حسن مغربي
05-21-2009, 07:22 PM
http://www.arab-box.com/photos/00039/ry5jc3utkhib.jpg
تحكي الكتب القديمة أنّ أحد الخلفاء, و الخلفاء في كلّ عهد يحلو لهم أن يكونوا أسياد كلّ شيء..!! أمراء و مؤتمنون على السياسة و الفكر و الدين و اللغة..!! يوزّعون الرضا و العفو و السّخط و يوشّحون بعض الصدور الفارغة بميداليات التُّقى و الورع.. أو يخنقون بعض الأنفاس بدعوى المروق و الزندقة..!! تحميهم في كل هذا القاعدة الثمينة التي اشتروها بجميع أنواع المقايضات و توارثها مُنظِّروا الخنوع و الإذلال..!! قاعدة تقول : حاكمٌ جائرٌ أرحم بالعباد من فتنة مُتوقِّعة..!! فليحيا الظلم إذن لتنام الفتنة.. و حتّى وجه المليحة لم يَسلَم من لعنة الفتنة..!! كقولهم وجه فاتن, و تسميتهم لإنسانة فائقة الجَمال بفتنة الروح..!! و الأصل في الجَمال أن يهدئ الروح لا العكس..!! و عُدَّ الاختلاط مجلبةً للفتنة..!! و أتساءل : ماذا جلب العزل و الفصل..؟؟
و لا أكاد أجد جوابًا غير عادة السِرِّ و عدوى السرير..!! و حتى لا يجنح بي الكلام أعود لخليفتنا الذي جلس مُحاطًا بهيئة الأركان من جميع الأصناف و الرتب و التخصّصات. و في يوم ارتأى هذا الخليفة أن يُعجِزَ أحد جنرالات اللغة فسأله : ماذا تقول إذا تشابهت عليك زمرُّدتان.. كأنّها هي أو كأنّها إياها..؟؟ أجاب جنرال اللغة و بكثير من التأكّد : كأنّها هي أعزَّ الله الأمير..! أجابه الخليفة و بكثير من التهكّم : لا يا أمير النّحو, نقول كأنّها إياها..!! ردَّ عليه جنرال اللغة : "العرب" بالباب أعزَّ الله الأمير.. إذ الكلام الفيصل آنذاك كان في صدور "العرب" قبل أن تضمَّه بطون الكتب و يلتحق اليوم بأحشاء الحاسوب.. و كالعادة كان الخليفة أدهى من مكيدة هذا النّحوي فقد سبق أن كلّف حاجبه أن يُدخل عليه "العرب" الموجودين بالباب بعد أن يُلقّنهم : كأنّها إيّاها..!! و لمّا دخلوا سألهم الخليفة : ماذا نقول معاشر "العرب" كأنّها هي أو كأنّها إيّاها ؟؟ فأجابوا بغير قليل من التلعثم (و هو تلعثم يدلُّ على أصالةٍ غالبة) قائلين : كأنّها إيّاها أعزَّ الله الأمير.. (أليست عزّة الأمير أكبرَ من عزّة اللغة و حتى أشياء أخرى..؟؟) هنا انتفض جنرال اللغة و كيف لا ينتفض و هو يرى ألسنةً ناسفةً تهدّد أمن اللّغة التي يسهر عليها و أجاب دون أن يعبأ بشروط التّأدُّبِ المفروض في مجالس الطاعة قائلاً : أُأْمُرْهُمْ..!! أُأْمُرْهُمْ فإنَّ أَلْسِنَتَهُمْ لا تطاوعُهُمْ أعزَّ الله الأمير و اللغة..!! جرأةٌ حبّذا لو تعلّمها غيرُ النُّحاةِ..!!
على العموم تضاربت الروايات عن مصير هذا الجنرال اللغوي في هذه المعركة اللغوية..!! فمن قائل إن الخليفة أمر بقتله..!! و من قائل إن الخليفة أمر أحد ضبّاط صفِّ اللغة بتأليف كتاب يرجِّحُ فيه كفّة "كأنها إيّاها"..!! لينزع من هذا الجنرال مرتبته اللغوية.. و من قائل إن الخليفة عانقه قائلاً : إنّها مزحة لغوية ما كنتَ لتغضبَ لها و تستوجبَ منك نسيان التأدُّب في مجلسنا..!! و أمره بعدم حضور المجلس و الانكباب على تقعيد اللغة.. إذ شروط الجلوس مع الخليفة تستوجب صرامةً أكبر بكثير من صرامة اللغة.
أترك لكل واحد أن يختار الرواية الأقرب إلى توقّعه, لنعود إلى عصرنا/ عصرهم الذي نرى فيه أَلْسِنَةً لا تجد حرجًا في مطاوعة كلّ شيء بفدائية عالية و إن كان شاذًا عن كلّ القواعد..!! و كالعادة ينتصر لها الخليفة و الفرق الوحيد هو أن "العرب" لم تعد بالباب..!! و حتى لا يكثُرَ التأويل أقول : أعني بالعرب أولائك الذين على الأقل يتلعثمون حينما يُجبرون على تأييد الخطأ.. نعم لا نطلب سوى تلعثم ينبّئ عن أصالةٍ كامنةٍ ما دامت الأصالة الكاملة نعتًا غير حقيقيًا.. و بعضٌ من الأصالة لا أظنّه يُفسد وُدَّ الولاء..!!
أعلم أن أسمى ما يكمن أن يفعله الإنسان هو أن يحترم ضميره. و هو احترامٌ لا يمكن أن يتمَّ إلا عبر فصاحة الضمائر..!! إذ الضمير الفصيح قد يُنجب مواقف تستحقّ الاحترام.. و "قد" حرفُ تقليل كما يقول النحّاة.. لكن الذي نشاهده اليوم هو هذه الألسنة الآسِنة المطاوعة التّي تجترّ – و بكثير من الاجتهاد - أخطاء الخليفة و تباركها بخنوع عزّ نظيره. فلا غرابة إذن بعد هذا أن يتلعثم واقعنا أمام هكذا حالة و يتحوّل كلّ موقف إلى لثغة..!!
و مهما تنوّعت الذرائع و الأسباب و الضغوطات لا محيد من أن أقول متسائلاً : أوَ نستحقّ كلّ هذه المذلة ؟؟ حتى و إن كانت كلمة "مذلّة" – هنا - هيّنة الدلالة..!! ففي هذا الزمن الذي كُسِرَ فيه "الحالُ" سيانَ أن نقول : كأنّها هي أو كأنّها إيّاها..!! و "الهاء" هذه المرّة ضميرٌ تابعٌ – كاللّسان- يعود على حُنُوٍّ أَلِفْناه و على أملٍ يترعرع في حضن المذلَة.. فتَنَحَّوْا قليلاً لنعرف على الأقل من تسلّمنا و تسلّم مصيرنا لنستطيع بعد ذاك أن نُكِنَّ له الولاء أو العداء..!!
يبقى فقط أن نعرف أن "العرب" كانت لا تجمعُ بين ابن الناقة و الحمار و حجّتهم في ذلك ما قال شاعرهم :
إِذّا الحمارُ و الحُوَّارُ سيقَا \\\ عَلَّمَهُ الشّهيقَ و النّهيقا
و لـ"ألف" النهيق أن ينتصب في زمن الانبطاح هذا..!! و أظنّه انتصب باحثًا عن "همزة قطع" يقطع بها هذه الألسنة المفرطة في الولاء..
تحكي الكتب القديمة أنّ أحد الخلفاء, و الخلفاء في كلّ عهد يحلو لهم أن يكونوا أسياد كلّ شيء..!! أمراء و مؤتمنون على السياسة و الفكر و الدين و اللغة..!! يوزّعون الرضا و العفو و السّخط و يوشّحون بعض الصدور الفارغة بميداليات التُّقى و الورع.. أو يخنقون بعض الأنفاس بدعوى المروق و الزندقة..!! تحميهم في كل هذا القاعدة الثمينة التي اشتروها بجميع أنواع المقايضات و توارثها مُنظِّروا الخنوع و الإذلال..!! قاعدة تقول : حاكمٌ جائرٌ أرحم بالعباد من فتنة مُتوقِّعة..!! فليحيا الظلم إذن لتنام الفتنة.. و حتّى وجه المليحة لم يَسلَم من لعنة الفتنة..!! كقولهم وجه فاتن, و تسميتهم لإنسانة فائقة الجَمال بفتنة الروح..!! و الأصل في الجَمال أن يهدئ الروح لا العكس..!! و عُدَّ الاختلاط مجلبةً للفتنة..!! و أتساءل : ماذا جلب العزل و الفصل..؟؟
و لا أكاد أجد جوابًا غير عادة السِرِّ و عدوى السرير..!! و حتى لا يجنح بي الكلام أعود لخليفتنا الذي جلس مُحاطًا بهيئة الأركان من جميع الأصناف و الرتب و التخصّصات. و في يوم ارتأى هذا الخليفة أن يُعجِزَ أحد جنرالات اللغة فسأله : ماذا تقول إذا تشابهت عليك زمرُّدتان.. كأنّها هي أو كأنّها إياها..؟؟ أجاب جنرال اللغة و بكثير من التأكّد : كأنّها هي أعزَّ الله الأمير..! أجابه الخليفة و بكثير من التهكّم : لا يا أمير النّحو, نقول كأنّها إياها..!! ردَّ عليه جنرال اللغة : "العرب" بالباب أعزَّ الله الأمير.. إذ الكلام الفيصل آنذاك كان في صدور "العرب" قبل أن تضمَّه بطون الكتب و يلتحق اليوم بأحشاء الحاسوب.. و كالعادة كان الخليفة أدهى من مكيدة هذا النّحوي فقد سبق أن كلّف حاجبه أن يُدخل عليه "العرب" الموجودين بالباب بعد أن يُلقّنهم : كأنّها إيّاها..!! و لمّا دخلوا سألهم الخليفة : ماذا نقول معاشر "العرب" كأنّها هي أو كأنّها إيّاها ؟؟ فأجابوا بغير قليل من التلعثم (و هو تلعثم يدلُّ على أصالةٍ غالبة) قائلين : كأنّها إيّاها أعزَّ الله الأمير.. (أليست عزّة الأمير أكبرَ من عزّة اللغة و حتى أشياء أخرى..؟؟) هنا انتفض جنرال اللغة و كيف لا ينتفض و هو يرى ألسنةً ناسفةً تهدّد أمن اللّغة التي يسهر عليها و أجاب دون أن يعبأ بشروط التّأدُّبِ المفروض في مجالس الطاعة قائلاً : أُأْمُرْهُمْ..!! أُأْمُرْهُمْ فإنَّ أَلْسِنَتَهُمْ لا تطاوعُهُمْ أعزَّ الله الأمير و اللغة..!! جرأةٌ حبّذا لو تعلّمها غيرُ النُّحاةِ..!!
على العموم تضاربت الروايات عن مصير هذا الجنرال اللغوي في هذه المعركة اللغوية..!! فمن قائل إن الخليفة أمر بقتله..!! و من قائل إن الخليفة أمر أحد ضبّاط صفِّ اللغة بتأليف كتاب يرجِّحُ فيه كفّة "كأنها إيّاها"..!! لينزع من هذا الجنرال مرتبته اللغوية.. و من قائل إن الخليفة عانقه قائلاً : إنّها مزحة لغوية ما كنتَ لتغضبَ لها و تستوجبَ منك نسيان التأدُّب في مجلسنا..!! و أمره بعدم حضور المجلس و الانكباب على تقعيد اللغة.. إذ شروط الجلوس مع الخليفة تستوجب صرامةً أكبر بكثير من صرامة اللغة.
أترك لكل واحد أن يختار الرواية الأقرب إلى توقّعه, لنعود إلى عصرنا/ عصرهم الذي نرى فيه أَلْسِنَةً لا تجد حرجًا في مطاوعة كلّ شيء بفدائية عالية و إن كان شاذًا عن كلّ القواعد..!! و كالعادة ينتصر لها الخليفة و الفرق الوحيد هو أن "العرب" لم تعد بالباب..!! و حتى لا يكثُرَ التأويل أقول : أعني بالعرب أولائك الذين على الأقل يتلعثمون حينما يُجبرون على تأييد الخطأ.. نعم لا نطلب سوى تلعثم ينبّئ عن أصالةٍ كامنةٍ ما دامت الأصالة الكاملة نعتًا غير حقيقيًا.. و بعضٌ من الأصالة لا أظنّه يُفسد وُدَّ الولاء..!!
أعلم أن أسمى ما يكمن أن يفعله الإنسان هو أن يحترم ضميره. و هو احترامٌ لا يمكن أن يتمَّ إلا عبر فصاحة الضمائر..!! إذ الضمير الفصيح قد يُنجب مواقف تستحقّ الاحترام.. و "قد" حرفُ تقليل كما يقول النحّاة.. لكن الذي نشاهده اليوم هو هذه الألسنة الآسِنة المطاوعة التّي تجترّ – و بكثير من الاجتهاد - أخطاء الخليفة و تباركها بخنوع عزّ نظيره. فلا غرابة إذن بعد هذا أن يتلعثم واقعنا أمام هكذا حالة و يتحوّل كلّ موقف إلى لثغة..!!
و مهما تنوّعت الذرائع و الأسباب و الضغوطات لا محيد من أن أقول متسائلاً : أوَ نستحقّ كلّ هذه المذلة ؟؟ حتى و إن كانت كلمة "مذلّة" – هنا - هيّنة الدلالة..!! ففي هذا الزمن الذي كُسِرَ فيه "الحالُ" سيانَ أن نقول : كأنّها هي أو كأنّها إيّاها..!! و "الهاء" هذه المرّة ضميرٌ تابعٌ – كاللّسان- يعود على حُنُوٍّ أَلِفْناه و على أملٍ يترعرع في حضن المذلَة.. فتَنَحَّوْا قليلاً لنعرف على الأقل من تسلّمنا و تسلّم مصيرنا لنستطيع بعد ذاك أن نُكِنَّ له الولاء أو العداء..!!
يبقى فقط أن نعرف أن "العرب" كانت لا تجمعُ بين ابن الناقة و الحمار و حجّتهم في ذلك ما قال شاعرهم :
إِذّا الحمارُ و الحُوَّارُ سيقَا \\\ عَلَّمَهُ الشّهيقَ و النّهيقا
و لـ"ألف" النهيق أن ينتصب في زمن الانبطاح هذا..!! و أظنّه انتصب باحثًا عن "همزة قطع" يقطع بها هذه الألسنة المفرطة في الولاء..