المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جميل


صقر فيصل
08-01-2010, 04:47 PM
قبض على كتفي رجلٌ مريبٌ وأنا جالس في غرفة الانتظار، وسألني: ماذا تقرأ؟ فنظرتُ إليه متعجبًا من مسكه لكتفي ونظرته إلي، ولكنني لم أجد حرجًا في الرد على سؤاله وقلتُ: كتابًا عن علم الجَمال! فقالَ: هناك أشياء أهم من هذا! سكتت، وأعدت النظر إلى وجهه، فعلمتُ أن به بأسًا، وأكد ذلك أن جاء مرافق له وأخذه بيده مبتسمًا في وجهي، فرددتها بابتسامة وعدتُ "متوترًا" إلى القراءة.

وما انشغالي بالجمال بدعة لم تُعرف من قبلُ على البسيطة، بل لقد أشغل هذا الموضوع العربَ منذُ الأيام الأولى، فوضعوا حدودًا صريحة في مصنفاتهم بين ألفاظ الجمال، فالجمال غير الحُسن غير الحلاوة غير الملح.

ومن كان الجمال نصب عينيه، رأى الدنيا حلوة خضرة، وإن كان لها غبشها واختلاف موازينها، في اللحظة الجميلة تبدو بيضاءَ من غير سوء، لها صوتٌ يطرب من به صممٌ، وكأنما جُعلتْ راحة وطمأنينة.

واللهُ جميلٌ يحب الجمال؛ هو المتوحد بالجلال بكمال الجمال، وأجملُ الكلام كلامه ((نحنُ نقصّ عليك أحسن القصص))، وأجمل الُخلق خلق القرآن، وأجمل السِيَر وأنجحها سيرة الحبيب عليه الصلاة والسلام الذي نقل لنا كلامَ الله وتخلّق بالقرآن. قرآنًا حسنًا، ورسالةً سامية، نورًا يهدي للتي هي أقوم، والله نور السموات والأرض.

وهناك جمال المخبر والمظهر، من العلم ما يزيّن العقل، ومن المنطق ما يحسن النظرة للأمور، ومن القرآن ما يطهر القلب ويقيم اللسان، ومن السلوك ما يرفع المرء في نفسه قبل الناس.

((ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) والحسنُ الجمال ... لا تسمّ ابنكَ حرب، ولكن سمّه الحسن، ولا تسمه حرب، ولكن سمه الحسين ... ومن الجمال الإسلامي الرفق؛ الرفق بالأبناء، والرفق بالناس، والرفق بالحيوان ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه))، والرفق بالنفس ((إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)).

والجمال يكونُ في الصعب الثقيل على النفس، ((واهجرهم هجرًا جميلا)) بلا أذى، ((فاصفح الصفح الجميل)) بلا عتاب، ((فاصبر صبرًا جميلاً)) بلا شكوى.

وقد اشتغل الفلاسفة أيضًا بالجمال، وجعلوه علمًا، واختلفوا في أسمائه، فهو تارة علم الجمال، وتارة علم الآداب الجميلة، وتارة نظرية الفنون، وتارة فلسفة الفن، وقد عرفه هيجل فقال: "أن يوقظ فينا إحساسات ممتعة عن طريق خلق أشكال لها ظاهر الحياة."

والجمال بشتى صوره يجلب الناس إليه، فإذا سمع المشركون سورة النجم، سجدوا لعظمة ما سمعوا من الهدي، وجماله، وفي الشعرِ إذا وقفَ كعب بن زهير، وقال: بانت سعادُ! ... وأتم قصيدته، أخذ جمالها الحبيب صلى الله عليه وسلم، فألقى بردته على الشاعر، وإذا أطربه حسنُ قول الشاعرة، قال: إيه خناسُ! وإذا أعجب الشعراء جمال امرأة، تسابقوا ليصفوها، وفاز بها - بعد موته - القائل: إن تتهمي فتهامة وطني، أو تنجدي يكن الهوى نجدُ!

وإن للجمال والحسن معي قصصًا تروى، وسأعود بها قريبًا إن شاء الله

حياه
08-02-2010, 03:37 AM
..

حديثك عن الجمال شيق وممتع
حيث أنك تطرقت لأنواع الجمال بطرق التعامل ليس حصرا على الجمال ذاته بمعناه العام ،

رائع . وانتظر قراءتك القادِمة ،

جميل .

..

محمد السالم
08-02-2010, 07:23 AM
يا صقر
أقسم بالله أني بعد الاطلاع على موضوعك
ومن بعد الذهاب إلى مدونتك أقولها أخرى أقسم بالله أني أحببتك
لك الحق ولغيرك أن يستغرب من هذا القسم من رجل لا تعرفه ولم يسبق له أن قد قال أنه قرأ لك سطرا واحدا
وليس في استغرابك أو غيرك إلا العقل لأن إنسان يأتي إليك فجأة ثم يقسم لك بأغلظ الأيمان أنه يحبك
فليس إلا واحد من ثلاثة أما أنه كذاب وصاحب حلف حانث أو رجل به شيء من المس أو رجل قد عاقر أم الخبائث فثمل فصار يهذي
ولكن أبشرك فضل من الله أقسم بالله لست بأحد من هؤلاء الثلاثة وما زلت أكرر لك قسمي أني أحببتك
واستدراك للسؤال الذي قد ينشأ من خلف ذلك القسم الذي قد يشك في صحته
هذا هو الجواب :
بعد ما قرأت ما كتبت في هذا المتصفح
وبعد الاطلاع على مدونتك وجدت أنك من القلة القليلة الباقية من كتابنا أوشعرائنا في هذا العقد .
الذين لا زالوا يعظمون كلام الله وقول نبيه.
بعكس الكثير الذين لا هم لهم ولا هاجس إلا النبش في دركات كل زنديق أو ملحد واظهار محاسنة
ولا يذكروا من ديننا ولا عقيدتنا ولا نبينا ولا صاحبة الكرام أي حسنة واحدة .
فمنهم من يلوذ خلف الصمت . وتفضحه فلتات لسانة . ومنهم من يعلنها صراحة أنه لا يؤمن بكل هذا الموروث
والعياذ بالله
فلذلك وجبت محبتك .
لك وافر الشكر والتقدير

صقر فيصل
08-03-2010, 03:54 PM
..

حديثك عن الجمال شيق وممتع
حيث أنك تطرقت لأنواع الجمال بطرق التعامل ليس حصرا على الجمال ذاته بمعناه العام ،

رائع . وانتظر قراءتك القادِمة ،

جميل .

..


ممتن لكِ هذه الكلمات الكريمة يا أخيّتي
عسى أن يكون القادم عند مستوى تطلعاتك
شكرا لك ووفقك الله

حمد الرحيمي
08-07-2010, 07:13 AM
صقر فيصل ...





أهلاً بك ...




استقراءٌ جميل لمفردة الجمال و استخداماتها المادية و المعنوية ...






و بانتظار البقية الباقية .... شكراً لك ...

صقر فيصل
08-07-2010, 05:26 PM
يا صقر
أقسم بالله أني بعد الاطلاع على موضوعك
ومن بعد الذهاب إلى مدونتك أقولها أخرى أقسم بالله أني أحببتك
لك الحق ولغيرك أن يستغرب من هذا القسم من رجل لا تعرفه ولم يسبق له أن قد قال أنه قرأ لك سطرا واحدا
وليس في استغرابك أو غيرك إلا العقل لأن إنسان يأتي إليك فجأة ثم يقسم لك بأغلظ الأيمان أنه يحبك
فليس إلا واحد من ثلاثة أما أنه كذاب وصاحب حلف حانث أو رجل به شيء من المس أو رجل قد عاقر أم الخبائث فثمل فصار يهذي
ولكن أبشرك فضل من الله أقسم بالله لست بأحد من هؤلاء الثلاثة وما زلت أكرر لك قسمي أني أحببتك
واستدراك للسؤال الذي قد ينشأ من خلف ذلك القسم الذي قد يشك في صحته
هذا هو الجواب :
بعد ما قرأت ما كتبت في هذا المتصفح
وبعد الاطلاع على مدونتك وجدت أنك من القلة القليلة الباقية من كتابنا أوشعرائنا في هذا العقد .
الذين لا زالوا يعظمون كلام الله وقول نبيه.
بعكس الكثير الذين لا هم لهم ولا هاجس إلا النبش في دركات كل زنديق أو ملحد واظهار محاسنة
ولا يذكروا من ديننا ولا عقيدتنا ولا نبينا ولا صاحبة الكرام أي حسنة واحدة .
فمنهم من يلوذ خلف الصمت . وتفضحه فلتات لسانة . ومنهم من يعلنها صراحة أنه لا يؤمن بكل هذا الموروث
والعياذ بالله
فلذلك وجبت محبتك .
لك وافر الشكر والتقدير




أحبك الله يا أخي
بدون شك أصبح التعدي على الذات الإلهية والتجاوزات الأخلاقية موضة يخوض فيها من يخوض، ويقلد كل واحد فيها الآخر.
سعيد بأن وجدت أخًا يشاركني هذا الهم، هم إعادة الأدب المحترم إلى الساحة مرة أخرى.
ولك مني محبة مكافئة لمحبتك إن لم تكن أكبر منها.
وفقك الله ورعاك

صقر فيصل
08-07-2010, 05:27 PM
صقر فيصل ...





أهلاً بك ...




استقراءٌ جميل لمفردة الجمال و استخداماتها المادية و المعنوية ...






و بانتظار البقية الباقية .... شكراً لك ...


أشكر لك هذا الإطراء يا أخي
وفقك الله ورعاك

صقر فيصل
08-07-2010, 05:28 PM
قمت مع صديقي فارس البقمي بإقامة ندوة تعريفية عن الإسلام بعنوان “مبادئ الإسلام” في جامعتنا بولاية أريزونا، وقد قُدمت الدعوة لجميع طلاب الجامعة ومنسوبيها والخريجين الساكنين في المنطقة.

لم نكن في موضع دعويّ، بل كنا نريد من وقوفنا ذلك أن نصلح بعض المعتقدات التي يعتقدها الأمريكيون والهنود والأوروبيون والإفريقيون والآسيويون وغيرهم من غير المسلمين، أن نصلح تلك الآراء والأفكار التي سببتها بعض الجماعات المسلحة وروجت لها وسائل الإعلام الغربية فأساءت إلى الدين وشوهته، وتسببت في حروب ذهب ضحيتها المسلمون وقضاياهم قبل غيرهم.

ولدى اجتماعنا في بادئ الأمر حذرنا أنفسنا: الله الله أن يؤتى الإسلام من ثغرة أيٍّ منا! ودفعنا ذلك إلى البحث عن ما يعتقد أولئك عن الإسلام من أجل مهاجمة تلك المعتقدات الخاطئة مهاجمة علمية مؤصًلة. وجدنا أن الأغلبية يظنون أننا نرفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى منزلة عيسى عليه السلام عند المسيحيين، وأن إلهنا هو كآلهة الدمار في الديانات الوثنية الشرقية، ومنه استقينا فكر التصادم الذي نؤمن – بحسبهم – ألا سبيل لنا سواه، وأن دين الإسلام هو الدين الوحيد الذي أمر بالحدود وفصّل في الشرائع ووضع الضوابط.

هنا كان لا بد من أن نخبر الآخر أننا لا نعبد محمدًا ولكننا نحبه، أننا نعبد الله إله اليهود والمسيحيين من قبل، ونؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ومبشرًا ونذيرًا للعالمين، ونوقن أن بعد الموت حسابٌ..

وقد كان الجزء الأول من محاضرتنا هو أكثرها صعوبة علينا، مما دفع كل واحدٍ منا إلى البحث جليًّا في أسماء الله وصفاته، فكان لزامًا علينا أن نتذكر وأن نخبرهم أن الله جميل يحب الجمال، ونحن نحذر أنفسنا دائمًا: الله الله لا يؤتى الإسلام من ثغرة أي منا.

وهنا نفتح الصفحة الأولى من المصحف الشريف، لنقرأ اسمًا لله يتكرر – مرتين – فيها، مرتين في بداية كل ركعة، مرة في البسملة، ومرة في الفاتحة: ((الرحمن الرحيم)). أوليسَ لله كمال الرحمة؟

يقول سيد قطب في الظلال:
((الرحمن الرحيم)) .. هذه الصفة التي تستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها تتكرر هنا في صلب السورة، في آية مستقلة، لتؤكد السمة البارزة في تلك الربوبية الشاملة؛ ولتثبت قوائم الصلة الدائمة بين الرب ومربوبيه. وبين الخالق ومخلوقاته.. إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء. إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية.
إن الرب الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة أولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق. ولا يدبر المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في (( العهد القديم )) كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الإصحاح الحدي عشر من سفر التكوين.من المؤسف أن نجد بعض الإخوة الدعاة والوعاظ لا يعرفون شيئا عن الله سوى عقابه للذين كفروا به، نسوا أو تناسوا أن رحمة الله سبقت غضبه، وأن رحمة الله غلبت غضبه، وأن رحمة الله عامة، فهو الرحمن الرحيم الغفور الغفار العفو. وهذا هو كمال الحسن وكمال الجمال الذي لا يُعرف في الخلق، ولكننا عرفناه عن خالق الخلق، سبحانه.

صقر فيصل
08-12-2010, 10:58 PM
لربما قرأتَها اليوم في ختمتك، ولربما قرأتَها أمس، ولربما قرأتَها غدًا، ولربما قرأتَها مرة كل يوم صباحًا، ولربما قرأتَها مرة مساءً، ولربما قرأتَها قبل النوم، ولربما قرأتَها لدى رقيتك لنفسك، ولربما قرأتَها في ساعة بُث فيك الفزع ...

((الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سِنة ولا نومٌ، له ما في السماوات وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما، وهو العلي العظيم))

يقول سيد قطب في الظلال:
وكل صفة من هذه الصفات تتضمن قاعدة من قواعد التصور الإسلامي الكلية. ومع أن القرآن المكي في عمومه كان يدور على بناء هذا التصور، فإننا نلتقي في القرآن المدني كذلك في مناسبات شتى بهذا الموضوع الأصيل الهام، الذي يقوم على أساسه المنهج الإسلامي كله، ولا يستقيم هذا المنهج في الحس إلا أن يستقيم ذلك الأساس، ويتضح، ويتحول إلى حقائق مسلمة في النفس، ترتكن إلى الوضوح واليقين.

وفي صحيح مسلم أن أبي بن كعب ‏ ‏قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا ‏ ‏أبا المنذر ‏ ‏أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟)) قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال: ((يا ‏ ‏أبا المنذر ‏ ‏أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟)) قال قلت: ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم)) قال: فضرب في صدري وقال: ((والله ‏ ‏ ليهنك العلم ‏ ‏أبا المنذر))!

وكأني بك تغبط الصحابي الجليل أبي ابن كعب رضي الله عنه على هذه الضربة من هذه الكف الطاهرة، أراك وأسمعك وأحس بلوعتك، وأنت تود لو كنت في ذلك الموقف وتلك اللحظة.

ولكنك حتما تسعد بقراءتك لهذه الآية، واستمرارك على ذلك، فقد يكون اسم الله الأعظم مذكورًا في هذه الآية فرأي الجمهور أنه "الله" وابن القيم يقول إنه "الحي القيوم لا إله إلا أنت" وكلها في هذه الآية.

ومن كتاب الدكتور سلمان العودة:
فالله هو أكثر الأسماء ترددًا في القرآن والسنة.
((الله)) هو أكثر الأسماء اشتهارًا وترديدًا على ألسنة المخلوقين كلهم بمختلف لغاتهم وألسنتهم.
((الله) هو الاسم الدال على الذات العظيمة الجامعة لصفات الألوهية والربوبية، فهو اسم له وحده لا يتعلق به أحد سواه، ولا يُطْلَق على غيره، ولا يدّعيه أحد من خلقه.

ومن الكتاب أيضًا:
في هذه الآية العظيمة ذكر الله عددًآ من أسمائه تعالى وصفاته، فذكر ألوهيته وأنه الذي لا إله إلا هو، وأنه الحي القيوم، وأتبع ذلك بقوله: ((لا تأخذه سِنة ولا نوم))، وذكر ملكه سبحانه وأن له ما في السموات وما في الأرض، وأن الشفاعة عنده لا تكون إلا بإذنه، وأنه سبحانه هو العليم الذي لا تخفى عليه خافية، يعلم ما بين أيديهم مما يأتي، وما خلفهم مما مضى، وهم لا يحيطون بشيء من علمه تبارك وتعالى: ((ولا يحيطون به علمًا)) إلا بما شاء، فلا يعرف العباد ربهم إلا بما عرَّفهم به، فالعقول لا تدركه سبحانه، ومن ذلك هذه الآية العظيمة.

ثم قال سبحانه وتعالى: ((وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما)) وفي هذا إشارة إلى عظمة الله عز وجل، وعظمة هذا الكرسي الذي وسع السموات والأرض.
ولا يؤود الله حفظهما، أي: لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السموات والأرض وما فيهما، وهو العلي العظيم.

يقول صاحب الظلال:
ويعلو الإنسان ما يعلو، ويعظم الإنسان ما يعظم، فلا يتجاوز مقام العبودية لله العلي العظيم. وعندما تستقر هذه الحقيقة في نفس الإنسان، فإنها تثوب به إلى مقام العبودية وتطامن من كبريائه وطغيانه؛ وترده إلى مخافة الله ومهابته؛ وإلى الشعور بجلاله وعظمته؛ وإلى الأدب في حقه والتحرج من الاستكبار على عباده. فهي اعتقاد وتصور. وهي كذلك عمل وسلوك..

ويقول سلمان العودة:
وفي ذلك حث العباد على سؤاله ودعائه والتماس ما عنده من الحفظ والكلاءة والجود، فهو الحفيظ القائم على كل نفس بما كسبت...

ومن استغنى بالله عن غيره حصّلَ جميل الغنى، الذي لا يخاف بعده فقرًا، ولا يخاف بعده خُسرًا، ولا يخاف بعده بشرًا.

يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه فن الذكر والدعاء:
إن الغني بالله لا تدنيه مشاعر الرغبة والرهبة، والقوي بالله لا تقلقه أعداد القلة والكثرة، والمراقب لله تستوي عنده الخلوة والجلوة، وطالب الآخرة لا تستخفه مآرب الحياة الدنيا.

صقر فيصل
08-26-2010, 01:05 AM
إنك لم تحضر وقائع القصص والروايات، ولكنك تعيش أحداثها وتحيى بين شخصياتها، يحزن قلبك وتدمع عينك، كأن أبطالها أحياء يسيرون معك، أو كأنهم ماتوا لديك وأنت تنظر .. يعجبك محفوظ والطيب صالح، يعجبك كويليو وماركيز ...

أدب روسي وآخر إسباني، وأدب عربي أصيل، حتى إذا قرأتَ: ((نحنُ نقصّ عليك أحسن القصص)) أدركت أن قد قفزتَ درجاتٍ عظيمةً، وانتقلتَ من الأدب الإنسانيّ الجميل، إلى الكلام الإلهي الأجمل.

قصص القرآن، قصص الأنبياء، قصة يوسف عليه السلام، أحسن القصص ولا شك في ذلك. لم تحضر وقائعَها ((وما كنتَ لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)) ولكن قلبك يخفق بتسارع عجيب، وعينيك تتسعان أحيانا وتسحان الدموع أحيانا، ونفسك تجزع وتهدأ ... ((وإن كنت من قبله لمن الغافلين)).

يقول سيد قطب في الظلال:
إن قصة يوسف - كما جاءت في هذه السورة [سورة يوسف] - تمثل النموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء الفني للقصة، بقدر ما تمثل النموذج الكامل لهذا المنهج في الأداء النفسي والعقيدي والتربوي والحركي أيضًا .. ومع أن المنهج القرآني واحد في موضوعه وأدائه، إلا أن أن قصة يوسف تبدو وكأنها المعرض المتخصص في عرض هذا المنهج من الناحية الفنية للأداء.

إنك تتلاشى لتصبح هواء في محيط الأحداث، يبرد ويسخن، يعكر ويصفو، تكون أبًا وابنًا وأخًا ومظلومًا، تكون في عزلة وفي غربة وفي ظيم، أنت تستشعر كل نداء كأنه يرنّ أجراسًا في أذنك، كأنك لديهم، ((يا أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)) ، ((يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك)) ((يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا)) ، كل صرخة وكل وعيد وكل نزوة ((هيت لك)) ((يا بشرى هذا غلام)) كل نجوى ((يا صاحبي السجن)) أنت تعض على أنامل الندم ((إن النفس لآمارة بالسوء)) ((يوسف أعرض عن هذا)) تسر في نفسك الألم لدى مواجهة الأنفس الخبيثة ((أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون)) ((إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)) تخاف الله ولا تخاف الناس ((معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده)).

إنك تطمئن بعد بكاء وأسف لحال يوسف وأبيه، تطمئن إذ تعلم أن الله ليس بظلاّم للعبيد، ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ((وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء)) ... والصبر كما يقال مفتاح الفرج.

يقول ابن الجوزي:
بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى لا تبع عزها بذل المعاصي. وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمضّ وأرمض. فإذا بلغت النهاية من الصبر فاحتكم وقل فهو مقام من لو أقسم على الله لأبره.

أغلبك الحزن؟ أتداعت عليك الذئاب والوحوش؟ أءنت تخاف الناسَ والشهوات؟ استأنس بهذه السورة، بكلام الله، بأحسن القصص، ((لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسائلين)).

<object width="480" height="385"><param name="movie" value="http://www.youtube.com/v/3kgGPuK6jl4?fs=1&amp;hl=en_US"></param><param name="allowFullScreen" value="true"></param><param name="allowscriptaccess" value="always"></param><embed src="http://www.youtube.com/v/3kgGPuK6jl4?fs=1&amp;hl=en_US" type="application/x-shockwave-flash" allowscriptaccess="always" allowfullscreen="true" width="480" height="385"></embed></object>