علي آل محفوظ
08-22-2009, 12:36 AM
لاأحد يضع أحلامه في يديّ من قد يبددها
كويليو / ساحرة بور توبيللو
ظلَ يتأرجح في منامه ذات اليمين و ذات الشمال , يطارده نفس السؤال المذبوح بوصمة آمال محطمة.. كيف أحبُ وطناً يكرهني ؟ بدت تلك الكلمة -الوطن- بشتى مفاهيمها المعقدة , صرخة قاضٍ مكلومة بالاعدام . شعرَ و كأن حبل المشنقة يلفّ في عنقه و يخدّره .
أستيقظ على رنين مكالمة هاتفية , هددّت كيانه بالتيه و الشتات , و عكرّت صفو أحلامه الملقاة فوق توابيت من الذل و الهوان .
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
- السيد - المواطن - فتحي ؟
- نعم معك .
- أنتَ مطلوب لخدمة و حماية الوطن رسمياً , تم إكتشاف خطة إرهابية كبيرة , تعال إلينا لحماية الوطن / الرابعة عصراً .
لم يعطه فرصة حتى كي يتنفس أمامه , أوثّق كلماته تلك أوامر و أغلق الهاتف
أعادته تلك الأوامر الجاهزة بذاكرة معطوبة و مسجاة برائحة غدر و خيبة إلى ثلاثة و ثلاثين سنة قد أنقضت , حيث كان يسمى في أنحاء المعمورة بـ ( أبو الوطن ) لحبه و اخلاصه للأرض التي ولِد فيها ولم ينل منها بعد ما يثبت شهامته كي يصبح مواطن مئة في المئة .
أشتد وطيس الحرب و طُلب كي يدافع عن وطناً آمن به و بأهله و ناسه , بنسماته و ذراته , بآماله و إنكسارته .. لم تكن تلك المهمة تختلف كثيراً عن غيرها من المهام , غاصت في داخله رائحة البارود من كل صوب , يتسلل ذلك الشيء إلى وجدانه وهو لا يعرفه , ذلك الاحساس الذي يهيج كيانك بإنك سوف تموت بعد دقائق ليست كأيةِ موته .. بل هو موتٌ و إستشهاد من أجل الوطن .. من أجل الأرض التي آوئته و أسكنته و أطعمته .. ها هو ذا يعيد المعروف بالإحسان .. دموعٌ جاثية قد جفت تطارد و جنتاه , أرواح الشهداء من كل اتجاه تحاصره , عدوٌ واحد خدع نفسه بالأبواق و المدافع , أنتصر على انسانيته بأكاذيب باطلة , خلقها لنفسه كي يقتنع إنه على وجه من وجوه الكمال . ارهابيون أم مجرمون أم جلادون أم قتله ؟ هل تختلف التسمية إن كانت الفجيعة من بعد مصائبهم واحدة ؟ تتوالى القنابل كالأمطار تذوي من كل حدب و صوب .. العدو أمامه يحاصره ضمن خطة ذكية مرسومة بأدق تفاصيلها , حفظَ خطواته القادمة بالحرف الواحد , تفجير العدو لحظة دخوله المكان المراد تفجيره .
هذا هو أمامي , رفعَ راية نصره على رأسه المغطى بالشيب و الفحولة , و دفع ببندقيته إلى رأسه , أوقفته تساؤلات خادعة , نزفها العدو بلسانه .
- ماذا سوف تستفيد لو قتلتني ؟ سوف يغدرك و يخونك ما تسميه وطناً !
لم يعلم , مالذي دفعه للتردد , جملته المغلولة تلك ؟ و هو الذي قد مرت عليّه الكثير من حوادث الذبح و السفك , و لم يتردد في يوم أن يخدم الوطن مهما كانت المبررات . لقد تم إستغلاله لثانية و تبدلت النقائض , دفعه العدو الغدار ورماه بعقم في رجلاه .. نعم لقد فجّر قدماي !
أبواب من الجحود و النكران قد توالت تتفتح أمامي .. أتيت إليكَ ياوطني حاملاً يتمي على ظهري المنكسر , أرجعتني بقلب جريح و موجوع أحلق بدون أجنحة في سماء وطن من منفى .. مالذي بإمكانه أن يعوض العمر الذي فات ؟ ألفين ريال كل شهر ؟ , يرميها إليّ و يقول خذ و أرحل .. لا ترينا و جهك مرة آخرى .
أي وطن ذلك الذي نحبه بالرغم من الآمه و صفعاته و لا يحبنا ؟ نستنشق و نتحسس ذرات أكسجينه وهو يرفضنا ؟ هل الوطن حلمٌ لا نراه إلا في المنام ؟ أو هي المدينة التي نراها من زجاج السيارة و نحن نتحرك بين فضاءات الشوارع , نلمسها ولا نشعر بها و كأنها شيء أكبر من أن نفهمه أو حتى نصدقه أو نكذبه كالقصائد القبيحة التي نكتبها كي نكذبها , و لا ننسبها لأنفسنا لأننا دائماً نسلك طرقاً ليست لنا . مشكلتنا إننا دائماً نرتدي أقنعة تزيف كل حقيقة , فتصبح كل الأكاذيب حقيقة , و الحقيقة أكذوبة ! تلك الحقيقة التي لا أشعر بها .. إنني مواطنٌ في الصمت فقط .
الساعة الواحدة /
ماهو الوطن ؟ هل هو إمتداد لماضٍ طويل يتكرر بناسه و أهله و أرضه و سماءه و أنفاسه و عاداته و تقاليده ؟ هل هو أنشودة نكررها كل يوم نعبر بها عن حكاياتنا و أحلامنا و تخيلاتنا , نسبح في مياهه و لغته و حضنه , كي نتخلص من روح العبودية التي تكبلنّا بأغلال لا تُرى ..
الساعة الثانية /
كيف نتخذ تلك القرارت التي تسكننا , قلوبنا تطاردها و عقولنا ترفضها ؟
بالرفض و السلب و النقد و التجريح و التهميش ؟ أم بالإيجاب و القبول و الإذعان و التصديق ؟ أوليس تهميش أراء الآخرين يعني بالضرورة هشاشة أفكارنا ؟ لأننا لا نرفض شيء إلا بسبب رفضه لنا , و لكن هل رفضني الوطن فعلاً , سعيّ إليك سنوات أنتظر مكالمة واحده تطفئ نيران قد أستعرت في وجداني , تتبعثر كل يوم أسئلة كثيرة لا تجد إجابة .
تاهت خُطاه .. أنتظر كلمة , إيماءة بسيطة , من أي شخص كي يشاوره و يرشده .
الساعة الثالثة /
مسحت على رأسه و هي التي ترأه منكباً على دموعه , سكبها بحرارة وهو يتظاهر بالنوم ..
- بُني , مالي أراك منكسراً ؟
حاول أن يمسح عبراته وهو يتنهد بصعوبة , و سألها :
- أمـاه , يذبحني سؤال , كيف أشعر حد الدماء إني مواطن و وطني يرفضني ؟
- من الذي رفضك ؟
- الوطن ..!
- و هل الحكومة هي الوطن ؟ من رفضك ؟ عقول لم تعرفك أم قلوب تعرفك و تحبك ؟
- - ولكني لا أشعر بالمواطنة , لا السماء تقبلني و لا الأرض تريدني و لا حتى النسمات تداعبني ..
- و هل الوطن تراب ؟ أم ذرة هواء ؟
- ماذا إذن ؟
- بُني , الوطن هو إنتمائك الوجداني لا المحسوس , أقرب مثال حضني , حضن الأم هو وطنك الأول .
- و هل تغدو الأحضان أوطاناً ؟
- و لِمَ لا ؟ إن لم نجد كياناً يقبلنا ؟
طبع قبلة حارة على رأسها , أستنشق ذرة هواء .. شعر ولأول مرة بعد ثلاثة و ثلاثين سنة إنه مواطن حد النخاع .. لبس بدلته الخضراء , و وقف ببسالة و أتخذ قراره في أن يصبح أقوى من الحصن , لأن روحه فداء للوطن سوف تصبح رخيصة الثمن .. و كل ذلك بعد أن وجد وطناً في حضن الصمت .
لا تقل ماذا قدم لي الوطن .. بل قل ماذا قدمت أنا للوطن ..!
علي عبد الله آل محفوظ
كويليو / ساحرة بور توبيللو
ظلَ يتأرجح في منامه ذات اليمين و ذات الشمال , يطارده نفس السؤال المذبوح بوصمة آمال محطمة.. كيف أحبُ وطناً يكرهني ؟ بدت تلك الكلمة -الوطن- بشتى مفاهيمها المعقدة , صرخة قاضٍ مكلومة بالاعدام . شعرَ و كأن حبل المشنقة يلفّ في عنقه و يخدّره .
أستيقظ على رنين مكالمة هاتفية , هددّت كيانه بالتيه و الشتات , و عكرّت صفو أحلامه الملقاة فوق توابيت من الذل و الهوان .
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
- السيد - المواطن - فتحي ؟
- نعم معك .
- أنتَ مطلوب لخدمة و حماية الوطن رسمياً , تم إكتشاف خطة إرهابية كبيرة , تعال إلينا لحماية الوطن / الرابعة عصراً .
لم يعطه فرصة حتى كي يتنفس أمامه , أوثّق كلماته تلك أوامر و أغلق الهاتف
أعادته تلك الأوامر الجاهزة بذاكرة معطوبة و مسجاة برائحة غدر و خيبة إلى ثلاثة و ثلاثين سنة قد أنقضت , حيث كان يسمى في أنحاء المعمورة بـ ( أبو الوطن ) لحبه و اخلاصه للأرض التي ولِد فيها ولم ينل منها بعد ما يثبت شهامته كي يصبح مواطن مئة في المئة .
أشتد وطيس الحرب و طُلب كي يدافع عن وطناً آمن به و بأهله و ناسه , بنسماته و ذراته , بآماله و إنكسارته .. لم تكن تلك المهمة تختلف كثيراً عن غيرها من المهام , غاصت في داخله رائحة البارود من كل صوب , يتسلل ذلك الشيء إلى وجدانه وهو لا يعرفه , ذلك الاحساس الذي يهيج كيانك بإنك سوف تموت بعد دقائق ليست كأيةِ موته .. بل هو موتٌ و إستشهاد من أجل الوطن .. من أجل الأرض التي آوئته و أسكنته و أطعمته .. ها هو ذا يعيد المعروف بالإحسان .. دموعٌ جاثية قد جفت تطارد و جنتاه , أرواح الشهداء من كل اتجاه تحاصره , عدوٌ واحد خدع نفسه بالأبواق و المدافع , أنتصر على انسانيته بأكاذيب باطلة , خلقها لنفسه كي يقتنع إنه على وجه من وجوه الكمال . ارهابيون أم مجرمون أم جلادون أم قتله ؟ هل تختلف التسمية إن كانت الفجيعة من بعد مصائبهم واحدة ؟ تتوالى القنابل كالأمطار تذوي من كل حدب و صوب .. العدو أمامه يحاصره ضمن خطة ذكية مرسومة بأدق تفاصيلها , حفظَ خطواته القادمة بالحرف الواحد , تفجير العدو لحظة دخوله المكان المراد تفجيره .
هذا هو أمامي , رفعَ راية نصره على رأسه المغطى بالشيب و الفحولة , و دفع ببندقيته إلى رأسه , أوقفته تساؤلات خادعة , نزفها العدو بلسانه .
- ماذا سوف تستفيد لو قتلتني ؟ سوف يغدرك و يخونك ما تسميه وطناً !
لم يعلم , مالذي دفعه للتردد , جملته المغلولة تلك ؟ و هو الذي قد مرت عليّه الكثير من حوادث الذبح و السفك , و لم يتردد في يوم أن يخدم الوطن مهما كانت المبررات . لقد تم إستغلاله لثانية و تبدلت النقائض , دفعه العدو الغدار ورماه بعقم في رجلاه .. نعم لقد فجّر قدماي !
أبواب من الجحود و النكران قد توالت تتفتح أمامي .. أتيت إليكَ ياوطني حاملاً يتمي على ظهري المنكسر , أرجعتني بقلب جريح و موجوع أحلق بدون أجنحة في سماء وطن من منفى .. مالذي بإمكانه أن يعوض العمر الذي فات ؟ ألفين ريال كل شهر ؟ , يرميها إليّ و يقول خذ و أرحل .. لا ترينا و جهك مرة آخرى .
أي وطن ذلك الذي نحبه بالرغم من الآمه و صفعاته و لا يحبنا ؟ نستنشق و نتحسس ذرات أكسجينه وهو يرفضنا ؟ هل الوطن حلمٌ لا نراه إلا في المنام ؟ أو هي المدينة التي نراها من زجاج السيارة و نحن نتحرك بين فضاءات الشوارع , نلمسها ولا نشعر بها و كأنها شيء أكبر من أن نفهمه أو حتى نصدقه أو نكذبه كالقصائد القبيحة التي نكتبها كي نكذبها , و لا ننسبها لأنفسنا لأننا دائماً نسلك طرقاً ليست لنا . مشكلتنا إننا دائماً نرتدي أقنعة تزيف كل حقيقة , فتصبح كل الأكاذيب حقيقة , و الحقيقة أكذوبة ! تلك الحقيقة التي لا أشعر بها .. إنني مواطنٌ في الصمت فقط .
الساعة الواحدة /
ماهو الوطن ؟ هل هو إمتداد لماضٍ طويل يتكرر بناسه و أهله و أرضه و سماءه و أنفاسه و عاداته و تقاليده ؟ هل هو أنشودة نكررها كل يوم نعبر بها عن حكاياتنا و أحلامنا و تخيلاتنا , نسبح في مياهه و لغته و حضنه , كي نتخلص من روح العبودية التي تكبلنّا بأغلال لا تُرى ..
الساعة الثانية /
كيف نتخذ تلك القرارت التي تسكننا , قلوبنا تطاردها و عقولنا ترفضها ؟
بالرفض و السلب و النقد و التجريح و التهميش ؟ أم بالإيجاب و القبول و الإذعان و التصديق ؟ أوليس تهميش أراء الآخرين يعني بالضرورة هشاشة أفكارنا ؟ لأننا لا نرفض شيء إلا بسبب رفضه لنا , و لكن هل رفضني الوطن فعلاً , سعيّ إليك سنوات أنتظر مكالمة واحده تطفئ نيران قد أستعرت في وجداني , تتبعثر كل يوم أسئلة كثيرة لا تجد إجابة .
تاهت خُطاه .. أنتظر كلمة , إيماءة بسيطة , من أي شخص كي يشاوره و يرشده .
الساعة الثالثة /
مسحت على رأسه و هي التي ترأه منكباً على دموعه , سكبها بحرارة وهو يتظاهر بالنوم ..
- بُني , مالي أراك منكسراً ؟
حاول أن يمسح عبراته وهو يتنهد بصعوبة , و سألها :
- أمـاه , يذبحني سؤال , كيف أشعر حد الدماء إني مواطن و وطني يرفضني ؟
- من الذي رفضك ؟
- الوطن ..!
- و هل الحكومة هي الوطن ؟ من رفضك ؟ عقول لم تعرفك أم قلوب تعرفك و تحبك ؟
- - ولكني لا أشعر بالمواطنة , لا السماء تقبلني و لا الأرض تريدني و لا حتى النسمات تداعبني ..
- و هل الوطن تراب ؟ أم ذرة هواء ؟
- ماذا إذن ؟
- بُني , الوطن هو إنتمائك الوجداني لا المحسوس , أقرب مثال حضني , حضن الأم هو وطنك الأول .
- و هل تغدو الأحضان أوطاناً ؟
- و لِمَ لا ؟ إن لم نجد كياناً يقبلنا ؟
طبع قبلة حارة على رأسها , أستنشق ذرة هواء .. شعر ولأول مرة بعد ثلاثة و ثلاثين سنة إنه مواطن حد النخاع .. لبس بدلته الخضراء , و وقف ببسالة و أتخذ قراره في أن يصبح أقوى من الحصن , لأن روحه فداء للوطن سوف تصبح رخيصة الثمن .. و كل ذلك بعد أن وجد وطناً في حضن الصمت .
لا تقل ماذا قدم لي الوطن .. بل قل ماذا قدمت أنا للوطن ..!
علي عبد الله آل محفوظ