محمد القواسمي
05-29-2009, 10:42 PM
كلماتٌ كانَ لهـا أن تخرجَ من مخبئهـا بعد أعوامٍ كثيرة ،
بيضاءَ من غيرِ سوءْ ، وبلا أيّ أثـرْ
كثيرٌ مِن الكتـّابِ سَبَقوا أنامِلي بالرواياتِ , كثيرٌ مِنهم مَن نزفَ حِبراً على وريقاتٍ وقصاصاتٍ تبعثرتْ على طاولاتِهم وفي أرجاءِ غـُرفِهِم , مِنهُم مَن عاشَ الألمَ جُرعة ً جُرعة ً , وكتبَ يحكي قصّتـَهُ لذاتهِ ، وللتاريخ ِ , ومـِنهم مَن سَمَعَ حِكاية َ صديق ٍ فـرَسَمَتْ في قلبـِه ثغرة ً مِن الحـُزن ِ وأرادَ أنْ يؤرّخَ القصّة لتتذوّقـَها الأجيالُ مِن بعدِهِ , وهـُناكَ نوعا ً آخرا ً اختلقََ القصّة َ مِن أعماق ِ خيالـِه .
هُناكَ آلافٌ مِن الرِّواياتِ التي نحتـَتْ بالقلوبِ والأفئِدَةِ , وحَكتْ لـَنا قِصَصا ً تـَرَكـَتْ خـَلفـََها قـََتـْلى وثـَكـْلى وأناسا ً مَنسيين .
ألا تـَسْتـَحِقُ قـِصّتي مـَعـَكِ أنْ تـُؤرّخْ ؟ وأنْ يتذوّقـَها العُشّـاقُ ذاتَ يوم ٍ نـَكونُ نـَحنُ فيهِ مُجرّدَ كلماتٍ وأسماءٍ احتضنـَتـْها رواية ٌ مركونة ٌ برُفوفِ أدَبـِنا العَربيّ ؟
أنا لا أطـْمَحُ أن تـُنشرَ الرواية ُ ويَعرفـُها العالمُ أجْمَع , ولكنـّني أريدُ وبـِكلِّ إصرار ٍ أنْ أُسجّلَ تـِلكَ اللحظاتِ التي قضيتـُها أستـَقي حُبـَّكِ وأتنفـّسُ طيفـَكِ وأنامُ على حيرةٍ قاتلةٍ . لعلَّ هذهِ الحروفُ المشنوقة ُ تسحقُ ما تبقـّى مِنْ مرارةِ فراقـِكِ وألم ِ حبـِّكِ .
هذهِ هِيَ قصّتي مَعَكِ , ما عَرفتـُه مِنْها وما أخـْفـَتـْهُ عـَنـْكِ أيـّامَ غيابـِك , هِيَ قصّتي مَعَ فتاةٍ أحبـَبـْتـُها ، هِيَ أنـْتِ ,
أكتـُبُها اليومَ ، لعلـَّها تكونُ آخرة َ قصّتي ويومُ الفصل ِ لحُبِّي .
فهيَ ليْسَتْ نهاية ً فريدةً .
هي نهاية ٌ
كالنهاياتِ التي كتبتُ عنْها آلافَ القصائدِ الباكيةِ , والرّواياتِ الكئيبةِ
فقد تعوّدْنا يا حبيبتي ، أنْ نقرأ َ شاعراً ينزفُ الكلماتَ دماً رطباً على ضريح ِ قصةِ حبٍّ انتهتْ ذاتَ يوم ٍ كما تنتـَهي اليومَ قِصّتـُنا معاً ،
منذُ أوّل يوم ٍ رأيتـُكِ فيهِ ، قرّرتُ إخلاصَ الكتابةِ لِعَينيكِ فـََقط , فـَلـَمْ أخط ْ حرفا ً لا يتكلّمُ عنكِ ،ولا سطراً إلا ويَحْكي بَعْضَ قصّتِنا بروْعتِها وعذابـِها ونزفـِها و طـَهارتـِها , كنتُ أقتـَبسُ المَقولات من شفتيكِ أنتِ , كنتُ أتبعُ قوافيكِ , كنتُ أهْمِلُ بُحورَ الشعرِ لأكتُبَ على موج ِ شعركِ الأشقـَر , كنتُ كرسّام ٍ أرى كلَّ الألوان ِ بلون ٍِ عينيكِ , كنتُ أرى ذلك الجسرَ المُعلـَّقَ بينَ الفكّين ِ هوَ جسرٌ بينَ رَغبـَتي الخـَرْقاءَ بتقبيلِكِ وبينَ خَجَلي كـرجلٍ شرقيٍّ وعذريّتي في الحُبِّ.
لنْ أنزفَ اليومَ كما نـَزفَ قبليَ الشـُّعَراءُ قصيدة ً سوداءَ , لنْ اكتبَ عَنْ فرحِك وفـَجيعَتي بكلماتٍ مسحوقةٍ , ولا بألحان ِ مـَلحَمةٍ قــُتـِلَ فيها البَطلُ ،
هذا هوَ يومُكِ يا حبيبَتي ، هوَ يومٌ انتظرتـُه طويلاً كيفَ لا وأنتِ امرأة ً شرقيّة ً مَحض , تـَعيشُ كما عاشَتْ مِنْ قبلِها ألفََ زهرةٍ تحلمُ بالرجل ِ الذي سيقطفـُها يوماً ما ليَأخذها مِنْ بيتِ أبيها إلى بيتِهِ ، مِنْ حُضن ِ أمِّها إلى حُضنِهِ , هذه هيَ النهاية ُ المتوقعة ُ لأيِّ فتاةٍ تحمُلُ بينَ طيّات ثورَتِها ، خُمُودَ امرأةٍ شرقيةٍ.
ليسَ ذنبكِ يا حبيبَتي , فأنا أيضاً رجلٌ شرقيٌّ أنتظرُ مهزوماً قدَري , لمْ يَكُنْ بقدْرَتي كشَرقيٍّ أنْ أخطفـَكِ وأهربُ بكِ بعيداً ، لمْ يكُن بمقدُوري الابتعاد عنْ نهج ِ أسْرَتي ،فظللتُ صامتاً أنظركِ وأحدُهُم يقطفـُكِ مِنْ سَماءٍ أهـْلكتْ خمسة َ أعوامٍ بجعلِكِ أكثرَ نُجومِها أناقة ً وجمالا ً
منذُ أوّل ِ يوم ٍ أراكِ حلِمْتُ بِكِ زوجة ً لي ، حَلِمْتُ أنـَّكِ سَتكونين تِلكَ المرأة َ التي ستُرتِّبُ ثِيابي كلَّ صباح ٍ ، وتـَصْنـَعُ قهوَتي ( السّادة ) بأنامِلِها العَذبةِ , تِلكَ التي ستنتظرُني وقتَ الغداءِ ، كنتُ أحلمُ ذاتَ يوم ٍ أنْ أُعْطي ابنـَتي الأولى اسمَ أمِّها , ولكنَّ القدرَ كانَ القاضي الذي خلعـَكِ عنّي بحُجّةِ حُلـُمي الواهنُ وشرقيّتي الخـَرْساء .
لنْ أبكيَ اليومَ أمامَكِ رُغمَ أنّي أريدُ البـُكاءَ أمامَكِ لعلَّ الدُموع تسحقُ حبّكِ في قلبي مِثلما تسحقُ بسُقوطِها آخرَ راياتِ كبريائي أمامَكِ , لمْ تـَعُدْ هناكَ أية وسيلةٍ أفعلـُها ، ها أنا أعترفُ الآنَ بعَجْزي فعل أيِّ شيءٍ أو قول أيِّ شيءٍ .
هنيئاً لكِ يا حبيبتي ، فمُنذُ الآنَ أصبحْتِ قادرة ًعلى أنْ تعشَقي , ألمْ تقولي أنـّكِ سـَتعْشقينَ رجلاً واحداً فقطْ , ستعشَقينَ ذلكَ الرجلَ الذي سَيحظى بِكِ زوجة ً وأمّاً لأبنائِه , قدْ جاءَكِ عشقـُكِ الذي طالَ انتظارُكِ لهُ , وبقيتُ أنا مَكاني , العاشقُ الذي طالَ انتظارُهُ لكِ ولمْ تأتي ، أسألـُكِ الله َ أنْ تعشَقيهِ بجنون ٍ , فكمْ كنتُ أتمنّى أنْ أراكِ امرأة ً عاشقة ً لي , وأتمسّكُ اليومَ بأمْنيتي وأحلـُمُ أنْ أراكِ امرأة ً عاشقة ً لأيِّ رجل ٍ , فمُنذُ الآنَ لمْ يَعُدْ مَهْما أنْ تـَكوني لي قدرَ أنْ تكوني لرجلٍ يُعطيكِ حقـَّكِ حُبـّاً وعِشقاً وهياماً .
اليوم قدّمتُ كلَّ أوراقِ الاستقالةِ الرسميّةِ ، وخـََرجْتُ مِنْ حياتِكِ للأبدِ , ولكنكَ لنْ تـَخرُجي مِنْ حياتي , لنْ تحتلَّ قلبيَ بعدَكِ امرأة ً , فليسَ بمقدور ِ أيّاً كانَ أنْ تـُشطبَ خمسُ سنواتٍ منْ عُمري بحجةِ النسيان ِ , وكيفَ أنساكِ وكلَّ القصائدِ أنتِ ؟ وما زالَ دفتريَ الصّغيرُ الذي دونتُ فيهِ لحظاتي معكِ يقبَعُ بينَ أشْيائي ( أتذكرينـَهُ؟)، ودبّوسٌ سرقتـُه يوماً مِنْ شعرِكِ يسكنُ ذاكرَتي ( أتذكرينَهُ ؟ ) , ووردتان ِ مِنْ ياسمين ٍ قطفتِهِما في طريق ِ إرضاءٍ لي ( أتذكرينها ؟) تنامان ِ بينَ ورقاتِ دفتر ٍ منكِ ( أتذكرينـَهُ)،ُ وحباتُ حلوى ومسرحيّةٍ كانتْ هديتـُكِ في عيدِ ميلادي ، كلـُّها تحتلُ ذاكرَتي وخزانـَتي , وتعودُ بي إلى حيثُ قصّتـِنا , بربِّكِ كيفَ أنسى وأنا الذي احتفظُ في جواريري بِكلِّ ما أهديتِني وسرقتـُه مِنْكِ , وحفِظْتُ عَنْ ظهْرِ قلبٍ كلَّ الأغاني التي أهديتِنيها , و أسماءُ الشوارع ِ التي مرِرْنا بِها , والمقاهي التي جَلِسْنا بِها , والرَّسائلُ التي أرسلتُها , كيفَ أنساكِ وما زلتُ أذكرُ تلكَ القبلةِ التي أرسلتِها مِنْ بعيدٍ وأنا مشغولٌ بمحاضرَتي , ولعبة ُ الأحجارِ التي كُنا نلعبُها لنَرى أيـُّنا يدخلُها في عبوةٍ فارغةٍ وكنتِ دوماً الفائزة , والسيجارةُ التي كتبتِ عليْها ( أحبـَكَ ) وأضعتـُها ؟ كيفَ وأنا أذكرُ المرّة َالوحيدة التي بكيتُ بها على الهاتفِ عندما اختلَّ توازُني مَعَكِ ونظمتُ بها نثراً ، ، أترين ؟ كلُّ أشيائِكِ ما تزالُ حاضرة ً ومعلقة ً في الجواريرِ والذاكرةِ , فإنْ أحرقتِ تلكَ الجواريرَ، مَنْ يا حبيبتي يحرقُ ذاكرَتي ؟؟؟
حبيبَتي ها هو الحُلُمُ الكبيرُ يتكسّرُ أمامي , كما تكسَّرتْ مِنْ قبل شمعات كانـَتْ هديّتي لكِ , وجفَّ نبضُ القلبِ كما جفَّ القلمُ ، أما زالَ القلمُ مَعَكِ ؟ , لماذا كل ما هوَ جميلُ الأمس ِ أصبحَ حزينا ً كئيبا ً ؟؟ لماذا اسْوَدَّ دبّوس ِ الشعر ِ الذي كنتُ احلمُ أن أعيدُهُ لكِ ليلة َ الزّفافِ ؟ لماذا أصبحتْ حبيباتُ الحلوى مالحة ً كريهة ً ؟
هنيئا ً لكِ زوجُكِ الذي خطـَفـَكِ وهوَ يعلـَمُ أنني أحِبـُّكِ ، هنيئا ً لكِ أيّاما ً أدعو اللهَ أنْ يمنحَكِ فيها سعادة َ الدُنيا ويمنحُني الصبرَ والصمودَ , ستعدُو الأيامُ إلى الأمام ِ , لنْ تعودَ إلى الوراءِ لحظة ً واحدة ً , ستكملينَ حياتـَكِ زوجة ً لرجُل ٍ شاءَ القدرُ أنْ يحملَ نفسَ اسمي , وسأكملُ حَياتي أبحثُ عَنْ وطن ٍ يفتحُ صدرَهُ لي ، وعَنْ فتاةٍ تمنحُني شيئاً مِنْكِ , وعَنْ حياة ٍ ساذجةٍ أعيشُها دونـَكِ , وأنضمُّ إلى حزبِ الرجال ِ الذينَ أحبّوا زوجاتـَهم ليلة َ العرس ِلأوّل ِ مرة ًوآخرَ مرّةٍ .
هذه كلماتٌ ، سيدوسُ عليها الزمنُ ذاتَ يوم ٍ ، سنَضْحَكُ عندما نقرأُها وكأنـَّها شيءٌ غريبٌ عنـّا , وحلمُ طفل ٍ صغير ٍ بالوصول ِ إلى القمر ِ , فيا قمري ، ويا حبيبتي وصديقتي سيأتي يومٌ تريْنني بهِ في الطريق ِ رجلاً كباقي الرجال ِ المتجوّلينَ بالطرقاتِ ، فقدْ تعرفيني وقدْ تخونُكِ الذاكرةُ ويَمْحُوها الزواجُ , ومَهْما كانَ سيُكْمِلُ كلٌ مِنـّا طريقـَهُ إلى حيث همومِهِ واهتماماتِه
بعيداً عَنْ قصةٍ قدْ لا تحْمِلـُها الذاكرةُ
ذاتَ زمنْ
أحسبـه في العام 2004
بيضاءَ من غيرِ سوءْ ، وبلا أيّ أثـرْ
كثيرٌ مِن الكتـّابِ سَبَقوا أنامِلي بالرواياتِ , كثيرٌ مِنهم مَن نزفَ حِبراً على وريقاتٍ وقصاصاتٍ تبعثرتْ على طاولاتِهم وفي أرجاءِ غـُرفِهِم , مِنهُم مَن عاشَ الألمَ جُرعة ً جُرعة ً , وكتبَ يحكي قصّتـَهُ لذاتهِ ، وللتاريخ ِ , ومـِنهم مَن سَمَعَ حِكاية َ صديق ٍ فـرَسَمَتْ في قلبـِه ثغرة ً مِن الحـُزن ِ وأرادَ أنْ يؤرّخَ القصّة لتتذوّقـَها الأجيالُ مِن بعدِهِ , وهـُناكَ نوعا ً آخرا ً اختلقََ القصّة َ مِن أعماق ِ خيالـِه .
هُناكَ آلافٌ مِن الرِّواياتِ التي نحتـَتْ بالقلوبِ والأفئِدَةِ , وحَكتْ لـَنا قِصَصا ً تـَرَكـَتْ خـَلفـََها قـََتـْلى وثـَكـْلى وأناسا ً مَنسيين .
ألا تـَسْتـَحِقُ قـِصّتي مـَعـَكِ أنْ تـُؤرّخْ ؟ وأنْ يتذوّقـَها العُشّـاقُ ذاتَ يوم ٍ نـَكونُ نـَحنُ فيهِ مُجرّدَ كلماتٍ وأسماءٍ احتضنـَتـْها رواية ٌ مركونة ٌ برُفوفِ أدَبـِنا العَربيّ ؟
أنا لا أطـْمَحُ أن تـُنشرَ الرواية ُ ويَعرفـُها العالمُ أجْمَع , ولكنـّني أريدُ وبـِكلِّ إصرار ٍ أنْ أُسجّلَ تـِلكَ اللحظاتِ التي قضيتـُها أستـَقي حُبـَّكِ وأتنفـّسُ طيفـَكِ وأنامُ على حيرةٍ قاتلةٍ . لعلَّ هذهِ الحروفُ المشنوقة ُ تسحقُ ما تبقـّى مِنْ مرارةِ فراقـِكِ وألم ِ حبـِّكِ .
هذهِ هِيَ قصّتي مَعَكِ , ما عَرفتـُه مِنْها وما أخـْفـَتـْهُ عـَنـْكِ أيـّامَ غيابـِك , هِيَ قصّتي مَعَ فتاةٍ أحبـَبـْتـُها ، هِيَ أنـْتِ ,
أكتـُبُها اليومَ ، لعلـَّها تكونُ آخرة َ قصّتي ويومُ الفصل ِ لحُبِّي .
فهيَ ليْسَتْ نهاية ً فريدةً .
هي نهاية ٌ
كالنهاياتِ التي كتبتُ عنْها آلافَ القصائدِ الباكيةِ , والرّواياتِ الكئيبةِ
فقد تعوّدْنا يا حبيبتي ، أنْ نقرأ َ شاعراً ينزفُ الكلماتَ دماً رطباً على ضريح ِ قصةِ حبٍّ انتهتْ ذاتَ يوم ٍ كما تنتـَهي اليومَ قِصّتـُنا معاً ،
منذُ أوّل يوم ٍ رأيتـُكِ فيهِ ، قرّرتُ إخلاصَ الكتابةِ لِعَينيكِ فـََقط , فـَلـَمْ أخط ْ حرفا ً لا يتكلّمُ عنكِ ،ولا سطراً إلا ويَحْكي بَعْضَ قصّتِنا بروْعتِها وعذابـِها ونزفـِها و طـَهارتـِها , كنتُ أقتـَبسُ المَقولات من شفتيكِ أنتِ , كنتُ أتبعُ قوافيكِ , كنتُ أهْمِلُ بُحورَ الشعرِ لأكتُبَ على موج ِ شعركِ الأشقـَر , كنتُ كرسّام ٍ أرى كلَّ الألوان ِ بلون ٍِ عينيكِ , كنتُ أرى ذلك الجسرَ المُعلـَّقَ بينَ الفكّين ِ هوَ جسرٌ بينَ رَغبـَتي الخـَرْقاءَ بتقبيلِكِ وبينَ خَجَلي كـرجلٍ شرقيٍّ وعذريّتي في الحُبِّ.
لنْ أنزفَ اليومَ كما نـَزفَ قبليَ الشـُّعَراءُ قصيدة ً سوداءَ , لنْ اكتبَ عَنْ فرحِك وفـَجيعَتي بكلماتٍ مسحوقةٍ , ولا بألحان ِ مـَلحَمةٍ قــُتـِلَ فيها البَطلُ ،
هذا هوَ يومُكِ يا حبيبَتي ، هوَ يومٌ انتظرتـُه طويلاً كيفَ لا وأنتِ امرأة ً شرقيّة ً مَحض , تـَعيشُ كما عاشَتْ مِنْ قبلِها ألفََ زهرةٍ تحلمُ بالرجل ِ الذي سيقطفـُها يوماً ما ليَأخذها مِنْ بيتِ أبيها إلى بيتِهِ ، مِنْ حُضن ِ أمِّها إلى حُضنِهِ , هذه هيَ النهاية ُ المتوقعة ُ لأيِّ فتاةٍ تحمُلُ بينَ طيّات ثورَتِها ، خُمُودَ امرأةٍ شرقيةٍ.
ليسَ ذنبكِ يا حبيبَتي , فأنا أيضاً رجلٌ شرقيٌّ أنتظرُ مهزوماً قدَري , لمْ يَكُنْ بقدْرَتي كشَرقيٍّ أنْ أخطفـَكِ وأهربُ بكِ بعيداً ، لمْ يكُن بمقدُوري الابتعاد عنْ نهج ِ أسْرَتي ،فظللتُ صامتاً أنظركِ وأحدُهُم يقطفـُكِ مِنْ سَماءٍ أهـْلكتْ خمسة َ أعوامٍ بجعلِكِ أكثرَ نُجومِها أناقة ً وجمالا ً
منذُ أوّل ِ يوم ٍ أراكِ حلِمْتُ بِكِ زوجة ً لي ، حَلِمْتُ أنـَّكِ سَتكونين تِلكَ المرأة َ التي ستُرتِّبُ ثِيابي كلَّ صباح ٍ ، وتـَصْنـَعُ قهوَتي ( السّادة ) بأنامِلِها العَذبةِ , تِلكَ التي ستنتظرُني وقتَ الغداءِ ، كنتُ أحلمُ ذاتَ يوم ٍ أنْ أُعْطي ابنـَتي الأولى اسمَ أمِّها , ولكنَّ القدرَ كانَ القاضي الذي خلعـَكِ عنّي بحُجّةِ حُلـُمي الواهنُ وشرقيّتي الخـَرْساء .
لنْ أبكيَ اليومَ أمامَكِ رُغمَ أنّي أريدُ البـُكاءَ أمامَكِ لعلَّ الدُموع تسحقُ حبّكِ في قلبي مِثلما تسحقُ بسُقوطِها آخرَ راياتِ كبريائي أمامَكِ , لمْ تـَعُدْ هناكَ أية وسيلةٍ أفعلـُها ، ها أنا أعترفُ الآنَ بعَجْزي فعل أيِّ شيءٍ أو قول أيِّ شيءٍ .
هنيئاً لكِ يا حبيبتي ، فمُنذُ الآنَ أصبحْتِ قادرة ًعلى أنْ تعشَقي , ألمْ تقولي أنـّكِ سـَتعْشقينَ رجلاً واحداً فقطْ , ستعشَقينَ ذلكَ الرجلَ الذي سَيحظى بِكِ زوجة ً وأمّاً لأبنائِه , قدْ جاءَكِ عشقـُكِ الذي طالَ انتظارُكِ لهُ , وبقيتُ أنا مَكاني , العاشقُ الذي طالَ انتظارُهُ لكِ ولمْ تأتي ، أسألـُكِ الله َ أنْ تعشَقيهِ بجنون ٍ , فكمْ كنتُ أتمنّى أنْ أراكِ امرأة ً عاشقة ً لي , وأتمسّكُ اليومَ بأمْنيتي وأحلـُمُ أنْ أراكِ امرأة ً عاشقة ً لأيِّ رجل ٍ , فمُنذُ الآنَ لمْ يَعُدْ مَهْما أنْ تـَكوني لي قدرَ أنْ تكوني لرجلٍ يُعطيكِ حقـَّكِ حُبـّاً وعِشقاً وهياماً .
اليوم قدّمتُ كلَّ أوراقِ الاستقالةِ الرسميّةِ ، وخـََرجْتُ مِنْ حياتِكِ للأبدِ , ولكنكَ لنْ تـَخرُجي مِنْ حياتي , لنْ تحتلَّ قلبيَ بعدَكِ امرأة ً , فليسَ بمقدور ِ أيّاً كانَ أنْ تـُشطبَ خمسُ سنواتٍ منْ عُمري بحجةِ النسيان ِ , وكيفَ أنساكِ وكلَّ القصائدِ أنتِ ؟ وما زالَ دفتريَ الصّغيرُ الذي دونتُ فيهِ لحظاتي معكِ يقبَعُ بينَ أشْيائي ( أتذكرينـَهُ؟)، ودبّوسٌ سرقتـُه يوماً مِنْ شعرِكِ يسكنُ ذاكرَتي ( أتذكرينَهُ ؟ ) , ووردتان ِ مِنْ ياسمين ٍ قطفتِهِما في طريق ِ إرضاءٍ لي ( أتذكرينها ؟) تنامان ِ بينَ ورقاتِ دفتر ٍ منكِ ( أتذكرينـَهُ)،ُ وحباتُ حلوى ومسرحيّةٍ كانتْ هديتـُكِ في عيدِ ميلادي ، كلـُّها تحتلُ ذاكرَتي وخزانـَتي , وتعودُ بي إلى حيثُ قصّتـِنا , بربِّكِ كيفَ أنسى وأنا الذي احتفظُ في جواريري بِكلِّ ما أهديتِني وسرقتـُه مِنْكِ , وحفِظْتُ عَنْ ظهْرِ قلبٍ كلَّ الأغاني التي أهديتِنيها , و أسماءُ الشوارع ِ التي مرِرْنا بِها , والمقاهي التي جَلِسْنا بِها , والرَّسائلُ التي أرسلتُها , كيفَ أنساكِ وما زلتُ أذكرُ تلكَ القبلةِ التي أرسلتِها مِنْ بعيدٍ وأنا مشغولٌ بمحاضرَتي , ولعبة ُ الأحجارِ التي كُنا نلعبُها لنَرى أيـُّنا يدخلُها في عبوةٍ فارغةٍ وكنتِ دوماً الفائزة , والسيجارةُ التي كتبتِ عليْها ( أحبـَكَ ) وأضعتـُها ؟ كيفَ وأنا أذكرُ المرّة َالوحيدة التي بكيتُ بها على الهاتفِ عندما اختلَّ توازُني مَعَكِ ونظمتُ بها نثراً ، ، أترين ؟ كلُّ أشيائِكِ ما تزالُ حاضرة ً ومعلقة ً في الجواريرِ والذاكرةِ , فإنْ أحرقتِ تلكَ الجواريرَ، مَنْ يا حبيبتي يحرقُ ذاكرَتي ؟؟؟
حبيبَتي ها هو الحُلُمُ الكبيرُ يتكسّرُ أمامي , كما تكسَّرتْ مِنْ قبل شمعات كانـَتْ هديّتي لكِ , وجفَّ نبضُ القلبِ كما جفَّ القلمُ ، أما زالَ القلمُ مَعَكِ ؟ , لماذا كل ما هوَ جميلُ الأمس ِ أصبحَ حزينا ً كئيبا ً ؟؟ لماذا اسْوَدَّ دبّوس ِ الشعر ِ الذي كنتُ احلمُ أن أعيدُهُ لكِ ليلة َ الزّفافِ ؟ لماذا أصبحتْ حبيباتُ الحلوى مالحة ً كريهة ً ؟
هنيئا ً لكِ زوجُكِ الذي خطـَفـَكِ وهوَ يعلـَمُ أنني أحِبـُّكِ ، هنيئا ً لكِ أيّاما ً أدعو اللهَ أنْ يمنحَكِ فيها سعادة َ الدُنيا ويمنحُني الصبرَ والصمودَ , ستعدُو الأيامُ إلى الأمام ِ , لنْ تعودَ إلى الوراءِ لحظة ً واحدة ً , ستكملينَ حياتـَكِ زوجة ً لرجُل ٍ شاءَ القدرُ أنْ يحملَ نفسَ اسمي , وسأكملُ حَياتي أبحثُ عَنْ وطن ٍ يفتحُ صدرَهُ لي ، وعَنْ فتاةٍ تمنحُني شيئاً مِنْكِ , وعَنْ حياة ٍ ساذجةٍ أعيشُها دونـَكِ , وأنضمُّ إلى حزبِ الرجال ِ الذينَ أحبّوا زوجاتـَهم ليلة َ العرس ِلأوّل ِ مرة ًوآخرَ مرّةٍ .
هذه كلماتٌ ، سيدوسُ عليها الزمنُ ذاتَ يوم ٍ ، سنَضْحَكُ عندما نقرأُها وكأنـَّها شيءٌ غريبٌ عنـّا , وحلمُ طفل ٍ صغير ٍ بالوصول ِ إلى القمر ِ , فيا قمري ، ويا حبيبتي وصديقتي سيأتي يومٌ تريْنني بهِ في الطريق ِ رجلاً كباقي الرجال ِ المتجوّلينَ بالطرقاتِ ، فقدْ تعرفيني وقدْ تخونُكِ الذاكرةُ ويَمْحُوها الزواجُ , ومَهْما كانَ سيُكْمِلُ كلٌ مِنـّا طريقـَهُ إلى حيث همومِهِ واهتماماتِه
بعيداً عَنْ قصةٍ قدْ لا تحْمِلـُها الذاكرةُ
ذاتَ زمنْ
أحسبـه في العام 2004