صالحه حسين
05-24-2016, 02:19 AM
كالطائر المحموم تُلقي بيديكَ الذَّابلتين على عنقي ، وأنا أرفعُ كزهرة اللَّيلكِ صوب القمر رأسي ، أستمعُ لأنينكَ المتصدِّع ، وكالرَّذاذ المنعش أُرطِّبُ قلبكَ المتيبِّس . كنتُ مفتونة بخريف عينيكَ حدَّ السُّكْر الشَّهي أو الشِّعر ، وكالأُمِّ الرَّؤوم أحنو عليكَ ، وأسقيكَ من رحيق روحي .
لم يكنْ المساءُ غافلاً ، حين افترقنا ، ولا كانَ المطرُ غائباً، لكن عيناكَ المُتصحِّرتان لم تُبصرا تسرُّبَ السرابِ إلى قلبي ، ولا التقطتْ أذناكَ الصمَّاء حشرجات النور في صدري . سلبتني ابتساماتي النَّديَّة .. حتى راحتْ قدماي تضربان الغيم المُتعرِّج في سمائكَ .. ليستقيم ماء الحياة في عروقكَ ، ثم إليَّ يجري عائداً بالفرح الرَّيَّانِ وبالشوق الثَّمل . وعندما فشلتُ.. أدركتُ كم أنا وحيدة .. للحدِّ الذي لا أجد معه أحداً أخبره أنني لستُ بخير !
ربما كنتُ يوماً ذات صرح مُمرَّد بالزُّمرِّد ، عندما كانَ صمتكَ يسألني : من أكثرنا مطراً.. ؟!
لجأتُ لحائط تتحرَّش بظلِّه الرَّطب أوراق الشجر المُلتهبة ، لألتقط لأنفاسك الحرَّى صورة تذكارية .. وهي تحوم من حولي كرياح الخماسين ، وخبَّأتها في شقوق جدران الذاكرة الواهنة ، وبين طيَّات الكتب المهترئة .
لم أتهيَّأ للعزلة ، لكنني الآن وحيدة ، أحرُثُ صَمت الأماكن ، أُرتِّبُهُ في جُيوبِ السكون ، وأهزُّ جذع الروح لتتساقط منها الخيبة على صفحات قلبي .. كِسفاً من ذهول أو فُتاتاً من أُفول ، وأنتزعُ الكلمات عُنوةً من شفاه لا تُجيد التعبير .
" لقد أسمعتَ لو ناديت حيّاً !". حين أَسقطتُ ندائي الصاخب في شفق سمعكَ وأُفق مداك .. رددتَ عليَّ بابتسامة باهتة ، ثم أدبرتَ مع الغروب مُلوِّحاً حتى ابتلعكَ الغياب . لو أنكَ فقط تتذكَّر : كم كنتُ أُبلِّلُ خريفكَ بالمطر.. وبالسَّمُوم كم كنتَ تحرق ربيعي وتُجفِّف ينابيع عيني !
على طرف آخر موجة من أمواج صداكَ خبَّأت غيم نبضاتي ، فقد أحتاجها يوماً ، إذا ما راهنتَ قلبكَ على قلبي ، وقد يكون الغياب آخر أبواب الرحيل ، لكنكَ استعجلتَ الولوج فيه .. قبل أن ترتوي من حزني .
أستهلكُ كثيراً من الصبر .. كلما فاحتْ رائحة غضبي ، وأُحاولُ أن أُكمِّم شعوري بالسَّخط .. كلما تذكَّرتُ ذنبي ، وعلى وهمي أقاضي نفسي ، فتتجعَّد ملامحي ، ويترهَّل صوتي ، فلم تكن أنتَ قدري ، ولا كنتُ أنا قدركَ ، إلَّا أنكَ قتلتني بالحبِّ و به أحييتكَ .
تلسعني ندوبُ ذنوبي في صحوي ، وفي نومي تتغرغرُ أحلامي بألمي ، وأغصُّ بالآه حدَّ الاختناق ، وأكتمُ بقايا عتاب ينقحُ كالجرح المُندمل تحت جلدي ، كلما دفنته بالتجاهل انبثق يلومني ، وكلما ألقمته ثدي التغافل أفاق فعضَّ ذاكرتي ، وخافقي يضطربُ كلما حصَّنتُ نفسي بتعاويذ النسيان ضد الأحزان . كيف لم ينتبه قلبي العالق في شباكك الحريرية لعنكبوت نواياك ؟ وكيف لم تفطنْ روحي العفيفة لحرباء الرغبة الناعمة المندسَّة تحت قميصك ؟
ها أنا أزمزم الماء المندلق من شفاه الغيم ، وأمضغ الضوء نيِّئاً كلما تنفَّس الصبح ، وبيد الندم المرِّ أنتزعُ خنجر الصدى الصدئ من فمي ، لأغرس زنابق الغناء العذب في قلبي . وها أنا كلما سمعتُ صوتاً مريباً يناديني من تحت الماء أو من وراء أعمدة الهواء .. صبغته بالأحمر قبل أن يرميني موج الآه على أكتاف الوجع . وما زلتُ أُخلِّصُني ومن وحل الأمس انتزعني .. لأستنشق عبير الحاضر وأريج الحياة ، وأترك لحطب الذكريات متعة الاحتراق البطيء .. ولجذوة ضلوعي لذة الانطفاء الهادئ في الظل . صوتك يتبخَّر ، فدعني أنام ملء جفوني ، وهبني هجعة أستريح فيها من قوافل الخيبات وقوافي الخذلان ، ولا تتذكَّرني .
لم يكنْ المساءُ غافلاً ، حين افترقنا ، ولا كانَ المطرُ غائباً، لكن عيناكَ المُتصحِّرتان لم تُبصرا تسرُّبَ السرابِ إلى قلبي ، ولا التقطتْ أذناكَ الصمَّاء حشرجات النور في صدري . سلبتني ابتساماتي النَّديَّة .. حتى راحتْ قدماي تضربان الغيم المُتعرِّج في سمائكَ .. ليستقيم ماء الحياة في عروقكَ ، ثم إليَّ يجري عائداً بالفرح الرَّيَّانِ وبالشوق الثَّمل . وعندما فشلتُ.. أدركتُ كم أنا وحيدة .. للحدِّ الذي لا أجد معه أحداً أخبره أنني لستُ بخير !
ربما كنتُ يوماً ذات صرح مُمرَّد بالزُّمرِّد ، عندما كانَ صمتكَ يسألني : من أكثرنا مطراً.. ؟!
لجأتُ لحائط تتحرَّش بظلِّه الرَّطب أوراق الشجر المُلتهبة ، لألتقط لأنفاسك الحرَّى صورة تذكارية .. وهي تحوم من حولي كرياح الخماسين ، وخبَّأتها في شقوق جدران الذاكرة الواهنة ، وبين طيَّات الكتب المهترئة .
لم أتهيَّأ للعزلة ، لكنني الآن وحيدة ، أحرُثُ صَمت الأماكن ، أُرتِّبُهُ في جُيوبِ السكون ، وأهزُّ جذع الروح لتتساقط منها الخيبة على صفحات قلبي .. كِسفاً من ذهول أو فُتاتاً من أُفول ، وأنتزعُ الكلمات عُنوةً من شفاه لا تُجيد التعبير .
" لقد أسمعتَ لو ناديت حيّاً !". حين أَسقطتُ ندائي الصاخب في شفق سمعكَ وأُفق مداك .. رددتَ عليَّ بابتسامة باهتة ، ثم أدبرتَ مع الغروب مُلوِّحاً حتى ابتلعكَ الغياب . لو أنكَ فقط تتذكَّر : كم كنتُ أُبلِّلُ خريفكَ بالمطر.. وبالسَّمُوم كم كنتَ تحرق ربيعي وتُجفِّف ينابيع عيني !
على طرف آخر موجة من أمواج صداكَ خبَّأت غيم نبضاتي ، فقد أحتاجها يوماً ، إذا ما راهنتَ قلبكَ على قلبي ، وقد يكون الغياب آخر أبواب الرحيل ، لكنكَ استعجلتَ الولوج فيه .. قبل أن ترتوي من حزني .
أستهلكُ كثيراً من الصبر .. كلما فاحتْ رائحة غضبي ، وأُحاولُ أن أُكمِّم شعوري بالسَّخط .. كلما تذكَّرتُ ذنبي ، وعلى وهمي أقاضي نفسي ، فتتجعَّد ملامحي ، ويترهَّل صوتي ، فلم تكن أنتَ قدري ، ولا كنتُ أنا قدركَ ، إلَّا أنكَ قتلتني بالحبِّ و به أحييتكَ .
تلسعني ندوبُ ذنوبي في صحوي ، وفي نومي تتغرغرُ أحلامي بألمي ، وأغصُّ بالآه حدَّ الاختناق ، وأكتمُ بقايا عتاب ينقحُ كالجرح المُندمل تحت جلدي ، كلما دفنته بالتجاهل انبثق يلومني ، وكلما ألقمته ثدي التغافل أفاق فعضَّ ذاكرتي ، وخافقي يضطربُ كلما حصَّنتُ نفسي بتعاويذ النسيان ضد الأحزان . كيف لم ينتبه قلبي العالق في شباكك الحريرية لعنكبوت نواياك ؟ وكيف لم تفطنْ روحي العفيفة لحرباء الرغبة الناعمة المندسَّة تحت قميصك ؟
ها أنا أزمزم الماء المندلق من شفاه الغيم ، وأمضغ الضوء نيِّئاً كلما تنفَّس الصبح ، وبيد الندم المرِّ أنتزعُ خنجر الصدى الصدئ من فمي ، لأغرس زنابق الغناء العذب في قلبي . وها أنا كلما سمعتُ صوتاً مريباً يناديني من تحت الماء أو من وراء أعمدة الهواء .. صبغته بالأحمر قبل أن يرميني موج الآه على أكتاف الوجع . وما زلتُ أُخلِّصُني ومن وحل الأمس انتزعني .. لأستنشق عبير الحاضر وأريج الحياة ، وأترك لحطب الذكريات متعة الاحتراق البطيء .. ولجذوة ضلوعي لذة الانطفاء الهادئ في الظل . صوتك يتبخَّر ، فدعني أنام ملء جفوني ، وهبني هجعة أستريح فيها من قوافل الخيبات وقوافي الخذلان ، ولا تتذكَّرني .