زكريا عليو
03-07-2019, 03:03 PM
… .. && وسام شهيد &&…… ..
على سفح الجبل قرية تغازل الشمس من وقت إشراقها حتى زوالها ، والتاريخ محفور على جدرانها ، وبها المجد صلّى ، يقبع بيت يخاف صفير الريح أن يهدم سقفه المغطى بالصفيح ، وتحت هذا السقف المتهالك ، أبو عامر يجترُّ أحزانه ، وهو يستذكر ابنه عامر الشهيد ،الذي روى تراب الوطن بدمائه كي ﻻ تسرق الأيام ابتسامة أولاده ، لارا وحسن .
وها هما يلتحفان معطف جوخ خاكي لجنرال فرنسي ، حصل عليه الجد ، من إحدى معاركه البطولية، إبان الإحتلال الفرنسي ، وبقايا حرام صوف ، بعد أن شحّ المازوت بقريتهم ، ولن يستطيعوا أن يشتروه من سوق التهريب .
وأم حسن منهمكة في المطبخ ، تنتظر أن يخلدولداها للنوم ، لأنها عاجزة عن تقديم العشاء أو بعض الشاي ، والجد قد فهم ذلك فاسترسل بالحكايا عن بطولاته ، وبطولة أبيهما ،
أم حسن اليوم مشغولة بأفكار كثيرة ، تسافر بها بعيداً ، عن واقع مرير ، ضاعت به كلّ الأماني ، بعد أن زارها مختار القرية وبلّغها أنّ مكتب الشهداء بالمحافظة ينتظرها غداً لتكريم ذوي الشهداء ، وكم اغتاظت من نظراته ورقصات شاربيه .
أخذت تحدّث نفسها ، غدا سأرتاح من همهمات الخضرجي ،( امرأة بأول عمرها ، حرام تبقى هكذا ، افضل رجل يتمنى أن تكون حليلته )، وذاك السّمان ( أم حسن الشرع حلّل أربعة ، والحمدلله قادر أن أفتح أكثر من بيت ، وأستطيع أن أوفر لك ولأولادك أفضل البيوت ، وأطعمهما وأعلمهما ..و… و… ).
وهي تعلم أن الليرة عندما تدخل جيبه ، لن ترى النور مجدّداً ، وستفرّخ كلّ يوم ليرتين ، هتاف داخلي يخرجها من دوامة هذه الأفكار السوداء ، ماذا تلبسين غداً ؟ وأنت زوجة الشهيد ، هذا اللباس الأسود ﻻ يليق به ، وليس لديّك غيره ،أتستعيرين من جارتك أو من بعض صديقاتك ..؟
أين محفظة اليد ، أين الكندرة……
أين… . أين… .. ؟
ﻻ عليك يا زوجة الشهيد ، تهمس بسرّها ارتدي ذاك الثوب الجميل بألوانه المزهزهة ،وكندرتك ذات الكعب العالي ، الّلذين خبّأتهما ، بعد ليلة الزفاف ،
آه متى يأتي الصباح… . ؟
في الصّباح الباكر ، سارت أم حسن إلى موقف السرفيس الوحيد الذي يقلّها إلى المدينة ، وهي تشعر أنّ كلّ شباب القرية تلاحقهابنظرات الإعجاب ، فتردّد في سرّها لو بينكم حسن لتزوجته .
وأخذت تدك الطريق بخطواتها المتسارعة ، ويطول بها كثيراً ، وشعرت أنّ الوقت أطّول من بؤسها ، إلى أن وصلت موقف السرفيس ، تفقدت جزدانها ﻻ بأس ببعض النقود ثمناً لتذكرتي الذهاب والإياب ، التي استدانتها من أختها ، مسرعة توجهت إلى مكتب الشهداء بالمحافظة ، أحسّت بالفخر أنّها زوجة الشهيد البطل ، وهذه الورود والأعلام وضعت لأجلها ولقريناتها، واكتظت طاولة المسؤول بأنواع المشروبات الساخنة والباردة ، والإبتسامات المصطنعة ، ابتدت أمعاؤها ، تصرّح باشتهائها وحاجتها لأي شيء يسكتها .
كثرت عبارات الترحاب والخطب الرنانة ، ممّا شجعها أن تعرض شهادتها الجامعية على المسؤول هناك ، لعلّ وظيفة ما ، تعينها في تربية ابني الشّهيد ، تقبلت نظرة المكر من الموظف وتلك الابتسامة العريضة ، أعرض من كلّ بؤسها ، وقال… سا… سا .. و… . و… .
كم تمنت لو أنّ اللغة العربية ﻻ تحتوي أفعال التسويف .
وفي نهاية اللقاء ازداد التصفيق ...
وابتسمت الصور الفوتوغرافية التذكارية ، وعلت ضحكات الصحافة، وتشدّقها : سننشر الريبورتاجات لكم في العدد القادم بجريدة ابتسامة وطن .
وناولها شاب وسيم ظرفاً مختوماًممهوراً بالأختام ، أخذته بحياء ، وهي تستمع لهمسات المسؤولين ، على موعد للغداء بأحد الفنادق التي تليق بمقامهم ،
كتمت سرورها وعادت مسرعة لبيتها ، فهي تعلم أن مَن في البيت ينتظر إبريق شاي ساخن وإفطاراً دسماً ، ودخلت مسرعة إلى المطبخ ، لتهدئ صراخ الأولاد أماه نحن جائعان ،
بعد أن نفخت مطوّلاً على بعض الحطب ليشتعل ووضعت ابريق الشاي على النّار ، وهي تهمس بسرّها آخر مرة أطبخ على الحطب ، غدا سأشتري بوتغاز ، وشاي وسكر وزيت ..و… .و… .. و… . .!
فتحت الظرف بعناية شديدة ، وأخذت تتلمس الأوراق برفق ، وهي منبهرة بألوانها وأشكالها .
وابتدت تصحو من غفلتها ، على نداء الجد يا أم حسن ألم يجهز الغداء… .. ؟
سكبت الماء الساخن بأكواب كبيرة ،
ووضعت بإحداها وسام شرف
وبالأخرى وسام بطولة من الدرجة الأولى
وبالأخرى بطاقة شهيد
وبأخرى وسام النزاهة
وبالأخرى… ..
يقلم : زكــريا أحمــد عليــو
ســوريا ــــ اللاذقيــة
٢٠١٩/٣/٦
على سفح الجبل قرية تغازل الشمس من وقت إشراقها حتى زوالها ، والتاريخ محفور على جدرانها ، وبها المجد صلّى ، يقبع بيت يخاف صفير الريح أن يهدم سقفه المغطى بالصفيح ، وتحت هذا السقف المتهالك ، أبو عامر يجترُّ أحزانه ، وهو يستذكر ابنه عامر الشهيد ،الذي روى تراب الوطن بدمائه كي ﻻ تسرق الأيام ابتسامة أولاده ، لارا وحسن .
وها هما يلتحفان معطف جوخ خاكي لجنرال فرنسي ، حصل عليه الجد ، من إحدى معاركه البطولية، إبان الإحتلال الفرنسي ، وبقايا حرام صوف ، بعد أن شحّ المازوت بقريتهم ، ولن يستطيعوا أن يشتروه من سوق التهريب .
وأم حسن منهمكة في المطبخ ، تنتظر أن يخلدولداها للنوم ، لأنها عاجزة عن تقديم العشاء أو بعض الشاي ، والجد قد فهم ذلك فاسترسل بالحكايا عن بطولاته ، وبطولة أبيهما ،
أم حسن اليوم مشغولة بأفكار كثيرة ، تسافر بها بعيداً ، عن واقع مرير ، ضاعت به كلّ الأماني ، بعد أن زارها مختار القرية وبلّغها أنّ مكتب الشهداء بالمحافظة ينتظرها غداً لتكريم ذوي الشهداء ، وكم اغتاظت من نظراته ورقصات شاربيه .
أخذت تحدّث نفسها ، غدا سأرتاح من همهمات الخضرجي ،( امرأة بأول عمرها ، حرام تبقى هكذا ، افضل رجل يتمنى أن تكون حليلته )، وذاك السّمان ( أم حسن الشرع حلّل أربعة ، والحمدلله قادر أن أفتح أكثر من بيت ، وأستطيع أن أوفر لك ولأولادك أفضل البيوت ، وأطعمهما وأعلمهما ..و… و… ).
وهي تعلم أن الليرة عندما تدخل جيبه ، لن ترى النور مجدّداً ، وستفرّخ كلّ يوم ليرتين ، هتاف داخلي يخرجها من دوامة هذه الأفكار السوداء ، ماذا تلبسين غداً ؟ وأنت زوجة الشهيد ، هذا اللباس الأسود ﻻ يليق به ، وليس لديّك غيره ،أتستعيرين من جارتك أو من بعض صديقاتك ..؟
أين محفظة اليد ، أين الكندرة……
أين… . أين… .. ؟
ﻻ عليك يا زوجة الشهيد ، تهمس بسرّها ارتدي ذاك الثوب الجميل بألوانه المزهزهة ،وكندرتك ذات الكعب العالي ، الّلذين خبّأتهما ، بعد ليلة الزفاف ،
آه متى يأتي الصباح… . ؟
في الصّباح الباكر ، سارت أم حسن إلى موقف السرفيس الوحيد الذي يقلّها إلى المدينة ، وهي تشعر أنّ كلّ شباب القرية تلاحقهابنظرات الإعجاب ، فتردّد في سرّها لو بينكم حسن لتزوجته .
وأخذت تدك الطريق بخطواتها المتسارعة ، ويطول بها كثيراً ، وشعرت أنّ الوقت أطّول من بؤسها ، إلى أن وصلت موقف السرفيس ، تفقدت جزدانها ﻻ بأس ببعض النقود ثمناً لتذكرتي الذهاب والإياب ، التي استدانتها من أختها ، مسرعة توجهت إلى مكتب الشهداء بالمحافظة ، أحسّت بالفخر أنّها زوجة الشهيد البطل ، وهذه الورود والأعلام وضعت لأجلها ولقريناتها، واكتظت طاولة المسؤول بأنواع المشروبات الساخنة والباردة ، والإبتسامات المصطنعة ، ابتدت أمعاؤها ، تصرّح باشتهائها وحاجتها لأي شيء يسكتها .
كثرت عبارات الترحاب والخطب الرنانة ، ممّا شجعها أن تعرض شهادتها الجامعية على المسؤول هناك ، لعلّ وظيفة ما ، تعينها في تربية ابني الشّهيد ، تقبلت نظرة المكر من الموظف وتلك الابتسامة العريضة ، أعرض من كلّ بؤسها ، وقال… سا… سا .. و… . و… .
كم تمنت لو أنّ اللغة العربية ﻻ تحتوي أفعال التسويف .
وفي نهاية اللقاء ازداد التصفيق ...
وابتسمت الصور الفوتوغرافية التذكارية ، وعلت ضحكات الصحافة، وتشدّقها : سننشر الريبورتاجات لكم في العدد القادم بجريدة ابتسامة وطن .
وناولها شاب وسيم ظرفاً مختوماًممهوراً بالأختام ، أخذته بحياء ، وهي تستمع لهمسات المسؤولين ، على موعد للغداء بأحد الفنادق التي تليق بمقامهم ،
كتمت سرورها وعادت مسرعة لبيتها ، فهي تعلم أن مَن في البيت ينتظر إبريق شاي ساخن وإفطاراً دسماً ، ودخلت مسرعة إلى المطبخ ، لتهدئ صراخ الأولاد أماه نحن جائعان ،
بعد أن نفخت مطوّلاً على بعض الحطب ليشتعل ووضعت ابريق الشاي على النّار ، وهي تهمس بسرّها آخر مرة أطبخ على الحطب ، غدا سأشتري بوتغاز ، وشاي وسكر وزيت ..و… .و… .. و… . .!
فتحت الظرف بعناية شديدة ، وأخذت تتلمس الأوراق برفق ، وهي منبهرة بألوانها وأشكالها .
وابتدت تصحو من غفلتها ، على نداء الجد يا أم حسن ألم يجهز الغداء… .. ؟
سكبت الماء الساخن بأكواب كبيرة ،
ووضعت بإحداها وسام شرف
وبالأخرى وسام بطولة من الدرجة الأولى
وبالأخرى بطاقة شهيد
وبأخرى وسام النزاهة
وبالأخرى… ..
يقلم : زكــريا أحمــد عليــو
ســوريا ــــ اللاذقيــة
٢٠١٩/٣/٦