مشاهدة النسخة كاملة : [ فِي رِحَابِ المُصْطلح ] : -11-الشكلانية ..(( منابع لاتنضب ))
د.باسم القاسم
12-15-2009, 11:25 PM
نحو الآخر ..وباللهجة القصوى
لبقعة صغير ة من البياض أذن لها أن تشيد مناراً ثقافياً في ساحات أبعاد النقد ..
وتحت عنوان (( في رحاب المصطلح ..))
أحاول أن أقدم فيما يلي من السطور للهدف المعرفي المنشود من هذا التوجه وأنا الطامع برحابة صدوركم واتساع آفاق طموحاتنا الثقافية ..
فليس تجاوزاً للمسافة المعرفية نخطو هذه الخطوة باتجاه الآخر ..هذا الآخر بكل ماتحمله هذه اللفظة من أبعاد ودلالات مصيرية مؤثثة لفضاءات الوجود الثقافي العربي ..وربما تبدو هذه الخطوة وكأنها على صراطٍ ضرب فوق متن جهنم المعاصرة ..
ومع الاعتراف بأنه لن يسعنا أن نحيط بجميع إشكاليات وقضايا الواقع العالمي المعاصر والتي تمس علاقة المثقف العربي مع الفكر الإنساني الكلي والوعي الجمعي إلا أننا ولاشك لايمكن أن نتغاضى عن كوننا جزء من حلقة التلاقح الحضاري الفكري والتي تفرضها علينا حتمية التقاطع مع كافة مستويات الوعي الإنساني ..
وضمن هذا السياق
نهضت مؤسسات تنويرية ثقافية عربية ذات مسعى معرفي يتسم بالمسؤولية التاريخية أمام الأجيال فحملت على عاتقها رسالة التثقيف وتجسير الهوة بين القارئ العربي المثقف ..وبين الآخر ..
فبدأت تطفو على السطح وتتفاقم أزمات متعددة ولعل أهمها كانت أزمة المصطلح ..
وأخص بالذكر المصطلح النقدي المستخدم في كافة تنظيرات الأدب وإرهاصاته ..
والجميع يعلم ما للنقد من أهمية رئيسة في توجيه وتفسر النتاج الأدبي وتحفيز العلاقة مابين المتلقي والناص ..وبالتالي أعتقد أنه من الخطورة بمكان إهمال ماينجم عن إشكالية تقبل المصطلح النقدي من قبل القارئ العادي والقارئ المثقف على حدٍ سواء ..
وقد زاد الإلحاح في التطرق لهذا الموضوع خاصة بعدما تحول المصطلح النقدي سيفاً مسلطاً على رقاب المثقفين والقراء العاديين ..
وأدى إلى إحداث طبقية في مجتمع المثقفين فبات الدارسون بين متجنب لاستخدام المصطلح في دراسته وبحثه قدر الإمكان وذلك خشية على القارئ أو من القارئ الذي قد يبدأ بتوجيه التهم الجاهزة والتي سمعناها كثيراً (( التبعية الثقافية ..الغربنة ..التواطؤ الثقافي ..الفصام الفكري ..))
وغالباً مايرفض مثل هؤلاء القراء سلفاً أي دراسة فيها نكهة الإصطلاح
وآخرون من النقاد ضربوا بعرض الحائط أهمية التواصل بين القارئ والدارس
فأسرفوا على أنفسهم في استخدام المصطلح مطالبين الآخرين وبطريقة تعسفية أن يعتمدوا على أنفسهم في رفع سويتهم الثقافية ..على مبدأ المعادلة البغيضة
(( لماذا لاتقول مانفهم = لماذا لاتفهم مايقال ))
هذه هي آفة من الآفات التي تسببت على ما أعتقد بعزل الدارس عن القارئ والناص عن المتلقي ..
أعتقد أننا يجب أن نصل إلى صيغة توافقية وتوفيقية تحيط بالقضية ككل ..ونكون حقيقيين مع أنفسنا أمام الواقع الثقافي العالمي المعاصر ..
الذي لن ينتظرنا حتى نحل أزمتنا مع المصطلح بطريقة جدلية مجدبة..
وألفت نظر حضراتكم إلى أنه هناك فئة ونخبة من النقاد يحاولون ومازالوا في مهمة التصدي لهذه الأزمة من خلال كتب ومؤلفات عديدة ..
وعلى هذا ((معتذراً عن الإطالة )) لعلنا نوقد شمعة في خضم هذه الحلكة أضع بين أيديكم متصفح
(( في رحاب المصطلح )) والذي سنسير فيه على المنهج التالي :
· كل شهر يتم تقديم مصطلح جديد ..
· نتطرق فيه وبتكثيف ووضوح ..منشأ المصطلح.. تعريبه.. أساسه اللساني ..خلفيته الفلسفية ..المدارس التي تداولته ..
· كل مصطلح يثبت لمدة شهر وخلال هذا الشهر يفتح الباب للمداخلات والتساؤلات ..
· يفتح الباب أمام كل من يجد في نفسه القدرة على المشاركة في تقديم سيرة ذاتية عن مصطلح أدبي نقدي ..
· يتم مراسلة المشرف المسؤول لتنظيم تتابع المصطلحات المقدمة من الأعضاء ..
· سيتم الاحتفاظ بكل مصطلح تم تقديمه مع مناقشاته فيما سيعرف بمكتبة أبعاد النقد
أرجو من الله العزيز القدير أن يوفقنا وإياكم إلى مايحبه ويرضاه ..
ونحو الآخر ..وباللهجة القصوى ..
دمتم بخير ..
د.باسم القاسم ..
د.باسم القاسم
12-15-2009, 11:46 PM
حول المصطلح ..
1- تعريف المصطلح :
مركب لغوي ذو دلالة اختزالية تداولية قابلة للإشتقاق ، جذره اللساني مرتبط لغوياً بمرجعية ذات طابع فكري..مذهبي..أسطوري ..ديني ..جمالي ..وفردي أحياناً ..
قد يبدو هذا التعريف تعريفاً صارماً ومخلصاً للمنهجية المستقاة من نظرية الأدب ..وقد يقول البعض بأنه يمكن أن نختصر التعريف بأن نقول بأن المصطلح كلمة تكثف وتختصر وجهة نظر فلسفية ..وقد نقبل بهذا التعريف من باب السهولة ...
2- تداولية المصطلح :
هناك مجموعة من الخصائص التي تجعل من الصعوبة بمكان ضبط الهدف الدلالي للمصطلح ضمن سياق معين ..وبالتالي لايمكن تحديد تداوليته في أي مجال حصرياً دون الآخر وذلك للأسباب التالية :
* المنشأ الفلسفي :
المصطلح النقدي ينجم عن رأي فلسفي وهذا الرأي قد تتعدد وجهات النظر حوله وبالتالي يكتسب المصطلح دلالته حسب وجهة النظر المأخوذة من المنشأ الفلسفي ..
* مرونة المصطلح :
عندما يوظف المصطلح في مجالات معرفية خارجة عن إطاره الفلسفي
مثل المجال الأدبي أو الإقتصادي أو الإجتماعي ..فإن هذا المصطلح تطرأ عليه تغيرات تفرضها طبيعة المجال المطروح فيه ..
فقد نلاحظ هجرات عمودية وأفقية للمصطلحات ..فكثير من المصطلحات الرياضية وظفت في مجال علم الإجتماع وكثير من المصطلحات الإقتصادية وظفت في مجال الأدب ..وهكذا ..فقد يستجيب المصطلح للتوظيف في أي مجال وذلك وفق مانطلق عليه مرونة المصطلح ..
3- تسمية المصطلح :
هنا يحدث خلاف كبير على التسمية إلا أنه لاينم عن هذا الخلاف سوى فوارق بسيطة في دقة الدلالة ولكنه فارق ثانوي ..
مثلاً : علم الإشارة أو العلامة يطلق عليه الأوربيون السيميولوجيا ...والأمريكيون السيميوطيقيا ..أما العرب السيميائية أو السيمياء ..
ملاحظة :
هذه بوابة الدخول والتي قد تساعد بتكثيف ماسيتم طرحه عن حياة المصطلحات ..
وتقبلوا خالص الإحترام ...
د.باسم القاسم
سـ/ـماء غازي
12-16-2009, 01:56 PM
أنا : في صفوف التلامذة الأولى
حيث التركيز وبعض استنطاق النجابة
أيها الأستاذ الجميل.
سالم عايش
12-16-2009, 03:42 PM
لبقعة صغير ة من البياض أذن لها أن تشيد مناراً ثقافياً في ساحات أبعاد النقد ..
.
ولبقعة كبيرة من البياض أذن أن تهدينا كل هذا البعد النقدي الأجمل .
د باسم القاسم
وجودك مهم لنا كي نعبر إلى النقد .
عبدالله العويمر
12-16-2009, 05:36 PM
طَرْح ٌ جَدِيْر بالاطّلاع والاحْتِفَاء
قِرَاءتِي بِلا مَلل
أبعاد أدبية
12-18-2009, 02:33 AM
:
السلام عليكم أحبّة المكان وَ روّاد هذا المتصفح ،
أولاً : الفِكر الوضّاء ينتج أفْكاراً بِكْراً يستحقّ عليها الشكر - كما هو [ د.باسم ] -
المُستحق بهَا / لهَا وقفة صّادقة - كما هوَ دَيدَنكم آل أبعاد - .
ثانياً : بعد المشاورة وَ الأخْذ برأي كاتب الموضوع [ د.باسم القاسم ] تمّ الاتفاق على آليّة
سير هذا المتصفح ، آملين من الجميع مُراعاتها :
- لكل مُصطلح نقديّ فترة زمنيّة لن تتجاوز الشهر ، يكون فيها سيّداً للحوَار وَ المناقشة
لا يُشاركه فيها مصْطلح آخر .
- للأعضاء حريّة اختيار المصطلح عن طريق مُراسلة كاتب الموضوع و سيتمّ طرحه مِن قِبل الكاتب
- فقط - بعد انقضاء فتْرة سابِقه .
- للتّرتيب لا للرّتابة ، سيتمّ إقصاء المُصطلح غير المُتفق عليه كمَا هي الردود غير المتفقة
مع المصطلح المقصود.
- يقوْم [ مشرف النقد ] مقام صاحب الموضوع ، إنْ دَعا لذلك دَاعْ .
:
واثقون بإثرائكم الفكريّ للموضوع مِن ثقةٍ بأفكاركم الثريّة
و شكراً للجميع .
د.باسم القاسم
12-21-2009, 11:40 PM
الفينومينو لوجيا (( الظاهراتية ))
ينتمي الجذر اللساني لهذا المصطلح إلى كلمة (( Phenomena )) وتعني الظاهرة
وبعد التعريب تم تعريف الكلمة العربية المرادفة لهذا المصطلح بـ (( الظاهراتية ))
المنشأ الفلسفي :
تعود خلفية هذا الاصطلاح الفلسفي إلى تيار مجدد نشأ في أواخر القرن التاسع عشر واستمر إلى أيامنا هذه ..
وقد تم تشييد مدرسة الظاهراتية على يد الفيلسوف الألماني
(( أدموند هوسيرل )) / 1859-1938/
وهو صاحب المقولة الفلسفية الشهيرة
(( إن معرفة العالم لا تتأتى بمحاولة تحليل الأشياء
كماهي خارج الذات وإنما تتم بتحليل الذات نفسها وهي تقوم بالتعرف على الأشياء))
حسناً هنا سنحاول تفكيك هذه النتيجة معاً :
الفيلولوجيا أيها السيدات والسادة ليست منهجا استدلالياكما أنها ليست منهجا استقرائياأو تجريبيا, فهي لا تسعى إلى تتبع الجزئيات للوصول منها إلى أحكام كلية أو قوانين تحدد العلاقات, هي لا تسعى إلى تفسير الأشياء أو اكتشاف علاقاتها السببيةبفرضيات واستدلالات مسبقة, وإنما تسعى إلى الكشف عن خصائص الوعي البشري في تعرفه على الأشياء إنها تحليل الوعي وقد استبطن الأشياء وكما هو معروف الوعي لايكون مستقلاً وإنما هو دائماً وعي بشيء ما إن المنهج الفينومينولوجى يتركز فيالدراسة الوصفية للظواهر سعيا وراء المعرفة المحايدة المتخلصة من جميع علائق المورثات والقوانين والبدهيات
إن الفينومينولوجيا - كما كتب هوسرل -
"هي وصف خالص لمجال محايد هو مجال الواقع المعاش أو
الخبرة من حيث هي كذلك, وللماهيات التي تتمثل في هذا المجال"
وعلى ذلك فإن الفينومينولوجيا
تحتفل وتعطي وضعا متميزا للحدس البشريفى التقاط الظواهر ومن هنا كان للأدب النصيب الأكبر في استثمار هذه المنهجية وخصوصاً أن الظاهراتية تدعو إلى التخلص من أى مفاهيم أو افتراضات أو أنساق نظرية مسبقة تحاول التفسير أو تبين العلاقات والأسباب وهذا مايقع في صلب الكتابة الأدبية
من حيث اسقلالية الذات الكاتبة وتفردها في وعيها للأشياء
(( هذا ماجعلنا نختار هذا المصطلح بالذات كبداية ..))
ولابد من الإشارة إلى أن الفينومينولوجيا لاتقصي الآخرين وتعتبر كل المناهج المغايرة موجودة وموازية لها في البحث الفكري
الفينومينولوجيا والنقد الأدبي :
وبلا منازع كان النقد الظاهراتي من البشائر الأولى لولادة النقد الجديد ..
وتم ذلك على يد مجموعة مهمة من المفكرين نذكر منهم :
(( ميرلوبونتي / غاستون باشلار / رومان انغاردن )) وقد أسهم نقاد آخرون بإضافة تطبيقات وأفكار نظرية على هذا الاتجاه النقدي ومنهم
(( جان روسيه /جون بولييه ..))
اعتبارات النقد الظاهراتي :
* يعتبر النقد الظاهراتي أن العمل الأدبي يقوم على أفعال قصدية تنشأ من ذات المؤلف وتجعل من الممكن للقارئ أن يعايش النص بوعيه كقارئ وهنا يقصد بالمعايشة التداخل بين القارئ والمؤلف ضمن التجربة القرائية
* العمل الأدبي هو عالم خيالي خارج العالم المعاش وهو يجسد وعي الكاتب وكما يقول ((بولييه )) : كل كلمة محملة في ذهن من كتبها ..
* يجب التعرف لدى الظاهراتيين على شكل الوعي المهيمن في الحقبة التاريخية لكتابة النص والإقرار والاعتراف بأنه لكل كاتب وعيه الفريد ..
وهنا نستطيع أن نمسك بتميز الفينومينولوجيا كيف ذلك ؟ ...
إن النقد الظاهراتي هو أول مذهب نقدي أعطى للقارئ دوراً مهماً في التجربة الأدبية على عكس النقد الكلاسيكي الذي كان لايحتفل سوى بالمؤلف ..
الفينومينولوجيا اعتبرت أن النص لايصدر كاملاً عن كاتبه والقارئ هو الذي سيأتي ليملأ الفراغات في النص وفق مشروع دلالي وجمالي قائم بين الكاتب والقارئ ..
وهذا هو الأساس لأشهر مدارس النقد الحديث (( جمالية التلقي ))
ولكن هناك ومن جهة أخرى تعارض وبنسبة كبيرة بين الظاهراتيين وأصحاب المدارس الحديثة وهي كثيرة والتي قالت بموت المؤلف عن النص وأن النص ليس بالضرورة يمثل وعيه وإنما هو يمثل مؤسسة اللغة ..
وهذا ماسنعرض له مع مصطلحات أخرى ..
السيدات والسادة :
لولا الفينومينولوجيا لما استطعنا أن ندافع عن النظرية الأدبية أمام المنهجية العلمية والتي تندد بالنظرية الأدبية كونها ناقصة لأن الأدب يعتمد النسبية والحدس والشعور ..
أتى الظاهراتيون ليعرفوا الأدب وبصوت مرتفع قائليين
((إن الأدب نمط فكري ذو سويات متعددة وأهم مايميزه أن الذات الواعية
تحاول أن توقع عقد شراكة مع الذوات الأخرى في تفسيرها وتعرفها على العالم ..
وذلك بتشكيل صلة حميمية بين الذات المرسلة والذات المتلقية ..
معتمدة على قواسم مشتركة بين الطرفين وقد تكون أحد هذه القواسم المشتركة اللسان الواحد أوالهم والألم المشترك أو الذرائعية المتبادلة ..
وعندما نعرف الأدب سنكون أمام نمط فكري إنساني يؤسس لشراكة كونية تجمع الذوات الواعية في سعيها للتعامل مع العالم والأشياء كظواهر ولكن قد لانستطيع القبض على ماهيته ..
السيدات والسادة :
الفينومينولوجيا مصطلح لايمكن اختزاله في أسطر ومتعلقاته كثيرة وخاصة في مجال علم النفس ..وربما لو بحثا على الشبكة العنكبوتية لوجدنا عدد لايحصى من الصفحات ..ولكنني هنا أحوال أن أركز على مجال النقد الأدبي حصراً ....
دمتم بخير ....
د.باسم القاسم
المراجع : أرشيف كتابات معاصرة
دليل الناقد الأدبي (( د.سعد البازعي /د.ميجان الرويلي ))
دراسات موت اللغة (( د.باسم القاسم ))
قايـد الحربي
12-22-2009, 07:27 PM
د.باسم القاسم
ـــــــــــــ
* * *
بعْد بَالغ التّرحيب ، وَ الشّكر ..
ممَيزة هي البدَاية بمصْطلحٍ مُهمّ كَـ " الظاهراتية "
وَ مِن أجمل مَا قرأتُه عنها - مَع جَمال ما كتبتَه - التالي :
:
[ تباشير الظاهراتية في القراءة النقدية ]
فاطمة الشريمي
إن عمق المعنى يتأصل في جسد الكلمة .. هو المعنى الآخر الذي يكوّن جسرا بين التجرد و التلبس .. هي بالضبط حالة أشبه ما تكون بالشكل و جوهره ..
المعنى هو الذي يصل بين الطبيعة الإنسانية التلقائية و بين المفاهيم التي تقدم لنا هذا السلوك الذي يختلف من شخص لآخر .. و على هذا الأساس نحن نتناقض في تحليل السرد الروائي أو النثيرة أو الشعر.. و نلجأ أحيانا لنحيل الطبيعة إلى المنطقة و هذا بحد ذاته يعتبر محايثة و تجريد من الشعور الكتابي ليضحي العمل الأدبي شكلا بنيويا يهتم بالصياغة أكثر من الفكرة .. و ربما نعيش هذا التوارد بين خواطر القراء و الكتاب في حين ينشأ هذا التواصل بالمعنى أو بمعنى المعنى ..
إن معظم الصور في حياتنا لها ارتباطات ذاكرة .. و ليست ارتباطات شعور روحانية كما يزعم البعض .. و هذا ما أتاح لنا كتاب أو شعراء أو روائيين أن نخلق فنا متلاحقا كسلسلة من المعاني التي تجعلنا نستنتج الواقع من خلال الطبيعة الإنسانية بكل حضورها و غيابها و ثباتها و انكسارها من خلال النص التصويري حيث لا تخالطه عقد الترميز التي يظن القارئ لوهلة أنها عبثية أو أنها لا توصل المعنى ... رغم أن كل رمز له دلالة و كل دلالة هي شكل الجوهر و الجوهر هو المعنى ..
فكرة الظاهراتية :
لعل من المهم جدا أن نلقي الضوء على أحد مبادئ الظاهراتية أو الفينومينولوجيا و التي تتناول الصورة الشاعرية في نطاقها الخاص و في حدود كينونتها دون النظر إلى محيطات من الماضي أو الذاكرة المسبوقة , و في هذا لا شك تضاد و تعاكس مع محاولات علم النفس في تفسير و قراءة الشعر حيث يعتمد علم النفس بشكل وثيق في بناء النص على المحصلة الذاكراتية , و لكن كما يقول غاستون باشلار ( و إذا تركنا المحلل النفساني يتكلم لحددنا الشعر كزلة لسان مهيبة ) , و الإنسان لا يلقي الشعر من نفسه الباطنة عبثا لكنه الشعر أحد أقدار الكلام , و علينا أن نتخلص من عادات النفسانيين في التأويل إلى ماوراء الحاضر و نتعامل مع الشعر على أنه تعبير آني يشق طريقه إلى الأمام وحده و دون أي مداخلات و أن كل صورة شعرية متفجرة عن فوهة مختلفة , و بهذا نحن نقرأ الشعر بكونه الخاص و دون أن نربطه بصور قد تبدو لنا قريبة من الوهلة الأولى و كأننا نحاول التقريب بين عناصر متضادة , و هكذا يستحوذ القارئ بأنانية على إحساس الشاعر و كأنه يقول ( ليتني كنت الصورة , إنني أتخيل نفسي فيها , ليتني الذي كتبتها ) و هذا مالا نريده حتى نحافظ على حقوق الإحساس المكتوب ليبقى كل شيء خالص لعمله.
و الفكرة من هذا المبدأ الظاهراتي هو أن نرسم خط سير الصورة الشعرية في التأمل الشارد من خلال إعادة تأهيل التخيلات , و أركز على كلمة ( الشارد ) و التي نقصد بها الخروج من العالم الواقعي دون الذهاب إلى عالم محدد , فأنت – على سبيل المثال - تشعر بالحر الشديد و بهذا التأمل الشارد فإنك لا تتخيل نفسك في مصيف على الفور , و لكنك تظل تنحدر و تمر بمشاعر غريبة و في طبيعة الحال سوف تتخيل نفسك في مصيف في النهاية , لكن إذا أردت أن تخلق صورة شعرية مبدعة عليك أن تظل في هذا الانحدار و تُعمل مخيلتك التأملية , بأن تتأمل الحالة كما هي , كما قلنا سابقا ( في كينونتها الخاصة ) , ( مثلا :- لا تصف قلقك بكلمات وصفية و لكن حاول أن تصفه بمشهد كامل دون ان تلتفت لصيرورته أو نتائجه فقط استعمل بعض العناصر التي سببت القلق و بعض الأشخاص و قم بتصويرهم في سيناريو صامت متناولا أصغر التفاصيل و كلها من خلق الخيال ).
و لصعوبة تفسير الحراك الداخلي أو ما خلف الوعي حيث لا يمكن أن يسير تأويل نص وفق آراء خارجية تأخذ الظاهراتية هذه المهمة و تحاول أن تجد سبلا أكثر امتدادا على صعيد التعبير الكلامي للشعر و هي في هذا تواجه قوتين , قوة محدودية اللغة و عدم محدودية التأملات الشاعرية.
ببساطة نستطيع أن نقول عن هذا العمل أنه إيجاد حقائق الأفكار الشعرية في نطاق الوعي دون المس بمقاصد الذوات الناتجة عنها و من ثم تناولها بوسائل المعرفة التجريبية الإنسانية العامة و تحليلها و تحويلها على مساحة أكثر اتساعا.
نماذج في القراءة النقدية :
1- روبرت بلاي :
العتمة ، العتمة في العشب ، العتمة في الأشجار.
حتى الماء في الآبار يرتجف.
الأجساد تشع بالعتمة ، وأزهار الأقحوان
معتمة ، والخيول التي تحمل أثقالا كبيرة من القش
إلى مخازن الحبوب العميقة حيث الهواء المعتم يتقدم
من الزوايا.
التحليل :
لقد وضع روبرت بلاي هنا نمط العتمة كقالب للوحدة , و قارب الربط بالتجسيد في قصيدته تماسك المعنى على ظل الصورة المتحركة.. و حاول أن يوحد الشعور بالوحدة ليصبح المعنى واردا على نحو متقارب بالنسبة للقارئ أكثر منه تلاعبا تأويليا ..
يقول ( العتمة , العتمة في العشب ) بدأ بمجمل الحالة التي يستشعرها مما حوله ,( العتمة ), ثم راح يبحث عنها في المادة , فيقول ( العتمة في العشب ) كأنه يراه أنه عشب كثير متراص متشابه يتحرك بانسجام كأنه لا يتحرك , لونه واحد و طبيعته واحدة و صيرورته واحدة , إنه مساحة مزدحمة بالتشابهات و هو يراها تجسيد للعتمة , ( العتمة في الأشجار) , و رغم أن الشجرة مثال للحياة و العطاء إلا أنه يرى شجرا متسمرا متخشبا شجر يحمل أوراقا متشابهة كذلك , ربما يحمل بعض الثمار الغير ناضجة , الأشجار التي تحدد الرؤيا و تسد طريق الريح , رغم هذا فهي لا تعطي الضوء و لا تحمل الهواء كالنسيم , ربما كان حينها يتصور الشجرة مجنونا محنطا متصلبا كأنه يعيش منفاه في الداخل , هكذا هي العتمة , التي لا توحي بشيء متغير أو جديد , ,,, إلخ في الوصف .
لقد عبر عن العتمة بالمشهد و هذا قمة الشاعرية , لأنه منطلق من التأمل الكونيّ , في النهاية حصل على تعريف كامل للعتمة , المتمثل في إزدحام العشب بلا فائدة , في الشجر المحنط , في مياه الآبار المنغلقة في اضطراب متواصل , في الأجساد التي تقف على حافة السوداوية , في أزهار الأقحوان التي نبتت من تلقاء الطبيعة أو المطر و لا أحد يعتني بها أو ربما كان وحدة يعتني بها دون أن يجد منها التواصل الداخلي بين المادة و الإحساس - كما يريد- , في الخيول المسيرة التي تحمل القش ليختزن في مخزن عميق لا يتجدد فيه الهواء و لا الضوء , حيث الأركان كذلك تخزن العتمة النقية واصفا نقائها بقوله ( الهواء المعتم يتقدم من الزواية ).
و السؤال الممكن هنا ؟
ما هي مسارات الإلهام التي تبعها بلاي لوضع نهايات الشعور بالعتمة على ورق ؟ّ
لننطلق من صورة صغيرة جدا و هي جو معتم بعد انتصاف الليل و بلاي صامت و يتأمل هذا الاجتياح الخانق , ما الذي استرجعه من الماضي حينما اتسعت عيناه بسبب العتمة ؟ّ من أين تأتي ؟ّ إنها تنزاح لتغطي الأشياء كأنها ليل قريب . لماذا تنتشر بهذه الطريقة ؟ كيف تبدو الأشياء الآن ؟ الإسطبل .. الخيول . زهر الأقحوان الكثير النائم , الأشجار في البيئة المحيطة , السكون المعتاد . مخزن القش الذي يؤوي الأركان بهواء خاص لاستقبال نوع من العتمة . و بالنظر للتفاصيل التالية بعين العمر نستطيع المقاربة و تكوين مسارات لها آفاق . و هكذا خلق بلاي العتمة من حالة سوداوية يشعر بها عن طريق مشهد كامل وضعه بخياله منذ اللبنات حتى آخر اللمسات.
و إذا أمكنك أن تسأل بلاي ذاته ( ماذا تعني لك العتمة ) ؟ّ.. ستعود له تلك الآفاق محمله بأسماء الأشياء الممسوسة بنفس الحالة لتلوح له في حالة أشبه ما تكون بطوفان .
هذا التعبير الممتد عن العتمة و الذي لا شك يقصد أكثر من وجهة تفوق الاعتبارات السطحية بنقدية المقاييس المعروفة حتى الآن و التي جفت منذ زمن على نصوص البدائيين .
2- وديع سعادة \ الموتى نيام :
كانوا يتقدَّمون خطوتيْنِ ويلمِسونَ
قبلَ نسمةِ الفجرِ جذوعَ الشجر
وتحتَ نظراتهم تُثْمِرُ غصونٌ
في ثلجِ كانونَ الثاني
وكانت مناجلُهم تحنُّ إلى الحقول
والهواءُ بينَ القُرى مُتأهِّبًا دائمًا لندائهم
حينَ فجاةً تحوَّلَ قمحُهُم إلى ضلوعٍ
وصارَ النسيمُ عُشبًا ينمو على أجسادهم.
التحليل :
إنه يتحدث عن أرواح الموتى المتلهفة للوجود و التي تخرج و تطوف في وقفات التحولات اليومية و يتقدمون خطوتين من ساعة إلى ساعة أخرى حيث الخطوة هي رمز الحراك المتغير و يلمسون جذوع الشجر لتسري فيهم الحياة بمائها و منطقها كأنهم يصنعون حلقة وصل بينهم و بين الشجر , و هكذا كلما توجهوا لاكتشاف المتغيرات بعد رحيلهم , انطلقت نظراتهم بدفء يترقب الحياة كشمس فجريّة لم تحترق بعد , و كلما طلعت و توجهت أثمرت الغصون دلالة على سير تحرك الحياة في المخلوقات منذ الأطراف, و كان هذا في ثلج كانون كأنه يرى برودة الموت التي يلتحفون بها هي الثلج الذي كلما طافوا تفتت منهم و ملأ المساحات التي يمرون بها , ثم ينتقل إلى ذاكرتهم التي كانوا يمارسونها على شكل عادات يومية من الزراعة و العودة إلى الديار حتى عبقت بأصواتهم , لكن يعود إلى حقائق المطارح التي يملأونها , حين يصير القمح فوق قبورهم شيئا يغلفهم كالضلوع , ثم يمر نسيم ليعيدهم إلى الشعور الأزلي كلما هب عليهم , و إن استخدام لفظ ( العشب ) عبارة عن دلالة على بداية انبثاق حياة مستقلة و مستقرة من نوع خاص في مكان معين و جلاء غيبوبة معينة إلى مواقعة معايشة .
إذاَ فكل هذا الكم من الصور الشعرية التي يقيسها البعض بمقاييس غابرة يضع بعض من النقاد على كف من ريشة , و يجعلنا نستعمل منظار آخر للقراءة الشعرية الجادة .
إبراهيم الشتوي
12-25-2009, 05:38 PM
الأديب الأريب : د.باسم القاسم
ويعد هذا المتصفح نور وبلور ..
حيث الإيجاز ولإعجاز ولإنجاز ..
حيث الفكر الذي ننتظر منه الكثير الأثير المثير ..
فشكرا لتواجدك ومسارب مدادك بحجم امتداد نبضك في قلوبنا .
د.باسم القاسم
12-25-2009, 10:09 PM
الرائي ..إبراهيم الشتوي ..
الشاعرة سماء غازي ..
الكاتب سالم عايش ..
العين الساهرة عبدالله العويمر ..
السيدات والسادة أعضاء أبعاد ..
هلموا بنا إلى موائد النور ...
حواريون ..يتحلقون حول مائدة الفكر المقدسة ..
سَحَر
12-25-2009, 10:45 PM
مرّني هذا المصطلح النقدي وأنا أقرأ كتاب لا أكر اسمه ولكنه يهتم بثيمات المكان ومايوحدها في شعر السياب للكاتب ياسين النصير , فعندما تهت في معرفة منهج الكاتب اتضح لي بعد التنقيب أن منهجه يتبع النقد الظاهراتي الذي يقول عنه تيري ايفتلون : يمكن للنقد الظاهراتي أن ينتقل بثقة بين أشد النصوص تباعدا في الزمن , واختلافا في الثيمات , ساعيا بعناد خلف مايوحدها ويجمعها .
وقد تبين لي أيضا أن الظاهراتية تهتم بالظواهر التي يتجلى فيها الواقع من أجل الوصول إلى الجوهر .
كذلك في هذا المصطلح النص هو الحقيقة المطلقة ومن خلال النص نكتشف حقيقة المبدع .. وهذا ماحدث في الكتاب عندما عالج المؤلف شعرية السياب واتضحت آليات منهجه في اهتمامه بتفكيك البنية الشعرية .
جئتُ أتعلم أشكرك أستاذي ,
د.باسم القاسم
12-27-2009, 11:38 PM
سحر ..
على الرحب والسعة حول هذه المائدة ولكن كأستاذة مشاركة ...
واسمحي لي بإضافة من إضافات الظاهراتيين السحرة ..
أعتقد جازماً أن الفكر الظاهراتي هو أول مظاهر تجسد فلسفة عمق العمق في أوربا فكما هو معروف أن الفيلسوف الصيني يونغ هو رائد هذه الفلسفة ..
كيف ذلك ..سأطرح مقولة ليونغ مهمة برأيي جداً
(( نقول عن كتابة أنها ميتة إذا كان لايزال في لغتها ..لغة / ونقول عن كتابة بأنها حية عندما لايكون في لغتها لغة ))
وهذا أساس بنية النقد الظاهراتي الأدبي الذي يدرس وعي الوعي ..((برأيي))
فالظاهراتيون (( ولننظر إلى هذه العبارة الرائعة )) يعتقدون أساساً بما يلي((عندما يتم تمثيل الظواهر داخل الوعى لاتلتقط عادة بصورة نقية وإنما يشوبها إضافات وصفات عرضية أو مصادفة ((هذه لغة اللغة التي أشار لها يونغ )) contingent لا تجعلها واضحة كتركيبات جوهرية أو مضمون يشكل وحدة متفردة, والتأمل المبنى على الحدسهو الوسيلة التى يمكن بواسطتها - بالتدريج وبعد جهد - تمييز هذه التركيبات الجوهرية أو ماهية الظاهرة واستبعاد الصفات العرضية, وهذه الخطوة الثانية من المنهج الفينومينولوجى.. خطوة الاختزال الماهوى أورد الظواهر إلى ماهياتها.))
وعلى ذلك يمكن أن نتبى المقولة السريالية الشهيرة (( الشاعر يرى مالايرى ..ويقول مالاينقال )) وذلك لأنه يسعى إلى جواهر الموجودات بأقصى قدر ممكن من النقاوة ..وهذا هو التجريد بشكل من الأشكال ..
ولكن لننتبه هنا على أمر مهم وهو
((إن الحقيقة الخاصة بأى شىء هى فى أصلها خبرة حية بحقيقة هذا الشىء, هى الوضوح البين بذاته - بشكل لايقبل التعارض أو التفرق - الذى تتميز به لحظة الوعى التى يتقدم فيها الشىء نفسه متجسدا إلى الوعى حيث يكون الإدراك الحدسى مفعما أو مليئا بالخبرة.))
هنا نتعرض لخبرة الشاعر وتجربته ..وهذا مهم ..والعبارة أيضاً تقدم تفسير لأحد آليات فعل الكتابة
فنرى أن الشاعر يكتب ويشطب كثيراً وهذا أحد تجسدات التجريد في فعل الكتابة
وهذا أيضاً يفسر استمرارية الشاعر في الإنتاج الشعرية إنه يسعى للوصول إلى النص الأقصى
والذي أطلق عليه شخصياً صفة (( النص البريء))
وكلما اقترب النص من حافة الحيادية (( النقاوة /التجريد )) يكون له أثر صادم على المتلقي ..بحيث أن المتلقي يشعر بلذة هائلة ..
وبنفس الوقت نسمعه أحياناً يقول (( مع أنني لم أفهم شيئاً ولكن أشعر أنني أسمع شعراً))
وهذا له باب آخر يمكن أن نلجه في مداخلة أخرى أو مع مصطلح جديد ..يتعلق بمدرسة ((كونسطانس ..وجمالية التلقي ))
دمت بخير ..
سَحَر
12-28-2009, 11:37 PM
العفو أستاذي ما أنا إلاّ تلميذة أرادت أن تفهم كيف يسير فكر العالم العربي فقادها تنقيبها إلى قراءة المصطلحات الفكرية / النقدية ووجدت نفسها في شِباكها
تقع .
بالنسبة للمصطلح أو المنهج الظاهراتي وأنا أقرأ فيه وجدت أن هذا المصطلح يحمل اشكالية أو سلبيات من أبرزها " في اعتقادي " :
1 _ أنه منهج لايهتم بكشف الأبعاد الفنية واللغة الابداعية في النص ؛ لأن تعامله يعتمد أو ينصب على المدلول .. فهو بذلك يغفل القيمة الفنية .. وعليه فإنه يهتم بذلك لايهتم بالشكل ويتعامل معه كونه نتاجا للخيال .
2_ أنه منهج يعتمد على [ الانتقائية ] فالباحث فيه يعتمد على ذوقه انتقائية وهو بذلك يقتل " وحدة النص " ويركز فقط على جزئية تخدم المنهج والدراسة الانتقائية تسهم في تقليص المادة بمعنى لاتكون عنده مادة مطولة يعمد الملف لاختيار أبرز مايخدم رؤيته للموضوع الأساسي فيبني عليها منهجه , وإن كان هذا جيد في نظر الكثير من النقاد , إلا أن بعض الباحثين وهم يعتمدون على ذوقهم الخاص في اختيار النصوص ربما يغفلون نصا هو الأهمية بالدراسة لأنه يرى من منظوره الخاص أنه قليل الأهمية .
وهاي النقطة السلبية تقود إلى اشكالية أخرى وهي :
3 _ الغموض فاقتطاع النص من سياقه واعتماد التحليل فيه على شرائح ومفردات قد تُوقع القارىء في ورطة المبهم والغامض والضبابية .
[ تحياتي ]
سالم عايش
12-30-2009, 11:44 AM
د . باسم القاسم
كل التحايا لك والشكر حيث أنك حركت المياه الراكدة بهذا الموضوع التفاعلي الرائد ومتى ما تحركت المياه كانت باعثة للحياة ومتى ما
توقفت أصبحت مستنقعات باعثة لأنواع الأمراض والأوبئة .
الموضوع جميل ومن أهم حسناته أنه أعادنا للبحث والقراءة .
أما ما أقوله أنا أو ما اعتقده أن المدرسة الظاهراتية (الفينومينو لوجيا) هي المدرسة التي قدمت النقد الحي القابل للعيش في صدر أي
متلقي وهو المدرسة النقدية التي جعلت العلاقة بين المؤلف والقارئ علاقة تكاملية وأنا دائماً ما أسمي المدرسة الظاهراتية بالوسطية
حيث انها لم تقصي القارئ وتحتفي بالمؤلف ولم تقصي المؤلف وترتكز على القارئ ، كما أنها خلاف المدارس الأخرى التي نفرت
الكثير من النقد وأنا أولهم حيث أنني قلت ذات يوم أن اكبر جريمة ارتكبت بحق الأدب هي تدريس النقد وحصره في كتب ووضعه في
إطارات خاصة لا يمكن أن يؤتى من غيرها ، لأن النقد من وجهة نظري أيضاً أشمل وأوسع من كل ما قيل فيه وأسهل وأجمل من كل
ما اتهم به من تعقيد .
وعوداً على الظاهراتية وكيفية تقديمها للنقد حيث تميزت بتعايشها المشهود مع النص الحداثي أو الحديث لأنها تمثل الحداثة بالنقد
ورفضها للجمود بل تؤمن بأن لكل مرحلة شعرها ولكل مرحلة نقدها . كما أنها وضعت القارئ في المقدمة وكرست فكرت التداخل بين
القارئ والمؤلف كما ذكر الدكتور باسم القاسم في رائعته أعلاه.
كما أنه لا بد أن نذكر ميزة أيضاً امتازت بها الظاهراتية وهي أنها تهتم بالحقبة التاريخية التي كتب بها النص والوعي المهيمن بتلك
الفترة . وذكرها أيضاً الدكتور باسم القاسم .
.
والتعريف الأجمل للظاهراتية ما قاله هوسرل :
الظاهراتية تستهل بتحييد المفهوم الطبيعي اليومي للأشياء وتتوجه مباشرة إلى المفاهيم الطبيعية المتداولة بين البشر لعالم الأشياء
إلى الذات المتعالية أو الذات الكونية .
وعندما وصفها هوسرل بأنها : مشروعاً معرفياً أو علماً كلياً يقينياً، معتمداً عدم الفصل بين نظرية المعرفة وفلسفة العقل.
وأجمل ما قرأت للدكتور جواد الزيدي عن الظاهراتية أختاره لكم .
د.جواد الزيدي
يعد " رومان إنجاردن" (1893-1970م) من أهم منظري الجماليات الظاهراتية، إذ يرى أن الموضوع القصدي الخالص، هو أسلوب من الوجود ينطبق على العمل الفني دون الموضوع الواقعي، لأن الحالة الوجودية للعمل الفني لا تنفصل عن العملية القصدية المماثلة ومحددة تماماً بها. فالعمل الفني لموضوع قصدي خالص هو نتاج قصدي وفهم أسلوب وجوده لدى المتلقي يتم على هذا الأساس لذا كان يقيم مثاله الجمالي من خلال التلازمية التي يراها بين فعل القصد والجانب الوجودي، ولهذا فإن (إنجاردن يباشر مشروعه الفينومينولوجي على مستويين متلازمين: الجانب الأنطولوجي - الموضوعي لبنى الأشياء والموجودات، والجانب القصدي - الذاتي للأنشطة الواعية للإنسان. هذه العلاقة التلازمية ذاتية بين الموضوع القصدي وفعل القصد). ومن خلال هذا المشروع عالج مبحثه الجمالي باتجاهين: الأول، بنية العمل الفني وأسلوبه، والثاني مبحث الخبرة، أي دراسته من خلال العمليات الذاتية القصدية لدى الشخص المدرك الذي يقوم بإعادة تأسيس العمل الفني في ضوء أفعال قصدية تهدف إلى إنشائه.
لقد قام "إنجاردن" - بتحليل ظواهري للعمل الفني من خلال مفهومه الخاص بالتنظيم الطبقي الذي يرينا (إن ذلك العمل يحتوي على طبقة صوتية أساسية تنشأ منها وحدات تعكس لنا بدورها عالماً من الأشياء لا تتطابق بالطبع مع الأشياء التي نجدها في العالم الحقيقي). وتنطبق هذه المستويات على الأعمال الأدبية التي عني بها، ولكن هذا لا يعني اقتصارها على المشروع الأدبي، بل يتجاوزه إلى اللوحة الفنية، وإن الرسم الحديث ينزع إلى خلق عوالم جديدة بعيداً عن الواقع الفعلي أو الطبيعة، كما حققت ذلك السوريالية في بحثها عن واقع آخر، أو تجريد خالص له كما فعلت التجريدية، وبهذا تمت مخالفة الطبيعة وأشياء العالم الحقيقي من خلال تغريب الأشكال في الأولى وتجريدها في الثانية.
ويرى أن العمل الأدبي أو الفني يقوم على أفعال قصدية من قبل مؤلفه تجعل من الممكن للقارئ أن يعايشه بوعيه كقارئ، أو تعني المعايشة هنا نوعاً من التداخل عبر التجربة القرائية بين المؤلف والقارئ، ذلك النص الذي لا يأتي كاملاً من مؤلفه، بل هو مشروع دلالي وجمالي يكتمل بالقراءة النشطة التي تملأ ما في النص من فراغات. هذه الآراء التي أثرت بشكل واضح فيما بعد من نشوء نظريات الاستقبال والقراءة ومستوياتها التي تنتج معنى النص .
كاملاً
http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=20021 (http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=20021)
وأيضاً للدكتور جواد الزيدي :
فالظاهراتية مثلها مثل العلوم الموضوعية تفترض مسبقاً تجربة العالم المعاش وتحاول بناء تركيبته على أساس هذه التجربة، لذا فإن "هوسرل" (يؤسس رأيه على ما أسماه بالحاضر الحي Lebendige Gegenwart وهو الأساس النهائي والعام للتجربة كلها)، بمعنى أنها نتاج تفاعل الفرد مع بيئته، وتتم هذه الخبرة دورتها داخل كيان الفرد، وأن هذا التفاعل هو المصدر المباشر وغير المباشر لكل خبرة، كما أن البيئة هي الأصل الذي تنبعث منه تلك الصدمات والمساعدات التي تكوّن الصورة حينما تتلاقى مع طاقات الكائن الحي، وإن النتاج الفني هو حاصل الصراع بين الإنسان والبيئة الذي ينتهي بأن يحقق الإنسان ما يبتغي. في ضوء إدراكه الحقائق والموضوعات الحاضرة.
وقد رأى "هوسرل" أن الإدراك هو فعل من أفعال الوعي يتميز بقصد موضوعات حاضرة بذاتها أمام الوعيبوصفه وعياً متعالياً (فالوعي المتعالي هو مظهر لا سبيل إلى رقي الشك في مطلقيتهالمعطاة في الحدس). أي أنه دافع عن مبدأ ماهيات الحدس ضد اتهامات التركيبالميتافيزيقي، ويمثل جوهر الإدراك لدى "هوسرل"رفضه التفرقة بين ظواهر الأشياءوبواطنها، بل جعل ظاهر الشيء هو الشيء نفسه دون أن يكون خلفه خفي غير مدرك، لذلك (أنتقد نظرية الإدراك الحسية القديمة التي قلصت الإدراك إلى تدفق احساسات إضافيةنحو احساسات حاضرة مسبقاً، إذ يجب أن يحدد الإدراك بصفته فعلاً وبوصفه تأويلاًمتميزاً للمادة المحسوسة الجاهزة). أي أن الإدراك الحسي وحده يكون كافياً لاستقبالأي عمل فني، كذلك ركز على الجسد من خلال صلاته الدينامية التي تؤسس المعاني الأوليةالتي يدركها الذهن، لذلك فإن تعبير الجسد يكون أولياً في إشارات وإيماءات، فكلالأشياء التي تحدث في الوعي تتشكل في مجال ظاهراتي أو مرئي بالنسبة للجسد كمركز. بمعنى أنه رأى أن الجسد له موضوع فريد، إذ يكون بمثابة أداته الكلية، ويكون الذاتالفاعلة في هذا الجسد، وفي هذا الفعل يحدث إدراك حسي للأشياء، ينتهي إلى رؤيتهالتوفيقية بين إدراك الحدث الزماني والانطباع الحسي.
فإن الزمان لديه لا يوجدكظاهرة، وإنما يستطيع المرء أن يراه أو يتأمله، فهو يعبر عن نفسه، بوصفه صورة مضمونحي لما يقال ويسمع، وبهذا يرى أن باطن الزمان شيئاً ما داخلياً في الذات وهو مايطلق عليه بالشعور الزماني، ويحاول أن يرده إلى الأفعال الباطنة والعالية الاتجاهوهذا الزمان المتمثل يظهر في العمل الفني على شكل شذرات منعزلة، ويختلف عن الزمانالواقعي الذي لا يمكنه استرجاع الماضي. في حين أن الزمان المتمثل يمكن أن يجعلاللحظة الماضية تبدو حية، كما لو كانت حاضرة من خلال تغير الأسلوب. في الوقت الذيميز فيه "هوسرل" بين التذكر والحفظ في بحثه عن الوعي الداخلي للزمان (فالتذكر عبارةعن إعادة إظهار أشياء الماضي بكيفياتها من الحفظ، الذي هو وسيلة غير وضعية لحفظالماضي كماضٍ لأجل الوعي، ويتعلق الأمر في حالة التذكر بعملية استحضار، وتتضمن هذهالعملية إعادة جميع الأفعال الإدراكية الأصلية ولو في وعي معدل). كذلك وجد "هوسرل" أن في إدراك الحاضر الآن في الموسيقى مثالاً واضحاً على الوعي بالزمان المتمثلبالعمل الفني، ويعني به (الزمان الباطن)، إذ رأى أن كل إدراك لحدث زماني يتضمنإنطباعاً حسياً، واحتفاظاً في الوعي بهذا الانطباع، وامتداداً به في الزمانالمستقبلي .
كاملاً :
http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=29355 (http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=29355)
د.باسم القاسم
12-30-2009, 11:07 PM
العفو أستاذي ما أنا إلاّ تلميذة أرادت أن تفهم كيف يسير فكر العالم العربي فقادها تنقيبها إلى قراءة المصطلحات الفكرية / النقدية ووجدت نفسها في شِباكها
تقع .
بالنسبة للمصطلح أو المنهج الظاهراتي وأنا أقرأ فيه وجدت أن هذا المصطلح يحمل اشكالية أو سلبيات من أبرزها " في اعتقادي " :
1 _ أنه منهج لايهتم بكشف الأبعاد الفنية واللغة الابداعية في النص ؛ لأن تعامله يعتمد أو ينصب على المدلول .. فهو بذلك يغفل القيمة الفنية .. وعليه فإنه يهتم بذلك لايهتم بالشكل ويتعامل معه كونه نتاجا للخيال .
2_ أنه منهج يعتمد على [ الانتقائية ] فالباحث فيه يعتمد على ذوقه انتقائية وهو بذلك يقتل " وحدة النص " ويركز فقط على جزئية تخدم المنهج والدراسة الانتقائية تسهم في تقليص المادة بمعنى لاتكون عنده مادة مطولة يعمد الملف لاختيار أبرز مايخدم رؤيته للموضوع الأساسي فيبني عليها منهجه , وإن كان هذا جيد في نظر الكثير من النقاد , إلا أن بعض الباحثين وهم يعتمدون على ذوقهم الخاص في اختيار النصوص ربما يغفلون نصا هو الأهمية بالدراسة لأنه يرى من منظوره الخاص أنه قليل الأهمية .
وهاي النقطة السلبية تقود إلى اشكالية أخرى وهي :
3 _ الغموض فاقتطاع النص من سياقه واعتماد التحليل فيه على شرائح ومفردات قد تُوقع القارىء في ورطة المبهم والغامض والضبابية .
[ تحياتي ]
حسناً ...
وتماماً على الذي تعتقدين ياسيدتي ..
نقرأ في مداخلتك الأخيرة ..خلاصة مهمة توشك أن تجمل ثغرات الفكر الظاهراتي في توظفيه في المجال الأدبي ..
إلا أنني أودأن أوضح للسيدات والسادة القراء لهذا الملف ..بأن النقد الظاهراتي لايتجاوز في السيرة الذاتية للنظرية النقدية الحديثة
سوى أن يكون الشرارة الأولى ألتي أشعلت سعير الرؤيا الحداثية للنص الأدبي ..وهذا مايكفي الظاهراتيين فخراً ..
إنه العتبة الأولى التي يمكن أن نطأها على سلم النظرية النقدية الحديثة (( كما أعتقد ))
أما مايعتري هذا المذهب من إشكاليات وملاحظات .. فهي هوامش ومفرزات لتجسيد الفكرة الظاهراتية ..أمام مؤسسة اللغة
وخطورة الظاهراتيين تكمن في أنهم
يتناولون وعي فعل الكتابة عند الشاعر كظاهرة ويصفون انعكاس هذه الممارسة الواعية للشعر على مرآة المتلقي الذهنية ..وفي هذا سبر عميق ومؤشر مهم
يجعلنا نستطيع أن نفرق بين إدعاء الشعر وبين أصالة الموهبة الشعرية عند الناص ..
(( قضية الجوهر ..ورد فعل الحدس الأولي ))
حدس الشاعرأقرب إلى الجوهر لأنه (( يرى مالايرى ويقول مالاينقال ))
متجرد عن الموروثات الذهنية والقواعد المسبقة (( وهذا مطلب الظاهراتيين ))
إنه قمرٌ لاتحجبه الغيوم عن ليل مملكة الشعر
فالظاهراتيون وبحسم واضح من خلال مقالاتهم ..لايقبلون بإعتماد المذهب الفرويدي (( المدرسة النفسية )) في تبرير الأنساق والسياقات الشعرية ..
وهذه المدرسة سمحت للكثيرين لأن يتخذوا من الفرويدية شماعة يعلق عليها إخفاقات النص بتهويمات نقدية إنشائية ..
هنا يمكن أن نفهم سبب تواجد ما اعتبره الكثيرون ثغرات في النقد الظاهراتي ..
والسبب بوجهة نظري ..هو أن هذا النقد ..نقد انبثق بعيداً عن مشكاة الألسنة (( لسانيات دوسوسير)) واسمحوا لي بتشبيه أعتقد أنه قد يفي بالغرض :
إذا اعتبرنا النص خلية لغوية مؤلفة من مكونات(( ألفاظ ..آليات الإستعارة ..القناع ..المضاف إليه..إنزياح الدلالات ..الروابط البنيوية ))
تسبح هذه المكونات ضمن هيولى الخلية نستطيع أن نقول بأن الظاهراتيون يركزون على الهيولى التي تنشأ وتتفاعل ضمنها جزئيات النص أكثر من أي شيء آخر فهم يعتبرون بأنها الجهاز الإعاشي والمنتج لجميع المكونات
السيدات والسادة :
هذا أول الغيث ..ولانستطيع أن نجمل ونتقدم بلغة إصطلاحية قد تكون مجهولة عند البعض ..ولكنني متفائل بهذه المسيرة والمداخلات الرائعة التي
وإن شاء الله لن تبقى متعلقات لأي مصطلح إلا وقد تناولتها ..على مدة شهر ..
سحر
لك الشكر الجزيل على هذا الإثراء ..مع خالص الإحترام
والمودة..والأمل بالمتابعة ..
د.باسم القاسم
01-02-2010, 12:33 AM
حسناً ..
نكهةٌ مغايرة تلف مداخلتكم الثمينة ..
أستاذ سالم عايش ..
أجزم وإياكم بخصوصية النقد الظاهراتي في تناول النصوص الشعرية (( ناصاً ومتلقياً )) ..
ولكنني أطمع أكثر بأن نتشارك رأياً موضوعياً من باب آخر ..
وهو أن خصوصية النقد الظاهراتي لاتعفيه من سلبية إغفال الجانب الألسني في تناول النصوص الشعرية ..وكما تعلم هناك مدارس ومذاهب عملاقة فتحت نظرية الألسنة أمامها الباب مشرعاً لإكتشاف مناجم اللغة في النصوص الشعرية ..للوصول للجوهر والذي يسعىله الظاهراتيون أيضاً
تدري ؟ ..
يخيل إلي أن أشبه الظاهراتيين بأنهم تحت إختصاص في النقدالأدبي ..مثلاً نقول (( فلان :أخصائي جراحة عظمية /تحت إختصاص جراحة الكف ))
هي استعارة طبية ولكنها قد توفي بالغرض ..فما رأيك؟
ولمرة أخرى ...
يسعدني معك النقاش ..
لديك نفس المثقف المغاير والمتمكن
أتفاءل بدوام التواصل معه..
دمتم بخير ..
سناء البخاري
01-12-2010, 03:52 AM
كنت قد سمعت أنـ الناقد «شخص يعرف معالم الطريق جيدا ولكنه لا يعرف كيف يقود السيارة»
لكنـ ما قرأته اليومـ في متصفحك الرائع يدلـ على أنكـ أنت من رصـ الطريقـ باحتراقية رائعة
فعلا موضوع يستحق أن أقف عندهـ بهدوء وأتشربـ من منابعهـ
كنـ على ثقة د. باسمـ أني أكثر الأعضاء امتناناً لهذا المجهود الجميل
المصطلح المتداول -الفُيْنومُينولُوجْيا- أستخدمه بكثرة في اللغة الاسبانية
لكنني أبدا لو أتصور أن له كل هذه الدلالات ولم أحاول استخدامه في اللغة العربية نهائيا
لكنني اليوم تأكدت أن لغتنا الثرية كل يوم تتسع لأكثر وأكثر...
لكـ كل الود أخي
-متابعة-
د.باسم القاسم
01-12-2010, 03:16 PM
كنت قد سمعت أنـ الناقد «شخص يعرف معالم الطريق جيدا ولكنه لا يعرف كيف يقود السيارة»
لكنـ ما قرأته اليومـ في متصفحك الرائع يدلـ على أنكـ أنت من رصـ الطريقـ باحتراقية رائعة
فعلا موضوع يستحق أن أقف عندهـ بهدوء وأتشربـ من منابعهـ
كنـ على ثقة د. باسمـ أني أكثر الأعضاء امتناناً لهذا المجهود الجميل
المصطلح المتداول -الفُيْنومُينولُوجْيا- أستخدمه بكثرة في اللغة الاسبانية
لكنني أبدا لو أتصور أن له كل هذه الدلالات ولم أحاول استخدامه في اللغة العربية نهائيا
لكنني اليوم تأكدت أن لغتنا الثرية كل يوم تتسع لأكثر وأكثر...
لكـ كل الود أخي
-متابعة-
الأستاذة سناء البخاري ..
لايبارحني الشك بجدارتي في أن أكون بينكم
ولكن كلامك يبدد قليلاً من هذا الشك ..
شكراً لذاتك ..وربما سأعد بومضة أخيرة
تتعلق بتناول الفينومينو لوجيا للنص الأدبي
دمت بخير
أحمد الحسون
01-20-2010, 12:46 AM
د. باسم
أتيت بخطوات مهمة لفضاء المصطلح
نحن متابعون وننتظر المزيد لنعبّ من عطائك القيّم.
كل التقدير والاحترام لجهودك.
هذا الاتجاه الفلسفي أسس لنقد جديد عندما أكد هوسرل أن المعرفة الحقيقية تأتي بتحليل الذات نفسها، وتقوم بالتعرف على العالم( تحليل الوعي )، لذلك الوعي لا يكون مستقلاً وإنما هو وعي بشيء ما، علماً أن هوسرل أكد أن من الضروري تجريد الوعي من أي تصورات ما قبلية سواء أكانت فلسفية أم حسية.
والمبدع عندما يؤلف سيحلل عبر إدراكه وذاته وبيئته، ويقدم لنا ظاهرة قدمت للعالم رؤيته، وفهم الظاهرة يجب أن يتم عبر قناتين:
1- الذات 2- الظاهرة نفسها.
أي تعدد القراءات للظاهرة نفسها.
إن هذا الاتجاه عني جداً بالمتلقي.
شكراً جزيلاً دكتور لما قدمتَ وما ستقدّم.
تقبل مروري المتواضع أمام فكرك، ودمت بخير وعطاء أخي.
د.باسم القاسم
01-20-2010, 09:48 PM
د. باسم
أتيت بخطوات مهمة لفضاء المصطلح
نحن متابعون وننتظر المزيد لنعبّ من عطائك القيّم.
كل التقدير والاحترام لجهودك.
هذا الاتجاه الفلسفي أسس لنقد جديد عندما أكد هوسرل أن المعرفة الحقيقية تأتي بتحليل الذات نفسها، وتقوم بالتعرف على العالم( تحليل الوعي )، لذلك الوعي لا يكون مستقلاً وإنما هو وعي بشيء ما، علماً أن هوسرل أكد أن من الضروري تجريد الوعي من أي تصورات ما قبلية سواء أكانت فلسفية أم حسية.
والمبدع عندما يؤلف سيحلل عبر إدراكه وذاته وبيئته، ويقدم لنا ظاهرة قدمت للعالم رؤيته، وفهم الظاهرة يجب أن يتم عبر قناتين:
1- الذات 2- الظاهرة نفسها.
أي تعدد القراءات للظاهرة نفسها.
إن هذا الاتجاه عني جداً بالمتلقي.
شكراً جزيلاً دكتور لما قدمتَ وما ستقدّم.
تقبل مروري المتواضع أمام فكرك، ودمت بخير وعطاء أخي.
الأستاذ الشاعر أحمد أنيس الحسون
ممتنٌ لحضرتكم على هذا المرور المتواضع ..والذي كان له أهمية بالغة عندي ..
دمت بخير ..
د.باسم القاسم
02-01-2010, 11:13 AM
السيدات والسادة :
ليس من العجب أن نعتبر لفظة المتلقي كيان لفظي اصطلاحي لأننا طالما استخدمنا هذه اللفظة في تعليقاتنا وهوامشنا النقدية ..وكأننا نعتبرها لفظة من اللفظات العابرة ..ولكن في حقيقة الأمر أيتها السيدات وأيها السادة ..عندما نستخدم هذه اللفظة في سياق تعليق نقدي أو هامش دراسي ..فعلينا أن نعي تماماً بأننا مع إحضار هذه اللفظة نحن نحضر مصطلح من مصطلحات النقد المهمة والذي لوحده تسبب في إفراز مصطلحات نقدية مهمة وحينها يكون من الكياسة أن نعرف أننا باستخدامنا لهذه اللفظة نحن نشير إلى أهم وأجمل ((إذا صح التعبير ..))النظريات النقدية الحديثة ..وهي نظرية التلقي ..ونظرية الاستقبال .. ومن يستخدم هذه اللفظة ((المتلقي)) في مجال النقد لابد أن ينتبه إلى أن كل مايليها من استقراءات ونتائج سيكون متعلق وصادر من مشكاة هاتين النظريتين وربما أكثر ..
لماذا الفصل ؟
هنا نؤكد على أن نظرية التلقي ..منفصلة تماماً بالمنشأ والتبني عن نظرية الاستقبال وهما لا ينتميان إلى بيئة واحدة ..ولكن الهم مشترك .. سأكتفي بذكر أحد الفوارق وهو أن نظرية التلقي من مدارس أوربية ((ألمانية ))أما نظرية الاستقبال فمن المدرسة النقدية الأميركية ..
ولقد تم تجاوز هذا الفصل وغالباً ما يتم الدمج بينهما في إطار الحديث حول النص والمتلقي / الباث والمستقبل ..
وعلى ذلك سأبين هاهنا أقانيم عملية التلقي أو فلنعتبرها معادلة الألفاظ المستخدمة والواجبة الاستخدام في تناول هاتين المدرستين النقديتين للإنتاج الأدبي والتواصل والاتصال مع القارئ *
مدرسة التلقي : النـَّاص(( المؤلف )) .... النص ... المتلقي
نظرية الاستقبال : المُرسل(( المؤلف )) ....الرسالة ...المُرسَل إليه أو الباث .....الرسالة.... المُستقبـِل
أعتقد انه كان لابد من هذه التوطئة ..
وأدعو نفسي وإياكم إلى هذه المائدة النقدية الفاخرة ..
المنشأ الفلسفي :
تعود جذور النشأة الفلسفية لمصطلح (( المتلقي )) إلى الفلسفة الألمانية منبثقة بشكل مباشر من معطيات الظاهراتية والتأويلية ، ومِن أهم مَن مثلها : (آيزر، وياوس، وفيش ) الذين أسسوا لنظرية التلقي ..وماتبعها من معطيات مدرسة كونستانس المرتكزة على نظرية التأويل وخصوصاً نظرية ((هانس غادامير ))
ملاحظة : (( كونستانس (بالألمانية: Konstanz) هي مدينة تقع في أقصى جنوب ألمانيا على بحيرة كونستانس على الحدود مع سويسرا ))
أما نظرية الاستقبال فنظرية الاستقبال وُلدت في النقد الأمريكي الحديث ضمن ما يعرف بـ ( النقد الأنجلو - أمريكي ) ، ويتحدد بمجموعة من النقاد من أهمهم : ( جوناثان كيلر، ونورمان هولاند ، وديفيد بليش ، ومايكل ريفاتير )
وتعتبر نظرية التلقي والاستقبال اليوم من أشهر نظريات الأدب وأكثرها ورودًا في كتابات النقاد، وأشدها صلة بمقياس الجودة الفنية للمـُعطى الأدبي ، إذ هي التي تحدد أبعاد تلك الجودة من خلال مشاركة المتلقي أو القارئ أو المستقبل (على اختلاف المصطلحات) في تكوين النص نموذجًا أدبيًا .... وقد ذهب البعض إلى أكثر من ذلك فحمل المتلقي مسؤولية إعادة إنتاج النص وتتكرر هذه العملية تبعاً لنوعية المتلقي وإمكانيات النصوص وهذا مايحدد الجودة الفنية للمنتج الأدبي ..
ولكن قبل أن نغرق في حديثنا اسمحوا لي بتبني عملية الدمج بين النظريتين لسهولة العرض والأمر الآخر و من باب الأمانة والافتخار و الانتمائية علي الإشارة إلى أن العرب كأمة مستمعة وقارئة تعتبر من أخطر الأمم في عملية التلقي لما تتميز به من سليقة وفراسة لغوية وربما نجد بين طيات الكثير من الحوادث الأدبية والمسجلات والمناظرات في تراثنا الأدبي نجد آثار وبذور لنظرية التلقي الحديثة والأمثلة كثيرة يضيق بنا المقام هنا على ذكرها ..
اعتبارات نظرية التلقي والاستقبال :
حاولت النظرية النقدية وعلى مر العصور صب الاهتمام على أحد عناصر العملية الفنية في الإنتاج الأدبي (( على العمل الأدبي أو مايحاكيه ، أو على المؤلف أو على القارئ )) ولكن القارئ كان دائماً ما ينسحب ويتنازل عن دوره وأهميته إما لصالح النص كمحتوى ومضمون أو للمؤلف حتى يستفيد القارئ من عبقريته ويستمتع بالمنتج إلى أن ظهرت نظريات الألسنة والتفكيك والبنيوية فعززت دور القارئ في العملية الفنية مما مهد لظهور نظرية التلقي والتي قلبت الموازين تماماً لمصلحة القارئ وأعادت الاعتبار إلى أهمية سياقات النص بعد إهمال السياق من قبل مدارس الألسنة ودوره في توجيه آلية التأويل لدى القارئ لترفع من شأن الأنساق وتفكيكها وأكدت نظرية التلقي وفق حقيقة نقدية قارة بأن الفاعلية الأدبية لاتتجسد إلا بوجود قطبين الأول القطب الفني والذي يتمثل بالنص الناتج عن المؤلف وأنا أعتبر هنا أن المؤلف هو القطب الفني ..والقطب الجمالي والذي يجسده المتلقي ففعل القراءة يتحقق بصريًا وذهنياً عبر استيعاب النص وفهمه وتأويله وهو الذي يخرج النص إلى فضاءات لا محدودة من إعادة الإنتاج
وبعد تكثيف دقيق للحراك النقدي داخل مدرسة التلقي أعتقد أننا يمكن أن نجمل المحاور التي دارت عليها رحى النقاش والدراسة
فيما يلي :
(1) من هو القارئ ..
(2) ما هو منهج القارئ في التلقي والاستقبال
(3) ما هي استراتيجيات النص أثناء كتابته مع المتلقي المفترض لدى الناص
(4) كيمياء التلقي وماهية التفاعل بين النص والقارئ ومفرزاتها *
السيدات والسادة سأعرض لحضراتكم هذه المحاور بطريقة سردية واصطفائية وبتصرف كبير مني(( أتحمل مسؤوليته ))
متقصداً الابتعاد عن اللغة التخصصية والمدرسية قدر الإمكان (فليعذرني أهل الاختصاص ..)
فنظرية التلقي مشتبكة مع اتجاهات نقدية واسعة وأستطيع القول أن هذا الاشتباك ناتج عن تبنيها لدور المتلقي وإعطائه النصيب الأكبر في آليات التفاعل الأدبي ......
هذه النظرية نستطيع أن نعتبرها روافد متعدد ة تصب في أحواض فكرية نقدية كثيرة ..
(1) من هو القارئ :
لابد أن نضع لتعريف النص الأدبي صيغة نرتكز عليها في تناولنا للقارئ وأرى أكثرها تناسباً هو ما طرحته نظرية الألسنة
كتعريف للنص وهو ((النص هو كل متتالية من الجمل شريطة أن تكون بينها علاقات لغوية تؤدي بها إلى مجموعة من المعاني المقصودة للقارئ أو للكاتب نفسه أو لكليهما معاً ..))
وهنا لانهمل كون التلقي سمعي أو بصري (( استماع أو قراءة )) على اختلاف خصوصية التأثر في كلتا الحالتين ..
على ما سبق تحدد نظرية التلقي صنفين كبيرين للقارئ ويتبعهما تفرعات كثيرة وهما :
أولاً : القارئ المفترض
ثانياً : القارئ الحقيقي
أولاً : القارئ المفترض :
هنا أيها المبدعون نستطيع إيقاف الزمن لبرهة قصيرة لنفتش عن أنفسنا قبل وأثناء وبعد عملية
الكتابة ...نستطيع أن نجد إجابات وافرة عن معطيات العمل الأدبي من الرمزية إلى الغموض إلى التقريرية والمباشرة إلخ .
لمن يكتب المبدع أثناء فعل الكتابة ؟ سؤال إجابته خطير لأننا من خلالها نستطيع رصد الحراك الداخلي في النص ..
أعود وأقول بأنه يندرج تحت هذا المسمى الأصناف التالية :
_ القارئ المفترض المقصود /المضمر :
ثمة "القارئ المُضمَر" وهو، حسب طائفة من نقّاد مدارس استجابة القارئ، هو ذلك القارئ الافتراضي الذي يضمره الأديب، واعياً أو غير واعٍ، لأنّ المؤلّف يخلق في النصّ ((صورة عن نفسه وصورة أخرى عن قارئه))
كما يقول الناقد الأمريكي /واين بوث/. وهو «يصنع قارئه تماماً كما يصنع نفسه الثانية»، ويُفترض في هذا القارئ (المُفتَرض في الأساس) أن يكون على معرفة نقدية وجمالية بمقدار كبير من خصائص النصّ، خصوصاً تلك الخافية المعقدة. ومن يحدد وجود هذا القارئ هو المؤلف من خلال استخدامه آليات وحيل معينة داخل النص للمواراة ولإضمار وجود هذا القارئ من باب تضمين البنية الفنية بما يعرف بفراغات الاستدلال والإحالات للمعنى المتعدد لاحتمالات التأويل
_ القارئ المفترض النموذج :
وهو من محض اختراع الناقد ولا يدل إلا عليه ولا يعدو أن يكون احد آليات الناقد والتي يستخدمها في شرح النص وتفسير آلياته أو أن يكون هو المثال الذي يُحتذى به في مقاربتنا للنص ..
فالناقد عندما يتحدث عن النص فإنه إما يتبنى قارئ يحوز على الكفاءة وفق مايعرف بمصطلح (( القدرة والكفاءة )) (أ)
وهو من مصطلحات نظرية التلقي .... أو أنه يعتبر نفسه هو ذلك القارئ ...
_ القارئ المفترض المثالي :
وهو "القارئ الأمثل"،والذي يأمل المؤلف أن يصل إليه النص وقد يكون هو جمهور الكاتب أو القارئ المستهدف من قبل الكاتب وهو الذي يستولي على معظم خصائص القارئ في النمطين السابقين ، فضلاً عن كونه بالنسبة للمؤلف هو ذلك المجهّز على أحسن وجه لفكّ ألغاز النصوص، وعُدّته تتراوح بين المعرفة الواسعة، والقدرة على التذوّق، وتوفّر الحساسيات والإنحيازات، والخبرة الطويلة في استراتيجيات القراءة. هو، إذاً، حامل عبء مع المؤلف، أو أحد الوسطاء بين الكتابة والاستقبال، إلا إذا تضخم تفاعله مع النصّ فبلغ درجة الغطرسة والتعسف. وهنا أشير أن هذا الصنف من القراء المفترضين من قبل المؤلف ربما يجر النص إلى فخ الغموض أو الإلغاز أو الذاتوية العميقة ...
ملاحظة : هناك تداخل كبير في ألفاظ صفات المتلقي المفترض فمثلاً القارئ المضمر عند ((آيزر)) هو نفسه المثالي بالنسبة لـ((فش)) ..الخ من هذه التقاطعات
ما يهمنا أيتها السيدات والسادة هو تحديد ورصد حالات التلقي .. وأعتقد هذه الاختلافات والتقاطعات في التسمية هي التي أدخلت نظرية التلقي في أجواء التشتت وسأذكر لحضراتكم مسميات للمتلقي المفترض
-القارئ المثالي لدى( رومان إنغاردن)
-القارئ التاريخي لدى(هانس)
-القارئ الضمني لدى (آيزر)
-القارئ الهيدوني لدى (رولان بارت )
-القارئ التخييلي لدى ( ميشل كارلس)
-القارئ النموذج لدى ( أمبيرتو إيكو )
-القارئ المفكك لدى ( جاك دريدا)
-القارئ الجامع لدى ( ريفاتيير)
-القارئ المستهدف لدى ( وولف )
-القارئ المخبر لدى ( ستانلي فيش )
-القارئ «اللاعب» لدى ( ميشيل بيكارد )
-القارئ المجرد لدى ( ليند فيلت )
-المسرود له في السرديات لدى ( برنس )وغيره ...
ولمختلف أنواع هؤلاء القراء تحديدات نظرية لاتمتلك لدى أصحابها أي وجود فعلي أو واقعي، بقدر ما هي كيانات نصية وافتراضية مثبتة في ثنايا النصوص يستخدمها المؤلف كوسيط بين النص والقارئ ..
كل هذه الأسماء هي ممن تؤرقهم نظرية التلقي ولكنني وأعتقد أن عرضي لثلاثة أصناف ربما يخدمنا في شرح فكرة نظرية التلقي وأعتقد أيضاً بأنه يوجد فروقات بسيطة بين التصنيفات التي قدمتها ..وباقي المسميات الآنفة الذكر ..
"يتبع"
د.باسم القاسم
02-01-2010, 11:41 AM
ثانياً : القارئ الحقيقي :
وهو ذلك الشخص الذي يشتري النص ليقرؤه وهو ليس من جمهور المؤلف ..وهو الذي قد لايفترضه المؤلف كقارئ أثناء كتابته للنص ..وهو الصدفة التي لم يحسب لها حساب .. (( أليس هناك فرق بين أن يذهب أحد عشاق نزار قباني ليشتري دواوينه وبين الذي يشتريها وهو لا يعرف نزار قباني من الأصل )) إنه خارج بنية النص ولايمكن الاستدلال عليه من خلال السياقات النصية الواردة في النص ..
وعنده تبدأ حدود النص بالانهيار إذ يخرج النص والنقد معاً إلى فضاء الثقافة العامة بكل ما يؤثر بها من تاريخ وعلم اجتماع وإيديولوجيا وحالة نفسية وتحيز سياسي ولأتحمل المسؤولية وأطلق عليه مسمى (( القارئ الغائب )) فهو الذي يغيب عن حسابات المؤلف والناقد ..
هذا القارئ الحقيقي دارت عليه رحى مناقشات مدرسة التلقي ..ومجموعة الاختلافات
حول مايلي :
- هل يقوم القارئ بإسقاط اهتماماته ورغباته على النص أم أن النص هو الذي يفرز هذه الاهتمامات ؟
- هل المعنى وإنتاجه يكون في النص أم لدى القارئ أم لدى المؤلف أم لدى الفضاء الثقافي أم في اللغة كمؤسسة اجتماعية تتجاوز الجميع ؟
- كيف يتفق القراء على معنى ما في نص معين ؟
كل هذه الاختلافات تم الإجابة عنها من خلال أربع جهات :
_ جهة تنازلت للنص عن جميع الأدوار ليحكم عليه
_ جهة أقامت القارئ حكماً ومنتجاً لكل ما كان للنص من مفرزات
_ جهة قالت بأن المعنى هو منتج عن تفاعل جميع الأطراف الأدبية وغير الأدبية
_ وجهة اعتمدت نظرية التأويل وأطلقت مايعرف بـ /أفق التوقع /
(( وهم جماعة مدرسة كونستانس )) (ب)
والتي عرفت أفق التوقعات بأنه مجموعة التوقعات الأدبية والثقافية والتاريخية التي يتسلح بها القارئ عن وعي أو غير وعي ..وذلك قبل تناول النص ..
وأترك الحق لي و لكم أيتها السيدات والسادة من أعضاء أبعاد وزوارها في الدخول ضمن هذا النقاش وكلٌ يدلي بدلوه وحججه لترجيح على أية جهة يتم تحميل المسؤولية ...
(2) ماهو منهج القارئ في التلقي والاستقبال :
تعددت تصنيفات منهجية القارئ أثناء تناول النص وسأورد لحضراتكم هذا التصنيف والذي أعتبره مهماً في إيصال فكرة مدرسة التلقي ..
وصاحب هذا التصنيف هو الأستاذ أيمن صالح في كتابه (( تلقي النص الديني ..)) وقد أورده كمايلي :
تلقي غير المهتم /تلقي المغرض / تلقي المقتصد / تلقي البياني / تلقي المختص / تلقي المتدبر
تلقي غير المهتم :
وهو أن يباشر المتلقي فعل التلقي، استماعاً أو نظراً، دون أن يعبأ بالخطاب ذاته أو بمعناه، وهو نوعان:
ً1- هو لا يريد الوصول إلى معنى الخطاب أيّاً كان المعنى، لكنه يتحصل له شيء على الرغم من ذلك، كمتصفّح الجريدة - مثلاً – عن خبر معين. فيقع نظره على كثير من النصوص التي لا يبتغيها قبل الوصول إلى مبتغاه.
ً2- هو يهتمّ بالخطاب لكن لا لمعناه، وإنما لشيء آخر غير المعنى، كرجل يستمع إلى أغان تقال بلغة هو لا يفهمها، للحصول على الطرب
تلقي المغرض :
هو الذي يبغي الوصول إلى معنى لا يؤدّيه الخطاب – وإن كان قد يحتمله لغةً احتمالاً بعيداً– يريده بسبب أو لآخر. فالمغرض هو الذي يريد أن يوظّف الخطاب لغرضه وهواه، لا لغرض قصده المتكلّم. وفيه قال الله عزوجل: "يحرّفون الكلم عن مواضعه" (النساء: 46). والجدير بالذكر هنا أن المغرض يطّلع على المعنى الصحيح للنص، ولكنه يحاول أن يصرفه إلى غير ما أراده المتكلم لغرضه متعمّدا
تلقي المقتصد :
المتلقي يبغي الوصول إلى المقصود القريب للمتكلم، ولا يكلف نفسه محاولة الوصول إلى المقصود أو المقاصد الأبعد. فهو يقتنع بما يدل عليه النص بعبارته، أو بظاهره. مثال ذلك من قراء قول الله تعالى: "إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ." فأدرك حصول التحيّة من الملائكة لإبراهيم، وبالعكس. ولكن هذا المتلقي لا يلتفت إلى سبب الرفع على كلمة "سلامٌ" في حكاية إبراهيم عليه السلام بدلاً من النصب الذي سبق في تحيّة الملائكة "سلاما ًً". وذلك لقصد إفادة الجملة الاسمية الدوامَ والثبوتَ، بخلاف الفعلية فإنها تفيد الحدوث والتجدّد
تلقي البياني :
وهو أن يكون المتلقي مبتغياً الوصول إلى المعنى المقصود من النص فحسب، سواء أكان أصلياًّ أم تابعاً، منطوقاً أم مفهوماً، فلا يحتفل بالمعنى اللازم غير المقصود. مثال ذلك قوله تعالى: "وكأين من نبي قاتل معه رِبّيّون كثير" (آل عمران 146) فالمعنى المقصود هو أنه: كم من نبي قاتل معه رجال كثُر، فأصيبوا نتيجة القتال، لكن ذلك لم يفتّ في عزيمتهم، أو يضعف من معنويّاتهم، وهناك معنى لازم وراء هذا النص، وهو تثبيت قلوب من أصيبوا في "أُحد"، وتصبيرهم، والشدّ على أيديهم
تلقي المختص :
وهو أن يريد المتلقي الوصول إلى معنى خاص يؤديه الخطاب، سواء أكان هذا المعنى مقصوداً للمتكلم أم لازماً غير مقصود، فإذا كان يبحث عن معنى عقدي في نص شرعي فهو كلامي، أو عن معنى تاريخي في نصّ فهو مؤرّخ، أو عن معنى لغويّ فهو لغويّ، أو عن حكم شرعي فهو فقيه...
تلقي المتدبر :
وهو أن يريد المتلقي الوصول إلى كامل معنى الخطاب، أي إلى كلّ المعاني المقصودة أصلاً وتبعاً، وكلّ المعني اللاّزمة غير المقصودة. مثل أولئك الشراح والمفسرون الذين غايتهم البحث عن كل معنى ممكن للنص.
فهذه هي أنماط تلقي النص التي ثبتت بالاستقراء. هذه القسمة تدلّ على أن المتلقي مصطلح عام تحته مصطلحات مختلفة يمكن لنا استخدامها نظراً إلى غاية المتلقي في تلقّيه النص .
أحببت أن أنقل إلى حضراتكم هذا التصنيف بحذافيره لما وجدت فيه من موسوعية وإحاطة وسهولة في الأمثلة..ربما سينتابنا بعض المتعة هاهنا وهذه المتعة هي سر التعاطي مع نظرية التلقي وكأنها منهج مفتوح على كل الآراء ..
مار أيكم !
السيدات والسادة أعتقد أنني لابد أن أتوقف هنا لترك الفرصة للسيدات والسادة القراء لتناول ما تم طرحه آنفاً ..
ولابد من العودة للمتابعة ..
دمتم بخير
هوامش :
أ- ((مصطلح الكفاءة والقدرة)) :
يعنى بالقارئ الذي يـُعتبر مـُنتج ثقافي مؤسساتي يتجاوز كل تطلعات وتوقعات المؤلف والناقد أيضاً
ب- ((مدرسة كونستانس جمالية التلقي )) :
تأسست على يد رائديها المشهورين (هانز روبير ياوس / و/فولفجانج أيزر)
ولقد انصب اهتمام هذه المدرسة على تجليات الفن كفاعلية إنتاجية لدى القارئ واعتبرت أن الخيال الأدبي هو أفق للحقيقة التاريخية وأن العالم الحقيقي هو أفق للعالم الخيالي وأبرز ما أنتجته هذه المدرسة هو القول بأن العمل الأدبي في منظور جمالية التلقي يمتلك قطبين أساسيين: القطب الفني، والقطب الجمالي. الأول يشكل نتاج الممارسة الإبداعية لدى المؤلف، والثاني يشير إلى التحققات المرصودة من قبل القارئ وإن موقع الأثر الأدبي إذن هو حيث يلتقي النص والقارئ.
وأكد الدارسون على أن (جمالية التلقي) لها القدرة على انتزاع الأعمال الفنية من الماضي عن طريق التفسيرات الجديدة وعن طريق ماتسلح به المتلقي الجد يد من آفاق تاريخية وسياسية واجتماعية ونفسية ، وترجمتها إلى حاضر جديد، وجعل التجارب المختزنة في الماضي سهلة المنال مرة أخرى، أو -بعبارة أخرى- طرح أسئلة يعاد طرحها على يد كل جيل، ويكون فن الماضي قادرا على الحوار معها، وعلى أن يقدم إلينا الإجابات عنها...
ومن هنا تأتي خطورة وأهمية هذا الطرح ..إنه الفرصة الذهبية لأن تقول رأيك بالموروث والمكتسب سلفاً وهو ما يحكم على حياة النص ونقض الإجماع على مجموعة المعاني المستقاة من النصوهنا يكتسب النص درجة التفوق من حيث قدرته على الصيرورة مهما تعدد الزمان والمكان ..وهذا ما أطلق عليه شخصياً ((حياة النص ))..*
المراجع :
# - نظرية التلقي : ياسر نديم القاسمي
كلّية معارف الوحي والعلوم الإنسانية
الجامعة الإسلامية العالمية ، ماليزيا
# - النص والحقيقة /نقد النص ..(علي حرب) الدار البيضاء ..
# - دليل الناقد الأدبي ميجان الرويلي /سعد البازعي
# - أرشيف كتابات معاصرة
# - كتاب نظرية التأثير والجمالية : طراد أون
# - مقال ( أوركسترا ) لصبحي حديد عن كتاب قاسم حداد ( فتنة السؤال )
* دراسات موت اللغة د.باسم القاسم
" يتبع "
إبراهيم الشتوي
02-01-2010, 09:22 PM
الأحبة المشرقون في هذا المتصفح المثمر بالوعي والمعشوشب بالإبداع والنعناع ..
وبعد تناول مصطلح " الفينومينو لوجيا " ومناقشته بمداخلاتكم النور ومدادكم البلور فقد تم نهاية تداول هذا المصطلح ..
لنصافح سويا المصطلح الجديد (مصطلح / المتلقي / (( نظرية التلقي /نظرية الاستقبال )) ..
شاكرين للدكتور: باسم القاسم (http://www.ab33ad.com/vb/member.php?u=443) كرمه المغدق وفكره المتقد ..
فمرحباً بكم جميعاً .
قايـد الحربي
02-02-2010, 06:46 PM
د.باسم القاسم
ـــــ
* * *
أُرحبُ بك كثيراً ،
وَ بالوضّاء من فكرك .
:
وَ هاهُو الغُصن الثاني يتدلّى بِثماره وَ أفكاره ،
وَ منك سُقياه المشكوْرة .
:
عن نظَريّة - التلقّي وَ الاسْتقبال - ، أُسْتُنْتِج :
" أن ما يهم هذه النظرية ليس ما يقوله النص ولا من قاله ولا مضامينه ومعانيه التي تبقى نسبية بل ما يتركه العمل من آثار شعورية ووقع فني وجمالي في النفوس والبحث عن أسرار خلود أعمال مبدعين كبار وأسباب ديمومتها وحيثيات روعتها وعبقريتها الفنية. كما تحاول هذه النظرية أن تعيد قراءة الموروث الأدبي والإبداعي من خلال التركيز على ردود القراء وتأويلاتهم للنصوص وانفعالاتهم وكيفية تعاملهم معها أثناء التقبل وطبيعة التأثير التي تتركها نفسيا وجماليا لدى القراء عبر اختلاف السياقات التاريخية والاجتماعية. "
لِذا أراها تَقتربُ مِن نَظريّة [ نقْد اسْتجابة القارِئ ] التِي تقولُ :
" بأن المعاني هِيَ ما نمنَحهَا نحْن للنّصُوص ، فَنحنُ كـ قُراءٍ نَقرأُ مَا نُريد قِراءتَه ،
إذا امْتلأت القَصيدة بالفجوات والتوقعات"
بينما يقولُ الألمانيان [ ياوس ] و [ إيزر ] عَن نظريّة التلقي :
" بأنّ المَعانِي في القِراءة وَ أنّ النّصُوص تَحمِل فَجَواتٍ وَ تَوقعَات ٍ يَملؤهَا القَارئ بِما لا يُتَوّقع
وَ هُنا يَكونُ عُنصرُ المُفاجَأة .. "
نَعم .. بأنّ نظرية التلقّي تَجدُ الصّلةَ بيْن النَص وَ القَارئ حَاصِلةٌ فِي العُرفِ ،
وَ لأنّ الأعْرافَ وَ القَوَاعدَ لا تَخصّ شَخصاً مُعَيناً أو مَجالاً مُحدّداً فَإنّها لا تَستقُر كُليّةً فِي النّص ،
وَ لا كُليّة فِي القَارئ ، بَل عَن تَفاعُلٍ بَينهَمَا ،
بَينمَا الصّلةُ بيْن النَص وَ القَارئ فِي نَظريّة َنقدِ اسْتجَابة القَارئ تَكونُ فِي الكَفاءَة وَ قُدْرةِ القَارئ .
أيضاً عن نظريّة التلقّي :
" يرى [ إيزر ] أن العمل الأدبي له قطبان: قطب فني وقطب جمالي. فالقطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي وتسييجه بالدلالات والتيمات المضمونية قصد تبليغ القارئ بحمولات النص المعرفية والإيديولوجية، أي إن القطب الفني يحمل معنى ودلالة وبناء شكليا. أما القطب الجمالي، فيكمن في عملية القراءة التي تخرج النص من حالته المجردة إلى حالته الملموسة، أي يتحقق بصريا وذهنيا عبر استيعاب النص وفهمه وتأويله. ويقوم التأويل بدور مهم في استخلاص صورة المعنى المتخيل عبر سبر أغوار النص واستكناه دلالاته والبحث عن المعاني الخفية والواضحة عبر ملء البيضات والفراغات للحصول على مقصود النص وتأويله انطلاقا من تجربة القارئ الخيالية والواقعية "
:
لعلّني الآن أُعلّق :
- أرَى بأنّ نظريّة التلقّي و مَعها نظريّة نقد اسْتجابة القارئ ، قد عظّمتا القَارئ إلى دّرجةٍ ينْدُر فيها
وجُود أولئك القُراء الذينَ اشْترطتهُما النّظريّتان مُقتَصرةً - بالْعَمد أوْ دوْنه - ، قِراءة النصوص علَى
فئةٍ مُعيّنة وَ نخْبويّة !
- أيضاً تشْترط النّظريتان بتلكَ النّصوص : " أنْ تكوْن مليْئةً بالفجوَات " تلك التِي لا تَتأتّى إلاّ في
النّصوص المُغلقة .!
- انْتبه للنّقطة السّابقة [ أمبرطو إيكو ] إذْ يَرى :
" أنّ هُناك أنمَاطاً مِن القِراءة وَ القُراء فِي دِراسَاته عَن النّص المَفتُوح وَ النّص الغَائبْ :
1- نَص مَفتوحٌ وَ قِراءةٌ مَفتوْحة .
2- نَص مَفتوحٌ وَ قِراءةٌ مُغلقَة .
3- نَص مُغلقٌ وَ قِراءةٌ مُغلقَة .
4- نَص مُغلقٌ وَ قِراءةٌ مَفتوْحة . "
:
سَألتَ إذْ يُسْأل :
" -- هل يقوم القارئ بإسقاط اهتماماته ورغباته على النص أم أن النص هو الذي يفرز هذه الاهتمامات ؟ "
لا يُمكنُ للنّص - أيّ نص عظيم - أنْ يُسْتَعْبد مِن قِبَل القَارئ إلى هذهِ الدّرجة - أعني :
إلى دَرجة اسْقاط رَغبات وَ اهتمَامات القَارئ عليه ، مَالم يكُن لهذه الرغبات وَ الاهتمامات
مَا يُوافقهَا في النّص .
- " - هل المعنى وإنتاجه يكون في النص أم لدى القارئ أم لدى المؤلف أم لدى الفضاء الثقافي أم في اللغة كمؤسسة اجتماعية تتجاوز الجميع ؟ "
فِي كُل أولئك مُجْتمعيِن .
- " - كيف يتفق القراء على معنى ما في نص معين ؟ "
بَديْهيّ جداً أنْ يتّفق القَراء - وَ بمُستويَاتهم الثقافيّة - على مَعنىً وَاحدٍ لنصٍ مَا ،
تماماً كَـ اتّفاقنا علَى المَعنى الوَاحد لأيّ نصٍ علميّ ..
أمّا إنْ اتّفقنا علَى معنىً وَاحدٍ لنصٍ أدبيّ فَتأكد بأنّه نصٌ " تَافه " !
:
د.باسم
آياتٌ وَ راياتٌ تتْلوكَ بِرفْرفة .
د.باسم القاسم
02-02-2010, 11:40 PM
حسناً ...
هذه الفرصة يمنحنيها قايد الحربي ..
فلقد شمّرتُ عن ساعد الجد وأخذت أعجن طحين اللغة بماء الذهن ..وماكان ينقصني سوى نار تنـّوره ِ .. لعلـّه ينضج أرغفة خبز المعرفة للجائعين
من أمثالي ... فهل هناك معينٌ لي من بينهم ..؟
د.باسم القاسم
02-02-2010, 11:48 PM
الأستاذ قايد ..
ربما سنتفق على أن كلام المدارس الغربية ((كان من كان قائلوها ..)) ليس للإقرار بقدر ماهو للاستنتاج وتصويب الفكر ة
وهذا مانمارسه كلانا الآن وعندي اتفاق شبه تام معك في وجهة نظرك ولكنني سأحاول أن أستثمرها ..
وعليه أقول ... :
أعتقد أن القول بنظرية التلقي هو طريقة غير مباشرة لحماية النصوص وأخص منها الحداثية.. وإتاحة الفرصة لها
حتى وإن لم ير ذلك (( آيزر أو هولاند أوياوس ))
إنها بالفعل تعزز من حصانة النصوص ..وذلك بتحد يدها لنوعية القارئ ..
عندما يكتب أحدهم نصاً شعرياً ..ولا يجد تقبلاً عند قارئ من النموذج المغرض على سبيل المثال والذي طرحناه ..
لن نقول بأن النص ..فاشل ولكن نقول النص تم تناوله من قبل قارئ مغرض ..وهكذا ..
وعليه أرى ياسيدي ..
إن نظرية التلقي تلفت الانتباه إلى أننا لايمكن أن نعرف قيمة النص إلا إذا كنا أمام قارئ نخبوي ..وبالتالي هناك عذر لصاحب النص الشعري .. نظرية التلقي لاتطالب الكاتب أن
يكتب للنخبة ولكنها تدرس إمكانية أخذ النص صفة تعدد الوجوه وهذا ما أسميه شخصياً النص الأقصى ..
نظرية التلقي ..تنصب إشارات المرور للناص لتكون رقعة الدلالة في النص بانورامية إن جاز التعبير ولو أن أصحابها لم يصرحوا يذلك إلا قليلاً وبالتلميح وخاصة عن دراسة
إستراتيجية كتابة النص والذي سآتي عليه لاحقاً في نهاية دراسة المصطلح
فأفق التوقعات لم يتم الإشارة إليه أو دراسته كما أعتقد ..إلا من باب ..وضع معيار للنص الأدبي .. وليس ربط مصير النص بالقارئ ..
عندما قال آيزر (( أن المعنى ليس موضوعا ماديا يمكن تعريفه وحده وإنما هو تأثير يجب معايشته وإحساسه )) وأنا أخص
وأتحدث الآن عن الشعر فهل نعتقد بأن النص الشعري حقائق ...النص الشعري يقدم التحفيز للقارئ ليصل إلى حقائق تخص فهمه ..
نعم ياسيدي هناك في البداية تكوين جشتالتي أعلى مفتوح ننطلق منه نحو الإغلاق فدائماً في الكتابة نحن نسعى للإغلاق (( حسب أمبيرتو إيكو حسب اصطلاحاته ))
هذا الإغلاق كما أعتقد لانستطيع أن نؤمنه إلى بوجود طرف في معادلة التلقي للتحفيز عليه والمعادلة كما يلي ..
الناص ..النص ..المتلقي ..
هنا سيدي سأتحدث بشيء يخص دراستي عن موت اللغة ..
الناص سيقع في الكتابة المفتوحة حتماُ إلا في حال موت اللغة ..
ولكن المتلقي دائماً يجنح بالنص نحو الإغلاق وذلك لتنوع آفاق التوقعات لدى القراء ..هنا العملية الأدبية ككل تتأجج وتتشظى ..ولا أرى إلا لأفق التوقعات دوراً في هذا ..
وسندخل في خصومة جميلة (( الفن للفن )) بمعنى هل هناك وجود فعلي للنص إذا تلقاه وقرأه وسمعه المؤلف فقط ..
عزيزي قايد ..هناك فقرة لم أتناولها بعد في دراستي السابقة ..وهي
كيمياء التلقي ..وهنا سيكون لنا ردحاً طويلاً ..
ولي عودة ..
ملاحظة إلى السيدات والسادة المتابعين وحرصاً على أن يتم التواصل بين الجميع بوضوح
أعرف و باختصار شديد ...
الإغلاق : هو فتح باب التأويل للنص كتابة أو قراءة بحيث يتم إنتاج نصوص جديدة منه وذلك حسب القارئ والكاتب
أما النص المفتوح أو القراءة المفتوحة هو النص الذي يحدد كاتبه حدود لدلالته أو هي القراءة التي تقوم بتحديد دلالات نص ما باتجاه مقنن ٌ..
الجشتالت : كلمة تعني صيغة أو شكل أو نموذج أو تنظيم وهي مصطلح من الفلسفة الألمانية لعلم النفس والتي تقول بأننا لا ندرك الأجزاء التي يتكون منها الشيء وإنما ندرك الشكل العام،
والشكل العام حتماً لايتطابق مع الأجزاء التي كونته ..
أعتذر عن كون نكهة التخصص بدأت تلف الموضوع ولكنه .............قايد الحربي ..
قايـد الحربي
02-03-2010, 07:45 PM
د.باسم
نِعَمٌ تُسبغها عليّ دائماً ،
فَلا أعُود إلاّ إليك .
:
أولاً : - أسْتأذن لُطْفك - بتوْضيح الفَارق بَين [ الحقيقة ] وَ [ المعنى ] - عنْدي تحديداً -
فيمَا اسْتفهمْتَ عنه بقوْلك : " هل نعتقد بأن النص الشعري : حقائق ؟ "
وَ بالتأكيد الذي يؤكّده مُؤيدو النظريّة وَ مُؤسّسوها بعدم ذكرهم للفْظ [ الحقيقة ] ، يعني ألاّ حقيقة لأيّ نص
لأنّ الحقيقة وَاحدةٌ بالضّرورة أمّا [ المعنى ] فمُتعدّد ، تماماً كمَا هُو اشْتراطهم بالنّصوص .
:
- لِـ " أن الناقد سيبخس نفسه عندما يكتفي بالتعبير عن ذوقه لا غيره ، ولأنه سيسوي نفسه بأي قارئ
عادي يدعي القدرة على النقد" ، وَ اعْتماداً علَى اعْتماد النظريّة على القَارئ حدّ النخْبويّة ،
ألاَ يُمكننَا توقّع قارئٍ يَخون القرّاء مِن خلال وَفائه لنصٍ / تَجربة ، يكْذب في تعظيْمها حَتى نُصَدق كذْبته !
- يقُولُ المُبدع [ رولان بارت ] :
" لا يحظى الأثر الأدبي بالخلود لأنه يفرض على القراء العاديين معنى واحداً فيه ،
وإنما هو يخلد ويستمر لأنه يقترح على القارئ الواحد معانٍ عديدة في متجدد اللحظات ".
بينَما يقولُ المُبدع الآخَر [ أدونيس ] :
" شعر جماهيري " : شعرٌ مصنوع للجماهير ...
شعر " وصفة " .. الشاعر الذي يقدم للقاريء وصفة يقدّم كل شيء إلا الشعر "
وَ لأنّ :
" القراء العاديين " = " جماهير "
فَإنّ :
" المعنى الواحد " = " شعرٌ مصنوع / شعر وَصفة " .
- أمّا عن " كيمياء التلقّي " ، فسأنتظرُ قَبَسك لأهتدي به في قَولي اللاحق .
:
لحينها ،
وَارف الشّكر وَ وافره .
د.باسم القاسم
02-03-2010, 11:36 PM
حسناً ... ياسيدي
لابد إذاً من أن أرشف رحيق أزهار معرفتك ...فخذ مني قرص العسل ..
تماماً ..تماماً ..وتأكيداً على ماتقول حول (( المعنى )) و (( الحقيقة ))
سأعرض المتن الذي حفز توضيحك المهم / عندما قال آيزر (( أن المعنى ليس موضوعا ماديا يمكن تعريفه وحده وإنما هو تأثير يجب معايشته وإحساسه )) وأنا أخص
وأتحدث الآن عن الشعر فهل نعتقد بأن النص الشعري حقائق (( الجواب عني هنا حتماً... لا ..))هذا تساؤل استنكاري ولنفس الحجج التي قدمتها ...فأنا من أصحاب حقيقة أن كل
فكر إنساني مُحدث هو حتماً ومهما بلغ موازي للحقيقة وليس ذاتها ...وقد لايصل إليها الإنسان إلا عند الموت (( فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ..)) الآية الكريمة
وأنا أقصد هنا الموت الإختياري وهو موت النفس وهواها ..أو الموت الفيزيولوجي ../ قد أكون هنا خرجت قليلاً عن الموضوع فسامحني ../
وأعود للقول أن النص هو عبارة عن قوالب وهياكل معنوية شعورية يصوغها المؤلف وأنا أقررت بأنها قد تبدأ بتكوين جشتالتي مفتوح ولكن المفرز من التعامل معها هو
الإغلاق ..ويكون ذلك حسب نوع القارئ .. ..تحفز القارئ لملئها ليصل القارئ إلى مفاهيم قارة لديه ربما يعتبرها القارئ العادي حقيقة ..(( وهذه خطورة الشعر الجماهيري ))
أما القارئ النخبوي فلا ..
أما عن الإحتمال الذي طرحته (( ألاَ يُمكننَا توقّع قارئٍ يَخون القرّاء مِن خلال وَفائه لنصٍ / تَجربة ، يكْذب في تعظيْمها حَتى نُصَدق كذْبته ! ))
أعتقد أنها من الطامات الكبرى التي لحقت بالأدب العربي الحديث
إلا أنني أعتقد على ماطرحته نظرية التلقي فهي تفيدنا بأن النص لايكون عظيماً بعظمة قارئه ..بل النص يكون عظيماً كلما حمل إمكانية تعدد نماذج القراء الذين يتناولونه ..
وهذه غاية أفق التوقعات على ما أعتقد على أساس مااعتبره آيزر بأن القراءة عملية تبادلية مستمرة ذات اتجاهين من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص وتعمل هذه التبادلية وفق محوري الزمان والمكان ....وهو تماماً يتوافق ما أوردته عن بارت (( لا يحظى الأثر الأدبي بالخلود لأنه يفرض على القراء العاديين معنى واحداً فيه ،
وإنما هو يخلد ويستمر لأنه يقترح على القارئ الواحد معانٍ عديدة في متجدد اللحظات )) وأضيف هنا ..ولأنه يترك الفرصة لأكثر من قارئ بتناوله وإنتاج فاعلية أدبية ..وهذا
ياصديقي العزيز هو الذي أعمل عليه ..وما أسميه بالنص الأقصى ..وأعتقد أن الدافع المهم جداً لكل شاعر ليعود مرة أخرى إلى أوراقه ويكتب هو سعيه للوصول إلى هذا الصنف
من النصوص ..النص الأقصى ...
تعرف قايد ..كثيراً ما أرقني لماذا هوميوس لازال يعيش معنا حتى يومنا هذا ..هل لأنه متعدد الدلالات والإحالات ؟..أعتقد لا .. إنها حياة النص التي يمدها أكثر من شريان ..
أتعلم هناك مآخذ كثيرة على نظرية التلقي ولكنني أكثر ما أخذته عن نظرية التلقي ..هو هروبها الواضح من الخوض في المعيار الذي يجعلنا نجمع شبه إجماع على تمجيد نص شعري ما ... فالقول بأن نص ما متعدد الدلالات والمعاني قد يكون إجماعاً ..فمالذي يجمع كل هؤلاء على هذا القرار ..أعتقد هنا سندخل في كيمياء التلقي ..
لقاؤنا قريب ..فزدني ..أستاذ قايد من سعير تنورك ..
د.باسم القاسم
02-06-2010, 01:26 AM
استراتيجية كتابة النص مع المتلقي المفترض لدى الكاتب :
من نافذة التلقي سنطل برؤوسنا إلى باطنية النص ..سننتهك هذه الحرمة بدون استئذان ..فلنا الحق كل الحق في ذلك مع الذي قراءته قد تؤدي بنا إلى نوبات من الدهشة واللذة ..أو ربما نصرخ بصوتٍ عالٍ أمام هذا الذي هو ربما يشبهه البعض بالسحر ..
ولنا في خير الأنام قدوة إذ قال (( إن من الشعر لحكمة ..وإن من البيان لماهو سحر )) ...
ونقف هنا أمام توجهاتٍ عدة :
أولاً : هل المؤلف عندما يكتب النص ..يغيب عن تنظيمه وآليات كتابته فتخرج الدفقة الشعرية أو النص الشعري عفوياً
(( الإلهام )) .. دون تعمد وهكذا هي حال الإبداع دائماً ؟ (( الفرويدية /التجربة السريالية ))
ثانياً : هل يتعمد الشاعر ترتيب أنساق نصه بناءً ومعنى ..لتحقيق هدف الدهشة ..والتي هي سر الشعر ..وإذا كان كذلك فمن يوجه اسنراتيجية المؤلف في هذا السبيل ..المتلقي أم مؤسسة اللغة أم ذاته الخارقة ؟ (( البنيوية/ الأسلوبية ))
ثالثاً : إذا كان المتلقي يعيش مع الناص ..مفترضاً كان أم حقيقياً ..فأين دوره في كتابة النص ..على مستوى البناء أم المعنى
وأين دور النص التغيري ..في تبني القيم ..بما يتوافق مع القارئ ..؟ (( جمالية التلقي ))
والسؤال الكبير الذي يجمع كل هذه التساؤلات هو ماهي استراتيجية كتابة أي نص الشعري
السيدات والسادة اسمحوا لي معكم بخوض هذا الغمار على مستوى النص الشعري ..وسأترك النص السردي الروائي / القصصي ..
وذلك من أجل حصر الهدف وتنظيم الجهد.. والوصول إلى خلاصة فيما يتعلق بهيكل الإبداع اللغوي ..وأنا أتحمل المسؤولية وأقول بأنه الشعر ..؟
السيدات والسادة ..من يجرؤ على الإقرار بآليات الشعر بشكليه الكلاسيكي والحديث ... وتثبيتها كقواعد قارة !
إنها المتاهة الفكرية والتي لاتتجاوز أن تكون محاولة لتثبيت متحرك ..فالتفسير العقلاني ..هو تثبيت للفكرة ..العقلنة تؤدي إلى التثبيت ,,والإبداع الشعري ..حالة تتميز بالنسبية وعدم الاستقرار وعلى ذلك عقلنة عملية الإنتاج الشعري ستكون ناقصة دائماً لهذا السبب ..
ولكننا هنا بحاجة للإجماع على مرتكز ننطلق منه باتجاه مناقشة ظاهرة الكتابة الشعرية ..
نعم لن ننكر الدراسات الهائلة في فقه اللغة ولأسلافنا قصب السبق في هذا المضماروالذين جهودهم تناولت المعنى المقصود .. المعنى اللازم غير المقصود والمتبوع ..واللازم .. المقصود بالأصل.. والمقصود بالتبع والإيجاز والإعجاز ومدارج الشعر.. في أي إنتاج كلامي صادر عن ذات مفكرة واعية أو غير واعية ..
إلا أننا حتماً سنصل إلى الأس والأساس الذي أدى إلى هذه التصنيفات ..
إنهما قطبان في أية كتابة دالة على الإبداع الشعري ..وهما اللذان حتماً سيتم الإجماع عليهما ..
وهما ..الإستعارة ..والكناية ..
وبين هذين القطبين يدور محور استراتيجية توليد عرض المعنى وتعدده في النص الشعري ...
فلوعرفناالاستعارة لقلنا : شكل من الكلام يتم فيه إيصال المعنى بالتشبيه او المعنى البديل وأضعف أشكال الاستعارة هي التشبيه باستخدام (( كـ ،كأن )
أما الكناية : بكل أصنافها (( مجاز /تلويح /إيماء /تعريض /ترميز )) هي شكل من أشكال الكلام يتم فيه استخدام لفظة بغير معناها الموضوع له ..وقد نريد بها أحياناً المعنى الحقيقي ..
وأخطر وأهم أشكال الكناية ..هي المجاز : وهو كلام استخدم فيه تراكيب في غير معانيها الموضوعة لها ..ولا يقصد بها أبداً المعنى الحقيقي ..
مثال : (( الرحمن على العرش استوى )) هذا مجاز أريد به السيطرة والقوة ..ولكن المعنى الحقيقي ممتنع لأن الذات الإلهية تمتنع عن التجسيم ..
وبعد هذا العرض المختصر يمكن أن نقول بأن أي شكل من أشكال الشعر نثراً ..عموداً ..تدور استراتيجية إنتاجه بين هذين القطبين .. وأقول هنا على مستوى الأنساق المولدة للسياقات
وفي حال تم تجاوزهما ..لايعد النص أكثر من كلام مباشر ..وفي حال تبنيهما في أي صنف أدبي آخر
(( مقال /قصة /رواية /مسرح .)) نرى بأنه يوصف بصبغة من أصباغ الشعر
(( شاعرية ..رومانسية ...بلاغة .. جزالة ..الخ ))
وقد ينتابنا هنا سؤال ..ماهو تعلق نظرية التلقي ..فيما سبق ؟
أقول إن قطبي الكتابة الشعرية تتأثر استراتيجية تدخلهما في النص الشعري بثلاثة أطراف :
الكاتب ...النص (( باعتباره تابع لمؤسسة اللغة )) ..المتلقي ...
وهذه هي تماماً فرضيات نظرية التلقي .. وخصوصاً أصحاب أفق التوقع الذين أقروا بتبادلية الفاعلية الأدبي بين النص والقارئ ..
1- الكاتب (( المكتسب والفطري / معجم مفردات الألفاظ / الخيال الخصب / البيئة سوسيولوجياً /درجة الاستجابة بين المنفعل والفاعلية = بدهية ..حدس ..موهبة ../ ..))
2-النص (( باعتباره تابع لمؤسسة اللغة )) / محور الزمان والمكان /العرف والتراث المستثمر/ المغالطة التأثيرية والقصدية *
3- المتلقي : نماذج المتلقي المفترض ..لدى المؤلف ..والحقيقي
هذه هي مكونات استراتيجية الكتابة و التي تؤخذ بعين الاعتبار في أية كتابة شعرية ..
وقد ينتاب البعض سؤال : إن الكاتب هو الذي يعتبر الحاكم على كتابة النص ؟
أقول هنا بأن المتلقي ومؤسسة اللغة لهما دور غير مباشر في توجيه قصدية الكاتب .. وكما قال مؤسس نظرية النقد الأدبي
(( مايهمنا القصيدة وليس ما تقوله القصيدة )) ريتشاردز
وألفت النظر بأنني هنا لا أعني أن تلك الاستراتيجة ناجحة أوتلك فاشلة ..فالنجاح والفشل أمر يتعلق بما أطلق عليه
(( كيمياء التلقي ))
وهذا ما سنتابعه في نهاية الدراسة ..
هوامش:
* رومان جاكبسون / فقد القدرة على الكلام /
*المغالطة التأثيرية : اصطلاح يعبر عن الخلط بين القصيدة وبين نتائجها (( بين ماهي بذاتها ، وماذا تفعل ))
وهي التي تقول بأن النص لايجب أن يخرج عن قصد الشاعر وإن النص هو سبيل يفضي إلى المؤلف ذاته وهي التي تحكم على نجاحه وفشله وغاياته ..
المغالطة القصدية : اصطلاح يعبر عن الخلط بين القصيدة وأصولها (( جذورها الجينية ))
v وهذه المغالطات هي من الأسباب القوية التي تسببت في ولادة نظرية التلقي ..
ملاحظة (( أستميح الجميع العذر على هذا التكثيف ..لأننا لو فصلنا سندخل في مدارس النقد ومصطلحات سندرسها لاحقاً ))
دمتم بخير ..
(يتبع)
د.باسم القاسم
02-06-2010, 11:20 PM
كيمياء التلقي :
السيدات والسادة ..
لا تثريب على أي شخص كان لو اعتبر كل ما سلف من تفصيلات وتفنيدات لا تتجاوز أن تكون مراوحة في المكان أمام هذه الخطفة المدهشة التي
تنتاب المتلقي في تعامله مع النص الشعري ..
ولن نلقي لائمةً على أحد لو صرخ بأعلى صوته ضجراً من كثرة حومنا حول الحمى وخوفنا من الولوج فيه ..
ولكن ..لدينا العذر في عرضنا لكل ما سبق ..
فكل أريب فطن كيس سيقف على أسوار حديقة اللذة الناتجة عن تذوق ثمرة الوجدان والمشاعر الإنسانية ..
يراقب تلك الطاقة المتولدة عن احتكاكه بالنص الشعري ..ولاتسعفه عقلانيته في تثبيت ولو حقيقة واحدة تبرر هذا الدهش ..
والأكثر من ذلك هو تعدد ردود الفعل بين شخص وآخر وشعب وآخر وأمة وأخرى .. هذه عظمة الشعر ..ومن المعروف أن كفرة قريش حين أرادوا
التشكيك بالوحي لم يجد وا إلا الشعر ليكون مجاوراً لهذا البيان الرباني المعجز ؟؟
ربما أيتها السيدات والسادة أسرفت في كلامٍ إنشائي في موقع يتطلب منا كنقاد أن نتسلح بصرامة المنطق والقواعد الابستميولوجية في الاستقراء
والاستنتاج ..
ولكنها هذه هي حقيقة الأمر ..والتي أدت لوضع هذه الحالة تحت عنوان .. (( كيمياء التلقي ))
لماذا مفردة كيمياء ؟
لفظة كيمياء المضافة إلى التلقي .. لها صرف عند فقهاء اللغة ..وسأعرض أهم مايلزمنا في هذا المقام ..
يقول أبو عبد الله يوسف الخوارزمى إن هذا اللفظ عربى أصيل مشتق من الفعل "كمى يكمى". ويقال كمى الشهادة أيسترها وأخفاها,
فى حين أن الصفدى يقول أنها معربة من اللفظ العبرانى "كيم يه" ومعناه(( من الله ))
و البعض الآخر قال بأن العرب يقولون كمي الفارس ..وذلك حين يتترس وراء مجنه وبيضته ..فيتوارى عن نظر خصمه
ولعلنا نستخلص أن هذه اللفظة تعبر عن أمر خفي ..ملغز ..أو ما نستطيع أن نسميه بالغيبي ..
فعلماء الكيمياء ..كانوا يراقبون المواد وتفاعلها ..والطاقة التي تصدر عنها ..ولكن لا يمكن أن يفسروا أو يشاهدوا بالمجرد ..مسببات ذلك ..
وهذا هو الحال مع التلقي كما وصفنا من قبل ..
الفرضية :
لكل معادلة كيميائية فرضية ..وفرضية نظرية التلقي في شرح كيمياء التلقي هي مايلي :
القطب الفني (( المؤلف )) القطب الجمالي (( المتلقي ))
بين هذه القطبين تنتج الفاعلية الأدبية ..بكل أوصافها النفسية والذهنية ..وقد أطلق عليها ..
المسافة الجمالية ....
وأكثر ما أمكن من خلاصات لمجمل دارسي حالة التلقي هي مايلي :
و إن ما يحدث داخل الذات المتلقية هو ما ندعوه "بكيمياء التلقي" والذي نجهل كيفيات تشكله وتخمره ودرجات كثافته، كل ما في وسع دارس العملية أن
يضع المواد في مخبره ثم يراقب التفاعل ويسجل الحاصل دون أن يدرك كيفيته، ولا دواخل التحول بين العنصرين أو العناصر.. وقد قرّر "كونتر جريم"
أنّ: "البحث في عملية التلقي في الدرجة الأولى من مهام سيكولوجيا القراء" عسى أن تتولى السيكولوجية مهمة التنقيب العلمي المخبري في ذلك
التفاعل الكيماوي..
إلا أن الاتكاء على علم النفس سيحول النصوص إلى عيادات نفسية والكتاب إلى مرضى نفسيين .. ؟؟؟
وعلى كل ماسبق أدعوكم وأقول بأنه يستطيع كلٌ منا أن يدلو
بدلوه ..
فهل من مستجيب لهذه الدعوة .. فالباب مفتوح والمائدة عامرة؟
قايـد الحربي
02-07-2010, 05:51 PM
:
الأجمَل : د.باسم
قلتَ : " إلا أن الاتكاء على علم النفس سيحول النصوص إلى عيادات نفسية والكتاب إلى مرضى نفسيين .. ؟؟؟ "
وَ أقولُ : بأنّ الاتّكاء على أيّ علمٍ ، في دراسة النّصوص ، ما هُو إلاّ فَتْحٌ بَابٍ في جُدُره ، فَـ إنْ لم يَزِدْه ضوءاً ،
لن يزيْده ذلك عَتْمة .
:
من دراسةٍ طويْلةٍ في نَص [ كيمياء الغي ] للشّاعر [ فهد عافت ] ،
أخترتُ البِداية إذْ :
" ساور الشاعر يقينه ..... في النجوم ... البرتقال اللي يقشر عاشقينه "
عند سَـورة اليقين تتأهب الأشيـاء للحقيقة وتَـهِـبّ ريـحٌ تفتح الموصد من الأبواب في وجه الصدق .... بعد ذلك لا تملك إلا أن تُصدق ما يُـقال أو يُـرى.
هذا ما أكده الشاعر وصدقنـاه في ضوءٍ سابق من أنّ كل ما سيقـال حقيقة ماثلة وسورة يقين جازم حدّ الأكيد .
وَ هنـا أولى الحقائق التي بدأها الشاعر وسَورته تخالط يقينه إذ يقينُـنا من يقينه
ليس للشك طريقٌ موصل ... بل حقيقةٌ وحقيقة منها نبدأ كما بدأ لنقول :
في علم النفس يستخدم الطبيب ما يسمى بـ [ التداعي الحـر ] وَ هوَ :
أن يرمي سنارته في بحرٍ هادئ حدّ الجنون وبها طُـعم الكلمة التي ستأتي وتستدعي ما بجوف هذا البحر ، من غير حسبانٍ إلا حسبان الطبيب ...
كأن يُلقي بكلمة " ليل " !!!!
نهار / خوف / ريح / ظلام / مصباح ... وهكذا يصطاد في مياه عَكرة لتَـتَثجّـج .
و شاعرنا هنا اسـتسقى كلمة " برتقال " لتهطل الكلمات من سحابتنا ... ، ولكن أينا الطبيب ومريضه .. أنحن المرضى وهو الطبيب ؟ .. أم نحن الأصحاء وهو المريض ؟
لا نعلم .. فالصحيح مريض حتى تثبت صحته ، والمريض صحيح حتى يثبت مرضه ، وسيجلى الضباب في حرفٍ قادم .
عندما تثمر الشفاه بكلمة " برتقاله " تتشابك الأغصان وتُـحرك الرفرفة الهدوء لتتساقط الكلمات ........ برتقـال :
أصفر
:
دائرة
:
حدود
:
شجرة
:
تـراب
:
أرض
:
وطن .
نعم " وطـن " بالتأكيد هذا ما أراده الشاعر : وطنٌ وحدود ، و عطـاء بلا حدود ..
بحـرٌ مالح و شجـرٌ مثمر ، رمال فاقعة وخُطوة شاسعـة.. ،
والشاعر غصنٌ إنْ لم يجد انتمـاء لجـذر مات ضمـأً وأمالته الريح وكسّرته المنافي ..
والوطن للشاعر غايةٌ إن حققـها اكتفـى بها عن شِـعرها ، هو باحثٌ ومُستجدٍ ، والوطن
عابثٌ غيـر مُجدي عندما يستوطنه شاعرٌ غـنّـاه إلى أن استغنـاه .
الشاعر لا يريد وطناً من اختياره ، بل لن يخطُر في باله أن تُتـاح له حرية الاختيار فهو يعرف القدر جيداً .. كل ما أراده ويُريده أن يضمّـه وطنٌ ولِد على أرضه كان المهد الحنون لطفولته لن يضيره ما سيكون هذا الوطن أو كيف سينظر إليه في المستقبل ... تكفيه نوارس الضفـاف ، وزُرقـة البحر ، ورماديّ الأسرار على أطراف أمواجه .... تكفيه شيطنة الطفولة ، وصحبة البراءة أو براءة الصحبة على الأرصفة .
الوطن أصـلٌ وجذور .... تاريخ ٌ ومجد .... انتمـاء ونَماء .. الوطن / حياة وقلب
أو نواةٌ ولُـبّ !! .. نعـم الوطن لُـبّ كل شيءٍ وأصله ، وأفراده ملتصقين به وإليه منتمين كالتـصاق القشـور بالنـواة وانتمائهـا لهـا .
هذا هو الوطن عـشـ .. ق وحُـب من أرضه إلى سمائك ... أنت سماؤه وأمنُه أنت قشـوره وحمايته ... التصاقك انتمـاءٌ وعِـشق ولكنا له شَـفّ... و شَفَـق.
ولكن أن يُـقـشِّـر البرتقال / الوطن عاشقيه هنـا تبدأ رحلة الأمكنة وعملية الاستنبات لها بأي شكلٍ أثمر لأنّ الوطن حبٌّ وشعور ، والشاعر آلهة الشعور والحب.
بداية المنفى والتيه وتيقّن من الشاعر ببداية الخُـطى ولكنها خُطى بدون طريق ، وهذا ما حدث وطـنٌ / مكـان نفى الشاعر رغم عشقه له والآن يبدأ استيطان الشاعر بما هو خاضٌ به ليس لغيره الحق في هذه الأوطان / الأماكن القادمة لأنه الوحيد المتحمل لنتائج ما سيحدث.
1998م
:
مَودتي الخالصَة لك .
د.باسم القاسم
02-07-2010, 08:48 PM
نعم ..نعم ... ياقايد ..
ولي في ذلك عبور ,,,
(( .............
في الغابة الشقراء في كوخ الزمان ..
قد عاش حطابٌ ..
يقطّعُ فأ سَهُ ..
ويسنُّ نصل الأقحوان ..
لي عودة ...
سـ/ـماء غازي
02-08-2010, 02:34 PM
جميل جدا هذا التفاعل الثريّ المثري
لعلّي أتقدم قليلاً بجلباب التلميذة و أطرح الرؤية حول ما قلتموه أساتذتي الكرام : د.باسم , قايد :
ممّا قرأت منكم استنتجت أنّ القاريء هو من يكتب النص مرة أخرى بشكلٍ أو بآخر , وهذه المرة الأخرى هي الدلالات المفتوحة المتعددة
ولكن قبل أن يصل النص إلى القاريء ... ثم كيمياء التلقي / السؤال : كيف كُتب هذا النص؟
انطلاقاً مما انطلقتَ به د.باسم من قطبان الكتابة : الكناية والاستعارة
ولنأخذ الكناية بوصفها الطابع الإبداعي الأعمق
فالكتابة هنا لا تسمي الأشياء ولا تخلقها , بل تقوّض معانيها وتجيزها وتحوّلها إلى معانٍ كثيرة ممكنة مفتوحة قابلة للقاريء والقراءة
فهي مع الكاتب تفك ارتباط الأسماء بمسمياتها فقط .. فينطلق المعنى إلى القاريء - ولا تفعل أكثر من ذلك - ثم يأتي ما أسميته بـ كيمياء التلقي
وهذا ما يجزم أن الكاتب / الناصّ لا يملك شيئاً سوى لحظة الكتابة و شيء من الحقائق "الشعورية ربما" والعلم و اللغة التي يبني عليها نصّه ,
فلم يكن للكاتب يد إلاّ في بذرة التقويض الأولى للمعنى
في حين يحتمل النص أن يكون صادراً أو أن يكون متولّداً
أو صادراً و متولّداً
بينما النص .. كل النص بما حمل لدى القارئ باعتبار أن النص حتميّا ينفتح معه إذ كُتِبَ لحظة إغلاق
ويأتي القاريء فيفتح النص على مدلولاته لديه و يعيد ترتيب المسميات التي يكون لها صفة الاختلاف والانفتاح كذلك في حال انتقلت إلى قارئ آخر
إن كان مافهمته جيّداً حتى الآن سأنتقل إلى ما أريد لمسه
نَعم .. بأنّ نظرية التلقّي تَجدُ الصّلةَ بيْن النَص وَ القَارئ حَاصِلةٌ فِي العُرفِ ،
وَ لأنّ الأعْرافَ وَ القَوَاعدَ لا تَخصّ شَخصاً مُعَيناً أو مَجالاً مُحدّداً فَإنّها لا تَستقُر كُليّةً فِي النّص ،
وَ لا كُليّة فِي القَارئ ، بَل عَن تَفاعُلٍ بَينهَمَا ،
بَينمَا الصّلةُ بيْن النَص وَ القَارئ فِي نَظريّة َنقدِ اسْتجَابة القَارئ تَكونُ فِي الكَفاءَة وَ قُدْرةِ القَارئ .
2-النص (( باعتباره تابع لمؤسسة اللغة )) / محور الزمان والمكان /العرف والتراث المستثمر/ المغالطة التأثيرية والقصدية *
وهي أنني قرأت العرف مرتين , .. فهل من صفة الكتابة الحصر و التقييد؟
ولأن الأعراف و القواعد لا تخص شياً معينا , نعم
ولكننا هنا نجعل العُرف متسلطاً بدل أن يكون المعنى هو ذو الدلالات المفتوحة هو المتسلط و الذي يساوي القارئ باعتباره خالقُه
معنى القول : المعنى الذي أصبح ذو دلالة عامة بفعل البلاغة المقننة و المقيّد بتفسيرٍ أصبح في نطاق العُرف, ألا يقَوّض من ابداعه وانطلاقه لدى القارئ ؟
أمر آخر :
من يرمم ثغرات النص هو القارئ بحسب ماترى نظرية "نقد الاستجابة" , هل لنا أن نبحث عن من يخلق هذه الثغرات ؟
أهو الناصّ ؟ أم القارئ كذلك ؟ أم الدلالة؟
هل على الناصّ أن يرمم مايراه القارئ ثغرات ؟ وهل يفت هذا من عضد الإبداع ؟
سأكون بالقرب و الارتقاء بكم .
مازلت أنهل من هُنا..
مدارك لا تُحدّ و روعة لاتُقاس.
"
للجميع جُل امتنانات المعرفة، و أجزل الشكر لحق استحقاقهـ.
د.باسم القاسم
02-13-2010, 12:24 AM
حسناً ..
هي دمشق حين تأسر زوارها ....فعذراً على التأخير ..
الأستاذة سماء ..
أعتقد أنني كنت أتابع بشغف هذالاستقراء المهم ..إلى حين أن وصلنا إلى هذه العبارة ..(( فلم يكن للكاتب يد إلاّ في بذرة التقويض الأولى للمعنى ))
أستاذة سماء ..
نعم . لقد صرحت أننا لايمكن أن نتفق في الكتابة الشعرية إلا على آليتين ..وهما قطبان تدور بينهما عملية كتابة الشعر ..
ولكن هذا لايعني أن استبدال معنى مباشر بمعنى إشاري أو استعاري سيولد لنا نصاً شعرياً ..البطولة كل البطولة ومايميز شاعر عن آخر هي الروابط التي تجمع في أنساق النص
بين الدلالات ..وبين أنساق النص والسياق العام ..وهذا مالايمكن أن تهرب منه نظرية التلقي ..والتي أشرنا عنها بأن مدرسة جمالية التلقي أكدت على تفاعل جميع الأطراف
الأدبية وغير الأدبية في إنتاج الفاعلية الأدبية ..إذاً لعلنا سنتفق بأن النص كبناء متراص يختلف بين شاعر وآخر ..بطريقة العرض والربط الدلالي كما أسلفت وبالتالي كتابة الشعر
هي أكبر وأخطر من كونها تقويض معاني واستبدالها بأخرى ..وكما قال الجاحظ (( إن الأفكار أحجار ملقاة على طرقات الأدب يتناولها من يشاء )) ولكن التميز هو في كيف تم
تناولها .. ولهذا كان من أكبر وأجمل تعريفات الشعر هو (( إعادة انتاج الكون لغوياً..)) أو (( هو العنف المنظم تجاه الكلام الاعتيادي ..))
النقطة الأخرى حول العرف أقول :
كان لابد من الاشارة إلى مانقصده من هذه اللفظة وربما قصرنا في ذلك العرف هنا هو مؤسسة اللغة ..ولعل أجمل تعريف للغة هو مااقترحه البنيويون
(( مؤسسة اجتماعية يتفق من خلالها وفيها على مجموعة من القيم والأعراف ..الإشارية وغيرها ..))
وأجمل ماصرح به بارت ((وهكذا فالفرد لايتكلم حسب إرادته ولكن سبقا لما تريده وتحدده القوانين اللسانية، ))
ملاحظة :(( سماء ..لقد اقتربنا هنا كثيراً من فكرة موت المؤلف والتي سنتناولها لاحقاً))
لذلك تتجاوز اللغة في نظر رولات بارت وظيفة التبليغ والتواصل لتصبح أداة للسلطة والايضاح والارغام
وهنا أقول بأن أي نص أدبي إن لم يكن منتمي للمؤسسة اللغوية سيكون طفرة أو مسخاً ..
فالشاعر هو شخص مكتمل من عوامل مكتسبة وغير مكتسبة من مؤسسة اللغة ..إنه خاضع لها بشكل غير مباشر بسيطرة موروث لغوي سائد في البيئة الثقافية التي ينتمي إليها ..
ولعل لغة الموسيقى هي أكبر مؤسسات اللغة والتي تكون ذات تداول عالمي ..وذلك لعدم ضرورات استخدام العلامات اللفظية والتي بحاجة إلى لوغوس جامع ..
وعلى ذلك لاتثريب علينا لو رددنا ما اعتبرته يا سماء ((المعنى الذي أصبح ذو دلالة عامة بفعل البلاغة المقننة و المقيّد بتفسيرٍ أصبح في نطاق العُرف ))
أما عن النقطة الأخيرة وهي الثغرات في النص أقول :
ربما دلالت هذه اللفظة توحي بأن هذه الثغرات هي نقص في النص أو انتقاص من تكامله ..
سأضرب هنا مثلاً لنكون أقرب إلى الواقع :
عندما نشعل المصباح الكهربائي يتولد النور ..ولكن هناك حرارة تصدر ..نحن لانقصد الحرارة بل نريد الضوء.. ولكن هنا تصبح الحرارة لازمة الوجود
وبدون أن نطلبها ..
وكذلك النص الشعري ..
مهما كان الشاعر المبدع حريصاً في رصف الدلالات ..لابد أن تكون هناك ..من ثغرات ..وهذه من طبيعة اللغة الشعرية ..على اعتبار أننا نعتمد على
الكناية والاستعارة ..
بل أكثر من ذلك ..فقد يشطب الشاعر أكثر من مرة أسطر شعرية بسبب نقص في ثغرات النص الداخلية هو يحاول أن تكون متعددة الثغرات وذلك ليفتح
المجال للمتلقي ..وهذه قمة الحيادية فالشاعر لايستطيع أن يعتبر نفسه استاذ على القارئ أو ديكتاتور منظر ..
إنه يهرب من لغته ..يقتلها .. يهرب من سلطة مؤسسة اللغة لتحيا لغة اللغة ..وهذا ما اطلق عنه شخصياً (( النص البريء ))
وعلى ذلك وعلى ما أعتقد أن الجواب عن سؤالك ((هل على الناصّ أن يرمم مايراه القارئ ثغرات ؟ وهل يفت هذا من عضد الإبداع ؟ ))
هو إن الشاعر المبدع لايمتلك هذا القرار ..بل ويحاول قدر الامكان تجنبه ..إنه لأمه اللغة المتسلطة ..
هذا بتكثيف ما سمح لي هذا لبياض الضئيل بالبوح به ..
سررت جداً ..ياسماء بهذا التفاعل ..وأسرّ أكثر باستمراره ..دمت بخير ..
سـ/ـماء غازي
02-15-2010, 12:12 AM
أهلاً بكَ د.باسم , حمداً لله على سلامتك
أتفق معكَ في النقطة الأولى تمام الاتفاق ,
أصبح الآن : تقويض المعنى لا يعني الخطوة النهائية بل تليه خطوة الشعر القصوى وهي كيف يتمّ تناول هذا المعنى
أما النقطة الثانية حول العُرف فلعلّ ما كان في ذهني حين القراءة يختلف عن تفسير العُرف هنا
العُرف هنا مؤسسة اللغة التي يخضع لها الشاعر , لكن ردي الأول يربط بين العُرف كـ صاحب سلطة و المعنى كـ صاحب سلطة هو الآخر
بعض المعاني تدخل في نطاق المعروف , كالقول مثلاً : نظيف اليد أي دلالة على الأمانة والعفة
لكنها في النص قد تأخذ دلالات أخرى كالفقر كالحسرة و و الخ
فلو جعلنا العُرف هو المتسلط لأخرجنا القارئ بعيداً عن كيمياء التلقي..
لأن المعنى هنا من منظور العُرف أصبح ذو دلالة عامة بفعل البلاغة المقننة ومقيّد بتفسيرٍ أصبح في نطاق العُرف,
أما لو كان المعنى هو صاحب السلطة فسيأخذ أبعاداً أخرى و دلالات كثيرة , و في هذا اشتغال نظرية التلقي
أنا أحاول إيصال ما أستفسر عنه بعيد عن الخلفية الثقافية / النقدية المكثفة التي لا أملكها , ولعلي أنجح
النقطة الأخيرة , استمتعتُ بأفقها الواسع
وبالنص البريء , ولعلي سأنتظر الحديث عنه وعن موت المؤلف كذلك بشغف
العُرف الذي أقصده : المتداول / الذي استقر معناه بعد الكناية و التقويض
امتناني من قبل و من بعد .
د.باسم القاسم
02-15-2010, 03:09 PM
حسناً ..
سنلمس معاً حرير الإبداع ..
ومغزلك قد هيئ تماماً ..فلنخرج الفكرة من شرنقتها ..
رائعٌ هذا الاستقراء ..فهو يعبر تماماً عن الصراع الدائر مابين المعاني المنتجة من مؤسسة اللغة ومابين المعاني التي يبدعها المؤلف ..وإلا لماذا عانت
القصيدة الحديثة من سخط المتلقين ..لأن الشاعر الحداثي غالباً مايتفوق في نصه على مؤسسة اللغة وهذا مايودي بالمتلقي لإلصاق التهم الجاهزة على النص
(( اللغزية ..عبثية المعنى ...إلخ ))
وهذا الصراع بنفس الوقت ابتزه البعض ليخرج لنا بكلام يصارع فيه مؤسسة اللغة ويدعي بأنه شعر ..وهنا خيط رفيع من لم ينتبه له سيسقط في حقل ألغام
المتلقي ..وهو القدرة على طرح نص ..مناهض لمؤسسة اللغة ولكنه يحافظ على سمتها ..
وسنأخذ المثال الذي أوردته :
((بعض المعاني تدخل في نطاق المعروف , كالقول مثلاً : نظيف اليد أي دلالة على الأمانة والعفة
لكنها في النص قد تأخذ دلالات أخرى كالفقر كالحسرة.. (( من الذي سمح لها أن تأخذ هذه الدلالة ..وتتمرد على مؤسسة اللغة ؟ إنه الناص ..وهذه
الدلالةلاتنتج إلا عن القبل والبعد في النسق أو من السياق العام للنص ..وهي من صنع الشاعر ))
يعني ..تكون نكهة النص وردود المتلقي مألوفة ومفعمة بالنشوة ولكن أنساق النص مبدعة ومتمردة على مؤسسة اللغة ..
ولهذا وعلى ماسبق .. أوردت في دراستي أن التداول بين قطبي الكتابة الكناية والاستعارة تؤثر عليه وتتدخل فيه عوامل ..ومنها (( مؤسسة اللغة ..))
وقد ورد عني (( أي نص أدبي إن لم يكن منتمي للمؤسسة اللغوية سيكون طفرة أو مسخاً ..)) هذا الاعتبار طبعاً من قبل المتلقي ..
وكم من مسوخ ..وطفرات ..تبين بعد زمن للمتلقين بأنها من أرقى الشعر ..لماذا ؟
إن مؤسسة اللغة كائن متطور ودائم النمو ..وهو يصل إلى مرحلة ما بعد كتابة النص بحيث أنها تبتلع النص ..وهنا خطورة الشعر بأنه أكبر رافد لمؤسسة
اللغة ..(( إن لم يكن هو أباها الشرعي ))وهذا ما جعل أصحاب أفق التوقع في مدرسة جمالية التلقي يصرون على أن تأويل النص الادبي هو أفق للحقيقة
التاريخية ..وأن العالم الحقيقي هو
أفق للعوالم الخيالية ..
((ربما ..ثملت هنا ..من كأس الرؤيا ..وأنا أخشى على نفسي من الشطح ..))
عسى أنني وفقت يا سماء في توضيح وجهة النظر ...
سَحَر
02-16-2010, 10:03 PM
في البداية أشكرك دكتور على تلبية دعوتي لقراءة هذه النظرية الحديثة التي اتسعت دوائرها وتشعبت
لتحدث اشكاليات .. بالرغم من أنها تُعتبر المنهج الذي تصبّ فيه النظريات الحديثة من البنيوية والتفكيكية الخ .
من المعروف أن نظرية التقلي تتكون من الثالوث : المبدع ,النص , المتلقي , وأن الأخير شهد له النقاد بأساسيته في العمل الأدبي
حيث يبرز العمل بردود فعل المتلقي وتلقيه له .. وتلقي العمل هنا يكون محكوم بهذا المتلقي بحسب ثقافته ونفسيته وحضوره الذهني وقت تلقيه , وأيضا درجة ونوعية الشعور باللذة والمتعة الجمالية للعمل ..
بناءا على ذلك هل جاءت نظرية التلقي لتقرأ لنا " اللذة " التي تمتع بها المتلقي , وتهمل الجانب الجمالي للعمل ؟
وكيف من الممكن أن تُسخّر هذه النظرية لاستنطاق مواطن الجمال في النص قبل قراءة أثرها في التلقي دون الحاجة الى استعانة لمنهج آخر .. أو هل نستطيع ؟
سـ/ـماء غازي
02-18-2010, 12:57 AM
حسناً ..
سنلمس معاً حرير الإبداع ..
ومغزلك قد هيئ تماماً ..فلنخرج الفكرة من شرنقتها ..
رائعٌ هذا الاستقراء ..فهو يعبر تماماً عن الصراع الدائر مابين المعاني المنتجة من مؤسسة اللغة ومابين المعاني التي يبدعها المؤلف ..وإلا لماذا عانت
القصيدة الحديثة من سخط المتلقين ..لأن الشاعر الحداثي غالباً مايتفوق في نصه على مؤسسة اللغة وهذا مايودي بالمتلقي لإلصاق التهم الجاهزة على النص
(( اللغزية ..عبثية المعنى ...إلخ ))
وهذا الصراع بنفس الوقت ابتزه البعض ليخرج لنا بكلام يصارع فيه مؤسسة اللغة ويدعي بأنه شعر ..وهنا خيط رفيع من لم ينتبه له سيسقط في حقل ألغام
المتلقي ..وهو القدرة على طرح نص ..مناهض لمؤسسة اللغة ولكنه يحافظ على سمتها ..
وسنأخذ المثال الذي أوردته :
((بعض المعاني تدخل في نطاق المعروف , كالقول مثلاً : نظيف اليد أي دلالة على الأمانة والعفة
لكنها في النص قد تأخذ دلالات أخرى كالفقر كالحسرة.. (( من الذي سمح لها أن تأخذ هذه الدلالة ..وتتمرد على مؤسسة اللغة ؟ إنه الناص ..وهذه
الدلالةلاتنتج إلا عن القبل والبعد في النسق أو من السياق العام للنص ..وهي من صنع الشاعر ))
يعني ..تكون نكهة النص وردود المتلقي مألوفة ومفعمة بالنشوة ولكن أنساق النص مبدعة ومتمردة على مؤسسة اللغة ..
ولهذا وعلى ماسبق .. أوردت في دراستي أن التداول بين قطبي الكتابة الكناية والاستعارة تؤثر عليه وتتدخل فيه عوامل ..ومنها (( مؤسسة اللغة ..))
وقد ورد عني (( أي نص أدبي إن لم يكن منتمي للمؤسسة اللغوية سيكون طفرة أو مسخاً ..)) هذا الاعتبار طبعاً من قبل المتلقي ..
وكم من مسوخ ..وطفرات ..تبين بعد زمن للمتلقين بأنها من أرقى الشعر ..لماذا ؟
إن مؤسسة اللغة كائن متطور ودائم النمو ..وهو يصل إلى مرحلة ما بعد كتابة النص بحيث أنها تبتلع النص ..وهنا خطورة الشعر بأنه أكبر رافد لمؤسسة
اللغة ..(( إن لم يكن هو أباها الشرعي ))وهذا ما جعل أصحاب أفق التوقع في مدرسة جمالية التلقي يصرون على أن تأويل النص الادبي هو أفق للحقيقة
التاريخية ..وأن العالم الحقيقي هو
أفق للعوالم الخيالية ..
((ربما ..ثملت هنا ..من كأس الرؤيا ..وأنا أخشى على نفسي من الشطح ..))
عسى أنني وفقت يا سماء في توضيح وجهة النظر ...
استمتعتُ جداً بقراءة هذه القراءة د.باسم
هاهي الفكرة قد خرجت
شكراً عظيمة
مازلتُ متابعة.
د.باسم القاسم
02-19-2010, 01:15 AM
حسناً ..
أجدني مداناً بالشكر الجزيل لك .. يا سحر ..على تحفيزي للخوض باكراُ في لجة بحور التلقي ..
أما عن السؤالين فلي معهما سبحاَ طويلاً ..وأقول :
ربما أخذ على نظرية التلقي هذا المأخذ ولكن بتسرع ..فالذي يخرج من الخوض في غمار هذه النظرية ربما سيخرج حانقاً عليها بسبب هذا الانحياز الكامل لجهة المتلقي في
معادلة الفاعلية الأدبية ..
ولكن وبتمعن نجد أن نظرية التلقي حاولت أن ترصد المكونات والمسببات والعناصر التي تحيل النص الأدبي إلى مصير ما..أو تصنيف ما ..
وبجميع الدراسات وقفت نظرية التلقي عند حافة اللذة واكتفت بإطلاق مسمى كيمياء التلقي كمسبب لهذا الشعور ..وكما وصفنا هذه اللفظة بأن جميع معادلاتها تشير على الأمر
المعلوم الأثر المجهول السبب ..
وبالتالي لم يكن الاهتمام بالمتلقي أكثر من رصد وتصنيف ..
ومن جانب آخر أعتقد أن جميع محاولات أصحاب هذه النظرية تصب في مصلحة النص والمؤلف ..كيف ذلك !
أقول ..حددت هذه النظرية وبدقة نماذج القراء ..وكأنها تقول بأن الصبغة التي تنسحب على النص هي من صنع هؤلاء (( النماذج ))
وهي بذلك أحاطت بجميع العوامل التي تحدد مصير النص ..وإذا كنا سنجيب عن تساؤلك ..حول القيمة الجمالية والدراسة المنهجية ..أقول..هناك نموذج حددته هذه المدرسة وهو
مسؤول عن هذا لجانب وهو نموذج القارئ المفترض النموذج :
وهو من محض اختراع الناقد ولا يدل إلا عليه ولا يعدو أن يكون احد آليات الناقد والتي يستخدمهافي شرح النص وتفسير آلياته أو أن يكون هو المثال الذي يُحتذى به في مقاربتن
ا
للنص ..
فالناقدعندما يتحدث عن النص فإنه إما يتبنى قارئ يحوز على الكفاءة وفق مايعرف بمصطلحالقدرة والكفأة
وهو من مصطلحات نظرية التلقي .... أو أنه يعتبر نفسه هو ذلك القارئ ...
وبعد قراءة هذا النموذج للنص ماذا ستقول نظرية التلقي ؟
ستقول هذا النص هو هكذا لأن قارئه من هذا النموذج وليس لأن هذه هي حقيقة النص ..وحدوده ..
وعلى ذلك أقول
بأن مدرسة التلقي احترمت الناص وكأنها تعزيه حين تبين له أن لكل نص قارئ مفضل ..
وهي بنفس الوقت تكافح تعالي المثقف المبدع وتنصف اللغة حين تقول بأن قارئ النص ونموذجه هو من يميز النص ويجعله متداولاً وليس النص ..
(( هذا تدخل غير مباشر في حياة النص ))
وسأضرب على ذلك مثلاً وسأتحمل الحجارة التي ربما سترجمني
نزار قباني عند القارئ المفترض النموذج (( المنهجية النقدية )) تم تصنيف نصوصه بأنها تتبع مدرسة فرنسية للشعر قامت إبان الثورة الفرنسية والتي دعت إلى جعل النص
الشعري في متناول العامة والبسطاء .مما أدى إلى تسطح النصوص وضحالتها ..وعدم غوصها في عمق العمق ..
طبعاً هذا الكلام لن يشرى عند جماهير نزار ولو بقشة ..
والمثال المعاكس ..هو أدونيس (( الباقي عليكم ))
هنا ندرك الوزرالذي أخذته على عاتقها مدرسة التلقي ..
وسأحضر مثلاً آخر للتوضيح ..
لدينا صورة لشخص على مرآة .. الصورة = (( النص ))
المناهج النقدية الحديثة تهتم بالضوء الذي لولاه لم يتم هذا الانعكاس على المرآة (( اللغة ..آليات الاستعارة ..))..وأما مدرسة التلقي فتهتم بحالة الرائي للصورة ..وكيف
فهمها ..هل فهمها كمنتج لإنعكاس الضوء أو كواقع ملموس أم .. فهذا الرائي هو الذي سيتحدث عن قبح الصورة أو جمالها ..
هذه آلية مدرسة التلقي في تناول جمالية النص وبدون الاعتماد على مناهج أخرى كما ذكرتِ في متن السؤال
أرجو بأنني قد وفقت في شرح وجهة النظر ..
سحر أسرُّ أكثر بدوام التواصل ..
دمت بخير
د.باسم القاسم
02-28-2010, 10:06 PM
((الجنوسة /النقد النسائي))
"إن الواحدة لا تأتي إلى العالم امرأةً وإنما يشكلها المجتمع امرأةً"
سيمون دو بوفوار
تابباااااااابهذه المقولة الشيقة أحببت أن أفتتح دراستنا الجديدة حول مصطلح الجنوسة
ومعاً سنعرض لحياة هذا المصطلح وبالخصوص تلك الفترة من التوظيف والتبني العلني الذي تعرض له هذا المصطلح من
قبل اتجاهات وتيارات فكرية متعددة والتي تمخض عنها ولادة مايعرف بمدرسة النقد النسوي ..
الجنوسة لسانياً :
هكذا ترجمت مجلة ألف (( مجلة البلاغة المقارنة )) مصطلحنا الذي نحن بصدده اليوم وهي ترجمة لمفهوم يعود أصله إلى
مصطلح ألسني لغوي مشتق من المفردة اللا تينية
(( genus)) ثم تحدر سلالياً عبر اللغة الفرنسية من مفردة (( gender )) والتي تعني الجنس أو النوع ومنها تم تصنيف
الأجناس الأدبية /قصة مسرح ..شعر ../
الدلالة الاصطلاحية :
يدل مصطلح الجنوسة أساساً على التقسيم الضمني في النحو القواعدي
ولابد أن نحلل ماهية هذا التصنيف لنجد أن هذا التصنيف النحوي في قواعد اللغة لاعلاقة له بالجنس البشري البيولوجي
والأجهزة التناسلية في الإنسان ..
فقد أجمع الكثيرون على أن الأجناس النحوية من أكثر التصنيفات تعقيداً
ولكن هي في النهاية مجموعة من الأسماء التي تتأثر بما يحيط بها من مفردات
فهناك لغات يكون فيها التمييز الجنوسي بين المذكر والمؤنث وحيادي الجنس وهناك لغات يكون فيه التمييز الجنوسي بين الحي
وغير الحي ..وبين العاقل وغير العاقل وبين الضعيف والقوي وبين الإنسان وغير الإنسان ..وهناك اختلافات لاتحصى
وجميعها تقريباً لايتصل بالتفريق البيولوجي البشري ..
ولابد هنا من أن يطالبنا القراء بضرب الأمثلة ..
وهاهي أمامكم :
اللغة الألمانية فيها ثلاثة أجناس نحوية للأسماء (المذكر والمؤنث والمحايد) ويتم التعرف على جنس الكلمة من أداته، وصيغ الجمع في الألمانية متعددة ولا يوجد مثنى. والأفعال في الألمانية تصرف مع الضمائر مثل معظم اللغات وللفعل ستة أزمنة (( تصوروا ))
و بالنسبة للضمائر لا تفرق اللغة الألمانية بين المؤنث والمذكر في المخاطب المفرد والجمع .. وليس بها ضمائر المثنى وربما تنفرد اللغة الألمانية بوجود ضمير للتخاطب الرسمي (سيادتك/سيادتكم، حضرتك/حضراتكم).
مثال آخر :
إن " لغة الألجونكين Algonquin تميز بين جنس حي وجنس غير حي، ولا يهمها بعد ذلك ما يدخل تحت كل واحد من الجنسين من أشياء0
وقد ذكر أيضا أن " في لغة الماساي masai من شعوب شرق إفريقية يوجد جنس لما هو كبير وقوي، وجنس آخر لما هو صغير وضعيف " 0
وتختلف اللغات فيما بينهما من حيث التذكير والتأنيث داخل الفصيلة اللغوية الواحدة، فما كان مؤنثاً في لغة قد يكون مذكراً في لغة أخرى، والعكس أيضاً.
فكلمة (شمس ) مثلا اسم مذكر في الفرنسية، ومؤنث في العربيـة
و(الكف ) في العربية تذكر وتؤنث، وفي العبرية والسريانية مؤنثة، وهي مذكر في الآرامية ...
وإذا أردنا أن نبحث على توافق المفردة جنوسياً ضمن السياق الكلام ..نجد أن هذا الاتساق والتناغم يرتبط بمحيط المفردة ومدى
التأثر معها ففي بعض اللغات تتسق الأفعال والصفات مع الجنوسة المؤنثة أو المذكرة وفي لغات أخرى تعتمد على الظروف
والأحوال والأعداد
إذاً تحديد الجنوسة يكون وفق العلاقة القائمة مع المحيط اللغوي إن صح التعبير ..
وفي بعض اللغات تضاف مجموعة من المفردات وتعتبر في النهاية مفردة واحدة
مثلاً :
في اللغة الألمانية يتم تكوين كلمة واحدة من عدة مفردات لتعبر عن سياق واحد :
((Donauschifffahrtskapitänswitwenrentenabholstelle )) هذه كلمة مركبة عند الألمان وتعني
((مكان صرف معاش أرامل ملاحي شركة ملاحة نهر الدانوب )) هي عبارة كاملة ولكن جنوسياً هي كلمة مركبة عندهم
من هذا المنطلق تنبهت حركات التحرر العالمي النسائية إلى أهمية الربط بين قضية قهر وتمييز المرأة في المجتمع .. وبين
مفهوم الجنوسة لتثبت أن النتاج الثقافي وتمييزه لاعلاقة للجنس البيولوجي في تحديده ..
كيف ذلك ..؟
اعتمدت حركات التحرر النسوي على مقولة أن الجنوسة تحددها العوامل المحيطة المؤثرة لغوياً بالمفردة وعليه فإن تعالي الذكر
ودونية المرأة هو أيضاً ليس سوى نتاج لعمل مؤسساتي ثقافي متأثر بمعطيات اجتماعية
تم فرضه من قبل الأقوى ( الذكر ) وليس له أي علاقة بالبنية البيولوجية للإنسان ..
وهو ماأطلق عليه النقاد الجبرية البيولوجية .. وكم حاولت ولاتزال تحاول المنظمات الحقوقية دحض هذه الجبرية من منطلقات
متعددة سنتناولها لاحقاً ..
ويذهب دارسو الجنوسة إلى أن الفرق بين الرجل والمرأة إنما هو فرق أيديولوجي اجتماعي ثقافي دافع عنه المجتمع الذكوري
وأرساه بالسلاح والقانون وبهذا فإن الثقافة السائدة هي التي تضع القيود على طريقة الإبداع والتفكير وليس البيولوجيا ..
وهنا لابد من أن أنبه إلى أن الجنوسة التي نتحدث عنها هي ليست النقد الجنثوي المعني بالكتابة الأنثوية وهي على عكس
مفهوم الأنثوية في (( مابعد الحداثة ))
الجنوسة هنا أيتها السيدات والسادة هي معيار التصنيف للتفريق والتمييز بين الأجناس
هي نوع من أنواع الأركيولوجيا المعرفية المهتمة بالتأثيرات الأدبية وبالبنية الأيديولوجية لكل إنتاج ثقافي ..
وانا أعتقد انه ليس أخطر من هذا التطبيق (( الجنوسة )) يقوم به فقهاء التصنيف والدراسة ..فربما حدثت معارك طاحنة خلافية بين النقاد والكتاب حول
الإعتراف بهذا الجنس الإدبي أو ذاك وأقرب دليل هو(( حيرة القصة القصيرة جداً)) في أي جنس يمكن أن تصنف /على سبيل المثال طبعاً
والشعر الحر ..والنثر الشعري ..و...(( سنتناول هذا البحث لاحقاً ))
ملاحظة : قبل أن نتسرع ..لابد من الإشارة بأننا نتكلم هنا عن فكرة العلاقة الهرمية بين الذكر والأنثى ..وليس عن المساواة
بينهما ..من حيث التركيب والبنية الفكرية والإجتماعية
فتقريباً معظم حركات التحرر النسوي لاتقر بهذا التعادل في الميزات
بل ربما تعتبرها متفوقة على الذكر ..إلا أنه كان ولايزال
السؤال الكبير .. لماذا هذه القهرية والبطرركية(( ماضياً وحاضراً )) في التعامل مع المرأة بالاتكاء على الفارق البيولوجي ..؟
أعتقد أنني لابد أن أترك الباب هنا مفتوحاً لتأملاتنا وذلك قبل الخوض في غمار النقد النسوي
القراء الأكارم : - سيمر معنا عدة مفردات مثل : البطرركية /الكولونيالية وهي تشير باختصارإلى هيمنة الفكر الذكوري وتسلطه
- الأركيولوجيا المعرفية = حفريات المعرفة
((يتبع))
إبراهيم الشتوي
03-01-2010, 11:32 AM
مصطلح جدير بالمتابعة والاهتمام ..
سأعود ؛ وأنتم / أنتن يارفاق الحرف ننتظر مداخلاتكم الضوء مع طرح الدكتور باسم / العميق الأنيق ..
دمتم بالقرب .
قايـد الحربي
03-01-2010, 06:57 PM
:
وهَا أنت يا دكتور تُضيءُ قَبساً نَهتدي بهِ ، إليه
فشكراً لكلّ ضوءٍ تمْنحنَا إيّاه .
:
قَبل البَدء : [ اقْتباسَات مُهمّة ]
- " ضرورة التفرقة بين الجنس (sex) والجنوسة (Gender)، لأسباب تاريخية، تعود إلى حقيقة أن الرجل هو الذي أعطى مصطلح الجنس معناه الشائع الآن:
ذلك المعنى الذي يحمل دلالات تحط من قيمة المرأة كإنسان، تهبط بها إلى مستوى البهيمية؛ حيث رفضت الحركة النسوية هذا المصطلح (الجنس) مفضلة عليه مصطلح (الجنوسة)،
باعتبار أن الجنوسة أقدم من الجنس. فالجنوسة - حسب هذا القول ـ تمثل فعل الحياة الأول، عندما كانت المرأة مساوية للرجل تماما، في الحقوق والواجبات . "
- " تم إطلاق مصطلح النقد النسوي: Gynocritics على يد الناقدة النسوية إيلين شوآلتر ( Elaina Showalter )، ويعني:
تحليل النصوص من وجه نظر المرأة. والدافع إليه ما تستشعره الحركات النسوية من إهمال الرجل المتعمد لمجمل إنتاج النساء الإبداعي
وعده إياه أدبا من الدرجة الثانية. لذلك فقد كان هدذ النقد النسوي هو الرفع من منزلة المرأة في المجتمع.
والمصطلح يوحي بموقف أيديولوجي مسبق؛ من حيث افتراضه أن وضعية المرأة ـخصوصاً في المجال الإبداعي ـ هي وضعية إشكالية،
أو حتى دونية، تحتاج إلى جهد نضالي لإعادتها إلى الحالة السوية، التي لا تتحقق إلا بالمساواة التامة في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإبداعية… "
:
عَائدٌ بالتأكيد .
الهنوف الخالدي
03-01-2010, 07:03 PM
: [ هل أقتطعُ ليّ جذعاً أتكأ عليه حتىّ الـ عَوده ] ؟
-
شُكرا ً لله عليَك ْ .
سـ/ـماء غازي
03-01-2010, 07:59 PM
لا بدّ وأنه نتاج نضال المرأة في خضم حالة النظرة المشكّكة في مكانها في المجال الكتابي بل و الإبداعي بشكل عام
سنكن بالقُرب بالتأكيد .
د.باسم القاسم
03-02-2010, 12:18 AM
السيدات والسادة ...
لازلنا ندور في فلك مصطلح الجنوسة ..ولم نخطُ بعد خطوة واحدة سوى التلويح والإشارة نحو مدرسة النقد النسوي ..
ولنعتبر ان ماورد سابقاً بمثابة أحفورة معرفية في قضية الأدب النسوي ونقده ننتظر مداخلاتكم الاستقرائية حولها بتركيز ..
الألم عميق والجراح لاتزال نازفة ..نعرف جميعاً ..ولكنها قضية
لم يتجاوزها أحدٌ بعد في العالم ..فلنمش بحذر على هذه الدرب الوعرة علنا معاً نؤسس لمقولة واضحة ..وحاسمة
قايد الحربي ...مثلك من يَسبق ولا يُسبق ..فشريان قلمك - كما الجميع -رافد مهم لقلب هذه القضية النابضة
عبدالناصر الأسلمي
03-02-2010, 02:42 AM
متصفح جميل فعلا،،،
د. باسم القاسم اشكرك على هذه المساحة المضيئة والتي استفدت منها بشكل مكثف
واذا تسمح لي بسؤال حول تجنيس الفعل للمسميات التي تؤنث وتذكر مجازيا
ما هي حدود ومعطيات تأنيث وتذكير الفعل عندما يكون فاعله مجازي التأنيث والتذكير.
اشكرك مرة اخرى واتمنى لك السعادة.
د.باسم القاسم
03-02-2010, 02:01 PM
الأستاذ الشاعر عبد الناصر الأسلمي..
مروركم المتواضع له بالغ الأهمية في هذا المتصفح ..
ولعلي أقف أمام تساؤلكم باحترام ... وذلك لثقتكم بنا كمصدر نزيه وجدير بالإجابة ...
وبعد :
أقول ..
بشبه من إجماع ..اتفق فقهاء النحو والصرف في قضية تأنيث الفعل وتذكيره حين يكون فاعله مجازي التأنيث والتذكير كمايلي :
عندما يكون الفاعلُ مؤنثًا مجازيا ظاهرًا (أي ليس بضميرٍ)، نحو (طلعتِ الشمسُ، وطلعَ الشمسُ). والتأنيثُ أفصحُ. وهنا نضع خط تحت عبارة والتأنيث أفصح ..وذلك لقلة ماورد عن العرب تذكيرهم لكلمة شمس ..
وهناك حالة أخرى ولو كانت خلافية ..ولكنني أقتنع بها وهي :
أن يكونَ الفاعلُ ضميرًا مستترًا يعودُ إلى مؤنثٍ مجازىٍّ، نحو "والشمسُ تطلعُ". هنا يجب التأنيث ..فالتقدير للفاعل هنا لضمير مستتر يعود على مؤنث مجازي وهي /هو ...الشمس
وهناك لطيفة أرغب بإضافتها هنا وهي :
قد يكتسب الفاعل المضاف من المضاف إليه التذكير أو التأنيث مثلاً مثل: (قتله طعنة شجاع)
فنحن لو حذفنا المضاف وأبقينا المضاف إليه لحصل التطابق فتقول (قتله شجاع )
ولا يجوز ذلك في مثل (سقاني أخو سعاد) لتغير المعنى إذ لا يصح إسناد (سعاد) إلى (سقاني) لأن الذي قام بالسقاية أخوها وهو يؤدي إل التطابق في التذكير ...
أرجو أنني قد وفقت في هذه الإجابة ..
لك كل المودة أستاذ عبد الناصر ..
عبدالناصر الأسلمي
03-02-2010, 02:33 PM
تسلم دكتور باسم
واشكرك كثيرا على هذه الاجابة الجميلة
والمكثفة واتمنى لك السعادة والمجد والهناء
ما قصرت:)
إبراهيم الشتوي
03-02-2010, 07:30 PM
الودق صاحب الفكر المتقد ... د.باسم القاسم (http://www.ab33ad.com/vb/member.php?u=443)
أشكرك مرة أخرى على هذا الجهد وهذه الرؤى التي ترتقي بنا ومنها نستقي ..
وعبر هذه الدراسة الشيقة هناك العديد من الأسئلة التي تبحث عن مسارب ضوء رؤيتك ومنها ..
هل نستطيع أن نقول أن من أهداف النقد النسوي إنتاج جماليات التجربة الأدبية النسوية وإبرازها كتجربة الأديبة غادة السمان مثلا؟
وهل ستستمر بإنتاج وعيها و لغتها الخاصة المختلفة عن الوعي الذكوري ولغته بحيث يكمله ولا يتناقض معه ؟
قايـد الحربي
03-02-2010, 08:45 PM
بعْد التراحيب وَ الشّكر وَ الطيب :
للتّوضيح قَبل البَدء :
[ ليس حديثي اللاحق وَ المصطَلح السّابق عن الأدب النسائيّ وَ إشكاليّة وجُوده مِن عَدمه ]
:
لنُوجد نقداً نِسْوِيّاً ، عليْنا أولاً أنْ نَجد الأدب النسائيّ - الخالص وَ الخَاص - الذي سيتّكئُ عليه ذلك النقد
بتوَجهاته وَ مَدارسه الفَارضَة أدباً يسْتوعبهَا - بالضّرورة - !.
وَ لنفرضْ جدلاً وُجود ذلك الأدب ، فمَن مُنْقذنا مِن [ لا ] الإجَابة في هذا السؤال :
- أَوَاجبٌ بالنّقد أنْ يكُون جِنسُ النّاقد وَ المُنْتَقَد ، وَاحد ؟!
إذِ الـ [ لا ] مِن البَديهيّات !
قَبل أنْ تفْرح المَرأة بتَفردها وَ قبْضها على بابٍ مِن أبواب النقد مُعتقدةً حريّتها في ذلك ،
عليْها أنْ تنْتبه للقيْد الذي قيّدتْ به نفسها بِبابٍ أغلق أبواباً عدِيدة كَانت تمْتلك مَفاتيحها ..
إذْ لا يجبُ عندئذٍ أنْ يكُون المُنْتَقَد رجلاً وَ هيَ النّاقدة لأنّها فرَضتْ التّشابه عنْدما رَفضتْ الشّبيه !
:
- رَجل كَتب عن نَتَاج امَرأة ، أتُعْتَبر الكتَابة ذكوْريّة أمْ نِسائيّة ؟!
:
سـ/ـماء غازي
03-02-2010, 09:06 PM
كنتُ سآتي إلى هنا لأسأل السؤال أعلاه .
د.باسم القاسم
03-03-2010, 12:46 AM
وايم الله ينتابني الحياء وانا أطلب من حضراتكم هذا الطلب ...:
وأنا لا أرى إلا اجتماعاً لبعض أقطاب الفكر ..من مملكة أبعاد ..علىمائدة فقير مثلي ..((ولكنني الطامع بعبارة /*الجود من الموجود))
فهلاَ نمهل أنفسنا فقط حتى أستكمل القسم الثاني من البحث حتى مساء الغد ..وهو حول الأدب النسوي ..ونقده .. وذلك ..لاكتمال الفكرة ..وعدم تكرر الأجوبة ..
أرجو عفوكم ..لجرأتي على هذا الطلب .... وانا المؤمل برحابة صدوركم ..
إبراهيم الشتوي
03-03-2010, 08:35 PM
وايم الله ينتابني الحياء وانا أطلب من حضراتكم هذا الطلب ...:
وأنا لا أرى إلا اجتماعاً لبعض أقطاب الفكر ..من مملكة أبعاد ..علىمائدة فقير مثلي ..((ولكنني الطامع بعبارة /*الجود من الموجود))
فهلاَ نمهل أنفسنا فقط حتى أستكمل القسم الثاني من البحث حتى مساء الغد ..وهو حول الأدب النسوي ..ونقده .. وذلك ..لاكتمال الفكرة ..وعدم تكرر الأجوبة ..
أرجو عفوكم ..لجرأتي على هذا الطلب .... وانا المؤمل برحابة صدوركم ..
ونحن بانتظار النور والبلور..
فشكراً لك ولكل آل أبعاد الكرم بمداخلتهم الضوء ..
تقديري .
سناء البخاري
03-03-2010, 09:07 PM
بالعكس دكتور باسمـ
كلنا آذان صاغية بانتظار ما تجود بهـ اناملك
شكرا لكـ على سعة صدرك :2006102523424873:
متابعة وبشدة..
د.باسم القاسم
03-03-2010, 11:11 PM
السيدات والسادة :
أعتقد أن السلوك في دروب المعرفة يحتاج إلى نقاط علام وخاصة في القضايا الشائكة تلك النقاط تؤمن لنا عدم هدر الوقت أو الدخول في هوامش من النقاشات البيزنطية ../معصومون عنها جميعاً إن شاء الله/
و عليه أعتقد غير جازم في نقاط العلام التالية :
* مامن قضية فيها خلاف إلا ووجد فيها جهة متتطرفة ومغالية ربما تجلب على هذا الخط المعرفي أو ذاك أموراً لاتنتسب إلى جوهر القضية بل ربما تشوهها وتبعدها عن هدفها المعرفي ..وقد يكون هناك أطراف يمينية إن صح التعبير ..تعتمد الدوغمائية في مناقشة الموضوعة المعرفية ..وهذا قمة العسف الثقافي ..
وعلى هذا وذاك أرى في قضية الأدب النسوي ونقده الكثير الكثير من الآراء التي تنتمي لهذين النمطين الذين تم ذكرهما سالفاً وبالتالي سأعتمد في طرح القضية على حجر الأساس الذي تم عليه بناء صرح النقد النسوي أو مقولة الأدب النسائي فالعقل الناقد لايعترف إلا بما تم رصده وإثباته وتكراره في جوهر القضية ..
* الأمر الآخر أجد فيه أهمية بالغة ..فمن الواجب علينا أن نحدد أس هذه الثقافة هل هي وافدة أم أصيلة ..
أعتقد أنها بما فيها من مقولات في هذا الزمن تعتبر ثقافة وافدة ...(( مع عدم نسيان التاريخ الذهبي للفكر الإسلامي الذي أخذ للمرأة حقها من ظالميها وكرمها )) ..ولكن نحن هنا نتحدث عن مايتم ترديده في كواليس المرأة المثقفة العربية .. المطالبة بإعادة حقوقها المسلوبة ..
ولو أقررنا بأنها ثقافة وافدة ..فهي إذا لن تخلو من الغث الرديء الهدام ..ولن تفتقد للسمين الطيب المفيد البناء ...
فلنمنح أنفسنا فرصة التمييز ولنخلع عنا رداء التبعية والتطابق مع الآخر البعيد /القريب
ملاحظة : سنبدأ بمناقشة مدرسة النقد النسائي في البداية على اعتبار إنه هو من منح ملامح لماعرف بالأدب الأنثوي أو الجينثوي
أولاً : النقد النسائي /النسوي
ظهر هذا النقد كخطاب منظم في بدايات عام 1960 على يد رائدة هذا المذهب النقدي (( فرجينيا وولف ))
فهي أول من صرح وبصوت مرتفع على أن المجتمع الغربي عموماً مجتمع أبوي منع المرأة من تحقيق طموحاتها الفنية والأدبية ..ومسايرة لهذا الاتجاه
كانت (( سيمون دو بوفوار)) في فرنسا أول من تبنى أن هوية المرأة تنبع دائماً من المحيط الذكوري المتعسف في تقييم أدائها بحيث دائماً يتم الاعتبار بأن
المرأة هو آخر يتسم بالسلبية والعجز بالأصالة النابعة عن البيولوجيا للجنس البشري ..
ومن أهم سمات هذه المدرسة بأنها متعددة في نطاق الارتكاز فهي تارة تتبنى المقولة الماركسية وتارة أخرى النظرية النفسية وأخرى ثالثة
المابعد بنيوية ..والأهم من هذا وذاك هو الاتكاء الكامل على مقولة الجنوسة وهذا مابيناه سابقاً
ولكن أيتها السيدات والسادة ..ماهي اهتمامات ومطالبات هذا الخطاب ..ماهو جوهر القضية الأساسي قبل أن تصل إلى مجتمعاتنا ..وتتفرع إلى
كانتونات ..وتبنيات غير متوازنة غالباً ..
معاً سنرى أساس القضية :
1ً- اعتبر هذا الخطاب أن الثقافة الغربية هي ثقافة الأب (( الذكر )) ومركزية القرار الصائب دائماً هي ذات سمة ذكورية .. كيف لا ومقولة أرسطو لاتزال تردد صداها إلى الآن
(( إن الذكر بالطبيعة سائد ، وإن الأنثى بالطبيعة ناقصة ، الواحد حاكم والآخر محكوم ، إن مبدأ الضرورة هذا يمتد إلى كافة البشر )) ..
وبسبب طول العهد الذي ساد فيه هذا الفكر منذ عصور ماقبل الميلاد إلى عصورنا الحديثة (( والأمثلة كثيرة ))
أصبحت الأنثى تتبنى هذه المقولة أيضاً بحيث أنها أذعنت وأقرت بهذا الوضع تاريخياً وأصبحت تجسد هذه الفكرة كبدهية
2ً- إن الفرز بين المذكر والمؤنث بيولوجياً يتم الإقرار به من الجميع من حيث التكوين البيولوجي والبنية والذهنية أيضاً ولكن عندما نصف المذكر
بالإيجابية والمغامرة والعقلانية والابداع بينما تتصف الأنثى بالسلبية والرضوخ والارتباك والتردد وإتباع الأعراف والتقاليد ..فهذا الأمر ليس له علاقة
بالبيولوجيا البشرية بقدر ماهو نتاج لثقافة سائدة أرستها المجتمعات الذكورية وحاولت الهيمنة لفترة طويلة باستخدام هذه المقولات ..
وهذا ليس بشيءعند المنصفين نعم هناك فوارق كثيرة ولكن لماذا هذه العلاقة الهرمية ؟
3ً- جميع النتاجات الأدبية العظيمة عموماً ومنذ سالف العصور اجتاحتها هذه الفكرة الذكورية ..في أبطال الروايات والمغامرات والقصص ..وتظهر المرأة
على الأغلب موظفة ..أو هامش ..مهمل ..حتى في طريقة وصف مشاعر البطل الذكر وطريقة تعامله مع العاطفة ..وهذا ماوضع الأنثى القارئة بين أمرين
إما أن تُغرّب هذه الكتابات الأنثى أو تغريها لتتبنى منظور الرجل بحيث أنها تتبنى ردود فعله وتصبح تابعة لمنظوره وطرق إدراكه ..وقد تجند ضد نفسها
أحياناً ..
4ً- لو نظرنا إلى مقولات النقد العالمية ومعايير التحليل وتقيم الأعمال الإبداعية لوجدنها تنطوي على الذكورية الصرفة ..
وافتراضات قبلية من الرجل .. فكيف نصفها بالحيادية والموضوعية عندما نهمل وجهة نظر الأنثى كمتلقي ..ونحن
جميعاً نقر بتمييز كلا الطرفيين بيولوجياً ..إذا كان لدينا متلقي ذكر ..فهناك متلقي أنثى ..ولكن في كافة خطابات النقد ..المخاطب هو الذكر عموماً
في ماسبق أيتها السيدات والسادة ..هو تكثيف لهموم النقد النسوي ..وهو نسخة أصلية إن جاز التعبير ..
فلنقارن بين الأصوات الكثيرة الكثيرة التي تدافع عن حق المرأة بالإبداع والنقد وبين هذه المقولة الجوهر ..
والتي أعتقد من وجهة نظر شخصية بأنها لم تحد عن الواقع والحقيقة قيد أنملة ..
نعم لنا أن نجتهد على هذه المقولة وندلي بدلونا ولكن لماذا نرى عند الأغلبية المهتمة الشطح أكثر من القار ..؟
(( يتبع ))
د.باسم القاسم
03-03-2010, 11:52 PM
ثانياً : الأدب النسوي
نعم هي (( ألين شواتلر)) أول من تمدد بقكره وتطور عن مدرسة النقد ليتجه نحو النقد (( الجينثوي ))
فهي التي قررت وجود أدب نسوي .. يمثل إنتاج النساء الإبداعي لسبب جوهري نشرحه كما يلي :
تتميز الأنثى وتنوع تجربتها الحياتية ..في البيت / أم ../ مربية / ..حمل /..رضاعة ../ خليلة ../ مومس ..
وعلى اعتبار نظرية النقد الحديثة فإن بنية النص تتأثر بذات المؤلف وتنبع من المكتسب وغير المكتسب ...
فنحن لن نجد ولو رجل واحد يكتب نص عن تجربة الحمل والولادة كما هي عليه ..
ولن نجد رجل واحد قريب وملتصق بذهنية مربيات الأطفال ..أو الأرامل ..أو حتى المومسات ..
..الرجل لن يعطي نصاً إبداعياً إلا من عوالمه الداخلية ..ونحن نقر بأنه لكل من الرجل والمرأة عوالمه الداخلية الخاصة ..وتأثراتها .. وعلى سبيل
المثال ..نقول أن الخنساء في الشعر مارفع وأعلى من شأنها إلا طريقة الحزن الخاصة بالأنثى فكانت تغالب الفحول بنصوصهم .. هي شاعرة نعم
بالأصالة ..ولكن مصرع صخر ..وحزنها عليه أفرزاً حزناً أنثوياً خاصة ..
لنرى ماتريده (( شوالتر )) من مقولة النقد (( الجينثوي )) :
1ً- تحديد وتعريف موضوع المادة الأدبية التي كتبتها المرأة ..والدرس جيداً سيكون لوضع ملامح تحدد عالم المرأة الداخلي
المفرز للمادة الأدبية ..
2ً_ علينا أن نهتم بإعادة كتابة وقراءة التاريخ الأدبي .. لنبحث عن جينات النص الأنثوية ونرصد النشاط الأنثوي الأدبي ولو كان نادر الحصول ..لنجعل من
هذه النماذج مادة للدرس الأدبي النقدي الذي سيعطي عمقاً لتاريخ أدب المرأة ..
3ً- لابد لنا من أن نجتهد نقدياً لتحديد سمات لغة الأنثى ومعالمها أو الأسلوب الأنثوي في الكتابة والكلام المنطوق وبنية الجملة وأنواع العلاقات بين عناصر
الخطاب النسوي وخصائص المجازية والخيال ...
هذه نسخة شبه أصلية عن مطالب (( شوالتر))
وبعد هذا العرض سنأتي على موضوعات اعتقد بأنها مهم للغاية سنحاول الإجابة عليها معاً :
- هل هناك فارق بيولوجي بين الذكر والأنثى أم لا ؟ أعتقد أن الجواب سيكون نعم يوجد ...
- هل النص الإبداعي يتأثر بالتركيبة الفيزيولوجية للجسم أم لا ؟ أعتقد أن الإجابة نعم (( الغلام غير البالغ غير الكهل /الأعمى غير البصير / المرضع
والحامل غير العقيم ))
- هل كل نص نستطيع أن نميزه عن الآخر بإسلوب كتابته والمحيط المكتسب وغير المكتسب للشاعر ؟ الجواب نعم
- هل إذا ارتفعت أصوات تطالب بالتمييز بين النمطين نعتبر انها اصوات حركت ساكن أم أنها أوضحت حقيقة ؟؟؟؟
- هل على ماسبق هل نستطيع أن نقول أن المرأة لها نصها الخاص والرجل له نصه الخاص ؟؟؟؟؟؟؟
على كل ماسبق إذا كنا حقاً نؤمن بكتاباتنا النقدية فعلينا عدم التوقف في تعميمها على المرأة أيضاً ...
السيدات والسادة ..عندما نجد مبررات البيئة والثقافة والمكتسب وغيره ..لنص كتبه الرجل .. وعندما نرصد عوامل وبيئة الكتابة في أي فعل كتابة
علينا أن نجد نفس هذه المبررات للمرأة المبدعة .. هذه على ما أعتقد في حال اعتبرنا أنفسنا موضوعيين ..لأن بيئة الكتابة لديها كان الذكر هو أول من
ميزها ..بالرغم من أنه اعتبرها سلبية ..ولكن هي بيئة والذكر هو من رسخ التمييز ..فلو قبلنا بكل المقولات الذكورية وأقررناها ..علينا إذا أن نقف بتمعن أمام كتابات المرأة ..ونعاملها معاملة وأعتقد بأحقية وجود نقد نسوي ضمن ما أسلفت سابقاً (( رأي شخصي))
آخذين بعين الاعتبار تمييز محيطها المنفعل بها ومعها
والموضوعية أيضاً لاتقر أي خطاب يتبنى المفاضلة ..والهرمية ..لا عن الرجل ولا عن المرأة .. ولكنها قد تقر التكاملية
وبمجرد أننا فهمنا أنها ثقافة سائدة ومورثة سهل علينا التعامل مع الأمر ..
فكما نصف أن المرأة مدعيةٍ ..للشعر ..نصف الرجل بأنه مدع ٍ للشعر ..ليس للتفاضل البيولوجي أبداً دور هنا ..لكن مقولة الشعر هي المعيار ..
ومقولة الرواية هي المعيار . ومقولة فن القصة هي المعيار فالمرأة في جملتنا الفكرية هي دائما مضاف ..في حين أنها قد تكون غالباً مضاف إليه ..
هناك مقولة لكورنيل وهي أحد أعمدة هذا المذهب تقول : (( إن النظرية لاتغير العالم ..ولكنها تساعدنا على رؤية سبب وكيفية التغيير )) وهذه النظرية
النسوية تحتاج إلى تطبيق ضمن حدود بيئة التطبيق ..هذه ليست أيديولوجيا او عقيدة نتزمت بها ولها إنها مقولة نأخذ منا مايناسب عقائدنا أفكارنا المبادئية ....
وأعتقد أن كثرة الشطح(والذي لانقره )عند النساء اللواتي تبنين آراء النقد النسوي ..ما أفرزت إلاعن القهر والضغط المتزايد على أحقيتها في الوجود
الابداعي فبدأ خلط الحابل بالنابل ..وليس هناك من أصوات مضادة للمرأة بطريقة تعسفية وغير موضوعية من قبل الرجل إلا لأنه اعتقد أن المراة المبدعة
بدأت تهدد كيان الذكورية المهيمن على مقدرات الإبداع وهو تهديد يتوهمه البعض ..ولاوجود له بناءً على ماسلف ..
فالموضوع كما تعلمون ليس صراع ولاتنافس ..إنه إثراء للفكر الانساني الكوني .. فليدخل من يريد أو تريد بكلتا اليدين لدفع عجلة الحراك الفكري
الإبداعي لهذا المخلوق العجيب المسمى
(( إنساناّ ))
وتفضلوا بقبول الاحترام ...
ملاحظة : (( كما تعلمون أننا قررنا أنها ثقافة وافدة وعليه أرجو عدم إقحام الثقافة الإسلامية في هذا الموضوع فهي عندي معلمة كل المدارس في هذا
الباب ..ولكننا قد نحسن التطبيق أو نسيء ))
تنويه :
القراء الأكارم ..نحن نتناول جانب الابداع الأدبي والفكر النقدي عند المرأة..ولن نتدخل باسلوب الحياة اليومية ..هذا فقط حتى لانخرج عن الموضوع
دمتم بخير ..
د.باسم القاسم
03-04-2010, 12:38 PM
الودق صاحب الفكر المتقد ... د.باسم القاسم (http://www.ab33ad.com/vb/member.php?u=443)
أشكرك مرة أخرى على هذا الجهد وهذه الرؤى التي ترتقي بنا ومنها نستقي ..
وعبر هذه الدراسة الشيقة هناك العديد من الأسئلة التي تبحث عن مسارب ضوء رؤيتك ومنها ..
هل نستطيع أن نقول أن من أهداف النقد النسوي إنتاج جماليات التجربة الأدبية النسوية وإبرازها كتجربة الأديبة غادة السمان مثلا؟
وهل ستستمر بإنتاج وعيها و لغتها الخاصة المختلفة عن الوعي الذكوري ولغته بحيث يكمله ولا يتناقض معه ؟
الأريب الكيس الفطن ..إبراهيم الشتوي ..
تماماً على الذي تفضلت به ..هذا ما أستشرف رؤيته في المستقبل ...
وأعتقد أن هذا من وجهة نظر تدعي الموضوعية وحتى لانناقض آراءنا النقدية ..ومقولات المدارس النقدية التي جلسنا في صفوفها على مقاعد الدراسة ..
أما عند /غادة السمان / فلدي رأي سأحتفظ به لنفسي إن سمحت لي ..
وأرجو أنّ استكمال البحث سيغني ردي هذا أكثر وأكثر ..
أدامك الله عيناً ساهرة واذناً واعية ...
د.باسم القاسم
03-05-2010, 01:45 AM
بعْد التراحيب وَ الشّكر وَ الطيب :
للتّوضيح قَبل البَدء :
[ ليس حديثي اللاحق وَ المصطَلح السّابق عن الأدب النسائيّ وَ إشكاليّة وجُوده مِن عَدمه ]
:
لنُوجد نقداً نِسْوِيّاً ، عليْنا أولاً أنْ نَجد الأدب النسائيّ - الخالص وَ الخَاص - الذي سيتّكئُ عليه ذلك النقد
بتوَجهاته وَ مَدارسه الفَارضَة أدباً يسْتوعبهَا - بالضّرورة - !.
وَ لنفرضْ جدلاً وُجود ذلك الأدب ، فمَن مُنْقذنا مِن [ لا ] الإجَابة في هذا السؤال :
- أَوَاجبٌ بالنّقد أنْ يكُون جِنسُ النّاقد وَ المُنْتَقَد ، وَاحد ؟!
إذِ الـ [ لا ] مِن البَديهيّات !
قَبل أنْ تفْرح المَرأة بتَفردها وَ قبْضها على بابٍ مِن أبواب النقد مُعتقدةً حريّتها في ذلك ،
عليْها أنْ تنْتبه للقيْد الذي قيّدتْ به نفسها بِبابٍ أغلق أبواباً عدِيدة كَانت تمْتلك مَفاتيحها ..
إذْ لا يجبُ عندئذٍ أنْ يكُون المُنْتَقَد رجلاً وَ هيَ النّاقدة لأنّها فرَضتْ التّشابه عنْدما رَفضتْ الشّبيه !
:
<b>
- رَجل كَتب عن نَتَاج امَرأة ، أتُعْتَبر الكتَابة ذكوْريّة أمْ نِسائيّة ؟!
</b>
:
المتفوق قايد الحربي ..قلمك يغري أقطاب الفكر لزيارة أبعاد ..ولا أبالغ ..
- رَجل كَتب عن نَتَاج امَرأة ، أتُعْتَبر الكتَابة ذكوْريّة أمْ نِسائيّة ؟!
سيدي:
أعتقد أننا لوجعلنا هذا التساؤل محوراً لقضيتنا برمتها ..لكانت الاجابة عنه تشفي الصدور ..
وربما ما أسلفته في متن المادة الأساسي سيغنيني عن الدخول في المقدمات والتمهيدات ..
ولذلك سأباشر بالإجابة عنه وبصراحة ..
ياسيدي هذا التساؤل لايصح عندي وعلى ما أسلفته سابقاً ولاحقاً إلا كما يلي :
رجلٌ كتب عن نتاج امرأة ، أتعتبر الكتابة موضوعية أم لا ؟!
أو
امرأة كتبت عن نتاج رجل ، أتعتبر الكتابة موضوعية أم لا ؟!
هذا هو المقصود ولن يكون بعد هذا فرق بين الرايتين / ذكورية أم نسائية ..
هل نقول بأن كل كتابة إما ذكورية او أنثوية ..نعم إلا عند النقد ..فالعقل الناقد هو عقل دقيق ومجهري ومقتدر وحيادي موضوعي ..فأنا أعتقد بأنه
يوجد شاعر وشاعرة ولكنه لايوجد ناقد وناقدة ..
هناك فقط العقل الناقد وهو خارج عن تصنيف الجنوسة لأنه لايمثل شخص بل يمثل مؤسسة اللغة الرهيبة (( من دراسات موت الغة ))
والمطلوب من قبل مدرسة النقد النسوي تحقيق هذه الصفة ,, هذا هو الصوت المرتفع الذي أرادت إيصاله للحركة النقدية
لتجديد وفتح ملفات التاريخ الأدبي ..
إنها لاتطالب بفتح مدرسة تسمى النقد النسوي لاتكتب من خلالها إلا النساء ..ولايجب أن يقرأ نصوص أتباعها إلا نساء ..
القضية الجوهرية ..كما عرضت في متن المادة الأساسي ..ماطالبت به /فرجينيا وولف/ ونظيراتها واضح ..((وهذا هو سبب الاتكاء على مصطلح الجنوسة)) ولكن ربما تعرض فيما بعد للتحريف من قبل اقلام كلا الطرفيين ..
قايد : دعني وأنت نتشارك سويةً في هذا الرأي
هل لأن المصنفين أسقطوا على مر العصور تصنيف وجود أدب ..نسوي يعني بالضرورة بأنه لايوجد أدب نسوي ..؟
هذا التغافل تعتبره مدرسة النقد النسوي ..حدث بسبب ثقافة سائدة يجب أن نصححها .. وأنا أعتقد كذلك.
ولو أن التاريخ يبدأ من هذه اللحظة لوجب علينا أن نسعى لتحقيق درس نقدي يحيط بنتاج المرأة الإبداعي ..يصنفه ويضع ملامحه ..
للأسباب التي بينتها في شرحي للمادة الأساسية سالفاً .. وهذا ليس تعزيزاً للمراة ولا دفاعاً عنها ..إنه بالضرورة دفاعاً عن موضوعية الفكر النقدي ..
سندقق هذا النتاج ..في تناصه ..وتقريريته ..ومباشرته .وفي ..وفي ..انطلاقا من خصوصية الذات الأنثوية الواعية ..
لن نلقي بالاً للعاطفة المنبرية ..والصوت الرخيم ..أو عوامل الجذب الغرائزية ..
وبعدها لن نخشى..ولن نبحث عن منقذ لنا من الاجابة البدهية (( لا )) التي ذكرتها ..
وثيقة مدرسة النقد النسوي واضحة مهما تعالت أصوات كلا الطرفيين ووجهت مافيها إلى غير هدفها المنشود ..وانا أعتقد بل وأجزم بأن هذا الصوت منذ القديم ..ولكنه لم يرتفع بوضوح إلا في القرن الماضي وسأقدم البراهين إذا لزم الأمر ..
وأعتقد أيضاً بأنه لن تخمد نيران هذا السعير في هذا الصراع المحموم إلا بهذه الخطوة ..حتى لانتعرض لأوجاع سناه الحارق كلما دق الكوز بالجرة ..
أنا شخصياً أعتبر أن الفرق بين الرجل والمرأة أمراً واقعاً (( من باب البيولوجيا ..والذهنية)) ..ولو اغتاظت كل الحركات النسوية العربية والعالمية ..ولكن القول بالعلاقة الهرمية بينهما ..وخصوصاً في مجال الابداع ..والفن .. أمر يحتاج إلى الكثير من البراهين والحجج والتي لن تكون مقنعة برأيي الشخصي ..
صديقي العزيز :
كن على ثقة بأنني أكتب هذه المداخلة ليس لأنني أعتبرك من هذا الفريق أوذاك على الإطلاق ..فعندك الجدارة أن تحلق خارج السرب دائماً وبثقة وربما أكون معك خارج السرب في مداخلتي هذه ولكنني أكتبها كما هي لأنها موجهة إلى قايد الحربي شريكي المعرفي .. وأختتم قائلاً :
هذا ما استطاعه ربان سفيني ..أمام أمواج هذه القضية العاتي ..
فهل سنصدق بعدها ماقاله الشاعر (( بمشيئة الملاح تجري الريح والتيار يغلبه السفين ..))
تنويه: ربما أعد القراء الأكارم بتقديم امثلة عن تميز النقد والأدب النسوي في تاريخ أدبنا العربي
وأعتذر من الجميع على لهجة الجزم التي ظهرت في بعض السطور لأنني لا أعتقد بوجود فكر قار ومستقر (( فالعلم المستقر هو الجهل المستقر )) كما يقول النفّـري
سـ/ـماء غازي
03-06-2010, 12:48 AM
دكتور باسم : أشكر روحك
لدي سؤالين :
هل يلزم النقد النسوي دراسة النص في إطاره التاريخي ؟
هذا يحيلني إلى السؤال الثاني : مابين نظرية التلقي و الجنوسة
نظرية التلقي تحيل النص إلى القارئ بمرجعياته و بانفتاحية النص , أيا كان القارئ و النص , و الجنوسة كذلك تلغي الهوية الجنسية
إذن : كيف نوفق بين دعوة النقد النسوي إلى دراسة النص من زاوية أنثوية خالصة و الجنوسة و نظرية التلقي باعتبارهما يذيبان مفارقات الناصّ و القارئ؟
أرى أن الهدف انتقل من إلغاء الهوية الجنسية إلى التفضيل!
أتراني شطحت ؟
هناك أمر آخر , تقول أن هناك شاعر وشاعرة , ولكن ليس هناك ناقد وناقدة
القراءة النقدية المتحررة من الهيمنة الذكورية في الخطاب و المصطلح النقدي ألا تدخل تحت النقد النسوي ؟
حتى وإن كانت من رجل .. لا شك أن المرأة ترى الموضوعات الخاصة بها رؤية مختلفة عن الرجل - بعيداً عن كونها متسعة أو لا - .
د.باسم القاسم
03-06-2010, 11:40 PM
حسناً....
أستاذة سماء..
أرحب بك غاية الترحيب ..وأشكر اهتمامك ..والمتابعة ..
أرى بأنني سأبدأ بالإجابة اعتباراً من السؤال الأخير ..
القراءة النقدية المتحررة من الهيمنة الذكورية في الخطاب و المصطلح النقدي ألا تدخل تحت النقد النسوي
يا سيدتي ..
..إنها لاتدخل تحت النقد النسوي إنها تدخل تحت عباءة النقد الموضوعي ففكرة الهيمنة الذكورية ..والعلاقة الهرمية(( القهرية )) بينه وبين المرأة فكرة باطله عند الموضوعيين
وقد بينت أعلاه إن الرجل عندما يكتب عن نتاج المرأة فماهو جنس هذه الكتابة ؟
فالسؤال هنا إجابته خارجة عن الجنوسة ..وهي لأن الكتابة النقدية الموضوعية تنتج عن عقل ناقد ..وسأشرح هنا ماذا نعني بالعقل الناقد ..والفرق بينه وبين النقد العاقل ..
العقل الناقد وبإختصار شديد ..هو العقل المتبني لمقولة فلسفية ...يحضر النص أو الكتابة لتكون برهاناً ودليلاً ً على هذه المقولة ..
إنه يستخدم النص ..ويوظفه في هذا الإطار ..
أما النقد العاقل ..فهو الذي يحضر العديد من المقولات النقدية والفلسفية لتخدم النص ..وتبرهن على سمته وصبغته التي اختارها الناقد للنص ..
رجلٌ كان أم امرأة لافرق ..نحن هنا تحت عباءة النقد التي تصهر جميع الإضافات والصفات في بوتقة النظرية الأدبية ..
وعندما نقول أن المرأة خير دليل في وديان متاهات العالم الأنثوي ..
نقول ..النقد ليس شرحاً للنص ..النقد الحديث اختصره/ ريتشارز/ عندما قال (( مايهمنا القصيدة ..وليس ماتقوله القصيدة )) نحن نتأمل الحراك اللغوي
النقد عقلنة ..لهذا اعتمد دراسة الظاهرة . .فالأنثى عندما تكتب هذا يعني أننا أمام ظاهرة لها حيثياتها .. وأياً كان سيمارس النقد على هذا النتاج فهو سيكون محدد ضمن مجال معطيات العقل الناقد .. الذي يطلب منه تحديد آلية الحراك اللغوي للقلم الأنثوي إنطلاقاً من خصوصيته وبيئته ..
أما عن السؤال الثاني :
: كيف نوفق بين دعوة النقد النسوي إلى دراسة النص من زاوية أنثوية خالصة و الجنوسة و نظرية التلقي باعتبارهما يذيبان مفارقات الناصّ و القارئ؟
نظرية التلقي حددت نماذج القارئ خارجة عن الجنوسة .. ولعل أهم طرح تم في نظرية التلقي عندما لم تحدد نموذج قارئ يتبع للجنس ..ومدرسة النقد النسوي أيضاً لم تدع إلى ذلك ..إنها تطالب وبوضوح من الناقد أن يأخذ بعين الاعتبار أن النص الذي أمامه من قلم أنثوي.يحتاج منا أن نسقط فكرة الهيمنة الذكورية ونحن نتعامل معه .هذا القلم الذي له خصوصيات ..وضحتها في إجاباتي السابقة .. نحتا ج لدراسات نقدية تحدد ملامحه ..وتحديد الملامح لايعني أنها تهادن أو ترفق به بل على العكس .. .. ولدينا في مدرسة التلقي نموذج من القراء المفترضين .واسمه ..
القارئ المفترض المثالي : وهو عند كتابة النص ..يعتبره الكاتب ويتوجه إليه كعقل ناقد ..وبالعودة إلى مادة نظرية التلقي ستجدين شرحاً عن هذا النموذج ..
جاءت مدرسة النقد النسوي لتقول ..بأن العقل الناقد (( القارئ المفترض المثالي )) لابد أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الأدب النسوي .. وبالتالي حصلنا على التقاطع بين مدرسة التلقي والنقد النسوي
النقد النسوي مقولة ياسيدتي كما تعلمين ..ونظرية ..فكما هناك النقد البنيوي / ..التفكيكي../..التحليلي ../ لابد أن يكون هناك مقولة نقدية تعنى بالأدب النسوي ..هذه المقولة لازالت قيد التأسيس ..وبمجرد أن طرحت ..قامت الدنيا ..ولم تقعد ..
هل يلزم النقد النسوي دراسة النص في إطاره التاريخي؟
هذا السؤال مهم على ما أعتقد ...وهو أحد دعوات /فرجينيا وولف/ ..لإعادة فتح ملفات تاريخ الأدب ..
سماء ...
أنت تعلمين أن صفة ناقد صفة خطرة ..وخطورتها في موضوعيتها وحياديتها ..وكما نعلم قلما ينجو ناقد برأسه من تهم التحيز ؟؟
النص ..جسد لغوي ..كائنٌ من كان كتبه ..وهذه اللغة ناتجة عن مؤسسة عظيمة ..ومؤسسة اللغة يوجد فيها مقاعد وأقسام للقلم الأنثوي.بلاشك .
.دمت بخير ..
قايـد الحربي
03-08-2010, 07:36 PM
:
شَاعري الأجمل : د. باسم ..
أستأذنك العودة المُجيبة .
تسْأل :
" هل لأن المصنفين أسقطوا على مر العصور تصنيف وجود أدب ..نسوي يعني بالضرورة بأنه لايوجد أدب نسوي ..؟ "
مُستحيلٌ ذلك ..!
إذْ لابُدّ أنّ عصراً من العصُور فيه مِن المُصنّفين المُنصِفين مَن لن يُسقط أو يُهمل هذا الأدب - إنْ وُجِد - ..
قبل توْجيه سبّابتنا لأيّ مُتهمٍ بذلك ، عليْنا أنْ نُواجه هذه الحقيقة التيْ ذكرَها د. [ عبدالله الغذّامي ] في كتابه [ المَرأة وَ اللغة ] :
" تأتي المرأة للغة بعد أن سيطر الرجل على كل الامكانات اللغوية و قرّر ماهو حقيقيّ وماهو مجازيّ في الخطاب التعبيري ..
حتى إذا ما جاءت المرأة أخيراً إلى الوجود اللغويّ من حيث ممارساتها للكتابة فإنها تقف أمام أسئلة حادة عن الدور الذي يمكنها
أن تصطنعه لنفسها في لغة ليست من صنعها .. "
وَ يتساءل الغذّامي :
" - في هذا الوضع هل بيد المرأة أن تكتب وَ تمارس اللغة وَ اللفظ الفحل و تظل مع هذا محتفظة بأنوثتها أم أنه يلزمها
أن تسترجل لكي تكتب و تمارس لغة الرجل .. ؟! "
لذلك ..
وَ بدلاً من الانْشغال بكيف وَ مََن وَ لماذا ألغى هذا ، هذهِ ، على المرأة أنْ تُؤنّث لغة ذُكّرتْ ،
وَ سيظهرُ بدون عمْدٍ أو قَصدٍ ذلك النّقد النسويّ الخاص بهَا وَ الخالص لهَا .
د.باسم القاسم
03-09-2010, 12:14 PM
قايد ..
أوقاتك سعيدة .. سأقسم رغيف المعرفة بيني وبينك ..وهات الملح من بحرك ..
وبعد :
أرى أن إطلاق صفة حقيقة على كلام الغذامي ..فيه شيء من التسرع .. وٍسأصفه بـ / الظني
فهذه العبارات تفترض التزامات فكرية كثيرة وخطرة .وأراها كمايلي ..وفق ماقاله الغذامي ..:
1- إن مؤسسة اللغة في التعريف ...ومن أي مشكاة أردناها لم تعرّف بطريقة تمييزية ..
ولو أخذنا أجمل التعريفات وهو لبارت (( إنها مؤسسة يتم الإجماع من خلالها عن طريق مجتمع ما على مجموعة من القيم والأعراف والإشارات ..واللسان .))
نرى إختراق الغذامي لهذه السمة ..التي تصف اللغة ..بأنا خارج التفريق تبعاً للجنس ..يعني هي لاتفرق بين الرايتين .. إلا إذا قلنا بأن الذكر وحده هو من أرسى قواعد هذه المؤسسة وبالتالي صفة اجتماعية تصبح باطلة لأنها صفة لاتتحقق إلا باقتران وتواجد كلا الجنسين ..
وإذا أردنا أن نخصص اللغة الأدبية ..فهي كذلك الأمر ..
2- على كلام الغذامي/ سنعتبر كل نص كتبته أنثى ..هو نص واقع في تناص إجباري مع ذهنية اللغوية للنص الذكوري ..بمعنى إن المرأة لم تقرأ وتقر سوى ماكان صادر عن الرجل ..وهذا كلام الإحصاء لوحده ممكن أن يقصيه ..
3- سأضرب أمثلة :
- النساء النائحات لهن أرجوزات من إنتاج نسوي بحت ..من أين أتت هذه اللغة ..هل من الذكر ..
- الأمهات اللواتي يهدهدن أبناءهن للنوم يقلن شعراً من نتاج أنثوي خالص ..
-النساء اللواتي يرتجزن في الحروب لدفع الفرسان إلى الوغى ..و..و..
هل هذا كما يزعم الغذامي ..من لغة الفحول ..
- إذا كانت المرأة ستوجه خطاب غزل لحبيبها ..هل ستستخدم .. لغة الفحول .. ؟
أم لغة الغواية الأنثوية .وستراعي ..خصائص الذكورة التي يمكن أن يثيرها النص ..
كل ماسبق نستطيع أن نحضره من عمق التاريخ ..قبل إثبات الروابط البنائية للنص ..
وإذا كان هناك في عصرنا الحديث من يمكن أن نتهمهن بتقليد طريقة العرض الشعري للذكور فهذا لاينطبق على العصور السالفة وخاصة عند العرب ..والأمثلة كثيرة
(( ومهما وصفنا ماسبق ..بأنه لاشيء في الشعر ..فنحن على الأقل نثبت وجود لغة تخص الأنثى ..
ولو حاول الرجل الكتابة في هذه الفنون ..فسيدخل في تناص مع الذهنية اللغوية الأنثوية ))
أعتقد يا صديقي بأنه يوجد الكثير من التسرع في إطلاقات الغذامي ..
ولا أرى ياسيدي في كلامه ..سوى تجسيد للهيمنة الذكورية ..التي نحاول دحضها ..
ولا أخفيك ياقايد أنني صرت في الفترة الأخيرة أضع إشارات استفهام على الكثير من مطلقات الغذامي ..
3- وحين نقول أن المنصفين المصنفين حتماً وجدوا في كل زمان ..فهذا يفسر عندي بأنه لو وجد الأدب الأنثوي لصنفوه ..ولكنه ليس موجود اصلاً .. ! وهنا أتحفظ كثيراً على هذه الموضوعة ..لأنه حكم ظني
فمثلاً : مايعرف بأدب الأطفال وثقافة الطفل لم يتم تصنيفها ووضع ملامح لها إلا في عصرنا الحديث ..مع أنها موجودة منذ فجر تاريخ الأدب ..ولم يفطن احد لتصنيفه ..!
على كل حال ياصديقي .. لن أضيع فرصة الحوار معك ومع أقطاب أبعاد ...
و سأورد في مداخلة لاحقة بعض الأمثلة المدروسة تجسد ماسبق ..
قايـد الحربي
03-09-2010, 06:07 PM
:
سعيدٌ بك أنا يا مُضيء .
:
وَ لن أراني إلا كما رأيتني - مُتسرعاً - بوَصفي لقول الغذّامي ،
لكنّك آزرتني باثنتين :
ـ أنّ في تعريف رولان بارت وَ تعليقك الوضّاء - عليه - وَ مَا لوّنته بالأحمر - تحديداً - ، مَا يؤكّد قول الغذامي
- إذا آمنّا بأنّ ظهور صوت المرأة وَ صورتها - الظهور المعنويّ - يُخالف " القيم وَ الأعراف وَ الإشارات " عنْد العَرب .
ـ وَ أنّك - حُبا وَ كرماً - تسرّعت بنقل تعريفه ، لتُعلمني كيْف أخطأتُ أنا بتسرعي .
:
كُل الأمثلة التي أوردتها حقيقةٌ لا تقبل الشّك الذي لم أقْترفه ، لكنّني وَ معك إنْ عُدنا إلى [ اللغة / اللفظ ]
الذي اسْتخدمته الأنثى في كُل ذلك لوَجدناه لفظاً ذكوريّاً لأنْ ثمّة حقيقة أخرى - نحويّة - تقولُ " بأنّ الأصل في اللغة التذكير " .
:
أمّا " عُمق التاريخ " / " قمع التاريخ " ، فهوَ عائلٌ لا يُستند عليه .. إذْ :
- لِـ [ خير الدين بن أبي الثناء ] مخْطوطة بعنوان [ الإصابة في منع النساء من الكتابة ] جاءَ فيها :
" ما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه ، إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهنَّ ، فإنهنَّ لما كن مجبولات على اضرر ، كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد وأما الكتابة فأول ما تقدر المرأة على تأليف كلام بها فإنه يكون رسالة إلى زيد ، ورقعة إلى عمرو ، وبيتاً من الشعر إلى عزب ، وشيئاً آخر إلى رجل آخر ، فمثل النساء والكتب والكتابة كمثل شريه سفيه تهدي إليه سيفاً ، لو سكيراً تعطيه زجاجة خمر فاللبيب من الرجال هو من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى ، فهو أصلح لهنَّ وأنفع "
- للمَعرّي :
و لا تحمد حسانك إن توافت
ـــ بأيد للسطور مقومات
فحمل مغازل النسوان أولى
ـــ بهن من اليراع مقلمات
:
شاعري د. باسم ..
لو اضطررتُ إلى اختلاق الخلاف معك ، سأفعل ..
لأنّ فرصة هذا الحَرث جديرة بذلك .
د.باسم القاسم
03-10-2010, 03:39 PM
حسناً ..ياقايد ..
يوم بعد يوم أدرك عشقي ..لبيت شعرِ يقول :
كل ُّ الذين أحبهم "نهبوا " رقادي واستراحوا
....كنت وعدت بأمثلة مدروسة وسنقدمها لكم أيتها السيدات والسادة تضميناً في هذه المداخلة
واسمحوا لي أيها القراء الأكارم أن أنوه مرة أخرى على أننا نتناول نتاج المرأة الأدبي فقط وبالتجرد ولاندخل في تصرفاتها الحياتية اليومية
وبعد :
((إذا آمنّا بأنّ ظهور صوت المرأة وَ صورتها - الظهور المعنويّ - يُخالف " القيم وَ الأعراف وَ الإشارات " عنْد العَرب .))
لن أوافق على هذا القول وأنا أول منددٍ به ..فظهور المرأة الظهور المعنوي وليس المادي ..من ذا الذي يمكن أن يقصيه
فإن كان لدينا مجتمعاً واحداً ..فنعم وهو يتحمل وزره ..ولكن الشعر والأدب مقولة أممية وهناك أمم كاملة ..لا تستغني عن ظهور الأنثى المعنوي
وبالتالي قد قمت يا سيدي بالاتكاء على نتيجة لا أقرها ومعي من أمتنا كثر كذلك ..فأين نحن من التسرع؟
فصور التاريخ تغني عن القول ..والتعليل ..ومن الأمثلة أذكر وليس على سبيل الحصر :
عندما وقفت هند بنت عتبة وارتجزت :
نحن بنات طارق ...نمشي على النمارق ..
إن تقبلوا نعانق ..أو تدبروا نفارق ..
فراق غير وامق ..
ويذكر أن أحد الشعراء أمام أبي جعفر المنصور ذكر أنه تعب وهو يبحث عن أصل النسب لبنات طارق ..ولم يجد قوماً يكتنون بهذا ..
فأجابه المنصور ..ويحك إنها تعني النجوم ..نحن بنات النجوم ..والطارق هو النجم ..
والمفيد من المثال هو :
لم يذكر التاريخ أن احد من الرجال قال لهند بنت عتبة ..(( اصمتي يا امرأة فضحتنا ..عيب ..))
ثمة أخرى :
لابن قتيبة حادثة مشهورة أوردها عن الخنساء ..
وكما تعلمون قبة الشعر في سوق عكاظ :
اجتمع تحتها النابغة حكماً ..وكلٌ من الأعشى ..وحسان بن ثابت و الخنساء ..
فإن كان ظهور المرأة مخالف للأعراف العربية ..لطردت على فورها من اجتماع هؤلاء العمالقة ..!
والأدهى من ذلك ماذا كان يدور في وقتها ..
يقول الرواة ..
تقدمت الخنساء فأجادت ..وكان الأعشى سبقها وابن ثابت ..
فقال النابغة : والله لولا أن أبا بصير أنشدني آنفاً لقلت بأنك أشعر الجن والأنس ..
فوثب حسان ابن ثابت فقال ..لأنا اشعر منك ومنها ومن أبيك ..
قالت الخنساء : أسمعنا إذاً
فقال حسان بن ثابت :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الدجى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وللننظر ماقالته (( الأنثى المسكينة التي لاتعرف عن اللغة إلا مايتصدق عليها به الرجل...! ))
قالت : الجفنات ..وأسياف جموع تقليل وبذلك بخست قومك حقهم ..
وكلمة يقطرن تفيد القلة ..وكان يجب أن تقول يجرين ..
ويلمعن هو ما ينطفئ ويخبو ..وكان يجب أن تقول يسطعن ..
ولفظة الغر ..هو البياض القليل في جبهة الفرس ..ووجب أن تقول البيض ..
ودَما جمع تقليل ..وكان يجب أن تكثر فتقول ..دِما
ولايستوي هذا الشعر عندي إلا إذا قلت ..
لنا الجفان البيض يسطعن في الدجى
وسيوفنا يجرين من نجدة دِما
فقال ابن ثابت ..والله مارأيت ذات مثانة أشعر منك ...فردت قائله ..ولا ذا لحيين
(( هذه الرواية فيها تكثيف وتصرف مني لضيق المجال ))
وهنا سنأتي على العبارة المحيرة : أمّا " عُمق التاريخ " / " قمع التاريخ " ،فهوَ عائلٌ لا يُستند عليه .
.
صحيح أن فيها نفس (( طه حسين )) عندما أوكل كل ماقيل من الشعر العربي الجاهلي إلى حماد الراوي وابن الأعرابي ..
ولكني أقول ..هل نعتمد التاريخ في إثبات ذكورية تاريخ الأدب وننكره ونعتبره عائلٌ لايستند عليه في حال استشهدنا به على النتاج الأنثوي ..؟
وهنا سأتوقف قليلاً معك ياصديقي ..مع العبارة التالية :
(إنْ عُدنا إلى [ اللغة / اللفظ ] الذي اسْتخدمته الأنثى في كُلذلك لوَجدناه لفظاً ذكوريّاً لأنْ ثمّة حقيقة أخرى - نحويّة - تقولُ " بأنّ الأصلفي اللغة التذكير) .
كونه لفظاً ذكورياً إذاًفهذا يحيل إلى أنه أول من لفظه وقننه هو الرجل ..وهذا لايمكن إثباته قطعاً ..
وأما عن الأصل في اللغة التذكير ..
فهذا من باب الجنوسة ..وليس من الباب السابق ..
بمعنى / في القواعد النحوية ..دائمأ يأتي اللفظ مذكراً ثم نبحث عن تأنيثه وهذا ليس بشيء كشاهد على مانريد ..
فأن نقول أول من لفظه رجل .. ومن ثم تعلمته الأنثى وتبنته شيء .وأن نقول بالجنوسة فهو شيء آخر ..
سأدخل من نفس الباب واسأل ..
قايد : لفظة اللغة ..مؤنثة أم مذكرة ...؟!
أما عن الشاهد ..(( خير الدين بن أبي الثناء ))
فسأعتذر عن مناقشته لأنني منذ البداية أحاول أن لايحيد أحد بنا نحو الآراء الشرعية ..والفقهية ..(( فهي ذات خصوصية وحساسية بالغة ))
فماهو حجة عندي ..قد لايكون بشيء عندك
وسأورد ..مثال: يقول الكبريت الأحمر ..والشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي
(( كل شيءٍ ليس بأنثى لايعول عليه )) بمعنى كل شيء غير منفعل ..والأنثى منفعل ومولد وكل منفعل ومولد هو أنثى وبالتالي كل مخلوق مستجيب للفظة كن بالأمر الإلهي ..فهو حتماً منفعل ..وهو أنثى صفةً وليس جنساً وإلا لاوجود له .. .. وبين الهو والهي يطول ويحلو الكلام .....ولكن.....
وعلى هذا سنفتح للمنابر باباً لا نستطيع سده وقد يتسبب بإغلاق هذا المتصفح ..وهذا مالانرجوه جميعاً ..
وسأختم مداخلتي هذه بمثال جميل .وأعلم أنه سيعجبك جداً ..ويستثيرك ..وكذلك القراء الأكارم ..
أورد فاروق شوشة في جملة جمال اللغة العربية ..مثالاً فريداً على قدرة الأنثى بأن تضاهي الرجل تعبيراً ومكانة ..ورصانة في الشعر فقال ..
ربما ليلى العامرية تختزل شعر المجنون حين قالت :
باحَ مجنون عامرٍ بهواه .... وكتمت الهوى فمتُّ بوجدي
فإذا كان في القيامة نودي .....من قتيل الهوى تقدمت وحدي ..
بربكم ..ما سنقوله حيال هذا الإبداع ..؟
أهو مسروق من خزانة الفكر الذكوري الفريد الوحيد المبدع ..؟
أم هو اقتباسٌ من ثقافة إسلامية قامت به أنثى ,,أم سنقول بأن التضمين والإقتباس هوآلية في الشعر أوجدها فقط الذكور..!
لاوربي ..إنه فعل العقل المبدع والحس الأنثوي المرهف ..المحلق في سماه ..والقادر والمقتدر على عجن اللغة بأنامل نسوية
فمن هاهنا سيتهم التاريخ ..ولايعول عليه ..؟
إن كان تاريخنا الشعري الأنثوي مزيفاً ومن هذا الصنف فأنا أول مؤمنٍ به على زيفه ..
(( قايد ألم يُروى ظمؤك بعد؟ .........../ الرحمة ))
قايـد الحربي
03-10-2010, 05:21 PM
:
الأرحبُ : د. باسم .
:
لم أكُن ظمآناً وَ لن أكوْن ، وَ المَاءُ أنت ...
وَ قَبل الرّحمة :) ، أحببتُ توضيح نقطتين :
- في قوْلك : " ..دائمأ يأتي اللفظ مذكراً ثم نبحث عن تأنيثه وهذا ليس بشيء كشاهد على مانريد " ،
لا أُريدُ أنْ أظهر كـ مُريد ، لأنّني لم آتِ مريداً لشيء ، بل طَارحاً آراءً مُختلفة ،
أمّا عدَم احتساب [ القاعدة ] شاهداً ، فلا شَاهد أولى من القواعد ليُستَشْهد به .
- وَ في قولك : " فسأعتذر عن مناقشته لأنني منذ البداية أحاول أن لايحيد أحد بنا نحو الآراء الشرعية ..والفقهية . "
كريمٌ أنت أنْ تعتذر عمّا لا عُذر فيه إذ لم آتِ بقول ابْن أبي الثناء إلاّ كمِثال ، وَ الأمثلَة لا تُناقَش - أصلاً - .
:
أخيراً :
لي شَرف الحوار مَعك ،
وَ لك الشّكر الوارف وَ الوافر .
د.باسم القاسم
03-10-2010, 10:52 PM
المعلم ..قايد الحربي ..
شكرأ..على هذا النفس العميق والثري ..
حقاً ..شغلتني عبارتك
((لو اضطررتُ إلى اختلاق الخلاف معك ، سأفعل ..
لأنّ فرصة هذا الحَرث جديرة بذلك . ))
فطلبتُ الرحمة مشفقاً على نفسي ..وأنت تعرف ماينتظرني في الأيام القادم من تنسيقات وإعدادات ..فنِعم الداعي كنتَ ونِعم المجيب ..
وأعلم تماماً بأنك ..مُـرادٌ في حلقات درس الإبداع وبموضوعية متفوقة ..
وأن هذه الموضوعة لن ينتهي النقاش حولها إلى ماشاء الله ..
مادام أن الباب لايزال مفتوحاً على مصراعيه أمام أرباب الفكر النير من مملكة أبعاد ...
دمت بخير ..
ياسر الأحمد
03-12-2010, 05:38 PM
تسجيل متابعة ... على أمل العودة
د.باسم القاسم
03-31-2010, 01:29 PM
بشوق كبير نعود إلى أشرعة السفين الذي مخرنا به عباب بحور الفكر النقدي المعاصر ..
ولعلنا باختيارنا لمصطلح اليوم نفتح باباً لا يغلق ولم يغلق ولن ..أيضاً ..مادام هناك لسانٌ يلهج بترانيم الشعر..
نعم إنها مدرسة النقد الفرويدي ..أو التحليلنفسي ..كما يحب البعض أن يسميها ..
وإنه لضربٌ من ضروب الوهم لو اعتقدنا بإمكانية الإحاطة تماماً بمفرزات هذه المدرسة في فسحة ضئيلة من البياض ..ولكن أضع بين أيديكم ما أراه متعة القراءة في مدرسة النقد النفسي ..بل يتجاوز ذلك إلى حد أنني أرى في ما سنعرضه مرآة لأنفسنا لا تخطئ الظلال بقدر ما يخطئها الضوء ..
قلق التأثير :
مصطلح ينتمي إلى مدرسة النقد النفسي ..ورائده الناقد الخطير هارولد بلوم الأمريكي الجنسية
هدف الإصطلاح :
الإشارة إلى علاقة المؤلف بعمله وتأثره بالآخر السابق .. وبالخصوص الدخول إلى معمل إنتاج النص في القوالب التحليلية ذات البعد النفسي ..
السيرة الذاتية للمصطلح :
أول ظهور لهذا المصطلح كان بتاريخ 1973 كعنوان لكتاب أصدره بلوم ..يتكئ فيه على عقدة أوديب في تفسير القلق الذي ينشأ عند الشاعر كونه تالياً زمنياً لشعراء سابقين .. قلق يشبه قلق أوديب في علاقته مع أبيه ..
فكيف يتم إسقاط أوديب على القضية ... ؟؟
العلاقة للشاعر الحالي تكون عن طريق قصيدة أم لشاعر سابق ..الشاعر السابق هو الأب ..والشاعر اللاحق هو الابن الذي ينظر إلى مجموعة قصائد أو قصيدة أم للشاعر السابق بمجموعة من الأحاسيس تبدأ بالإعجاب والحب ثم الحسد والخوف وقد تنتهي بالبغض والكراهية مما يؤدي بالشاعر الابن إلى التخلص من القصيدة الأم بقصيدة يكتبها متوهماً بأنه تجاوز القصيدة الأم وهو يقنع نفسه بذلك عن طريق قراءة خاطئة للقصيدة الأم
مؤسسة لنقاط ضعف في النص الأم يدعي الشاعر الابن بأنه تجاوزها ...
طبعاً اعتبر بلوم أن الشاعر الانكليزي ملتون (( القرن السابع عشر )) هو الشاعر الأب وأن كل من تلاه من الشعراء دخل في هذا النفق النفسي ..
ولكن انطلاقاً من تراثنا الأدبي أية عتبة سنعتبر ...امرؤ القيس ...أو / المتنبي...أو ..أم ..؟ / نزار قباني ..أو أدونيس ../محمود درويش ..أم ...
السيدات والسادة ..هنا نعود إلى نعومة أظفار الشعر لدينا ...ربما البعض منا قد تجاوز هذه المرحلة واستقل برؤيته الشعرية الخاصة ..وربما البعض لايزال مستغرقاً في ظلام
هذا النفق النفسي ..
أقول :
قام بلوم باختزال هذا الصراع من خلال تسمية عدة خطوات اتكأ فيها على الفلسفة الأفلاطونية المحدثة ..وكانت المراحل كما يلي :
1ً- الانحراف (( Clinamen )) :
يقوم الشاعر اللاحق بقراءة خاطئة ومنحرفة عن قصيدة أم (( الشاعر السابق )) هذه القراءة تسمح بأن يحقق لذاته قناعة ينحرف بها في نصه الخاص عن النص الأم ..
2ً- الإكمال والتناقض (( Tessera )) :
وهنا يقوم الشاعر السابق باستعارة تعابير الشاعر السابق في قصيدة أم ولكن يحرّف تلك التعابير عن معناها الأصلي في كتابة نصه الخاص كما لو أن الشاعر السابق كان
فاشلاً في استخدام هذه التعابير .. وجاء الشاعر الابن بإكمال للنص الأم بطريقة يناقض فيها الشاعر الأب ..
3ً- السعي للانقطاع (( Kenosis )) :
وهي محاولة من الشاعر الابن الانقطاع عن النص الأم ..ويقوم بتحجيم ذاته في كتابة نص ليبدو فيه أنه لم يعد شاعراً ..ولكنه هنا يقلد بذلك نص ما للشاعر الأب وقد ظهر فيه
أنه ضعيف ..وهنا يحاول الشاعر الأبن بهذه الخطوة إظهار ضعف الشاعر الأب ..وإظهار القصيدة الأم بأنها فقدت الكثير من قيمتها ..
4ً- الشيطنة (( Daemonization )) :
من ديمن (( الشيطان )) وهنا يقوم الشاعر الابن بامتصاص قوة قصيدة أم للشاعر السابق ويحاول أن يثبت أن هذه القوة يجب أن لا تنتمي للقصيدة الأم ويقدمها في نص
خاص له على أنه نص ألغى تفرد القصيدة الأم وتفوق عليها
5ً- محاولة الفصل (( Askesis )) :
وهنا يحاول الشاعر الابن فصل نفسه وقدراته عن قدرات الأخرين بما فيهم الشاعر الأب ..ويخرج بنص يتنازل فيه عن قدراته الشعرية ..ولكنه يضعه – مقلداً - بإزاء نص
للشاعر الأب وقد ظهر فيه بنفس المظهر.. ..ليدعي الشاعر الأبن بأن القصيدة الأم أيضاً تظهر بهذا المظهر الذي ظهر به الشاعر الابن ..وهي محاولة طعن بقدرات الشاعر
الأب ..
6ً- عودة الأموات (( Apophrades )) :
وهي مرحلة شديدة من عزلة الشاعر اللاحق ..فيقوم بكتابة قصيدة مفتوحة بالمعاني والتعابير على قصيدة أم للشاعر السابق ..وكأن الشاعر الأبن يقول بأنه كتب قصيدة أكثر
تميزاً ..منطلقة من القصيدة الأم ..التي فشل الشاعر الأب بتوصيلها لهذا التميز
السيدات والسادة ..ربما سيكون باب الأسئلة هنا مفتوحاً حول هذه الخطوات .. وأعتقد بأننا جميعاً سنحاول الإجابة عنها ..
ولكن السؤال المهم ..
ماذا يريد بلوم من هذه التصنيفات ؟
(( يتبع ))
د.باسم القاسم
03-31-2010, 01:39 PM
في الواقع تم رصد تحركات بلوم النقدية من قبل جهات نقدية كثيرة وقد تم التأكيد على أن المرحلة التي عاشها بلوم كانت تعاني من صراع
علماني / ديني بين التوجه الدنيوي والتوجه الراديكالي الديني الميتافيزيقي ...
فأراد بلوم القول بأنه يوجد صراع بين الأجيال الشعرية المتتالية ...ولكن الشعراء الأقوياء والأقوياء فقط هم الذين يهربون بل ويتجنبون
قلق التأثير بالأخرين .. إنهم شعراء متأثرون بفكرة السوبرمان عن نتشه ..وفي نفس الوقت كان هناك شعراء ناشئين لابد لهم من الانضواء
تحت أجنحة الأقوياء فيقعون في خطأ القراءة وقلق التأثير ..
كل ذلك جعل الكثير من النقاد من مدرسة بلوم أو من غيرها كالتفكيكين مثلاً (( دريدا )) يهتمون بالقراءة الخاطئه للنص الشعري ..وبرأي بلوم
كل قراءة للنص تكون قراءة خاطئة عندما يحاول القارئ إسقاط ذاته على جزء من النص فينحرف عن قصدية الكتابة الأدبية للمؤلف وتزداد
حدة القراءة الخاطئة بازدياد إمكانيات القارئ وخطورته ..ولكن علينا أن ننتبه هنا أن بلوم ينطلق من اعتقاد خاص بالمدرسة النفسية وهو أن
البعد الذاتي هو أساس الكتابة وأن تاريخ الإبداع الشعري هو ناتج عن صراع بين ذوات شعرية ..وأن الذات الشعرية بقصديتها الكتابية هي التي
توجه دلالات النص وذلك في خضم صراعات ذاتوية بين الشعراء تسعى للتفوق والتعالي ..
وهذا الأمر لاتقره مدارس النقد عموماً وتعتبره صراع بين النصوص وليس بين ذوات مؤلفيها لذلك ظهرت لدينا مقولة التناص ..وكثيراً ما
ركزت عليها التفكيكية والبنيوية (( وسنأتي على هذا المصطلح لاحقاً )) ..
ملاحظة : ماورد قد يفسر ظهور نظرية التلقي والاستقبال كرد حاسم على الكثير من مثل هذه الاقتراحات
السيدات والسادة :
هناك الكثير من المأخذ على نظرية قلق التأثير وأهمها أن بلوم نفسه الذي يتحدث عن الصراع بين الذوات هو داخل ايضاً في صراع مع ذوات أخرى في إقراره بنظرية قلق التأثير ونذكر على سبيل المثال كتاب
(( عبء الماضي 1970 )) للنقاد الأمريكي ((والتر بيت )) ..
وكذلك الشاعر الخطير ((تي إس إليوت ))عندما تحدث عن علاقة الموروث بالموهبة الفردية في مقالة شهيرة عام 1917 عندما قال بأن الكاتب لا محالة في علاقة مع الموروث والتقاليد تجعله حين يبدع يترك أثراً ليس في المستقبل فحسب بل وفي الماضي أيضاً وكأنه يعيد قراءة الماضي والعلاقات الأدبية بين النصوص ..
وكما نرى هذه أعوام سابقة لطرح بلوم ..
ومن ناحية أخرى يعجبني وصف مهم لنظرية بلوم أشارت إليه الباحثة الأمريكية (( سوزان هاندلمان ))
وهو أن مهد ثقافة بلوم كما فرويد يعود إلى التفسير الحاخامي والقراءة المفسرة للكتاب الديني حيث يقف القارئ موقفاً متعالياً على النص حتى ولو كان نصاً مقدساً .. وهذا ما اتبعه الحاخامات في تفسير التوراة والتلمود وخرجوا بكتاب تفسير ضخم يسمى (( المدراش )) وكما نعلم بأن فرويد وبلوم مثل جميع المفكرين اليهود تربطهم علاقة وثيقة بتاريخهم الثقافي اليهودي ..
السيدات والسادة :
فلنعتبر أن ماسلف الشرارة الأولى التي ستوقد جهنم الفكر المعاصر والتي أحرقت مدارس برمتها وهي تحاول الوقوف على حقائق عدة ملموسة ولكن لا نستطيع وصفها تماماً ..
الصفحة البيضاء ..../ النص الأول ..../ التناص ..../ النحل .../ السرقة .../ ..
كلها تعابير تم استخدامها لتقعيد وقوننة العلاقة بين السابق واللاحق وما يهمنا هنا مجال الشعر ..
بين النص الأم ..والنصوص الأبناء ..
بين النص المارد ..والنص القزم ...بين التبعية والتقليد ..والإبداع والتفريد ...
القراء الأعزاء:
المصطلحات القادمة في الأشهر القادمة (( التناص/ التقويض/المغالطة...)) سنعتبر أن مصطلح
قلق التأثير هو البداية ..
وهذا أول القطر ...
فتفضلوا بقبول الاحترام ...
قايـد الحربي
04-02-2010, 12:13 AM
د. باسم
هَنيئاً لنا بأهِلّتك الشّهريّة الوضّاءة ،
وَ أنت أهلٌ لها وَ كفيلٌ بفضائها .
:
تأثيْر القلق مِن قلق التأثيْر - أظنّه - الدَاعي عنترة العبسيّ بَدء مُعلّقته بِقَلق سُؤاله المُقلق قائِلاً :
" هَل غادَر الشّعراء من متَردّم " ..
وَ سَبق بذلك بعْض قصْدٍ لـ [ بلوم ] ، كما أنّ للبَلاغة لفْتة لذات البَعض
فيما أسْمَته [ التّناص الخفي / اللاشعوري ] .
أمّا الاتّكاء على عُقدة أوديب في تفسير قَلق المُصطلح فهو اتّكاء لا يزيْد فِكرة المصطلح إلاّ وَهْناً على وَهن فكرته
إذ أنّ في إحالة عَفويّة الترسّبات اللغوية وَ الاختزَال إلى قصْديّة وَ بهذه السّوداويّة - أيضاً - لَهي ليٌّ لعُنق القراء
عَن الإيمان بفكْرته وَ الاتّجاه إليه .
:
بعْد شكرك وَ قبْله ،
ربّما لي عَودة .
د.باسم القاسم
04-03-2010, 08:27 PM
قايد ...
لا تثريب علينا ..في تناول مقاصد بلوم بالطريقة التي تناولتها أو بطرق أخرى أشد وضوحاً وصراحة ...
ولعلك لمست كبد الحقيقة بتعقيباتك المنصفة ...ولكن ...
ياسيدي شاركني الرأي :
تأملت طرح المدرسة النقدية هذا ..فوجدته يفتح خزانة من الأسئلة حول التأثر ..أكثر بكثير من تقديم مقترحات لتقييم هذا الظل الذي قد لاينجو مؤلف من
لعنته . . .ولهذا تعمدت بداية طرح هذه القضية في بداية السير نحو مصطلحات قادمة تتناول هذا البعد في كتابة الشعر ..
قايد ....والجميع ...
أن تكتب شعراً منذ نعومة أظفارك ...أو في مقتبل الشباب .. هل هذا قرار ..؟ هل يوجد شعر منذ نعومة الأظفار ..!
وإن لم يكن كذلك ..فهل هو فيض لايمكن السيطرة عليه ..؟
السيدات والسادة ..نعم سنقول بالسليقة ...والملكةالشعرية ... و ... نعم ..ولكن
إلى أي عهد ..بعد الفحول ..أم بعد الأموي أم العباسي ..أو الانحطاط ...و .. وماذا بعد ذلك ؟
لن نهرب من قلق التأثير ....
سنسقط بلوم معاً ..ولنجد بلوماً آخر ..وفرويداً ..آخر ..
سنتمسك بالجرجاني ..وابن رشيق ..الطبطبائي ....وسنقول بالتراكم النصي ..واللغوي ..ولكن هل نصل إلى حد ..فنقول أن قدر كتابات الشعر الأولى
يتجسد في آلية التأثير ..حتماً ..وإن كذلك فهل القلم الشاعر المستقل وهم ..أم انه يكون مستقلاً في مرحلة ما ...و
وهكذا سنجدنا غارقين بتوصيفات وتبريرات قد لن تزيدنا إلا ضلالاً وبعداً عن هدفنا ...
فهل نتمسك بأنفسنا فقط ...
ونقدم كل مالدينا حول هذه التساؤلات ..
قايد الخير ...
لا غنى عن شرارتك الأولى دائماً لتوقد هذا السعير ..
دمت بخير ..
ظلال الرمَّان
04-18-2010, 10:39 PM
أستاذنا .. د . باسم القاسم ..
على استحياء جئت لأشارك في هذا الحوار الراقي الثري
خرجت منه محملة بالكثير من الأسئلة و الإجابات ..
هطولك هنا ,, يبعث الأرض القاحلة لتزهر من جديد ..
كبير بطرحك و فكرك ..
قلق التأثر .. بلاشك يتخلل النتاجات الأدبية ، وإن كان أبو العلاء المعري قد حاول الاعتراض ضمنياً وعلنياً على هذا التأثر فيقول :
وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانه
لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ
وفي الوقت نفسه أعجب المعري بالشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس المتنبي ، و شرح ديوانه وسماه (( معجز أحمد )) وهو شكل من أشكال التأثر الذي يدخلنا في متاهات قلق التأثر ..
كما أن الشاعر أوسكار وايلد الذي أدرك أنه فشل كشاعر بسبب عجزه في التغلب على إحساسه بقلق التأثر-أدرك أيضاً حقائق مهمة تتصل بقلق التأثر. فقصيدته (أنشودة السجن القارئ)
نصّ مخجل للقراءة لأن كل ومضة فيه مقتبسة من قصيدة (أغنية البحّار القديم) للشاعر كولردج.بل إن معظم شعره الغنائي مدين بالتأثّر لتقليد الرومانسية الإنكليزية العالية،متفهّماً لمعضلة
من هذا النوع،ومسلّحاً بذكائه المعهود، يصرّح أوسكار وايلد بمرارة في كتابه (صورة السيد h.w.) بما يلي: التأثر هو ببساطة تحويل للشخصية، شكل من أشكال التخلّي عمّا هو ثمين.
وسؤال أطرحه هنا ... هل هناك شذرات في نقدنا القديم لهذه النظرية ؟؟
مثلاً أيمكن أن تكون السرقات الأدبية التي تناولها النقاد قديماً الآمدي في الموازنة وغيره من قبيل قلق التأثير ؟
وقضية الانتحال في الشعر .. ؟؟
التقدير ممهور بالشكر ..
د.باسم القاسم
04-19-2010, 11:02 AM
ظلال الرمان ...
كسرتِ حاجز الصمت عن هذا المتصفح بحرفية عالية ومهنية ناقدة ..
وأعتقد بأننا مدينون لك بالشكر الجزيل ...
سيدتي ..
ماطرحتهِ هام للغاية ..ويفتح لنا بوابة شفافة لا يراها إلى القليل حاجزاً بين الإبداع والمشابهة ..
أمهليني قليلاً ..لندخل معاً في خضم هذا الموضوع ..
فائق احترامي لذاتك العارفة
ظلال الرمَّان
04-19-2010, 02:35 PM
ظلال الرمان ...
كسرتِ حاجز الصمت عن هذا المتصفح بحرفية عالية ومهنية ناقدة ..
وأعتقد بأننا مدينون لك بالشكر الجزيل ...
سيدتي ..
ماطرحتهِ هام للغاية ..ويفتح لنا بوابة شفافة لا يراها إلى القليل حاجزاً بين الإبداع والمشابهة ..
أمهليني قليلاً ..لندخل معاً في خضم هذا الموضوع ..
فائق احترامي لذاتك العارفة
الناقد المنهمر .. د. باسم القاسم
سأكون هنا في الصفوف الأولى ..
لأنني ثملة بهذا العالم .. و أحب أن أتعرف على أسراره و خفاياه العصية إلا على من يطلبها بنهم ..
ووجدت هنا ضالتي .. فأنخت و رحلي ..
كل التقدير ..
د.باسم القاسم
04-21-2010, 03:18 PM
هاهنا إذاً نوسع لمشكاة التنوير أفقاً ...
ولعلي أسعد كثيراً بهذه المبادرات العلنية لهاتيك الذهنيات المتقدة في أبعاد ولا يلفت النظر إ ليها بشدة وغبطة سوى هذا الإحساس بالمسؤولية التاريخية
والتي يحتاجها جيلنا اليوم .
سيدتي ..لن نقول شذرات في نقدنا العربي ....بل سننادي بالريادة وبلا منازع وبفمٍ ممتلئ ...
نعم ربما تفرد العرب بريادة طرح معضلة المشابهة والمجاورة بين شاعر وآخر ...وكان لهم ليس تنويهات وحسب إلا أنها / وأتحمل مسؤولية ما أقول ..
إنها تأسيسات ونقاط استناد فكرية نقدية ..ولكن عتبنا الكبير على أرباب النقد المقارن العرب ..
وهنا أدخل إلى الصلب فأقول ..
عظماء النقد العربي من أمثال الآمدي وابن رشيق والباقلاني ...غيرهم .وبوضوح تناولوا هذه القضية باعتبارها أرق يشغل الشاعر قبل المتلقي
نعم ...ولقد كان القرار الصائب بالاعتراف بأنه لا يمكن لأحد من الشعراء أن يدعي السلامة من المشابهة أو مجاورة النصوص بعضها لبعض إلا أن طريقة
المناقشة وإيجاد المبررات تختلف عن الطريقة الغامضة والمفككة التي تقدم بها بلوم معتمداً على التحليل الفرويدي ...
فنجد أن ابن رشيق يقرر ما يلي في باب المعاني المحدثة فيقول
( كلما تقدم الزمن تكثرت المعاني فما أتى بشار ابن برد وصحبه ، مثلاً، زادوا معاني ما مرت قط بخاطر جاهلي ولا مخضرم ولا إسلامي )
إلا أن هذه المعاني لم تأت من الفراغ فهو يضيف قائلاً (( فالمعاني أبداً تتردد وتتولد ، والكلام يفتح بعضه بعضاً))
وقد حدد النقاد العرب مجموعة من العوامل التي تجعل من العصي على الشاعر ومهما استنفذ معنى ما ظناً بأنه لم يبق فيه زيادة فإنه يستحيل و لابد أن يأتي
زمن ويتولد من هذا المعنى الجديد لأسباب عدة نذكر منها :
1- تقدم الزمان
2- تعدد مصادر ومنابع الثقافة التي يستقي منها الشاعر
3- اختلاف وتباين بين القدرات الفطرية التي يمتلكها الشعرة في القدرة على الإبتكار والإبداع ..
4- تعدد الجغرافيات اللغوية ..
هذه العوامل لم يتطرق لها بلوم كما نلاحظ ..
وهناك تقسيمات لحالات المتشابه أو التجاور نلخصها بما يلي :
1- السرق : وهو أخذ المعنى مع اللفظ
2- السلخ : وهو أخذ المعنى مع تغيير اللفظ
3- التوليد : وهو تغيير المعنى وتوليده مع تغيير اللفظ
هذا ما قرره أجدادنا قبل أن يتحدث أحد في أوربا عن التناص وهي اللفظة التي تشير إلى بعض حالات المجاورة في المعنى
ولكن هناك سؤال كبير ..
هل هذا التشابه قدر حتمي
هنا سأدع المتنبي يجيب فنراه يقول ((..الشعر جادة وربما وقع الحافر على الحافر ))...
وإن لم نكتف فلنسأل المعري أرأيت ...ونقول له إذا اتفق شاعران في المعنى وتواردا في الفظ ولم يلق أحدهما الآخر ولم يسمع أحدهما شعر صاحبه
فأجاب المعري : (( تلك عقول الرجال توافقت على ألسنتها ))
هذه الحجج التي وردت عن ابن رشيق والآمدي
فأين بلوم من هذا النقاش ..نجده بعيداً لاختلاف مشربه والمدرسة التي يتبع لها ..
وهنا نؤيد قايد الحربي عندما قال بأن بلوم بشرحه قد زاد من الأمر تعقيداً ..
بهذا الاستعراض المكثف نجد أن نقدنا العربي متجاوز لــ/بلوم/ في تناول هذه القضية
وهنا ربما سيسأل سائل : إذاً لماذا تم عرض مصطلح بلوم هذا ..
أقول ..كان عرضاً استفزازياً سيمنحنا بداية لقضية يحتار فيها الآخرون من أين يبدؤون ..
وها هي ظلال الرمان منحتنا الفرصة ولها جزيل الشكر..
ولكن أيتها السيدات أيها السادة ..
ماهو حالنا اليوم ..أمام هذا السيل الجارف من التناصات والسرقات والتوليدات .... ربما سنجد لبلوم مكاناً ودوراً ليتحدث ؟؟ فأنا أعتقد أن بلوم كان يتحدث
عن أشباه الشعراء وما يعتريهم ..وليس الشعراء ..!
ملاحظة : ربما نشير إلى مصطلح التناص وحسب ...وهذا لأننا سنتناوله بدراسة مستقلة ..دمت بخير ..
ظلال الرمَّان
04-22-2010, 09:44 AM
المنهمر د. بلسم القاسم ..
إجابتك المحملة بمضامين فكرية ونقدية مهمة ملأتني امتناناً لك ..
ولعل تلك الأسس التي وضعها النقاد القدماء كما تفضلت ، أكثر عمقاً و منهجية مما طرحه بلوم بسديمية
و لكنني مع الرأي القائل بأنه من التعصب أن ندعي بأن تراثنا النقدي حوى جميع المصطلحات النقدية الحديثة .. لذا قلت شذرات و أخطأت بها
وصححتها لي مشكوراً - أستاذي - فهي أساس بالنسبة لقضية مثل قضية قلق التأثير ، لأننا بالرجوع إليها سنفهم الأمور بوضوح و عمق أكبر مما سنفهمه إن تبنينا نظرية بلوم..
ولكنني أجد أن مصطلحاً كمصطلح التناص مثلاً .. لا يمكن أن نقول عما جاء به الأوائل سوى بالشذرات والإضاءات
لأن النظرية كنظرية بأبعادها و زواياها تأسست على يد جوليا كرستيفا .. وما ذكر من التضمين والاقتباس والسرقة وغيرها .. عناصر دعمت النظرية
و فيها شيء من الجذور ولكنها لم تؤسس لها .. لأن المنهجية المتكاملة للنظرية غائب في النقد القديم - وتحديداً لمفهوم شامل كالتناص مثلاً - .. و لا يعد ذلك عيباً .. بل هي تلك النظرة التجزيئية التي
كانت تحكم أغلب النقد آنذاك ..
لك أكاليل التقدير ..
.
.
د.باسم القاسم
04-22-2010, 11:32 PM
المنهمر د. بلسم القاسم ..
إجابتك المحملة بمضامين فكرية ونقدية مهمة ملأتني امتناناً لك ..
ولعل تلك الأسس التي وضعها النقاد القدماء كما تفضلت ، أكثر عمقاً و منهجية مما طرحه بلوم بسديمية
و لكنني مع الرأي القائل بأنه من التعصب أن ندعي بأن تراثنا النقدي حوى جميع المصطلحات النقدية الحديثة .. لذا قلت شذرات و أخطأت بها
وصححتها لي مشكوراً - أستاذي - فهي أساس بالنسبة لقضية مثل قضية قلق التأثير ، لأننا بالرجوع إليها سنفهم الأمور بوضوح و عمق أكبر مما سنفهمه إن تبنينا نظرية بلوم..
ولكنني أجد أن مصطلحاً كمصطلح التناص مثلاً .. لا يمكن أن نقول عما جاء به الأوائل سوى بالشذرات والإضاءات
لأن النظرية كنظرية بأبعادها و زواياها تأسست على يد جوليا كرستيفا .. وما ذكر من التضمين والاقتباس والسرقة وغيرها .. عناصر دعمت النظرية
و فيها شيء من الجذور ولكنها لم تؤسس لها .. لأن المنهجية المتكاملة للنظرية غائب في النقد القديم - وتحديداً لمفهوم شامل كالتناص مثلاً - .. و لا يعد ذلك عيباً .. بل هي تلك النظرة التجزيئية التي
كانت تحكم أغلب النقد آنذاك ..
لك أكاليل التقدير ..
.
.
الظلال ...
((و لكنني مع الرأي القائل بأنه من التعصب أن ندعي بأن تراثنا النقدي حوى جميع المصطلحات النقدية الحديثة ..))
وأعتقد بأنه من لم يك معك كذلك سيكون مسرفاً على نفسه ..وألفت نظرك سيدتي بأنني كماتعلمين لم أعمم على مجمل القضايا إلا أن العرب حقيقةً هم أكثر من شغلوا قديماً بموضوع مجاورة أو مشابهة الآخر الشاعر مع الشعراء الباقين ..حاولت اقتناص هذه الملاحظة وحسب ..
أما حول ((لأن المنهجية المتكاملة للنظرية غائب في النقد القديم )) نعم ..ولكن أريد أن أكون أكثر دقة وأقول بأن التصنيف بشروطه العلمية يساير ويوافق أدوات الزمن المعايش للطرح .. وسأثير هنا قضية وهي أن المقولة بالمنهجية التكاملة في النظرية الحديثة أيضاً يتعرض للنقض من قبل العلميين الذي لايعترفون بإطلاق صفة علمية على النقد وذلك من باب أن النقد الأدبي يتناول موضوعات نسبية ليست قارة فماهو شعر عندي ليس بشعر عند غيري وهكذا ..فلنتصور جميعاً الموقف المحرج للناقد الأدبي أمام قضية التاسيس والريادة في الطرح ..وأعتقد أن النقاد العرب لو تعاملوا مع مقولات الآمدي وابن رشيق ..وغيرهم بنفس الطريقة التي تعامل بها الغرب الحديث مع مقولات أرسطو وأفلاطون وأفلوطين ..لوصلنا إلى تأسيس نظرية نقد عربية حديثة وبإمتياز ....
ظلال الرمان ...
ممتنٌ لهذا الحبور /الحضور
ظلال الرمَّان
04-23-2010, 04:52 PM
((و لكنني مع الرأي القائل بأنه من التعصب أن ندعي بأن تراثنا النقدي حوى جميع المصطلحات النقدية الحديثة ..))
وأعتقد بأنه من لم يك معك كذلك سيكون مسرفاً على نفسه ..وألفت نظرك سيدتي بأنني كماتعلمين لم أعمم على مجمل القضايا إلا أن العرب حقيقةً هم أكثر من شغلوا قديماً بموضوع مجاورة أو مشابهة الآخر الشاعر مع الشعراء الباقين ..حاولت اقتناص هذه الملاحظة وحسب ..
أستاذي .. معك الحق كله ،، وأنا معك ولست أخالفك هنا أبداً .. و جازمة أنك لم تعمم بل كان مدار الحديث عن مصطلح محدد وتجلياته .. ربما خانني التعبير فقط .. وبالعكس أجدك من النوع المنهجي الذي يروق لي طرحه المحايد ممزوجاً ببروز شخصية الناقد ..
وكلامك على راسي والله ..
وحديثك عن المنهجية النقدية وتعليلك للأمر بمنطقية .. شبثني بهذا المتصفح أكثر .. لأن فيه غناء ..
شكراً أستاذي .. وفي شغف لجديدك ..
د. كريمة سعيد
04-30-2010, 04:34 PM
متصفح ثري ومغري
دخلته متأخرة وأتمنى تدارك ذلك التأخير بمشيئة الله
مرور على عجل على أمل العودة لاحقا
شكرا بحجم السماء على هذا الحيز الثري والمفيد
كل التقدير والثناء
د.باسم القاسم
05-01-2010, 12:03 AM
د.كريمة سعيد ..
مرورك له اعتبارات كثيرة عندنا ..
وعلى الرحب والسعة حضورك حول مائدة التجلي المعرفي ..
دمت بخير ..
د.باسم القاسم
05-01-2010, 12:15 AM
القراء الأعزاء ..
هنا مع هذا المصطلح جزء كبير من أزماتنا وأحاديثنا النقدية العفوية نتناول الشاعر واللا شاعر والنص
واللانص..وهو مصطلح قد يستخدمه من غير مختصين وحتى الأميون نقدياً ..وكأنه جزء من الذائقة والسليقة العفوية ..
ولكن بداية اسمحوا لي بالقول أنه لي تسمية تخص هذا المصطلح ..أقول عنه (( المصطلح الهارب )) فالتناص مصطلح جديد لظاهرة قديمة ..ولم يظهر بهذا اللفظ إلا لأن مجددين في النقد الحديث أردوا أن يهربوا به من جميع الألفاظ الأخرى مثل التوليد والسرقة والنحل والسلخ ...الخ ..
وهذا الهروب له مبرر وهو المحاولة في أن تكون هذه اللفظة أكثر استيعابا لدلالات كثيرة تنضوي تحت
هذا السياق ..
منشأ المصطلح :
يعود للشكلانيين الروس وبامتياز ..قبل أن تأتي جوليا كرستيفا لتعطيه ملامح نقدية وإطار فكري واضح ..
ما التناص :
في أبسط تعريفاته هو «وجود علاقة بين ملفوظين»، وهو في مفهومه الكلي يتجاوز ذلك ليشمل النص الأدبي في جميع نواحيه فهو: «يحيل إلى مدلولات خطابية مغايرة بشكل يمكن معه قراءة خطابات عديدة داخل القول الشعري، هكذا يتم بعث فضاء نصي متعدد حول المدلول الشعري». وبصورة أوضح نستطيع القول بأن التناص ليس هو النقل المنعكس لنص داخل نص وليس هو ترجمة حرفية لرؤية سابقة إنه يجسد ويمثل فاعلية المخزون التذكري لنصوص مختلفة هي التي تشكل حقل التناص .... وعلى ذلك نستطيع أن نقول بأن النص المكتوب ليس فقط ليس له حدود في التأويل ..إنه كذلك الأمر مولد لنصوص بلا حدود ..
تقول ((جوليا كرستيفا )) «أن كل نص هو عبارة عن فسيفساء من الاقتباسات، وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى». ولقد اعتمدت في ذلك على منهج التحليل النفسي جاعلة منه «خطاب الحياة الفكرية والعقلية ومعتبرة إياه نوعًا من الملازمة الجوهرية في ثقافتنا».
فلا شك أن الأديب لا يمكن أن ينفصل في تكوينه المعرفي عن غيره، بل هو عبارة عن تراكمية نصوصية تنمو سياقاتها في محيط التلاحم المعرفي المتشابك، ولذلك أصبح الأديب ومن بعده النص الأدبي بناء متعدد القيم والأصوات، تتوارى خلف كل نص ذوات أخرى غير ذات المبدع من دون حدود أو فواصل، ومن ثم فالنص الجديد هو إعادة لنصوص سابقة لا تعرف إلا بالخبرة والتدقيق. ولكن هناك شرط ..
مشروعية التناص :
الذي يسمح لنا بقبول عملية التناص مع الآخرين واعتبارها عملية مشروعة وبريئة هو التجاوز للنصوص التي تناص معها النص الجديد وإلا أضحى كلامًا معادًا؛ وهذا هو المهم لنستطيع أن نتمكن من صفة المبدع التي نطلقها على شاعر ما ..
فالعلاقة بين النصوص السابقة المتناص معها والنص الجديد تنبثق من رغبة أكيدة لدى الشاعر في التجديد وتجاوز الآخر حتى لو كان الآخر المبدع نفسه؛ لأن المبدع قد يتناص مع نفسه من خلال نصوصه هو، كما يستطيع أن يتناص مع نص واحد فقط لمبدع آخر، أو نصوص أخرى لأدباء آخرين، وقد تكون عملية التناص بين جنسين أدبيين لا على مستوى جنس أدبي واحد.
أجناس التناص :
يتم تناول التصنيف هذا وفق مبدأين
الأول : البنائي ..
والثاني : الوظيفي ..
التناص البنائي ..:
الشكل والمضمون ..
فقد يكون التناص في الشكل ...ولكن بمضمون مغاير .. مثلاً الوقوف على الأطلال وهو شكل ملزم بسبب تعلقها بصيغة تراثية أو تكرار مقطع أكثر من مرة يكون هذا الشكل مسبوق من شاعر قديم ويتم تكراره مع شاعر جديد ولكن وفق مضمون مغاير ..مثل قصيدة السياب ..وتكرار/ مطر مطر مطر ..نلاحظ شعراء كثر استخدموا هذا الشكل ..
أو قصيدة الهايكو اليابانية ذات المقطع الوحيد ..والدلالات المتعددة
وقد يكون تناص بالمضمون ولكن بشكل مغاير .. وهذا مايعرف بنحل المعنى وأمثلته كثيرة
مثلاً يقول محمود درويش :
يا اسمي: سوف تكبر حين أكبر
سوف تحملني وأحملك
الغريب أخ الغريب ...
ويقول امرؤ القيس : أجارتنا إنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب
وقد يقع التناص في الحالتين معاً ..وهو مايعرف بالتوليد .وهو مانستطيع أن نطلق عليه إكمال معنى أو تطويره و بشكل ومضمون مغايرين ونستطيع القول أن هناك مكتبات من الشعر المعاصر نأخذها كأمثلة على التوليد (( الإبداع ))
التناص الوظيفي .. :
ونقصد به التناص حسب توظيفه في النصوص ويتفرع إلى:
1- التناص الظاهر: ويدخل ضمنه الاقتباس والتضمين ويسمى أيضاً التناص الواعي أو الشعوري.
2- التناص اللاشعوري: (تناص الخفاء) ويكون فيه المؤلف غير واعي بحضور نص في النص الذي يكتبه....
تصنيفات أخرى :
أضاف الناقد الفرنسي ((جيرار جينيت )) أصنافاً للتناص وهي :
1- الاستشهاد وهو الشكل الصريح للتناص
2-السرقة وهو أقل صراحة .
3- النص الموازي : علاقة النص بالعنوان والمقدمة والتقديم والتمهيد.
4- الوصف النصي : العلاقة التي تربط بين النص والنص الذي يتحدث عنه.
5- النصية الواسعة : علاقة الاشتقاق بين النص( الأصلي/القديم) والنص السابق عليه (الواسع/الجديد).
6- النصية الجامعة : العلاقة البكماء بالأجناس النصية التي يفصح عنها التنصيص الموازي
وأجد أنه من الضرورة أن نذكر تصنيفات النقاد العرب الأوائل حول هذه الموضوعة :
1- السرق : وهو أخذ المعنى مع اللفظ
2- السلخ : وهو أخذ المعنى مع تغيير اللفظ
3- التوليد : وهو تغيير المعنى وتوليده مع تغيير اللفظ
((تم عرض هذه التصنيفات لتحقيق الإحاطة بالموضوع وحسب ..ولن نشتغل عليها تجنباً للإطالة ..))
((يتبع))
د.باسم القاسم
05-01-2010, 12:19 AM
مبرر التناص :
لماذا نبحث عن المبرر ...؟
سؤال أعتقد أنه قد يكثف هماً كبيراً عند القارئ والمبدع .. فأن تعلم بأن مجمل ما لديك من نصوص هي مجموعة من التناصات بطريقة أو بأخرى فهذا قد يضرب عملية الإبداع في الصميم عند البعض ..
أقول :
لابد أن نفرق بين لفظة الابتكار ولفظة الإبداع كما عرفها ابن رشيق والآمدي وابن طباطبا ... وهو أن الابتكار هو الإتيان بما ليس له مثيل يسبقه وهذا قليل ونادر ..وأما الإبداع فهو توليد معاني جديدة من معنى سابق ولكن هذه المعاني الجديدة تكون متفوقة بالدلالة على المعنى القديم ..أو في الدلالة والبناء ..
وكما يقول المتنبي (( الشعر جادة وربما وقع الحافر على الحافر )) والعاقبة لمن سبق ..
ولكن أين المبرر ..؟
أعتقد أن احتكاك الكاتب مع مصادر ثقافية هو أمر لازم وبالتالي يبرر له التخاطر مع هذه المصادر أو استعارة دلالة غير مشبعة في سياقها القديم ووضعها في سياق نصه الجديد وسنتناول تقسيمات هذه المصادر فنقول :
1- المصادر الملزمة: ويكون فيها التأثير طبيعياً وتلقائياً وهو ما يسمى بالذاكرة أو الموروث العام ، مثل المقدمة الطللية في القصيدة الجاهلية.
2- المصادر اللازمة : داخلية تتعلق بالتناص الواقع في نتاج الشاعر نفسه مثل قصيدتي السياب (أنشودة المطر) و (غريب على الخليج).
3- المصادر المتعمدة : وهي اختيارية وتشير إلى ما يطلبه الشاعر عمداً في نصوص متزامنة أو سابقة عليه وهي مطلوبة لذاتها
السيدات والسادة :
من الجدير ذكره أن هناك تناولات متعددة لهذا المصطلح وتنظيرات حوله من قبل مذاهب نقدية عديدة كالبنيوية والتفكيكية والأركيولوجيا المعرفية ..والشكلانيين بطبيعة الحال ..
وعليه نلاحظ أن طرح التناص يفقد صفة الإمكان ويأخذ صفة اللزوم وكأنه أمر حتمي أو قدري
لابد أن يكون جزءً من دراسة النص ولو كانت الدراسة مدرسية أم غير مدرسية لذلك التناص مصطلح جديد التسمية قديم الطرح ..واجب الحضور ..
وهنا نتساءل : على ما قدمناه سالفاً .. هل نستطيع أن نبرر هذا الإنتاج الغزير من النصوص الشعرية الذي نراه اليوم ..فمصادر الثقافة وأزمات الفرد ضخمة ومصادر الأدب وأجناسه متعددة ومتنوعة ؟ وهل من العصي أن نلتقي بشاعر متفرد فقط لأنه مغاير وجديد على من سبقه ..شكلاً ومضموناً بغض النظر عن الأثر الذي يتركه لدى المتلقى ..مادام أننا نعرف أن كل جديد عدو ومستهجن ..!
والتساؤل الكبير ....
هل للشاعر دوراً أساسياً في كتابة القصيدة الإبداعية أم أنه مجرد موظف في مؤسسة اللغة يقدم اللغة الشعرية بشكل متتاليات نصية معتمدة على المخزون الثقافي والفكري مع إضافات تتعلق بلغته الخاصة .. ؟ وهل سنشجع كل من قال بموت المؤلف ....؟
هذا التساؤل قامت دنيا النقد عليه ولم تقعد بعد ..وشكل عتبة من عتبات النقد الحديث
وسنطرحه بين أيديكم بكل بساطة وعفوية حين سنأتي على مصطلح (( موت المؤلف ))
دمتم بخير ..
إبراهيم الشتوي
05-01-2010, 05:30 AM
أحبة أبعاد الأدب والعطاء الرحب ..
مرحباً بكم وبالوعي الذي يسكنكم ..
وبعد أن تم مناقشة [ فِي رِحَابِ المُصْطلح ] 3 - مُصْطلحُ قلق التأثير [ مَدرسة النقد النفسي / الفرويدي ] . من قبل الودق صاحب الفكر المتقد ... د. باسم القاسم
سيتم معه مناقشة (( التناص )) / المصطلح الهارب ..
شاكرين ومقدرين طرحه الممتع وأفقه المتسع ..
متمنين للجميع رؤى نقدية مفيدة وممتعه ..
تقديري .
أحمد رشاد
05-01-2010, 10:51 AM
السادة الأفاضل
سنستمع ونستمتع بما تقولون لكم المنبر ولنا الفائدة بعون الله
سَحَر
05-02-2010, 09:24 AM
صباح الخير جميعا ,
اضافة إلى ماذكرته يادكتور ان هذا المصطلح لم يكن من اختراع المدرسة الشكلانية بكل كان موجودا بالنقد القديم
في السرقات والمتناقضات والمعارضات والاقتباسات وكان أقرب مصلطلح له هو مصطلح [ التضمين ] ..
ولا أعلم يادكتور باعتقادي أن التناص في مدرسة الشكلانيين يعد ظاهرة لغوية معقدة تستعصي على الضبط كما اعترف بذلك
بعض النقاد واتفق معهم في ذلك .. لأنه يظل مصطلحا يعتمد على القارىء أو المتلقي وهذا المتلقي لابد أن يتمتع بثقافة واسعة
وأفق معرفي شاسع حتى يتمكن من الترجيح وهكذا ..
والسؤال الذي دوما يأخذني مع هاي المصطلح ولم أجد له جوابا : هل نستطيع أن نعتبر المحاكاة التامة للنص من التناص ؟
[ قرنفلة ]
د.باسم القاسم
05-02-2010, 10:25 AM
صباح الخير جميعا ,
اضافة إلى ماذكرته يادكتور ان هذا المصطلح لم يكن من اختراع المدرسة الشكلانية بكل كان موجودا بالنقد القديم
في السرقات والمتناقضات والمعارضات والاقتباسات وكان أقرب مصلطلح له هو مصطلح [ التضمين ] ..
ولا أعلم يادكتور باعتقادي أن التناص في مدرسة الشكلانيين يعد ظاهرة لغوية معقدة تستعصي على الضبط كما اعترف بذلك
بعض النقاد واتفق معهم في ذلك .. لأنه يظل مصطلحا يعتمد على القارىء أو المتلقي وهذا المتلقي لابد أن يتمتع بثقافة واسعة
وأفق معرفي شاسع حتى يتمكن من الترجيح وهكذا ..
والسؤال الذي دوما يأخذني مع هاي المصطلح ولم أجد له جوابا : هل نستطيع أن نعتبر المحاكاة التامة للنص من التناص ؟
[ قرنفلة ]
صباح النور ...
حسناً سيدتي ..
يوجد للاختلاف مسافة حاضرة بيننا ..وهذا من البشائر التي تنبئ بالخير ..
ولكن قبل كل شيءأحتاج إلى توضيح أكثر حول مايلي :
كان أقرب مصلطلح له هو مصطلح [ التضمين ] ..(( ماذا نعني بالتضمين ))
وأمر آخر :
هل نستطيع أن نعتبر المحاكاة التامة للنص من التناص ؟ (( هل المقصود هنا بالمحاكاة /فن المعارضة / مثل معارضة البردة وغيرها أم ماذا ؟ ....))
ومرحباً بسحر ..
أحمد رشاد
05-03-2010, 12:19 PM
السادة الأفاضل
الكارثة التي نعاني منها في المجال الثقافي والأدبي على وجه الخصوص فعل التلاص بحجة التناص.
د.باسم القاسم
05-05-2010, 10:53 AM
السادة الأفاضل
الكارثة التي نعاني منها في المجال الثقافي والأدبي على وجه الخصوص فعل التلاص بحجة التناص.
ياسيدي .كوارثنا كثيرة في المجال الأدبي ...
لعلنا معاً سنشكل خلية إنقاذ لالشيء ..وإنما فقط هي إشارة على وجود حياة ..
وربما التلاص يكون على مستوى أذية الشاعر ..فكيف بنا بالذي يؤذي ذائقة المتلقي بنصوص تجعله يلعن الشعر والشعراء ..
أستاذ أحمد كما تلاحظ ...
تناولنا لهذا المصطلح هو محاولة للتفريق بين ماهو مشروع ومبرر وبين ماهو مستهجن ومتهم ..
فكما تعلم قليلٌ منا من ينجو من آلية التخاطر مع أساليب شعراء أو مضامين قصائد لشعراء آخرين ..ولكن أن تجدد في المعنى قديم وتضعه في سياق أكثر إنفتاحاً شيء ..وان تأتي بتلاص علني شيء آخر ..وهناك فرق كبير بين الرايتين ...(( تعلم ...لو كان هناك مجال ...لعرضت على الزملاء نصوص لشعراء أصحاب منهج وهالة كبيرة ..ولديهم تلاصات رهيبة من نصوص لشعراء غربيين ..أو أسيويين .. وربما من كتابات في القرن التاسع عشر ...وقارئنا مسكين ..؟))
أشكرك على لمس جرحٍ من جروحنا ..وساعدني على قطف البلسم من شجرة اللغة ...
بحيث أننا يمكن أن نتفق على الصيغة التي نعرف بها التلاص ..
دمت بخير ..
سـ/ـماء غازي
05-05-2010, 08:50 PM
مساء الخير د. باسم , لهذا الجمع الجميل
عودة إلى مضمار النقد و البناء
هذا المصطلح الهارب غير واضح المعالم أو قل متدهور الملامح في تطبيقه على المستوى الإبداعي الأدبي لدينا
يؤخذ كذريعة في ما أسماه الأستاذ أحمد رشاد بالتلاصّ رغم إمكانية أن يكون تفاعلاً يمتد بالماضي و يحتوي الحاضر على أن يكون صوت النص الجديد هو الأعلى
فالنصوص لا حدود لها ولا حدود بينها ولكن حمى الإبداع يوشك أن يحلّ د.باسم
هل يمكن أن يبرر قلق التأثر : التناص؟
وإلى ماذا يخضع الحكم , بين النص (الأب) الأصلي المبتَكر , و النص (الإبن) متعدد القيمة الحامل روح التناص , بأيهما أكثر قيمة في النقد ؟
و متى يمكن للوعي و اللاوعي في التناص أن ينقل المصطلح من التناص إلى التنصيص أو السرقة ؟ هل يترك الأدب للتناص تحفيز الحوافر لتقع على الحوافر شكلاً و مضمونا ؟
كثيرة هي الأسئلة و الأكثر من ذلك قيمة حديثك
أخذني التناص إلى مصطلح التلقي أيضاً , و قولك :
(
إذاً لعلنا سنتفق بأن النص كبناء متراص يختلف بين شاعر وآخر ..بطريقة العرض والربط الدلالي كما أسلفت وبالتالي كتابة الشعر
)
هل يمكن لهذا أن يسقِط حق التناص بأصناف جيرار جينيت ؟
شكراً جزيلاً .
د.باسم القاسم
05-07-2010, 02:13 AM
مرحباً ..مرحباً سماء ..
تفضلي سيدتي ..
أما عن التساؤل الأول ..
هل يمكن أن يبرر قلق التأثر : التناص؟
لاريب بأن الطريقة التي عرضها بلوم هي أحد التبريرات الغريبة التي حاول أن يقدم التناص بها ..فوجوب الوجود الذي ذكرته في حالة التناص تدفع إلى التفكير في تبرير هذا القدر إن صح التعبير ..
أعتقد أن بلوم حاول أن يجد تبرير إلا أنها كما تقدم الأستاذ قايد الحربي وقال بأنه زاد غموض الموضوع وإلغازه ..ولكن في النهاية قد نعتبره أحد المحاولات في تبرير هذه الموضوعة ..
وإلى ماذا يخضع الحكم , بين النص (الأب) الأصلي المبتَكر , و النص (الإبن) متعدد القيمة الحامل روح التناص , بأيهما أكثر قيمة في النقد ؟
هنا ياسيدتي ومن وجهة نظر بلوم يعتبر النص الابن متآمر على نص الأب ولايوجد مجال للتقيم النقدي بينهما من وجهة نظر بلوم ..
ولكن من وجهات نظر أخرى أعتقد أن مجموع الشعراء المتأثرين بنص أب أو أكثر لابد وأن يتقدموا بمضامين أكثر انزياحا في دلالاتها وذلك في خضم تحقيق التميز على النص الأب ..
أعتقد أن النص الابن سيكون متخم بالمعطيات التي سيشتغل عليها الناقد ..
و متى يمكن للوعي و اللاوعي في التناص أن ينقل المصطلح من التناص إلىالتنصيص أو السرقة ؟ هل يترك الأدب للتناص تحفيز الحوافر لتقع على الحوافرشكلاً و مضمونا ؟
حتماً ياسيدتي التلاص هو حالة واعية ومتعمدة يقوم بها الناص ..
أما اللاوعي فهو المجال البريء الوحيد الذي يمكن أن نبرر حدوث التخاطر والتناص بين النصوص .. ولكن له آليات في التناول
هل يترك الأدب للتناص تحفيز الحوافر لتقع على الحوافرشكلاً و مضمونا ؟
هنا سندخل بمشروعية التناص وقد تحدثت عنها ... سأقول بأن الكتابة الشعرية/ الأدب / لها سمة تبادلية تتم بين مؤسسة اللغة والشاعر حتماً وهذه الحتمية تجعل من التناص أمراً لازماً ....سأقول هنا رأي يتعلق بي شخصياً فالتناص عندي هو أثناء الكتابة خارج عن الإرادة ولكنه بعد الكتابة حالة اختيارية ..فقد يدخل الشاعر مع الألياذة بتناص دون أن يعلم ولكن أحياناً يكون على علم فيستمر بنشر نصه من باب أنه تناص مشروع ..ولكن اسمحي لي بأن أقول بأنه لن يشكل التناص مظلة تبرر مثل هذه الخطوات إنه ياسيدتي (( التناص )) صفة ناعتة للحالة وليست مبررة ..مثلاً ..نحن نعذر العاشق في تصرفاته ونقول هذا فعل الحب فيه ..
ولكن الحب في النهاية مسمى للحالة وليس ذاتها ..فنحن قد نلوم هذه التصرفات ولكن في النهاية نقول هكذا الحب ..
والتناص على نفس المبدأ .. (( أرجو أن أكون قد فهمت سؤالك سيدتي))
إذاً لعلنا سنتفق بأن النص كبناء متراص يختلف بين شاعر وآخر ..بطريقة العرضوالربط الدلالي كما أسلفت وبالتالي كتابة الشعر
هل يمكن لهذا أن يسقِط حق التناص بأصناف جيرار جينيت ؟
يا سماء ..ملاحظة جيدة ..وموفقة منك ..في هذا الاستفسار ..
فلننتبه هنا ..
نحن نقول سنتفق بأن النص كبناء متراص يختلف بين شاعر وآخر ..بطريقة العرضوالربط الدلالي كما أسلفت وبالتالي كتابة الشعر
كلمة يختلف مهمة .. فنحن لم نقل يخالف ..وهناك فرق كبير ..
أن أخالف النص ..غير أن أختلف فيه ...
الاختلاف هو استمرارية وامتداد .. أما الخلاف فهو الكتابة بمعنى مغاير ..
الاختلاف هو متابعة مضمون لمعنى قديم ولكن بطريقة مختلف ومتطورة أما الخلاف فهو نقض المعنى ..
مثلاً ..الشهيد / كثيرون يتفقون على قيمة الشهادة ولكنهم يختلفون بطرق تمجيدها شعرياً ..
فيدخلون في تناصات خفية ..
أما الشاعر الذي يخالفك في المضمون فهو حتماً لن يتناص معك مضموناً وقد يتناص شكلاً ..
مثلاً .. (( دم الشهداء يا أقلام هذا مداد المبدعين وياخيال ))يقول أحد الشعراء ممجداً لدم الشهيد المراق ..
يأتي محمود درويش وبطريقة خلافية فيقول معاتباً في خطابه للشهيد وكأنه يلومه ..ويجعل من استشهاده عبثاً فيقول (( هل تعرفني ..كي تموت عني ..!))
والأمثلة كثيرة ..
فعند جيرار وغيره ..الموضوع يتعلق بتمدد المعنى أو تثبيته/ سرقته / أو توليده ..
فالتوليد حتماً إبداع في المعنى .. والتمديد هو إشباع للمعنى .. والتثبيت هو سرقة ..المعنى
يا سماء هذا أول الغيث ...
فلا تسمحي للشمس بالسطوع..
ولا أخفيك ..بأنني أعتبرك من ذاوت الوعي النقدي المسؤول
دمت بخير ..
ظلال الرمَّان
05-08-2010, 09:21 PM
[QUOTE=د.باسم القاسم;635739][center]
وعليه نلاحظ أن طرح التناص يفقد صفة الإمكان ويأخذ صفة اللزوم وكأنه أمر حتمي أو قدري
لابد أن يكون جزءً من دراسة النص ولو كانت الدراسة مدرسية أم غير مدرسية لذلك التناص مصطلح جديد التسمية قديم الطرح ..واجب الحضور ..
..[/color][/size][/font]
المصطلح الهارب ..
تطرحه هنا بانسيابية متقنة .. د.باسم القاسم
سؤال قفز إلى ذهني وأنا أقرأ استرسالك الممتع في الحديث عن التناص
فهذا المصطلح الذي تناوشه النقاد والبلاغيون و المؤرخون و السيسيولوجيون ، وغيرهم ..
فوظفه كل منهم لخدمة منطلقاته .. أجد أنه تفرع إلى تفريعات كثيرة و متذبذبه
فأحدهم يذهب إلى أن هناك تناص نقدي ، تناص بلاغي ، تناص فني ..
وهناك من قسمه إلى تناص ديني ، وتناص تاريخي ، وغيره كما ذهب إليه د. أحمد الزعبي
وجنيت كما تفضلت قد طرح تقسيماته ..
وهناك المباشر وغير المباشر .. و غيرها من التقسيمات الكثيرة التي تتناول المصطلح بزوايا مختلفه ..
فما الأصلح من بينها للاتكاء عليه في التطبيق النقدي ؟؟
وافر تقدير الذي ما له حد لك / أستاذنا
د.باسم القاسم
05-10-2010, 11:06 AM
فما الأصلح من بينها للاتكاء عليه في التطبيق النقدي ؟؟
سيدتي ..
هناك اتفاق تام حول هذا المصطلح ولكن الاختلاف هو المضاف إليه من تاريخي ..إلى فني ..مباشر ...
هذه الإضافات تتبع لماهية فكر الدارس للنص والمنبع الذي يستقي منه ..
أقترح أن نتكئ أولاً على إجماع عام حول التناص ..وهو كل تداخل بين نصين ..أو ذهنيتين شاعرتين ....مهما كان هذا التداخل متواري أم ظاهر ..
ومهما حاول الدارسون في ابتكار تصانيف أخرى فهم لن يهربوا من هذا القدر (( التناص )) وتفسير وجوبه ..وأعتقد أنه لاملجأ لنا هنا إلا حضن أمنا اللغة
حين نعترف بها مؤسسة قائمة على التراكمية النصية او الإشارية أو الدلالية بكل أنواعها .. وهي مؤسسة لاترحم موظفيها /الشعراء ...الروائيين
..التشكيليين ../ إنها مستبدة وأحد علامات استبدادها فينا هو ( التناص )) فتأملي ..
خالص احترامي لذاتك ..
سـ/ـماء غازي
05-21-2010, 02:39 AM
مرحباً ..مرحباً سماء ..
تفضلي سيدتي ..
أما عن التساؤل الأول ..
هل يمكن أن يبرر قلق التأثر : التناص؟
لاريب بأن الطريقة التي عرضها بلوم هي أحد التبريرات الغريبة التي حاول أن يقدم التناص بها ..فوجوب الوجود الذي ذكرته في حالة التناص تدفع إلى التفكير في تبرير هذا القدر إن صح التعبير ..
أعتقد أن بلوم حاول أن يجد تبرير إلا أنها كما تقدم الأستاذ قايد الحربي وقال بأنه زاد غموض الموضوع وإلغازه ..ولكن في النهاية قد نعتبره أحد المحاولات في تبرير هذه الموضوعة ..
وإلى ماذا يخضع الحكم , بين النص (الأب) الأصلي المبتَكر , و النص (الإبن) متعدد القيمة الحامل روح التناص , بأيهما أكثر قيمة في النقد ؟
هنا ياسيدتي ومن وجهة نظر بلوم يعتبر النص الابن متآمر على نص الأب ولايوجد مجال للتقيم النقدي بينهما من وجهة نظر بلوم ..
ولكن من وجهات نظر أخرى أعتقد أن مجموع الشعراء المتأثرين بنص أب أو أكثر لابد وأن يتقدموا بمضامين أكثر انزياحا في دلالاتها وذلك في خضم تحقيق التميز على النص الأب ..
أعتقد أن النص الابن سيكون متخم بالمعطيات التي سيشتغل عليها الناقد ..
و متى يمكن للوعي و اللاوعي في التناص أن ينقل المصطلح من التناص إلىالتنصيص أو السرقة ؟ هل يترك الأدب للتناص تحفيز الحوافر لتقع على الحوافرشكلاً و مضمونا ؟
حتماً ياسيدتي التلاص هو حالة واعية ومتعمدة يقوم بها الناص ..
أما اللاوعي فهو المجال البريء الوحيد الذي يمكن أن نبرر حدوث التخاطر والتناص بين النصوص .. ولكن له آليات في التناول
هل يترك الأدب للتناص تحفيز الحوافر لتقع على الحوافرشكلاً و مضمونا ؟
هنا سندخل بمشروعية التناص وقد تحدثت عنها ... سأقول بأن الكتابة الشعرية/ الأدب / لها سمة تبادلية تتم بين مؤسسة اللغة والشاعر حتماً وهذه الحتمية تجعل من التناص أمراً لازماً ....سأقول هنا رأي يتعلق بي شخصياً فالتناص عندي هو أثناء الكتابة خارج عن الإرادة ولكنه بعد الكتابة حالة اختيارية ..فقد يدخل الشاعر مع الألياذة بتناص دون أن يعلم ولكن أحياناً يكون على علم فيستمر بنشر نصه من باب أنه تناص مشروع ..ولكن اسمحي لي بأن أقول بأنه لن يشكل التناص مظلة تبرر مثل هذه الخطوات إنه ياسيدتي (( التناص )) صفة ناعتة للحالة وليست مبررة ..مثلاً ..نحن نعذر العاشق في تصرفاته ونقول هذا فعل الحب فيه ..
ولكن الحب في النهاية مسمى للحالة وليس ذاتها ..فنحن قد نلوم هذه التصرفات ولكن في النهاية نقول هكذا الحب ..
والتناص على نفس المبدأ .. (( أرجو أن أكون قد فهمت سؤالك سيدتي))
إذاً لعلنا سنتفق بأن النص كبناء متراص يختلف بين شاعر وآخر ..بطريقة العرضوالربط الدلالي كما أسلفت وبالتالي كتابة الشعر
هل يمكن لهذا أن يسقِط حق التناص بأصناف جيرار جينيت ؟
يا سماء ..ملاحظة جيدة ..وموفقة منك ..في هذا الاستفسار ..
فلننتبه هنا ..
نحن نقول سنتفق بأن النص كبناء متراص يختلف بين شاعر وآخر ..بطريقة العرضوالربط الدلالي كما أسلفت وبالتالي كتابة الشعر
كلمة يختلف مهمة .. فنحن لم نقل يخالف ..وهناك فرق كبير ..
أن أخالف النص ..غير أن أختلف فيه ...
الاختلاف هو استمرارية وامتداد .. أما الخلاف فهو الكتابة بمعنى مغاير ..
الاختلاف هو متابعة مضمون لمعنى قديم ولكن بطريقة مختلف ومتطورة أما الخلاف فهو نقض المعنى ..
مثلاً ..الشهيد / كثيرون يتفقون على قيمة الشهادة ولكنهم يختلفون بطرق تمجيدها شعرياً ..
فيدخلون في تناصات خفية ..
أما الشاعر الذي يخالفك في المضمون فهو حتماً لن يتناص معك مضموناً وقد يتناص شكلاً ..
مثلاً .. (( دم الشهداء يا أقلام هذا مداد المبدعين وياخيال ))يقول أحد الشعراء ممجداً لدم الشهيد المراق ..
يأتي محمود درويش وبطريقة خلافية فيقول معاتباً في خطابه للشهيد وكأنه يلومه ..ويجعل من استشهاده عبثاً فيقول (( هل تعرفني ..كي تموت عني ..!))
والأمثلة كثيرة ..
فعند جيرار وغيره ..الموضوع يتعلق بتمدد المعنى أو تثبيته/ سرقته / أو توليده ..
فالتوليد حتماً إبداع في المعنى .. والتمديد هو إشباع للمعنى .. والتثبيت هو سرقة ..المعنى
يا سماء هذا أول الغيث ...
فلا تسمحي للشمس بالسطوع..
ولا أخفيك ..بأنني أعتبرك من ذاوت الوعي النقدي المسؤول
دمت بخير ..
مذ قرأت هذا الدرس وأنا منتصرة بالوعي الذي أضافه لي
أشكرك جداً
باركك الله د. باسم , مازلنا في رحابك.
د.باسم القاسم
05-24-2010, 10:56 AM
سـ/ـماء غازي ..
هذه المداخلات -ومن الجميع -لا أراها سوى أيادٍ بيضاء تسهم في توسيع دائرة النور لهذا المتصفح ..
وعليه سنكون نحن المدينون لكم بالشكر..
دمت بخير ..
د.باسم القاسم
06-01-2010, 03:03 PM
السيدات والسادة ..
فلنعتبر أن جميع ماسلف من أبواب طرقناها كان تمهيداً ممنهجاً يؤهلنا للخوض في قضايا النقد الأدبي العميقة ..ولعله استطعنا أن ننخرط في متتاليات فلسفية المنشأ حاولت أن تنقب عن سر مكين من أسرار النتاج الفكر الإنساني ..وأخص منه الخطاب الأدبي .. هذا التنقيب على مستوى مناجم العمق المعنوي والمادي لأي خطاب إبداعي يتعامل معه العقل الناقد على أنه الأثر الأكثر بقاء لأي ذات بشرية متناهية المصير ..
السيدات والسادة :
سنتعرض سوية لمقولة ثقيلة العيار من مقولات النقد وهي (( البنية اللغوية )) والتي هي منتج نقدي تمخض عن تداولات مدرسة النقد البنيوي ومنها تم التحريض بإتجاه خطوط نقدية موازية قامت على أنقاض
هذه المدرسة والتي على الأقل لازالت تحت تأثير التجاذبات والنقاشات ولو على مستوى الوعي العربي ..
فليسامحني أهل الإختصاص وأصحاب المنهج الابستيميولوجي ..على طريقة العرض التي لن نراعي فيها سوى إمكانية وصول الفكرة إلى المتلقي بطريقة موضوعية سهلة التناول ..
وسأتحمل مسؤولية التصرف بتقديم أنساق فكرية كثيرة مفككة عن إصطلاحاتها .. بحيث سأستغني عن الكثير من الهوامش المرجعية ..
متمنياً المتعة للجميع والاستفادة المرجوة .. فلنعتبر أننا في سياحة نقدية فكرية ... فاتحين الباب على مصراعيه باتجاه ذواتنا المفكرة بكل تساؤلاتها فنحن (( نحاول مجداً أو نموت فنعذر ..))
مقدمة :
قد نبدأ بمقدمة غريبة بعض الشيء حيث أجدني مضطراً في البداية لعرض كنه الدرس البنيوي فأقول ..
البنيوية ظهرت في القرن العشرين كمحاولة لترسيخ منهجية علمية أبستيمية شاملة من شأنها تفسير الظواهر الإنسانية كافة علمية كانت أم غير علمية ..والفكرة الرئيسة تدور حول أن العلمية في الدرس الفكري للظواهر لاتعني أن نعرف الكل من خلال خصائص الجزء فلا الجزء هو نفسه الكل ..ولا الكل هو مجرد مجموع أجزاء وحسب ..بل الأهم هو العلاقة التي تربط الأجزاء ..ومجموع القوانين التي تحدد هذه الروابط وتسمح بها ..فتحولنا من معرفة ماهية الشيء إلى معرفة كيفية تشكل هذه الماهية ...نتحول من معرفة ما تقوله القصيدة مثلاً إلى القصيدة ذاتها ..بتركيبها وترابط أنساقها .
ولو غصنا أكثر بما يخص الأدبي ...نقول البنيوية تتجاوز للأثر الذي يتركه مضمون النص ..إلى طرائق الروابط بين أجزائه والتي يعتقد البنيويون بأنها هي المسؤولة عن هذا الأثر العميق ..
وعلى ذلك كان إعتماد البنيوية كمنهج نقدي فلسفي عموماً على المناهج الطبيعية ،وذلك على أساس نظرية المجموعات التي تسمح بدراسة العلاقات بين أجزاء وعناصر المجموعة ، وتحليلها ثم إعادة تركيبها ، من أجل الكشف عن البنية الخفية للموضوع
وعليه تم اعتبار أن كل مافي الوجود يختلف بواقعه الظاهري عن ذاته الموضوعية ..فكل شيء أمامنا هو تركيبة من الأجزاء .. شكلت بترابطها بنية ولكن هذه الأجزاء تختلف بخصائصها الفردية عن خصائص البنية التي تركبها ..مثلاً (( الماء = أوكسجين وهيدروجين )) أن خصائص الماء كبنية تختلف عن الأجزاء المكونة ..ولكن ماهو الرابط الذي جمع بين الجزئين لفرز هيئة سميناها الماء .. هنا وببساطة قام البنيويون برصد هذه الخصائص ومحاولة إثبات خضوعها لنظام وقوانين وأعراف ....و تعتبر البنية خفية ومتوارية ..ونحن نحتاج لدراسة الروابط بين أجزائها المكونة لندرك ذاتها .. وإن أية بنية لها تمظهر (( شكل )) ولكن هذا الشكل لايعني ذاتها وموضوعها ..
ذلك أن الشكل يقع في مقابل المحتوى ويتحدد به ، في حين أن البنية لا تتحدد بالمحتوى لأنها هي المحتوى ذاته عندما ندركه داخل تنظيم منطقي من حيث هو خاصية من خصائص الواقع ،
وبالتالي كل مافي الوجود عبارة عن (( شيفرة )) لابد من معرفة الروابط التي جمعت بين العلامات المكونة لهذه الشيفرة .. وهنا نقصد دراسة البنية ..
البنية واللغة :
تمهيد :
الكلمة ..اللفظة ..الإشارة ..العلامة ...ضربة فرشاة على قماش اللون ...إيماءة اليد تلوح لمسافر ..
وترٌ عازف ..إيقاع نابض ..إلخ
جميعاً ..أو مفردة... نعرفها في حياتنا اليومية بحاجة إلى إدراكنا لها ..
وببساطة الذات المدركة الفاعلة مرتبطة بما تدركه إلا أنها بحاجة إلى وسيط يفعل عملية الإدراك ...
إنها اللغة ...(( لاتدرك المادة والإدراك والذات إلا بلغة ما ))
فاللغة تؤثث العالم .. وبها ندركه ونبنيه ..
واللغة ليست وسيلة سلبية لنقل الأفكار والمفاهيم القبلية ..وإنما هي الأساس الفاعل والمنتج لهذه المفاهيم التي تنتقل بواسطتها .. هذه هي مجموعة النتائج التي توصلت إليها المدرسة البنيوية لتنطلق منها إلى تحديد سمات مايعرف بالبنية اللغوية ..فقالت :
إن اللغة هي نظام الدلالة بامتياز وبعدها نقول بأنها وسيلة التواصل والمعرفة ..نظام الدلالة هذا قائم على أجزاء مكونة نسميها العلامة أو الإشارة وتمثل الوحدة أو البنية الأساسية وهي التي تكون أية بنية لغوية تدور في فلك اللغة والتي هي نظام الدلالة ..
ولكن ماهي هذه الوحدة الأساسية (( العلامة ..الإشارة ..))
- الدال والمدلول :
(( الحرف ..الوحدة الصوتية ..العلامة الموسيقية ...إلخ )) نسميها دوال
((جمع دال)) .... أما المدلول (( الفكر أو المفهوم))
الرابط الذي يجمع بين الدال والمدلول نسميه العلامة أو الإشارة .. مثال:
كسر ../الكاف والسين والراء ..الترابط بين هذه الدوال ولد إشارة/علامة ((كسر ))) أشارت إلى مدلول أو معنى ..وهكذا ..
ماهي الدلالة :
علاقة الإشارات مع بعضها البعض في تكوين جملة هو الذي يولد مانسميه الدلالة
إذاً.. الدلالة تعتمد على وجود الإشارات في نظام لغوي معين واتباع هذه الإشارات نحواً محدداً
هذا التركيب والترابط بين العلامات والذي أودى بنا إلى دلالة ضمن البنية اللغوية ..
القراء الأعزاء وصلنا الآن إلى لحظة الكشف التي ستنظم كل ماعرضناه سابقاً في إطارات الفكر البنيوي ..
لحظة الكشف :
هذه اللحظة التاريخية التي وردت على لسان السويسري(( دي سوسير)) كان لها بالغ الأثر على العلوم الإنسانية وقد تم استثمارها من قبل البنيوية ..
ماذا قال دي سوسير :
هناك ثلاثة مفاهيم للغة :
أولاً / اللغة بشكل عام (( وهي ملكة الإنسان وقدرته على خلق إشارات وعلامات واختراعها ..وهي إمكانية لدى الإنسان وجدت متأصلة فيه وكأنها إمكانية كامنة بالقوة ..))
أجل هي سر من أسرار الوجود تم الإشارة إليه في أكثر من مناسبة تاريخية ..
وكذلك أثبت هذا السر في القرآن المجيد (( وعلم آدم الأسماء كلها ..))
أما المناطقة والوجوديون فيقول أنها كامنة بالقوة ..
نعود ونقول أن هذه اللغة العامة هي مجموعة العلامات التي توجد خارج أي نظام لغوي ضابط وموجه للدلالة ولنقل بأنها المحيط والقاموس الذي يستقي منه أي نظام لغوي علاماته ..
فكيف نفرق إذاً بين العلامات في هذه اللغة العامة ..نحن نفرق على أساس اختلاف الدال ..مثلاً : أكل ...غير صمت ...فقط لأن الألف غير الصاد ..
ثانياً / اللغة النظام :
مثل اللغة العربية ..الفرنسية .. وهي مؤسسة قائمة على مجموعة من الأعراف والقوانين الضابطة لعلاقات الإشارات وهي التي تهيء حدوث الممارسة الفعلية لعملية القول حتى تصبح قابلة للإدراك
واللغة النظام هي موجهة ومحددة لدلالات البنية اللغوية .. وهي تؤثر على علاقات وروابط العلامات في البنية اللغوية ..بحيث أن الكلمة في الجملة تتأثر بالقبل والبعد
(( أفقياً )) وتتأثر ((عموديا ً ))أيضاً ..من حيث أن هذه المفردة لها مرادفات ولكن تم إختيارها هي ..
مثال : فهم الطالب الدرس / العلامة الطالب أخذت دلالة بعد ان أتت بعد العلامة ( فهم )
أما عمودياً فهناك مرادفات للعلامة الطالب (( المريد ..عبدالله )) ولكن وقع الإختيار على علامة ((الطالب ..)) ..
ثالثاً / الحدث اللغوي الفردي :
وهو الذي يمارسه متكلم للغة ما ..
مثال :
أن نقول باللغة العربية والتي هي اللغة النظام عندنا
(( قطف الزهور جريمة )) هذا حدثٌ لغوي ينتمي إلى اللغة النظام من حيث القواعدية والنحو
ولكن المضمون الدلالي يتبع لي كفرد بحيث انني خلقت دلالة تخصني ..أضفتها إلى الأبنية اللغوية وبنفس الوقت أصبحت أثراً لي ..
هنا نقول أن تمييز دي سوسير بين اللغة كنظام ...واللغة كحدث فعلي يمارسه فرد هو الذي استحوذ على اهتمام البنيويين ..
وعلى أساسه تم تحديد خصائص البنية اللغوية
ولابد لأية بنية لغوية أن تتصف بما يلي :
1- الشمولية :
تعني تناسق وتماسك البنية داخلياً أي أن الوحدات المكونة للبنية تتسم بالكمال الذاتي وليست مجرد وحدات مستقلة جمعت قسراً ..بل هي أجزاء تابعة لنظام داخلي من شأنها أن تحدد طبيعة واكتمال البنية ذاتها ..وهكذا تعطي هذه القوانين الرابطة للأجزاء صفة الشمولية ..لتصبح البنية اللغوية بخصائصها ..أشمل وأعم من الأجزاء المكونة لها ..
مثال : (( القمح مرٌ في حقول الآخرين )) هذه الجملة مؤلفة من أجزاء (( علامات ))
اللغة النظام حددت ترابط هذه الأجزاء فتولد لدينا حدث لغوي ..وبنفس الوقت الجزء إذا خرج عن البنية وكان مفرداً يفقد الكثير من خصائصه مثلاً (( القمح )) جزء من البنية ..ولكن الجملة اشمل بالخصائص الدلالية من هذه العلامة .. وبالتالي البنية دائماً ذات خصائص شمولية ..
2-التحول :
البنية اللغوية ليست وجوداً قاراً مستقراً وإنما هي متحركة وغير مستقرة دائماً ..
صحيح أن اللغة النظام تتسم بمحدودية قارة (( قوانين وأعراف وقواعد )) إلا أن الفعل الحقيقي
الذي يقوم به متكلم اللغة (( الحدث اللغوي الفردي )) لاتحده حدود ..وكلما زاد الأداء الفردي لمتكلم اللغة ..أثبتت اللغة كنظام قدرتها على تبيئة كل جديد واستيعابه
هامش: (( هكذا الشاعر يولد اللغة ويساهم في توسيع اللغة النظام ..فهل هناك بنيات لغوية أكثر اتساعاً ولا محدودية كاللبنية اللغوية الأدبية ))
3- ذاتية الانضباط :
إن البنية اللغوية لاتتأثر بأي نظام خارج اللغة النظام ..فهي تتملك خصائص ذاتية تلزمها باللغة النظام ..وتجعلها مستقلة بذاتها عن أي مؤثر خارجي ..وهي لاتبني تكويناتها بالإتكاء على حقائق خارجية ..بل من خلال النظام البنيوي اللغوي ..
مثال (( الغيم فولاذٌ وهذا النجم جارح )) هنا لو كانت أجزاء الجملة تأثرت بعلم المنطق أو الفلك أو الرياضيات ..لما استطعنا تشكيلها ..إنها تخضع فقط للنظام اللغة الذي يسمح بتشكيل هذه البنية ..
قد نكون قدمنا جرعة من العيار الثقيل ...ولكن السؤال ..
أين هدفنا المنشود ..إنه وبكل وضوح .. البنية الأدبية (( الشعر /الرواية ..المسرح ))
فلنأخذ استراحة ....
د.باسم القاسم
06-02-2010, 10:49 AM
البنية الأدبية :
ينظر البنيويون إلى الأدب على أنه بنية متكاملة ضمن بنية أكبر وهي اللغة .. باعتبارها (( مؤسسة اجتماعية قائمة على مجموعة من الأعراف والقوانين والأشكال ..متفق عليها ))
فنقول إن الأدب بالنسبة لممارسات الكتابة الفعلية عموماً يعتبر نوعاً خاصاً من هذه الممارسات ضمن اللغة ..بنفس الوقت يشكل الأدب نظاماً لغوياً خاصاً به يحكم الممارسات الفعلية ضمنه بمجموعة من الأعراف والأشكال والأنظمة التي تجعل من هذه الممارسات الفعلية تأخذ صفة الأدبية ..وعليه يمكن القول ..
يمكن دراسة المفردة أو الإشارة مروراً بالجملة كبنية وصولاً إلى أبنية الخطابات الأشمل سواء كانت منتج الفرد أو الثقافة أو المجتمع دراسة بنيوية تعتمد على رصد منظومة العلاقات التي تربط وتحكم هذه المكونات وتجعلها ذات دلالة ..
فيستطيع البنيوي أن يدرس الجملة إنطلاقاً من الجانب النحوي والقواعدي أو تتبع علاقتها بمجاورتها أفقياً أو عمودياً ...وربطها بعلاقة بنائية مع المرجع السياقي الذي تنتمي إليه ..
وتتم مراقبة هذا الحراك وتفسيره ضمن معطيات وأعراف اللغة الأدبية كنظام موجه للروابط بين
العلامات أو الجمل والسياقات ..
ولعل أهم وأشهر من عمل ضمن هذا السياق هو (( رومان ياكبسون )) فقد طور مقولات
دي سوسير والنهج البنيوي وتجاوز بعضها ولا احد ينكر أهمية إنجازات ياكبسون ...
ولعلي سأقدم خلاصة لهذا الإنجاز وهو مايتعلق بتحديد (( أدبية أو شعرية )) الأدب ..
وكذلك في ما يتعلق بتفسيراته المهمة حول الرسالة أو الخطاب الذي يقوم بين المتكلم والمستمع ..
أيتها السيدات والسادة :
متى نستطيع أن نسقط صفة الأدبية أو الشعرية على الخطاب ؟ هذا سؤال ربما قضينا أوقات طويلة في أبعاد للإجابة عنه ..
فماذا يقول ياكبسون إنطلاقاً من البنيوية ..
بين المرسل /الكاتب /المؤلف ... وبين المتلقي ..المستقبل ..القارئ يوجد رسالة لها سياقها ووسيلة نقلها ووسائل النقل (( الصوت ..الحروف ..)) وتحكم هذه الرسالة شيفرة معينة (( اللغة العربية مثلاً )) هذه الشيفرة تسمح بإدراك الرسالة وفهمها ..وهناك ستة عناصر لايتجاوزها أي خطاب
وربما تواجدت جميع هذه العناصر فيه ونحددها كما يلي :
- العاطفة والانفعالية : وذلك عندما توجه الرسالة التركيز على المرسل /الكاتب نفسه
- الوصل والتواصل : وذلك عندما تركز الرسالة على المرسل إليه /المتلقي والنزوع إليه
- المرجعية : وذلك عندما تحاول الرسالة التركيز نحو السياق حيث يكون مدار الرسالة حول معلومات وحقائق مثلاً (( دمشق عاصمة سورية وتبعد ..كذا وكذا عن ..))
- -الإخبارية : وذلك عندما ينصب إهتمامها على وسيلة نقل الرسالة (( هل تسمعني ..هل وصل الصوت ..كما يختبر أي شخص المايكرفون .. واحد إثنين ثلاثة ..ألو ..))
- - الوظيفة الشعرية والجمالية : وتحدث حينما تتوجه الرسالة نحو ذاتها ..
- - وظيفة لغة اللغة : وذلك عندما تركز الرسالة على (( الشيفرة)) المفسرة لها ..
- هنا تسود لغة اللغة ..أو اللغة الماورائية ..
- القراء الأعزاء :
- يعتبر ياكبسون أول من أدخل البلاغة التقليدية على خط اللسانيات عندما قرر بأن الخطاب الشعري كبنية يقوم على الاستعارة والمجاز والكناية ..فهي المسؤولة العلاقات العمودية والأفقية بين أنساق بنية الخطاب..وتزداد درجة شعرية الخطاب مع تعدد المجازات والكنايات والاستعارات فيه ..مما يسمح بترابطات أفقية وعمودية ....
-
- أعلم أنه هناك عطش شديد باتجاه ضرب امثلة تطبيقية عن نموذج للنقد البنيوي
- هنا أقول انه لدينا نماذج عديدة للنقد البنيوي تم تناول نصوص كثيرة نشرت في أبعاد
- عليكم بقراءات الأستاذ قايد الحربي لبعض النصوص ..فهو بنيوي ليس إلى حد بعيد ولكنه يقتنص الكثير من الحرفية البنيوية ..ويمزجها بشيء من النقد التحليلي ..
- وسأضع بين أيديكم هذا الرابط لقراءة بنيوية قمت بها في أبعاد على أحد النصوص
((يتبع))
http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=21306
د.باسم القاسم
06-02-2010, 11:59 AM
- أصدقائي ...
- كونوا على ثقة بأن ماتم تقديمه هو غيض من فيض البنيوية .. فلو أردنا الخوض في غمارها لاحتجنا إلى مؤلفات ضخمة ..لكثرة فروع البنيوية وماتولد عنها من اتجاهات ..
- كالبنيوية التكوينية ..والأسلوبية ...والتحليلية ...
- ولكن لابد الآن وفي هذه اللحظة عرض مجموع الانتقادات والاعتراضات التي واجهت البنيوية وهي على ما أعتقد انتقادات موضوعية ..وسألخصها فيما يلي ..:
- 1- من أهم ما اخذ على البنيوية هو أن الكثير من روادها تراجعوا عن أطروحاتها الأساسية
- ويعتبر رولان بارت من أهم منظري البنيوية ؟؟وهو الذي فيما بعد اسقط الصفة العلمية التي حاولت البنيوية منحها للدرس النقدي الأدبي خصوصاً ..
- 2- جاك دريدا /التفكيكية ..اتهمت البنيوية بالاختزالية والتجريد مما أدى إلى وصف
- ومعالجة الأعمال الأدبية على أنها أبنية وأنظمة معزولة ومستقلة عن الخارج بل ومستغنية عنه
- 3- أما الخطر الأكبر فكان عدم الاهتمام بالمعنى أو المحتوى وهو مايطلق عليه المغالطة الشكلانية ..فالبنيوية تثبت النص وتجعله قاراً ...حيث تبدو القراءة البنيوية مجموعة من الخطوط البيانية والمخططات والجداول المتشابكة
- 4- البنيوية تتجاهل التاريخ ..فهي تهتم باللحظة الآنية للجملة ..وتهمل السياقات التاريخية
- إنها تحتفل بـ(( السنكروني )) وهي دراسة الكيفية التي تعمل بها اللغة في لحظة معينة ..
- وتسقط (( الدايكروني )) وهي دراسة اللغة على أنها جزء من سلسلة تاريخية نتجت أو عكست غيرها من الظواهر
- 5- تتعامل البنيوية مع النص على أنه مادة معزولة ومستقلة عن الذات القارئة ..
- 6- أما عندي فأهم وأخطر ما تمخضت عنه البنيوية هي مقولة (( موت المؤلف ))
- وهو الموضوع الذي سنتناوله بشكل مستقل ..وقد قمنا بتناول المدرسة البنيوية تمهيداً
- لتناول هذه المقولة المهمة برأيي ..
- السيدات والسادة :
- بالرغم من كل ماسبق من الانتقادات ..فأنا أعتقد أن التعامل مع الفكر البنيوي..يمكن أن يكون مفيداً جداً ..فهناك الكثير من الومضات التي فتحت أعين النقاد على موضوعات مهمة جداً ...ولعل التمييز بين اللغة النظام واللغة العامة والحدث الفردي اللغوي ..هو انجاز مهم جداً على ما أعتقد ..
- خلاصة :
- أصدقائي ..
- أعتقد أن خطورة الأدب ...عموماً والنص الشعري خصوصاً دفع معشر النقاد ..
- إلى الأخذ بجميع الاستقراءات .. والمرجعيات الفلسفية خصوصاً .. لمعرفة كنه الأثر الذي
- يتسبب فيه نص شعري في المتلقي ..أين السحر ..أو السر في هذا الابتداع ..
- هم مشغولون ومنهمكون ...ونحن في الطرف الآخر قد نستهتر في إطلاق صفة شعر أو أدب على مجموعة من السطور حمل صاحبها لقب شاعر . أو أديب ..
- ومن خلال ماسبق لم يكن الهدف أن أتسبب بالصداع لأحد أو توليد شعور ساخط على هذه المدارس الفلسفية ..
- الهدف هو الاطلاع ..على القضية قبل التحدث عنها ..هذا من جهة ومن جهة أخرى نريد لأبعاد النقد أن تكون العباءة التي ينضوي تحتها مقولات عالمية في النقد الأدبي
وتعم الفائدة على الجميع ..فلنطلع على كل شيء ونأخذ من هذا وذاك لتتكون لدينا الكاريزما الثقافية المؤهلة لتوجيه أجيال أدبية قادمة على الطريق ..وستسألون ..
- هذا هو النقد الحديث أيتها السيدات والسادة بل إنه بصيص نور من مشكاته المتقدة ..
- أرجو الفائدة لي ولكم ...
- وتقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير ..
سـ/ـماء غازي
06-02-2010, 02:27 PM
سأعود للقراءة على مهل
أشكرك د. باسم دائماً , باركك الله.
قايـد الحربي
06-02-2010, 08:06 PM
د.باسم القاسم
ـــــ
* * *
نُرحبُ بك ،
وَ مَوعودون مَعك بالمبَاهج وَ المنَاهج .
:
أولاً : وَ عن إطرائك القائل :
" - عليكم بقراءات الأستاذ قايد الحربي لبعض النصوص ..فهو بنيوي ليس إلى حد بعيد ولكنه يقتنص
الكثير من الحرفية البنيوية ..ويمزجها بشيء من النقد التحليلي .. "
فهذا تاجٌ تُطرّزه بِكَرمك الآسر إعلاءً لهَامتي - وَ عنْه أقول :
إنْ كُنتُ بالغَاً بِقراءاتي المَكتوبة شيئاً مِن هذه النظريّة فذَاك أقلّ ما يُقدمه طالبٌ دَرَس هذه النظريات
على يَدِ رائدهَا الأوّل - عربياً - : الدكتور [ عبدالله الغذامي ] وَ الذي يعوْد له الفضل في تعْريب وَ تقريب
تلك النظريّات من خلال أعْظم مُؤَلَفٍ نقديّ حديث وَ هو كتَابه [ الخطيْئة وَ التّكفير ] .
وَ ما اعْتماد قراءاتي المَقروْءة وَ المَخبوْءة على تلك النظريّات للشّعر الشعبي - تحْديداً -
إلاّ محاوَلةَ إثبات عظَمة النظرية وَ أنموذجها ، إذْ هيَ على اسْتيفائها لهُ وَ هوَ على قُدْرته بلوْغها ،
فَفتْح أبواب نصٍ مَحكيّ بمفاتيح القوَاميس وَ المعاجم الفصيحة - مثلاً - ، أراهُ نادراً إنْ كانَ غير وَاردٍ أصلاً
في أدبنا الشعبيّ ، وَ قِس عليه ذلك مَالا يُقاس فيه .
:
عائدٌ بالتأكيد .
د.باسم القاسم
06-03-2010, 10:27 AM
حسناً ...
قايد ..كنت أعد للألف قبل أن أناقش أية مادة نقدية في هذا المتصفح ..والآن وبعد أن كشفت لي عن شيء من هويتك النقدية ..
سأعد للمليون ....
معك بانتظار الجميع ..
د.باسم القاسم
07-02-2010, 02:09 AM
- السيدات والسادة .. نصل معاً إلى عتبة شديدة التوتر تحتاج منا جميعاً تأملاً عميقاً وسعة صدر ذاك أن موضوعة موت المؤلف حققت اشتباكاً واسعاً بين جميع سويات القراء ومنتجي الفكر النقدي .. واسمحوا لي بأن أصفها بأنها لحظة الحسم التي كان لابد أن يصل إليها كل متتبع ومتأمل لأي نص منتج عن فكر إنساني ومهما كانت مرجعيته... وإلا لماذا هذا الاهتمام بالنص والمؤلف والقارئ ... ؟
-أقول :
- ليس تبنياً لأية وجهة معرفية نطرح هذه الموضوعة وإنما متتالية بدأناها معاً في رحاب المصطلح أودت بنا إلى الوصول إلى هذه العتبة ولا أقدم هذه المقدمة إلا لمعرفتي الشخصية بأن أي منا يمكن أن يدخل عن طريق الشبكة إلى موضوعة موت المؤلف
- ليجد معارك محتدمة واتهامات غزيرة ومتقنة تقوم بين الأطراف المشتبكة حول هذه الموضوعة مابين مكفر ..ومتهكم ...ومنظر راديكالي ..أو عدمي ممسوس ...
أو لغوي حذر
- إلا أنني أحرص في هذه المساحة الضئيلة من البياض على تجنب تقرير واثبات وجهات نظر معينة وسنكتفي بطرح جوهر الفكرة ووضعها في سياقها المعرفي ...
-تمهيد :
- سنقنن الأبعاد التي تدخلت قضية موت المؤلف في تأثيث فضاءاتها وسنتجه مباشرة إلى البعد الأدبي وربما سنكون أكثر تخصيصاً فنتناول النتاج الشعري ..
- فالمعادلة التي يقرها أرباب الفكر ومتابعيهم واضحة ..معادلة الفاعلية الأدبية والمؤلف من الثالوث الشهير (( المؤلف ..النص ...القارئ ))
- وقد تم تناول القارئ بشكل مكثف من خلال عرضنا لنظرية التلقي ...وكذلك تم تناول النص من وجهة نظر البنيوية وهي أهم اتجاه نقدي عني بالنص تماماً ... وعلى ذلك وضمن هذا السياق سنعتبر أنه يحق لنا القفز فوق السطور المتعلقة بالقارئ والنص وحان الوقت لنقضي ردحاً طويلاً مع المؤلف ..
-
- من / ما ...المؤلف : عندما نستخدم من فنحن نعني اسم العلم/ الذات / الشخصي ...وعندما نستخدم ما فنحن نعني المؤلف هو فضاء ثقافي لغوي ..
- وسنبدأ باستخدام من ..
-((من)) المؤلف :
- أكثر الفترات التي عنيت واعتنت ضمن السياق الزمني للفكر النقدي والإبداعي
- بـ (من )المؤلف هي فترة المد الرومانطيقي الذي أولى المؤلف أهمية عليا نشأ عنها الاهتمام بحياته ومنجزاته حتى أصبحت السيرة الشخصية جزء من العمل ولعل الفترة الذهبية للمؤلف أعطت سمة عامة لتناول النص وهو أن المؤلف هو الذي يمد النص بالقوة انطلاقاً من حيثياته الشخصية وسيرته الذاتية ومنجزاته الاجتماعية وربما لازالت تمر معنا مثل هذه التقييمات في عصرنا الحالي ..
- إلا أنه بدأ انحسار هذه الحالة النقدية بالتدريج وخاصة بعد ظهور طلائع النقد الحديث حتى وصل الأمر إلى استبعاد المؤلف كلياً كجانب شخصي وتعالت الأصوات بأنه هناك سلطة للنص وسلطة للقارئ ولايمكن أن يكون المؤلف بحالته الشخصية وسيرته الذاتية ذلك الدور الأساسي ..وهذا ماترجمه الشاعر الكبير إليوت عندما قال
(( ليس للشاعر شخصية ))
- وأضاف عليها رولان بارت مقولته الشهيرة (( إن اللغة هي التي تتكلم وليس المؤلف ))
- وربما كنت قد تطرقت لهذا الموضوع عندما أطلقت مسمى (( النص البريء)) على ذلك النص الذي تصل فيه شخصا نية المؤلف إلى درجة الصفر لنحصل على موت حتمي للغة المؤلف وتسود لغة اللغة وهو حياد الشاعر الذي دعى إليه (( يونغ ..والشكلانيين )) ويبقى أن نضيف أن هذا الاستبعاد للمؤلف ومن هذا الباب لم يواجه إلا معارضة قليلة وربما اليوم يحصل على درجة شبه الإجماع في تناول النصوص ..بحيث أن المؤلف يستمد قوته من النص وليس العكس ..
-((ما )) المؤلف :
- كان لهذا الاصطلاح شبه تغييب عن الساحة النقدية حتى تعملقت فكرة البنيوية وما بعدها حول اللغة والبنية اللغوية وقد عرضنا فيما سبق لتعريفات اللغة المتعددة
(( بنيوياً )) ..
- وإذ عرفنا المؤلف فقلنا أنه فضاء ثقافي لغوي فإنه في لحظة الكتابة ووفق فكرة التناص
والبنية اللغوية يتحرك هذا المخزون الهائل من الاقتطافات والإشارات التي تنبع من ثقافة المؤلف والموروث الشائع ليتشكل النص من مجموعة من الأصوات المتعددة تتجسد في الكلمات المكونة للنص ولكن ارتصاف هذه الكلمات والعلاقات البنائية فيما بينها لاتتم بإرادة المؤلف وإنما هي محكومة بمؤسسة اللغة التي تفرض أعرافها على المؤلف كونه جزء من مؤسسة اللغة الأدبية ..
- وهنا نقطة الحسم ظهرت بسؤال كبير طرحه نيتشه ومالارميه (( من هو المتكلم )) ..
- ووفق الإجابات عن هذا السؤال انقسمت وجهات النظر بين ثلاثي شهير من فلاسفة النقد المعاصر وسنعرضهم على التتالي ..
-أولاً : موت المؤلف :
- وتم كتابة نعوة المؤلف بقلم رولان بارت منظر المدرسة البنيوية بحيث أنه قال (( أن تكتب هو أن تصل إلى تلك النقطة حيث اللغة هي التي تفعل وتؤدي وليس ضمير الأنا للمتكلم (( المؤلف )) .. وهنا يتحول المؤلف عن بارت إلى مجرد لحظة كتابة أولى وبعدها
- لاسلطة له إلا بمقدار ما يحتويه من مخزون لغوي ..فهنا اللغة هي التي تتكلم ..
- وأضيف ان هذه الفكرة هي المحور الرئيس لموضوعتنا التي نحن بصدد تناولها ....
-ومن أهم ما أقره بارت هو أن الوريث الشرعي للمؤلف هو القارئ ..فبمجرد وصول النص للقارئ سيولد لدينا مؤلف حقيقي فالنص يأخذ الدلالات المتعددة ويتولد أكثر من مرة كلما تعددت القراءات لهذا النص ...وكأن القارئ في كل مرة يؤلف نصاً جديداً ..كل مرة يؤلف نصاً جديداص
- ومن اهم ثانياً :بديل المؤلف :
- ميشل فوكو منظر الأركيولوجيا يقول : لايمكن أن نكتفي بالإعلان فقط عن موت المؤلف
- ونتأمل الفارغ الناتج عن انسحابه .. فنحن قبل ان يولد النص لابد لنا أولاً من مؤلف وعليه لابد من البحث عن بديل..
- لأنه من الموضوعية بأن انسحاب المؤلف سيترك فراغاً لابد أن يملأه مفهوم آخر ...وهذا المفهوم الآخر يراه فوكو بأنه حتماً قائم ولابد من التنقيب عنه ضمن المساحات الثقافية الكبرى ...إن فوكو لايكتفي بموت المؤلف بل هو يؤكد عليه عن طريق وجوب البحث عن بديل لهذا المفهوم .. وهذا المفهوم
- وهذا المفهوم ثالثاً : إهمال المؤلف :
- جاك دريدا مؤسس التفكيكية يقول ((إن المؤلف يكتب بلغة لايستطيع التحكم بها وبنفس الوقت لايمكن أن يتخلص منها..ولكن الأساس هو فعل الكتابة وليس الكاتب والأساس أيضاً هو فعل القراءة وليس القارئ )) وبالتالي ليس للكاتب أهمية أمام أهمية الكتابة وليس للقارئ لأهمية أمام أهمية القراءة ....
-نلاحظ هنا أن المؤلف لايموت عند دريدا ..وإنما هو مهمل بلاأهمية ولا أهمية للبحث عن بديل وهذا شبيه بنهايته ..
-السيدات والسادة ..
- ماتم عرضه بين أيديكم خلاصة مكثفة عن موضوعة موت المؤلف/الاغتيال الرمزي
- وقد تقصدت الابتعاد عن تناحر وجهات النظر لآخرين أو عرض مدرسي لهذه الموضوعة لاعتقادي بأن النقاش حول هذه الأفكار ضمن هذا المتصفح هو ماسيؤدي إلى إعطاء الفكرة حقها واشباعها ..لعلنا معاً سننجو برأسنا من هذه الهاوية النقدية التي لايزال يتدحرج بها البعض وهناك آخرون لايزالون على الحافة ..وآخرون قفزوا فوقها واعتبروها من شطحات الفكر النقدي ..
-وتقبلوا فائق احترامي وتقديري ..
إبراهيم الشتوي
07-02-2010, 03:39 PM
الودق صاحب الفكر المتقد ... د . باسم القاسم
مصطلح في غاية الأهمية والفائدة ..
استطعت أن تنقلنا برؤيتك المكتنزة بالوعي والإبداع إلى مهيته ، بأسلوبك المعروف بتوصيل المعنى بكل دقة وسلاسة ..
شكراً لك أيها الودق ..
تقديري .
سـ/ـماء غازي
07-03-2010, 12:59 AM
من التمهيد فقط أستطيع أن أمتلئ بالفهم
نحن هنا مابين (ماقبل البنيوية) و (البنيوية) و (التفكيكية) في تناول (المؤلف , النص , القارئ)
و موقف كل واحد من هذا الثالوث في بناء الدلالة للنص
فالأولى تعطي الهيمنة للمؤلف , و الثانية للقارئ , و الثالثة للنصّ , حسب فهمي , - وإن لم نكن قد تناولنا بعد "مصطلح التفكيكة" -
حسناً , هذه النظرية تميت المؤلف , لتحيي القارئ لكنها من جانب آخر تجعلنا في مواجهة إشكالية حول بعض النصوص , و في انتظار ما سيرد من توسع عنها
توقفت عند (هاوية النقد) , لماذا ؟
بثينة محمد
07-03-2010, 02:09 AM
مرحبا..
كنت أتابعكم في بادئ الأمر لكني لم أكن مستعدة بعد للنقاش :)
أفهم من نظرية موت المؤلف أن نقد النص لا يُعْنَى في تحليله بأي تفصيل من تفاصيل حياة المؤلف أو ما يخصه لاستخدامه كقرينة في التحليل. لكن ما لمْ أفهمه هو لمَ تسمى بهاوية النقد ؟!!
أعني، أنا أعلم أن هذه النظرية ستترك الكثير من النصوص غامضة، لكن من ناحية أخرى ستوسع المجال لنصوص أخرى ليتعدد فيها التأويل مما يعطيها جمالا و قوة أكبر.
عفوا للمداخلة :)
د.باسم القاسم
07-04-2010, 02:40 PM
من التمهيد فقط أستطيع أن أمتلئ بالفهم
نحن هنا مابين (ماقبل البنيوية) و (البنيوية) و (التفكيكية) في تناول (المؤلف , النص , القارئ)
و موقف كل واحد من هذا الثالوث في بناء الدلالة للنص
فالأولى تعطي الهيمنة للمؤلف , و الثانية للقارئ , و الثالثة للنصّ , حسب فهمي , - وإن لم نكن قد تناولنا بعد "مصطلح التفكيكة" -
حسناً , هذه النظرية تميت المؤلف , لتحيي القارئ لكنها من جانب آخر تجعلنا في مواجهة إشكالية حول بعض النصوص , و في انتظار ما سيرد من توسع عنها
توقفت عند (هاوية النقد) , لماذا ؟
مرحباً سماء ...
مداخلتي هنا ستكون لتصويب بعض مافهم من قبلكم حول الموضوعة المطروحة فأقول :
عن الثالوث الذي افترضناه (( المؤلف /النص/القارئ)) فإن مرحلة المد الرومنطيقي وسنقبل بأنها ماقبل البنيوية ..نعم وكما تفضلت ..كان المؤلف هو سيد الموقف ذو الامتيازات المتسلطة على النص والقارئ ..
أما مرحلة البنيوية فإن البطولة وكل البطولة للغة النص ...وأماالمرحلة التفكيكية تعطي الأهمية القصوى لفعل الكتابة/النص وليس المؤلف وفعل القراءة وليس القارئ لتجعل من الثالوث مجرد مفاهيم مرتحلة دائماًليست ذات سمة قارة ..وهذا يحتاج إلى تفنيد وتفصيل ربما سنتناوله لاحقاً ..
أما عن لماذا ((هاوية النقد )) ..
فسأقدمه إن شاء الله بإجابة شاملة ..
مودتي لك سماء ..
د.باسم القاسم
07-04-2010, 02:56 PM
مرحبا..
كنت أتابعكم في بادئ الأمر لكني لم أكن مستعدة بعد للنقاش :)
أفهم من نظرية موت المؤلف أن نقد النص لا يُعْنَى في تحليله بأي تفصيل من تفاصيل حياة المؤلف أو ما يخصه لاستخدامه كقرينة في التحليل. لكن ما لمْ أفهمه هو لمَ تسمى بهاوية النقد ؟!!
أعني، أنا أعلم أن هذه النظرية ستترك الكثير من النصوص غامضة، لكن من ناحية أخرى ستوسع المجال لنصوص أخرى ليتعدد فيها التأويل مما يعطيها جمالا و قوة أكبر.
عفوا للمداخلة :)
حسناً ..
على الرحب والسعة أنت ياسيدتي ..
((أفهم من نظرية موت المؤلف أن نقد النص لا يُعْنَى في تحليله بأي تفصيل من تفاصيل حياة المؤلف أو ما يخصه لاستخدامه كقرينة في التحليل..))
أستاذة بثينة ..
اسمحي لي بتصويب استقراءك هذا حول موضوعة موت المؤلف فأقول :
إن تفاصيل حياة المؤلف أو مايخصه ذاتياً كنت قد أشرت إليه عندما عرضت فكرة ((من )) المؤلف ..وكما بينت بأن هذا الأمر أصبح شبه مجمع عليه في تناول النصوص .
أما الموضوعة المتعلقة بموت المؤلف فهي تقصي المؤلف كمفهوم فالمؤلف وفق هذا الطرح هو علامة ورقية وحسب فاللغة هي التي تنطق وهي التي تبني النص كونها مؤسسة مهيمنة ..فالمؤلف لايملك السيطرة على لغة كتابته ولا على معجم النص ولايستطيع أيضاً أن يتحدث إلا من خلال موورثات ومقتطفات ثقافية أدبية اقتنصها المؤلف من فضاءات اللغة ..فالنص لغوياً هو مجموعة هائلة من الأصوات المتعددة والأفكار المشتبكة والتي هي بمجموعها جزء من مؤسسة اللغة الأدبية ..وبالتالي لايبقى هنا دور للمؤلف سوى أنه يمتلك لحظة الكتابة ..وقد لايمتلكها أحياناً
سيدتي ماسبق يحتاج إلى مضامير أخرى للنقاش ..وسنكون جميعاً بالقرب منها ..
أما عن لماذا ((هاوية النقد )) فسأجيب في مداخلة قادمة وشاملة ..
شكراً ياأستاذة بثينة ..وبانتظار المزيد منك دون طلب العفو ..فالمن والفضل لتفاعلكم أولاً ..
بثينة محمد
07-04-2010, 08:17 PM
حسناً ..
على الرحب والسعة أنت ياسيدتي ..
((أفهم من نظرية موت المؤلف أن نقد النص لا يُعْنَى في تحليله بأي تفصيل من تفاصيل حياة المؤلف أو ما يخصه لاستخدامه كقرينة في التحليل..))
أستاذة بثينة ..
اسمحي لي بتصويب استقراءك هذا حول موضوعة موت المؤلف فأقول :
إن تفاصيل حياة المؤلف أو مايخصه ذاتياً كنت قد أشرت إليه عندما عرضت فكرة ((من )) المؤلف ..وكما بينت بأن هذا الأمر أصبح شبه مجمع عليه في تناول النصوص .
أما الموضوعة المتعلقة بموت المؤلف فهي تقصي المؤلف كمفهوم فالمؤلف وفق هذا الطرح هو علامة ورقية وحسب فاللغة هي التي تنطق وهي التي تبني النص كونها مؤسسة مهيمنة ..فالمؤلف لايملك السيطرة على لغة كتابته ولا على معجم النص ولايستطيع أيضاً أن يتحدث إلا من خلال موورثات ومقتطفات ثقافية أدبية اقتنصها المؤلف من فضاءات اللغة ..فالنص لغوياً هو مجموعة هائلة من الأصوات المتعددة والأفكار المشتبكة والتي هي بمجموعها جزء من مؤسسة اللغة الأدبية ..وبالتالي لايبقى هنا دور للمؤلف سوى أنه يمتلك لحظة الكتابة ..وقد لايمتلكها أحياناً
سيدتي ماسبق يحتاج إلى مضامير أخرى للنقاش ..وسنكون جميعاً بالقرب منها ..
أما عن لماذا ((هاوية النقد )) فسأجيب في مداخلة قادمة وشاملة ..
شكراً ياأستاذة بثينة ..وبانتظار المزيد منك دون طلب العفو ..فالمن والفضل لتفاعلكم أولاً ..
فإذًا، بانتظار مداخلتك :)
و شكرا.
سـ/ـماء غازي
07-05-2010, 07:45 PM
مرحباً سماء ...
مداخلتي هنا ستكون لتصويب بعض مافهم من قبلكم حول الموضوعة المطروحة فأقول :
عن الثالوث الذي افترضناه (( المؤلف /النص/القارئ)) فإن مرحلة المد الرومنطيقي وسنقبل بأنها ماقبل البنيوية ..نعم وكما تفضلت ..كان المؤلف هو سيد الموقف ذو الامتيازات المتسلطة على النص والقارئ ..
أما مرحلة البنيوية فإن البطولة وكل البطولة للغة النص ...وأماالمرحلة التفكيكية تعطي الأهمية القصوى لفعل الكتابة/النص وليس المؤلف وفعل القراءة وليس القارئ لتجعل من الثالوث مجرد مفاهيم مرتحلة دائماًليست ذات سمة قارة ..وهذا يحتاج إلى تفنيد وتفصيل ربما سنتناوله لاحقاً ..
أما عن لماذا ((هاوية النقد )) ..
فسأقدمه إن شاء الله بإجابة شاملة ..
مودتي لك سماء ..
جميل , ترتيبٌ لازم
بالقُرب لما سيأتي د. باسم
امتناني .
د.باسم القاسم
07-09-2010, 12:04 AM
في متابعة لما بدأته في المداخلة السابقة أقول ..
- كان لابد من توضيح هذه الإضافة على موضوعة موت المؤلف وأعني بالإضافة عبارة ((هاوية النقد ))
- وتقبلوا دعوتي المتواضعة لنتأمل جميعاً ..
- في دراستنا السابقة حول موضوعة اللغة كبنية وبالتحديد كبنية أدبية..من حيث أنها مجمع الإشارات اللانهائية ..وهي سر كبير من أسرار اللغة الذي لابد أن نتساءل حوله ونقول هذه اللانهائية
- مستمدة من أين ؟
- لا أجد جواباً عندي سوى أن أقول إنها من المؤلف وهذا ما أقرته البنيوية كمايلي :
- البنيةاللغوية ليست وجوداً قاراً مستقراً وإنما هي متحركة وغير مستقرة دائماً ..
صحيح أن اللغة النظام تتسم بمحدودية قارة (( قوانين وأعراف وقواعد )) إلاأن الفعل الحقيقي
الذي يقوم به متكلم اللغة (( الحدث اللغوي الفردي )) لاتحده حدود ..وكلمازاد الأداء الفردي لمتكلم اللغة ..أثبتت اللغة كنظام قدرتها على تبيئة كل جديد واستيعاب..
- وكأن هذه البنية الأدبية جنين وحبله السري المؤلف فكيف لي أن أقطع هذا الحبل ولا أعتبر نفسي بأنني
- وأدفع بالبنية اللغوية الأدبية إلى الهاوية ..
- ولكن من جانب آخر ..أقول نحن نقر بالتناص ..أو التلاص ..أو أي مفهوم يعبر عن كون النص الأدبي ذو صفة تجميعية تراكمية تتجسد في مجموعة متعددة من الأصوات والإشارات والاقتناصات التي يزج بها المؤلف في النص وتقوم مؤسسة اللغة المهيمنة بفرض العلاقات والأعراف اللغوية التي تنسق سياق النص
- وليس ذلك فقط ..بل القارئ المفترض من قبل المؤلف والمقصود أثناء أداء فعل الكتابة هذا القارئ أيضاً يشارك في كتابة النص بطريقة ما ..أين نحن إذا من المؤلف ..؟ هل سنكتفي بإعلان موته أو استقالته القسرية ..ونقول بأن اللغة هي التي تتكلم ..
- أعتقد بين هاتين الرايتين سنسير بموكب النقد الأدبي إلى الهاوية ..
- والسؤال الكبير ..
- أين سنتجه إذاً ..
- أعتقد أن الجواب قد يقنعنا أكثر عند جاك دريدا منظر المذهب ألتفكيكي ..وسنتابعه لاحقاً
-هامش:
- أحب أن أوضح أن تأويل النص وانفتاحه على آفاق القراءات المتعددة لاينتظر منا أن نقول بموت المؤلف ...
- لأن هذا الأمر يتعلق باللغة الأدبية والشعرية خصوصاً من حيث أنها معتمدة على الاستعارة والمجاز والكنايات بأنواعها المتعددة ..وبالتالي ليس القول بموت المؤلف جاء من هذا الباب ...وإنما من باب آخر ...
- فالسؤال كان واضحاً ...من المتكلم في النص ... أعتقد أنها ليست أنا المؤلف
وبنفس الوقت أعتقد أن المؤلف ليس غائباً تمامأ
- فالنص المبدع هو نص فضولي متداخل مع عوالم الممكنات ..يستجوب الوجود ..ويستنطق الآخر
- معتمداً على حيثيات الوجود ويكون في محاولة لإعادة تأثيث الوجود بمعطيات خارجة عن أنا المؤلف ومتعلقة بالمتلقي المنفعل مع محيطه ..وكلما كان المؤلف بعيداً عن أناه ازداد قرباً من تحقيق كتابة أدبية
- ذات دلالات قصوى تكسب النص شفافية توشك أن تتجلى علينا كقراء بعجائبية أقرب ماتكون إلى السحر
- واسمحوا لي أن استشهد بمقولة النفري المهمة عندما قال (( وارني عن اسمي وإلا رأيته ولم ترني))
أستاذة سماء ... الأستاذة بثينة
- السيدات والسادة ..
- أعتقد أن الإجابة عن من المتكلم في النص؟ تحتاج إلى أكثر مما توصل إليه رولان بارت أو فوكو
- وأعتقد بوجوب تجاوز هؤلاء لنبحث عن إجابة تخصنا ..أو تخص كل منا على حدة ..
دمتم بخير ..
بثينة محمد
07-23-2010, 05:05 PM
قرأت إضافتك أكثر من مرة. و لم أفكر إلا بإجابة تخصني كما قلتَ. لا أعتقد بأن من العدل دراسة نص تبعا لدراسة مؤلفه. لكنك حين تقول: " من المتكلم في النص؟ " ؛ قد أظن أن المتكلم ربما لا يكون الكاتب ولا المؤلف ولكن محور النص نفسه هو المتكلم. من ناحية أخرى فبعض الومضات لا تُكَشَف إلا بمؤلفيها.. لذا أعتقد أن كل نص هو حالة خاصة و من الصعب و من القسوة في نظري وضع قاعدة تحتوي كل النصوص.. لأن هذا سيضع قاعدة تحتوي كل العقول.
و لكل قاعدة شواذ :)
أنَرْت يا د. باسم.
د.باسم القاسم
07-31-2010, 10:05 PM
التأويل ...
يا لها من مفردة ربما قامت على أركانها دول من الفكر والعلم والمذاهب والطوائف وبنفس الوقت وعبر هذه المفردة تحولت جميعها إلى أنقاض ... إنها المفردة الأكثر حضوراً في حياتنا اليومية منذ كلمة صباح الخير .. ولربما لن نبالغ لو اعتبرناها البذرة الأسطورية التي ملأت من مكتنزاتها تربة الفكر الإنساني فراديس معرفة و جهنمات ضلال ..
من أين نبدأ ؟
معنى التأويل :
في أدق معانيه وببساطة اللفظ ...التأويل هو تحديد المعاني اللغوية في العمل الأدبي من خلال تحليل وإعادة صياغة المفردات والتراكيب ومن خلال التركيز على مقطوعات غامضة أو مجازية يتعذر تثبيت معناها ..هذا بخصوص العمل الأدبي ..
وأما على العموم فهو توضيح مرامي وأهداف أي تركيبة لغوية (( علامات /إيماءات / إشارات /..))
الهرمنيو طقيا :
مصطلح يشير إلى ماعرف بنظرية التأويل ..وأفضل علي كلمة نظرية كلمة فن ..
والغاية من ممارسة هذا الفن هو تفسير وشرح النتاجات النصوصية وتحقيق التواصل مع اللآخر
مرسلاً كان أم متلقياً ..
مصدر الكلمة :
أعتقد أنه من أجمل جذور هذه الكلمة لسانياً هو مامرني صدفةً وأنا اقرأ منذ زمن دراسة عن هذا المصطلح حين نسب الكاتب اشتقاق هذا المصطلح إلى لفظة هيرمس
هيرمس هذا كان يعرف عند الإغريق بأنه إله رسول بين لآلهة الأوليمب ..أو بينها وين البشر ..وهنا نجد معنى أنه كان مسؤول عن التفسير والتوضيح والتوصيل .. وهو يخدم ما قصدناه بكلمة تأويل ..
غاية الهرمنيو طقيا :
الهرمنيو طقيا ليست منهجية لها قواعد وشروط وممارسات منظمة ....وكذلك لاتقتصر فقط على المجال الأدبي ..
ولا حدود تؤطر هذا المصطلح ... إن الهدف والغاية باختصار ووضوح هو البحث عن المعنى والحاجة إلى توضيحه وتفسيره لتحقيق التواصل ..والاتصال بين أطراف الخطاب ..
البدايات :
من أهم الدوافع لاستخدام فن التأويل مع النصوص كان هو تكوين القواعد التي تحكم التعامل والقراءة للكتب المقدسة وكذلك الحواشي وتفسير المعاني ..لامكانية تطبيقها عملياً على الواقع ..
وهي الولادة الأولى للهرمنيوطقيا ومن ثم بدأت تتصاعد الحاجة والرغبة إلى تكوين الإجراءات
والمبادئ المستخدمة في الوصول إلى معاني النصوص المكتوبة بما في ذلك النصوص الأدبية والقانونية والتعبيرية إلى أن وصلنا إلى عام 1819 عندما قدم الفيلسوف الألماني ((شلاير ماخر))
فكرة تأسيس نظرية سماها (( صنعة إدراك النصوص)) ولكن من تبنى هذه الفكرة وأعطاها سمة النظرية وأكمل ملامح بحثها هو الفيلسوف (( فيلهيلم ديلثاي )) فعرف الهرمنيوطقيا بأنها
نظرية التأويل التي تعنى بتحليل وتفسير وفهم أشكال الكتابة في العلوم الإنسانية ...
أساس التأويل :
إن الخلاصة التي توصل إليها ديلثاي تقول بأن (( كي نفهم أجزاء أي وحدة لغوية علينا أن نفهم هذه الأجزاء المكونة وعندنا حس مسبق بالمعنى الكلي ...لكننا لانستطيع أن نعرف المعنى الكلي إلا من خلال معرفة معاني مكونات الأجزاء )) هذا الكلام أدبياً ينطبق على العلاقات بين معاني الكلمات ضمن الجملة ومعنى الجملة الكلي من جهة وعلى العلاقات بين معاني الجمل المفردة ((الأنساق )) في العمل الأدبي مع المعنى الكلي للعمل الأدبي (( السياق العام ))
مثال :
يقول محمود درويش في قصيدة (( حصار بيروت ))
(( سقطت ذراعك فالتقطها
واضرب عدوك
وسقطت قربك فالتقطني (1)
واضرب عدوك بي ..
قتلاك فيك ذخيرة
فاضرب فأنت الآن (2)
حرٌّ ..))
هذان النسقان الأول مؤلف من مفردات لها معاني وانزياحات للمعاني وتوظيفات.. بين هذه المعاني علاقة وهي بنفس الوقت لها علاقة وصلة بمعنى النسق ,,,
وكذلك الأمر مع النسق الثاني ..
ولكن باعتبار أنهما في نص واحد فإن بين معنى النسق الأول والثاني ترابط له معنى هذا المعنى مرتبط بالمعنى الكلي للنص ..
طبعاً ماسبق من كلام ليس توجيهاً لنعرف كيف نفسر النص ولكنه شرح لما يحدث عند المتلقي
بطريقة لا إرادية وخفية ..
طبعاً هذه الدائرية أو الحلقية ربما قد نفهم منها بأنها عدمية أو خبيثة ..ولكن في الواقع أجاب ديلثاي
عن ذلك بأن قال بأننا نستطيع التوصل إلى تأويل مشروع من خلال التبادل المستمر بين إحساسنا المتنامي بالمعنى الكلي للنص وفهمنا الاسترجاعي لمكوناته الجزئية .. فنحن عندما نقرأ لأكثر من مرة نفس النص تبدأ الفكرة العامة للنص بالتشكل لدينا مما يسنح لنا بإيجاد ترابط بينها وبين معاني أجزاء النص ..
مفترق طرق ... :
وقفت نظرية التأويل على مفترق طرق وخاصة بعد أن أصبح مفهوم العمل الأدبي يدرس على انه مادة لغوية ..تابعة للغة النظام .. وأن النص محكوم بقواعدية لغوية ومجموعة من الأعراف والتقاليد الكتابية والنحوية ..فكان أن انقسم أصحاب نظرية التأويل إلى خطين :
الخط الأول (( ايميليو بيتي / هيرش )) ومن تبعهما والخط الثاني (( هانس جورج غادامير )) ومن بعده ,,
((يتبع ))
د.باسم القاسم
07-31-2010, 10:17 PM
الخط الأول :
تبنى الخط الأول مجموعة من الأفكار التي ربما ستلاقي استحساناً عند الكثير منا
قالوا (( إن المادة التي يمارس عليها التأويل هي ناتجة عن عقل الآخر(( المؤلف )) وآليات تفكيره
وكيفية فهمه للأشياء ومعانيها )) ولذلك يحاول التأويل أن يدرك مافعله هذا الآخر أو فكر فيه أو كتبه ... (( فالنص يعني ماعناه المؤلف )) وهذا المعنى الذي قصد إليه المؤلف هو ما نطلق عليه (( المعنى اللفظي )) فالقارئ يستطيع ان يصل إلى تأويل مشروع إذا استخدم المنطق الذي تبناه المؤلف لتحديد معنى نصه ولكن لن نكتفي بذلك ..فالمؤلف متأثر ببيئة ثقافية سائدة تتبع لفترة كتابة النص الزمنية وكذلك الأعراف والتقاليد الأدبية التي كانت في متناول يديه اثناء الكتابة أيضاً علينا أن نأخذها بعين الاعتبار ..لنصل إلى تأويل مشروع للنص ..
وهذا (( المعنى اللفظي )) كما سماه الخط الأول هو قابل للتحديد ويبقى ثابتاً عبر الزمان إذا استطاع القارئ الكفء أن يسترجع حيثيات كل ماسبق وتحدثنا عنه ..
إذاً أين المتحول ؟
هنا يقول الخط الأول بمفهوم (( الأهمية )) وهي ان حياة النص وتغير تأويلاته تتبع للقارئ
من حيث بيئة القارئ الثقافية أعراف الحقبة الزمنية السائدة في زمن القراءة شخصيته وأفق تأثره
والموقف الشخصي ...وإلخ ...كل هذه الأمور هي التي تعطي الأهمية للنص ...وتمنحه تأويلات متجددة ..
إذاً أهم ماصدر عن هذا الاتجاه هو تثبيت (( المعنى اللفظي )) وربط التأويل المشروع له بقصد الكاتب .. والأمر الآخر هو مفهوم (( الأهمية )) وهي مهمة موكلة إلى القارئ ولكن دائماً يجب عليه العودة والاتكاء على قصدية المؤلف .. للحصول على معنى مشترك ..
الخط الثاني :
أطلق هانس غادامير مجموعة من المقولات المهمة جداً كما أعتقد فقال رداً على الخط الأول
(( ما أهمية فهمنا لعقل الآخر إذا كان عقلنا الذاتي الخاص شرطاً كافياً ومكتفياً بذاته لإدراك الحقيقة )))
فالقارئ يحضر إلى النص ولديه فهم مسبق تشكل وتكون نتيجة آفاقه الشخصية والزمانية الخاصة
وبالتالي عليه ان يفتح حوار بينه وبين النص .. ولا يتعامل مع النص كمادة معزولة بذاتها ومستقلة
إنه سيستجوب النص ..وبنفس الوقت يجيب عن أسئلة النص فالكاتب والقارئ لديهما تداخل بالموروث المشترك ..
ولكل منهما موقف منه .. إن القارئ هنا يمثل جزء من مؤسسة اللغة والتي هي نفسها من صدر عنها النص ..
فكل كاتب في لحظة الكتابة أعطى قصداً ما لأنه لايتحكم بلغة كتابته وقواعدها وموروثاتها بل هي التي تتحكم به إذاً أين هي المعاني الآخرى ؟
وهذا ما دفع غادامير للقول (( نصف الكلام للمتكلم والنصف الآخر للمستمع إليه ))
أما عن تثبيت المعنى اللفظي ..فهو مرفوض عند غادامير ..لأنه يعتبر أن العملية برمتها نسبية
وليس من الموضوعية أن نجعل النص الأدبي له معنى قار فقط لأنه يتبع لزما نية التأليف فمعنى النص إنما هو (( حدث )) ناتج عن تداخل الآفاق التي يجلبها القارئ معه إلى النص مع آفاق النص
لأنه مهما يكن لابد أن التأويل هو تابع بالضرورة لخصوصية القارئ وزمانيته وآفاقه وهذا غير ثابت ونسبي من قارئ إلى آخر .. إذاً هناك زمانية القراءة وبالتالي لايوجد تثبيت للمعنى على الإطلاق .. مادام أن القارئ متبدل ..بالرغم من ثبات الطرف الآخر في معادلة الفاعلية الأدبية وهو المؤلف ..
لابد أن نشير أن هانس غادامير بهرمينوطقيته لا يسعى إلى وضع أسس للتأويل إنه في الواقع
يحاول وصف الكيفية التي يتم فيها فهم النصوص ..
اللمسة الأخيرة :
هناك حقاً دائماً من يحضر ليتابع البحث ..إنه (( هابرماس )) وهو الذي طرحاً أمراً مهماً عندما قال (( صحيح أن الحوار القائم بين القارئ والنص هو الذي يفضي إلى التأويل ولكنه ليس ذلك التأويل الذي نستطيع أن نصفه بالموضوعية ..إنه مجرد وهم قائم بين القارئ والنص ... فالحوار القائم بينهما للوصول إلى خلاصة تأويلية قد يخرجهما عن الكلام الذي يعنيه النص دون أن يشعرا))
وذلك لأنه هناك قسرية تفرضها قواعد اللغة وأعرافها وتقاليدها وخاصة إذا كان الطرفين من نفس اللغة مما يلزم الحوار بالدخول في مضمار الإتفاق الوهمي خاصة أن التأويل هو محاولة لتثبيت ماهو مجازي وبالتالي يتدخل منطق اللغة وهنا تبدأ عملية العقلنة ..والنص الأدبي أو الشعري يتجمد وينتهي بمجرد محاولة عقلنته فيسقط الكثير من الأبعاد التأولية للنص ..
أين الحل إذاً عند هابرماس ؟
إنه يطالب بمراقب خارجي غير مشارك في الحوار بين النص والقارئ .. وهو من نسميه
الناقد الأيديولوجي .. والذي يراقب التغيرات التي تطرأ على طرفي الحوار والشذوذات التي قد تودي بهما إلى وهم الوصول إلى معنى النص ..
فسبحان الله ما أعظم هذه اللغة
وفي نهاية المطاف لابد من الإشارة إلى أن جماعة التأويل فرق بينهما محور أساسي ..وهو المؤلف
فمنهم من أكد على أهمية قصد المؤلف ..وهم جماعة التأويل الكلاسيكي ...
ومنهم من لم يعترف بهذه القصدية كما رأينا في نظرية التلقي ..ومابعدالبنيوية ..والتفكيكيين وموت المؤلف
وقالوا بأن اللغة أعظم وأكبر من قصد المؤلف وإنما المؤلف ليس أكثر من لحظة كتابة
ولغة النص وأفق القارئ هي الرحم لولادة أية رؤيا تأويلية
السيدات والسادة ..
الحديث شيق عن فن التأويل ..ويحتاج على مساحات أوسع ..
ولكن كعادتنا في عرض هذا المتصفح أحببنا أن نطل من نافذة الفكر إلى رحاب فن التأويل ..
كما تنظر إليه أعين الفكر المعاصر ...
وتفضلوا بقبول فائق احترامي وتقديري ..
إبراهيم الشتوي
08-16-2010, 02:04 AM
في كل حضور لك تفتح لنا نوافذ جديدة على بحر فكرك الرحب ..
فننهل من كل ما هو فريد وزاخر ..
فشكراً لك د. باسم وشكراً للعطاء الذي يسكنك..
تقديري أيها الباسق الوارف .
أحمد الحربي
08-22-2010, 01:06 AM
هَذا المُتصفّح
مِنْ أجْمَل وَ أهمّ
الْمُتصفَّحَاتِ النقديّةِ فِي النت .
شُكْرًا
د. بَاسم لِهذَا الْحَرث ,
وَ شُكْرًا لِلزُملاء هذا الْبذار .
وَ
كُلُّ الشُكْرِ لِـ أبْعَادِنَا هذا التميّز
وكُلُّ الأُمنياتِ بِاستمرارِه .
http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif
د.باسم القاسم
09-02-2010, 04:36 PM
هَذا المُتصفّح
مِنْ أجْمَل وَ أهمّ
الْمُتصفَّحَاتِ النقديّةِ فِي النت .
شُكْرًا
د. بَاسم لِهذَا الْحَرث ,
وَ شُكْرًا لِلزُملاء هذا الْبذار .
وَ
كُلُّ الشُكْرِ لِـ أبْعَادِنَا هذا التميّز
وكُلُّ الأُمنياتِ بِاستمرارِه .
http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif
أستاذ أحمد الحربي ..
ممتن لك على هذا العبور ..
ومعك سنواصل المسيرة ..
د.باسم القاسم
09-02-2010, 04:48 PM
النص /الكتابة ..... التطبيع على دروب التأويل :
أعتقد أن علاقتنا مع أي إنتاج أدبي فهماً أو تفسيراً أو تأويلاً تستوجب معرفتنا للمعمل أو المختبر الذي تم إنجاز النص فيه ..أو نقول أننا يجب أن نكون معنيين باللحظة التي قرر بها المؤلف إصدار النص ومن ثم فقد السيطرة عليه ..
إذاً هي حكاية شيقة من رواية التأويل التي لم تنتهي فصولها بعد ..
ولنبدأ مع النص منذ نعومة أظفاره فنقول :
لانتوقع أن ترد في عالم النقد لفظة ذات تداولية كبيرة إلا وقد تم توضيحها وتصنيفها ومحاوله جعلها مفهوماً قاراً يمكن الاستناد عليه أثناء محاولتنا للوصول لخلاصات نقدية ..
ومن هذه المفردات (( النص )) أو (( الكتابة )) وهما لفظتان ممكن أن يتناولها الخاصة والعامة في وصف نتاج أدبي ..
هكذا يريد البنيويون ...
من أوثق التعريفات تم طرح الكتابة من قبل المدرسة البنيوية على أنها مؤسسة اجتماعية زاخرة بالقوانين والأعراف التي تحكمها ولها سمات عامة تهيمن على ممارسيها من حيث أنها تبقى المرجع الفني الذي يعتمد في أي تواصل قائم بين الكاتب والقارئ ..
وتنضوي تحت مظلة هذه المؤسسة مختلف أنواع الكتابة بحيث أن كل نوع يحمل السمات العامة لهذه المؤسسة ولكنه وبنفس الوقت يتميز عنها بأعراف وشفرات وخصائص مقننة ...ونسمية هنا جنساً كتابياً أو نصاً كتابياً
فتصبح لدينا هذه الأنواع فروعاً ناتجة عن الأصل وهي الكتابة كمؤسسة ..
فالنص السياسي هو كتابة قبل كل شيء إلا أنه تميز بخصوصية ما صنفته على أنه سياسي وهكذا الأدب والاقتصاد ...إلخ
ما المهم من هذا الطرح إذاً ؟
يقتضي مفهوم الكتابة هذا معالجة عدة أمور وأعتقد أن من أهم المفرزات الناتجة عن تطبيق مفهوم الكتابة والنص على معادلة الفاعلية الأدبية (( نص /قارئ /مؤلف ))
هي علاقة المؤلف مع مؤسسة الكتابة فنقول
لكل مؤلف لغته وأسلوبه وخصوصيته في الطرح الذاتي ..ولكن عندما يختار المؤلف الدخول في الكتابة فهو يحولها إلى وظيفة يمنحها للغته ونصه ..إذاً هو يخضع خصوصيته اللغوية والأسلوبية لمؤسسة الكتابة التي كما أسلفنا تتألف من أعراف وقوانين محددة وبالتالي سيخضع النص وينتمي لهذه المؤسسة التي ستؤطره وتقدمه وتعطيه سمته الأدبية بقدر مايكون ملتزماً بأعرافها وتقاليدها ..
وبالتالي استقبال النص الأدبي من قبل القارئ هو حتماً متأثر بهذا الانتماء
مثلاً :
الفنان التشكيلي مؤلف له أسلوبيته وذاتيته وخصوصيته ولكنه اختار الرسم كمؤسسة تتبنى
هذه الأسلوبية والخصوصية فخضع بذلك لأعراف وتقاليد وخصائص مؤسسة الفن التشكيلي
هذه المؤسسة التي ستؤطر الإنتاج وتقدمه للجمهور ..وهكذا هو حال الشاعر أو الروائي أو القاص مع مؤسسة الكتابة الأدبية ..
وبقدر فهم المتلقي لمؤسسة الكتابة وإدراكه للحراك والآليات المحددة لها يستطيع أن يتعامل مع النص ويحدد طرق تأويله بعد أن اعتبرنا النص نتاج عن مؤسسة الكتابة قبل أن نضع أي اعتبار للمؤلف ..
ولكن أين ذهب دور المؤلف ؟
بدقة عالية وكأننا نمشي على صراط سنصل معاً إلى فكرة جميلة ودقيقة وهي فكرة التطبيع
نقول :
في فن التأويل يعتمد القارئ ويبحث دائماً عن سبل إدراك العالم الذي يحيل إليه النص ..
أو فلنقل إن القارئ لابد أن يبحث عن مرجعية ثقافية تعتبر مسلمة طبيعية أحاله النص إليها
فما تأويل الشيء إلا عملية إخضاعه وتبيئته ضمن صيغ ونظام ما هيأته الثقافة مسبقاً ..
ولكن من الذي سيسمح بـتأمين هذه العلاقة بين النص والقارئ .. إنه المؤلف
المؤلف هنا يقوم بمجموعة من إجراءات وقد تم طرح هذه الإجراءات من قبل البنيويون والشكلانيون الروس وأخذت عدة مسميات
ومنها :
الإنعاش :
هي محاولة تطهير النص من الشوائب والبقايا وإدخال جميع عناصر النص في صيرورة الامتصاص والإشباع الكلي بحيث تتفاعل جميع أجزاء النص لتشكل وحدة عضوية متكاملة ..
التطبيع :
وهي محاولة تطويع الغريب والشاذ وإخضاعهما للنظام الخطابي وأعرافه ممايضفي صبغة الطبيعية والواقعية عليه..
التحفيز :
وهي عملية التعليل والتبرير لأجزاء وعناصر بحيث أنها لاتبدو في العمل متسمة بالعشوائية
والتناقض وعدم الإتساق ..
قابلية الموثوقية والمصداقية :
وهي من أهم الطروحات والقضايا التي يشتغل عليها المؤلف ..وهي تحقيق ارتباط النص للأنموذج الثقافي لما هو حقيقي أو واقعي والذي سنعتبره مصدراً للمعنى أو الانسجام والتوافق ..
ومن أجمل تعريفات هذا المصطلح ((قابلية الموثوقية والمصداقية )) : هي العلاقة التي تقوم بين النص وبين أي نص آخر عام ومتشعب قد نسميه (( الرأي العام )) أو أي شيء صيره العرف
السائد (( التراث )) مناسباً ومتوقعاً للطرح الأدبي ..
ملاحظة : قد يقوم الناقد (( القارئ المثالي )) وليس بكل الإجراءات السابقة في سبيل تأويل النص فالمفترض في كل نص اعتماد هكذا أساليب والناقد هو من سيبحث عنها
مثلاً ( لاتخلو كتابة شعرية مما سبق وخصوصاً إذا كنا امام شاعرمحترف )
إذاً أيتها السيدات والسادة :
مجموع الإجراءات السابقة هي التي نطلق عليها وبكل بساطة عملية تنقيح النص ..
نعم ..
قد يخرج الشعر دفقه واحدة أو متكررة ..وكما أسميها شخصياً بلحظة الانخطاف
ولكن في النهاية يستيقظ الشاعر ليحاول أن يؤمن سبل التطبيع بين القارئ والنص ليعطي الشرارة الأولى لعملية التأويل ..
هذا مايفعله الشاعر تماماً لينجو برأس نصه الشعري من مقصلة الهذيان والهرطقة والجزاف . .
واسمحوا لي بالعودة إلى مصطلح ((قابلية الموثوقية والمصداقية )) لما له من أهمية كبيرة خصوصاً أن النصوص المعاصرة توشك أن لاتخلو من استخدام هذا الإجراء فنقول :
حدد جوناثان كولر خمسة طرق لتحقيق قابلية الموثوقية والمصداقية ويكون النص قابلاً للإدراك
*النص الاجتماعي :
وهو الخطاب الذي لايقتضي التبرير والشرح فهو يعتمد على المسلمة البدهية كأن نقول
لكل شيء بداية ونهاية .. أو ..الإنسان تحكمه العواطف والعقل ..
* النص الثقافي :
ثمة نصوص ثقافية ومعرفية متفق عليها في كل مجتمع يمكن للنص أن يرتبط بها كقوالب ثقافية جاهزة ..صحيح أنها قد تختلف من مجتمع إلى آخر إلا أنها تسهل عملية تبنيها كمرجعية للتأويل
ويستمد النص قابلية الموثوقية والمصداقية منها ..مثلاً إن كانت شخصية ما في رواية تعاني نقصاً جسدياً وهي سيئة وذكية بنفس الوقت فيكون من الطبيعي أن توصف بعبارة ( كل ذي عاهة جبار )
هذه العبارة هي مسلمة ثقافية عند القارئ وهو يدرك إحالتها الدلالية ..
* نماذج النوع الأدبي :
لكل نموذج أدبي كما هو معروف تقاليد وأعراف هذه التقاليد والأعراف إذا أحاط بها القارئ يستطيع أن يبرر ويعلل أي إجراء أو انحراف بالنص ويقبل به ..
مثلاً الشاعر له عالم خيالي واسع يجعلنا نقبل منه الكثير من التهويمات والتناقضات كون جنس الشعر قد عرف عنه ذلك ..والمسرح والرواية والقص ..وهكذا ..
إذا هنا النموذج الأدبي يمنح قابلية الموثوقية والمصداقية والتقبل لدى المتلقي وربما أيضاً يوجه عملية التأويل ..وذلك حسب إحاطة القارئ بأساليب هذا الفن (( المؤسسة الأدبية ))
* الطبيعي عرفاً :
وهو من أجمل المستويات وبحاجة إلى مهارة ..
فهنا يقوم المؤلف بالخروج عن أعراف وتقاليد نوع النص الذي يكتبه ..بشكل مفاجئ
مثلاً في سياق نص شعري ..يخرج الشاعر لنا بعبارات واضحة وناقدة ومناقشة لماسبق وهذه العبارات ليست موزونة ولاحتى لها علاقة بالشعرية ..
هذا النقض يلفت نظر القارئ ويجعله يطبع علاقته بالنص ..من خلال قراءة مثل هذه الحيلة
على أنها موقف المؤلف ويؤل ويفسر النص على هذا الأساس ..
*المفارقة والمعارضة الساخرة :
إذا اقتطف النص من نوع أدبي آخر أو عارضه معارضة ساخرة هنا نقدم للقارئ آلية التأويل على طبق من ذهب خاصة إذا كانت المعارضة أو السخرية واضحة فهنا سيشتغل القارئ على كلا
النصين الأصل والنص المُعارَض ليبحث عن نقاط التماس والاختلاف بينهما
السيدات والسادة ..
كل ماسبق ليس قوانين نطالب بها ..
إنها وببساطة محاولة لوصف حالة القراءة ..
إنها وصف لذواتنا المفكرة ..
إذا تمعنا في ذواتنا كمؤلفين ..أو قراء ..فسنجد بأن الكثير مما سبق ذكره نقوم بممارسته دون أن نشعر ..
النقد هنا يحاول أن يضع إطاراً لما يحدث أثناء اتصالنا أو بثنا لنص ما ..
سنتابع إن شاء الله في مصطلح الشهر القادم (( النص المغلق /النص المفتوح ))
أرجو المتعة والفائدة للجميع ..
وتقبلوا من الاحترام والتقدير ..
د.باسم القاسم
10-02-2010, 01:12 AM
السيدات والسادة ..
نتا بع معاً السلسلة التي بدأنها مع موضوعة التأويل ..وأعتقد أننا وصلنا معاً إلى نهاية المطاف ..واسمحول لي هذه المرة أن ألبس هذه الموضوعة ثوباً قانونياً فأقول :
مادام أننا أمام قضية وتهمة ومحكمة ..
فلابد لنا من تحديد الجهة المدعية ..والتهمة ..والمدعى عليه ..
ونحن هنا في رحاب محكمة التأويل..الآمرة والمنبثقة عن شريعة النقد المعاصر ..
المدعى عليه : النص (( وقد تناولنا سيرته الذاتية وانتماءاته وطموحاته في الدراسة السابقة ))
التهمة : الغموض /التعمية / الإلغاز /السلبية /اللاجدوى .. وهذه التهم أعتقد أنها الشغل الشاغل لنا جميعاً مؤلفين وقراء ة وكثيراً ما نسمعها وخاصة في بيئتنا الثقافية العربية ...وخصوصاً فيما يتعلق بمادة الشعر المعاصر ..
جهة الادعاء : وهذا المحور الذي ستدور حوله رحى الكلام الآن ..
تمهيد :
في النقد الحديث ..
كثيرون هم من تحلقوا حول قصعة التأويل التي قدمها كل من ( إيميلو بيتي )و ( هانس غادامير )
ولكن من تقاسما رغيف التأويل واستأثرا به دون الآخرين هما ( أمبيرتو إيكو )و( رولان بارت )
وعندهما سنجد تحديداً لهوية جهة الإدعاء التي ذكرناها سابقاً ..
الجهة الادعاء الأولى :
تفهم هذه الجهة وتعتقد أن النص الشعري يكتب بقصد توصيل رسالة محددة ودقيقة ونقلها ، وتعتبر أن النص مرآة عاكسة للعالم الذي يقوم النص بتصويره والنص هنا يعبر عن غاية سامية مصدرها المؤلف ويحمل رسالة جادة تهم خلاص الفكر البشري ..وكل ماسبق عرف بنظرية المحاكاة التمثيلية والتي تعتبر أن النص يشكل تمثيلاً موضوعياً لجزئية أو كلٌّ هو خارج النص وهو مرجع النص وبالتالي لابد أن يتأمن في النص سمات التشابه مع هذا المرجع بوضوح ...
مثلا: عندما نكتب عن الحرية نقوم بمقاربة كتابتنا بمرجعيات وحقائق وذواكر فكرية ومشهدية متعلقة بالموضوعة نفسها ونحاول أن نوضح وجود هذه الأفكار داخل النص ونشعر القارئ ونحسسه بأننا نتحدث عن هذه الموضوعة ..
أما المؤلف فهو ذلك العبقري الذي يقدم النص كتجسيداً لهذا الواقع الفكري
ولكن ماذا سيحدث مع القارئ ..
هنا القارئ مع نموذج لهكذا نصوص ..لايستطيع أن يستخدم النص كما يشاء بل كما يشاء له النص أن يستخدمه والقارئ هنا بمثابة مستهلك يؤكد نفسه من خلال تتبعه أنماط المعنى الثابتة وبنيته
التي قدمها المؤلف كممثل عن الواقع الذي يتناوله النص ..
وبالتالي يكون مشروع التأويل لدى القارئ مع هذا النص هو مشروعاً مغلقاً ومحدد ..
مثال :
يقول المتنبي : على قلق كان الريح تحي تسيرني يمينا أو شمالا ..
هنا المؤلف يحدد تأويل النص ..إذ أنه أعطى إحالة لدلالة..(( كأن الريح تحتي )) فتحدد المعنى ووصل بدون تعب ... الفكرة أن المتنبي يريد أن يعبر عن قلقه ...
ولكن لو أتى شاعر يريد أن يعبر عن قلقه فقال : على قلق كأنني أنثى المساء ..
لنرى انفتاحاً هائلاً للدلالات ..
بالطبع ..هنا تم إطلاق صفة لهذه النصوص ..
عند إمبيرتو إيكو :
أطلق عليه النص المفتوح من حيث أن المؤلف يفتح أبواب محددة للتفسير والتأويل ويحجب باقي الأبواب بوجه القارئ .. إنه بكل بساطة أخذ دور القارئ أثناء عملية بناء النص ولم يترك لغيره حرية الحركة في النص
عند رولان بارت :
أطلق عليه النص المقروء (( المغلق)) من حيث أن المؤلف أغلق احتمالات التأويل لدى القارئ وقدم النص بعد أن قرأه وحدد تفسيراته ..
طبعاً هذا النموذج شائع جداً لدى الكثير من المؤلفين والقراء ويطالبون به ..بشدة ..
وبمجرد أن خرج النص عن هذه السمات ..كانت التهم الجاهزة التي ذكرناها بالمرصاد ..
ولكن هناك ملاحظة مهمة ..
لماذا يستمتع القارئ بقراءة هذه النصوص ويطالب بها ؟؟ ...فلولا المتعة في التعامل مع هذه النصوص ..لم تقم الحروب الكلامية حولها
وهذا هو ما أريد الوصول إليه وأدلو بدلوي الخاص في بئرها شخصياً
أقول :
أعتقد أن الدهشة هي أصل كل متعة في تلقي النتاج الأدبي ..وهناك مستويات لهذه الدهشة
في النصوص التي تحدثنا عنها ...ويدهش القارئ من عوامل كثيرة مثلاً
قدرة اللغة على التوصيل والبيان / قدرة الشاعر على التعامل مع اللغة / مجموع التراكيب المكونة لعوامل الشعرية (( الاستعارة ..الكناية ..المجاز ...) إلخ ..
كل ماسبق ممكن أن يتمتع القارئ به بغض النظر إن كان المعنى جهزاً أم لا .. أو كانت فاعلية التأويل نشطة أم خامدة .. وهذا في الواقع هو الذي نلمسه في دواخلنا أمام نصوص من هذا النموذج أعجبنا بها وقرأناها منذ نعومة أظفارنا ...
فهل هذا يعني أننا إذا لم نكن أمام نص من هذا النموذج المحبب لدينا فلابد من أن نسخط عليه ونستهجنه ! وإذا تقدم لنا نماذج أخرى متطورة هل يمكن أن نعتبر عدم الاعتراف بها سلبية ؟
الجهة الادعاء الثانية :
جهة الادعاء الثانية اعتبرت مايلي :
* إن النص كتب حتى يستطيع القارئ في كل قراءة أن يكتبه ويعيد إنتاجه ..
وهو يقتضي تأويلاً مستمراً ومتغيراً عند كل قراءة ولهذا يتحول دور القارئ إلى دور إيجابي نشط
ومنتج وبناء ..
· تتم المعايشة مع النص وتجربته على أنه فاعلية وحيوية لغوية وليس فقط مادة قابلة للاستهلاك
· إن النص هو صراع ومواجهة مع حدود العرف والمقروئية .. فهو نص يمارس إرجاء المدلولات إرجاءً أبدياً أو لانهائياً وهي سمة تجعل النص يستحيل على الإغلاق ..
· إن النص يتألف من مقتطفات ومرجعيات وإحالات وصدى لأصوات مختلفة ومرجعيات ثقافية متنوعة وهي ذات لاتدل على نقطة أصل معينة ..ومن هنا يكتسب النص تعددية المعنى التي لاتقبل الاختزال والتقنين ..
فالنص لايسعى إلى إبراز الحقيقة وتمثيلها فليست هذه وظيفته إنه يسعى إلى نشر المعنى وتفجيره وحسب ...
· إن المؤلف يأتي إلى هذا النص ليس كأصل ومشرع له ..إنه أيضاً قارئ للنص يتشارك مع الآخرين ... هنا المؤلف ليس قاضياً ولامقرراً إنه وحسب ينظر إلى كل ماحوله بطريقة تختلف عن نظرة الآخرين وهو يعرف تماماً بأنه لاحقيقة يمكن القبض عليها في هذا العالم فيلتزم بحيادية عالية في التعامل مع النص ..
بالطبع ..هنا تم إطلاق صفة لهذه النصوص .. :
عند أمبيرتو إيكو :
أطلق عليه اسم النص المغلق ...من حيث أن المؤلف أغلق بوابات تأويل النص الخاصة به على نفسه وحاول أن يكون قارئ ما من عينة لانهائية من القراء واكتفى بمنح المفاتيح لبوابات تخص القارئ ..لتكون لهم الحرية المطلقة في الولوج إلى عوالم الفكرة وتحديد توجهاتها .. إن المؤلف قصد فكرة وعرضها بطريقته الخاصة (( فنياً )) ولم يحدد قدر هذه الفكرة ولم يعتبر نفسه المشرع الحكيم الوحيد الذي يعرف الحقائق وعلى الآخرين أن يتبعوه
عند رولان بارت :
أطلق عليه اسم النص المكتوب /المفتوح من حيث أنه مفتوح تماماً أمام كافة التأويلات والتفسيرات
فالمؤلف هنا اكتفى بكتابة النص واعتبر نفسه أحد قرائه الكثر..
ملاحظة :
لابد من الوقف عند الخلط الذي يحدث بين اصطلاح إيكو وبارت ..
النص المغلق عند إيكو هو النص المفتوح عند بارت ..والنص المفتوح عند إيكو هو النص المغلق عند بارت .وقد بينا السبب .. لتعم الفائدة للجميع ونكون على بينة ..
بالطبع هذا النموذج ((النص المكتوب ))أصبح اليوم يأخذ مسميات كثيرة .. (( معاصر ..مابعد حداثي ..إلخ ))
وأخذت رقعة مريديه وأنصاره تتسع شيئاً فشيئاً في عوالم الأدب ..
ولكن أين اللذة التي تسبب تمسك هؤلاء بهذا النموذج ..
كما أسلفنا ..إن الدهشة أساس هذه المتعة في الفاعلية القرائية ..
وهنا عامل الدهشة الرئيس يتعلق بالنص من حيث أنه مادة عجائبية استطاع القارئ أن يعيد انتاجها
ويمارس معها حقه كمؤلف ومستكشف لمناجم زاخرة بها أصقاع النص ..إنها تثاقفه وترفع من سويته الإنتاجية وتعلمه كيف يمكن يفهم الكون بطريقته الخاصة وخلاصاته ووجهات نظره الخاصة به ..
وهذا يجسد كما أعتقد رسولية الشعر إن كانت له رسالة ..
ولكن كل ماسبق لايعني إلغاء النموذج الأول .. فهو يمثل البداية والأصل ..والنموذج الثاني يمثل حالة تطورية مهمة أو هي قدر الكتابة فمن لم يتقد م تقادم ومن تقادم زال ..
السيدات والسادة ..
هذا مايجعلنا نتريث قبل أن نطلق التهم ..وأما عن قرار محكمة التأويل في هذه القضية فلم يبت به بعد وأعتقد أنه لن يبت به ..
فلنكن نحن القضاة ولنتحلى بالحكمة والموضوعية ..
خالص مودتي واحترامي لكم ..
وبانتظار قراراتكم ..
د.باسم القاسم
12-10-2010, 12:21 AM
السيدات والسادة :
أوقاتكم سعيدة ..
كان قد راودني حافز مهم في هذا المتصفح وهو أنه لاينبغي أن نختتم هذا العام النقدي الذي قضيناه سوياً في رحاب المصطلح دون المرور على مصطلح نقدي انبثق عن أهم مدارس النقد والذي نعتبرها رحم النقد الحديث والجديد .. ويعتبر أصحابه هم ثوار الفكر النقدي الخلاق ..إذ أنه لايوجد مشرب نقدي حالي إلا وقد نبع من جعفرٍ من جعافرهم الفكرية ..
إنها الشكلانية ..
الشكلانية ../الحبكة والحكاية / :
نعم هنا كما يعرف المختصون أستعير في هذا التمهيد مفردات أولتها الشكلانية الروسية أهمية بالغة وأبدعت بهما ..ولكن /الحبكة والحكاية / حول الشكلانية هو ما أعني ..
يندر أن تناول هذه القضية باحث إلا ويكون قد ابتدأ بالسيرة التاريخية للمنشأ والولادة ..ولكن اسمحوا لي أن أتجاوز هذا العرف في تقديم الدراسات وادخل إلى كنه القضية ..فأقول :
صدفة غريبة ونادرة الحصول هو أن يجتمع مجموعة من النقاد ليشكلوا حلفاً فكرية له هدف واحد ومقدس ..
هؤلاء هم من كانوا ينقمون على تلك النظرة المأخوذة عن الأدب ..
إنه ذلك الشريد ..مجهول الأب .. اللا ممنهج في سيره المتكئ على ذات الكاتب وأرشيفه وانتمائه وتهويمات المتلقين ومدائحهم .
إنه كائن ليس له إلا ظله (( الأثر الأدبي على المتلقي ))
ووفق هذه التراجيديا تكونت نواة الحلم ... هو أن نعامل الأدب كذات مستقلة لها خصوصيتها ودورة حياتها ..وميكانزماتها المفعلة .. إنه إن صح التعبير محاولة لعلمنة الأدب .. حتى يصبح قاراً وله هويةً في أفلاك الذهن المبدع .. وله حرم مصان
فكيف كانت المقولات الشكلانية ..
شعارات الشكلانية :
نعم إنها ابتدأت شعارات ..ولم تصبح عناوين وقضايا ممنهجة إلا في أربعينيات القرن العشرين ونبدأ معاً بتسلسل يسهل عملية احتواء الأفكار ..
مولد الشعارات :
نعم ..سنطرح شعار للشكلانية أعتبره المرجعية ونقطة الارتكاز التي استند عليها الشكلانيون في سعيهم الحثيث نحو بلورة الموضوعة الشكلانية ..
فقد انطلقوا برفض علني لوجهة النظر التي تري "الأدب" على أنه انعكاس محض لسيرة كاتب، أو لتوثيق تاريخي، أو لأحداث اجتماعية
بتعبير آخر ــ كما يقول ((إيجلتون)) ــ: ((ليس الأدب دينا ــ زائفا أو سيكولوجيا ــ زائفة أو سوسيولوجيا زائفة، بل تنظيما خاصا للغة. وله قوانينه، وبنياته، وأدواته النوعية التي يجب أن تدرس في ذاتها بدل أن تختزل إلي شيء آخر. فالعمل الأدبي ليس مركبة لنقل الأفكار، ولا انعكاسا للواقع الاجتماعي، ولا تجسيدا لحقيقة مفارقة (متعالية): إنه حقيقة مادية، ويمكن تحليل أدائه مثلما يمكن للمرء أن يفحص ماكينة. إنه مكوّن من كلمات، وليس من موضوعات أو مشاعر، ومن الخطأ اعتبار أنه تعبير عن عقل مؤلف ما.))
وتوالت بعدها فيوضات الشكلانيين منذ عام 1917 ومقالة (( الفن بوصفه صنعة )) إلى هذه الأيام التي استمر الشكلانية فيها تحت مسميات جديدة ..
وقد قمت بتصنيف هذه الطروحات كما يلي :
1- الصورة :
كان للصورة مكانة جوهرية عند دارسي الأدب ..فقد اعتبروا أن الأدب هو تفكير بالصورة باعتبار أن الصورة تقدم نوع من الحقيقة الغير منظورة ..والصورة هي التي تجسد الموضوع
كمضمون في النص وكما تدعي المدرسة الرمزية بأن الصورة هي التي تخلق الشعر ..
هنا اختلف الشكلانيون عن هذا النمط السائد ليقدموا طرحاً أكثر تطوراً وملامسة للأدب وذاته
فقالوا :
الفرق بين رؤية هؤلاء وبين رؤيتنا للصورة؛ أننا لا نري "الصورة" بوصفها مرجعا أساسيا دائما لنواحي الحياة المختلفة؛ إذ هدفها ليس إفهامنا المعني، وإنما هدفها خلق معني له طريقته الخاصة في إدراك الموضوع، إن الصورة تساعد علي خلق "رؤيا" لكيفية إدراك الموضوع، بدلا من ذلك الإدراك المعتاد للمعني كما هو...إن الصورة ليست الموضوع وإنما هي أداة مساعدة لإدراك الموضوع الأدبي ..
فنحن قد نضع في النص الشعري مجموعة مترابطة من الصور ..ونحقق ترابط بينها يؤدي بنا إلى إدراك هدف أدبي ..صحيح أن المتلقي يستمتع بالصورة ولكن الخلاصة النهائية والمتكونة لديه جاءت من الأسلوب والإجراءت اللغوية التي قام بها الشاعر وهي التي تهم الناقد وهي التي منحت هذا العمل أدبيته وألقه ..
2- التغريب :
هذا الطرح سببه تميز الشكلانيين عن غيرهم من حيث مفهومهم للأدب وإلي دوره ووظيفته الذي عليه أن يقوم بهما من منظورهم، يقولون في ذلك: إن غرض الفن هو نقل الشعور بالأشياء كما هي مدركة وليس كما هي معروفة بالفعل. وتقنية الفن [في ذلك] هي "تغريب" الأشياء، وجعل الصيغ عسيرة، مع زيادة كل من صعوبة ومدي الإدراك؛ وذلك لأن عملية الإدراك غاية جمالية في ذاتها ولا بد من إطالة أمدها. فالفن طريقة لاكتشاف فنية الموضوع، أما الموضوع ذاته فليس له أهمية
إذ أننا مع مرور الوقت يحدث عندنا نوع من "الألفة" ، بيننا وبين كل ما هو حولنا، كالعمل أو الثياب أو الزوجة أو حتى الخشية من الحرب، ليصبح ذلك مرسخا في "اللاشعور" لذا هو يحدث بطريقة "تلقائية" تماما، ويكاد "المعني" في ظل ذلك أن يضيع منا جرَّاء هذا "الاعتياد". وهنا يأتي دور "الأدب" الذي ينبهنا إلي هذا "الاعتياد"، ويعيد إلينا وعينا وإدراكنا بالأشياء علي حقيقتها، من خلال ما يقوم به "الأدب" من عملية يطلق عليها "التغريب" ويقصد به نزع "الألفة" الاعتيادية التي أصبحت موجودة بالفعل بيننا وبين الأشياء عن طريق جعل هذه الأشياء مدركة وملحوظة بكيفية مغايرة، ليست "آلية" وليست "اعتيادية" كما كان الحال في السابق ... إننا هنا نتأملها ونمنحها وقتاً أكثر لنرى وهم واقعها المعتاد ونتجاوزه إلى الجوهر ..
وعلي هذا "فالصور" و"المعاني" التي تستخدم في "الأدب"، موجودة في الحياة من قبل أساسا، لكن نحن الذين أصبحنا غير قادرين علي إدراكها بسبب "الألفة" التي حدثت بيننا وبين جميع مظاهر الحياة التي نحياها، إلي أن يأتي "الشعراء" في شعرهم فيقوموا بإعادة ترتيب وتنظيم هذه "الصور" في سياقات مختلفة، غير معتادة أو مألوفة كالتي نستخدمها نحن في حياتنا اليومية العادية، فما يقوم به "الشعراء" في الحقيقة؛ ليس ابتكار "صور" جديدة غير موجودة من قبل، وإنما هو إعادة تنظيم وترتيب لهذه "الصور" في نمط جديد، وذلك هو ما يجعلنا نشعر بأنها إبداع واختلاق جديد بخلاف ما هو حادث فعلا ..وهذا ماقد يفسر شعور المتلقي أحياناً عندما يسمع شعر فيقول كأن الشاعر يعرف يلمس داخلي بأمور يعرفها أكثر مني وربما يعتبرونه نبياً ..والواقع هو أن الشاعر أعاد تقديم الموجودات مستخدماً آلية التغريب التي تلغي الألفة وتحفز على إدراك جديد ..
وهذا ما عناه ((رومان ياكوبسون)) عندما عرف الشعر على أنه عنف منظم يمارس على الحديث العادي ..
3- المضمون :
يرى الشكلانيون أن "المضمون" الذي يقدمه العمل الأدبي ليس ذا أهمية بالنسبة إلي "إنشاء الشعر"، فالمضمون ليس أكثر من مجرد دافع للعمل الأدبي، وللنواحي الشكلية التي ينشئها المؤلف فيه. وإن أردنا أن نتهم بالمضامين فالفلاسفة القدماء لم يتركوا مضموناً بتفاصيله إلا وقد تناولوه .... نأتي إلى النص لنستمتع بأداءالعرض الأدبي
وإهمال "المضمون" الذي يقدمه "الأدب" و"العمل الأدبي" بشيء غريب أو شاذ بالنسبة للشكليين، بل هو نقطة جوهرية تماما في أفكارهم، فالاهتمام من قبل الآخرين بما يقدمه "العمل الأدبي" يغري دائما بالانزلاق إلي علم النفس وعلم الاجتماع والنواحي الفلسفية المختلفة، وبالتالي سنبتعد عن الميكانيزمات التي استخدمها الشاعر في طريقة طرح المضمون والتي يتجسد فيها الأدبية التي ينادي بها الشكلانيون ..
وكثيراً ما قلنا بأن نقد النص شيء وشرح النص شيء آخر ..ولعل أهم شعارات نظرية الأدب التي أتت فيما بعد الشكلانيين هو (( مايهمنا القصيدة وليس ماتقوله القصيدة )) ..وفي هذا السياق يتجه الشكلانيون بثقة نحو القول بالمنهج في الدراسة الأدبية فنحن نرصد في النص
حراك الأدوات وعناصر اللغة التي عرض المضمون من خلالها وهذه هي الأدبية ..
وليس القضية من منظورهم قضية إنكار لهذا المضمون، فهم يعترفون بعلاقة "الفن" بالواقع الاجتماعي، ولا ينفون هذه العلاقة، وإنما القضية عندهم قضية تحديد التخصصات، إذ هذه العلاقة ــ من منظورهم ــ ليست من شأن الناقد، كما أن ليس عمله تحديدها أو تحديد "المضمون" الموجود في "الأدب" وإنما كان همهم الأساسي هو دراسة النواحي الوصفية اللغوية، التي يتبعها العمل الأدبي لكي يجعل من نفسه مغايرا للغة الخطاب العادي المستخدمة في الحديث اليومي، لكي يتمكن من تقديم تلك المعاني والحقائق التي اعتدنا عليها، في شكل "مُغـَرَّب"، نستطيع معه الإدراك علي نحو أعمق وأكثر نضجا عما قبل.
وهذا مادعاهم لطرح المبدأ الرئيس عندهم للناقد الدارس فقالوا ((موضوع البحث في علم الأدب ليس الأدب ، وإنما "الأدبية" ، تلك التي تجعل من أي عمل معطي عمل أدبي ))
4- الانحرافات :
وهي مقولة اعتقد بأهميتها الكبيرة لكتاب الشعر ..حيث أننا لابد أن نستخدم أثناء الكتابة أساليب لغوية تنحرف بنا عن الاعتيادي والمألوف ولذلك قالوا مؤكدين : إن أنجح الأشياء في معالجة "الأدب" هو "علم اللغة"؛ لكونه القادر علي تحديد هذه "الانحرافات" التي يحدثها "الأدب" في "اللغة" التي يستخدمها.
لذا اهتم "الشكليون" بالوزن ، والقافية ، والنواحي الصوتية وما إلي ذلك من جوانب شكلية متعلقة بالصياغات اللغوية التي يتكون منها العمل الأدبي ..
وهذه المقولة أساء لها الكثيرون فقد اعتقد البعض بأن استخدام عشوائية وتناقضات وفوضى
قد ينتج لنا تغريب وانحراف وبالتالي شعر .. وهذا غير صحيح فآليات الانحراف دقيقة وتحتاج إلى مهارات لغوية عالية ومخزون علمي لغوي كبير ..
السيدات والسادة هناك موضوعات أخرى نأيت بها عن مقالتي تتعلق بالحبكة والحكاية والتحفيز ..وهي تتعلق بالسرد الأدبي ..فيها تخصص كبير ..لامجال للخوض فيه ..
هوامش السيرة الذاتية :
سأذكر باختصار تاريخ نشأة هذا المذهب وأهم الأسماء المؤسسة والمتابعة ..
نشأت "الشكلية " عبر حركتين، الأولي كانت في ((موسكو))، وعرفت باسم "حلقة موسكو اللغوية" Moscow Linguistic Circle، وقد تأسست عام (1915م)، وكان مـن أبـرز أعـضـائـهــا: ((بتر بوجاترف)) Petr Bogatyrëv، و((رومان ياكوبسون)) Roman Jakobson، و((جريجوري فينوكر)) Grigory Vinokur. أما الثانية فكانت في ((بطرسبورج)) Petersburg، وكانت تسمي "أوبياز" OPOJAZ وهي اختصار لعبارة باللغة الروسية تعني: "جمعية دراسة اللغة الشعرية"، وقد تأسست في عام (1916م)، وكان من أبرز أعضائها: ((بوريس ايخنباوم)) Boris Eikhenbaum، و((فيكتور شكلوفسكي)) Viktor Shklvsky، و((يوري تينيانوف)) Yuri Tynyanov، وكانت هناك علاقات صداقة، وتقارب كبير في الأفكار بين هاتين الحركتين.
وعلى ما سبق عرفنا لماذا دائماً عرفت المدرسة الشكلانية بالشكلانية الروسية ..
* مغالطة :
إن التسمية التي أخذتها هذه المدرسة صادرة عن أعدائها ..ولكنها التصقت بها ..
فقد أراد معارضو هذه المدرسة بهذه التسمية الإقلال من أهميتها بالإحاء إلى أنها تهتم بالشكل
وتبتعد عن جوهر الأدب ..وفي الواقع التسمية التي يرتضيها الشكلانيون لأنفسهم ..هي
(( المورفولوجيا )) علم الوصف ... وهي الأقرب إلى الواقع ..
السيدات والسادة ..
ربما شعر الكثير من المهتمين بالنقد وهم يقرؤون هذه المقالة بأن كل طرح للشكلانيين ربما يجسد جذر من جذور مدارس النقد الحديث الحالية مثل (( البنيوية – السيميائية – التحليلية ..))
والواقع عن نفسي ...أقول ...
إن الشكلانية أحدثت ثورة بالفعل دفعت عجلة النتاج الأدبي إلى الأمام وحركت الركودة في بحيرات الإبداع .. وقدمت لنا هوية معترف بها في محافل الفكر.
لم نعد مجرد ثلة من الهائمين الرومنسيين الذين يمارسون عملية الإبداع بلا توازن أو مرتكز
أتمنى للجميع الفائدة .. وبانتظار آرائكم
دمتم بخير ..
ابتسام آل سليمان
12-10-2010, 07:43 AM
تحية و سلاما
براحٌ نقدي ٌ فاخر , و يؤسفني تأخري عنه كثيرا ...
اطلعتُ فقط على مصطلح الفينومينو لوجيا فقط..
وليبارككم ربي
الشكلانية أو الشكلية بدأت منذ عام 1915 حتى 1930 تُعتبر من الأعمار القصيرة في الأدب روسيّ المنشأ تماما ، وفي العالم العربي منتشرة في المغرب العربي أكثر
ومخطيء من ينظر لها أنها امتداد أو على الأقل مشابهة مع "الفن للفن"
على العموم لشلوفسكي تعريف بسيط جدا وواضح ( وهو مؤسس هذا المنهج أو المدرسة ) : " المنهج الشكلي في جوهره بسيط، هو الرجوع إلى المهارة في الصنعة، هو تطبيق النموذج التكنولوجي على الإنتاج الفني الإنساني " وله مقالة أسست هذا المنهج - تقريبًا - معنونة بـ "الفن بوصفه تقنية"
شكرًا فمثل هذه المواضيع زحم ثقافي لابد منه
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025,