمَانُ هَذِهِ الحُجّة ، كَمَا سيُلبسُ غَيرهَا مِنَ النّظريّاتِ وَ الرؤى النقدِيّة .

- تأطيركَ للنقْدِ بِعَربيّ وَ غَرْبيّ لا يَخدِمُ المُنْتَجَ الذيْ يَقوْمُ عليْه النّقد - النّص الأدبيْ - وَ لَو اكْتفى كُلٌ
بِمَا وَصلَ إليْهِ لمَا تقدّم المُنْتِجُ وَ لا تَجدّد المُنتَج .

- لَمْ تَضربْ لنَا مِثلاً عَلى مَا أسميْتَهُ " غَزل إصلاحيّ عَقيم " ، لنَهربَ مِن جَهلِ التّعميْمِ إلى فِكر التّخصِيص .

:

د. عبدالفتّاح ،
كُلّ الشكر لنوْركَ الوضّاح .

عبدالعزيز رشيد
03-22-2009, 04:37 PM
أهلا بك أخي:عبدالفتّاح

هنالك جوانب عدّه أوفقك قولك فيها وجوانب لاأوافقك عليها
لاضير في الأخذ من مناهج النقد الغربيّ(الأوروبيّ) هل استطاعت روايات أمريكا اللاتينيّة أن تنتزع نفسها من المنهج الاوروبّي؟ أبدا لا وخاصة أحدّثك بالرواية كجانب تطوّر اوروبيّا لكن بالشعر ف الشعر استمدّ نموّه من أصله العربيّ وتطوّر باختلاطه بالآاداب الأخرى لاضير في الأخذ لكن إخذاعه لمدارس خارجيّة يعيق تقدّمه بل يقتله ليولد من جديد مِسخا مشوّها لاأكثر!

مشكلة الأدب العربيّ أنّه ينبع من تيّار جغرافيّ من جهة وقوميّ من جهة فالمغتربون يحيون الأدب العربيّ هناك ويغضعونه للمناهج الموجودة هناك في حين نجد الموجودين في بلادهم يحييونه وفق مناهجهم الموروثه وقد يحصل الصدام والاختلاف فيما بينهم وينتج عن ذلك التأثّر وبالتالي قد نجد منهجا مهجّنا يحتاج لمنهج نقديّ دون أن يُخضع لمنهج معيّن

د.عبد الفتاح أفكوح
03-25-2009, 09:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليكم جميعاً أهل الجود والكرم ورحمته جل جلاله وبركاته
وبعد ...
لكم من أخيكم أبي شامة المغربي منتهى الشكر وغاية التقدير على جود اهتمامكم وكرم احتفالكم بما نثرت من حروف نقدية في هذا المقام المزهر بكل حرف عربي أصيل، ولكم ذات الشكر وعين التقدير على ما حلق وأشرق من كلماتكم في سماء هذه الواحة العامرة بكل خير، وعسى أن أكون قد اهتديت بتوفيق من ذي العزة والجلال إلى بعض ما تقر به الأعين، ويثلج الصدور ...
دائماً في انتظار مداخلات باقي الإخوة الكرام والأخوات الكريمات في رحاب هذه الجزيرة النقدية المشرقة .. وعسى أن يكون الإبحار آسراً والرحلة ساحرة ...
حياكم الله
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com

دخيل الدرعان
04-02-2009, 04:28 AM
إذأ سمحت لي أيها الدكتور الفاضل بأن أتكلم بمنهجية إبن البيئة المحيطة ولست مطلعاً على مايجري في غيرها
لاأستطيع القول بأن هناك حِـس نقدي في فسيولوجية الإنسان العربي
فمنذ أن كان طفلاً والأمثلة كثيرة مروراً بتلمذته أمام أساتذته ولنفترض جدلاً أنه عندما يتعاطى النص الأدبي
في المدرسة كان بطريقة الحشو والتلقين فعندما تستعبدة النصوص
ينصاع لها صاغراً , فتطورت هذه المرحلة إلى أن وصلنا
إلى شاعر المليون فمن وجهة نظري أن من محاسنه القليلة جداً أو قد تكون الحسنة الوحيده أنه بدأ يٌولد من حيث لانشعر
الحس النقدي لدى البيئة الشعرية ذاتها التي كانت تفتقد الحس ذاته .


تقبل مني ماسبق أستاذي

د.عبد الفتاح أفكوح
07-04-2010, 02:39 PM
http://www.2qut.com/egreetings/resource/picture/roses/804810cefc.gif

طارق المالكي
07-19-2010, 09:42 AM
الدكتور الفاضل عبد الفتاح أفكوح ..

في البداية أشكرك على هذا الموضوع الشيق, والذي قدمتهُ لنا بطريقةٍ جميلةٍ في عرضهِ وسبكهِ وحسن ابتدائهِ وختامه ..

طرحٌ وكأنهُ يرتدي معطف النداء ..!

أو ثوب الدعوة ..!

في الحقيقة - ولا أخفي إعجابي بنظرتكَ وثقافتكَ ونبرةِ الغيرة على عرقنا وثقافتنا التي كانت بصوتكَ - إنني أخالف الفكرةَ تماماً ..

بمعنى أنني لا أرى أبداً أنَّ النقد الغربي قد أثّر سلباً على النقد العربي ..

بل أضاف لنا الكثير والكثير والكثير ..

حتى أنني - حاكاً رأسي مبتسماً - أردتُ أن أترجم الجملة السابقة ( الكثير والكثير والكثير ) وأذكر بعض ما أضاف لنا علماء الغرب فتوقفتُ لحظة ًسائلاً نفسي : من أينَ أبدأ وماذا سأذكر ..؟!

فتراجعت عن ذلكَ وقلتُ سأكمل حديثي بذكر نقاطٍ أخرى ..

والذي جعلنا نأخذ بعلومهم الجديدة وآرائهم النقدية الحديثة ما هو إلا دلالةً على تفوقهم وإبداعهم بهذا المجال ..!

ولم يتفوقوا إلا لأنهم تفوقوا علينا في الحياة بأكملها ..!

فالإبداع الأدبي ماهو إلا انعكاساً للإبداع في الحياة ..!

وما الأدب إلا نتاج أفعال وأعمال واكتشاف وبحث وجهد وتفكر ومواقف واختبار في الحياة الواقعية ..!

وكأنه خلاصة ٌ لتلك الأفعال مُسكبة ً على الاوراق ..!

هم تفوقوا علينا بكل شيءٍ في الحياة كلها, فلماذا ننكر تفوقهم النقدي ونُقِر ما هو أعظم من ذلك ..؟!

تلكَ حقيقةٌ - وإن كانت مرة ً على قلوبنا - لابد أن نصدقها ..!

دعني أعلق على بعض ما قلتَ يا أخي الفاضل ..

أكيد أن الوهم النقدي الشائع حول النص الأدبي والمنهج النقدي، قد نال من مسيرة الحركة النقدية في البلاد العربية نيلا شنيعا وعنيفا

ذلكَ حقيقة يا أخي وليس وهماً ..

وما أراه إلا نيلاً جميلاً ومفيداً ..!

فلا هوية بقيت من نصيبها، ولا ماهية فضلت من حظها على الساحة الثقافية، فكيف يا ترى سيجيب من أضاعوا النص الإبداعي العربي وغربوه

هويتنا لازالت باقية رغم أخذنا ما ينفعنا منهم وتطبيقه على نصوصنا, ليس معنى أخذنا بعض مناهجم أننا سنتخلى عن هويتنا ..!

بل كما استفادوا هم منا - سابقاً - ينبغي علينا أن نستفيد منهم الآن ونكمل من حيث انتهوا, كما بدأوا من حيث انتهينا ..!

الوهم النقدي، الذي استنزف كثيرا من الجهود هباء

لم تكن جهودنا - أبداً - هباء ..!

فنحن رأينا النقاد يتكاثرون بالدقيقة بيننا, ونتاجهم يكثر بين أيدينا ..

وبأي يقين ينادي البعض بإقامة قطيعة إبداعية بين العمل الأدبي والمنهج النقدي المعتمد لقراءته ..؟

في الحقيقة لم أفهم هذا الاستفهام الاستنكاري جيداً, لذا سأعلق عليه حسب مافهمت منه ..

إن أقمنا قطيعة إبداعية, أو أيا كان نعتنا لتلك القطيعة فبمجرد أن نقيمها بين العمل الأدبي والمنهج النقدي أياً كان ذلك المنهج - حديثاً أو قديماً, عربياً أو غربياً - فإننا بذلك نوقف النقد تماماً ..!

التي حان وقت اقتلاع جذورها الواهية

وإن صح قولكَ ورأيكَ فإننا لن ولن نستطيع اقتلاع جذورها ..!

فهي ليست واهية أبدا ..!

بل جذورها ما هي إلا متغلغلة بأرض زهير ولبيد وأرسطو وأفلاطون قبلهم ..!

ثم إن لكل ذي بصيرة الحق في أن يسأل عما إذا كان النقاد العرب المحدثون يضعون نصب أعينهم، عند كل ممارسة نقدية، الأسئلة النصية والمنهجية ..؟

نعم هذه دعوة جميلة لكل النقاد العرب بأن يعملوا بها ..

يجب أن يمتد الحوار وتتسع دائرته لتشمل كل الطاقات المعنية والمنشغلة بواقع النقد الأدبي العربي الحديث، وإلى تحقيق حياة ثقافية غير مستعارة، نابعة من رؤى إبداعية واعية، ولها من المناعة الذاتية اللازمة ما تميز به السليم المعافى من السقيم المعتل.

وهذه دعوة جميلة أخرى أشكرك على ذكرها, وأضم صوتي إلى صوتك داعيا بضرورة الحوار وتبادل الإبداع والتفكر لنميز - كما ذكرت مشكوراً - معنى النقد الحقيقي بقولكَ ( ما تميز به السليم المعافى من السقيم المعتل ) وكم يؤسفني أن البعض يحسب أن النقد - فقط - إظهارٌ لمواطن الضعف ..!

كفانا هذيانا بحمى المناهج النقدية الغربية

أتفق معك بأننا لا ينبغي علينا المبالغة بهم وبإبداعهم حتى نكاد لا نرى منهم أي شيءٍ قبيح أو خاطيء أو يخالف ديننا أو عاداتنا وتقاليدنا أو حتى عقولنا ..

بل سددوا وقاربوا ..

ثم إن ذات الطائفة انصرفت عن إنتاج المناهج النقدية العربية وتطويرها، وأقبلت على شحن (أعمالها النقدية) بإفرازات مدارس النقد الغربية، فساء حال نشاطها بهذا الداء لضعف مناعتها الثقافية، ولما ضنت على شفائها بالدواء، صارت فريسة سهلة هينة لظاهرة شاذة، لن أكون مبالغا إذا ما دعوتها " الغزل الإصلاحي العقيم "، لأن بالفعل ثمة من النقاد من يتغزل بالملفوظات الغربية تغزلا عقيما، على الرغم من كونها لا تمت للوسط الإبداعي العربي بأية صلة

تعصب البعض منا, وتغزله - كما ذكرتَ أخي الفاضل - دلالة أيضاً على تفوقهم كما ذكرتُ سابقاً ..!

ولا أدافع عنهم أبداً, بل أذكر سبب غلوهم, وذاك شيء يعنيهم, بل إنني أضم صوتي لصوتكَ وأنادي بعدم التعصب لهم ..

أما استخدامنا مصطلحاتهم الجديدة وألفاظهم النقدية فهو لأمرٌ طبيعي ..!

هل نسيتَ أننا اشتَقَّينا من ( حَسَبَ ) لفظة ( حَاسُوب ) ..؟!

ما الذي دفعنا لذلك يا ترى ..؟!

لا يعترف له النقد الأدبي العربي بأصل، ولا يقر له بمقام

ليس صحيحاً هذا الحكم, ذكرتُ سابقاً أن أصل علومهم هو موروثنا العربي القديم, حتى أنهم - وانظروا جيداً لحياديتهم - يذكرون فضل سيبويه ونفطويه وكل ما انتهى اسمه بويه - ربما لم نأخذ منهم سوى مؤخرة أسمائهم فظللنا نولول ونتأوه قاعدين بلا حراك, متخايلين بجمال موروثنا, ننسبه إلينا مكتفين ! - والجاحظ وابن المقفع وابن المعتز وعبد القاهر والقاضي الجرجانيّين وغيرهم ..

حوار يجمع الأديب، والناقد، والمؤرخ، واللساني، والمسرحي، والسيميائي وغيرهم

ربما هذه الجملة التي ذكرتها ترد على استهجانكَ بمن يستخدم مصطلحاتهم وألفاظهم ..!

فـ ( اللساني ) مصطلح اشتهر به علماء الغرب وبالأخص فردناند دو سوسير ..!

وبالرغم من أنّ أصل اللفظة عربية - لسان العرب لابن منظور مثالٌ يكفي لذلك - إلا أننا قبل أن نتلقَّى علومهم الجديدة لم نكن نردد ذاك المصطلح ..!

وحتى فنّ ( المسرح ) لم يكن عندنا أبداً أبدا ..!

بل فنٌ غربيٌ حديثٌ أخذناه منهم ..!

ويؤسفني - والله - أن أكمل وأذكر أن فنّ ( القصة ) وَ ( الرواية ) ما هو إلا غربياً حديثاً أخذناه - أيضاً - منهم ..!

وليس ذلكَ عيبا بل من الجميل أن نأخذ منهم ما هو مفيد ..

فلازالت - والحمد لله - فنوننا القديمة تُمارس من قِبلنا وقبلهم حتى اليوم كالرسائل والخطب, رغم تكبرهم أحيانا أو تحايلهم بوضعها بين أضلع رواياتهم ..

ليتنا نقوم بإحياء فنوناً سابقة ً قد اندثرت منذ زمنٍ كالمقامات ..!

معللين اندثارها بأن سبب ظهورها هو لحفظ اللغة من الضياع فقط, كالمعاجم اللغوية, متناسين الإبداع والفن والمعرفة والقيمة التي تحملها بين أسطرها ..!

كان ذلك عذراً لنا بأن نبقى كسالى, نحب فقط أن نتلقى لا أن نأتي بمثلها ولا أرقى ..!

ومن الواجب علينا عند ذكر إحياء المقامات أن نشكر الكاتب الكبير عائض القرني بإحيائها عبر ( مقامات القرني ) ..

كم عنى لي إحياءه ذاك الفن القديم ..!

في النهاية أشكرك أخي الفاضل, وأعتذر منكَ إن أسأت أو أخطأت أو قصرت أو أطلت أو تماديت, فما ذلك إلا حباً للنقاش والحوار الهادف والذي أسعى - دائما - بهِ للاستفادةِ قبل الإفادة, وللقراءة قبل الكتابة, وللإحسان لا الإساءة, وللإخاء لا العداوة, وللهدي لا الضلالة ..

ويبقى الاختلاف في دائرة اختلاف وجهات النظر لا يخرج منها أبداً كما أسعى وأتمنى دائما ..

لكَ جل احترامي وسلامي ..

د.عبد الفتاح أفكوح
06-29-2012, 09:48 AM
http://www.beautifullife.info/wp-content/uploads/2010/09/17/17.jpg