المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرار


طاهر عبد المجيد
05-31-2018, 08:06 PM
القرار
د. طاهر عبد المجيد

تَعِبَ الطريقُ ولمْ تَزَلْ خطواتي
في ليل غربتنا تسابقُ ذاتي

يا قبلتي في الحبِّ كم عانقتني
من قبل أن ألقاكِ في صلواتي

أمشي وأمشي والخُطا تَعِدُ الخُطا
بالنورِ عند تقاطع الظُّلماتِ

وعلى الطريقِ حواجزٌ وخنادقٌ
وحقولُ ألغامٍ من اللاءاتِ

لا الحُلم بدَّده الصَّباحُ ولا أنا
ألقيتُ في مينائهِ مرساتي

وكأنَّ شيئاً ما أصاب عزيمتي
بأذيَّةٍ فاستسلمتْ خطواتي

ورجعتُ مهموماً بعمرٍ قد مضى
ومشى عليه الموتُ بالممحاةِ

وخَلَوتُ بي زمناً أفكِّرُ كيف لي
أن أخزنَ الأعوام في ساعاتِ

وبأي شيءٍ سوف أُنجزُ غايةً
ثارتْ عليَّ ووحَّدت غاياتي

ما زلتُ أطرقُ كلَ يومٍ فكرةً
حتى طفا حزني على قسماتي

وعرفتُ أنِّي لن أراكِ بغير أنْ
أرقى إليكِ على حطامِ حياتي

وكأنَّها عبءٌ ثقيلٌ لم يعدْ
في قدرتي ببقائها أنْ آتي

ما اخترتُ يوم ولادتي لكنَّني
قرَّرت أنْ أختار يوم مماتي

وصل القرارُ إلى دمي متأخراً
فتوهجت عينايَ كالجمراتِ

وتدفَّقتْ كالموجِ نحو مسامعي
صرخاتُ من قُتِلوا بغير أداةِ

هي لحظةٌ أكلتْ سنيَّ ترددي
وأتتْ على صبري وطولِ أَناتي

لم تُبقِ من زادي الذي أعددتهُ
إلا دمي وتفاؤلي وصلاتي

وحنين كلِّ مشردٍ لم يبق في
عينيهِ ما يُخفيهِ من عَبَراتِ

ممن تعوَّدَ أن يَبُثَّكِ شوقهُ
بَوحاً يُحَمِّلهُ على النَّسماتِ

أما أنا فالشوقُ أكبرُ من فمي
ماذا أقولُ وفي فمي مأساتي

أنا يا بلادي لستُ إلا شاعراً
وَجدَ اتِّجاهَ الحرفِ غيرَ مُواتي

فهجرتُ صوتي وانتميتُ إلى دمي
ودفنتُ في صمتِ المدى كلماتي

بدمي أخطُّ على الترابِ قصائدي
قلمي سلاحي والجراحُ دواتي

قد لا أكونُ رأيتُ وجهَكِ قبلما
رسمَ الهوى لكِ أجملَ اللوحاتِ

لكنَّني أبصرتُهُ في صورتي
لما نظرتُ إليكِ في مرآتي

فالحزنُ في عينيكِ أحملُ لونَهُ
في أدمعي الحَرَّى وفي آهاتي

والصمتُ في شفتيكِ أكتمُ سرَّهُ
في رعشةِ الذكرى وفي نظراتي

ووفاؤُكِ المحبوسُ في ميعادهِ
وهدوءُكِ المعهود في الأزماتِ

والكبرياءُ يفيضُ منكِ جداولاً
هي كلُّها لو تعلمينَ صفاتي

فلتعذريني يا بلادي إنْ أنا
أخطأتُ في تقديرِ ما هو آتي

وغفلتُ عن طولِ المسافةِ بيننا
وحسابِ ما في العمرِ من سنواتِ

لم ألقَ غيرَ الموتِ فيكِ وسيلةً
لبلوغِ أقصى العمرِ في لحظاتِ

لأريحَ قلبي من عذابٍ لم يدعْ
لي من جميلِ الصبرِ غيرَ فُتاتِ

كم ساقني شوقي إليكِ ولم أكنْ
أحصيتُ ما في القلب من دقَّاتِ

أمشي على جمراتِ شوقي مُسرعاً
ودمي يُسابقني على الطرقاتِ

حتى سقطتُ مضرَّجاً بمشاعري
ورجعتُ محمولاً على الهاماتِ

وغداً إذا عادَ الرفاقُ تَذكَّري
أنْ تَسأليهمْ هل أَتَوْا بِرُفَاتي

لا تتركيهمْ ينكثونَ بوعدهمْ
في زحمةِ الأفراحِ والحفلاتِ

فإذا أتَوْكِ بهِ خُذيهِ وَرَتِّلي
لدقائقٍ ما شئتِ من آياتِ

ثم انثريهِ على مساحةِ حُبِّنا
لأُعانقَ الوديانَ والهضباتِ

وأسمِّدَ الأرضَ التي اشتاقتْ لنا
واشتاقَ فيها الصخرُ للإِنباتِ

كم كنتُ أرجو أنْ أراكِ وفي يدي
تاجٌ يليقُ بأجملِ الملكاتِ

وعلى فمي أُنشودةُ النَّصرِ التي
أعددتُها قدسيَّةَ النغماتِ

لكنها الأيَّامُ رغمَ وُعودِها
غَدرتْ بنا في أصعبِ الأوقاتِ

إيمان محمد ديب طهماز
06-02-2018, 12:35 AM
ليحتفي الشعر و يهلل

فقد ولدت عوالم له لا تُحدّ

هنا محراب يسجد به الجمال و يهلل

ما اخترتُ يوم ولادتي لكنَّني
قرَّرت أنْ أختار يوم مماتي

يالله ما أروع هذه القصيدة

أيها اقتبست سأجحف في حقّ ما أهملت منها

و يحاسبني الجمال ويقاضيني حَكَمه

الرائع شاعرنا المميز طاهر عبد المجيد :

سلمت أناملك و سلم وحي شعرك الراقي يا طيب

كلّ الإمتنان

عبدالإله المالك
06-02-2018, 05:47 AM
هذه الباسقة
تاج على ناصية القصيد

حييت د. طاهر

حسن زكريا اليوسف
06-02-2018, 10:49 AM
طاهر
من أجمل ما قرأت لك
قصيدة مترفة الألق
بورك النبض والحرف
مع شهد محبتي وتسنيم تحياتي
ح س ن ز ك ر ي ا ا ل ي و س ف

طاهر عبد المجيد
06-04-2018, 10:30 PM
شاعرتنا المبدعة إيمان طهماز:
أشكرك على تعليقاتك المتميزة والمكتوبة بلغة راقية تحرجني وتجعلني أتردد في الرد. وأحمد الله كثيراً على أنني نجحت في تقديم ما يليق من شعر بهذا الموقع الأدبي الراقي.
كل المحبة والتقدير مع خالص تحياتي.

طاهر عبد المجيد
06-04-2018, 10:31 PM
أخي العزيز عبد الإله المالك:
خير الكلام ما قل ودل كما يقول أجدادنا وما قلته يكفي وزيادة يستحق شكراً باسقاً.
مع خالص تحياتي.

طاهر عبد المجيد
06-04-2018, 10:32 PM
أخي الشاعر حسن زكريا اليوسف:
لك كل الشكر والتقدير على التقييم المقتضب لقصيدتي الجديدة ولكنه معبر تعبيراً مشرقاً غير مستغرب من شاعر متألق.
مع خالص تحياتي.

سيرين
01-24-2020, 12:58 AM
أما أنا فالشوقُ أكبرُ من فمي
ماذا أقولُ وفي فمي مأساتي

أنا يا بلادي لستُ إلا شاعراً
وَجدَ اتِّجاهَ الحرفِ غيرَ مُواتي

فهجرتُ صوتي وانتميتُ إلى دمي
ودفنتُ في صمتِ المدى كلماتي

حين يحمل القلم هموم وطنه
تنحاز له اللغة وتتأجج حد تصبح نصوصه إرثاََ لقداسة قضاياه
قصيدة مميزة الابداع مفعمة بالصور الابداعية المتفردة
سلمت يمناك شاعرنا المبدع \ طاهر عبد المجيد
ود وياسمين

\..:icon20:

نادرة عبدالحي
01-24-2020, 03:31 AM
الحنين إلى الأوطان في الأدب من أجمل ما قيل بحق الأوطان فلولا الغربة ما كان هذا الشوق الدسم

الذي لمسناه في أدب الشعراء والكّتاب ، وجع الغربة والحنين الذي لا يشعر به

إلا الإنسان المغترب قسرا عن وطنه ، ويرى وطنه فقط على في نشرات المساء

يرى الإحتراق وفيزداد إحتراقاً معها ، في بداية القصيدة طننتُ ان الشاعر يقصد

أنثاهُ وشيئا فشئاً تتضح الأمور ، ونرى ما المحبوبة الا بلاده الأسيرة وهو المغترب عنها ،

يهاجرون بأجسادهم ويتركون الروح في الوطن ، قصيدة جدا مؤثرة وكأنه يتنبأ موته في الغربة

فيوصي بلاده ، وغدا اذا عاد رفاقي بدوني فذكريهم أين رفاتي ،

وغداً إذا عادَ الرفاقُ تَذكَّري
أنْ تَسأليهمْ هل أَتَوْا بِرُفَاتي


ويستمر في توصية بلاده المصغية لروح وشوق ابنها
لا تتركيهم ينكثون وعدهم لي بأن يحملو رفاتي ويدفنوني
بالبقاع التي ولزتُ بها ،
فهو يدرك ان العودة إلى الاوطان تسبقها الأفراح والحفلات إحتفالا بالنصر
او التحرر ، فهو يتنبأ ان الأفراح من الممكن ان تنسيهم وعدهم ،
لا تتركيهمْ ينكثونَ بوعدهمْ
في زحمةِ الأفراحِ والحفلاتِ



وإذا اتوا برفاتي فاقرائي عليه ما تيسر من أيات

ومن ثم انثريه بقدر مساحة حبنا اي حبه لبلاده وحبها لإبنها ،

لأعانق الوديان والهضاب ،

فإذا أتَوْكِ بهِ خُذيهِ وَرَتِّلي
لدقائقٍ ما شئتِ من آياتِ

ثم انثريهِ على مساحةِ حُبِّنا
لأُعانقَ الوديانَ والهضباتِ

الشاعر الفاضل طاهر عبد المجيد دامت محبرتكم

عامرة بالإبداع والقصيد الذي لا يستطيع الفكر نسيانه ،

رشا عرابي
01-30-2020, 06:52 PM
سامقة حدّ ارتباك الإنصات،
واللحظة في عِصمة الدهشة...

لله أنت!

طاهر عبد المجيد
02-11-2020, 08:02 PM
أخواتي العزيزات سيرين ونادرة عبد الحي ورشا عرابي:
أشكركن على هذه التعليقات الجميلة والتي لا تخلو هي الأخرى من إبداع نثري يسمو على كثير من الشعر. وأعتذر كثيراً على تأخري في الرد لمشاغلي الكثيرة وظروفي الصعبة التي أمر بها في الفترة الأخيرة والتي شغلتني عن النشر وقراءة ما ينشر في المنتدى.
أشكركن مرة ثانية وأتمنى أن تتحسن الظروف وأعود إلى النشر والمتابعة والتفاعل مع رواد هذا المنتدى الراقي بما يليق به.
تحياتي ومودتي