عارف الحويطي
05-09-2018, 07:58 PM
الكتف المائلة
كتب رواية عجيبة عن فتى كان مجاهدا يفور حماسة وطاقة إيجابية ، شارك في الحرب وعاد مهزوما ، صار سلبيا منطويا ، لا يكاد يخرج من بيته إلا لقضاء الحوائج ، وغرق في القراءة ، من كثرة مكوثه في البيت ، على الشرفة تحديدا، صار يعرف كل ما يدور في الحي ، لفتت نظره فتاة كانت تحمل كتابا في كل مرة تظهر على السطح المقابل ،هي الوحيدة التي تقرأ في هذا الحي ، قرر أن يتعرف عليها، نجح في إغرائها بالكتب الكثيرة التي عرضها عليها ، صارا يتقابلان بجانب النهر ، كانت صيدا سهلابالنسبة لخبير مثله ومثقف يكاد يكون موسوعي ومع ذلك كان متواضعا كما قالت ، ولكنه لم يكن متواضعا بل متعاليا ومترفعا وحاقدا على الجنس البشري كله ، لماذا إذن هذه الفتاة البريئة التي بدأت تحبه وتتعلق به ؟ وصارت تكتب صورا شعرية عن الحب ، حتى وجهها أضاء بنور هذا الحب وصوتها صار حلوا وفارت في عروقها رغبة العيش وهامت في الحبيب هياما لا حدود له ، وكان هو باردا كحد السكين ، بعينين غائرتين عميقتين لا قعر لهما ، ثم فجأة قال لها:
ـ تسافرين معي ؟
ـ إلى أين؟
ـ كل الدنيا ، أبيع بيتي ونلف العالم .
اكتسى وجهها بغمامة حزن وترقرقت الدموع في عينيها ثم قالت :
ـ أمي ، أمي لا أستطيع أن أتركها وحيدة .
صار يراقب أمها ، فأكتشف أنها شبه عمياء ، وانها تصعد إلى سطح البيت قبيل المساء وتجلس هنيهة ثم تنزل ، وانها في يومين في الأسبوع تقترب من حافة السطح لنشر الملابس ، فقرر قتلها .
كان موتا طبيعيا كما أكد الجميع ، حادث مؤسف ، إمرأة شبه عمياء، تعثرت على السطح وسقطت من الطابق الخامس، لم ينتبه أحدا للفخ المنصوب تحت قدميها ، سلك معدني مشدود على مسافة محسوبة من حافة السطح ، وتر الغيثار .
كان قد أخبرهاـ قبل تنفيذ القتل بيومين ـ انه مسافر ، وقد عاد بعد موت الأم بأسبوع ، كان أبعد الناس عن الشبهات ، وكان شهما ووفيا فقد وقف بجانبها فترة الحداد كاملة ، حتى صار حضوره في حياتها طبيعيا بل ضروريا ، بعد انتهاء فترة الحداد قالت :
ـ أريد أن أرى العالم
باع بيته ، وسافرا ، زارا مدن كثيرة وموانىء شافا شعوبا وقبائل عجيبة ، وفي إحدى الجزر الهادئة طاب لهما العيش فقالت :
ـ تزوجني .
لبست ثوبا أبيضا ناصعا ، ووقفت أمامه تنتظر ماذا سيقول في قمة الحلم ، في روعة اللحظة التي انتظراها عامين كاملين فقال :
ـ انا الذي قتلت أمك .
قال انه لا يعرف هل كانت إغمائة قصيرة أم كانت لحظات ذهول وصمت طويلة ، فقد استفاق على ضربات عصا على رأسه وظهره ويديه وساقيه ، كان الدم يندفع من أنحاء جسده ويلطخ ثوبها الأبيض وكان هو مستسلما يحمي رأسه بيديه وينظر في تحولات الثوب الأبيض وقد صار قرمزيا وزهريا وأرجوانيا وأسودا ،كان ينتظر الموت سعيدا ، ولكنها انتبهت إلى أنه يبتسم ، فتوقفت وألقت العصا من يدها ثم قالت :
ـ تريد أن تموت ، بيدي انا ، لن أمنحك هذا الشرف .
فثارت ثائرته وظهر الخوف في عينيه لأول مرة وصرخ :
ـ انا الذي قتلت أمك .
ولكنها بقيت هادئة ، فثار أكثر وصرخ :
ـ لقد استمتعت بقتلها ، هذه الحشرة التي أجلت حلمي عامين كاملين .
كظمت غيظها وقهرها وتشبثت بالابتسامة ، فجن جنونه :
ـ أيتها الحشرة بنت الحشرة ألا تمتلكين كرامة ألا تأخذين بثأر أمك المسكينة يا جبانة ؟
ـ بل أخذت بثأرها ، كما أشتهي وأحب ، أن أتركك تحيا مع ذاتك التي تكرهها ، وان أتركك أمام خيارك المؤجل بالانتحار ، أنت الجبان الذي لا يستطيع أن ينتحر ، هربا من أفكارك الدموية ، سادعك تحيا مع روحك النجسة .
كان انهياره شاملا وحادا وفجائيا ، هذا الفتى النضر تحول فجأة إلى كتلة ضيئلة سوداء لا تشبه البشر ، حاول أن يزحف إلى البحر ، ولكن جراحه لم تسعفه ، اختلط دمه برمل الشاطىء الذي صار أسودا كالقطران، وما أن أشرقت الشمس حتى تجمعت عليه عقبان السماء وبدأت تنهشه على مهل أمام ناظريها .
كتب رواية عجيبة عن فتى كان مجاهدا يفور حماسة وطاقة إيجابية ، شارك في الحرب وعاد مهزوما ، صار سلبيا منطويا ، لا يكاد يخرج من بيته إلا لقضاء الحوائج ، وغرق في القراءة ، من كثرة مكوثه في البيت ، على الشرفة تحديدا، صار يعرف كل ما يدور في الحي ، لفتت نظره فتاة كانت تحمل كتابا في كل مرة تظهر على السطح المقابل ،هي الوحيدة التي تقرأ في هذا الحي ، قرر أن يتعرف عليها، نجح في إغرائها بالكتب الكثيرة التي عرضها عليها ، صارا يتقابلان بجانب النهر ، كانت صيدا سهلابالنسبة لخبير مثله ومثقف يكاد يكون موسوعي ومع ذلك كان متواضعا كما قالت ، ولكنه لم يكن متواضعا بل متعاليا ومترفعا وحاقدا على الجنس البشري كله ، لماذا إذن هذه الفتاة البريئة التي بدأت تحبه وتتعلق به ؟ وصارت تكتب صورا شعرية عن الحب ، حتى وجهها أضاء بنور هذا الحب وصوتها صار حلوا وفارت في عروقها رغبة العيش وهامت في الحبيب هياما لا حدود له ، وكان هو باردا كحد السكين ، بعينين غائرتين عميقتين لا قعر لهما ، ثم فجأة قال لها:
ـ تسافرين معي ؟
ـ إلى أين؟
ـ كل الدنيا ، أبيع بيتي ونلف العالم .
اكتسى وجهها بغمامة حزن وترقرقت الدموع في عينيها ثم قالت :
ـ أمي ، أمي لا أستطيع أن أتركها وحيدة .
صار يراقب أمها ، فأكتشف أنها شبه عمياء ، وانها تصعد إلى سطح البيت قبيل المساء وتجلس هنيهة ثم تنزل ، وانها في يومين في الأسبوع تقترب من حافة السطح لنشر الملابس ، فقرر قتلها .
كان موتا طبيعيا كما أكد الجميع ، حادث مؤسف ، إمرأة شبه عمياء، تعثرت على السطح وسقطت من الطابق الخامس، لم ينتبه أحدا للفخ المنصوب تحت قدميها ، سلك معدني مشدود على مسافة محسوبة من حافة السطح ، وتر الغيثار .
كان قد أخبرهاـ قبل تنفيذ القتل بيومين ـ انه مسافر ، وقد عاد بعد موت الأم بأسبوع ، كان أبعد الناس عن الشبهات ، وكان شهما ووفيا فقد وقف بجانبها فترة الحداد كاملة ، حتى صار حضوره في حياتها طبيعيا بل ضروريا ، بعد انتهاء فترة الحداد قالت :
ـ أريد أن أرى العالم
باع بيته ، وسافرا ، زارا مدن كثيرة وموانىء شافا شعوبا وقبائل عجيبة ، وفي إحدى الجزر الهادئة طاب لهما العيش فقالت :
ـ تزوجني .
لبست ثوبا أبيضا ناصعا ، ووقفت أمامه تنتظر ماذا سيقول في قمة الحلم ، في روعة اللحظة التي انتظراها عامين كاملين فقال :
ـ انا الذي قتلت أمك .
قال انه لا يعرف هل كانت إغمائة قصيرة أم كانت لحظات ذهول وصمت طويلة ، فقد استفاق على ضربات عصا على رأسه وظهره ويديه وساقيه ، كان الدم يندفع من أنحاء جسده ويلطخ ثوبها الأبيض وكان هو مستسلما يحمي رأسه بيديه وينظر في تحولات الثوب الأبيض وقد صار قرمزيا وزهريا وأرجوانيا وأسودا ،كان ينتظر الموت سعيدا ، ولكنها انتبهت إلى أنه يبتسم ، فتوقفت وألقت العصا من يدها ثم قالت :
ـ تريد أن تموت ، بيدي انا ، لن أمنحك هذا الشرف .
فثارت ثائرته وظهر الخوف في عينيه لأول مرة وصرخ :
ـ انا الذي قتلت أمك .
ولكنها بقيت هادئة ، فثار أكثر وصرخ :
ـ لقد استمتعت بقتلها ، هذه الحشرة التي أجلت حلمي عامين كاملين .
كظمت غيظها وقهرها وتشبثت بالابتسامة ، فجن جنونه :
ـ أيتها الحشرة بنت الحشرة ألا تمتلكين كرامة ألا تأخذين بثأر أمك المسكينة يا جبانة ؟
ـ بل أخذت بثأرها ، كما أشتهي وأحب ، أن أتركك تحيا مع ذاتك التي تكرهها ، وان أتركك أمام خيارك المؤجل بالانتحار ، أنت الجبان الذي لا يستطيع أن ينتحر ، هربا من أفكارك الدموية ، سادعك تحيا مع روحك النجسة .
كان انهياره شاملا وحادا وفجائيا ، هذا الفتى النضر تحول فجأة إلى كتلة ضيئلة سوداء لا تشبه البشر ، حاول أن يزحف إلى البحر ، ولكن جراحه لم تسعفه ، اختلط دمه برمل الشاطىء الذي صار أسودا كالقطران، وما أن أشرقت الشمس حتى تجمعت عليه عقبان السماء وبدأت تنهشه على مهل أمام ناظريها .