المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكــذا أصبحتُ غيـــري


هاني النجار
07-05-2011, 11:44 PM
حائرة أصابعي بين حروف الأبجديات، تحاول أن تستقي منها معنى آخر يقترب - ولو من بعيد - من تلك السراديب والكهوف التي تضرب نحو أعمق نقطة في قلب أضناه الفراق. تحاول الوصول إلى عبارات واضحة غير ملتبسة على الأفهام لعلها تتمكن من رقاب بضع حروف متراصة تترجم جيشاً من الأحاسيس المتضاربة، والمشاعر المتداخلة.
حائرة أصابعي، وأصعب منها حيرة عقل رسم - ولا يزال يرسم - قصوراً على متن الهواء، ولا يدري أي السبل سوف تفضي به إلى أبواب هذه القصور، وأيها سوف تلقي به على جرف الموبقات؟

فما أغرب أن يعود الإنسان إلى شواطيء الذكريات بعد رحلة جهيدة في دهاليز الموت ليكتشف أن كل حبة رمل في مكانها، وأن كل موضع حجر على حاله، لكن طيور النورس هاجرت هذه الشواطيء التي كانت يوماً عامرة بكل صنوف العمران، هادرة بأجمل معاني الحياة.

وإذا كانت بعض النفوس الجوانح تصبو إلى أرض الواقع كي تحتفر فيها أساسات مستقبل آخر غير ذلك المستقبل الذي تدفعه المجريات نحو حتمية الوقوع، فإن بعض النفوس الأخرى تجنح إلى خيال مُحال، وأحلام هى أقرب للفرار من الواقع الجهم منها إلى محاولة حصر هذه الأحلام في نطاق الممكن.

ولأن المشاعر والأحاسيس هى الشيء الوحيد الذي خلقه الله تعالى كي نمنحه للآخرين، وجعل البخل بها تحت أي مسمى أو ادعاء يورثها العطن، لذا فإن المنطق يقتضي البوح لا الكتمان، فماء البحيرة سكتنته الطحالب، وصار اجاجاً لا يُحتمل ... أو كاد.

إذن ففيما الغنيمة، ودار المقامة لا نُدركها إلا بالموت؟!
قرأتُ أن رجلاً أقسم ألا يبيت في الدنيا، فأوصوه بأن يبيت في السجن.
وقرأتُ أن الصدّيق يوسف عليه السلام كتب على بابه وهو خارجاً منه .. هذا قبر الأحياء، وشماتة الأعداء، وتجربة الأصدقاء.

وفيما الهموم والدنيا مجون؟ عبثاً ترسم منه الأقدار عجائب حين يحاول العقل المُفلس فهمها فإنه يذهل أمام أبسط هذه المقدرات.
الجد والهزل سواء، السعادة والشقاء سواء، الأمل والقنوط سواء، الحِل والترحال سواء، الضحك والبكاء سواء، السجن والحرية سواء.
قالوا: كم مغبوط بنعمة هى داؤه .. ومرحوم من داء هو شفاؤه.

لا فرق بين النحيب والقهقهة، بين الغنى والفاقة، بين السمو والدناءة، بين الإقبال والإدبار.
وما من شيء يحمل الإنسان على أن يحفل بوجوده أو فناؤه ما دام العدل كالغيّ، والحق كالباطل، والنور كالنار، والهدى كالضلال، في عالم يحمله الإنسان - ذلك المخلوق الضعيف - الذي انفصم عن اليقين بدعوى الاختيار لا الجبر، فظلم نفسه إنه كان ظلوماً جهولا حين نسى أن الظلمات لا تستوي بالنور، ولا الظل ولا الحرور، ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

لكن آفة العلم أنه مثل الأحاسيس.. لغة عظيمة الثراء، تبحث دائماً عن أبجديات تترجمها دونما جدوى.
وهكذا أصبحت غيري..
هكذا علّقت كلمات محمود درويش على جدار قلبي ..

هل كان علينا أن نسقط من علو شاهق
ونرى دمنا على أيدينا
لندرك أننا لسنا ملائكة كما كنا نظن
هل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ
كي لا تبقى حقيقتنا عذراء
كم كذبنا حين قلنا نحن استثناء

لكني مازلتُ عالقاً في فخ اللغة، حائرة أصابعي بين حروفها، عاجزاً عن الوصول إلى مرفأ تهدأ ثائرة أحاسيسي الجارفة على رصيفه حتى لا أجدني مضطراً إلى حذف ما كتبت والركون إلى الصمت .. مثلما حدث كثيراً ساعة كان ينتابني شعوراً بغضب جامح يدفع بي إلى الإقرار بحقيقة مؤدها أن الإنسان هو بعض من النسيان.
والنسيان نعمة .. حتى لا يبقى الأموات حاضرين في ذاكرة الأحياء إلى ما شاء الله، فيحولون حياتهم إلى جحيم لا يُطاق.

عون القحطاني
07-06-2011, 02:16 AM
جميلٌ هذا البوح ياهاني وثري جداً
استرسلت بشفافية وعفوية .. جعلت القراءة اكثر متعة

شكراً ياعزيزي

رُوح
07-06-2011, 01:17 PM
ولأن المشاعر والأحاسيس هى الشيء الوحيد الذي خلقه الله تعالى كي نمنحه للآخرين، وجعل البخل بها تحت أي مسمى أو ادعاء يورثها العطن، لذا فإن المنطق يقتضي البوح لا الكتمان،


رائعة هذه العبارة تحديدا ، من بين كلّ النص المتألق .. هي شدّتني كثيرا
المنطق يقتضي أشياء كثيرة يا هاني ، ولكن هل نجرؤ ؟!
هل نقوى على الإخبار بما نشعر ؟

يلزمنا دروس كثيرة كي نستطيع كسر حاجز الرهبة والخوف من ردة فعل الآخر قبل أن نبدأ بمشاركتهم أحاسيسنا ..

لكني مازلتُ عالقاً في فخ اللغة، حائرة أصابعي بين حروفها، عاجزاً عن الوصول إلى مرفأ تهدأ ثائرة أحاسيسي الجارفة على رصيفه حتى لا أجدني مضطراً إلى حذف ما كتبت والركون إلى الصمت .. مثلما حدث كثيراً ساعة كان ينتابني شعوراً بغضب جامح يدفع بي إلى الإقرار بحقيقة مؤدها أن الإنسان هو بعض من النسيان.


كثيرا ما نقف حائرين أمام كلماتنا ، أتدري لماذا ؟ لأنّها النافذة الوحيدة المباشرة إلى أرواحنا ، نخشى من أن نكون مكشوفين جدا أمام من يقرؤها ، فنعود لانتحال كلمات لا تعنينا ، و معانٍ لا تعبر عنا ـ بالضرورة ـ
لكن بهذا تصبح المشكلة كامنة فينا ، لا في اللغة !



والنسيان نعمة .. حتى لا يبقى الأموات حاضرين في ذاكرة الأحياء إلى ما شاء الله، فيحولون حياتهم إلى جحيم لا يُطاق


النسيان نعمة لا تتعلق بالموتى حصرا ، على العكس ، الموتى هم أكثر الناس الذين نأتمنهم على أنفسنا ، فهم وحدهم الذين يلتزمون الصمت ، ولا نخاف مكاشفاتهم لنا ..
إنما الذاكرة ! المحملة بالأعباء ! فقد قدر الله لنا أن تجاوز بعض منحنياتها العنيفة بأبسط الحلول على الإطلاق : طيّها بالنسيان


جميعنا نتحول إلى آخرين ، بطريقة أو بأُخرى
لكنّنا لا نتحول إلا إن سمحنا لأنفسنا بذلك ، و نحن لا نسمح عادة إلا إن احتجنا أن نتغير !

فلسفة جميلة جدا يا هاني .. أحييك حقا

عُلا
07-07-2011, 10:45 PM
ماذا بقيَ لنا
أو فينا من نور، بعدَ أن أصبح التضاد ترادفا ؟!!!

كثيرا ما نعيبُ الزمان و ليس هوَ من يُعاب
بل قلوبنا هي التي تخجلُ من تركها لـِ براءتها و طيبتها و عطائها!

سنكون طيّ النسيان حينَ لا نكونُ أنفسنـا !


بوحٌ راقٍ ، كثيرُ العطاء
شيّق المتابعة


كلّ الامتنان

عبدالرحيم فرغلي
07-08-2011, 10:49 AM
الأستاذ الفاضل هاني
اللغة هي ملاهي كبيرة .. فيها ألعاب خطرة نهرب منها .. فيها ألعاب نشعر أنها تفهمنا
فنمتطيها .. وفيها ألعاب لا نلقي لها بالا .. ونبتعد عنها ، هي ترفعنا لأعلى وعلى حين غرة تهبط بنا لأسفل ..
ونقول حينها .. لا نريد هذا .. ولكنه ممتع بهذا ، اللغة لن تعبر عنا تماما .. لكنها مطية تساعدنا يا هاني .
حكمة بالغة طافت على نصك .. وتأملات جميلة اقتنصتها من ميادين الحياة .. فجاء نصك متوهجا بفكرك ..
نقيا بقلبك .. ألف تحية وتقدير

هاني النجار
07-08-2011, 11:55 PM
جميلٌ هذا البوح ياهاني وثري جداً
استرسلت بشفافية وعفوية .. جعلت القراءة اكثر متعة

شكراً ياعزيزي


الأجمل هو مرورك يا عون، وحضورك الجميل
فلا تحرمنا إياه
والشكر موصول لك يا عزيزي

هاني النجار
07-09-2011, 12:07 AM
رائعة هذه العبارة تحديدا ، من بين كلّ النص المتألق .. هي شدّتني كثيرا
المنطق يقتضي أشياء كثيرة يا هاني ، ولكن هل نجرؤ ؟!
هل نقوى على الإخبار بما نشعر ؟

يلزمنا دروس كثيرة كي نستطيع كسر حاجز الرهبة والخوف من ردة فعل الآخر قبل أن نبدأ بمشاركتهم أحاسيسنا ..

كثيرا ما نقف حائرين أمام كلماتنا ، أتدري لماذا ؟ لأنّها النافذة الوحيدة المباشرة إلى أرواحنا ، نخشى من أن نكون مكشوفين جدا أمام من يقرؤها ، فنعود لانتحال كلمات لا تعنينا ، و معانٍ لا تعبر عنا ـ بالضرورة ـ
لكن بهذا تصبح المشكلة كامنة فينا ، لا في اللغة !

النسيان نعمة لا تتعلق بالموتى حصرا ، على العكس ، الموتى هم أكثر الناس الذين نأتمنهم على أنفسنا ، فهم وحدهم الذين يلتزمون الصمت ، ولا نخاف مكاشفاتهم لنا ..
إنما الذاكرة ! المحملة بالأعباء ! فقد قدر الله لنا أن تجاوز بعض منحنياتها العنيفة بأبسط الحلول على الإطلاق : طيّها بالنسيان

جميعنا نتحول إلى آخرين ، بطريقة أو بأُخرى
لكنّنا لا نتحول إلا إن سمحنا لأنفسنا بذلك ، و نحن لا نسمح عادة إلا إن احتجنا أن نتغير !

فلسفة جميلة جدا يا هاني .. أحييك حقا

هناك مسافة ما بين المفروض والممكن، تزداد وتنقص حسب إدرادتنا نحن، وحسب قدرتنا على التحلل من ربقة العادات والتقاليد التي حملتنا بمروث ثقيل من العيب والحرام والواجب. ولا يحتاج تجاوز تلك المسافات إلى معجزة أو دروس، لكنه فقط يحتاج عقل يستطيع رفع سقف الحريات، والاقتراب بجسارة من الخطوط الحمراء لذلك الموروث الثقيل.

كلمات الشكر تقف مشدوهة عاجزة أمام تعقيبك الرائع يا رُوح
- أرأيتِ كيف أن اللغة عاجزة عن الشكر ؟! -
لكن لعل الحرف يكون بالإحساس واضح

سعد المغري
07-09-2011, 03:39 AM
..
هاني الـ نجار .
لأننا عراة ونحتاج لـ غيمة نرتديها حتى نكتب على صدر الأرض الـ مطر
وبـ طهره نفقد الـ كثير ونصبح غيرنا .!!
أما انت بطهرك بعيداص عن الـ غيمة كتبت لحظيتكَ وجائت بوقع أكبر واجمل من الـ حاجة للمطر .
وبجمال هذا الـ صباح ياهاني قرأناك .

فرحَة النجدي
07-10-2011, 08:10 PM
و بضجيج هادر و رضى قرأناك أيضاً يا هاني ،
فـ نص يعكس الفكر / الفكرة كهذا يستنفر الفكر ،
يلغي البلادة و يحرك الجمود !

* لعلهم يرجعون !

ما قرأته كان جميلاً ،
شكرا لك يا هاني .

هاني النجار
07-15-2011, 12:09 PM
ماذا بقيَ لنا
أو فينا من نور، بعدَ أن أصبح التضاد ترادفا ؟!!!

كثيرا ما نعيبُ الزمان و ليس هوَ من يُعاب
بل قلوبنا هي التي تخجلُ من تركها لـِ براءتها و طيبتها و عطائها!

سنكون طيّ النسيان حينَ لا نكونُ أنفسنـا !


بوحٌ راقٍ ، كثيرُ العطاء
شيّق المتابعة


كلّ الامتنان

ومرور أرقى يا علا
لا حرمنا الله اياه
سلم تعقيبك الذكي

هاني النجار
07-15-2011, 12:14 PM
الأستاذ الفاضل هاني
اللغة هي ملاهي كبيرة .. فيها ألعاب خطرة نهرب منها .. فيها ألعاب نشعر أنها تفهمنا
فنمتطيها .. وفيها ألعاب لا نلقي لها بالا .. ونبتعد عنها ، هي ترفعنا لأعلى وعلى حين غرة تهبط بنا لأسفل ..
ونقول حينها .. لا نريد هذا .. ولكنه ممتع بهذا ، اللغة لن تعبر عنا تماما .. لكنها مطية تساعدنا يا هاني .
حكمة بالغة طافت على نصك .. وتأملات جميلة اقتنصتها من ميادين الحياة .. فجاء نصك متوهجا بفكرك ..
نقيا بقلبك .. ألف تحية وتقدير

سيدي الفاضل
اسمح لي بأن اسجل اعجابي بتشبيهك الرائع للغة
فهي بالفعل سيرك كبير يحتاج بهلوان وبهلول ايضاً
بهلوان يتقافز بين حبائل اللغة، وبهلول يتكور على ذاته
مرورك عاطر يا اخي الكريم أدامه الله علينا
وأدام عليك الفكر المستنير

هاني النجار
07-15-2011, 12:17 PM
..
هاني الـ نجار .
لأننا عراة ونحتاج لـ غيمة نرتديها حتى نكتب على صدر الأرض الـ مطر
وبـ طهره نفقد الـ كثير ونصبح غيرنا .!!
أما انت بطهرك بعيداص عن الـ غيمة كتبت لحظيتكَ وجائت بوقع أكبر واجمل من الـ حاجة للمطر .
وبجمال هذا الـ صباح ياهاني قرأناك .



أجمل ما في هذا الصباح هو مرورك على هذه السطور الفقيرة يا سعد
كنت دائما اعلم أن اللغة مطية قد تكبو في بعض الأحايين
لكنك جعلت من هذه المطية غيمة
والغيوم لا تكبو على الارض إلا للعطاء
ما أجمل هذا المنطق
أرجوك لا تحرمنا مرورك البهي

هاني النجار
07-15-2011, 12:20 PM
و بضجيج هادر و رضى قرأناك أيضاً يا هاني ،
فـ نص يعكس الفكر / الفكرة كهذا يستنفر الفكر ،
يلغي البلادة و يحرك الجمود !

* لعلهم يرجعون !

ما قرأته كان جميلاً ،
شكرا لك يا هاني .


الشكر لهذا المرور البديع المفرح يا فرحَة
لعلهم يرجعون!
لكن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء
ارجوكِ لا تحرمينا هذه الطلة المشرقة