محمد السالم
05-05-2010, 11:43 PM
ماذا يفعل الإنسان حينما يلفي نفسه بذائقة عنصرية لبيئتها ؟
ماذا يفعل حينما يجدها لا تتطور بحسب مفهوم الآخرين ؟
هل من حلول لمثل هذه الورطة ؟.
ابتليت بذائقة من ذلك النوع الذي تحدثت عنه أنفا .
مع إنها قد تجاملني بعض أحيان ؛ وأحيان أخرى قد تلوذ بالصمت .
ولكن في أحايين أخرى تقلب لي ظهر المجن . دون مؤاربة .
فتضعني في موقف لا أحسد عليه . وهذا هو حالنا دواليك.
من ثلاثة أسابيع مضت أتصل بي أحد الزملاء السابقين
في جهة عمل ما . وأبلغني أن أحد زملاءنا السابقين سيقيم حفلة زواجه
في الليلة القادمة . في قرية تبعد عن العاصمة حدود الستين كيلو مترا.
وطلب مني أن أذهب معه لحفلة زواج ذلك الزميل .
فلم يكن مني إلا أن لبيت نداؤه وشكرته على ما صنع .
كي ألتقي بزميلي السابق وأبارك له في زواجه .
ضربنا لنا موعدا ؛ وحينما حانت ساعته اجتمعنا
وذهبنا على سيارة صاحبي . ولطول المسافة استنفدنا في الطريق
ما يمكن لنا الحديث فيه .
وعندما أحس صاحبي أنه لم يعد هناك شيء ذات أهمية يمكن لنا الحديث فيه
أدخل يده في الثلاجة التي تفصل بين المقاعد الأمامية وغاصت بين
عددا من السيديات ؛ وصار يخرج السيدي ويقرأ المكتوب على ظهر
غلافه ويعيده ؛ ثم يخرج الثاني وهكذا حتى أعاد المحاولة مع خمسة سيديات
أو ستة . في هذه الأثناء ؛ كانت الذاكرة تتصفح ما تكتنزه من معلومات ومعرفة
عن ذائقة صاحبي ؛ ومن كان يحب سماعه من المطربين ؛ ولمح في الذاكرة
ما قد علمته من خبر أمسية أقامها صاحبي مع عدد من الشعراء في أحدى المدارس الثنوية
من أربعة أشهر ولم يقدّر لي حضورها مع أنه قد عرض علي الحضور ولكن الظروف أبت .
قلت في نفسي لعله يريد أن يسمعني بعض القصائد التي قد ألقاها في تلك الأمسية .
فأن لم تكن كذلك فلا بد أنه قد يسمعني أحد الفنانين الذين لم أعهده إلا شغوفا بهم .
قد مرعشر سنين قضيناها معا في جهة عمل واحدة لم يعد احد منا يجهل الثاني.
حتى في الميول النفسية وفي الذائقة حتى ذائقة الطعام والشراب والملبس .
فلذلك قلت في نفسي ؛ قد يكون السيدي الذي سيضعه صاحبي : لحمد الطيار ؛
أو لبشير شنان ؛ أو لطلال مداح ؛ أو لعبدالله الصريخ ؛ أو لميحد حمد .
وبالمناسبة أذكر أنه كان يحفظ تسعين في المائة من أغاني حمد الطيار.
وكان يقول : أن حمد الطيار فنان عظيم لم ينصفه الإعلام . حتى أن التحسّر
يظهر على ملامحه حينما يتطرق لهذه المسئلة التي دائما ما يتطرق لها .
عموما لم تفرق معي كثيرا بحكم أني لم تعد تستهويني الأغاني .
لزهدي في اختيار الفنانين لكلمات أغانيهم وشعرائهم الذين يتعاملون معهم .
إذا استثنينا من ذلك ( البدر ) و ( فائق عبد الجليل )
( وشعراء قلة لا تحضرني أسمائهم ).
الخلاصة : أن صاحبي قد أخلف ظني . بعد أن دار السيدي .
وأتضح ما في جعبته ؛ لم يكن السيدي يحمل إلا أغاني لا تمثل لذائقتي
متكأ من ذاكرتها . فلذلك أحسست بالذائقة تبدأ في الانكماش ؛ والتململ بعد عشر دقائق .
من انطلاق تلك الأصوات من أحشاء ذلك السيدي .
ولخشيتي أن لا تضعني ذائقتي في موقف محرج ؛
حاولت إلجامها بكل ما أوتيت من صبر .
إلا أنها كادت أن تفلت . لولا أني جادا في إلجامها .
والسيدي يتجاوز مقطعا إلى مقطع آخر .
وصاحبي ؛ منسجما بكل ما تحمل هذه الكلمة من دلالة الإنسجام .
وحينما لم يعد في يد صبري من لجام الذائقة إلا منين واحدا.
يسر الله لنا الوصول إلى موقع الحفل ؛ وصمت السيدي .
وطول ما نحن جالسين في الحفل نبارك لهذا ونجامل ذاك .
والذائقة المتعنصرة أو قل المتخلفة إن شئت . حسب المفاهيم الحديثة .
تلح بالأسئلة الصامته : ماذا تمثل هذه الأغاني المصرية لصاحبك ؟
حتى يغثنا بها على طول الطريق ! . ولكني لا أمتلك جواب لهذا السؤال .
وفي طريق عودتنا كادت الذائقة بالفعل أن تبصق على مسجل السيارة .
أستبدل صاحبي ؛ السيدي بسيدي لم يكن بعيدا عن السابق إلا في حدود الجغرافيا .
حيث أدخلنا في الأجواء الشامية بمفهومها الأصيل وليس المستحدث .
حيث أدخلنا في خصوصية لهجتها وكلماتها التي لا تعني أحدا بقدر ما تعني أهلها .
وقبل أن نصل إلى منزل صاحبي حيث سيارتي رابضة بعيدة عن كل ما حصل لذائقتي
المتخلفة . قام صاحبي باستبدال السيدي بواحد آخر وقال لي بالحرف : بالله عليك
استمع لهذه الأغنية بقلبك قبل عقلك . وخفف من سرعة السيارة كي يمنحني الوقت الكافي
لسماع الاغنية كاملة . صدحت فيروز بإحدى أغنياتها التي قد سمعتها منذ زمن بعيدا
وبالرغم من ملائكية صوت فيروز مثل ما قد قيل إلا أن ذائقتي العنصرية المتخلفة
لم تميل يوما للتماهي مع الأغنيات التي لا تمثل بيئتها حتى لو كان الصوت جميلا مثل السيدة فيروز.
وعند نهاية الأغنية ؛ التفت إليّ صاحبي وقال : كم أحب أغاني هذه الملائكية
: هل تعلم أني لا أحس بالرغبة في كتابة الشعر إلا مع صوت نغمات فيروز !.
ابتسمت في وجهه : وقلت تصبح على خير .
بعد وصولي إلى منزلي . بدأت الأفكار التي تطوف برأسي وأنا في الطريق
تتمايز وتتلخص . ماذا يعني صوت فيروز أو فنان آخر من خارج محيطنا
لصاحبي الشاعر حتى لا يحس برغبته في كتابة الشعر إلا حينما يسمع لأي منهم .
هل كلمات الأغاني تعني له شيء من الموروث أو اللهجة التي يتحدث بها ؟
هل اللحن الموسيقي الذي يقوم بتأديته
فنان أو فنانة من بلاد الشام أو من أرض الكنانة يمثل التخت الخليجي الذي يحمل
خصوصية لا يعنى بها إلا مواطنو شبه الجزيرة .
لم ؟ لم يقل صاحبي أني تتملكني الرغبة في كتابة الشعر حينما اسمع لطلال
وهو يغني ( قصت ظفايرها ودريت )
أو ( أبو نورة وهو يتلاعب بالسلم الموسيقي بين " الدو " والفا " )
في أغنية لا تردين الرسائل .
أو جابر جاسم هو يغني برائعته ( نسيتونا حبايبنا )
أو على أقل تقدير فنانه الذي كان يحفظ له جل أغانية ( حمد الطيار)
وهو يغني عطاشا عطاشا .
هل يظن ذلك الصديق ومنهم على شاكلته إنّا سننظر لهم بإعجاب ؛
ونرى أنهم أناس منفتحين على قدر أكبر من ما نحن عليه !.
أرباب الفن في العالم العربي ربما سبقونا ووسع لهم الانتشار .
وهم دون شك يستحقون ذلك ولكن يبقى لكل شعب خصوصيته
على أقل تقدير في الذائقة . ماذا ستحرك في دواخلي :
فيروز وهي تقول ( ع هدير البوصطة )
خصوصا وأن الأغنية لم تكن فصيحة بل باللهجة الدارجة المحلية
لتلك الجغرافيا .
هل وصل الأمر بالشاعر الشعبي أن ينسلخ حتى من ذائقته .
ويحاول أن يزرع في الآخرين إيمانه بما هو فاعال .
أن الكذب على النفس هو أشد كذبا يمكن للإنسان أن يمارسه .
وأقسى مرارة من ذلك حينما يجبر ذائقته على مالم يكن يمثلها يوما .
فهل يظن هؤلاء الذين تضج تواقيعهم ومواقعهم بروابط بأغاني
فنانين من خارج البيئة أننا صدقناهم فيما يشيعون .
المؤلم أن الآخرين من خارج بيئتنا لا تعني أغانينا لهم شيئا .
ولهم العذر في ذلك فالذائقة هي الابنة الشرعية للبيئة
فمتى سنكون صادقين مع أنفسنا ؟
ماذا يفعل حينما يجدها لا تتطور بحسب مفهوم الآخرين ؟
هل من حلول لمثل هذه الورطة ؟.
ابتليت بذائقة من ذلك النوع الذي تحدثت عنه أنفا .
مع إنها قد تجاملني بعض أحيان ؛ وأحيان أخرى قد تلوذ بالصمت .
ولكن في أحايين أخرى تقلب لي ظهر المجن . دون مؤاربة .
فتضعني في موقف لا أحسد عليه . وهذا هو حالنا دواليك.
من ثلاثة أسابيع مضت أتصل بي أحد الزملاء السابقين
في جهة عمل ما . وأبلغني أن أحد زملاءنا السابقين سيقيم حفلة زواجه
في الليلة القادمة . في قرية تبعد عن العاصمة حدود الستين كيلو مترا.
وطلب مني أن أذهب معه لحفلة زواج ذلك الزميل .
فلم يكن مني إلا أن لبيت نداؤه وشكرته على ما صنع .
كي ألتقي بزميلي السابق وأبارك له في زواجه .
ضربنا لنا موعدا ؛ وحينما حانت ساعته اجتمعنا
وذهبنا على سيارة صاحبي . ولطول المسافة استنفدنا في الطريق
ما يمكن لنا الحديث فيه .
وعندما أحس صاحبي أنه لم يعد هناك شيء ذات أهمية يمكن لنا الحديث فيه
أدخل يده في الثلاجة التي تفصل بين المقاعد الأمامية وغاصت بين
عددا من السيديات ؛ وصار يخرج السيدي ويقرأ المكتوب على ظهر
غلافه ويعيده ؛ ثم يخرج الثاني وهكذا حتى أعاد المحاولة مع خمسة سيديات
أو ستة . في هذه الأثناء ؛ كانت الذاكرة تتصفح ما تكتنزه من معلومات ومعرفة
عن ذائقة صاحبي ؛ ومن كان يحب سماعه من المطربين ؛ ولمح في الذاكرة
ما قد علمته من خبر أمسية أقامها صاحبي مع عدد من الشعراء في أحدى المدارس الثنوية
من أربعة أشهر ولم يقدّر لي حضورها مع أنه قد عرض علي الحضور ولكن الظروف أبت .
قلت في نفسي لعله يريد أن يسمعني بعض القصائد التي قد ألقاها في تلك الأمسية .
فأن لم تكن كذلك فلا بد أنه قد يسمعني أحد الفنانين الذين لم أعهده إلا شغوفا بهم .
قد مرعشر سنين قضيناها معا في جهة عمل واحدة لم يعد احد منا يجهل الثاني.
حتى في الميول النفسية وفي الذائقة حتى ذائقة الطعام والشراب والملبس .
فلذلك قلت في نفسي ؛ قد يكون السيدي الذي سيضعه صاحبي : لحمد الطيار ؛
أو لبشير شنان ؛ أو لطلال مداح ؛ أو لعبدالله الصريخ ؛ أو لميحد حمد .
وبالمناسبة أذكر أنه كان يحفظ تسعين في المائة من أغاني حمد الطيار.
وكان يقول : أن حمد الطيار فنان عظيم لم ينصفه الإعلام . حتى أن التحسّر
يظهر على ملامحه حينما يتطرق لهذه المسئلة التي دائما ما يتطرق لها .
عموما لم تفرق معي كثيرا بحكم أني لم تعد تستهويني الأغاني .
لزهدي في اختيار الفنانين لكلمات أغانيهم وشعرائهم الذين يتعاملون معهم .
إذا استثنينا من ذلك ( البدر ) و ( فائق عبد الجليل )
( وشعراء قلة لا تحضرني أسمائهم ).
الخلاصة : أن صاحبي قد أخلف ظني . بعد أن دار السيدي .
وأتضح ما في جعبته ؛ لم يكن السيدي يحمل إلا أغاني لا تمثل لذائقتي
متكأ من ذاكرتها . فلذلك أحسست بالذائقة تبدأ في الانكماش ؛ والتململ بعد عشر دقائق .
من انطلاق تلك الأصوات من أحشاء ذلك السيدي .
ولخشيتي أن لا تضعني ذائقتي في موقف محرج ؛
حاولت إلجامها بكل ما أوتيت من صبر .
إلا أنها كادت أن تفلت . لولا أني جادا في إلجامها .
والسيدي يتجاوز مقطعا إلى مقطع آخر .
وصاحبي ؛ منسجما بكل ما تحمل هذه الكلمة من دلالة الإنسجام .
وحينما لم يعد في يد صبري من لجام الذائقة إلا منين واحدا.
يسر الله لنا الوصول إلى موقع الحفل ؛ وصمت السيدي .
وطول ما نحن جالسين في الحفل نبارك لهذا ونجامل ذاك .
والذائقة المتعنصرة أو قل المتخلفة إن شئت . حسب المفاهيم الحديثة .
تلح بالأسئلة الصامته : ماذا تمثل هذه الأغاني المصرية لصاحبك ؟
حتى يغثنا بها على طول الطريق ! . ولكني لا أمتلك جواب لهذا السؤال .
وفي طريق عودتنا كادت الذائقة بالفعل أن تبصق على مسجل السيارة .
أستبدل صاحبي ؛ السيدي بسيدي لم يكن بعيدا عن السابق إلا في حدود الجغرافيا .
حيث أدخلنا في الأجواء الشامية بمفهومها الأصيل وليس المستحدث .
حيث أدخلنا في خصوصية لهجتها وكلماتها التي لا تعني أحدا بقدر ما تعني أهلها .
وقبل أن نصل إلى منزل صاحبي حيث سيارتي رابضة بعيدة عن كل ما حصل لذائقتي
المتخلفة . قام صاحبي باستبدال السيدي بواحد آخر وقال لي بالحرف : بالله عليك
استمع لهذه الأغنية بقلبك قبل عقلك . وخفف من سرعة السيارة كي يمنحني الوقت الكافي
لسماع الاغنية كاملة . صدحت فيروز بإحدى أغنياتها التي قد سمعتها منذ زمن بعيدا
وبالرغم من ملائكية صوت فيروز مثل ما قد قيل إلا أن ذائقتي العنصرية المتخلفة
لم تميل يوما للتماهي مع الأغنيات التي لا تمثل بيئتها حتى لو كان الصوت جميلا مثل السيدة فيروز.
وعند نهاية الأغنية ؛ التفت إليّ صاحبي وقال : كم أحب أغاني هذه الملائكية
: هل تعلم أني لا أحس بالرغبة في كتابة الشعر إلا مع صوت نغمات فيروز !.
ابتسمت في وجهه : وقلت تصبح على خير .
بعد وصولي إلى منزلي . بدأت الأفكار التي تطوف برأسي وأنا في الطريق
تتمايز وتتلخص . ماذا يعني صوت فيروز أو فنان آخر من خارج محيطنا
لصاحبي الشاعر حتى لا يحس برغبته في كتابة الشعر إلا حينما يسمع لأي منهم .
هل كلمات الأغاني تعني له شيء من الموروث أو اللهجة التي يتحدث بها ؟
هل اللحن الموسيقي الذي يقوم بتأديته
فنان أو فنانة من بلاد الشام أو من أرض الكنانة يمثل التخت الخليجي الذي يحمل
خصوصية لا يعنى بها إلا مواطنو شبه الجزيرة .
لم ؟ لم يقل صاحبي أني تتملكني الرغبة في كتابة الشعر حينما اسمع لطلال
وهو يغني ( قصت ظفايرها ودريت )
أو ( أبو نورة وهو يتلاعب بالسلم الموسيقي بين " الدو " والفا " )
في أغنية لا تردين الرسائل .
أو جابر جاسم هو يغني برائعته ( نسيتونا حبايبنا )
أو على أقل تقدير فنانه الذي كان يحفظ له جل أغانية ( حمد الطيار)
وهو يغني عطاشا عطاشا .
هل يظن ذلك الصديق ومنهم على شاكلته إنّا سننظر لهم بإعجاب ؛
ونرى أنهم أناس منفتحين على قدر أكبر من ما نحن عليه !.
أرباب الفن في العالم العربي ربما سبقونا ووسع لهم الانتشار .
وهم دون شك يستحقون ذلك ولكن يبقى لكل شعب خصوصيته
على أقل تقدير في الذائقة . ماذا ستحرك في دواخلي :
فيروز وهي تقول ( ع هدير البوصطة )
خصوصا وأن الأغنية لم تكن فصيحة بل باللهجة الدارجة المحلية
لتلك الجغرافيا .
هل وصل الأمر بالشاعر الشعبي أن ينسلخ حتى من ذائقته .
ويحاول أن يزرع في الآخرين إيمانه بما هو فاعال .
أن الكذب على النفس هو أشد كذبا يمكن للإنسان أن يمارسه .
وأقسى مرارة من ذلك حينما يجبر ذائقته على مالم يكن يمثلها يوما .
فهل يظن هؤلاء الذين تضج تواقيعهم ومواقعهم بروابط بأغاني
فنانين من خارج البيئة أننا صدقناهم فيما يشيعون .
المؤلم أن الآخرين من خارج بيئتنا لا تعني أغانينا لهم شيئا .
ولهم العذر في ذلك فالذائقة هي الابنة الشرعية للبيئة
فمتى سنكون صادقين مع أنفسنا ؟