عبد الله العُتَيِّق
10-31-2009, 03:29 AM
من خلال محادثات مع الطبيب بعد خروجي من العناية المركزة خرج الطبيب بأنني أعاني من حالة تفكيرية شديدة ، و هذه الحالة هي التي سببت لي التعب و أدخلتني المستشفى نقلا بالإسعاف ومن ثم إدخالي العناية المركزة ، كان الطبيب يطالبني _ من خلال أسئلته الاستجوابية التي يريد أن يستخرج مني ما يشغلني _ بأن أترك التفكير أو أن أخفف عنه ، و كان هذا من الصعوبة بمكان ، فمن يعيش في هذا العصر المنطلق بقوة نحو الأمام لا يستطيع أن يقف حيث يريد إلا إذا كان يريد لنفسه ألا يكون شيئاً ، فأخبرته بأنه يطلب مستحيلاً و لن يتم له ذلك إلا بحالتين : إما موتي ، و إما إعطائي ما يميتني دماغياً و يعطل وظائف عقلي .
قلت له : أنا أعيش طموحاً كبيراً ، أتعب و أنا أصفه ، و أتعب و أنا أفكر فيه ، فكيف تريد مني أن أترك التفكير ، لو وافقتك على ترك التفكير لأخذت وقتاً طويلاً بالتدرج لتركه و هذا ما سيتعبني زيادة ، فأنا بين الاستمرار فيه فتتكرر لي حادثة دخولي المستشفى مرات ، و بين أن أترك التفكير بالتدرج فأدخل في دوامة أخرى من التعب ترهقني صعوداً .
قال لي : أنت لا زلت صغيراً ، و باقي أمامك عمرٌ طويل لتعيش في التفكير . فقلت له : و الطموحات لا تعرف الأعمار .
لم يقل الزوارُ شأنا عن الطبيب ، فكلهم حكوا كما حكى ، و لكن ليس منهم كما بكيتُ قد بكى . إنهم يريدون مني أن أكون شيئاً غير الذي أعيشه ، و أن أكون شيئاً غير ما أسعى إليه . كان بعضهم نبيهاً ففهم حاجات النفس لفطانته فأخبرني بأن الأمور تيسر بقدر و كتاب من الله . فآمنتُ قبلُ و اعترفتُ بعدُ فقلتُ و أفكر بقدر وكتاب . لست من أولئك الذين يحومون حول الأماني فيموتون لا شيء يذكر بهم ، و لست ممن تحمله أهدافه ليكون كظل القدم و لا أثر له ، إنني كإنسان خلقني الله في الكون فهذا يعني أنني مطالب بأن يكون مكاني معموراً و ليس مهجوراً ، و أن يكون في الكون مشهوراً و ليس مغموراً ، و لا يكون ذلك إلا بأن أكون أثراً يعمر مكانه بما يقضي بقيمته ، و الله خلق الإنسان عامراً ، فليعمر بأي شيء . و لن تكون عمارة ما لم تكن شمعة طموح .
طالبوني بأن أبوح بشيءٍ يكون كالفضفضة عما في نفسي ، ليخفَّ عني شيءٌ مما أنا كاتمه ، فقلتُ لهم : لن تستمعوا لشيءٍ بقلوبكم ، و إنما هي أحرف تطرق آذانكم و لا تدرك القلوب ما وراء أكمات الحروف .
أصروا على موقفهم فقالوا : نستمع كما تريد . قلت : إذن لن تفهموا كما أريد ، فكلامي يحمل الكثير من المرادات فأي مرادٍ أريدٍ ، و إن أدركتم مرادي كما أريده تماماً هل ستفهمونني على الصائب من الفهم أم على العكس السيء ؟! . سأدخلكم في متاهات ، و كذا تختلج الأفكار في ذهني ، و من زاحمته الأفكار تخللته الأخطار .
قالوا لي : و الحلُّ للحالة ؟ قلت لهم : صمتٌ يجملُ بالفتى خير من كلامٍ يفُتُّ فتَّا . و ما كان مصموتاً عنه كان معفواً عنه .
قال الطبيب المداوي : اجمع ما تطمح إليه في مكان ، فأي حجم يحتويها ؟ قلت له : الطموحُ لا يقيد . و حسب الطموح الشريف أن يكون لؤلؤة في صدفة العقل حتى يأتي القدر فيظهرها .
فصرح لي : ستتعب ، و تعبك من تفكيرك ، و لا أملك شيئاً . فقلتُ له : و لكنني أملك أنني أستمتع بذلك ، فهل لي بأوراقٍ لأكتب كلاماً اختلج في ذهني و أنا هناك في الأعلى ؟
فبُهت و خرج مأسوراً غير مسرور ، و عاد بعد وقت مبتسمَ الثغر قائلاً : أشغلتني بقصة انفصال الطاقة الحيوية عن الإنسان و أنا أسعى في تفكير فيها لعلي أجد من يثبت رؤيتك . قلت : براهيني لذلك موجودة .
و بعد خروجي من المستشفى لا زالت الكلمات هي هي يبوح بها الأقربون ، و لكن هناك في أعماق القلب ما لا يعرفه أحد ، و سيظل مكتوماً . أيقنتُ أن هناك الكثير فينا يجعلنا في حالة من الضعف تُسقط قوانا الجسدية ، و أن القوى العقلية و العاطفية لا يحتملها الجسد إذا غلبت و قويت ، و لكن هل الناس يدركون من أنفسهم ذلك ؟ هذا ما أدهشني و أثار استغرابي ، رغم العقليات الكبيرة التي التقيتها في زيارات المستشفى ، و هذا يعطيني أن الطموح لا يعرف التفريق بين الناس و لا الأحوال ، و لا أقول لهم إلا : من ذاق طموحي عذر جنوحي و جموحي .
فهل نتوقف عن طموحاتنا من أجل أن أجسامنا لم تحتملها ؟ لا ، بل ننطلق فيها ، و نرسمها ، و سيأتي اليوم الذي تحتمل فيه الأجسام تحقيق الطموحات ، فلا يقف طموحك عند شيءٍ ليس هو نهايته الحقيقية ، بل دعه يسير و يسير حتى يصل لنهاية المطاف الذي هو لك فقط ، و حين تبقى بقية لسيت لك سيأتي من يتولاها ، فلك أن تعيش الطموحات و أن ترسم الغايات و تسعى للأهداف و التحقيق بيد الله ، فهو سيكتب ذلك أن يتم أو لا ، و ما أجمل الشخص أن يكون ضحية لطموح شريف . هنا أقف احتراما لأولئك الذي رأفوا بي في حالتي و أقول لهم : صمت يجمل بالفتى . فلا أقدر على البوح ، و السكوت كلام العقل .
قلت له : أنا أعيش طموحاً كبيراً ، أتعب و أنا أصفه ، و أتعب و أنا أفكر فيه ، فكيف تريد مني أن أترك التفكير ، لو وافقتك على ترك التفكير لأخذت وقتاً طويلاً بالتدرج لتركه و هذا ما سيتعبني زيادة ، فأنا بين الاستمرار فيه فتتكرر لي حادثة دخولي المستشفى مرات ، و بين أن أترك التفكير بالتدرج فأدخل في دوامة أخرى من التعب ترهقني صعوداً .
قال لي : أنت لا زلت صغيراً ، و باقي أمامك عمرٌ طويل لتعيش في التفكير . فقلت له : و الطموحات لا تعرف الأعمار .
لم يقل الزوارُ شأنا عن الطبيب ، فكلهم حكوا كما حكى ، و لكن ليس منهم كما بكيتُ قد بكى . إنهم يريدون مني أن أكون شيئاً غير الذي أعيشه ، و أن أكون شيئاً غير ما أسعى إليه . كان بعضهم نبيهاً ففهم حاجات النفس لفطانته فأخبرني بأن الأمور تيسر بقدر و كتاب من الله . فآمنتُ قبلُ و اعترفتُ بعدُ فقلتُ و أفكر بقدر وكتاب . لست من أولئك الذين يحومون حول الأماني فيموتون لا شيء يذكر بهم ، و لست ممن تحمله أهدافه ليكون كظل القدم و لا أثر له ، إنني كإنسان خلقني الله في الكون فهذا يعني أنني مطالب بأن يكون مكاني معموراً و ليس مهجوراً ، و أن يكون في الكون مشهوراً و ليس مغموراً ، و لا يكون ذلك إلا بأن أكون أثراً يعمر مكانه بما يقضي بقيمته ، و الله خلق الإنسان عامراً ، فليعمر بأي شيء . و لن تكون عمارة ما لم تكن شمعة طموح .
طالبوني بأن أبوح بشيءٍ يكون كالفضفضة عما في نفسي ، ليخفَّ عني شيءٌ مما أنا كاتمه ، فقلتُ لهم : لن تستمعوا لشيءٍ بقلوبكم ، و إنما هي أحرف تطرق آذانكم و لا تدرك القلوب ما وراء أكمات الحروف .
أصروا على موقفهم فقالوا : نستمع كما تريد . قلت : إذن لن تفهموا كما أريد ، فكلامي يحمل الكثير من المرادات فأي مرادٍ أريدٍ ، و إن أدركتم مرادي كما أريده تماماً هل ستفهمونني على الصائب من الفهم أم على العكس السيء ؟! . سأدخلكم في متاهات ، و كذا تختلج الأفكار في ذهني ، و من زاحمته الأفكار تخللته الأخطار .
قالوا لي : و الحلُّ للحالة ؟ قلت لهم : صمتٌ يجملُ بالفتى خير من كلامٍ يفُتُّ فتَّا . و ما كان مصموتاً عنه كان معفواً عنه .
قال الطبيب المداوي : اجمع ما تطمح إليه في مكان ، فأي حجم يحتويها ؟ قلت له : الطموحُ لا يقيد . و حسب الطموح الشريف أن يكون لؤلؤة في صدفة العقل حتى يأتي القدر فيظهرها .
فصرح لي : ستتعب ، و تعبك من تفكيرك ، و لا أملك شيئاً . فقلتُ له : و لكنني أملك أنني أستمتع بذلك ، فهل لي بأوراقٍ لأكتب كلاماً اختلج في ذهني و أنا هناك في الأعلى ؟
فبُهت و خرج مأسوراً غير مسرور ، و عاد بعد وقت مبتسمَ الثغر قائلاً : أشغلتني بقصة انفصال الطاقة الحيوية عن الإنسان و أنا أسعى في تفكير فيها لعلي أجد من يثبت رؤيتك . قلت : براهيني لذلك موجودة .
و بعد خروجي من المستشفى لا زالت الكلمات هي هي يبوح بها الأقربون ، و لكن هناك في أعماق القلب ما لا يعرفه أحد ، و سيظل مكتوماً . أيقنتُ أن هناك الكثير فينا يجعلنا في حالة من الضعف تُسقط قوانا الجسدية ، و أن القوى العقلية و العاطفية لا يحتملها الجسد إذا غلبت و قويت ، و لكن هل الناس يدركون من أنفسهم ذلك ؟ هذا ما أدهشني و أثار استغرابي ، رغم العقليات الكبيرة التي التقيتها في زيارات المستشفى ، و هذا يعطيني أن الطموح لا يعرف التفريق بين الناس و لا الأحوال ، و لا أقول لهم إلا : من ذاق طموحي عذر جنوحي و جموحي .
فهل نتوقف عن طموحاتنا من أجل أن أجسامنا لم تحتملها ؟ لا ، بل ننطلق فيها ، و نرسمها ، و سيأتي اليوم الذي تحتمل فيه الأجسام تحقيق الطموحات ، فلا يقف طموحك عند شيءٍ ليس هو نهايته الحقيقية ، بل دعه يسير و يسير حتى يصل لنهاية المطاف الذي هو لك فقط ، و حين تبقى بقية لسيت لك سيأتي من يتولاها ، فلك أن تعيش الطموحات و أن ترسم الغايات و تسعى للأهداف و التحقيق بيد الله ، فهو سيكتب ذلك أن يتم أو لا ، و ما أجمل الشخص أن يكون ضحية لطموح شريف . هنا أقف احتراما لأولئك الذي رأفوا بي في حالتي و أقول لهم : صمت يجمل بالفتى . فلا أقدر على البوح ، و السكوت كلام العقل .