علي آل علي
11-23-2012, 11:54 PM
إني افتقد الحياة الفعلية ، والتي لا أراها حاليًا ، جلَّ ما أراه هو الحياة المادية بجميع عناصرها وأسبابها ، كنت قد تركتها فيما مضى لأهلها ومضيت ابحث عن اهتمام ما ، يفهمني وأفهمه ، يمضي بي حيث وجدانية الأرواح وسكناتها ، يمضي بي حيث قلوب رقراقه تشعر بملامسة النسيم حينما ينعش الخلجات ..
بحثت كثيرًا ، ولعلني أجد ذلك في التدين وطلب العلم ، كنت مسرورًا حينما نفضت نفسي من كل الشوائب المحرّمة شرعًا ، فجلست مجالس العلم شهورًا ، وقرأتُ كتبًا كثيرة ، وتتلمذت على أيدي معالم إسلامية شتى ، لم يبقى لي إلّا الرفقة الصالحة ، حيث المسيرة العطرة والنقية ، وفي إحدى الأيام التقيت أحدهم فارتحت له ولابتسامته التي أوهمتني بأنّه قد أحب معرفته بي ، فدعاني إلى جماعته التي يجالسها ، فذهبت معه وقال لي إذا دخلت المجلس فبادر بالسلام والتحية واجلس على الفور لتستمع لحديث الشيخ !
قمت بتنفيذ ما أمرني به إذعانًا لصحبة جديدة ، فدخلت المجلس وبادرت بتحية الإسلام فرحب بي الجميع ثم جلست ، واسترسل الشيخ في موعظته ، إنّه غريب فلم أشاهده في إحدى شاشات التلفاز أو في إحدى الصحف أو سمعت به في إحدى التسجيلات ، فاستمتعت له بكل تركيز لقلق ما أحسست به فلم أجد في كلامه سوى موعظة عامة تفتقر إلى الأحاديث النبوية والآيات القرآنية ، تم النداء بأن وجبة العشاء قد جهزت فنودي أن حيَّاكم الله على هذه الوليمة المتواضعة ، قمت مع الجمع وجلسنا على تلك المائدة ، وبعد الانتهاء جلسنا جلسة القهوة تمهيدًا لإنهاء هذا الاجتماع ، وإذ بالشيخ يحث على الخروج للدعوة ويسأل من يريد الخروج ؟ فليسجل اسمه عند ابو دجانة ، قام ابو دجانة وسأل كل من في المجلس واحدًا ، واحدًا ، الأول قد قال : يومان والثاني قال : شهر واحد والثالث قال : أربعون يومًا حتى وصل إليّْ فسألني : قلت له المعذرة فأنا جديد على الساحة وسأرجئ ذلك إلى مرة أخرى ، فاستمر حتى انتهى من تسجيل الأسماء ومدة خروجهم .
لما ذهبت إلى البيت فكرتُ كثيرًا ودارت بي الدوائر ، أيعقل أن يكونَ هؤلاء جماعة إرهاب متخفيّة ، فبدأت البحث والتحري عن ماهية هذه الجماعة ، فعلمت أنّها جماعة التبليغ والتي حُذر منها كثيرًا ، ألهمني هذا أمرًا مهما ، فمن المؤكد وجود جماعات أخرى وأنا لا أعلم ، ذهبت إلى المكتبة لأبحث عن كتاب يروي النفس العطشى ، فوجدت كتابًا فيه جميع الجماعات والعقائد والديانات ، وما جاء فيه كان عميقًا ، حيث اشتمل على المآخذ والمعتقدات والمؤسسين لكل جماعة ومعتقد وديانة ، علمت حينها خطورة الوضع وبأنه وجب الحذر من الذين لا ثقة فيهم .
تركت هذا لأبحث عن صحبة لا تنتمي إلى جماعة معيّنة ، تعرّفت على أحدهم بعد أن تأكدت من عدم انتماءه لأي فرقة ما ، سوى أنّه مسلم عابد لله ، وبدأت سلسلة التعارف فكنّا مجموعة طيبة ، ومع مضي الوقت اكتشفت أمورًا مهمة ، حيث رأيت الغيبة والنميمة والرياء في الإمامة والأذان والصلاة أيضًا ، كانت المواقف تدعوا إلى الريبة فكل الأفعال تعاكس ما أمر به الدين الحنيف ، ذهبت إلى أحد الأئمة من المشهود لهم بالورع والتقوى والفقه ، فحكيت له كل تلك الأحداث بكل دقة وتفصيل حتى لا أقع في الخطأ ، فأجابني إجابة مذهلة : يا بني إنهم جيل اليوم والسلفية الحقة اختفت ملامحها تماما وما نراه اليوم سلفية مزيّفة لا تحقق معنى السماحة والنزاهة نسأل الله السلامة ؛ قلت له : يا شيخ ما الحل إذن ؟ قال لي : الزم بيتك ومسجدك واهجرهم هجرًا جميلًا وكن في الحياد دائمًا وعليك بما قاله كبار هيئة العلماء فهو الأسلم بنسبة كبيرة .
تركت الشيخ وأنا أردد : يا لله ، يا لله ما أشقى هذا الزمن !!
بدأت مسيرة أخرى قد أجد ضالتي فيها ، حيث العشيرة والأقارب والقبيلة ، وفي احتكاكي الشديد وجدت بأن المادية المقيتة سيطرت على العقول والأفئدة ، ففزعت فزعًا شديدًا وبدأت أفكر في الرحيل أيضًا .
لقد مرّ وقت طويل وأنا خالي الفؤاد من أي أمر ، من أي تفكير ، من أي همة تذكر ، حتى وقع فكري بين أيدي الأدب بكل ما فيه ، فخضت الغمار ، وتشاركت مع تلك الأفكار السابحة هنا وهناك ، حتى وجدت الفئة الكبرى تناضل مناضلة بأن تنتصر لذاتها ضد الفكر السلفي ، وفي وسط المعركة اكتشفت بأن الجميع يناضل من أجل الحريّة والراحة النفسية الأبدية ، والأدهى تجرّد الأكثرية من الأخلاق السامية التي تبعث التفاؤل في الأنفس ، ما أن يلمع نجم أحدهم في السماء حتى يغتر بنفسه ويرى حاله كالقسيس تمامًا ، وبأن الأخرين بجملتهم غارقين في الجهل المحض ، وما لهذا كان الفكر في أي اتجاه سار إليه .
الفكر والثقافة في اتجاهها السلفي أم الأدبي هي الرقي في حسن المعاملة ، الابتسامة في كل الأحوال ، تقديم التنازلات على حساب النهضة الاجتماعية ، هي التواضع والمحبة والإخاء ، بعيدًا عن التعصب والتمسك بجماعة معينة صائبة كانت أم خاطئة .
همسة أخيرة : لو قدّر بأن الغرب همّ أن يغزونا ويستعمر أراضينا فأي الأيدي ستمسك بها ، الفرقة المخالفة لرأيك أم الأعداء .
بالغ تقديري وتحيتي
علي بن مجدوع آل علي
24 / 12 / 2012 م
بحثت كثيرًا ، ولعلني أجد ذلك في التدين وطلب العلم ، كنت مسرورًا حينما نفضت نفسي من كل الشوائب المحرّمة شرعًا ، فجلست مجالس العلم شهورًا ، وقرأتُ كتبًا كثيرة ، وتتلمذت على أيدي معالم إسلامية شتى ، لم يبقى لي إلّا الرفقة الصالحة ، حيث المسيرة العطرة والنقية ، وفي إحدى الأيام التقيت أحدهم فارتحت له ولابتسامته التي أوهمتني بأنّه قد أحب معرفته بي ، فدعاني إلى جماعته التي يجالسها ، فذهبت معه وقال لي إذا دخلت المجلس فبادر بالسلام والتحية واجلس على الفور لتستمع لحديث الشيخ !
قمت بتنفيذ ما أمرني به إذعانًا لصحبة جديدة ، فدخلت المجلس وبادرت بتحية الإسلام فرحب بي الجميع ثم جلست ، واسترسل الشيخ في موعظته ، إنّه غريب فلم أشاهده في إحدى شاشات التلفاز أو في إحدى الصحف أو سمعت به في إحدى التسجيلات ، فاستمتعت له بكل تركيز لقلق ما أحسست به فلم أجد في كلامه سوى موعظة عامة تفتقر إلى الأحاديث النبوية والآيات القرآنية ، تم النداء بأن وجبة العشاء قد جهزت فنودي أن حيَّاكم الله على هذه الوليمة المتواضعة ، قمت مع الجمع وجلسنا على تلك المائدة ، وبعد الانتهاء جلسنا جلسة القهوة تمهيدًا لإنهاء هذا الاجتماع ، وإذ بالشيخ يحث على الخروج للدعوة ويسأل من يريد الخروج ؟ فليسجل اسمه عند ابو دجانة ، قام ابو دجانة وسأل كل من في المجلس واحدًا ، واحدًا ، الأول قد قال : يومان والثاني قال : شهر واحد والثالث قال : أربعون يومًا حتى وصل إليّْ فسألني : قلت له المعذرة فأنا جديد على الساحة وسأرجئ ذلك إلى مرة أخرى ، فاستمر حتى انتهى من تسجيل الأسماء ومدة خروجهم .
لما ذهبت إلى البيت فكرتُ كثيرًا ودارت بي الدوائر ، أيعقل أن يكونَ هؤلاء جماعة إرهاب متخفيّة ، فبدأت البحث والتحري عن ماهية هذه الجماعة ، فعلمت أنّها جماعة التبليغ والتي حُذر منها كثيرًا ، ألهمني هذا أمرًا مهما ، فمن المؤكد وجود جماعات أخرى وأنا لا أعلم ، ذهبت إلى المكتبة لأبحث عن كتاب يروي النفس العطشى ، فوجدت كتابًا فيه جميع الجماعات والعقائد والديانات ، وما جاء فيه كان عميقًا ، حيث اشتمل على المآخذ والمعتقدات والمؤسسين لكل جماعة ومعتقد وديانة ، علمت حينها خطورة الوضع وبأنه وجب الحذر من الذين لا ثقة فيهم .
تركت هذا لأبحث عن صحبة لا تنتمي إلى جماعة معيّنة ، تعرّفت على أحدهم بعد أن تأكدت من عدم انتماءه لأي فرقة ما ، سوى أنّه مسلم عابد لله ، وبدأت سلسلة التعارف فكنّا مجموعة طيبة ، ومع مضي الوقت اكتشفت أمورًا مهمة ، حيث رأيت الغيبة والنميمة والرياء في الإمامة والأذان والصلاة أيضًا ، كانت المواقف تدعوا إلى الريبة فكل الأفعال تعاكس ما أمر به الدين الحنيف ، ذهبت إلى أحد الأئمة من المشهود لهم بالورع والتقوى والفقه ، فحكيت له كل تلك الأحداث بكل دقة وتفصيل حتى لا أقع في الخطأ ، فأجابني إجابة مذهلة : يا بني إنهم جيل اليوم والسلفية الحقة اختفت ملامحها تماما وما نراه اليوم سلفية مزيّفة لا تحقق معنى السماحة والنزاهة نسأل الله السلامة ؛ قلت له : يا شيخ ما الحل إذن ؟ قال لي : الزم بيتك ومسجدك واهجرهم هجرًا جميلًا وكن في الحياد دائمًا وعليك بما قاله كبار هيئة العلماء فهو الأسلم بنسبة كبيرة .
تركت الشيخ وأنا أردد : يا لله ، يا لله ما أشقى هذا الزمن !!
بدأت مسيرة أخرى قد أجد ضالتي فيها ، حيث العشيرة والأقارب والقبيلة ، وفي احتكاكي الشديد وجدت بأن المادية المقيتة سيطرت على العقول والأفئدة ، ففزعت فزعًا شديدًا وبدأت أفكر في الرحيل أيضًا .
لقد مرّ وقت طويل وأنا خالي الفؤاد من أي أمر ، من أي تفكير ، من أي همة تذكر ، حتى وقع فكري بين أيدي الأدب بكل ما فيه ، فخضت الغمار ، وتشاركت مع تلك الأفكار السابحة هنا وهناك ، حتى وجدت الفئة الكبرى تناضل مناضلة بأن تنتصر لذاتها ضد الفكر السلفي ، وفي وسط المعركة اكتشفت بأن الجميع يناضل من أجل الحريّة والراحة النفسية الأبدية ، والأدهى تجرّد الأكثرية من الأخلاق السامية التي تبعث التفاؤل في الأنفس ، ما أن يلمع نجم أحدهم في السماء حتى يغتر بنفسه ويرى حاله كالقسيس تمامًا ، وبأن الأخرين بجملتهم غارقين في الجهل المحض ، وما لهذا كان الفكر في أي اتجاه سار إليه .
الفكر والثقافة في اتجاهها السلفي أم الأدبي هي الرقي في حسن المعاملة ، الابتسامة في كل الأحوال ، تقديم التنازلات على حساب النهضة الاجتماعية ، هي التواضع والمحبة والإخاء ، بعيدًا عن التعصب والتمسك بجماعة معينة صائبة كانت أم خاطئة .
همسة أخيرة : لو قدّر بأن الغرب همّ أن يغزونا ويستعمر أراضينا فأي الأيدي ستمسك بها ، الفرقة المخالفة لرأيك أم الأعداء .
بالغ تقديري وتحيتي
علي بن مجدوع آل علي
24 / 12 / 2012 م