المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هاملة


سميراميس
12-02-2010, 07:31 PM
http://img105.herosh.com/2010/11/21/904109014.jpg


هاملةٌ أنا ، و لنْ أستقيل من هذه الحياة طالما هناك ثمة طاقة لا تزال تضيء طرقات داخلي ، أنا الساخرة من أرباب العبثية و العدمية ، اليوم أجعل من نفسي نصبا عدميًا تذكاريًا في ميدان مدينة كل " عدم " بها يتظاهر في اليوم مئة مرّة أو تزيد !
حتى الكتابة صديقتي الأريبة التي عادة ما تصحبني بسموٍ يكاد يشف روحي ، تغضب لغضبي و تفرح لفرحي و تثور لثورتي ، اليوم أجدها تجدد ولائها بأنها ها قد ركعت لي هاملة أيضًا ..
في الكتابة مُدن كبيرة بها ملاجئ للأيام ، تنفجر كما نبال من نار و تُحدث حرائق على الورق ، و من سيمضي بدلو النار إلى حقل النصوص سيزرعَ ألغامًا أدبية و بيادر حكمة ، لو أحكمت العقول قراءتها لقطفت الحقائق قبل مواسم الحصاد ، و غنّت أناشيد الفلاحيّن الرعوية لسكنى مدن الصهيل بكل نشوة و اعتزاز..
لكننّي هاملة ، نعم هاملة يا صديقة ، فلا مُدن الكتابة سكنت قلمي و لا أغنيات أهل الريف الرعوية قشرّت عدميتي ، هذه !
أتحفظين سرًّا ، أُغنيتي الوحيدة هي أنثى حكيمة جدًا ، سرقتها من أرض نينوى و آشور ، كانت تعبر الشارع بجوار ضفة دجلة وحيدةً ، و في السماء على مسرحٍ كبير لا سياج له ، هناك يجلس جمع غفير من الشعب و السلطة و الشرطة و الحرس الجمهوري أيضًا ، يشاهدون أُغنيتي الباذخة و هي تجوب مملكتها ليلًا ، حتى داهمت أوتارها نار عظيمة فتكت بكينونتها المائية / النورانية ، من ضريحِ شاعر بكى كثيرًا على حمورابي العظيم ، و قد تبخرّت بعض الأوتار حتى لفظتها طبقة الجو لتلوثّها بأرواح الجن ،
و حين أوشكت موسيقى الأغنية على الفناء تمامًا ، استعجلَ الخلق ـ جمهور السماء ـ كل فرقَ الإطفاء لإخماده في آخر طوابق الأغنية الآشورية ... و بقيت هاملة و لا تزالْ ، اصغي السمع جيّدًا لملائكة السماء الرابعة بجوار القلم لا يزالون ينتحبون على فناء بعض عظمة آشور ، و على وجه الخصوص الأغنية ذات المقامات الشرقية ..
لمْ تموت ، و لم تنته حتى الآن ، لكنها هاملة ، أوتدركين ذلك يا صديقة !؟
صافحها عزرائيل بيديه العملاقتين ، مصافحةً فقط ، كان كريمًا عكس المتوقع ، بيد أنه لمْ يصلب روحها ، بل أبقاها هاملة ، و ثمة سهمٌ أخذ يدور و يدور حول عينها اليمنى ، أتعلمين لِمَ ؟
ليلتقطَ للوداعِ صورة تذكارية بلقطة احترافية يعترف بها الثقلين ،
و هاهي بقايا غباره تؤكد على أنه هرب بالصورة ، و هو يتأمل بينه و بين نفسه أن يصل في موسم العيد لتقرع له الطبول و تضرب الكؤوس إذا ما جاء خبر فناء الأغنية الأشورية عن مملكتها ..
و بضاحية لها مروجها الخضراء بالسماء أيضًا ، عقدت مكافأة ضخمة جدًا تقدّر بعربة من لجين و لازورد يقودها بيجاسيوس و يباركها مينوس لمن يأتي بخبر فاعلية الأغنية الهاملة ..
- و لِمَ كل هذا !؟ هي أغنية هاملة فقدت بعض ملامحها إثر حريق تسببّ به كاتب على ورق سريع للإشتعال و هو رثاء الحمورابي ، يا صديقة لو أن شوبان أو فيلفداي أو تشايكوفسكي أو حتى محمد عبد الوهاب ، رشّوا رتوشًا خفيفة لتحولت بقايا الهاملة لأغنية سلام ترحيبية يقدمّها الحرس العسكري في السماء لأهل الجنّة إبان الدخول ..ثمة مبالغة منك يا سميراميس ..
- يقول " خيلوس " ـ ملك نينوى المتوفى ، و الذي كان من ضمن الحضور للحفلة التي بثت المشهد المفجع لأغنية آشور الجميلة ـ بحسرة فقد فظيعة ، و هو منفي بمملكة العوالم السفلية ـ أن أوتارها أشبهُ ما تكون كنخلة مريم نهزها و ما من رطب يتساقط !!
لا تدهشي من معرفة خيلوس بالعذراء أو حتى بالمجدليّة ، و هو السابق لهم بمئات السنين ، ليست مفارقة تاريخية ، فسكنى الأضرحة ، لهم عالم آخر يرقبون به كل الأزمان .. منهم من يُحرم من المتابعة ، و منهم من يصبح هامل ، بعيد جدًا عن كل مايحدث ، لأنه باختصار لا يكترث للحمقى أهل الأرض ..
ويح قلبي يا صديقة ، تلك الأغنية الهاملة وحدها المسندة دون بقية ، لا أتباع لها بل هي واحدة أحد ، عُرج بها للجنّة و هُبط بها بلا أرض . هي من تُبكى الحواس و تنكأ جرح الملائكة ، هي من تجعل الحروف ثملى مداوية لتصير الكتابة على نوتها غرفا لغسالات تدور بحرفية عالية لتغسل النفوس و تمحو بطاقة الذنوب ..
هي هاملة لأنها تلظّت بشظايا كتابية ، خسرت جزء من عظمتها كما خسرا الأخوان أنصاف الآلهة عظمتهم في رامايانا فالميكي ..و لم تخسر شيئًا ، لا تزال حتى الآن متجسّدة بكل لحن خالد ، بكل أُغنية رائعة مصلوبة زلفى للجمال ، بكل اسطورة أدبية تذكر أبولو رمز الغناء و الموسيقى..
أمّا أنا ، فهاملة ، هادئة ، تحترق الحروف بجواري و بين يدي و لا أكترث ، و لا أذكر أنني مصابة بداء ضغط الكتمان و لا بلوكيميا التبلّد ، و رغم ذلك ، ها أنا ذا أنبش أنف السماء ، لتخبرني أكثر عن فجيعتها مذ اسطورة غسق الآلهة التي سقط بها الألمان حتىْ لحظة العروج بروح سميراميس للسماء بعد وفاة مليكها ، علنّي استفيق و أخلع رداء الآنسة الهاملة ..
لكنني لازلت أبصر الحرائق في الأفكار تحضن الغابات و المزارع و الحقول بمازوخية ، و لا زلت أتمعنُ في حفلةِ الحرق العتيدة ، حتى و أنا في تبددّي هذا ..أصيّر الأمر باللا يستحق !
لن أجعل هناك مساحات للعجب ، و لا للتساؤل ، لا ما يستحق ..
لكن اعلمي أيضًا يا صديقة ، أن السماء أخذت من الأرض الماء كله ، و لا يغرنّك ما لدينا فما هذا إلا انعكاس تصيّره لنا الحواس ، صادرت السماء الماء و جعلت للأرض ما يسقي عطش قاطنيها من الدماء الفكري و الإرهاب النفسي حتى ضجّت الأم البسيطة و هي تستسقي للسماء ، و ما أديم الأرض إلاّ جثث التأجيل ، فالسماء لا تحتطب و لا تطعم من سكنه الدنس *
سموًا بالكتابة ، مدنها و أريافها ، و لأنَّه إذا خرج َ الحزن ُ للثرثرة ، أصبح َ الفم/ القلم ذيلاً للكلام .. سأصلب الحزن حيًا ، و لنْ أحمّل القلم / اللسان ما يثقل كاهله لأجل شذرة من أحد أولئك الذين يسدون عطشهم بقارورة دماء من تأويل و ظنون ،يقين و تحيّز ..
أيها الإهمال بربك أخبرني من أين لي بمطر / زلال ، لأخلق لك لغة تصنع لنا أرضًا جديدة ..
فأرضُ الله واسعة جدًا ، و لكن الضيق بالنفوس ، و لنحجز مواعيد لنوسّع مساحات المشاعر بالنفوس لكي نستحق شرف الحياة على هذه الأرض المنتحبة للسماء كل حيّن ..
ذات يوم ، سأعثرُ على حذاء أُغنيتي التي أحترق نصفها الألوهي ، أو قد يأتي الأمير و معه فردة حذاء و يعيد سيناريو سندريلا ، لكن بعبثية أكبر ، و بقوة تضبط السياق ..
- صه ، الروح تترجّل .. اصمتي ، اصمتي ، فأنا هاملة!
و لأن لا شيء يستحق جرح مشاعر الآخرين سأراف بك أيتها الروح ، لذا حلقّي كما تشائين :
الأغنية الأشورية احترفت و فقدت نصفها الألوهي ، أمّا أنت فبعد الحرق فقدت يديك الاثنتين بيد أنك لن تستجيبي لكف الحرائق و لا لنداء اضرامها أيضًا ، فالهاملة لا أيادي لها ، كيف ستعانقين الغيوم و يداك مغلولتان !
- لست مغلولة و من غل سيأتي بما غلَّ به يوم القيامة ، ثمة أحلام و أمنيات طارت بها بجعات بيضاء ظننتها هاربة من علييّن فإذا بها جمعت منيّ ضحكات و ذكريات و صيرتها لي ديونًا ، سأبدأ أسدد اقساطها على شكل " إهمال " لأن مافي جعبتي يهدهد خيبتي و يعدني أن بالإهمال حياة ، و إن لأولي الإهمال لحياة .. هكذا قرأت
- سميراميس ، انظري الشارع طويل جدًا و يحتاج لغناء ..!
صه ، سأغنّي " أنا هاملة "



سميراميس

نادرة عبدالحي
12-03-2010, 12:34 AM
البرهان موجود تملكين ثقافه شاسعه الاراضي وواسعة المساحات

وحقولكِ يبدو انها مثمرة طوال الحول

دمتي للابداع سفينة نجاة

سميراميس
12-03-2010, 04:06 AM
البرهان موجود تملكين ثقافه شاسعه الاراضي وواسعة المساحات

وحقولكِ يبدو انها مثمرة طوال الحول

دمتي للابداع سفينة نجاة

ها قد أثمرت نداءاتي ، و أنتِ الثمرة المتساقطة من يد السماء :34:

مروان السباعي
12-03-2010, 09:22 PM
يوم الحساب قد أتى مبكراً ..
فقط ألتمسي قليل من الرحمة للأطفال ...
فذنبهم الوحيد أنهم خلقوا في أرض مكتضة بفيالق الحرس النازي !

نصك يستحق الغوص ... رغم كثرة جلادي المطر

سميراميس
12-04-2010, 05:21 PM
يوم الحساب قد أتى مبكراً ..
فقط ألتمسي قليل من الرحمة للأطفال ...
فذنبهم الوحيد أنهم خلقوا في أرض مكتضة بفيالق الحرس النازي !

نصك يستحق الغوص ... رغم كثرة جلادي المطر

الأطفال أنصاف سماوية ، يفقدون نورانيتهم إذا ما تبددت إلوهة النقاء كلما كبروا

أهلا بك :34:

بندر الصقر
12-06-2010, 11:50 AM
في الكتابة مُدن كبيرة بها ملاجئ للأيام ، تنفجر كما نبال من نار و تُحدث حرائق على الورق ، و من سيمضي بدلو النار إلى حقل النصوص سيزرعَ ألغامًا أدبية و بيادر حكمة ، لو أحكمت العقول قراءتها لقطفت الحقائق قبل مواسم الحصاد ، و غنّت أناشيد الفلاحيّن الرعوية لسكنى مدن الصهيل بكل نشوة و اعتزاز..

مسكينُ لغةٍ مثلي يبتهل إلى الله _ كل يوم _ أن يجيد كتابة مثل هذه اللغة مرة واحدة ليكتفي بها ويتوب عن تشويه ماجعل الله فيه شفاءًا

تبارك الله يا شاميرام (:

مريم الخالد
12-07-2010, 11:34 AM
أخذتنا على ظهر بيجاسيوس في رحلة تاريخية مشوقة
توجهتي بنا إلى حضارات بابل ... دجلة والفرات ... نينوي وآشور مابين النهرين
والأساطير الإغريقية واليونانية ....

هل تعتقدين بأن لــ شوبان أن يلحن تلك الأغنية التي غنيتها اليوم
وهل له أن يترجمها كلحن كلاسيكي فرنسي ...... لا أعتقد ذلك أبدا ً
فأغنيتك هي لحن شرقي أصيل لا يضاهيها لحن صيغت على أوتار أساطير تاريخة قديمة ......

فقط أعيل عليك ِ هذه :
أن أوتارها أشبهُ ما تكون كنخلة مريم نهزها و ما من رطب يتساقط !!
نخلة العذراء لم تكن عقيمة :
"هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا "

أما معرفة خيلوس بالعذراء فهذا أرجعه لخيال سميراميس الخصب :)

أشكر لك هذه الثقافة وهذه الرحلة الماتعة وأغنيتك لم تكن هاملة ابداً



http://sa7rana77.jeeran.com/right1.gif