حنين عمر
12-06-2010, 07:56 PM
:::عدسة شارلوك هولمز:::
صفحة شوكولا / مجلة روتانا-العدد255
لـ: حنين عمر
(لست متحمسة للموضوع تماما كأنني طبيب جراح يجري عملية لجثة)، كانت هذه الجملة هي أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أطالع بسأم أوراق القصائد النبطية والشعبية التي كنت طبعتها للتو، وكنت أتأهب لحمل عدسة شارلوك هولمز ومتابعة قضيتها.
ومع أنني كنت متأكدة بنسبة مليون بالمائة من كوني سأجد قصائد جميلة بينها، إلا أنني كنت أعرف مسبقا أيضا أن هناك الكثير من الرداءة التي كان علي اجتياز صراطها المنحني لأتعثر بين الفينة والفينة بصورة شعرية مميزة أو بقصيدة حقيقية تجعلني أتنفس لحظتين قبل أن أغوص مرة أخرى في طين الخربشة.
لست متحمسة...! وهذه حقيقة أعترف بها الآن، إلا أنه لابد أن أضيف اعترافا ثانيا هو حقيقة أخرى قد تبدو صادمة وعدائية لكنها حقيقة على كل حال ولا مفر من مواجهتها: (هناك الكثير من الرداءة الشعرية حولنا).
لقط استفحلت الرداءة في الكثير من الشقوق الأدبية، كما تستفحل البكتيريا في شقوق الإناء، وأصبحت مرضا يهدد بشكل واضح جدا مستقبل الشعر العربي – ما دمت أخصه دون الرواية بالإشارة- ذلك أن الكثير من أشباه النقاد ومن أشباه الشعراء وأشباه الإعلاميين تواطئوا ليمرروا كل أنواع التفاهات والحماقات التي يمكن أن تخطر لنا على البال وليمنحوا بعضهم ألقابا بحجم "برج دبي" بمناسبة وبلا مناسبة.
إن المشكلة الحقيقة التي يعاني منها الشعر العربي الفصيح منه والشعبي حاليا، هي غياب النقد الذاتي من جهة لدى الشاعر وضعف النقد الأدبي من جهة أخرى وخضوعه لحسابات ومجاملات لا تمت للإبداع بصلة، ولعل هذا يظهر بشكل جلي في الساحة الشعبية، مادامت الساحة الفصيحة تسد النقص ببعض المحاولات الأكاديمية والقراءات التي يقوم بها المختصون بشكل روتيني لتقييم التجارب الإبداعية، بينما الأمر في الساحة الشعبية مختلف تماما بسبب عدم وجود اهتمام أكاديمي كاف، واعتمادها على المحلية في اغلب الأحيان، وعلى القاعدة الجماهيرية البسيطة لا النخبوية مما يجعل الشاعر محاصرا في مساحة الكتابة ذاتها دون أن يتمكن من الخروج عن السياق العام العامي الذي يجرف تجربته ، فالقصيدة أصبحت مجرد ترتيب عروضي لمفاهيم تقليدية لا تأتي بتجديد من الناحية البنيوية والفلسفية والجمالية. إذ يعتقد الكثيرون في الساحة الشعبية من الشعراء والجماهير أن مقياس نجاح أي شاعر يعتمد على عدد الأيادي التي تصفق في أمسياته وعدد المقابلات التلفزيونية التي يجريها، أما تقييم تجربته على أرضية الواقع، وتحليل خياله وصوره الشعرية، ومعرفته لمواضع قوته ونقاط ضعفه في النص، فهو أخر همّه وآخر همّ المصفقين أيضا المعتمدين غالبا على قاعدة"ربعي وربعك"!
وقد تكون هذه المبادئ ناجعة جدا في صنع أسماء كبيرة إعلاميا، وفي منحها الكثير من الضوء والامتيازات، لكن في النهاية سيذهب كل شيء إلى مزبلة التاريخ تماما كما ستذهب أوراق القصائد الرديئة بعد قليل إلى سلة مهملاتي ، فالزبد لابد أن يذهب جفاء ولن يبقى إلا (ما ينفع الناس)، ومؤكد لن يصفق الجمهور بعد ألف سنة إلا للقصيدة الجميلة لأنه لا مجد إلا للقصيدة الجميلة وللكلمة الجميلة على رأي "نزار قباني"، أما أنا فسأعود إلى كومة أوراقي وعدستي المكبرة بحماسة أكبر الآن وبابتسامة!
http://www.ab33ad.com/vb/images/bullet.gifحنين
صفحة شوكولا / مجلة روتانا-العدد255
لـ: حنين عمر
(لست متحمسة للموضوع تماما كأنني طبيب جراح يجري عملية لجثة)، كانت هذه الجملة هي أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أطالع بسأم أوراق القصائد النبطية والشعبية التي كنت طبعتها للتو، وكنت أتأهب لحمل عدسة شارلوك هولمز ومتابعة قضيتها.
ومع أنني كنت متأكدة بنسبة مليون بالمائة من كوني سأجد قصائد جميلة بينها، إلا أنني كنت أعرف مسبقا أيضا أن هناك الكثير من الرداءة التي كان علي اجتياز صراطها المنحني لأتعثر بين الفينة والفينة بصورة شعرية مميزة أو بقصيدة حقيقية تجعلني أتنفس لحظتين قبل أن أغوص مرة أخرى في طين الخربشة.
لست متحمسة...! وهذه حقيقة أعترف بها الآن، إلا أنه لابد أن أضيف اعترافا ثانيا هو حقيقة أخرى قد تبدو صادمة وعدائية لكنها حقيقة على كل حال ولا مفر من مواجهتها: (هناك الكثير من الرداءة الشعرية حولنا).
لقط استفحلت الرداءة في الكثير من الشقوق الأدبية، كما تستفحل البكتيريا في شقوق الإناء، وأصبحت مرضا يهدد بشكل واضح جدا مستقبل الشعر العربي – ما دمت أخصه دون الرواية بالإشارة- ذلك أن الكثير من أشباه النقاد ومن أشباه الشعراء وأشباه الإعلاميين تواطئوا ليمرروا كل أنواع التفاهات والحماقات التي يمكن أن تخطر لنا على البال وليمنحوا بعضهم ألقابا بحجم "برج دبي" بمناسبة وبلا مناسبة.
إن المشكلة الحقيقة التي يعاني منها الشعر العربي الفصيح منه والشعبي حاليا، هي غياب النقد الذاتي من جهة لدى الشاعر وضعف النقد الأدبي من جهة أخرى وخضوعه لحسابات ومجاملات لا تمت للإبداع بصلة، ولعل هذا يظهر بشكل جلي في الساحة الشعبية، مادامت الساحة الفصيحة تسد النقص ببعض المحاولات الأكاديمية والقراءات التي يقوم بها المختصون بشكل روتيني لتقييم التجارب الإبداعية، بينما الأمر في الساحة الشعبية مختلف تماما بسبب عدم وجود اهتمام أكاديمي كاف، واعتمادها على المحلية في اغلب الأحيان، وعلى القاعدة الجماهيرية البسيطة لا النخبوية مما يجعل الشاعر محاصرا في مساحة الكتابة ذاتها دون أن يتمكن من الخروج عن السياق العام العامي الذي يجرف تجربته ، فالقصيدة أصبحت مجرد ترتيب عروضي لمفاهيم تقليدية لا تأتي بتجديد من الناحية البنيوية والفلسفية والجمالية. إذ يعتقد الكثيرون في الساحة الشعبية من الشعراء والجماهير أن مقياس نجاح أي شاعر يعتمد على عدد الأيادي التي تصفق في أمسياته وعدد المقابلات التلفزيونية التي يجريها، أما تقييم تجربته على أرضية الواقع، وتحليل خياله وصوره الشعرية، ومعرفته لمواضع قوته ونقاط ضعفه في النص، فهو أخر همّه وآخر همّ المصفقين أيضا المعتمدين غالبا على قاعدة"ربعي وربعك"!
وقد تكون هذه المبادئ ناجعة جدا في صنع أسماء كبيرة إعلاميا، وفي منحها الكثير من الضوء والامتيازات، لكن في النهاية سيذهب كل شيء إلى مزبلة التاريخ تماما كما ستذهب أوراق القصائد الرديئة بعد قليل إلى سلة مهملاتي ، فالزبد لابد أن يذهب جفاء ولن يبقى إلا (ما ينفع الناس)، ومؤكد لن يصفق الجمهور بعد ألف سنة إلا للقصيدة الجميلة لأنه لا مجد إلا للقصيدة الجميلة وللكلمة الجميلة على رأي "نزار قباني"، أما أنا فسأعود إلى كومة أوراقي وعدستي المكبرة بحماسة أكبر الآن وبابتسامة!
http://www.ab33ad.com/vb/images/bullet.gifحنين