عبد الله العُتَيِّق
04-14-2010, 10:46 AM
أرسل لي صديق يقول: ألا ترى معي أن نجمع الكتب التراثية و نضعها في غرفة و نسميها متحف الكتب؟ لأنه لا فائدة منها.
أرسلت له: هذا خطأ، و لا يكون ممن يسعى لإصلاح الناس و المجتمعات، و لا ممن يسعى ليكون من أهل المعرفة و الثقافة و الفكر, لأن تلك الكتب تحملُ تاريخ عقول، و المفكر الفطين هو من يأخذ من أفكار الماضي ما يُقيم به حاضره و يصنع به مستقبله، لا أن يُقلد تماما حذو القُذة بالقُذة.
الثقافات مُتناقَلَةٌ بين البشر، فيكتسبُ اللاحق من السابق، و الماضي عُمدة الحاضر، كما أن الحاضر ركيزة المستقبل، وكلُّ زمنٍ و كل ثقافة لها خصوصياتها التي لا تُشاركها فيها غيرها. الكتبُ خزائن الثقافات، و رواحل التجارب، فهي ذات ثروة ضخمة كبيرة لا يُقدرها إلا من أدرك سِرَّ أسرارها، و كلما وقفَ القارئ على سِر الكتابِ في أعماق معانيه أدركَ ما لم يُدركه غيره، و الفطانة بطانة.
إن الإيمان بقيمة الكتابِ و ما حواه و حمله من ثروة معلوماتية يُعطينا سلوكاً في التعامل الأجمل معه، فليست كل الكتبِ تتشابَه، حتى و إن كررت المضمون، و أعادت الجوهر، ففي الأشكالِ ما ليس في الحقائق، وما من شيءٍ إلا وله قيمة.
كما هو الإيمان ذلك بالكتب، فإن الإيمان بالثقافات أجدرُ و أهم، حيثُ هي الأصلُ، فلا قيمة لمفكرٍ و لا لمصلحٍ و لا لناهضٍ يرمي الثقافات التي لم يُدركها على قارعة الطريقِ و يصد بوجهه عنها مصعِّراً خده، فما ذلك إلا غرور الجاهلِ لا سرور العاقل، أدركنا الكثيرين ممن أتقنوا فنَّ رمي الثقافاتِ وراءهم ظهريا، بحجةِ عدم منفعتها، و ما من ثقافة لا تنفع، و ربما لو أقسَم مُقسمٌ أن كل ثقافة مرَّت على الإنسان من أولِهِ إلى آخرِهِ أنها تنفع في كل زمنٍ لربما ما حنثَ في يمينه، و لكن أين من يُدرك ما في الثقافات و مناسباتها؟!
لا يعني بتاتاً أنني إذا كنتُ في زمنٍ أنني أعرضُ عن أشياءَ كانت في زمن سابقٍ، فإن هذا نسفٌ لكل قيمة زمنية، بل هدمٌ لكلِّ أثرٍ إلهيٍّ في الزمن الماضي، نعم؛ قد لا يتناسبُ ما في الماضي معَ ما في الحاضر، و لكنَّ هذا أيضاً لا يعني عدم الاستفادة مطلقا، لذا فالسبيل الأجملُ بمن أدركَ زمناً أن يقتبسَ من نورِ السابقِ ما يُضيء به حاضره، لا أن يرتكزَ عليه تماماً، و لا أن يصطحبه في كل حال، إلى درجة أن يطمسَ حقيقة الزمن الحاضر.
حين تكون حاملاً هدفَ الفكرِ و غاية الإصلاح و النهضة فعليك أن تكون في حالكَ و فكركَ و عقلكَ في كل أزمنة الدنيا، و تتنقَّل بين الثقافات كلها مقتبساً من علوم الله المنثورة بين العباد، عندها تكون واسع الرؤية، بعيد النظرة، شمولياً في أُفقِ الفكر، فتُدرك الأمور كما هي، بل أبعد و أعمق مما هي عليه، لكن حين لا تكون كذلك، فلن تتجاوزَ ظلَّ عقلك، و لن تأمنَ حَوْرَ فكرك، و تكون الزلةُ أقربَ من وريد الصواب، و الظلم أسرعَ من بريقِ العدل. و ليس من هو هكذا إلا هامشٌ في الزمان، و أثرٌ بعد عين، و إذا كان الماءُ بطل التيمم. و الثقافات لا تُغلب.
لذلك فليست الموروثاتِ المعرفية زينةً يُتجمَّلُ بها، و حتى و إن كانت كذلك، بل هي قوانين تُنمي العقلَ، و تصنع حضارة، فإذا كانت كذلك فالاهتمام بها عنصراً مؤثراً كبيراً في البناء المعرفي من أهم المقوماتِ لصناعة جوهر الحاضر.
ليس شأنا سليما أن أعمدَ إلى الحكم على الماضي من خلال رأي أحدٍ قرأه، فكلُّ إنسان له قراءةٌ تختلف عن الآخر، و التبَعيةُ في القراءةِ لمكتوب الماضي لا تليق بمفكر و لا بمثقف، فلتكن قراءته مبنية على الاستقلالِ الذاتي المبني على المعرفة و الرؤية الخاصة، الاستئناسُ بالرأي من محامد العاقل، فلا يُهمله.
عندما نسبر الحاضر نجد أن أهلَه ليسوا سواء، فهم على درجاتٍ متفاوتة، و على طبقاتٍ متباينة، و كل أحدٍ منهم يسلُك مسلكاً ارتضاه، و قد يُفضي المسلكُ إلى المهلَك، إلا أن يتدارك الإنسان مسلكه ببصيرة و عقلٍ، و يسير على موازين و معالم، فربما حَمَتْه تلك من مهالك الطريق. التعلُّق بالماضي و استصحابُه في كل أحوال الحاضر و نقلُه للمستقبل قلةٌ في الإدارك، و تعطيل لحكمة الخالق في خلق الأزمنة، كذلك الاستقلالُ بالحاضر و فصلُه عن سياق السير الزمني غرورٌ بعقلٍ لم يستوعب و لم يُدرك، و الأشد خطراً النظر لمستقبل مجهولٍ مهولٍ لا يُدرى ما يحملُه، و لا يُعرَف ما يبذله، فكانت الحكمةُ العاقلة أن يكون الإنسان منطلقاً من حاضره إلى ماضيه مقتبساً نور الفكرِ و الرأي ليضعه في حاضرهِ بانياً منيراً ليُضيءَ له طريقه إلى المستقبل القادم، وَفْقَ سُنن الحياة و قوانين الكون.
أرسلت له: هذا خطأ، و لا يكون ممن يسعى لإصلاح الناس و المجتمعات، و لا ممن يسعى ليكون من أهل المعرفة و الثقافة و الفكر, لأن تلك الكتب تحملُ تاريخ عقول، و المفكر الفطين هو من يأخذ من أفكار الماضي ما يُقيم به حاضره و يصنع به مستقبله، لا أن يُقلد تماما حذو القُذة بالقُذة.
الثقافات مُتناقَلَةٌ بين البشر، فيكتسبُ اللاحق من السابق، و الماضي عُمدة الحاضر، كما أن الحاضر ركيزة المستقبل، وكلُّ زمنٍ و كل ثقافة لها خصوصياتها التي لا تُشاركها فيها غيرها. الكتبُ خزائن الثقافات، و رواحل التجارب، فهي ذات ثروة ضخمة كبيرة لا يُقدرها إلا من أدرك سِرَّ أسرارها، و كلما وقفَ القارئ على سِر الكتابِ في أعماق معانيه أدركَ ما لم يُدركه غيره، و الفطانة بطانة.
إن الإيمان بقيمة الكتابِ و ما حواه و حمله من ثروة معلوماتية يُعطينا سلوكاً في التعامل الأجمل معه، فليست كل الكتبِ تتشابَه، حتى و إن كررت المضمون، و أعادت الجوهر، ففي الأشكالِ ما ليس في الحقائق، وما من شيءٍ إلا وله قيمة.
كما هو الإيمان ذلك بالكتب، فإن الإيمان بالثقافات أجدرُ و أهم، حيثُ هي الأصلُ، فلا قيمة لمفكرٍ و لا لمصلحٍ و لا لناهضٍ يرمي الثقافات التي لم يُدركها على قارعة الطريقِ و يصد بوجهه عنها مصعِّراً خده، فما ذلك إلا غرور الجاهلِ لا سرور العاقل، أدركنا الكثيرين ممن أتقنوا فنَّ رمي الثقافاتِ وراءهم ظهريا، بحجةِ عدم منفعتها، و ما من ثقافة لا تنفع، و ربما لو أقسَم مُقسمٌ أن كل ثقافة مرَّت على الإنسان من أولِهِ إلى آخرِهِ أنها تنفع في كل زمنٍ لربما ما حنثَ في يمينه، و لكن أين من يُدرك ما في الثقافات و مناسباتها؟!
لا يعني بتاتاً أنني إذا كنتُ في زمنٍ أنني أعرضُ عن أشياءَ كانت في زمن سابقٍ، فإن هذا نسفٌ لكل قيمة زمنية، بل هدمٌ لكلِّ أثرٍ إلهيٍّ في الزمن الماضي، نعم؛ قد لا يتناسبُ ما في الماضي معَ ما في الحاضر، و لكنَّ هذا أيضاً لا يعني عدم الاستفادة مطلقا، لذا فالسبيل الأجملُ بمن أدركَ زمناً أن يقتبسَ من نورِ السابقِ ما يُضيء به حاضره، لا أن يرتكزَ عليه تماماً، و لا أن يصطحبه في كل حال، إلى درجة أن يطمسَ حقيقة الزمن الحاضر.
حين تكون حاملاً هدفَ الفكرِ و غاية الإصلاح و النهضة فعليك أن تكون في حالكَ و فكركَ و عقلكَ في كل أزمنة الدنيا، و تتنقَّل بين الثقافات كلها مقتبساً من علوم الله المنثورة بين العباد، عندها تكون واسع الرؤية، بعيد النظرة، شمولياً في أُفقِ الفكر، فتُدرك الأمور كما هي، بل أبعد و أعمق مما هي عليه، لكن حين لا تكون كذلك، فلن تتجاوزَ ظلَّ عقلك، و لن تأمنَ حَوْرَ فكرك، و تكون الزلةُ أقربَ من وريد الصواب، و الظلم أسرعَ من بريقِ العدل. و ليس من هو هكذا إلا هامشٌ في الزمان، و أثرٌ بعد عين، و إذا كان الماءُ بطل التيمم. و الثقافات لا تُغلب.
لذلك فليست الموروثاتِ المعرفية زينةً يُتجمَّلُ بها، و حتى و إن كانت كذلك، بل هي قوانين تُنمي العقلَ، و تصنع حضارة، فإذا كانت كذلك فالاهتمام بها عنصراً مؤثراً كبيراً في البناء المعرفي من أهم المقوماتِ لصناعة جوهر الحاضر.
ليس شأنا سليما أن أعمدَ إلى الحكم على الماضي من خلال رأي أحدٍ قرأه، فكلُّ إنسان له قراءةٌ تختلف عن الآخر، و التبَعيةُ في القراءةِ لمكتوب الماضي لا تليق بمفكر و لا بمثقف، فلتكن قراءته مبنية على الاستقلالِ الذاتي المبني على المعرفة و الرؤية الخاصة، الاستئناسُ بالرأي من محامد العاقل، فلا يُهمله.
عندما نسبر الحاضر نجد أن أهلَه ليسوا سواء، فهم على درجاتٍ متفاوتة، و على طبقاتٍ متباينة، و كل أحدٍ منهم يسلُك مسلكاً ارتضاه، و قد يُفضي المسلكُ إلى المهلَك، إلا أن يتدارك الإنسان مسلكه ببصيرة و عقلٍ، و يسير على موازين و معالم، فربما حَمَتْه تلك من مهالك الطريق. التعلُّق بالماضي و استصحابُه في كل أحوال الحاضر و نقلُه للمستقبل قلةٌ في الإدارك، و تعطيل لحكمة الخالق في خلق الأزمنة، كذلك الاستقلالُ بالحاضر و فصلُه عن سياق السير الزمني غرورٌ بعقلٍ لم يستوعب و لم يُدرك، و الأشد خطراً النظر لمستقبل مجهولٍ مهولٍ لا يُدرى ما يحملُه، و لا يُعرَف ما يبذله، فكانت الحكمةُ العاقلة أن يكون الإنسان منطلقاً من حاضره إلى ماضيه مقتبساً نور الفكرِ و الرأي ليضعه في حاضرهِ بانياً منيراً ليُضيءَ له طريقه إلى المستقبل القادم، وَفْقَ سُنن الحياة و قوانين الكون.