آية الرفاعي
12-24-2017, 10:40 PM
إنْ قَسَتْ عليكَ حياةُ الجُمودِ˛أو أغرَقتْكَ حالاتٌ من الاكتِئابِ و الضغطّ اليوميّ˛ أو أُثيرَ فُضولُكَ حول أمرٍ ما˛
أو أرّدتَ أن تُجالِسَ صديقاً لا يُمّلُ˛ فإنّك تلتَفِتُ صوبَ القِراءة.
إنّ القرَاءَةَ فعلٌ محمودٌ يأخُذُكَ من مقبَرةِ الجَهلِ إلى آفاق المعرِفةِ والثقافةِ˛
وما بينَهُما تَجدُكَ تصعدُ دَرَجات الحياةِ بسلاسَةٍ أكبر˛مُزدانةٌ ملامِحُكَ باليَقين.
ولولا أنّني لَستُ بِصدَدِ ذكرِ خِصالِ الكُتب و حَسناتِ القراءةِ, لكنتُ ملأتُ بضعَ صفحاتٍ وأنا أُمجّدُ الكُتُبَ و القرّاء˛
ولكنّي سأتجّه صوبَ اللغةِ˛ اللّغةُ العربية : المكوّنُ الحقيقيّ لِنبعِ الثقافةِ˛ والإرثُ الدينيُّ والحضاريّ للأمةِ العربيّة˛ وآخرُ معاقِلِ المَجدِ صموداً..
اللّغةُ التي خصّها الله بالذكرِ في كتابِه الكريم "إنا أنزلنه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون "..
وتغنّى بها القاصي والداني من الناطقينَ بها و الباحثينَ عنها..يقول الشاعرُ أدونيس في مدحها..
" إنّ الذي ملأَ اللغات محاسن.....جعل الجمال وسره في الضاد ".
و أنا أعبُرُ بابَ معرَضِ الكُتبِ˛ وعناوينُ الرواياتِ و أكثَرِ الكُتُبِ مَبيعاً تتزَاحَمُ في رأسي˛
و شكلُ حلمي الذي على هيئةِ مَكتَبةِ ضخمةِ يداعِبُني˛أبدَأُ في تَصفُّحِ الكتبِ ˛الأصيلةِ و المُترجمةٍ عن لُغاتٍ أجنبيّة˛
لأصطدِمَ باللهجاتِ العاميّة واللّغاتِ المحكيّة˛من بلادِ الشامِ إلى بلادِ المغرِبِ˛
فَيَسقُطُ طَعمُ الأدَبِ في حلقي علقماً ˛و أضعُ الكتابَ جانِباً و دَهشةُ السؤالِ تعتَريني: كيفَ تُحلّقُ هذهِ الكُتُبُ في سَماءِ النَجاحِ ˛وأجنِحَةُ اللغةِ فيها مكسورة؟..
أقِفُ في زاويةٍ منسيّة وأتسائَلُ˛كيفَ أسقطَ الإحتلالُ الممتدُّ مُنذ قَرنٍ لُغتنا الأمّ عبرَ ترويجِ اللهجاتِ العاميّة˛
فعزّزَ الإنفصالَ العربيّ والقوميّ فينا عبرَ تَرسيمٍ عريضٍ للحدودِ القاتِلة بينَ الدولِ وبينَ الشعوب ؟..و كيفَ سَالتْ مِن جوانِب عُروبَتنا اللغةُ ˛ فانمَسَخَنا عنها؟..
يقول الرافعيّ :
*" ما ذَلّت لغةُ شعب إلا ذُلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة ، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها "
إنّ العاميّة المتداولة في الأزّقةِ والأحياءِ معفوٌّ عنها˛ لكنّها تصيرُ وباءاً مميتاً حينَ تُخلّدُ في الكُتُبِ و تُعيقُ بجدّيةٍ كبيرةٍ أيّ مشروعٍ قوميّ أصيلٍ لِوحدةٍ عربيّةٍ ثقافيّةٍ ˛
فالكاتبُ هوَ خطُّ الدفاعِ الأخيرِ˛ و اللغةُ هي المَنفى الذي نلجؤ إليه حينَ ينهَمِرُ الموتُ علينا من آلات الحربِ و الاستِعمار ˛ فتشويهُ اللغة هي السقوطُ المدوّي.
و أتسائلُ و أنا أجلسُ أمامَ أمّهاتِ الكُتُبِ ˛بِحسرةٍ : أينَ ذَهَبَ مِقّصُ الرّقيبِ؟..أمْ أَنّهُ يكونُ حادّاً حينَ تُمّسُ سُلطاتُه العُليا بِسوءٍ ˛ و تَصيرُ شَفراتُهُ هزيلةٌ حين العَبَثُ باللغةِ ؟..
ولنْ أختَلِفَ مع من سَيُعارِضني لِيقولَ أنّ مقصَ الرقيبِ هزيلٌ منذ عقدٍ وأكثَرَ من الزمنّ˛فهذا حقيقيٌّ..
إذْ إنّ الثالوثَ المحرّمَ: السياسةُ..الجنسُ..والدين˛تفكّكتْ أضلاعُه و أُبيحَتْ زوايَاهُ في مناحي الحياةِ و في صفحاتِ الكُتب..وكانَ هذا حسناً لما كان مِنها أسيراً ظُلماً ˛
لكنّهُ طالَ الأخضرَ واليابِسَ و حرَقَ أرضَ الثقافةِ الفكريّة ˛ و مؤسسةَ المُجتمعِ.. و صارَ سِلعةً رخيصةً تُباعُ في سوقِ الثقافةِ السوداءِ بِسعرٍ زهيدٍ˛و هذا مأخذٌ كبيرٌ لا يَسعُني أنْ أخوضَ فيهِ هُنا˛لكنّني أطرحُ مَأخذي على هذا المَقصِّ الذي لم ينتَبِه يوماً إلى اللغةِ, مُتذرعاً بحججٍ واهيّةٍ من قَبيلِ البساطةِ و إشمالِ فِئاتٍ بمدى أكثر اتساعاً من القرّاءِ˛لكنّني أرى أنّهُ إخمادٌ لِنارِ التوّهجِ الثقافيّ..وحيلةٌ من حِيَلِ بعضِ الناشِرينَ لزيادَةٍ مبيعاتِهم و أرباحهم الماديّة˛ فَهَمُهُمْ الأكبرُ هو تسويقُ الكِتابِ و لو كانتْ فِكرَتُهُ مكررّةٌ للمرةِ الألفِ, و الضادُ مِنهُ بريء..
وهذا الإضعافُ لقوةِ اللغةِ وأثَرِها المقدّس على النَفسِ ˛و مَقدِرَتُها الساميّة في لمّ شملِ الأمّة العربيّة˛ هو جريمةٌ حقيقيةٌ بحقّها ˛و تدميرٌ للمَنفى الأخيرِ بعدَ أنْ دُمّرَتْ الأوطانُ واقعيّا..
و أُعرّجُ بِسؤالي الأخير على تخلّف ترجمةِ الكُتُبِ من العربيّة إلى العالميّة ˛ كيفَ يُمكِنُ أنْ نُطالِبَ العالمَ بترجمةِ كُتبِنا إلى اللغاتِ الأخرى و رفعِها من إطار الإقليميّةِ إلى العَالميّةِ ونحن ذواتنا لا نجدُ فيها ذاكَ الشغف الحقيقيّ وتلكَ اللغةُ الأمُ التي تدّكُ بِقوّةِ كلمةٍ منها تعابيرَ طويلةٍ من لغاتٍ أخرى؟..
و إنّ الخِطابَ يطولُ لو عُدنا إلى وَكرِ الأزمةِ˛ و عَرَضنا أسبابَ هذا التفكّكِ اللغويّ الآتي مُنذُ سنِّ النُطقِ الأولِ ˛عُبوراً بالمدرسةٍ و طبيعةِ التربيّة ثمّ عرجنا على المحاضراتِ العلميّةِ و الدينيّة و الصالوناتِ الثقافيّةِ˛ مروراً بوسائلِ الإعلامِ و انتهاءاً بالكُتُبِ بشتّى مجالاتها..
وهكذا آلتْ اللغةُ إلى السُقوطِ بِحُججٍ واهيّةٍ و مخاوِفَ عابِرةٍ , و لا نجدُ غيرَ الدعوةِ إلى النُزوحِ نحوَ اللغةِ من كل حدبٍ و صوب..لِنُعيدَها إلى مكانتها الحقيقيّةِ .
في يومِ اللغة العربية..و دوماً..
أو أرّدتَ أن تُجالِسَ صديقاً لا يُمّلُ˛ فإنّك تلتَفِتُ صوبَ القِراءة.
إنّ القرَاءَةَ فعلٌ محمودٌ يأخُذُكَ من مقبَرةِ الجَهلِ إلى آفاق المعرِفةِ والثقافةِ˛
وما بينَهُما تَجدُكَ تصعدُ دَرَجات الحياةِ بسلاسَةٍ أكبر˛مُزدانةٌ ملامِحُكَ باليَقين.
ولولا أنّني لَستُ بِصدَدِ ذكرِ خِصالِ الكُتب و حَسناتِ القراءةِ, لكنتُ ملأتُ بضعَ صفحاتٍ وأنا أُمجّدُ الكُتُبَ و القرّاء˛
ولكنّي سأتجّه صوبَ اللغةِ˛ اللّغةُ العربية : المكوّنُ الحقيقيّ لِنبعِ الثقافةِ˛ والإرثُ الدينيُّ والحضاريّ للأمةِ العربيّة˛ وآخرُ معاقِلِ المَجدِ صموداً..
اللّغةُ التي خصّها الله بالذكرِ في كتابِه الكريم "إنا أنزلنه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون "..
وتغنّى بها القاصي والداني من الناطقينَ بها و الباحثينَ عنها..يقول الشاعرُ أدونيس في مدحها..
" إنّ الذي ملأَ اللغات محاسن.....جعل الجمال وسره في الضاد ".
و أنا أعبُرُ بابَ معرَضِ الكُتبِ˛ وعناوينُ الرواياتِ و أكثَرِ الكُتُبِ مَبيعاً تتزَاحَمُ في رأسي˛
و شكلُ حلمي الذي على هيئةِ مَكتَبةِ ضخمةِ يداعِبُني˛أبدَأُ في تَصفُّحِ الكتبِ ˛الأصيلةِ و المُترجمةٍ عن لُغاتٍ أجنبيّة˛
لأصطدِمَ باللهجاتِ العاميّة واللّغاتِ المحكيّة˛من بلادِ الشامِ إلى بلادِ المغرِبِ˛
فَيَسقُطُ طَعمُ الأدَبِ في حلقي علقماً ˛و أضعُ الكتابَ جانِباً و دَهشةُ السؤالِ تعتَريني: كيفَ تُحلّقُ هذهِ الكُتُبُ في سَماءِ النَجاحِ ˛وأجنِحَةُ اللغةِ فيها مكسورة؟..
أقِفُ في زاويةٍ منسيّة وأتسائَلُ˛كيفَ أسقطَ الإحتلالُ الممتدُّ مُنذ قَرنٍ لُغتنا الأمّ عبرَ ترويجِ اللهجاتِ العاميّة˛
فعزّزَ الإنفصالَ العربيّ والقوميّ فينا عبرَ تَرسيمٍ عريضٍ للحدودِ القاتِلة بينَ الدولِ وبينَ الشعوب ؟..و كيفَ سَالتْ مِن جوانِب عُروبَتنا اللغةُ ˛ فانمَسَخَنا عنها؟..
يقول الرافعيّ :
*" ما ذَلّت لغةُ شعب إلا ذُلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة ، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها "
إنّ العاميّة المتداولة في الأزّقةِ والأحياءِ معفوٌّ عنها˛ لكنّها تصيرُ وباءاً مميتاً حينَ تُخلّدُ في الكُتُبِ و تُعيقُ بجدّيةٍ كبيرةٍ أيّ مشروعٍ قوميّ أصيلٍ لِوحدةٍ عربيّةٍ ثقافيّةٍ ˛
فالكاتبُ هوَ خطُّ الدفاعِ الأخيرِ˛ و اللغةُ هي المَنفى الذي نلجؤ إليه حينَ ينهَمِرُ الموتُ علينا من آلات الحربِ و الاستِعمار ˛ فتشويهُ اللغة هي السقوطُ المدوّي.
و أتسائلُ و أنا أجلسُ أمامَ أمّهاتِ الكُتُبِ ˛بِحسرةٍ : أينَ ذَهَبَ مِقّصُ الرّقيبِ؟..أمْ أَنّهُ يكونُ حادّاً حينَ تُمّسُ سُلطاتُه العُليا بِسوءٍ ˛ و تَصيرُ شَفراتُهُ هزيلةٌ حين العَبَثُ باللغةِ ؟..
ولنْ أختَلِفَ مع من سَيُعارِضني لِيقولَ أنّ مقصَ الرقيبِ هزيلٌ منذ عقدٍ وأكثَرَ من الزمنّ˛فهذا حقيقيٌّ..
إذْ إنّ الثالوثَ المحرّمَ: السياسةُ..الجنسُ..والدين˛تفكّكتْ أضلاعُه و أُبيحَتْ زوايَاهُ في مناحي الحياةِ و في صفحاتِ الكُتب..وكانَ هذا حسناً لما كان مِنها أسيراً ظُلماً ˛
لكنّهُ طالَ الأخضرَ واليابِسَ و حرَقَ أرضَ الثقافةِ الفكريّة ˛ و مؤسسةَ المُجتمعِ.. و صارَ سِلعةً رخيصةً تُباعُ في سوقِ الثقافةِ السوداءِ بِسعرٍ زهيدٍ˛و هذا مأخذٌ كبيرٌ لا يَسعُني أنْ أخوضَ فيهِ هُنا˛لكنّني أطرحُ مَأخذي على هذا المَقصِّ الذي لم ينتَبِه يوماً إلى اللغةِ, مُتذرعاً بحججٍ واهيّةٍ من قَبيلِ البساطةِ و إشمالِ فِئاتٍ بمدى أكثر اتساعاً من القرّاءِ˛لكنّني أرى أنّهُ إخمادٌ لِنارِ التوّهجِ الثقافيّ..وحيلةٌ من حِيَلِ بعضِ الناشِرينَ لزيادَةٍ مبيعاتِهم و أرباحهم الماديّة˛ فَهَمُهُمْ الأكبرُ هو تسويقُ الكِتابِ و لو كانتْ فِكرَتُهُ مكررّةٌ للمرةِ الألفِ, و الضادُ مِنهُ بريء..
وهذا الإضعافُ لقوةِ اللغةِ وأثَرِها المقدّس على النَفسِ ˛و مَقدِرَتُها الساميّة في لمّ شملِ الأمّة العربيّة˛ هو جريمةٌ حقيقيةٌ بحقّها ˛و تدميرٌ للمَنفى الأخيرِ بعدَ أنْ دُمّرَتْ الأوطانُ واقعيّا..
و أُعرّجُ بِسؤالي الأخير على تخلّف ترجمةِ الكُتُبِ من العربيّة إلى العالميّة ˛ كيفَ يُمكِنُ أنْ نُطالِبَ العالمَ بترجمةِ كُتبِنا إلى اللغاتِ الأخرى و رفعِها من إطار الإقليميّةِ إلى العَالميّةِ ونحن ذواتنا لا نجدُ فيها ذاكَ الشغف الحقيقيّ وتلكَ اللغةُ الأمُ التي تدّكُ بِقوّةِ كلمةٍ منها تعابيرَ طويلةٍ من لغاتٍ أخرى؟..
و إنّ الخِطابَ يطولُ لو عُدنا إلى وَكرِ الأزمةِ˛ و عَرَضنا أسبابَ هذا التفكّكِ اللغويّ الآتي مُنذُ سنِّ النُطقِ الأولِ ˛عُبوراً بالمدرسةٍ و طبيعةِ التربيّة ثمّ عرجنا على المحاضراتِ العلميّةِ و الدينيّة و الصالوناتِ الثقافيّةِ˛ مروراً بوسائلِ الإعلامِ و انتهاءاً بالكُتُبِ بشتّى مجالاتها..
وهكذا آلتْ اللغةُ إلى السُقوطِ بِحُججٍ واهيّةٍ و مخاوِفَ عابِرةٍ , و لا نجدُ غيرَ الدعوةِ إلى النُزوحِ نحوَ اللغةِ من كل حدبٍ و صوب..لِنُعيدَها إلى مكانتها الحقيقيّةِ .
في يومِ اللغة العربية..و دوماً..