المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الــــطــلــــيـــق...


صالح اهضير
02-29-2016, 02:48 PM
في اليوم الموعود،لفظته غياهب معقله الكئيب.. ألفى نفسه خارج الأبواب الموصدة.. تداعب محياه نسائم الدنيا من جديد .. نفض عن كيانه أذران الزنازن الخانقة وثقل القيود المدمية بعد أشهر وأيام توالت عليه حسوما..ارتمى بشوق ولهفة بين أحضان الفضاء الفسيح مغمورا بنشوة الوصال.
احتوته القاعة الكبرى، في ركن من أركان بيته العتيق..طاولات خشبية تمتد قي صفوف بطول وعرض الحيطان،تعلوها بقايا من أقفاص،واخرى شدت إلى السقف بأسلاك حديدية..كل الأقفاص خلت من طيورها بعد أن بيعت كلها دفعة واحدة بناء على وصية منه لذوي قرباه قبل أن تتقاذفه أهوال الزمن الصارم في محبس الشؤم،عدا قفصِِ واحد في إحدى الزوايا..يربض في غوره طائره الوحيد والمفضل وقد ملأ الجو بتغاريد البِشْر وحفاوة الترحيب،كما لو أنه أدرك بغريزته الحيوانية أن صاحبه قد عاد إليه بعد طول غياب..
خطا نحوه بخطى وئيدة ..جلس على مقربة منه وأخذ يتأمله للحظات كما لو أنه يراه لأول مرة..ريش مزركش بأصناف من ألوان بديعة،ذيل قصير، منقار دقيق، عينان مستديرتان.. زقزقات غير معهوده أدرك فحواها على الفور ..كان ينط من أرجوحة إلى اخرى.. يتمايل في كل الاتجاهات محاولا ضبط إيقاع توازنه برفرفات متوالية..
على حين غرة وبلا شعور،امتدت يده إلى بوابة القفص..فتحها ..أمسك برفق بالطائر..أخرجه بتؤدة من مربضه..حملته أفراس الذكرى إلى أغوار محبسه بالأمس القريب..استعاد غربة وضيق المكان ووحشته المريرة وتحركاته المحدودة والحصار المضروب على نماذج بشرية على شاكلته ..حينذاك تناهى إلى بؤرة مداركه أن الماثل أمامه الساعة هو أشد استشعارا لهول ورعب هذا الحيز المكاني المقيت، وربما أكثر مما كان مسطورا في سجل توقعاته..
تتنازعه نوازع النفس اللوامة في ذخيلته الهائجة هيجان اليَمّ في ثورانه..يعجب لمَ الأشياء والذوات تسبح ضد التيار لتعود على حين غرة إلى سابق عهدها..فطرة حيوان مجبول علىى شساعة الآفاق الرحيبة والفضاءات اللامتناهية وحركات وتنقلات لامحدودة ونظرات تمتد بلا انحسار هناك إلى الآماد النائية..هو ذا اللحظة قابع،جبرا لا اختيارا، في مكمنه وحيدا..!!..لا شك أن تضيق به شرنقة المكان وتخنق كيانه ربقة الزمان لتتقاذفه الجهات الأربع في نهاية المطاف..فلا يجد مناصا من الرضوخ لمصيره المحتوم..!!!
أخذ يقلّبه بين أصابعه في كل الأوضاع..مسد ظهره بلطف ولين..رمقه بنظرات متتالية فيها وجع وانكسار..أحنى رأسه مقبلا إياه ..خاطبه بوداعة :" أيها الطائر الأبهى..أنت مخلوق لتطير..فلتجللك العناية الربانية بجلالها..!..اذهب..فأنت الحر الطليق...!!"
تسلل الطائر من بين القبضة الآدمية على عجل محمولا على هودج ابتهاج لا يوصف،مرددا سمفونية انبعاث مشرق،مترنما بأناشيد يوم جديد..اندفع صوب الفراغ ..هناك بعيدا عبر الأجبُل والأودية والسهول الممتدة نحو الآفاق البعيدة...

سيرين
02-29-2016, 08:03 PM
الحرية مطلب فطري لا غنى عنه لكل كائن حي
سرد قصصي متقن بدقة التفاصيل وسلاسة التتابع
كاتبنا المبدع " صالح اهضير "
سلمت يمناك ودام سكب قلمك وارف بظلال الالق
جل التحايا والياسمين





\..:icon20:

ريانة القحطاني
02-29-2016, 11:21 PM
كَم من بَشر سُجناء أرواحهم كـ هذا الطير يا صالح
وكَم مِنهم من أطبَقَت عليه الدُنيا سِياجها
.
.
قطعة راقِية بِتفَصيلها وحَرفِها
سَلِمَ الجَمَال:icon20:

صالح اهضير
03-01-2016, 02:18 PM
سرين - الحرية مطلب فطري لا غنى عنه لكل كائن حي
سرد قصصي متقن بدقة التفاصيل وسلاسة التتابع
كاتبنا المبدع " صالح اهضير "
سلمت يمناك ودام سكب قلمك وارف بظلال الالق
جل التحايا والياسمين
*******************
رأي سديد ما خطه قلمك سيدتي ..ممتن لك أعظم امتنان حول هذه الارتسامات القيمة..
مودتي كبيرة...



\..:icon20:[/QUOTE]

صالح اهضير
03-01-2016, 02:23 PM
كَم من بَشر سُجناء أرواحهم كـ هذا الطير يا صالح
وكَم مِنهم من أطبَقَت عليه الدُنيا سِياجها
.
.
قطعة راقِية بِتفَصيلها وحَرفِها
سَلِمَ الجَمَال:icon20:

*********************
إنها حياة المتناقضات سيدتي..!! تعكر وصفاء،موت وحياة،سجن وحرية....إلخ ..أليس كل هذا ما يعطي معنى للحياة..؟؟
جد مشكورة على انطباعك...

رشا عرابي
03-01-2016, 03:26 PM
رحب هو الفضاء
متسع أفق التحليق، وإن قيدت الحادثات الحيلة

نص دلالي مجدول السكب بآي الدقة
مورق في ضفافه جمال الإصغاء

لله أنت
سأكون بالقرب متى لاح اسم معرفك
لأحثو من سردك نصيبا وافرا ماتعا من التأمل

تحاياي عاطرة بالورد والود

صالح اهضير
03-01-2016, 08:11 PM
رحب هو الفضاء
متسع أفق التحليق، وإن قيدت الحادثات الحيلة

نص دلالي مجدول السكب بآي الدقة
مورق في ضفافه جمال الإصغاء

لله أنت
سأكون بالقرب متى لاح اسم معرفك
لأحثو من سردك نصيبا وافرا ماتعا من التأمل

تحاياي عاطرة بالورد والود

*****************
أيتها الشاعرة الجليلة..!!
ردي لن يكون بأمثل مما خطته يمينك من عذب الكلام ومنثور النظم المفعم بحساسية ورقة لا تُضاهى..
مودتي لك كبيرة ..وسأكون سعيدا بالنهل مما تجود به قريحتك..

عبدالإله المالك
03-02-2016, 08:00 AM
صالح .. رحلت بنا في مديات بعيدة

تقبل التقدير والتحية

صالح اهضير
03-02-2016, 08:29 PM
صالح .. رحلت بنا في مديات بعيدة

تقبل التقدير والتحية

***************
الاستاذ عبدالإله المالك..
انطباعكم زادنا ابتهاجا ..وإشرافكم زادنا تشريفا...

نادرة عبدالحي
03-05-2016, 11:12 PM
وأي مَخلوق يهوى المحبس ؟؟؟

حصل على حريته ومنحَ الحرية لغيره لأنه أدرك بعد تجربته ثمنها ...

ثرية هي المفردات هنا ووقعها له سحر على قارئها ....

لفكركَ النير أقف وفي يدي وسام الابداع الذي تستحقه.

دمتَ بخير كاتبنا الكريم .

صالح اهضير
03-06-2016, 02:16 PM
وأي مَخلوق يهوى المحبس ؟؟؟

حصل على حريته ومنحَ الحرية لغيره لأنه أدرك بعد تجربته ثمنها ...

ثرية هي المفردات هنا ووقعها له سحر على قارئها ....

لفكركَ النير أقف وفي يدي وسام الابداع الذي تستحقه.

دمتَ بخير كاتبنا الكريم .

*******************

الأستاذة نادرة عبدالحي
كلماتك اشد ايقاعا على النفس مما ابدعت اناملي ..وإشرافك طوقني باكاليل الفخر والاعتزاز..

صالح اهضير
04-09-2017, 02:07 PM
http://store6.up-00.com/2017-04/149159927643951.jpg


حرارة مُلهبة لا تطاق تدب في أوصال الأشياء والذوات في هذا الحيز المكاني الشاسع الممتد الأطراف في كل الاتجاهات..
قافلة من شاحنات عملاقة محملة بالمؤن والذخائر ولذائذ العيش تدك الأرض بعجلاتها المطاطية وتلتهم الطريق على امتداد السفوح المحاذية للجبال الأطلسية ...
حراس شداد غلاظ يذرعون المكان ،ذهابا وإيابا، يجوبون الطريق بآلياتهم العتيدة زاجرين ناهرين الجموع الآدمية الغفيرة الثائرة كلما انتهى بهم المسير لمحطة من المحطات.. عندها، يرمونهم بما تيسر من فتات وفُضْلات ..يتلقفه البعض راضين مجبرين، والبعض ساخطين متبرمين.. أما معظم الخلق ،فكان ينطلق صراخهم وأناتهم إلى حد الهرير أو النباح ..نباح الكلاب الظامئة المغلوب على أمرها.. لكن القافلة تواصل سيرها غير آبهة..
على جنبات الطريق مساكن وضيعة تبدو للعيان متلاحمة كالفطر.. يُلوّح قاطنوها بأيديهم حانقين متوعدين بالويل والثبور ،نابزين بالألقاب :" إلى أين أيها الأنذال..!! "... " توقفي يا قافلة الذل والعار..!!"... " من أين لكم هذا أيها الناهبون..؟!".
أجل .. الألسن كانت تجهر بذلك في فورة غضب عارم بعد أن استبد بكيانها يأس مرير. ومع ذلك ،فقد كانت القافلة تسير وتسير من غير اكتراث..
بمحاذاة الشط الكئيب، وبداخل مراسي القهر، توقفت القافلة لشحن بضائعها في بطون السفن العملاقة ..هيجان خلق كثير يتعالى ..صيحاته تصم الآذان.. تملأ الآفاق .. لكن قائد القافلة يصيح بملء شدقيه بصوت صارم موجها أوامره للعاملين : " اقذفوا لهم ببعض الفتات وتابعوا شحنكم بلا تردد ..!!".
انطلق هدير محركات السفن بعد أن امتلأت أحشاؤها بأطنان من أرزاق العباد لتمخر عباب اليمّ مولية وجهتها هناك شطر الامكنة المعهودة، بينما تراجع الثائرون القهقرى وقد بحّت حناجرهم وكلت فرائصهم ليعودوا أدراجهم خائبين...

فاضل العباس
04-29-2017, 07:27 AM
مقارنة رائعة ايها الكاتب الكبير

صالح اهضير
04-29-2017, 03:14 PM
مقارنة رائعة ايها الكاتب الكبير
******************

الاستاذ فاضل العياش..
العفو اخي الكاتب الجليل ...هذا انطباع اعتز به ...وما اجمل اسلوب المقارنة في كل عمل كتابي ..اليس هو مثالا للتوضيح والشفافية والجلاء البين وسبر الاغوار...؟؟
تحياتي كبيرة لك...