المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العــــــــشق الأســــــود ..


صالح اهضير
10-27-2016, 03:26 PM
http://store2.up-00.com/2016-10/1477570546221.jpg



عاد إلى بيته عشية يوم مقيت..كانت صدمته هذه المرة، وهو يمرر نظراته باندهاش على الأحرف النارية،أشد هولا مما عايشه في سالف الأيام والليالي..ورقة خَطَّتْها رفيقة دربه من صِباه..كانت موضوعة بعناية على براز بمحاذاة كنبة بوسط الدار..كلمات وجيزة، لكنها ألهبت روحه وهزت كيانه :" عزيزي.. اغفر لي .. وداعا.. أنا لن أعود إليك..!!"..
جمد كما التمثال بلا حراك..أحس بغصة خانقة في حلقومه ..تسارعت نبضاته واضطربت أحشاؤه وكاد أن يتهاوى إلى الأرض مصعوقاً..أمسك برأسه من هول الوقيعة..تساءل في دخيلته مُنهالا على ذاته تأنيبًا : كيف يحدث ذلك بلا وعي منك ؟ أين حرصك ؟ أين حذرك ؟ أبعد طول هذه العشرة تنسل من بين يديك ؟..وعلى حين غرة ؟؟!..تبًا لكِ وسحقًا أيتها النفس اللئيمة..!!"
طفق يشق مسالك المدينة في كل مُتجه بلا هدى ..يتطلع الى الوجوه النسوية متفحصا إياها بإمعان علَّ القدر ينير بصيرته ويُيَسر مسعاه فيقوده لضالته ..من يدري؟..نظر هناك بعيدا .."ربَّاه !..إنها هي بلا أدنى شك..هي.. تماما هي.."..تبادر ذلك إلى ذهنه وهو يرمق الأجساد المتحركة من الاتجاه الخلفي..تسارعت خطواته والأمل الأخضر يبرق في مقلتيه الذابلتين..أمسك بذراعها الأيسر بخفة المتلهف ..صاح :"عائشة..عائشة.."..استدارت المرأة على عجل..قذفت في وجهه في وجوم :" احترم نفسك يا رجل..أنا لست بعائشة..قليل الأدب.."..تبرَّم آسفا مدحورا ،وغاصت هي في زحمة المكان قبل ان يقدم لها اعتذاره...
في غمرة يأس مرير، تهاوت به قدماه على قارعة الطريق..يمد كفه المرتبكة ممتعضا للعجوز الشمطاء الجاثمة تحت المظلة الشمسية، هو الفتى الذي كان ذات أيام سالفات يرى البياض بياضاً والسواد سواداً ولم تراود جمجمته المحمومة قط مثقال ذرة من عزم لالتماس المخبوء في قِراب العرَّافين..
تطلعت العجوز للكفّ الممدودة ملياً ممررة سبابتها على الأسارير المتشابكة :
- قدرك يا رجل أن تشقى بلظى النفس الأمارة بالعشق..الغارقة في دوامة أبْحُر الوجد ..والهيام..محال لها أن تنعم بالاطمئنان ..محظور عليها أن تسعد بجلال السكينة ..لا راضية ولا مَرْضِيَة..
خاطبها في ترجٍ وتلهف متسائلا :" أين هي ؟ كيف السبيل إليها ؟ قل لي بربك يا امراة ؟ "
- "حبيبة قلبك هناك.." قالت ذلك مشيرة الى وجهة الأَجْبُل العاتية للمدينة ثم تابعت :"..أجل..هناك بعيدا..فيما وراء الأسوار الشامخات.. هي اللحظة تصارع جحافل العشق الأسود و تمرح في متاهات جزر النبذ كما فراشة في حدائق التيه.."
- ماذا تعنين يا امرأة ؟!
قالت آسفة وبلا تردد :
- رفيقة دربك يا بُني..ليس لك عليها من سلطان بعد اليوم..
اهتزت نفسه ثورانا ..كال على العرافة بالشتائم في غور ذاته ثم سلّ كفه من بين براثن أناملها الخشنة ثم انصرف لوجهة غير معلومة...
هكذا كان دأبه على مدى شهور طويلة..يروح ممنيا النفس باللقيا ويغدو متبخر الآمال..يفتش أينما اتُّفق : الأضرحة والزوايا،المشافي والمارستانات،لدى الأهل والأقارب،في مراكز الأمن ومحطات النقل..في كل الأمكنة..
يعود كل مساء خاوي الوفاض كما لو أن العالم قد انسل من بين يديه كالوميض..يطوف في أرجاء البيت ..تداهمه رائحتها في كل شبر من هذا الحيز المكاني الكئيب.. تلك خزانة ملابسها لا تزال على حالها..حقائبها مركونة هناك..دفاترها..رُزَم من علب أدوية الطب النفسي على مقربة من سريرها..
كل شيء هنا يحمله على صهوة الذكرى فيراها ماثلة أمامه تداعب شعرها البرونزي اللامع .. تمدّ ذراعيها البلوريتين معانقة إياه بابتسامة رقيقة شفافة تملا كيانه حبورا وسعادة لا توصف..نظراتها الفاتنة وصوتها الرخيم يُذيب أوصاله عشقاً فينتعش وجدانه انتعاش الفراش المنتشي برحيق الورود..
غير أن الذكرى لا تلبث أن تُحِيله على الجانب النقيض من سلوكها المريض فتبدو له جاثمة على سريرها وقد خيمت عليها سحائب من صمت رهيب على مدى أيام ..تنتابها نوبات من جفاء وإعراض وضيق وانفعال..تغرق في غياهب عالمها الحالم الأوحد.. يدعوها فلا تستجيب ..يحاورها فلا ترضخ ..يستعطفها فلا تنقاد ،كما لو أن احاسيسها كُبلت تكبيلا..
وبعد أن أعيته الحيلة وخاض غمار البحث بلا جدوى عن بلسم لمصابه، انهار في نهاية المطاف مستسلما في خنوع لقدره المعتوه..
وتمر الشهور والسنون كما الشجر يرتد إلى الخلف للناظر إليه من قطار يسابق الريح،فإذا الرجل في صبيحة يوم كئيب يذرع الفيافي والأزقة والدروب..يكبو ويستقيم..يبكي ويستبكي..يجوب الأصقاع متدثرا بشملة الضياع،صارخا مستغيثا نائحا كالثكالى..يتردد اسمها على شفتيه المتورمتين بلا انقطاع..شعره الأشعث تداعب خصلاته نسائم الصباحات المقيتة ومساءات تملأ آفاقه سواداً في سواد..يلوح من محياه المكفهر بريق أمل مفقود تحت لهيب شمس لا يطاق وزمهرير ليالٍ قارسة..تطارده صيحات الاطفال والصبيان كأشباح ليل بهيم، نابزين إياه بالألقاب : وَا الْمَهْبُولْ..! وَا الْمَهْبُولْ..! وَا الْمَهْبُولْ*...!!!
-----------------
* الْمَهْبُولْ = الأحمق باللهجة المغربية

سيرين
10-28-2016, 12:05 AM
كيف لنقس خانت ذاتها أن تستدرك خفقاََ ممن هجرها
لابد ان تصاب بلعنة وطعنة العشق الاسود
كاتبنا المبدع " صالح اهاضير "
سرد قصصي كان عصف من ألم كنا له إنصات يتابع نزفه
حتى كانت نهايته المؤلمة
سلمت يمناك ولك فاضلي جل الود والتحايا


\..:icon20:

صالح اهضير
10-28-2016, 01:04 PM
كيف لنقس خانت ذاتها أن تستدرك خفقاََ ممن هجرها
لابد ان تصاب بلعنة وطعنة العشق الاسود
كاتبنا المبدع " صالح اهاضير "
سرد قصصي كان عصف من ألم كنا له إنصات يتابع نزفه
حتى كانت نهايته المؤلمة
سلمت يمناك ولك فاضلي جل الود والتحايا
\..:icon20:
******************
الاستاذة سيرين
أخلص المتمنيات لك ...انطابعك النبيل يثلج الصدر..
بالتوفيق لك ولهذا المنتدى القيّم...

عبدالإله المالك
10-29-2016, 08:27 PM
الكاتب صالح

يقدم قلما خاصا به
رحى تدير الحروف الأبجدية بنارها ومائها وهوائها

حييت

صالح اهضير
10-30-2016, 03:14 PM
الكاتب صالح

يقدم قلما خاصا به
رحى تدير الحروف الأبجدية بنارها ومائها وهوائها
حييت

******************


الاستاذ عبدالإله المالك :
الشكر الجزيل موصول لك على هذا الاطراء الجميل ....

نادرة عبدالحي
11-01-2016, 08:35 PM
الحياة الإجتماعية ومشاكلها المتعددة تُفرض علينا وجودها رغما عنا
اعتمدَ الكاتب تقنيات خاصة به وبإسلوبه لمُعالجة موضوعه وقد وظف طريقة سرد مُحببة لدى القارئ وقريبة إليهليعالج فيها مُعاناة إنسان أرادَ العيش بسلام مع من إختارها قلبه

وطاف يبحث عنها لعل سعادته تعودُ إلى حياته من جديد. .
الكاتب نوعَ في قصته بين السرد والوصف والحوار ،لكي يخدم المعنى وجعله واضحا في ذهن القارئ، إضافة إلى تميز في التشويق لأن عنصر التشويق ملمع فني بارز في الأعمال القصصية...
الكاتب صالح اهضير تملك مساحة أدبية خاصة بكَ وتُبدع حتى تُزهر فصول القصة بما يروق لقارئكَ....

صالح اهضير
11-01-2016, 11:00 PM
الحياة الإجتماعية ومشاكلها المتعددة تُفرض علينا وجودها رغما عنا
اعتمدَ الكاتب تقنيات خاصة به وبإسلوبه لمُعالجة موضوعه وقد وظف طريقة سرد مُحببة لدى القارئ وقريبة إليهليعالج فيها مُعاناة إنسان أرادَ العيش بسلام مع من إختارها قلبه

وطاف يبحث عنها لعل سعادته تعودُ إلى حياته من جديد. .
الكاتب نوعَ في قصته بين السرد والوصف والحوار ،لكي يخدم المعنى وجعله واضحا في ذهن القارئ، إضافة إلى تميز في التشويق لأن عنصر التشويق ملمع فني بارز في الأعمال القصصية...
الكاتب صالح اهضير تملك مساحة أدبية خاصة بكَ وتُبدع حتى تُزهر فصول القصة بما يروق لقارئكَ....


*****************
الاستاذة نادرة عبدالحي
نظرة نقدية وتحليل قيّم وعميق ينم عن دقة الملاحظة والالمام بتقنيات النص الادبي لا من حيث البعد الفني ولا من حيث البعد الدلالي رغم إجماله في كلمات...
عظيم امتناني لك سيدتي...

فاضل العباس
11-21-2016, 08:38 PM
سرد لقصة حب قد لايكون لها وجود في هذا الزمن
اكتظت بكلمات بلاغيه وصور متزاحمه ضاقت بها الاسطر
حملت من الجزع والياس الكثير

وللعرافه نصيب في زيادة الياس
النهايه مؤلمه
وتمنيت ان تنتهي
باحترم نفسك يارجل انا لست عائشه
وللكاتب القدير الفكره
تحياتي مع الود

صالح اهضير
11-23-2016, 03:23 PM
سرد لقصة حب قد لايكون لها وجود في هذا الزمن
اكتظت بكلمات بلاغيه وصور متزاحمه ضاقت بها الاسطر
حملت من الجزع والياس الكثير

وللعرافه نصيب في زيادة الياس
النهايه مؤلمه
وتمنيت ان تنتهي
باحترم نفسك يارجل انا لست عائشه
وللكاتب القدير الفكره
تحياتي مع الود
**************
السيد فاضل العباس
- إنهاء القصة في الموضع الذي ذكرت قد يؤدي الى بتر للنص بالتأثير على بنائه ومن ثمة حاجة البطل الى الوصول لحقيقة مفقوده من حيث البعد الدلالي للمحكي ..
- لا يمكن إنكار أن كثيرا من نصوص حداثية تستمد افكارها وتلتمس مضامينها من التراث ومن وقائع تاريخية مصطبغة بلون جديد..وهذا لا يعني استحالىة وجودها في الحاضر..
-اخي هذا نص قصصي وليس قرآنا أو مقامة وخطبة،ولا أظن ان به حشدا من الصور البلاغية مبالغ فيها كما تصورت..أرجو ان تعيد القراءة والتمحيص..إنما هو حشد من المفردات تغني النص ..
-الخاتمة أوالقفلة كما لايخفى عليك قد تكون نهايتها سعيدة او سوداوية وقد تكون بين هذا وذاك أو لا تكون.. ذلك يتوقف على النمط القصصي المعروض ..هل تريدها انت ان تكون محملة بالبشريات؟؟.. الحوافز والدوافع كما رأيت لا تسمح بذلك..
- واخيرا تمنيت لو انك كشفت عن نماذج من النص أوبناء انتقادك على أساس من قواعد ونظريات النصوص الادبية للتدليل على ملاحظاتك وآرائك بدلا من تقريرات فضفاضة.. .
أجل التحيات.. والشكر موصول لك على هذه الالتفاتة..

رشا عرابي
11-23-2016, 03:46 PM
للنص أنيابٌ متوارية قَضَمت خنصر الحيلة
وابتعلت فتات الإياب غاصّةً بها
والوزر في عنق الحادثات...

أسلوب السرد المُكتمل البنيان يجعلنا ننصت حتى النهاية ... بذات الشغف ال_تلبّسنا منذ البواكير
وتلك دلالة على صبغة الإبداع القصصي في إغلاق أي ثغرةٍ واهنة لا تليق بسردٍ إبداعي الرّتم

ابن الديار المغربية الحبيبة
ديدنك الإبداع

لك التّحايا من وريد العطر جوري

صالح اهضير
11-23-2016, 06:02 PM
للنص أنيابٌ متوارية قَضَمت خنصر الحيلة
وابتعلت فتات الإياب غاصّةً بها
والوزر في عنق الحادثات...

أسلوب السرد المُكتمل البنيان يجعلنا ننصت حتى النهاية ... بذات الشغف ال_تلبّسنا منذ البواكير
وتلك دلالة على صبغة الإبداع القصصي في إغلاق أي ثغرةٍ واهنة لا تليق بسردٍ إبداعي الرّتم

ابن الديار المغربية الحبيبة
ديدنك الإبداع

لك التّحايا من وريد العطر جوري
*******************
إلى رشا عرابي
تحية ايتها الشاعرة الجليلة
بدا لي من قطر حروفك ولاول وهلة ذاك النبع الصافي لأريحية باهرة وقلب رؤوم..
في عبارات اكثر من شاعرية تهز الإحساس من قلم بارع حتى في لهجة الخطاب ..
تحية كبيرة اليك مني ومن أصقاع بلدك الحبيب...