عبد الله العُتَيِّق
05-10-2010, 07:32 PM
العقول ليست واحدة، ومن ثَمَّ ففهوم العقول لن تكون متفقة، وهذا يعني أن الناسَ مكوَّنين في الاختلاف، و سائرين عليه في حياتهم، و لا يمكن في حال أن يتفقوا على شيءٍ، و إن اتفقوا فإنما يتفقون في الجملة، و في الصورة العامة، و أما التفاصيل فنادرا ما يكون الاتفاق فيها. هذا الاختلاف العقلي، و التبايُن الفهميُّ، يمنحنا رؤية في حياتنا، هي أبعد من ظلِّ العقل، حيثُ تُرينا مدى ما يحتويه هذا التباين من تقاربٍ معرفي، لمن أدرك سِرَّه، و كذلك لما تهبُنا إياه من بناء ثقافي و معرفي، فلولا الاختلاف في الرأي لما عرفنا جديداً من فكرٍ و ثقافة، و لا خُلقتْ لنا علوم جديدة، لأن الرأي الأُحادي، و الرأي اللا متعدد لا يُنتج إلا نفسه، وما يُنتجُ نفسَه ما هو إلا شيءٌ عديم الأثر، و الناسُ تملُّ المكرورَ.
عندما يُدرك الإنسان هذا الشيء في العقول فإنه سيدرك تماماً ألا عقلَ له حق التفرُّد بصوابِ فهمه دون غيره، لأن الآراء ما هي إلا نتاج رؤية للأشياء، و الأشياء التي تحتمل أكثر من معنى لا يمكن لأحد أن يُجردها من معانيها و احتمالاتها فيحصرها في شيءٍ واحد من تلك الاحتمالات، إلا عند من ليس لديه رؤية أبعد، و لا ينتهي إلا حيثُ وقف عقله، و لا يقف عقل على ذلك إلا لخلوِّه من آلات البُعد الإدراكي الفهمي للأشياء، و حيث خلا من تلك الآلات خلا من كل تفهُّمٍ للتباينات العقلية، و من بعدُ وقع في تقديس الرأي الذي انحاز إليه فهمه، و أقصى الفهوم الأخرى. مصيبة هذا العقل الانحيازي، زيادة على مصيبة التقديس لفهمه، أنه إذا كان فهمه للأمور خطأ، و فهم الآخرين، المُقْصَى، صوابٌ، فهذه أشد مصيبة يمرُّ بها، و لا يمكنه في حال أن يتجرَّد من رأيه لرأيٍ أقصاه، لأن نرجسية رأيته، و تقديسه إياه، أعمياه عن تبصُّرِ صواب الآخر.
هذا النوع من العقول لا يكون إلا عند أولئك الذين لم يُوسِّعوا مداركهم العقلية في التثقُّف، بل اقتصروا على عملية الانحصار في ثقافة ضيقةٍ، ذاتِ ظلٍّ قصيرٍ، و ذاتٍ حيِّز محدود، سواءً كان مكانياً أو زمانياً أو شخصياً، فبذاك الضيقِ الأفقي المعرفي كان الضيق الفهمي، لأن السَّعة لا تخرج إلا من سَعة. حين يُصاب هؤلاء بهذه الحالة، و يُقابلون بشيءٍ من الحوارِ مع الآخرين، الذي أُقْصُوا، سيجدون ضيقَهم مُدرَكا لدى الآخرين، فيسعون، بكل ما أُوتوا، إلى أن يمنحوا رأيهم شموخاً، فيصبغون عليه ما للأمور التي فُهمت، فيُعطون الرأي، الخطأ، قُدسيةَ النصِّ، الصواب، فيُحاربون على هذا المبدأ، فيكون المخالف لرأيهم مخالفاً للنصِّ، أو القانون الكوني، أو أيَّ شيءٍ مُسلَّماً به لدى الآخرين المُقابلين لهم. و بعد هذا تكون الخلافات التي لا تنتهي أبدا، و التي تتطوَّر كثيراً، و على شرارةٍ من جهلٍ. هنا يصدق القول :" كان العلم نُقطةً فكثَّرَه الجاهلون" و لا أجهل ممن حصرَ الصوابَ في رأيٍ فرْدٍ، مبنيٍ على إدراكٍ ضيِّقٍ، معتمداً على آلةٍ عليلةٍ، أولئكَ هم الذين نأوا عن مقولة الصائبين " رأيي صوابٌ يحتملُ الخطأ، و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب" و الذي تكوَّنت منه القاعدة " الانحياز يقينية الجاهل ، و الحياد ريبيةُ العالم" .
مثل هذه العقول التي لا تُدرك التباين الفهمي، و لا تعترف بالتفاوت العقلي، لا يُمكن لأصحابها أن يتجاوزا ظلال عقولهم، لأنهم آمنون، و أمنهم إنما هو خوفٌ من الخوضِ في معرفةِ ما يجهلونه، و عندما يخاف الإنسان من معرفةِ ما يجهل فلا يُمكنه أن يعرفَ شيئا، و سيبقى سادناً لجهله، و محبوساً في عِيِّه، ومن كان كذلك، فلا يُؤْبَه برأيه مهما بلغ من المقام، حيثُ المعارفُ ليستْ شيئاً مجموعاً يتحصَّل عليها الإنسان فيحتويها ذهنه، بل هي أشياءُ حيَّة قابلةٌ للتعايش مع الحياةِ ككلٍّ، و لا يُمكننا أن نُدرك تعايُشها إلا من خلالِ فتح الأبواب للعقلِ للتعرُّفِ على ما لم يُعلم، فمن خاضَ غِماراً مغامراً أدركَ من ورائِه شيئاً، أقلّه أنه جاوز حاجز الخوف الوهي، ليس في المعارفِ ما يُخيف، لأنها ليست أشباحاً و لا غُولا، و إنما هي أنوارُ فكرٍ، يُطفئها الفهم الضيِّق، و كم أظلم الفهمُ الضيِّق علما منيرا. فعندنا يُجاوز هؤلاء محلَّ الأمان إلى محلِّ الخوفِ في المعارفِ سينالون هبةً كُبرى في فهمٍ جديد للحياة، و إدراكٍ جميل لمعنى إنسانيتهم، لأنهم أضافوا على قيمتهم العقلية شيئاً على ما استقرَّ فيها منذ أمدٍ طويل. و هنا يكون الخروج عن آفة التقديس للرأي، في اكتساب المعارفِ، و في التنقيبِ عن أسرارها، و في الشمولية المعرفية، فالطُرُق الكثيرةُ توصل إلى الكثير، و الطريقُ الطويلةُ تمرُّ على عددٍ كبيرٍ من محالِّ المعرفة.
إذن، فالقُدسية للرأي منفيةٌ بتاتاً، و لا يُمكن أن ينال الرأي قُدسيةً من حيثُ قُدسية الشيءِ المفهوم، لأن المفهومَ يَحتملُ أوجها، و نادراً جداً ما يكون النصُّ غير محتملٍ، و حيثُ بدا ذلك جلياً، فإن الإلتفات إلى من تحيَّزَ فهمه في شيءٍ من تضييع قيمة العقل، إذ هو بالجاهلِ أشبه، و لا التفاتَ لجاهلٍ مُركَّبٍ.
عندما يُدرك الإنسان هذا الشيء في العقول فإنه سيدرك تماماً ألا عقلَ له حق التفرُّد بصوابِ فهمه دون غيره، لأن الآراء ما هي إلا نتاج رؤية للأشياء، و الأشياء التي تحتمل أكثر من معنى لا يمكن لأحد أن يُجردها من معانيها و احتمالاتها فيحصرها في شيءٍ واحد من تلك الاحتمالات، إلا عند من ليس لديه رؤية أبعد، و لا ينتهي إلا حيثُ وقف عقله، و لا يقف عقل على ذلك إلا لخلوِّه من آلات البُعد الإدراكي الفهمي للأشياء، و حيث خلا من تلك الآلات خلا من كل تفهُّمٍ للتباينات العقلية، و من بعدُ وقع في تقديس الرأي الذي انحاز إليه فهمه، و أقصى الفهوم الأخرى. مصيبة هذا العقل الانحيازي، زيادة على مصيبة التقديس لفهمه، أنه إذا كان فهمه للأمور خطأ، و فهم الآخرين، المُقْصَى، صوابٌ، فهذه أشد مصيبة يمرُّ بها، و لا يمكنه في حال أن يتجرَّد من رأيه لرأيٍ أقصاه، لأن نرجسية رأيته، و تقديسه إياه، أعمياه عن تبصُّرِ صواب الآخر.
هذا النوع من العقول لا يكون إلا عند أولئك الذين لم يُوسِّعوا مداركهم العقلية في التثقُّف، بل اقتصروا على عملية الانحصار في ثقافة ضيقةٍ، ذاتِ ظلٍّ قصيرٍ، و ذاتٍ حيِّز محدود، سواءً كان مكانياً أو زمانياً أو شخصياً، فبذاك الضيقِ الأفقي المعرفي كان الضيق الفهمي، لأن السَّعة لا تخرج إلا من سَعة. حين يُصاب هؤلاء بهذه الحالة، و يُقابلون بشيءٍ من الحوارِ مع الآخرين، الذي أُقْصُوا، سيجدون ضيقَهم مُدرَكا لدى الآخرين، فيسعون، بكل ما أُوتوا، إلى أن يمنحوا رأيهم شموخاً، فيصبغون عليه ما للأمور التي فُهمت، فيُعطون الرأي، الخطأ، قُدسيةَ النصِّ، الصواب، فيُحاربون على هذا المبدأ، فيكون المخالف لرأيهم مخالفاً للنصِّ، أو القانون الكوني، أو أيَّ شيءٍ مُسلَّماً به لدى الآخرين المُقابلين لهم. و بعد هذا تكون الخلافات التي لا تنتهي أبدا، و التي تتطوَّر كثيراً، و على شرارةٍ من جهلٍ. هنا يصدق القول :" كان العلم نُقطةً فكثَّرَه الجاهلون" و لا أجهل ممن حصرَ الصوابَ في رأيٍ فرْدٍ، مبنيٍ على إدراكٍ ضيِّقٍ، معتمداً على آلةٍ عليلةٍ، أولئكَ هم الذين نأوا عن مقولة الصائبين " رأيي صوابٌ يحتملُ الخطأ، و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب" و الذي تكوَّنت منه القاعدة " الانحياز يقينية الجاهل ، و الحياد ريبيةُ العالم" .
مثل هذه العقول التي لا تُدرك التباين الفهمي، و لا تعترف بالتفاوت العقلي، لا يُمكن لأصحابها أن يتجاوزا ظلال عقولهم، لأنهم آمنون، و أمنهم إنما هو خوفٌ من الخوضِ في معرفةِ ما يجهلونه، و عندما يخاف الإنسان من معرفةِ ما يجهل فلا يُمكنه أن يعرفَ شيئا، و سيبقى سادناً لجهله، و محبوساً في عِيِّه، ومن كان كذلك، فلا يُؤْبَه برأيه مهما بلغ من المقام، حيثُ المعارفُ ليستْ شيئاً مجموعاً يتحصَّل عليها الإنسان فيحتويها ذهنه، بل هي أشياءُ حيَّة قابلةٌ للتعايش مع الحياةِ ككلٍّ، و لا يُمكننا أن نُدرك تعايُشها إلا من خلالِ فتح الأبواب للعقلِ للتعرُّفِ على ما لم يُعلم، فمن خاضَ غِماراً مغامراً أدركَ من ورائِه شيئاً، أقلّه أنه جاوز حاجز الخوف الوهي، ليس في المعارفِ ما يُخيف، لأنها ليست أشباحاً و لا غُولا، و إنما هي أنوارُ فكرٍ، يُطفئها الفهم الضيِّق، و كم أظلم الفهمُ الضيِّق علما منيرا. فعندنا يُجاوز هؤلاء محلَّ الأمان إلى محلِّ الخوفِ في المعارفِ سينالون هبةً كُبرى في فهمٍ جديد للحياة، و إدراكٍ جميل لمعنى إنسانيتهم، لأنهم أضافوا على قيمتهم العقلية شيئاً على ما استقرَّ فيها منذ أمدٍ طويل. و هنا يكون الخروج عن آفة التقديس للرأي، في اكتساب المعارفِ، و في التنقيبِ عن أسرارها، و في الشمولية المعرفية، فالطُرُق الكثيرةُ توصل إلى الكثير، و الطريقُ الطويلةُ تمرُّ على عددٍ كبيرٍ من محالِّ المعرفة.
إذن، فالقُدسية للرأي منفيةٌ بتاتاً، و لا يُمكن أن ينال الرأي قُدسيةً من حيثُ قُدسية الشيءِ المفهوم، لأن المفهومَ يَحتملُ أوجها، و نادراً جداً ما يكون النصُّ غير محتملٍ، و حيثُ بدا ذلك جلياً، فإن الإلتفات إلى من تحيَّزَ فهمه في شيءٍ من تضييع قيمة العقل، إذ هو بالجاهلِ أشبه، و لا التفاتَ لجاهلٍ مُركَّبٍ.