سميراميس
08-07-2010, 09:32 PM
" أحذيتي الفارغة
مملوءة بخطط السفر
وتعرف الطرق كلها
التي تؤدي إليك "*
* * *
كُنّا أطيبُ من مطرٍ ، يسقط فيْ الكأسِ ليثملْ به التُقاة قبل العُصاة !
كُنّا أتقىْ من أقداحٍ مقدّسة صنعتها مصانع كبيرة بالْسماء ليستوردّها العّباد بتضرّع وَ خشوع ، و العُصاة بصخبٍ و مُجون..
بالأمس القريب ـ قبل ثلاثة شهور أو تزيد ـ كانت حياتي عُرسًا كبيرًا تُضرب به الكؤوس وتُرفع الأنخاب ، و ذات مساء ، جاءت السعادة ملبيّة دعوتي ، و قد أجلستها هُنا على ركبتي ، لحفاوتي بها ، فوجدتها غانية ضحكتها مُجلجلة ، وَ أجراس خلاخلها تؤذيّ سمعْ قاطني المُدن بداخلي ، و قَدْ تذكرّت أنّ فيْ البْعد عنها ـ تلك السعادة ـ كانت رفيقتي الروحية التي تعودني بالأحلام و هي عذراء آمنت بالشرف فماتت وهنًا لأنها ابنة قوم يصلبون كرامتها مئات المرّات لأنهم يخشون " العار " ، لعنتُ السعادة حينها و راقصت آرثر رامبو و فصله الكائن في مملكةِ الجحيم ..
تُهرق أيامنا عُمرًا لسقايةِ الأرواح الهائمة الملتصقة بنّا ، و بعد أنْ تمتلئْ و تفيض تجهر لنا قائلة : عُمركم مُرًّا ، و قد آن أنْ نُكمل المسير ، و نحّج قبلة رغباتنا ، لا في إرسالية أنسلم ، ولا في أصحاح متّى المحرفّة و لا في أناجيل جوستين و لا القديس توما الاكويني المعتدل ، تُصاغ قوالب هذا الجفاف ، و كُل الأسفار رُغم تفانيهّا في إلحاق الجحيم بالخطيئة إلاّ أنها براء مما كتبته تلك الأرواح التي حجّت بهذه الليال المعلومات و الصافرة كانت ديم الغبار الذي تسببّت به أحذية فارغة نفضتها ملائكة متمرّدة فيْ السماءِ الدانيّة .. عتيقة جِدًّا تلك الأحذية ، و قد سكنها هذا الغبار الذي أزكم الأنوف بروائح الفقد و آكاليل الفراق ..
الآن / الآن / الآن
أحطمّك أيتها التماثيل المنصبّة برأسي ، و قد يصيح أهل رأسي و يفرطون بالبكاءِ ، فلا بأسْ دوخوا يا أهل رأسي أبد الدهر ، و لا تكرهوننّي عندما أضع الحق بجانب خطيئة تُدمنونها و ترونها حقّاً ! و لا تقلقوا أيضًا إذا ما ترنحّت بينكم مِنْ فرط خطيئتي ، و فجاءة قَدْ أخشاكم لأتلاشى بعيدًا بعيدًا ، و أعود أبحث عن حضن أمي لأرتميْ في معبدها فهي قديّستي الواحدة الموحّدة ، و إذا ما وجدتها سأصيحُ بالمطر حتى تأتي أعرفها جيّدا تجذبها رائحة دمعي حتى في البُعد و الْعمل ، و تحت الماء أنَا مجرّد نيلوفر يُمطر يقظة و يحترق يقظة أيضًا ، و تحت الماء أكون ماء يغرق في الماء ، و قد يأتي أحدكم ـ يا أهل رأسي ـ كالماء ليؤذن : مطر ، مطر ، مطر ، ليقبضْ بأطرافي و أنا أُهرول على الطين المتكدّس بعيني ، فأنا هو و هو أنا ، أطأ عيني و يطأني الْمطر ، فهذا المطّر ملوّث ، و لو كان نقيّا لأزال ترسبّات الطين مِنْ عيني ، بل أنه مطّر متواطئ جدّا بيد أنه شكّل صلصالاً من حمأٍ أسود ليحجب رؤيتي أكثر و يجعلني أتعكّز بعصا الهيرمينوطيقيا المطاطيّة ..
في رأسي يصلّي الأهالي لإزالة ذلك الطين الذي حجب الْمطر عن رياضهم ، و وسطهم هناك شيخًا كثّ اللحيّة يحمل رأسه علىْ الأكتافِ ، و يسألني عن جثةٍ ، قائلاً بوعظٍ : أنها تأويْ فقراء الله ، تغنّي تراتيل قداس تخشع لها الأراض و السماء ، بكاءٌ و عويلٌ همّوا به كلهم عندما اكتشفوا أن تلك الجثة هي العالقة بعيني و لكنهم للتو باتوا يشعرون ، أمشي معهم ، أبكي كما الماء نهرًا ، ليمدّوا أيديهُم طوابيرًا بكوؤس مقدسّة يشّع منها نورًا ، فقأت تلك الجموع عيني المحجوبة حتى أبصرت و بالإبصار وعيت على ليلةٍ ساخنة ترتفع بها درجة الحرارة ، و تُلثّمت سماء الْرياض ذرات من الغبار ، بها ارتأيت وجه الخيبة على مسرح الفضيلة وهي سافرة ماجنة بلا اكتراث ، و بتلك الخيبة أيضًا لمست وجع مريم عندما رأت الصليب يتقدّم ليكون فداء و تنفّك لعنة الخطيئة الأبدية ، قبضت حينها وجه الكهل ذو اللحية الكثّة البيضاء و هو في المنبر يخطب بالعبّاد و هم خانعون / مسلمّون ، تُمطرهم مشاعري بجزلٍ و لكنهم لا يشعرون و لا يبصرون ..
تقول لي رُوْح ذلك الكهل التي تحوم فيْ المقابر أنها قد جاءت على متنِ ألف من نجوم هذا الليل المرتعد / اللا وجه له ، بعد أن أخضعته لها قسْرًا ، لأنها تُريد أنْ تُرصّع بسماواتي ثلاث حقائقًا و كواكبًا و أقمارًا ، سفن الخيبة الفضائية قادتها لأن تقطع مئات السنين الضوئية و تصل إليّ ، و بوصولها نُفضت الأحذية الفارغة فثار هذا الغبار المعتّق ..
بضعُ أمنيات و سلسلة من قناديل الوْرق لا زالت تطفو على خليج آسن لا أين له ، و الريح جاءت متجهّمة متجاهلة كل صرخة لأخرس ، كل دمعة أم ، كل أغنية مصلوبة . أيتها الريح الغانية ماذا تحملين من نبأ !؟ أهي نبواءتُ قلب لم يصدقّها الأتباع لأنها كانت على الورد تقسو ، و سمحت لأحذيتهم الفارغة أنْ تدوس ليموت الزهر ؟
حسنًا ،جُفيّ يا سُقيا..واسترح يا ماء فقدْ أوصاك الماغوط بالكفنِ المريح مت .. مت.. مت ، و للماغوط طرقٌ على الباب ليذكرّك باللوح المحفوظ في السموات العُلى ، و لا تحزن لو تحرّك الباب و صفق دون أن تهب الريْح !
حان موعد الحج ، فالسماء تُنادي و بنهر " ليثي " ستنغمس الأقلام ، و خلف الغسق هناك ملائكة وضاءة ترتقب لأنَّ العقل يهيئ ميقات للمصليّن و التوجّه قبلته لإداء فريضة حج الأفئدة شريطة أن تمتلئ الأحذية أو تُخلعْ لكي لا تعودْ لمسلك الطُرق المؤدية..
ربيبةُ اليمّام / سميراميس (شاميرام)
***
ــــــــــــ
* العنوان / كلمات غونتر غلاس و غناء لجاهدة وهبي بتصّرف
مملوءة بخطط السفر
وتعرف الطرق كلها
التي تؤدي إليك "*
* * *
كُنّا أطيبُ من مطرٍ ، يسقط فيْ الكأسِ ليثملْ به التُقاة قبل العُصاة !
كُنّا أتقىْ من أقداحٍ مقدّسة صنعتها مصانع كبيرة بالْسماء ليستوردّها العّباد بتضرّع وَ خشوع ، و العُصاة بصخبٍ و مُجون..
بالأمس القريب ـ قبل ثلاثة شهور أو تزيد ـ كانت حياتي عُرسًا كبيرًا تُضرب به الكؤوس وتُرفع الأنخاب ، و ذات مساء ، جاءت السعادة ملبيّة دعوتي ، و قد أجلستها هُنا على ركبتي ، لحفاوتي بها ، فوجدتها غانية ضحكتها مُجلجلة ، وَ أجراس خلاخلها تؤذيّ سمعْ قاطني المُدن بداخلي ، و قَدْ تذكرّت أنّ فيْ البْعد عنها ـ تلك السعادة ـ كانت رفيقتي الروحية التي تعودني بالأحلام و هي عذراء آمنت بالشرف فماتت وهنًا لأنها ابنة قوم يصلبون كرامتها مئات المرّات لأنهم يخشون " العار " ، لعنتُ السعادة حينها و راقصت آرثر رامبو و فصله الكائن في مملكةِ الجحيم ..
تُهرق أيامنا عُمرًا لسقايةِ الأرواح الهائمة الملتصقة بنّا ، و بعد أنْ تمتلئْ و تفيض تجهر لنا قائلة : عُمركم مُرًّا ، و قد آن أنْ نُكمل المسير ، و نحّج قبلة رغباتنا ، لا في إرسالية أنسلم ، ولا في أصحاح متّى المحرفّة و لا في أناجيل جوستين و لا القديس توما الاكويني المعتدل ، تُصاغ قوالب هذا الجفاف ، و كُل الأسفار رُغم تفانيهّا في إلحاق الجحيم بالخطيئة إلاّ أنها براء مما كتبته تلك الأرواح التي حجّت بهذه الليال المعلومات و الصافرة كانت ديم الغبار الذي تسببّت به أحذية فارغة نفضتها ملائكة متمرّدة فيْ السماءِ الدانيّة .. عتيقة جِدًّا تلك الأحذية ، و قد سكنها هذا الغبار الذي أزكم الأنوف بروائح الفقد و آكاليل الفراق ..
الآن / الآن / الآن
أحطمّك أيتها التماثيل المنصبّة برأسي ، و قد يصيح أهل رأسي و يفرطون بالبكاءِ ، فلا بأسْ دوخوا يا أهل رأسي أبد الدهر ، و لا تكرهوننّي عندما أضع الحق بجانب خطيئة تُدمنونها و ترونها حقّاً ! و لا تقلقوا أيضًا إذا ما ترنحّت بينكم مِنْ فرط خطيئتي ، و فجاءة قَدْ أخشاكم لأتلاشى بعيدًا بعيدًا ، و أعود أبحث عن حضن أمي لأرتميْ في معبدها فهي قديّستي الواحدة الموحّدة ، و إذا ما وجدتها سأصيحُ بالمطر حتى تأتي أعرفها جيّدا تجذبها رائحة دمعي حتى في البُعد و الْعمل ، و تحت الماء أنَا مجرّد نيلوفر يُمطر يقظة و يحترق يقظة أيضًا ، و تحت الماء أكون ماء يغرق في الماء ، و قد يأتي أحدكم ـ يا أهل رأسي ـ كالماء ليؤذن : مطر ، مطر ، مطر ، ليقبضْ بأطرافي و أنا أُهرول على الطين المتكدّس بعيني ، فأنا هو و هو أنا ، أطأ عيني و يطأني الْمطر ، فهذا المطّر ملوّث ، و لو كان نقيّا لأزال ترسبّات الطين مِنْ عيني ، بل أنه مطّر متواطئ جدّا بيد أنه شكّل صلصالاً من حمأٍ أسود ليحجب رؤيتي أكثر و يجعلني أتعكّز بعصا الهيرمينوطيقيا المطاطيّة ..
في رأسي يصلّي الأهالي لإزالة ذلك الطين الذي حجب الْمطر عن رياضهم ، و وسطهم هناك شيخًا كثّ اللحيّة يحمل رأسه علىْ الأكتافِ ، و يسألني عن جثةٍ ، قائلاً بوعظٍ : أنها تأويْ فقراء الله ، تغنّي تراتيل قداس تخشع لها الأراض و السماء ، بكاءٌ و عويلٌ همّوا به كلهم عندما اكتشفوا أن تلك الجثة هي العالقة بعيني و لكنهم للتو باتوا يشعرون ، أمشي معهم ، أبكي كما الماء نهرًا ، ليمدّوا أيديهُم طوابيرًا بكوؤس مقدسّة يشّع منها نورًا ، فقأت تلك الجموع عيني المحجوبة حتى أبصرت و بالإبصار وعيت على ليلةٍ ساخنة ترتفع بها درجة الحرارة ، و تُلثّمت سماء الْرياض ذرات من الغبار ، بها ارتأيت وجه الخيبة على مسرح الفضيلة وهي سافرة ماجنة بلا اكتراث ، و بتلك الخيبة أيضًا لمست وجع مريم عندما رأت الصليب يتقدّم ليكون فداء و تنفّك لعنة الخطيئة الأبدية ، قبضت حينها وجه الكهل ذو اللحية الكثّة البيضاء و هو في المنبر يخطب بالعبّاد و هم خانعون / مسلمّون ، تُمطرهم مشاعري بجزلٍ و لكنهم لا يشعرون و لا يبصرون ..
تقول لي رُوْح ذلك الكهل التي تحوم فيْ المقابر أنها قد جاءت على متنِ ألف من نجوم هذا الليل المرتعد / اللا وجه له ، بعد أن أخضعته لها قسْرًا ، لأنها تُريد أنْ تُرصّع بسماواتي ثلاث حقائقًا و كواكبًا و أقمارًا ، سفن الخيبة الفضائية قادتها لأن تقطع مئات السنين الضوئية و تصل إليّ ، و بوصولها نُفضت الأحذية الفارغة فثار هذا الغبار المعتّق ..
بضعُ أمنيات و سلسلة من قناديل الوْرق لا زالت تطفو على خليج آسن لا أين له ، و الريح جاءت متجهّمة متجاهلة كل صرخة لأخرس ، كل دمعة أم ، كل أغنية مصلوبة . أيتها الريح الغانية ماذا تحملين من نبأ !؟ أهي نبواءتُ قلب لم يصدقّها الأتباع لأنها كانت على الورد تقسو ، و سمحت لأحذيتهم الفارغة أنْ تدوس ليموت الزهر ؟
حسنًا ،جُفيّ يا سُقيا..واسترح يا ماء فقدْ أوصاك الماغوط بالكفنِ المريح مت .. مت.. مت ، و للماغوط طرقٌ على الباب ليذكرّك باللوح المحفوظ في السموات العُلى ، و لا تحزن لو تحرّك الباب و صفق دون أن تهب الريْح !
حان موعد الحج ، فالسماء تُنادي و بنهر " ليثي " ستنغمس الأقلام ، و خلف الغسق هناك ملائكة وضاءة ترتقب لأنَّ العقل يهيئ ميقات للمصليّن و التوجّه قبلته لإداء فريضة حج الأفئدة شريطة أن تمتلئ الأحذية أو تُخلعْ لكي لا تعودْ لمسلك الطُرق المؤدية..
ربيبةُ اليمّام / سميراميس (شاميرام)
***
ــــــــــــ
* العنوان / كلمات غونتر غلاس و غناء لجاهدة وهبي بتصّرف