سميراميس
10-24-2010, 05:09 PM
* يقول المتنّبي :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله و أخو الجهالة بالشقاوة ينعم
فهل العقل صوت للشقاءِ وسط النعيم ؟ و هل الجهل نعمة وسط الشقاء ؟
عندما نُطلق العنان للعقل و نتفكّر بكل ما يحيط بنا ، ( عقل ، ضمير ، حياة ، موت ، خلود ، طبيعة ...ألخ ) سنصاب بنزعة شكوكية تأملية لا تستند مطلقًا على ركيزة ـ إلا ما قد يتصل بثوابت البشر الدينية بالذات ـ بل أنها لا تسند نفسها لتستمر طويلاً ، و قد تتقلب و تتلوّن لأنها خاضعة للصيرورة المستمرة ، و وفقًا لهذا التغيير المستمر ستتغير الأراء و الثقافات و المعتقدات ، و سيشقى الإنسان لأنه غير مستتب و عقله لم يعد تلك الصفحة البيضاء التي كتبَ عليها أبائه السابقين تعاليم دينهم و محظورات مجتمعهم ، والتي ستبقى محفورة في عقله كما نقوش فرعونية سطّرت باللغة الهيروغليفية على تابوت ملك عظيم ..
الأشقياء كما نعتهم المتنبي هم الذين يعملون بالعقلِ ، و هم الذين لا يركنون لأساطير الأولين ، فأنْ يقتنع الشخص بالشقاء لجهله ، أو لنقل أن يتماهى مع الشقاء ، فهذا سيمنحهُ بطاقة رسمية يتجول بها بين قلاع و ممالك النعيم بكل أريحية و غفران . أمّا الذي يرفض هذا الشقاء ـ الوضع الراهن ـ فهو كمن يركل النعيم بيديه ، لأنه باختصار ثائر على هذا النعيم الذي لا ينعم به إلا الجهلة ..
و لدوستوفسكي وقفة أخرى في إنسانه الصرصار حيث كتب على لسان الإنسان الصرصار :
" أقسم أيها السادة أن شدة الإدراك مرض ـ مرض حقيقي خطر . إنَّ حياة الإنسان المألوفة لا تتطلب منهُ أكثر من إدراك الإنسان العادي ، أي نصف أو ربع الإدراك الذي يتمتع به الإنسان المثقف في هذا القرن التاسع عشر الكئيب .. ألخ "
وَ من الشقاء للمرض ينتقل بنا دوستوفيسكي ، فها هو يصف شدة الإدراك أو التبحّر في المعرفة و العقل بالمرض الخطير الذي يصنّف أولاً و أخيرًا أنه علّة ؟
و العلّة لابد لها من دواء ، فهل المعرفة شقاء ، و طبّها الجهالة ؟
و هل النعيم في بيئة موبوءة بالجهل نعيمًا ؟
أمّا رائد الثورة الفرنسية فولتير فقد تحدّث لنا عن قصة " الكاهن البرهمي صالح " الذي تمنّى " لو لم يُولد أبدًا ! "
فسأله : لِمَ ؟
فأجابهُ : " لأنني قضيتُ أربعين سنة في الدراسة و خسارة الوقت . . . أعتقدُ أنني مركّب من المادة ، و لكني لم اقدر على إقناع نفسي بحقيقة ذلك الذي يولد الفكر " كما أني جاهل تمامًا فيما إذا كان تفكيري مقدرة بسيطة كمقدرتي على المشي و الهضم أو إذا كنت أفكر برأسي بنفس الطريقة التي أمسك بها شيئًا بيدي . . . إني أتحدث كثيرًا و عندما أتحدث أبقى مبلبلاً مخجولاً بما قلت "
و لقد تحدّث فولتير بنفس اليوم مع امرأة عجوز تعيش بجوار ذلك البرهمي الصالح ، و سألها فيما إذا كانت مغمومة و مكتئبة لعدم فهمها لكيفية خلق نفسها ؟
و حدث أنها لم تُدرك حتى سؤاله لها ..
وَ قالت بعد ذلك : إنها لم تفكر بمثل هذه الأشياء التي بعذب فيها البرهمي الصالح نفسه ، و أنها لم تفكر فيها لحظة واحدة . أنها تعتقد اعتقادًا راسخًا من أعماق قلبها في تغير إله الهندوس ، و قالت : إنها جاءت بقليل من ماء النهر المقدس لتتوضأ به ، و تعتقد أنها أسعد إنسانة ..
و بعد هذا توجّه فيلسوفنا فولتير لفيسلوفه البرهمي الصالح و سأله قائلاً له :
ألا تشعر بالخجل من شقائك و بؤسك ، بينما تعيش امرأة عجوز على بعد خمسين ياردة منك ، لا تفكر بشيء و تعيش راضية ؟
أجابه قائلاً : " أنك على حق لقد قلت لنفسي ألف مرّة بأني لو كت جاهلاً كجارتي العجوز لكنت سعيدًا ، و مع ذلك فإن مثل هذه السعادة لا أريدها و لا أرغب بها "
بوجهة نظري الشخصية أقول أن البرهمي ترك أعظم الأثر في نفسي أكثر من أي شيء مضى ..
و حتى لو انتهت الفلسفة بشك تام مثل فلسفة مونتاني مثلاً ، فأنها أنبل شيء في الإنسان و أعظم تجربة له . و لنقنع بتقدم معتدل في المعرفة ، بدلاً من أن نُحيك أنظمة جديدة من وهمنا الكاذب ..
علينا أنْ نتعلم كيف نسأل ، ولا بأس بأن نخطئ في الإجابة على الأسئلة ، و لا مانع لو شقينا في العلم و المعرفة ، لكن ثقوا أن الأكثر شقاء من ذلك هو أن نتلقف الحقائق الأزلية و الآنيّة أيضًا و نبروزها في عقولنا و قلوبنا و نقصيها عن الزمن و مستجداته ، و ذلك فقط لكي ننعم وسط هذا الشقاء ، فطالما أننا خريجو معاهد جهالة مع مرتبة الشرف ، لنْ يكون لنا هدفًا إلا النعيم وسط الشقاء (:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله و أخو الجهالة بالشقاوة ينعم
فهل العقل صوت للشقاءِ وسط النعيم ؟ و هل الجهل نعمة وسط الشقاء ؟
عندما نُطلق العنان للعقل و نتفكّر بكل ما يحيط بنا ، ( عقل ، ضمير ، حياة ، موت ، خلود ، طبيعة ...ألخ ) سنصاب بنزعة شكوكية تأملية لا تستند مطلقًا على ركيزة ـ إلا ما قد يتصل بثوابت البشر الدينية بالذات ـ بل أنها لا تسند نفسها لتستمر طويلاً ، و قد تتقلب و تتلوّن لأنها خاضعة للصيرورة المستمرة ، و وفقًا لهذا التغيير المستمر ستتغير الأراء و الثقافات و المعتقدات ، و سيشقى الإنسان لأنه غير مستتب و عقله لم يعد تلك الصفحة البيضاء التي كتبَ عليها أبائه السابقين تعاليم دينهم و محظورات مجتمعهم ، والتي ستبقى محفورة في عقله كما نقوش فرعونية سطّرت باللغة الهيروغليفية على تابوت ملك عظيم ..
الأشقياء كما نعتهم المتنبي هم الذين يعملون بالعقلِ ، و هم الذين لا يركنون لأساطير الأولين ، فأنْ يقتنع الشخص بالشقاء لجهله ، أو لنقل أن يتماهى مع الشقاء ، فهذا سيمنحهُ بطاقة رسمية يتجول بها بين قلاع و ممالك النعيم بكل أريحية و غفران . أمّا الذي يرفض هذا الشقاء ـ الوضع الراهن ـ فهو كمن يركل النعيم بيديه ، لأنه باختصار ثائر على هذا النعيم الذي لا ينعم به إلا الجهلة ..
و لدوستوفسكي وقفة أخرى في إنسانه الصرصار حيث كتب على لسان الإنسان الصرصار :
" أقسم أيها السادة أن شدة الإدراك مرض ـ مرض حقيقي خطر . إنَّ حياة الإنسان المألوفة لا تتطلب منهُ أكثر من إدراك الإنسان العادي ، أي نصف أو ربع الإدراك الذي يتمتع به الإنسان المثقف في هذا القرن التاسع عشر الكئيب .. ألخ "
وَ من الشقاء للمرض ينتقل بنا دوستوفيسكي ، فها هو يصف شدة الإدراك أو التبحّر في المعرفة و العقل بالمرض الخطير الذي يصنّف أولاً و أخيرًا أنه علّة ؟
و العلّة لابد لها من دواء ، فهل المعرفة شقاء ، و طبّها الجهالة ؟
و هل النعيم في بيئة موبوءة بالجهل نعيمًا ؟
أمّا رائد الثورة الفرنسية فولتير فقد تحدّث لنا عن قصة " الكاهن البرهمي صالح " الذي تمنّى " لو لم يُولد أبدًا ! "
فسأله : لِمَ ؟
فأجابهُ : " لأنني قضيتُ أربعين سنة في الدراسة و خسارة الوقت . . . أعتقدُ أنني مركّب من المادة ، و لكني لم اقدر على إقناع نفسي بحقيقة ذلك الذي يولد الفكر " كما أني جاهل تمامًا فيما إذا كان تفكيري مقدرة بسيطة كمقدرتي على المشي و الهضم أو إذا كنت أفكر برأسي بنفس الطريقة التي أمسك بها شيئًا بيدي . . . إني أتحدث كثيرًا و عندما أتحدث أبقى مبلبلاً مخجولاً بما قلت "
و لقد تحدّث فولتير بنفس اليوم مع امرأة عجوز تعيش بجوار ذلك البرهمي الصالح ، و سألها فيما إذا كانت مغمومة و مكتئبة لعدم فهمها لكيفية خلق نفسها ؟
و حدث أنها لم تُدرك حتى سؤاله لها ..
وَ قالت بعد ذلك : إنها لم تفكر بمثل هذه الأشياء التي بعذب فيها البرهمي الصالح نفسه ، و أنها لم تفكر فيها لحظة واحدة . أنها تعتقد اعتقادًا راسخًا من أعماق قلبها في تغير إله الهندوس ، و قالت : إنها جاءت بقليل من ماء النهر المقدس لتتوضأ به ، و تعتقد أنها أسعد إنسانة ..
و بعد هذا توجّه فيلسوفنا فولتير لفيسلوفه البرهمي الصالح و سأله قائلاً له :
ألا تشعر بالخجل من شقائك و بؤسك ، بينما تعيش امرأة عجوز على بعد خمسين ياردة منك ، لا تفكر بشيء و تعيش راضية ؟
أجابه قائلاً : " أنك على حق لقد قلت لنفسي ألف مرّة بأني لو كت جاهلاً كجارتي العجوز لكنت سعيدًا ، و مع ذلك فإن مثل هذه السعادة لا أريدها و لا أرغب بها "
بوجهة نظري الشخصية أقول أن البرهمي ترك أعظم الأثر في نفسي أكثر من أي شيء مضى ..
و حتى لو انتهت الفلسفة بشك تام مثل فلسفة مونتاني مثلاً ، فأنها أنبل شيء في الإنسان و أعظم تجربة له . و لنقنع بتقدم معتدل في المعرفة ، بدلاً من أن نُحيك أنظمة جديدة من وهمنا الكاذب ..
علينا أنْ نتعلم كيف نسأل ، ولا بأس بأن نخطئ في الإجابة على الأسئلة ، و لا مانع لو شقينا في العلم و المعرفة ، لكن ثقوا أن الأكثر شقاء من ذلك هو أن نتلقف الحقائق الأزلية و الآنيّة أيضًا و نبروزها في عقولنا و قلوبنا و نقصيها عن الزمن و مستجداته ، و ذلك فقط لكي ننعم وسط هذا الشقاء ، فطالما أننا خريجو معاهد جهالة مع مرتبة الشرف ، لنْ يكون لنا هدفًا إلا النعيم وسط الشقاء (: