سالم الجابري
08-20-2017, 05:15 PM
حتّى الخارصين يقود لصعرا.
أهلاً بكم.
الخارصين هو فلز الزنك، وصعرا هي واحة صغيرة على طرف الربع الخالي في جزيرة العرب. وإن اختلست السمع لأهل هذه الواحة التي لا تظهر على الخارطة وهم يفخرون بواحتهم لخلت أنهم يتكلّمون عن نيويورك أو لندن أو باريس. ومما لا شكّ فيه أن طرق القوافل القديمة في جنوب شرق جزيرة العرب كانت كلّها تمر على صعرا، ولهذا يقول أهلها "وجوه الركاب تقود لصعرا"، أمّا أنا فقد قادني الخارصين ومن بعده الهوى لصعرا.
من يعرفني بشخصي بالتأكيد سيصاب بالدهشة وهو يقرأ هذا الكتاب ولن ألومه إن أحسّ ببعض الخديعة، ولمن لا يعرفني أكتب هذه المقدّمة البسيطة عن نفسي.
اسمي علي جان وأنا من القوميّة البلوشيّة. درست علوم الأرض وهندسة المياه في جامعة بلوشستان الهندسية في خوزدار وتخرجت منها في عام 1984. أبي كان شيخ طريقة صوفية، ولذلك أصرّ علي بعد تخرجي أن أتفرغ لدراسة العلوم الشرعية واللغة العربية. خلال سنتين ونصف كنت قد تمكّنت من تجويد القرآن ودرست النحو والحديث والتفسير وأصبحت أتحدّث العربية الفصحى بطلاقة شديدة، وذلك ليس بغريب فعموم البلوش يتعلّمون العربية بسرعة ملفتة.
وفق أعراف مجتمعنا المحلّي وأعراف العائلة فلم يكن لي من أمري أي شيء. كل الأمر كان بيد أبي الذي بدأ بالاتصال بأصدقائه ومريديه ليتدبّر أمر الوظيفة. ولم تكن الوظيفة بالنسبة لي ضرورة للعيش بسبب الحالة الميسورة للأسرة، بل لإضفاء صفة الرجولة والوقار كما يقول أبي. أفضل خيارات الوظيفة الممكنة كانت في شركة بلوشستان للغاز، أو في شركة مناجم الفحم التي يملك أبي حصّة فيها، أو في وزارة الريّ الحكوميّة. وأخيراً قرّر أبي أن شركة الفحم هي الأفضل.
بالطبع ذهبت للشركة يرافقني ظل أبي، وأما المهندس علي جان الذي بداخلي فلم يكن له وزن. ومع عبارات الترحيب والاحترام التي كانت تنهال علي من كل حدب وصوب كنت أزداد غباءً وتقزماً ويزداد ظل أبي طولاً. لكن ماذا عساي أن أفعل؟! تقبّلت الأمر، وتقبّلت أيضاً مسمّى كبير مهندسي قسم تقييم المخاطر، وهو قسم ليس له وجود في الواقع بل مجرّد لوحة كتبت على عجل وبخط رديئ ووضعت على باب المكتب الذي ساقوني له. وحين عدت للبيت وسألني أبي عن الوظيفة التي اعطوني إياها، أجبته وعيناي منكسرتان نحو خرزات المسبحة الفيروزية التي يقلبها بين يديه
- لقد عيّنوني كبير مهندسي قسم تقييم المخاطر يا أبي.
- ولماذا لم تقل لهم أنّك يجب أن تكون رئيس القسم!! هل تظنّ أنّى سأبقى للأبد أدبّر لك كل شيء؟! أنت درست في الجامعة ويجب أن تكون رئيس القسم........هل تسمعني؟
-نعم يا أبي أسمعك.
-لا تذهب للوظيفة غداً حتّى أكلّم مدير الشركة.
أهلاً بكم.
الخارصين هو فلز الزنك، وصعرا هي واحة صغيرة على طرف الربع الخالي في جزيرة العرب. وإن اختلست السمع لأهل هذه الواحة التي لا تظهر على الخارطة وهم يفخرون بواحتهم لخلت أنهم يتكلّمون عن نيويورك أو لندن أو باريس. ومما لا شكّ فيه أن طرق القوافل القديمة في جنوب شرق جزيرة العرب كانت كلّها تمر على صعرا، ولهذا يقول أهلها "وجوه الركاب تقود لصعرا"، أمّا أنا فقد قادني الخارصين ومن بعده الهوى لصعرا.
من يعرفني بشخصي بالتأكيد سيصاب بالدهشة وهو يقرأ هذا الكتاب ولن ألومه إن أحسّ ببعض الخديعة، ولمن لا يعرفني أكتب هذه المقدّمة البسيطة عن نفسي.
اسمي علي جان وأنا من القوميّة البلوشيّة. درست علوم الأرض وهندسة المياه في جامعة بلوشستان الهندسية في خوزدار وتخرجت منها في عام 1984. أبي كان شيخ طريقة صوفية، ولذلك أصرّ علي بعد تخرجي أن أتفرغ لدراسة العلوم الشرعية واللغة العربية. خلال سنتين ونصف كنت قد تمكّنت من تجويد القرآن ودرست النحو والحديث والتفسير وأصبحت أتحدّث العربية الفصحى بطلاقة شديدة، وذلك ليس بغريب فعموم البلوش يتعلّمون العربية بسرعة ملفتة.
وفق أعراف مجتمعنا المحلّي وأعراف العائلة فلم يكن لي من أمري أي شيء. كل الأمر كان بيد أبي الذي بدأ بالاتصال بأصدقائه ومريديه ليتدبّر أمر الوظيفة. ولم تكن الوظيفة بالنسبة لي ضرورة للعيش بسبب الحالة الميسورة للأسرة، بل لإضفاء صفة الرجولة والوقار كما يقول أبي. أفضل خيارات الوظيفة الممكنة كانت في شركة بلوشستان للغاز، أو في شركة مناجم الفحم التي يملك أبي حصّة فيها، أو في وزارة الريّ الحكوميّة. وأخيراً قرّر أبي أن شركة الفحم هي الأفضل.
بالطبع ذهبت للشركة يرافقني ظل أبي، وأما المهندس علي جان الذي بداخلي فلم يكن له وزن. ومع عبارات الترحيب والاحترام التي كانت تنهال علي من كل حدب وصوب كنت أزداد غباءً وتقزماً ويزداد ظل أبي طولاً. لكن ماذا عساي أن أفعل؟! تقبّلت الأمر، وتقبّلت أيضاً مسمّى كبير مهندسي قسم تقييم المخاطر، وهو قسم ليس له وجود في الواقع بل مجرّد لوحة كتبت على عجل وبخط رديئ ووضعت على باب المكتب الذي ساقوني له. وحين عدت للبيت وسألني أبي عن الوظيفة التي اعطوني إياها، أجبته وعيناي منكسرتان نحو خرزات المسبحة الفيروزية التي يقلبها بين يديه
- لقد عيّنوني كبير مهندسي قسم تقييم المخاطر يا أبي.
- ولماذا لم تقل لهم أنّك يجب أن تكون رئيس القسم!! هل تظنّ أنّى سأبقى للأبد أدبّر لك كل شيء؟! أنت درست في الجامعة ويجب أن تكون رئيس القسم........هل تسمعني؟
-نعم يا أبي أسمعك.
-لا تذهب للوظيفة غداً حتّى أكلّم مدير الشركة.