المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تبـــاريــح :


عبدالعزيز التويجري
09-22-2019, 11:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الخطب الجلل

قرأتُ بعض ما ينشره القماءُ الأدناءُ من سخفٍ في تويتر فأمسكتُ بالقلم لأكتب ولكنه أبى الانصياع لتفاهة وسفاهة من سأكتب عنهم فأرغمته وقسرته فكانتْ هذه الكلمات التي كتبتْ على عجالة:
عندما آذنت الدنيا بالرحيل ودنتْ شمسها للأفول ظهر أقوامٌ عميتْ بصائرهم فأتوا بأمرٍ جللٍ ((تكادُ السَّماواتُ يَتَفطَّرْنَ منه وتَنشقُّ الأرضُ وتَخرُّ الجبالُ هدّاً)) عندما أنكروا وجود الخالق عز في علاه .
لأيِّ دليلٍ استندوا فيما زعموه ؟
ألعقولهم التي امتلأتْ سَلْحاً ورَجيعاً .
أم تبعيةً لمن ابتكر هذه النظرية السخيفة وقد طواه الردى وتحلَّل جسده .
أم طاعةً لشيخهم وإمامهم الذي أسلموا له قيادهم وهو القائل (ربِّ فأنظرني إلى يومِ يُبعثون) .
والله ما مثل هؤلاء المنكرون لوجود الله إلا كمثل من ذهب إلى وحْلٍ فرأى الخنازيرَ فأعجبته وأطربه قُبَاعها (صوتها) فأخذ يخوضُ في الوحلِ معها ويأكلُ من رجيعها ويهتزُّيميناً وشمالاً على قُبَاعها .
بل ما مثلهم إلا كحمارٍ نهق ثم نظر هل اجتمع مَنْ حوله إعجاباً بنهيقه ورفع رأسه إلى السماء ليرى هل الطير صافَّاتٍ من حُسْنِ ما أتى به .
أيرومون حجب الحقِّ المبينِ وهل تحجبُ الشمسُ بغربالٍ أم ترومُ البعوضةُ صدعَ الأرضِ وزعزعةَ الجبالِ وغيضَ البحارِ .
عندما أرى جنازةً تُدْرَجُ في لحدها يَمُرُّ بخاطري أولئك المنكرون لوجود الجبار جل جلاله .
ألم يكن صاحبُ الجنازةِ قبل مفارقة الروح لجسده يُكابدُ السكرات ويتجرع الغصصَ والحسرات وأهله حوله يسكبون العبرات ويصعِّدون الزَّفَرات .
أما كان باستطاعته دفع ما نزل به ورد ما ألمَّ به من ألم .
لِمَ لَمْ ينهضْ ويكفكف الدموعَ المنسكبةَ ويزيل شجى القلوب المنفطرة .
تأملتُ فيما مضى فقلتُ سبحان الله أما لهم عقولٌ يتدبرون بها وأعينٌ ينظرون بها .
وتأملتُ في الجنين الذي نشأ من ماءٍ مهينٍ (حقير) وتكوَّن في رحمٍ ضَيِّقٍ مُظلمٍ وتَغَذَّى على دمٍ ثم تَدرَّجَ في العمر .
أما كان لديه القدرة على النُّشوءِ والشَّبِّ بسرعةٍ دون الانتظار .
وتأملتُ فيما حُشيتْ به أجساد أبناء آدمَ وبناتِ حواءَ من دنسٍ ودرنٍ من مفارقهم إلى أخامصهم .
أما كان باستطاعتهم تطهيرها من الدرن .
وتأملتُ في هذه العبارة (الأمراض المستعصية) من الذي أنشأها وأعجز عقول الأطباء عن فهمها .
لقد استعصى على الطب الحديث فهم كنهها وقصر فهمه عن السبل الناجعة لعلاجها فرفع يده وأعلن عجزه .
من الذي أمر الروح بمفارقة الجسد ؟
من الذي أ نشأ الجنين وكوَّنه في الرحم ؟
من الذي ملأ أجسادنا بالأدناس والأدران ؟
من الذي أنشأ الأمراض وقصر فهم الطب الحديث عن علاجها ؟
من الذي ........ ؟ من الذي ........ ؟ من الذي ......... ؟
إنه الله جل في علاه الذي لا يكون أمر في السموات والأرض إلا بإرادته ومشيئته .
ثم نظرتُ في حال أقوامٍ آخرين اتبعوا الشهوات وبحثوا عن المتع غرَّهم طولُ الأملِ ورغدُ العيشِ ونسوا يوم الحساب .
والله لو لم يكن هناك يومٌ يُجمعُ فيه الأوائلُ والأواخرُ على صعيدٍ ويُنصبُ الميزانُ للفصل بين الناس والدنيا دائمة لا انقطاع لها ونحن خالدون فيها فأين الغيرة ؟ أين الحياء ؟ أين المروءة ؟
فكيف وبعد الموت قبرٌ ونشرٌ وحشرٌ وأهوالٌ يَشيبُ من هولها الولدان .
تَنَصَّلوا من الحياء واستبدلوه بالوقاحة والصَّفاقة فلم يكفهم نعيقهم الذي آذونا به بل رموا أهل الدين الملتزمين به بالتَّشدُّد والتَّنطُّع وهؤلاء الواصمون أهل الدين بما هم منه براء منحلُّون متبذِّلون فاركون للدين باحثون عن الشهوات يبغضون العباءةَ ويمقتون الحجابَ ويريدون المرأة كاسية عارية لهم الويل والويح .
يتلوَّنون تلونَ الحرباء ويتباكون على أمورٍ ظاهرها خلاف باطنها فلا تجدهم يذكرون سوى القيادة ونزع الحجاب ولم يتطرقوا لمعاناة المطلقات والأرامل اللاتي لا يجد البعض منهن مأوى وبعضهن يفتقرن إلى ما يسد الحاجة من الطعام والشراب .
فوالذي نفسي بيده لو مَنعتِ السماءُ قطرها وصَرمتِ الأرضُ نَبتها لعزوا ذلك لعدم نزع الحجاب والقيادة .
والله وتالله وبالله وأيم الله أقسمُ بأسماءِ اللهِ جميعاً أقساماً مغلظةً لا أحنثُ فيها ولا أُكفر عنها أن هؤلاء الذين يطالبون بخروج المرأة من بيتها ونزع عباءتها وقيادتها لا يرومون إلا التمتع بجسدها ثم يرمونها كما يرمي الطفل دميته المكسورة بعدما انتهى من اللعب بها وسئم منها فيا أيها الباحثون عن متعٍ زائلةٍ اجمعوا إناثكم وإناث من يرى رأيكم واستوطنوا وحل العهر والعري وانغمسوا في حمأةِ الرذيلةِ وحدكم فقد زكمتم أنوفنا بنتنكم ونتن مطالبكم .

عبدالعزيز التويجري
09-23-2019, 09:13 PM
قرأتُ بعض ما يكتبه السفلة الأوباش عن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون إلا قصة النضر بن الحارث عليه من الله ما يستحق ويضفون عليه من العظمة والجلال والدهاء والذكاء ما تخاله معه كلقمان أو سقراط وهو ورب زمزم و الحطيم أرعنٌ إمعةٌ أعماه حقده على صاحب الشفاعة العظمى فعاداه وآذاه وإليكم قصته :
كان النضر بن الحارث ناصب الرسول صلى الله عليه وسلم العداء منذ بدء دعوته وكان قد مكث بالحيرة وحفظ بعض أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسبنديار وتبجح بهذا وظن أنه علم قصص القرون الغابرة فكان إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً محذراً مما أصاب الأمم السابقة وما حاق بهم من نقمة الله وعذابه يجلس ويحدثهم بما يحفظه من أحاديث الفرس ويقول : ما أحاديث محمد إلا أساطير الأولين .
وبعد ما زاد عدد الذين يدخلون في دين الله بعثتْ قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط عليهما من الله ما يستحقانه إلى يهود المدينة وطلبوا منهما أن يصفا النبي صلى الله عليه وسلم لليهود ويسألونهم عنه فذهبا إلى المدينة ونعتا النبي صلى الله عليه وسلم لهم وطلبا منهم أن يخبروهم عنه .
فأشار عليهما اليهود أن يسألاه عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي وهي :
فتية اعتزلوا قومهم ما كان شأنهم ؟
رجل بلغ آخر الدنيا ماذا حدث له ؟
الروح ما هي ؟
فعادا وقالا لقريش : جئناكم بالقول الفصل وأخبروهم بما حدث .
فرحتْ قريش بهذه الأسئلة وذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطرحوا عليه الأسئلة التي قالها أحبار اليهود فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ((أخبرني بها جبريل آنفاً)) .
ثم تلا عليهم جواب ما سألوا عنه :
قال تعالى : ((أمْ حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)) .
قال تعالى : ((ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً)) .
قال تعالى : ((ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)) .
وبعدما أجاب على أسئلتهم بما دحض باطلهم من الذكر الحكيم ازدادوا عتوّاً واستكباراً وطغياناً .
وهذه قصة مقتله التي لم تثبت صحتها :
بعد قفول النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر ومعه أسرى قريش وفي مكان يسمى الصفراء أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يضرب عنق النضر بن الحارث فضرب عنق عدو الله .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر ويعفو عن المنافق عبدالله بن أبي بن سلول الذي تولى كبر الإفك ونشره وإذاعته في البتول عائشة رضي الله عنها وأرضاها والذي قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها (يقصد نفسه وهو الذليل الأحقر) الأذل(يقصد صاحب الشفاعة بنفسي هو) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر ويعفو عن ابن أبي المنافق ويمنحه قميصه ليكفن به ويتقدم للصلاة عليه عندما طلب منه ابنه عبدالله رضي الله عنه وأرضاه هذا ويقول عندما منعه عمر رضي الله عنه من الصلاة عليه : أخِّر عني يا عمر إني خيرتُ فاخترت, لو أعلم أني زدتُ على السبعين يغفر له لزدت .
الله أكبر ما أبره وأرحمه وأرأفه ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) .
أفضل أولي العزم صلوات ربي وسلامه عليه يأمر بقتل النضر بن الحارث وهو القائل لأصحابه رضوان الله عليهم : ((استوصوا بالأسارى خيراً)) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر وهو القائل : لو كان المطعم حيّاً وكلمني في هؤلاء النتنى(يقصد أسرى بدر) لأطلقتهم له (المطعم هو: المطعم بن عدي الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم بعد أوبته من الطائف ومنع قريش له من دخول مكة) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر وهو الذي آذاه أهل الطائف وأغروا به سفهاءهم واصطفوا له صفين ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه صلوات ربي وسلامه عليه وعندما أتاه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين قال : ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئاً)) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر وهو القائل يوم أحد وقد شج كفار قريش وجهه وكسروا رباعيته وقتلوا عمه سيد الشهداء رضوان الله عليه : ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر وقد عفا عن وحشي عندما أتى إليه مسلماً تائباً نادماً على ما بدر منه وقال : ((لا ترني وجهك بعد اليوم)) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر وهو الذي عفا عن هبار بن الأسود الذي ضرب زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم عقب خروجها من مكة إلى المدينة بالرمح في ظهرها ووخز جملها فأسقطتْ وكانت حاملاً رضي الله عنها وقال : ((قد عفوتُ عنك والإسلام يجب ما كان قبله)) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر وهو الذي عفا عن أبي سفيان بن الحارث الذي آذاه وأوغل في هجائه ولجَّ في عداوته وتأليب قريش والعرب عليه مدة عشرين عاماً والقائل له : ((لا تثريب عليكَ يا أبا سفيان)) .
أيعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل النضر وهو القائل لقريش الذين حاربوه وآذوه وآذوا أصحابه وصدوا عن دعوته أقول لكم كما قال أخي يوسف: ((لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)) , اذهبوا فأنتم الطلقاء .
طريفة في أولئك الطغام الذين يقولون أن النضر بن الحارث حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنقلها بنصها من أحد كتب السيرة :
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم ‏‏:‏‏ ‏‏ (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ، وكل فيها خالدون ، لهم فيها زفير ، وهم فيها لا يسمعون) .
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبدالله بن الزبعرى السهمي حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة لعبدالله بن الزبعرى:‏‏ والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب آنفاً وما قعد وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم .
فقال عبدالله بن الزبعرى ‏‏:‏‏ أما والله لو وجدته خصمته فسلوا محمداً أكلّ ما يُعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ‏‏؟‏‏
فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيراً والنصارى تعبد عيسى بن مريم عليهما السلام .
فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبدالله بن الزبعرى ورأوا أنه قد احتج وخاصم ‏‏, فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قول ابن الزبعرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إن كل من أحب أن يُعبد من دون الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته ‏‏.
والشاهد قول الوليد : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب آنفاً وما قعد .
عندما بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم مُنعت الشياطين من استراق السمع لخبر السماء ورميتْ بالشهب فآذاهم هذا وأشجاهم فأداروا قداح فكرهم حتى وجدوا شرذمة خاملون أقماء أدناء أراذل مأبونون مصابون بغلمة في أدبارهم لا يطفؤها إلا غراميل الشياطين الذين لا يرضيهم إلا انتقاص الدين والهزء به والتهكم فيرضونهم بالجرأة على الدين والسخرية من سيد المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه فعلى أولئك المجترئين وعلى أوليائهم من الشياطين لعائن الله المتتابعة إلى يوم التناد .
والله لكأن أدبارهم في أفواههم فوجب عليهم الوضوء بعد كل نطق فلم يأتوا إلا بحجج واهية أوهى من بيت العنكبوت وأحاديث قبيحة أقبح من قباع الخنازير ونهيق الحمير فليتهم واروا جهلهم وحمقهم كما يواري السنَّور خرءه فحججهم الواهية أثبتتْ صغر عقولهم وخلطهم أثبت جهلهم وحمقهم وحقدهم الدفين على من أسقط أتباعه رضوان الله عليهم امبراطوريتي أسلافهم فارس والروم .
ألم يطرق أسماعهم التي تنفر من القرآن وتكذِّب به وتقبل على المعازف والألحان وقرع الكؤوس وآهات المومسات قول قديسهم بعثهم الله معه : إذا كان يوم القيامة شفعتْ لي اللات والعزى .
ألم يطرق أسماعهم سكَّها الله قول مكرز بن حفص : يا محمد ما عُرفتَ بالغدر صغيراً ولا كبيراً بل عُرفتَ بالبر والوفاء .
ألم يطرق أسماعهم سكَّها الله قول أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه لما سأله هرقل الروم قائلاً : أيغدر محمد ؟
فأجابه بالنفي فقال هرقل عندئذٍ : وكذلك الرسل لا تغدر .
لا عجب فقلوبهم ملئتْ بالتقديس والتبجيل للنضر وأبي جهل وعبدالله بن أمية و كارل ماركس ولينين وداروين ومن على شاكلتهم من أهل العلمنة والإلحاد ومن خلفهم شياطين منعظوا الأيور يطفؤون غلمتهم كلما ثارتْ فغراميل الشياطين معبودهم لأجلها يحيون ولأجلها يموتون .
الحديث يطول ولكني أختم بهذه القصة للوليد بن عتبة وهو من أعلم العرب بالشعر عندما سمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة –يقصد النبي صلى الله عليه وسلم-فو الله ما هو بشعرٍ ولا بهمزٍ من الجنون وإن قوله لمن كلام الله .
وعندما قرَّعه أبو جهل(فرعون هذه الأمة) لسماعه القرآن قال : والله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه ولا قصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا , والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يُعلى عليه .
وفي أخرى عندما أرادوا أن يصدروا عن رأيٍ واحدٍ في النبي صلى الله عليه وسلم فاتهموه بالسحر والكهانة والجنون وأنه شاعر فنفى عنه الوليد ذلك كله بقوله : ما هو بساحر فقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا بعقده ولا بكاهن وقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ورأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته وعرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر وما رميتموه بشيءٍ من هذا إلا عُرف أنه باطل .
ما هؤلاء الأراذل النَّوكى إلا صفر على الشمال ونكرة لا تُعرَّف ولو دخلتْ عليهم أداة التعريف عند الوليد بن المغيرة فهم لا يعرفون من اللغة إلا اسمها ومن البلاغة إلا رسمها .

عبدالعزيز التويجري
12-23-2019, 12:37 PM
هذه كتبتها بعد الرسومات المسيئة لسيد الخليقة صلى الله عليه وسلم من الدنمارك وهي كذلك فيمن سار على نهجهم واهتدى بهديهم .

أيها الأرجاس الأنكاس والأخباث الأنكاث يا أبناء لذة ساعة ومن خاب إلى قيام الساعة وربي ما فيكم من يعرف أباه أيها اللقطاء الأوباش .
أيها الأوغاد من تكونون وأي عقول تملكون وأي إله تعبدون وبأي دين تدينون وبأي مهلكة تسيرون هل أنتم إلا بهائم ينزوا بعضها على بعض لا يخشون العقاب ولا يؤمنون بيوم الحساب أراذل لا هم عندهم سوى المطعم والمنكح والمشرب والمرقد فخبتم وبالخسران أبتم .
أعلى سيد ولد آدم تكذبون فلكم الويل والثبور وعليكم الدوائر ستدور يا مقر المخازي ومنشأ العهر والفجور لا رحمكم الله ولا عافاكم وجعل أسفل دركات النار مأواكم .
وربي لولا محمد ما خلقتم وعلى الأرض ما درجتم وبالدنيا ما تنعمتم فأخزيتم وقبحتم وأرديتم ولعنتم وضربت عليكم الذلة والمسكنة أينما كنتم .
هذا محمد الذي صبر على اللأواء من أجل هداية البشر وانجياب الظلم وهدم الطاغوت وتوحيد العبادة لرب العباد .
هذا محمد الذي صفح عن ابن سلول المنافق وقميصه لكفنه منح ونسي في حقه ما اجترح .
هذا محمد الذي عفا عن وحشي حين أتى وقد ضاقت به الوهاد والربا وهو قاتل أسد الله وأسد ورسوله حمزة ذلك البطل الضرغام فالق الهام ومجندل الأبطال من لا يفل سلاحه ولا يخفر جواره ولا يؤذى جاره .
هذا محمد الذي زاد الحبر زيد بن سعنة عشرون صاعاً حينما غضب عليه الهزبر أبا حفص بسبب قوله والله إنكم لمطل يا بني عبد المطلب وصال وجال بمهند لا يعرف النكول وكاد يعلو هامته بحده الصقيل .
هذا محمد الذي لا تحيط بوصفه قوافي الشعر ونثر الخطب ولا بلاغة البلغاء وفصاحة الفصحاء ولو اجتمع من بأقطارها وأرادوا وصفه لم يجدوا وصفاً أصدق وأوفى من قول الله في محكم التنزيل وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
رباه هاهم الأوغاد قد رموا بالزور من انجالت به ظلم الديجور فاجعل ديارهم بلاقعاً بور تأوي إليها الغربان وقشاعم النسور .
اللهم ارفع لي بهذه الكلمات الدرجات وحط عني بها السيئات وأنلني بها شفاعة نبيي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

عبدالعزيز التويجري
12-30-2019, 07:44 AM
كم تمنيت لو نفد الحبر وانتهى الورق واحترقت آلات التصوير وأصيب المؤرخون بالفتور كي لا يصوَّر ذلنا ولا يؤرَّخ ضعفنا وعجزنا وهواننا على الأمم وإخلادنا للراحة وصممنا عن تلبية نداء إخوتنا وأخواتنا الذين بحت أصواتهم بالنداء والاستغاثة .
يا للأسف بل يا للخجل فنحن ما زلنا نندب ماضينا ونبكي أمجادنا على أطلال القادسية واليرموك وحطين ولم نفعل شيئاً فلا تنادوا يا إخوة الدين خالداً وأبا حفص وحمزة وسعد والقعقاع بل نادوا سعاداً وميرا وريما فتلك الأسماء ولى زمانها مع أولئك الأشاوس وعقمت أرحام النساء عن إنجاب أمثالهم وماتت النخوة والحمية في قلوبنا وحشي إهاب الكثير منا جبناً وهلعاً ونسينا قول الحق تبارك وتعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) .
(النصر قادم لا محالة والعزة للإسلام والمسلمين) هذا ما نعلل به أنفسنا فأخلدنا للراحة وصممنا آذاننا عن نداءات استغاثة إخوتنا وأخواتنا في أصقاع المعمورة فلم تعد قلوبنا تتألم لمناظر المآسي فنطعم ونشرب وشاشات التلفاز تعرض ما يتعرضون له من قتل وتشريد فتزيد عندنا الشهية للطعام والمتعة واللذة في مذاقه فلا تنادونا يا إخوة العقيدة فعبراتكم ودماؤكم تذكرنا بألوان المشارب فنسارع إليها وأصوات الرصاص التي تخترق أجسادكم تجعلنا نشتاق للمزامير فنشنف سمعنا بها وصور الأعداء الذين ينكّلون بكم تذهب بخيالنا إلى طبيعة بلادهم الخلابة فنحجز للسفر إليها باذلين في ذلك المال الذي يزيد به أساكم وألمكم فشكراً لمآسيكم على ما ذكرتنا به من متع وملذات .
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا العزة والجبروت أقر عيوننا واشف بلابل قلوبنا بنصر عاجل للإسلام والمسلمين في كل مكان .
اللهم إنا نسألك أن ترينا بأعدائك وأعدائنا يوماً كيوم القيامة يشيب فيه الولدان وتذهل الأمهات عن أولادهن اللهم اشدد عليهم وطأتك وأنزل عليهم نقمتك وارفع عنهم رحمتك وعافيتك .
اللهم إنا نسألك متعة لعيوننا برؤيتهم وهم يتراكضون يمنة ويسرة بعيون زائغة وأدمع واكفة وقلوب بلغت الحناجر من الرعب الشديد وطرباً لآذاننا بعويل ونواح نسائهم على أزواجهن وبكاء أطفالهم على آبائهم وأنين جرحاهم من الألم وتضوُّر مشرديهم من الجوع والعطش وبهجةً لقلوبنا بمناظر أشلاء قتلاهم الذين حل بهم بأسك وغضبك الذي لا يرد عن القوم المجرمين .

عبدالعزيز التويجري
02-02-2020, 10:45 AM
قال عز من قائل ((ظهرالفساد في البر والبحر)) .
هذا قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام فما بالك بهذا الزمن الذي كثرتْ فيه الجرأة على الدين من أجل إشباع نزواتٍ بهيميةٍ من شرذمةٍ من الفجار والعاهرات حنَّتْ غراميلهم لأحراحهن وأحراحهن لغراميلهم فَخَمِصَ هؤلاء العاهرات إلى أيور منعظة هي محط أنظارهن ومهوى قلوبهن ومنتهى آمالهن وشبق أولئك الفجار إلى أحراحهن الظامئة فرأوها النعيم السرمدي والهناء الأبدي ولم يجدوا حيلة لاجتماع المتحرك بالساكن إلا بنبذ الدين وراء ظهرانيهم ووصمه بما هو منه براء .
رفعهم فوضعوه وأكرمهم فأهانوه وآزرهم فخذلوه وما علموا أنهم ما وضعوا وأهانوا وخذلوا إلا أنفسهم فإن اتبعوا تعاليمه أفلحوا ونجوا وإن اجتنبوها خسروا وهلكوا وهذا والله الخسران المبين (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .

عبدالعزيز التويجري
03-04-2020, 10:25 PM
كثرت الهاشتاقات التي تجرأ منشؤوها على جناب الله عز وجل وجناب المصطفى عليه الصلاة والسلام فكانتْ هذه :
في هذا الزمن الغريب نشأ مسوخٌ في أوكار الشياطين يتقوتون على وَدْيهم فأمسوا أداة طيِّعة في أيديهم يؤزونهم إلى الشر أزّاً فلا يتلكأون أو يأبون بل يسارعون إلى ما فيه مرضات مواليهم من الشياطين فازدروهم وجعلوهم في منزلة أدنى من الخدم في عصور سالفة واشمأز منهم البشر فنفروا منهم فعادوا إلى وكرهم أذلة صاغرين لا يعصون للشياطين أمراً فإذا قُطع عنهم الوَدْي أرضوهم بالتجرؤ على جناب الله عز وجل وجناب نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام .

عبدالعزيز التويجري
03-05-2020, 10:01 AM
يَحْفظُ شَطْرَ بيتٍ وينطقهُ مُخْتَلَّ الوزن مَلْحُوناً ، ويَحْفظُ جُزْءاً من حديثٍ لا يَفقهُ معناه ، ويعرفُ كلمةً من غريب اللغة فيخالُ نفْسَه أفصحَ النَّاطقين بالضاد ، وأشدَّهم عارضة ، وأسرعَهم بديهة ، وهو لا يُفرِّقُ بين قول أبي الشمقمق :

هــلِّـــليـــنــه هــلِّـــليـــنــه
طَــعْــــنُ قِثَّــــــاةٍ لِــتـيـنـة

إنَّ بــــشـــارَ بــن بــــردٍ
تيسٌ أَعْمَى في سَفينة

وقول أبي أمامة في أبي قابوس :

فـإنَّـكَ كاللَّيلِ الذي هُــوَ مُدْركي
وإن خلْتُ أن الـمُنْتَأَى عنْكَ واسعُ

خَطَاطيْفُ حُجْن في حبَالٍ مَتيْنَةٍ
تُـــمَــــدُّ بــهـا أَيْـدٍ إلــيــكَ نَــوَازعُ

أيها الثرثار المُتشدِّق : شغفتُ بأدب الأطفال في الثامنة من العمر -قبل أكثر من ثلاثين عاماً- وقرأتُ في السِّيرِ والتاريخ وأنا في العاشرة ، وفي الرابعة عشرة شُغفْتُ بالأدب شغفاً عظيماً ، وكنتُ أُمْضي في القراءة قرابة الثلاث عشرة ساعة ، ثم يأتيكَ أحدهم –يرى نفسه أحاطَ علماًَ بكلِّ شيءٍ-فيُعَرِّضُ بي ، وقد دلفتُ إلى بستان الأدب الفسيح ، قبل أن يَنْكحَ أبوه أمَّهُ ، أو وهو لا همَّ له إلا اللعب والحلوى !

إذا رَأَيْتَ نُيُوبَ الَّلَيْثِ بَارزَةً
فلا تَظُنَّنَّ أنَّ الَّلَيثَ يَبْتَسمُ

سَيَشُلُّ أرْكَانَكَ زئيره ، وتَخْلَعُ قلبَكَ نَظْرَتُهُ ، ويُذيْقَكَ الموتَ قبل أوانه خطوه الوئيدُ نحوكَ !
أيها المُتحذْلقُ : صحيحٌ أني لم أزلْ في أسْفَلِ السَّفْحِ ، ولم أهتدي بعد إلى الدَّرْبِ المُؤَدِّي إلى قمَّةِ الطَّودِ الأشَمِّ ، لكنِّي لا أخوضُ فيما ليس لي به علمٌ ، ولا أتشدَّقُ بما لا يَسْتَوْعبُهُ عقلي ، ولا يُدْركُهُ فهمي ! ومع هذا -فوأيم الله-لا أنتَ ، ولا من هم على شاكلتكَ يبلغون كعب قدمي ، فلا تشرئبوا بأعناقكم كي لا تَنْدَقَّ ، ولن تَبْلُغَ أنظاركم قمة الجبل الأشم !
أخيراً : أيها المزهوُّ بما ليس فيه : ما كان للنَّسْرِ أن يَهْبطَ من عَلْيَائه من أجْلِ جُعَل ، أو للْهَزبْرِ أن يأبه لبضْعِ خُزَزٍ ولَجْنَ غيله !

(وليد الساعة فاقبلوه على علاته) !

عبدالعزيز التويجري
03-06-2020, 06:11 PM
عاجَ ذاتَ أصيلٍ –لأن رحلة العمر أوْشَكتْ على الانتهاء- على مُلْتَقَاهُ بمليكة القلب ، واتجه إلى أحبِّ شجرةٍ إلى قلبه -الأثلة- واتَّكَأَ على جذعها الضَّخْمِ ، وأجال ناظره في ذلك الموطن العزيز على قلبه ، مُتذكِّراً ليال الأنس والوصل ، ثم قال : هنا التقينا ، هنا لهونا وضحكنا ، هنا أحببتكِ ، هنا همتُ بكِ ، هنا تعاهدنا على عدم براح واحة الحِّب ، هنا تَهَادَتْ بكِ الإبلُ ، هنا نَعَبَ غُرابُ البَيْنِ مُعْلناً النَّأْي الأبدي ، هنا نَبَتْ بي ليال الوصل ، واحْتَوَشَتْني سنينُ النَّأْي ، ثُمَّ أعُودُ بعد الهجر المُرْمضِ ، فلا أرى إلا قلباً لا يَشْعُرُ ، ورُوحاً تَنْفُرُ ، ومُحَيَّا يُشيحُ ، وجَسَداً يَنْأَى !
ثُمَّ نقل ناظره إلى النَّبْعِ الذي كانا يتسامران عنده ، ثم قال : لم آتي لأَطْلُبَ ودَّاً ، أو أجّدِّدَ عهداَ ، أو أسْتَجْديَ سعادةً ، أو أَنْشُدَ بِضْعَ لحظاتٍ من الأُنْسِ والسُّرُور ! بل أتيتُ مُثْقَلاً بشجى النَّدَمِ ، وعَبَرَات الخَشْيَةِ ، طالباً العَفْوَ والصفحَ !
ثم رفع رأسه إلى السماء ، وقال ودُمُوعُهُ تَنْحَدرُ على وجنتيه : ربِّ إن كان سيقل لُبْثي بين أحضان هذه الشَّمْطاء ، فارزقني الثبات ، والرضا ، والصبر ، والتَّسليم في تلك الساعة التي تُزَلْزلُ الجبالَ واغْفرْ لي ما أسْلفْتُ ، ولا تُؤاخذني بما بدر مني ، ولا تُحاسبني عليه ، واجعلْ ما أصابني من الشجى ، ووأد الأماني كفارة ، واشملني برحمتك التي وسعتْ كلَّ شيءٍ في ذلك اليوم العصيب ، يا أرحم الراحمين !
ثم نهض ومضى وهو يقول : ستظلُّ ذكراكِ أعذب ذكريات الهوى ، وأنقى خفقات الحنين ، وأرقَّ نسمات الومق !

عبدالعزيز التويجري
03-10-2020, 12:25 PM
هبَّتْ نسماتُ الجنةِ لتحمل معها الطهر والبراءة (كوثر) ، لتجتمع مع أبناء المسلمين في الجنة –بإذن الله- وتكون دعموصاً من دعاميصها ، مُخلِّفةً وراءها طفولتها ، براءتها ، ألعابها ، حلواها –التي ما زالتْ بقاياها عليها قضماتها- .
كوثر : نحنُ من استلَّ روحكِ ، ووأد براءتكِ ، واغتال بسمتكِ –بتقاعسنا وتخاذلنا- فاظعني من دنيا الخوف ، الشجن ، الفقد ، السقم ، واستوطني -برحمة الله- جنَّةً أمنها لا يعقبه خوف ، وسعادتها لا يخالطها كدر ، ولقاؤها لا يتلوه فراق ، وصحتها لا يمازجها سقم .
أعظم الله بكِ الشفاعة لوالديكِ وأهلكِ ، ورزقهم الصبر والسلوان .

عبدالعزيز التويجري
04-21-2020, 06:33 PM
يَتَحَدَّثُ حديثَ عَييِّ ، ويَخَالُ نفْسَهُ سحبان وائل ، أو عبدالحميد ، أو ابن العميد –حتى لم يبق إلا أن يقول : أنا الواحدُ الأحد- ، مع ضآلة قدره ، وتفاهة أمره ، ومع هذا فهذا شأنه ! ولكن أن يجرؤ على الولوج إلى غيل الهزبر ، وسلاحه ساق قمحة ، فهذا الحمقُ ، وضعف التدبير ، فليحذرْ سورة الهزبر وصولته ، فالكلب كثيرُ النباح ، وبحجرٍ تخرسه ، أما الهزبرُ فبزأرةٍ منه تَسْلَحُ في ثيابكَ ، وربما غُشيَ عليك من شدَّةِ الخَوْفِ !
أيها الطفلُ : تجاوزتَ حدَّكَ ، وصعَّرْتَ خدَّك ! والذي جعلني أصمتُ عنكَ طويلاً ، أن أَلْيَتَكَ ألهبها طولُ بقاء حفَّاظتها ، فلذلكَ عَجيْجُكَ هذا من شِدَّةِ الأَلَمِ !
يروى أن دَرْصَاً وصُرَداً ، رأيا ظلهما ، فخالا نفسيهما دَغْفَلاً ونسراً ، فأخرج الدَّرْصُ لسانه ليكتمل ما خاله ، وفرد الصردُ جناحه ، وهاجما هزبراً ، فضغمهما أثناء تمطيه بلقمة ، وراحا ضحية جهلهما لقدرهما وقدر غيرهما !
أيها الطفل : إذا بلغتَ ما بلغتُهُ –بعد بضع مئاتٍ من السنين- فاشتد ساعدك ، وصلبتْ قناتك ، فصَرُمَ سَيْفُكَ ، ونَفَذَ رُمْحُكَ ، وشَكَّ سَهْمُكَ ، في تلك الساعة سأنظرُ إليكَ نظرة القِرْنِ للقِرْنِ ، والنِّدِّ للنِّدِّ ، وأمتطي الأدْهَمَ –اعترافاً بندِّيَتِكَ-، ونلتقي في ساحة الميدان ! أما وأنتَ على هذه الحال فسأداعبكَ مداعبة الطفل ، وأضحكُ معكَ ضحكي معه ، ثم أصرفكَ !

عبدالعزيز التويجري
04-25-2020, 12:10 AM
من بدائع الشاعر العذب حمد الدوسري :



لا تسألوني عن جروح هنادي
...........................من دمعها في لحظة استبعاد ِ
في كل فجر من لماها ..... همسة
...............................كانت تهرول لهفةً و تنادي
الأفق يمطر .... والسماء حزينة
....................خلف الطيور .... أرى غياب حصاد ِ
تتلاطم الأحوال، أعمى خبطُها
..............................،وتعاكس الريحُ المُنى بعناد ِ
بانت على الأفق الجميل مدامع
..................................وتعرقت بين القصيد أياد ِ
وحضنت أمي قد تواسي شاعراً
............................وعلى هوايَ خلعتُ ثوب حِداد ِ
أشعارنا عادت تساند بعضها
...................................كوقار أحبار على ميلاد ِ
الدهر لم يكسر قلادة عشقنا
.................................تتزاحم الأكباد في الأكباد ِ
حتى الرسالة راوغتني مرّةً
.............................وأستوقفت حرفاً أثار فؤادي
هذا سريري فيه .... وجه بنيتي
............................ورداء حبي .... طيب ملح باد ِ
شموا على كفي القميص.... فقد رأت
............................ما لا نرى من سهرتي ومرادي
زمنٌ يُخاصمني .. رخيصاً باعني
..............................حين اعترته سحابة الإفساد ِ
ناشدت من خلف النجوم .... مشاعراً
..........................بالنور تسري في عروق مدادي
ما بين ثغر قد تدفق خمرة
...............................وحديث مرآة روى إسعادي

عبدالعزيز التويجري
04-25-2020, 03:10 PM
فجروها عنصرية مقيتة وأوقدوا نارها كل آن كي لا تخمد واجعلوها دأب أطفالكم وديدنهم فنحن بأمس الحاجة إليها في زمن الفرقة والضعف وتكالب الأعداء علينا .
سموا أبناءكم بأسماء خاصة بهم واجعلوهم يتنفسون هواء لا يتنفسه غيرهم واجعلوا أرضكم حمى محرم على غيركم باختصار اقطنوا بكوكب خاص بكم لأنكم اشتملتم بالعز والسؤدد ولأن الله خلقكم من مسك وخلق غيركم من تراب ونزهكم وطهركم من البلايا التي ابتلى بها بني أدم وكذلك لأنكم ستأتون يوم القيامة آمنين من الفزع وتسلمون كتبكم بأيمانكم يا من تشربتم العنصرية المقيتة في كل مكان وزمان .
بربكم متى نصحوا من سباتنا ونرى الخطر المحدق فينا ونعلم أننا نخدم أعداءنا من حيث لا نشعر وندرك أننا أهل ملة واحدة ومذهب واحد ؟!

عبدالعزيز التويجري
02-19-2021, 05:30 AM
أيا عيدُ إن الصحب في باطن الثرى
مضوا دون أخذي مسلميني لإعوالي

أتاهم منادٍ فاستجابوا نداءهُ
وأبقوا رسوم الشوق في الطلل الخالي

كسوني من الأشواق أثوابَ علَّةٍ
وأبقوا فؤادي ساهرًا عند أطلالِ

فبعضٌ تناسى صادق الود بيننا
ولبَّى العدا -طوعًا- ومن غال آمالي

وبعضٌ أتاهمْ حتفهُم ومضى بهمْ
حنيني إليهمْ في غدوٍّ وآصالِ

أيا عيد إني منهكٌ من لظى الشجى
وتوقي إلى صحبي إلى يوم ترحالي

(بحر الطويل) محرم 1442 هـــ .

عبدالعزيز التويجري
03-02-2021, 08:54 PM
العُجْمَةُ والعِيُّ

ما لهؤلاء النَّوْكَى عديمو الثقافة والمعرفة ، من اغْتِيْلَتِ اللغَةُ على أيديهم ، وسُفِحَ دَمُهَا على أعتاب جهلهم وغرورهم ، يرومون مالا يستطيعون ، ويرنون إلى ما تَقْصُرُ عَنْهُ الأَنْظَارُ وتَنْدَقُّ الأَعْنَاقُ !
وايم الله ، وايم الله ، وايم الله ، أن الجهل أمطر علينا وابله ، والعجمة كستنا أوسع وأفخر أرديتها ، ووحل العِيِّ أغرقنا إلى سابع أرض ، فخلنا أنفسنا أفصح من نطق بالحروف ، وأبلغ من أمسك بالقلم ، فليت أهل الصناعة قطعوا عنا الورق والمداد ، كي لا نزيد الويل ، ونظهر عجمتنا ، ونفضح جهلنا !
انحدرنا إلى قعر سخف التعبير ، فالقلم والبلاغة والبيان منزهةٌ عن سخفنا وضحالة معرفتنا ، فالبعض يدير قداح فكره ليأتي بالبديع ، ثم يعجمُ ولا يفصحُ ، ولا يزيد على ثرثرة طفل ، وكأنه يقول : صل الكلمات ببعضها لتحصل على جملة مفيدة ، أو اختر ما بين الأقواس !
أيها الأعاجم : لن أقول احتذوا بما جاء في الشعر والنثر الجاهلي ، وصدر الإسلام فذاك كلامٌ علويٌّ منزَّهٌ عن ركاكتنا ، وضعفنا ، وعجمتنا ، ولكن حينما نستطيع الإتيان بربع ما أتى به أحمد شوقي ، وأبو القاسم الشابي ، وبشارة الخوري ، وإبراهيم ناجي ، وجبران خليل ، وفاروق جويدة ، والأخطل الصغير ، ومصطفى المنفلوطي ، وعلي الطنطاوي ، وعلي القرني ، و...
في تلك الساعة يحقُّ لنا أن نَفْخَرَ ، ونَتَبَاهَى ، ونَتَّخِذَ لنا مَقَاعِدَ في الثُّرَيَّا !
• أقسمُ بالله أيمانًا غلاظًا ، لا أحنثُ فيها ، أن وقعَ خفِّ ناقةٍ على ظهرها أبو الحارث ، أو أبو أمامة ، أو أبو عمرو ، ألذُّ للسمع ، وأبلغُ مما نتشدَّقُ به ، ونخالُ البلاغة أقرَّتْ له ، وسجدَ البيانُ !

عبدالعزيز التويجري
03-06-2021, 05:51 AM
كانت أخته ترتجي قطعة قماش
‏تستر أضلاع السنين .. الخاويه!
‏إستراحت بعد ماراحت " هشاش"
‏ماتت بـ ذنب الطفوله .. عاريه !
لفّوا أحلام الصغيرة .. وسط شاش!
وإنتهت في حلمها .. للماشيه !

العزيز الشاعر العذب سعيد الموسى : أي لحظة إبداعٍ تلبَّستْكَ ، أظهرتْ لنا مثل هذا الإبداع النادر (بديعةٌ ، بليغةٌ ، رغم غُلالة الشجى التي اكتنفتها) .

عبدالعزيز التويجري
04-16-2021, 04:40 PM
بلغ العجبُ بي مبلغَهُ من بعض كتابات الأدباء (مصطفى الرافعي ، عباس العقاد ، إبراهيم المازني ، الـ ...) مما ضمنوه نقدهم لبعض الأدباء من سخريةٍ لا تليقُ ، ووضعٍ من قامة المنقود الأدبية ، والتلفظ بألفاظٍ أصدق وصف لها : (سوقية لا يتلفظ بها إلا الرعاع) !
سمي الأدبُ أدبًا لارتقاء ألفاظه ، وسمو معانيه ، وإن المطلع على بعض ما كتبه أولئك ، لا يجدُ فرقًا بينها وبين شجار العامة وسخريتهم بين الأزقة وأمام الحوانيت !

عبدالعزيز التويجري
04-23-2021, 01:55 AM
من المواقف التي لن أنساها حتى يواريني صفيح الملحد :
في ليلةٍ من آخر ليالي شهر صفر ، وتحديدًا 27/2/1427 هـــ ، دلف إلى المنزل توأم الروح –غفر الله له ، ورزقه الفردوس الأعلى برحمته- وعندما رأيته ، قلتُ له : لعلكَ تذهبُ وتُحْضرُ لنا عشاءً نتناوله معًا !
فأجابني قائلاً : إني على عجالةٍ من أمري ، فاعذرني !
ثم صمتَ قليلًا ، ومسَّدَ لحيته الخفيفة جدًّا ، ونظر إلى السماء ، قليلًا ، ثم ابتسم ، وقال : على الرحب والسعة ، لكَ ذلك يا أبا فتاين .
ثم مضى ، وأتى بعشاءٍ تناولناه معًا ، ثم عانقني ، وودعني ، ومضى ، وسافر سفرًا لم يَؤبْ منه !

عبدالعزيز التويجري
04-25-2021, 12:55 AM
لم يغمض له جفنٌ من الحنين الذي طما طوفانه ، وجافا مَضْجِعَهُ جنباه –كأنه على شجر القتاد يتقلبُ- فاتجه إلى باحة المنزل ، وأطال النظر إلى النجوم والبدر المكتمل ، وعند تباشير الفجر الأولى مضى إلى القرية ، وجال في أنحائها مستعيدًا أيام طفولته ، فعند هذا المنزل الطيني كان يرقب المارة بخوف وخشيةٍ ، ويسلِّمُ على من يمرُّ به وقدمٌ داخل المنزل وقدمٌ في الشارع -ليسهل عليه الفرار إلى الداخل إن اقترب منه أحد- ، وهنا كان يجلس على المطصبة مع أترابه ليتجاذبوا أطراف الحديث ، وتحت الشجرة الضخمة كان يتذرع التفيُّؤَ تحتها من هجير الشمس ، لينظر إلى الصبية التي تلعب أمام منزلها ، وهذا حانوتُ تاجر الحلوى ، الذي يشتري منه مثلجاتٍ ، ويختلسُ –على غفلةٍ منه- قطعة حلوى ، أو لبانٍ ، أو... ، وهذا ، وهذا ...
عندما تعالى الضحى مضى إلى الأثلة في طرف القرية ، وطاف حولها قليلًا ، وجال في مغاني صباه ، مستعيدًا ذكراها ، ثم مضى إلى البيت الطيني المقفر من أهله وروَّاده ، ودلف إلى باحته ، وأجال ناظره فيه ، ثم قال : أيها الطللُ العزيزُ : هأنذا أعوجُ عليكَ وحيدًا ، بعدما أوهن المتلونان قوتي ، وأخذا شبابي ، وألانا قناتي ، وأثقلا كاهلي ، ومضيا بأجمل عهد ، وأنقى قلبٍ ، وأرق نسمتين !
ثم اتجه إلى نافذة الغرفة المطلة على الباحة ، ووقف أمامها مليًّا ، يتذكر حينما كان يتحدثُ أسفلها مع سارة ، ويمضيان خلف أخيلتهما وأمانيهما ، وحين يعدو خلفها ، فتهبط من النافذة ، وتتجه إلى الغرفة من جديد لتهبط من النافذة مرة أخرى –ويتبادلان الأدوار إن ضرب ظهرها بكفه- ، ثم قال : هل يبزغ علينا قمر اللقاء ، وتشرق شمس الوصل ، وينجاب ليل النأي ، ويضيء صبح الحب علينا تحت سقفٍ واحدٍ سعيدين أبد الآباد ؟!
ثم جلس تحتها ومد يده فوصلت درفتها ، وكان فيما مضى يشعر أنه يهبط من شامخ حين يهبط منها ، ثم نهض ومضى إلى الدرج المؤدي إلى السطح وصعدها ، وأجال ناظره في السطح الصغير الذي كان فيما مضى يشعر بالتعب قبل أن يصل نهايته .
اتجه إلى حائطه القصير ، وأطل منه على الأزقة الضيقة ، والبيوت المتلاصقة ، والمزارع المهجورة ، ثم نزل واتجه إلى حوض النخلة الذي كاد يندرس رسمه ، والذي كان يلعب عنده مع سارة ، فيأخذان خوصتين ، أو بسرتين صغيرتين مما سقط من العذوق ويقذفانها في ماء الحوض ، ويحركان الماء بأيديهما لينظرا أيهما تسبق الأخرى ، وأخذ عودًا ، ونكتَ به الأرضَ ، ثم قال : لاتنتظريني على شاطئ البحر كما التقينا بعدما شببنا ، ولا تأتي إلى الأثلة عند النبع في مغنى الصبا ، ولا تنتظري أن تهمي غيوم الحب على حقولنا القاحلة ، ولا تنتظري نورس الوصل أن يرفرف فوقنا مؤذنًا باللقاء ، فما عاد لنا في هذه الفانية لقاء ، ولعل الرحمن الرحيم ادخر لنا اللقاء الأعظم ، والوصل الذي لا يعقبه فراق ، في جنةٍ عرضها السموات والأرض ، أما في هذه الفانية ، فقد مضت أجمل العهود ، وأحلى الليالي ، وأرق نسمتين ، وأمسى قلبي مسرحًا لأظعان الفراق ، وأطلالًا لغربان البين ، ومسرىً لأعاصير النأي ، ولم يبق من الشمس إلا أشعة أصيلها التي لن تلبث حتى تُؤْذِنَ بالأفول ، فإذا أفلت حياتي مع أشعة شمس الغروب ، وأدرج اسمي في سجل الراحلين ، فارقبي الأكف وهي تنزلني إلى جدثي ، وتحثو التراب ، ثم ارفعي أكفَّ الإخلاص ، واسألي اللهَ لي الرحمة والغفران ، فهذا غايةُ ما أرجوهُ ، وآملهُ منكِ !
ثم نهض واتجه إلى الباب ، وهو يقول : الشَّبَابُ جَنَّةُ العُمْرِ ، والصِّبَا فِرْدَوْسُهُ !

عبدالعزيز التويجري
05-26-2021, 01:05 PM
لو ألقينا هذا السخف الذي أضفينا عليه -جورًا وزورًا- لفظة (شعر) ، على مسامع الشياطين في بيوت الخلاء لهلكوا عن بكرة أبيهم !

بربكم ارتقوا بمعانيكم ، وألفاظكم ، فقد أُتخمنا من السخف والركاكة والحداثة المقيتة ، التي تعجُّ بها المنتديات !

عبدالعزيز التويجري
06-14-2021, 06:00 PM
رأى حرف الصاد والراء والسين والباء ، فخال في يمينه صارمًا لا يفل ، وفي شماله رمحًا يخترق ، وفي جعبته سهمًا يشكُّ ، و بين يديه بركانًا يحرقُ ويحيل ما يمر به يبابًا ، فنفخ الشيطان في منخريه ، فقال : من يعدلني ، أو يستطيع الوقوف أمامي وأنا الزلازل المدمرة ، والبراكين المحرقة ، والبحار الزخارة !
ترى عينيه تنتقلان بسرعة البرق إلى كل حركة ، وسمعه مصيخٌ لكل حرفٍ ، فلا يعزبُ عن فهمه -بنظره- مغزى كل حركة وكلمة ، فاحذر كي لا يسمع غطيطكَ وأنت نائم ، فيعلم ما تراه في منامك ، فإنه يعلم مغزاكَ من الحديث ، والصمت ، والوجوم ، والسرور ، ويعلم ما تفكر به ، وما أشجاك ، وما أسعدك !
طفلي : الكلبُ النبَّاحُ ، يشعر بالغريزة والفطرة أنه ليس ندًّا لليث ، فلا ينبح بل يفر إلى جحره –مؤثرًا السلامة والنجاة- ، وأنتَ مصابٌ بداء العظمة – فلا فطرة ولا غريزة- فتأتي للهائج الخضم بغصنٍ جافٍّ ، وللبركان بنعلٍ من جلدٍ ، ولليث بعصا حلوى ، وتخال بكَ القدرة على تسكين الخضم ، وإخماد البركان ، وهزيمة الليث !
طفلي : أنتَ كصردٍ هاجم نسرًا ، وبعوضةٍ ولجتْ غيلَ هزبرٍ ، وذي شدقٍ معوَّجٍ يقاولُ بليغًا ، فاعرف قدرك ، ولا تتعرض لما لا طاقة لكَ به ، وامضِ إلى حوانيت الحلوى فابتع منها ما تتوقُ إليه نفسكَ !
• القطار يسير في سكته غير آبه لحجر ، أو حيوان يعترض سبيله ، فكن على حذر ، واجتنب مواطن الهلكة !


1442 هـــ /4/11 ــــــ 5:39 م .

عبدالعزيز التويجري
06-28-2021, 03:02 AM
بعثَ إلي أخي وصديقي الشاعر العذب ، حمد الجعيدي -شاعر السهل الممتنع- هذه المذهلة :

قِفا بالرجومِ الغوالي القفارِ
لنغسلها بالدُموعِ الغزارِ

ديارٌ منَ الريِّ أروت وكم في
سؤالي لها ولكم من جدارِ

فَكم قَد ركبتُ خيولَ التصابي
بِها ولجمتُ خيولَ الوقارِ

وَكَم قَد سلوتُ بغيدٍ حسانٍ
بِها في شيلاتهنّ القصارِ

وَأَجريتُ ليثَ الغوايةِ طلقا
مشى والمناهي صغير البكارِ

وَلَم أنسَ عمراً مضى من حبيب
بِأطيب غيمٍ وأحلى نهارِ

مكانٌ بهِ لم نطاوع حسوداً
وَلا مِن قريبٍ حقودٍ ندارِ

وَإِذ جاءَ بدر المحيّا نجدي
ماء اللمى والرضابة جارِ

فَكَم بتُّ أرشفُ مِن وَجنَتيها
بلحسي شذا الوردِ والجلّنارِ

وَإِذ أَنا عَضَّضَتها خال في الخد
دِ مِنها إحمرارٌ بدا في إصفرارِ

نَأَت عَن مزاري وشطّت مسارا
وَلَم أرضَ منها بتُرب المزارِ

وَكَيف أرجو لعشقي سلوّاً
وَقَد ذابَ مِن حبّها في مرارِ

كأنَّ الحلاوةَ من ريق فيها
زلالٌ مشابٌ بتمرٍ مشارِ

منَ البيضِ لميا المورَّد ريّا الس
سواعد والفخذُ ملءُ الإزارِ

تُريكَ منَ النحرِ والوجهِ منها
ضحىً ناصعاً فوق شمس النهارِ

تَبَدَّت كتولٍ من الجانِ طيباً
وَلاحت مليكاً لنا من مدارِ

يبينُ السوار بِها حيثُ أمست
سوارُ مفاتنها وللسوارِ

يحسُّ الخمارُ بما جنبهُ من
صفاءٍ منَ الوجهِ تحت الخمارِ

فَليسَ المهلهلُ أكثر منّي
أذى في كآبته من جوارِ

أَلا يا مشيدَ القوافي قصيداً
يزيدُ بها القدر بعد إفتخارِ

فَلا تمنحِ الشعرَ إلّا مُكَنّى
سليل محمّد فخر الكبارِ

جوادٌ لوى مبخرَ العودِ طفلاً
وَلم يَبدُ في الكفِّ رند الصغارِ

وقيّد بالمنقبات جواراً
منَ الحمدِ والحمد أحلى قرارِ

كريمٌ منَ المجد والقدرِ كاسٍ
وَمِن جبة الهمّ والنار عارِ

فَيُمناه بالسمنِ تَرقى إِلَينا
وَيُسراهُ ترقى لنا بالبهارِ


سليل محمد = صديقي ورفيق دربي الغالي
الشاعر عبدالعزيز بن محمد التويجري


فأجبته على الفاتنة السابقة بهذه (صَدُوْقُ الهوى) :

صَدُوْقُ الهوى جاء والدمع جاري
وقد ناء من ظعن شمسِ النَّهارِ

أتى يشتكي من ظعونٍ ممضٍّ
مضى بشذا الورد والجُلَّنَارِ

فيا حمد الصدق قد ذاق قومٌ
أُوَارَ الشَّجى من ذوات الخمارِ

فما أضرم النار في قلب مضنى
سوى الرَّصْدِ أو هجر ذات السوارِ

أعدتَ الشجيَّ لعهدٍ تولى
وعمرٍ مضى في مغاني الصغارِ

وقفتُ على طلل الصحب شوقًا
أفيضُ الشجى والدموع الغزارِ

وعدتُ إلى عهدِ طهرٍ تولَّى
وبدرٍ وصحبٍ وعضِّ الإزَارِ*

لقاءٌ ورُؤْيَةُ لحن الخلودِ
وأمنُ عوادي الشجى والعثارِ

أنامُ وأصحو بأنسٍ وأمضي
إلى الملتقى في عراص الدِّيارِ

فنلهوا بأعراصها دون ضِغْنٍ
ونمكثُ حتَّى انْصرَامِ النَّهَارِ

وجاء اليفاعُ ورحنا سراعًا
نأينا وخيَّمَ ليلُ السَّرَارِ

مضى الصحبُ من دونِ أخذي وشَطَّتْ
شَمْوسٌ أَضَاءَتْ دَيَاجٍ قِصَارِ

وأبقيتُ قلبي أسيرَ صباهُ
وذكرى الصِّبَا أَرَجِي واجتماري

أيا شاعرَ السَّهلِ ثارتْ شجونٌ
وعمري مضى في صَبًا وادِّكارِ

وليس لنا غير صبرٍورحمــــ
ــــةُ ربي إذا آن شطُّ المزارِ

* كنا عند العدو نضع أطراف أسفل ثيابنا على أفواهنا ونطبق عليها بأسناننا .

عبدالعزيز التويجري
10-08-2021, 05:37 PM
أحبها وشنأته واجتوته ، أدناها وأقصته ، وصلها وهجرته ، ورغم كل هذا كان كل أصيلٍ يذهب إلى منزلها الذي أقفر منها فيناجي رسمه الدارس ويبثه ما يكابده من ومقٍ وحنينٍ إليها !
لم يُخلفْ عادته هذه ، وفي صباحٍ باكرٍ من أحد أيام الشتاء عاج عليه وأطال مناجاته ، وعندما آن موعد انصرافه ، قال : عندما أراكِ سأحملكِ بين ذراعي كما يحمل الأب الشفيق ابنته ، وسأقبلكِ كما يقبِّل الحبيب الواله حبيبته ، وسأعانقكِ عناق المتيَّم التقى من تيَّمته بعد طول نأيٍ حتى ينبض قلبكِ يمين صدري وينبض قلبي يمين صدركِ !
ثم مضى مُوْدِعًا قلبه في تلك المرابع العزيزة عليه !

عبدالعزيز التويجري
01-25-2022, 07:31 AM
يا بنت ياللي عمرها صدر وردوف
بيضٍ محاجرها وحلوٍ نباها

للشاعر العظيم بندر بن سرور -رحمه الله- (لي وقفة مع هالبيت بإذن الله) .

عبدالعزيز التويجري
01-27-2022, 08:39 AM
لو بُعثَ امرؤ القيس ، أو النابغة الذبياني ، أو طرفة ، في هذا الزمن ، وقرؤوا سخفنا -الذي نخاله بلغ الغاية- أو سمعوه ، لرفعوا رؤوسهم ، وقالوا : أضللنا سبيلنا إلى أرض العرب ؟!

عبدالعزيز التويجري
03-11-2022, 12:54 AM
http://g-lk.com/up/do.php?img=12101 (http://g-lk.com/up/)


أثناء تجولي في إحدى المزارع النائية ، رأيتُ هذه الأثلة المتكئة على الجدار الطيني ، فعجتُ عليها ، وأطلتُ التأمل فيها ، فكان هذا الخاطر :
أيتها الأثلة : ما الذي حناكِ بعد شموخ ؟ وأجدبكِ بعد خصب ؟ وأذلك بعد عز ؟ وأقواكِ بعد جمع ؟ وقللك بعد كثرة ؟ وأضعفكِ بعد قوة ؟ و ... ؟!
أأشجاكِ ، وأدنفكِ رحيلُ الأهل والرواد ؟!
أم نسيانهم لعهدكِ الزاهر ، أم إهمالهم لكِ ، وكأنهم لم يتفيأوا تحتكِ من هجير الشمس ، ويتذروا من الغيث المنهمر ، ولم يعبث الأطفال حولكِ ، ويتسلقوا أفانينكِ الريَّانة ، ويصطادوا الطيور التي تأوي إليكِ ، فاتكئي على حائطٍ تهدَّمَ بعضه –طالما كنتِ له ظلًّا ظليلًا ، وسترًا من الغيث المنهمر- ليحملَ بعضَ ما أثقلكِ ، وأشجاكِ !
أيتها الأثلة التي جفت أفانينها الريانة ، وتساقط هدبها على الأرض : وايم الله ، لهدبكِ الساقط أثمن من الكثير من أولئك الذين عرفتهم ، وتخلفوا في محطات من مراحل حياتي .
ولعبيركِ الذي يعبقُ ويضمحلُّ آثر عندي وأوفى من تشدق أولئك بالصداقة والأخوة والوفاء !
ولمشاهدة الطيور التي تأوي إليكِ بعد يومٍ مضنٍ من البحث عن الرزق ، آثرُ عندي من وقتٍ أُمضيه مع أولئك الذي عرفتهم ، ولشدوها عند الأصيل ، أعذبُ في السمع ، وألذُّ في القلب من نَجيِّهم ، وأحاديثهم ، وتشدقهم –كذبًا- بالصداقة والأخوة الزائفتين !
مضوا عند أَوَّلِ هَبَّةِ رَخَاءٍ –بمروءتهم- التي فرضتْ عليهم المُضيَّ ، والإشاحة دون بادرة سوءٍ بدرتْ مني ، مُيّمِّمين وُجُوْهَهُمْ شَطْرَ تلك النسمة !
مضوا –بمروءتهم- مبقين غُبَارَ أَحْذيَتِهِمْ ، سَهَكَ عَدْوِهِمْ ، لُهَاثَ طَمَعِهِمْ فِيْمَا أَمَامَهُمْ ، وقد طَوَيْتُ صَفْحَتَهُمْ ، ومَزَّقْتُهَا من كتاب حياتي ، وأَحْرَقْتُهَا وذَرَرْتُهَا مع رَمَادِ النِّسْيَانِ !
أيتها الأثلة : أتيتكِ مثقلًا ، لأبثكِ تباريح القلب ، ودنف الجسد –وكلانا وحيدٌ- فأصيخي إلى الشكوى ، فإنما يسعدُ الحزينَ الحزينُ !
أيتها الأثلة : نشأتُ طفلًا سعيدًا ، مفعمًا بالأنس والسرور في منزلٍ ملؤه السعادة والمحبة ، وفي مرابعِ الصبا مع أترابي وأندادي ، ...

عبدالعزيز التويجري
05-11-2022, 09:16 PM
ماذا يرجى من قومٍ قالوا : (يد الله مغلولة) .
(لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) .
(اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) .
(اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة) .

عبدالعزيز التويجري
05-11-2022, 09:16 PM
أحفاد القردة والخنازير : لكم يومان لن تُخْلَفُوهما ، ومكانان لن تبرحوهما :
يوم نهايتكم على يد أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- .
يوم القيامة حين يقتص منكم العدل الحكم .
مكان تناثركم –هلكى- خلف شجر الغرقد .
قعر جهنم يوم القيامة –بإذن الله- .

عبدالعزيز التويجري
07-10-2022, 07:03 AM
خلي نهار العيد دنَّى ضحاياه
يا ليتني هاك الضحى له ضحيَّه

يا رب ترزقني من البيض حلياه
وتريح عقب الحزن روحٍ شقيَّه

عبدالعزيز التويجري
07-18-2022, 10:01 PM
في أحد المنتديات ، سؤال تعريف بالشخصية (س / مطربكَ المفضل) ؟

ج / نزَّهتُ سمعي عن نهيق الحمير !

فحذف !

ههههههههههههههههه

عبدالعزيز التويجري
07-18-2022, 10:02 PM
الغناء : ذكر المنافقين ، وزاد الضالين ، وسمير السفهاء !

اللهم اعصمنا برحمتك ، وأحسن لنا الختام !

عبدالعزيز التويجري
07-18-2022, 10:04 PM
لم أستسغ الأغاني بتاتًا ، وقد أصاب من سمى المغني (فنانًا -حمارًا-) !

(الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به ، وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا) .

عبدالعزيز التويجري
07-30-2022, 05:38 PM
‏يقول عدنان الصائغ
‏دخلَ
‏الشعراءُ الـ"......."
‏إلى القاعةِ
‏واكتظَّ الحفلُ
‏لكنَّ الشعرَ،
‏... غريباً
‏ظلَّ أمامَ البابْ
‏بملابسهِ الرثَّةِ
‏يمنعهُ البوابْ

‏أذهب وأعود إلى أبعاد وأنا أول المهاجرين والشعراء في تويتر غرباء
حتى بن لعبون تحول إلى كاتب !؟


أهلًا بالعزيز حمد !

لا تأسَ على ما يحدث لك ! فما كانت المنتديات في يومٍ من الأيام مقياسًا للإبداع والتفرد ! بل على العكس هي مقياسٌ للتزلف ، والتملق ، والمحاباة !

يبكون على انحدار الشعر والنثر وهم قد نحروهما من الوريد للوريد ، بتمجيدهم للضعف والركاكة لانتهائهما بتاء التأنيث (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا) !

عبدالعزيز التويجري
08-10-2022, 10:38 AM
عباد الشهوات ، وأهل العهر والعري ، يرمون الملتزم بأوامر الله ، المنزجر عند زواجره بالصحوي ، والمتزمِّت ، ليصرفوا الأنظار عن عهرهم وفجورهم (ألا ساء ما يزرون) .

عبدالعزيز التويجري
08-14-2022, 07:47 PM
لستُ -وايم الله- بشاعرٍ ! فما يواتيني لا أرضى عنه ، وما أطمحُ إليه لا يواتيني !

ولو أردتُ قول مثل الكثير مما ينشرُ في المنتديات -مما ليس فيه سوى الوزن والقافية- لكتبتُ في الشهر مائة مثله !

عبدالعزيز التويجري
10-12-2022, 06:43 PM
في مثل هذه الليلة قبل سبعة وعشرين عامًا ، أخطأتُ خطأً جسيمًا ، حينما قبلتُ ما نفثه الشيطانُ على لساني !

سحقًا له ! وسحقًا للسبيلِ الذي سلكتُه !

عبدالعزيز التويجري
02-04-2023, 04:05 PM
أأمضي لأجـداث الأحــبة أم إلى
مغاني الصبا أم نحو شمس الغروبِ

أيا أثلةً كانتْ ســرورًا وبهجةً
أغيثي فؤادي بالوصال أثيبي

ولُمِّي لِدَاتَ الطُّهْرِ بَعْدَ تَشَتُّتٍ
لنَلْبَسَ أَثْوَابَ الّلِقَـاءِ القَشِيْبِ

ونلهو كما كنا صباحًا وفي الدجى
ونــشــدو لأيـــام البـــراءةِ أوبـي

عبدالعزيز التويجري
02-09-2023, 02:48 PM
تكادُ تضيء النار بين جوانحي
إذا هي أذكتها الصبابةُ والفكرُ

هذا البيت من رائعة وفاتنة أبي فراس الحمداني ، وقد انتقده أحد الشعراء الشعبيين ، زاعمًا أنه لم يوفق في وصف شدة الحنين ! وفضَّل عليه بيت بخُّوت المريَّة التي -برأيه- أصابتِ الوصف :

كنِّ في قلبي سنا نار بدوٍ نازلين
طرَّفوها للهوا والهبوب تْلوفها

أهلًا بالعزيز ...
أولًا : أثنى النقاد على أبي فراس ، وأشادوا بموهبته الفذة ، وقصائده البديعة ، حتى قالوا : بُدئَ الشعرُ بملكٍ (امرؤ القيس) ، وخُـتمَ بملكٍ –أي من بيت مُلْكٍ- (أبو فراس الحمداني) ، (لا أزعمُ أن جميع قصائد ومقطوعات أبي فراس بلغت الغاية) !
ثانيًا : أشيدُ بروعة بيت الشاعرة بخوت المرية –رحمها الله- ، واتقاد ذهنها ، وسلاسة كلماتها ، وبراعة تصويرها ، وأراها –من وجهة نظري- ممن أبدعوا في الشعر النبطي ! ولكني أُفضِّلُ بيت أبي فراس ، وأراه أبلغ ، وأبرع – والفضل في المعنى للسابق لا اللاحق –إلا إن أتى بأبرع منه- !
ومن براعة أبي فراس أَنِ ابتدأ بيته بــ (تكاد) لأن النار مجازية لا حقيقية ! فكنى عن الحنين المرمض ، وشدة أواره بالنار –شدة حرها-، –والحنين لديمومته-، وجعل الصبابة والفكر ، شخصان ينفخان النار لتزيد اضطرامًا –ولعله هنا يقصد الهوى والهجر أو النوى- ، ولك تخيُّلُ هذه الصورة البديعة !
ولم يكتفِ بجعل الحنين بهذه البراعة ، بل جعله يفيضُ على الجسد حتى لم يُبْقِ منه سوى العظم والجلد ، وهذا ما دعاه إلى ذكر الجوانح -دون القلب (مصدر الحنين) -ووضوح النار لو كانت حقيقية !
يا أخي : إنه أبو فراس وكفى ! الشاعر الفذ ! العاشق الصادق الوفي ! الفارس المقدام !

عبدالعزيز التويجري
04-12-2023, 09:14 PM
تجاوز بعض أصحاب اللون الأحمر -الذي يعتدُّ به الضعفة الذين لا حيلة لهم إلا أزارير لوحة التحكم- ، فكانتْ هذه :


حدثني أبو فتاين قائلًا : كان هناكَ خنفساء صغيرة ، تعيش في تجويفٍ وسط شجرة !
وذات يومٍ هبتْ عاصفةٌ شديدةٌ ، حطمتْ بعض الأشجار ، فوقفتِ الخنفساء وسط التجويف ، ونظرتْ إلى الأشجار ، وقالتْ : زفرةٌ مني فعلتْ كل هذا ! فبمَ يفوقني النسرُ ؟! يجبُ أن أحُلَّ محله ، فتأتمرُ الطيور بأمري ، وتنزجر عند زجري !
طارتْ ميمِّمَةً نحو الصخرة ، وسط اجتماع الطيور ، والنسرُ أعلى الصخرة يتحدثُ إليهم بصوتٍ جهوريٍّ ، وساقها نحسها إلى أسفل قدمه ، فبدأتِ التَّشَدُّقَ والتهديد والوعيد –التي ضاعتْ أمام جهارة صوت النسر- ، وسحقها بأحد مخالبه أثناء تحركه ، ولم يشعر بها ، أو يعلم أحدٌ ، وذهبتْ ضحية جهلها لقدرها وقدر غيرها !

ومن يقل الغراب ابن القماري
يكذبه إذا نعب الغرابُ

يا هذا : تجاوزتَ الحدَّ ، وصعَّرْتَ الخدَّ ، وقد علمتَ أنتَ وجميع من معكَ ، أنكم لا تبلغون منزلتي ، ولا أحد منكم يدانيني فضلًا عن أن يضاهيني ، ولو جُمعتم وُدمجتم في مسلاخٍ !

وخِيْسُ الليث محذور الولاج
لا يدخل الغربان وكر الهيثمِ

لن أقولَ : متى أضع العمامة تعرفوني !
لكني أعرفُ من دون وضعها ، ولئن كان الورد يسبقه عبيره ! فأنا تسبقني صواعقي وسكراتي وغمراتي ! فاحذرْ صولة الهزبر ففي زئيره الحتفُ قبلَ الحتفِ !
لا أعلمُ لم هذه البادرة منهم ، مع أني لم أتخطَّ الخطوط مع أحدٍ ، ولم أُبَادِرْ بما يسوءُ !

إن الأفاعي وإن لانتْ ملامسها
عند التقلبِ في أنيابها العطبُ


يا هذا : إنكَ بحجم بعوضة ، وإن تعاظمتَ بمن معكَ فلن تعدوَ ذبابة ! وترومُ الثريَّا بعنقٍ لا يجاوزُ عنقَ نملةٍ !
يا هذا : فوَّقتم إلى الأدب سهام لُكْنَةٍ ، وسيوف حُكْلَةٍ ، وزفرات عجمةٍ ، وأحرقتم مدينته ، ثم وقفتم أمام جثمانه تبكون بقلوبٍ من صخرٍ ، وعيونٍ من زجاجٍ ، وتندبونه بألسنٍ بكماء !
والذي لا إله إلا هو ، ما رفَّتْ عيني من أجلكم ، ولم أحفلْ لأحدٍ –في ميدان القلم- مهما عظُمَ في نظركم –وإن خلتم- أن الأَنَفَةَ كبرٌ ، فأنا زعيم المتكبرين ، المرتدي رداءً يسعُ الثقلين !
حذرتُكَ ، وأنبأتُكَ ! لكنكَ سدرتَ ، وهذا عودُ ثقابٍ (ونفثة امتعاض) ، وإن تماديتَ مزقتْكَ سَوْرَةُ الغضب ، وأحرقتْكَ حممُ البركانِ !

• امرحْ قريبًا من سياج الحظيرة ، ولا تخطُ نحو غيل الهزبر !


وليد اللحظة !

عبدالعزيز التويجري
04-12-2023, 09:34 PM
من سمع بالسهل الممتنع ، ولم يَفقهْهُ ، قراءة هذا البيت كفيلة بإفهامه !


[ توطِئة ]

أنا لله ، كيف أقدر أجيب لهالزمن أفواه ؟
__ رسمت شْفاه في لوحة .. وعيّت لاتكلمني !


:34:

عبدالعزيز التويجري
06-09-2023, 06:08 PM
أتى إليَّ مربدَّ الوجه ، يزفر من غيظه ، وسلَّمَ وجلسَ بجانبي ، تركته بضع دقائقٍ ، ثم سألته ، ما الذي ألمَّ بكَ ، وأتى بكَ إلي على هذه الحال ؟!
فقال لي دون أن ينظر إلي : أنشدُكَ الله يا أبا بسامٍ أن تجيبَ طلبي هذا !
أجبته : سأبذلُ قصارى جهدي في تحقيقه بإذن الله !
فقال : سأفضي إليكَ بحديثٍ ، وأنشدكَ الله أن تعيد صياغته ، وتنشره كما أفضيتُ لكَ به !
قلتُ له : لكَ ذلكَ بإذن الله !
بدأ حديثه قائلًا : مات أبي ! وإني والذي لا إله إلا هو ، لا أترحَّمُ عليه ، ولا أدعو له ، وأمرُّ على المقبرة فلا أُسلِّمُ عليهم ، ولا أدعو لهم ، لأنه بينهم !
عجبتُ أشدَّ العجب من بداية حديثه ، ولم أستطعْ أن أنبسَ ببنتِ شفَةٍ !
أكمل حديثه قائلًا : لم أبكِ حين وفاته ! كنتُ أقهقهُ والسرورُ يكادُ ينبجسُ من قلبي ، والأنسُ فاض حتى لو كنتُ في وادٍ موحشٍ لما أبهتُ لما أنا فيه من الأنس الذي ملأ روحي !
قلتُ له : أو ولدٌ صالحٌ يدعو له .
فأجابني : أكتفي بأن أكون ولدًا صالحًا لأمي ! أما الذي نُسبَ اسمي إلى اسمه ، فلا أحفلُ !
ثم التفتَ إلي ، وقال : ما حالُكَ أنتَ بعد أبيكَ ؟!
فقلتُ له : قد مضى أبي –رحمه الله- إلى جوار به ، وانقطعَ عمله إلا مما خلَّفَهُ وراءه ، وحريٌّ بنا ألا ننسى والدينا وأحبابنا مما حُثثنا عليه وأُمرْنا به !
نشر الصمتُ علينا رداءه ، فلم ننبسْ ببنتِ شفة ، وفجأةً التفت إلي وقد اغرورقتْ عيناه بالدموع ، وقال لي : والواحد الأحد أني أحبُّ أبي لولا خطأ حياته الذي اقترفه بزواجه من تلك العائلة ، وسيدلكَ فهمكَ على سبب حنقي عليه لمعرفتكَ بما يحدثُ بين أبناء الأب !
قلتُ له : أتقصدُ أنَّ تلك المرأة من تلك العائلة ، تُحرِّضُ أباكَ وتحثُّه على التقصير معكم ؟
قال : نعم ، هذا ما رميتُ إليه وعنيته !
أجبته : أبناء الأب ، أو القذفات التي قُذفتْ على فتراتٍ متفاوتةٍ ، في أزمنةٍ مختلفةٍ ، لا يُقرُّون إلا بما اندلقَ من قِنِّيْنَةِ أبيهم في خابية أمهم ، وما سوى ذلك فعدوٌ خاتلٌ ، وإن برَّ ، ورأفَ ، وعطفَ ! فلا تغتر ببشاتهم ، ومبالغتهم في المودة فسرعان ما تتبدد سحب سمائهم ، وتظهر شمسهم الحارقة فكن على حذر منهم ولا تنخدع ببسمة وكلمة فالعبرة في المواقف وديمومة الإخاء ، لا بالكلمات والتشدق !
تبسَّمَ ، وقال : ما أَذْلَقَ لسانكَ !
فابتسمتُ بدوري ، وقلتُ له : أبناء يعقوب عليه السلام ، لم تصفُ قلوبهم ، وهم أبناء نبيٍّ ، فكيف بنا نحنُ أبناء العامة ؟!
أكمل حديثه قائلًا : حريٌّ ببعض أولئكَ –يقصد إخوة زوجة أبيه- أن يحلقوا لحاهم وشواربهم ، ويرتدوا العباءة –ربما لتحريضهم أبناء أختهم على إخوتهم من الأب- ، لأنهم أقرب ما يكونون إلى الإناث ، وأبعد ما يكونون عن الرجال !
وفجأة قهقه ، وقال : وأحد أبناء أولئك يحلق لحيته !
قهقهتُ بشدةٍ لدعابته التي تخلَّلَتِ الحديث الشجي ، فتساءل عن السبب ، فقلتُ له : تقصدُ أنه جمع الحشفَ إلى سوء الكيلة -حلق اللحية ، وعدم رأب الصدع بين الإخوة- وخليقٌ به أكثر من غيره أن يرتدي العباءة !
قهقه ، ثم قال : أنشدكَ اللهَ ! أن تنْشرَ الحديثَ كما أفضيتُ لكَ به !
فوعدته بذلك ، ومضى مصحوبًا بحفظ الله ورعايته !
وأنا أستعيدُ الموقف دارتْ بخلدي هذه الكلمات : أيها الآباء : إن اضطررتم للزواج من أخرى ، فاختاروا لنطفكم ، فإن العرق دساسٌ !
أيها الآباء : جبلتم على حبِّ الأبناء ، ولم يُجْبَلِ الأَبْنَاءُ على حُبِّكُم والحدب عليكم ، فإن لطفتم بهم ، وعاملتموهم بالرفق واللين ، والنصح والإرشاد من غير توبيخ وسخرية ، وتقتيرٍ عليهم مع القدرة ، أحبوكم ، وبروكم في كبركم ، ولم ينسوكم من الدعاء والصدقة والأعمال الصالحة بعد رحيلكم ، وإلا فأنتم من أَوْكَى ونَفَخَ !
وأنتِ يا زوجة الأب : قبل خلق السموات والأرض ، قسِّمتِ الأرزاق ، وقدِّرتِ الأقدار والآجال ، وإنَّ أحدًا لن يأخذ من رزق أحدٍ لقمة ، ولا من عمره ثانية ، ولا من سعادته لحظة ! فكوني عونًا لا فرعونًا ، وارأبي الصدع ، ولا تُوغري الصدور ! وحثِّي زوجكِ على العدل والمساواة ، وأبناءكِ على التوقير والمحبة ، ولا تكوني رسول شيطانٍ يزيد أوار النار ، وإيقاد جمر الحقد والبغضاء ، فما خُلِّدَ أحدٌ (كلُّ من عليها فانٍ) ، وما الدنيا إلى الآخرة إلا متاع الغرور ، وهشيمٌ تذروه الرياح !

عبدالعزيز التويجري
07-01-2023, 12:39 PM
انتقل إلى رحمة الله أعظم شعراء هذا العصر الشاعر الكبير (محمد الدحيمي أبو خالد) .

اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعفُ عنه ، ولقِّه الأمن والبشرى والكرامة والزلفى .

اللهم اجعل ما أصابه كفارة ورفعة ، وافتح له بابًا إلى الجنة يأتيه من رَوْحها وطيبها ما يجعله يقول : ربِّ أقم الساعة .

عبدالعزيز التويجري
04-18-2024, 05:15 PM
هأنذا أؤوب بخفي حنين بعدما أمضيتُ في الأدب أكثر من ربع قرن ، وفي مسامرة الكتب خمسة وثلاثين عامًا وقد أيقنتُ –يقينًا لا يُخامره شكٌّ- أنني أضعتُ عمري فيما لا نفع فيه ولا نجاة ، وأنَّ ما أكتبه لا يرتقي لمستوى النشر ! فمن يعيدُ لي ما مضى ويسعفني في الاجتهاد فيه ؟!
أيجدي الندمُ والإقلاع والعزم على عدم الإياب ؟!
أيجدي الغضبُ والمقتُ ؟!
أيجدي الإتلافُ والحرقُ والظعون ؟!
وا أسفي ! وا أسفي ! وا أسفي على عمرٍ أضعته خلف سرابٍ خادع لا يرتقي بي للدرجات ، وإنما يهوي بي في الدركات !
وا أسفي على استرواحي نفث الشيطان وعدوي خلف سرابه !
وا أسفي على عدم إصاخة السمع ، وتحكيم العقل فيما كان يطرقُ سمعي من أهل العقل والحكمة بأن هذا السبيل ليس فيه سوى عَضِّ الأصابع والتَّحَسُّر !
كم وددتُ -وكثيرًا- أن يعودَ بي الزمن للوراء لأقف أمام نفث الشيطان وألعنه وأشيحَ عنه ، وأتحصَّنَ ضدَّهُ بالأوراد في تلك الليلة ، وأصلي لله شكرًا أن عصمني منه وأعاذني !
بعد هذا العمر المضني آن للعقل المجهد الذي أكثر الدَّلَجَ أن يُخلدَ للراحة بعد هذه الرحلة المضنية !
بعد هذا العمر المضني آن للقلم أن يُقذفَ في بيداء البغض والتيه !
بعد هذا العمر المضني آن للمحبرة أن تُحطَّمَ ويراقَ مدادُها !
بعد هذا العمر المضني آن أوان المضي وعدم الالتفات ، ومضاء العزم !
لئن أعادني الحنينُ فيما مضى إلى بيداء الأدب وهجيره رؤية القلم والأوراق ، فقد صممتُ أذنيَّ ، وأشحتُ ناظري ، ومزقتُ شرايين الحنين وأوردة الهوى فوداعًا وداعًا ! بل لَحْوًا لَحْوًا ومقتًا مقتًا ! أيها الـملْحُوُّ الممقوتُ !
ربِّ : أتيتُ والخشية غمرتِ القلبَ ، وأرعدتِ الفرائصَ ، مُوْهَنًا من تصرُّمِ الأيَّام ، وتقهقر الشباب وتقدم المشيب ، مثقلًا من كثرة التطلع والرنو والترقب !
ربِّ ورب السموات والأرض ومن فيهن وعليهن : لئن لم يَطُلْ لبثي ، فأسألكَ برحماتكَ المائة ألا تحرمني أمنية العمر العظمى ، وأن تنيلني إياها قبل شخوص البصر وميلان الرأس !
يا من رحمة من رحماته فعلت العجب العجاب ، رققت القلوب ! حدبت الأنفس ! أسالتِ الدموع ! مدت الأكف ! أسألكَ برحماتكَ المائة التي لا يحيط بها وصف ، ولا يستوعبها عقل أن تشفيني شفاءً لا يغادرُ سقمًا ، وأن ترحمني وتغفر لي ما أسلفت ، وتبارك لي ، وتحقق أمنية عمري العظمى !
ربِّ : أتوسَّلُ بكَ إليكَ ، أتوسَّلُ إليكَ برحمتكَ التي وسعتْ كل شيءٍ ، أتوسلُ إليكَ بمن يتطاولُ إبليسُ لها لعلمه بسعتها ألا تردَّني خائبًا وتنيلني أكثر مما سألتُ وأمَّلْتُ !
ربِّ ربِّ ربِّ : ارحم الكفين الممدوتين والمقلتين الذارفتين والقلب النادم والكبد الحرى ولا تردني خائبًا فلم يقفْ ببابكَ سائلٌ وذِيْدَ عنه ! ولا أتاكَ طالبٌ وعادَ خائبًا ! ولا قصدكَ مكروبٌ وخُذلَ ! سبحانكَ ما أرحمكَ ! سبحانكَ ما أرحمكَ ! سبحانكَ ما أرحمكَ !

1445/10/9 هـ 3:45 م .

عبدالعزيز التويجري
05-04-2024, 11:14 AM
أيها المقيتُ لنعقدَ هذه الليلة عقدًا ينتهي مع آخر نقطة في السطر ، فإني أشعرُ بضيقٍ شديدٍ ولم أجدْ من أبثُّه ما يعتلجُ بقلبي سوى الورق ، وأنتَ السبيلُ إليها فهلم لساعةٍ فقط ثم اغربْ !
لما عاد مُهاجرة الحبشة إلى المدينة استنبأهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أعاجيب ما رأوه في الحبشة ، فقص عليه عبد الله بن جابر رضي الله عنهما حديث العجوز التي مرتْ بفتى وهي تحمل قلة على رأسها ، فوضع إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرَّتْ على ركبتيها وانكسرتْ قلتها ، فقالتْ له : ستعلم يا غُدَرُ إذا وضع الله الكرسي ، وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ، ستعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا !
حديث تقشعرُّ منه الأبدان ، وترتعد الفرائص وتجثو الركب ! فو ايم الله ، لو استشعرنا عظمة ذلك اليوم وأهواله وقد بلغت القلوب الحناجر من الرعب وشابت الولدان لأقلعنا وأنبنا ، ولكن ما زال الشيطان متربِّعًا على عرشه وعلى من زاغ من القلوب ، وما زال يجري من الإنسان مجرى الدم حاثًّا على الهيام بالعجوز المتصابية ، آمرًا بالعدو دون كللٍ أو سأمٍ خلف بريقها الأخاذ وهي العجوز الفوهاء الشوهاء المتسربلة بالحلي والحلل لتخفي قبائحها وأدناسها وما يُؤْنفُ منه !
وهذا الحديث يذكرني بتلك العجوز التي قالت : عندما خلع سابور ذو الأكتاف أكتاف سبعين ألفًا من تميم وبكر : إنَّ لهذا قصاصًا ولو بعد حين !
يا الله ! أهل جاهلية يعلمون هذا ويوقنون به ! ونحن من نشأ في كنف الإسلام وتحت جناح أهل مسلمين نقترف الظلم ونجترح التجاوز ، ولا نأبه ونحفل وكأن أبواب الفردوس لا تفتح إلا لنا ! ومرورنا على الصراط يخمد ألسنة جهنم (اللهم ارحمنا في ذلك اليوم العصيب واسترنا بسترك الذي لا يكشف وعاملنا بلطف ورحمتك وإحسانك ولا تعاملنا بعدلك يا ذا المئة رحمة) .
لا عجبَ في لهاثنا خلف هذا البريق الأخاذ ! فما نحنُ فيه دنيا الخلود والنعيم الأبدي الذي لا يعقبه ظعون ولا زوال !
دنيا (من العلو والعظمة) فما لأبصارنا لا تؤخذ ! وقلوبنا لا تصبو ! وأقدامنا لا تكل ، وألسننا لا تلهث !
دنيا (لا هرم فيها ولا سقم ولا موت ولا يتخللها شجى ولا كدر) !
دنيا (ملئتْ أنسًا وسرورًا وبهجةً ووصلًا ونقاءً وطهرًا) !
أيها المتعجِّبُ من حديثي : أجلْ ناظركَ فيما بين المشرقين لترى ما يخلب ويسحر ؟! أجسادٌ ملئتْ دنسًا ودرنًا ! قلوبٌ اكتنف من اكتنف منها الظلم والكبر والحسد ! ألسنٌ تلوكُ ما تلوكُ وتنفثُ ما تنفثُ ! أفواهٌ تتمطَّقُ لما تتمطَّقُ ! أيدٍ تمتدُّ لما تمتدُّ !
* هل بعد هذا حريٌّ بنا ألا نراها محط الأنظار ومطمح الآمال وغاية المنى ؟!

الخميس 23/10/1445 هـ 12:55 ليلًا .

عبدالعزيز التويجري
05-21-2024, 07:02 PM
نما إلى سمعها أنه عازمٌ على ترك القرية فأشجاها ما طرق سمعها فاتجهتْ إلى مكان خلوته عند الدوحة المقابلة للنبع وكأنها تستعذب الماء وتختلس النظر بين الفينة والفينة إليه وتقول : يا ترى أهذا آخر لقاء ؟ أهذه آخر نظرة إليه ؟ ويح هذا الحب ألا يعطف ويرأف ؟!
ثم صمتتْ قليلًا ورنتْ بطرفها إلى السماء وقالتْ : يا شجرة الدَّوح يا ملتقى الحب الأول أَحُمَّ الفراق الأبدي ؟ أجفَّتِ الأقلامُ بعدم اللقاء ؟
حبيب قلبي أنَّى وجهتُ لا أرى إلا طيرًا بارحاً يُنذر بنأيٍ وهجرٍ ووداعٍ وآهاتِ وأنينٍ وسفح دموعٍ وحرق قلبٍ وإرماض جسدٍ فرحماكَ بقلبٍ دائم الخفقان لا تسكن بلابله .
اعذرني على هذا الحديث وهذا اليأس فقلبي أمسى دائم الخفقان خشية نأيٍ لا لقاء بعده .
ثم حملتْ جرتها ومضتْ فأتبعها نظره وهو يقول : هل تكونين وائدة شجني وباعثة سعادتي وزارعة بسمتي وضياء حياتي وقمر دنياي وربيع صحرائي وبلبل أيكتي وزهرة بستاني التي وعدتُ بها ؟!
ما زلتُ أنتظر ما يُخبئه لي القدر من سعادة لأنكِ في كل مرةٍ تأتين بها إلي في الحلم يخبرني أهل التأويل أنكِ أنتِ من وعدتُ بها فهل يا ترى تجمعنا الأقدار أم تحول بيننا كما فعلتْ في المرات السابقة فيُطوى الأمل وتَظعن السعادة وتَغيض البسمة ويُنشر الهم ويُقيم الشجن وتَربو الكآبة ؟!
ثم صمتَ قليلًا ونظر إلى النبع ثم نهض ومشى بضع خطوات ثم عاد إلى مكانه الأول وقال : سلامٌ عليكَ يا موطن الأنس والسرور ، سلامٌ عليكَ يا موطن رؤية الحبيبة بلا لقاء ، سأعاود زيارتكَ وأحتفظ بذكرى أيامكَ ولياليكَ مدى العمر .
سأظعن من موطنٍ شغفتُ به لأجل من ترتاده لاستعذاب الماء بسبب ما تناهى إلى سمعي قبل عدة أشهر بأن الأقدار حالتْ دون اللقاء .
ثم حزم أمتعته في تلك الليلة وظعن من القرية مخلِّفًا قلبه فيها عند من يحب .
في الصباح الباكر نهضت الفتاة لتستعذب الماء وعند وصولها النبع لم تره كعادته ومضتْ عدة أيام وهي لم تره فأيقنتْ أنه ظعن من القرية فأشجاها ما حدث وأسقمها فلازمت الفراش لم تبرحه واجتمع عندها أمها وأختاها يمرِّضانها حتى أبلَّتْ قليلًا فنهضتْ واتجهتْ إلى النبع وطافتْ حوله قليلًا ثم اتجهتْ إلى الدوحة واتكأتْ على جذعها ورنتْ بطرفها إلى السماء وقالت : حنانيك أيها الظاعن التارك خلفه قلب فتاة تعيث به الأحزان وتستوطنه أُتن الحنين المضطرمة .
أتهجر قريتك ، وملاعب طفولتك ، وتظعن خلف سحب أمانيك ، وتترك قلبًا هام بكَ نهباً للحنين والأشجان ؟!
لم يطلْ بها المكث في القرية إذْ ظعنتْ مع أهلها إلى إحدى القرى القريبة منهم واستقرتْ فيها وتوطَّدتْ أواصر الصداقة مع بنات القرية اللواتي أُعجبن بها وبأخلاقها فخطبتها إحداهن لأخيها وتم الزفاف وسط سعادة العائلتين .
مضت الأعوام ورزقتْ بطفلة كالقمر ليلة تمِّه في ليلةٍ داجيةٍ لا غيوم فيها ، ومع هذا لم تنس ملاعب طفولتها وشجرة الدَّوح والنبع الذي كانت ترتاده لرؤية من شغف قلبها وودتْ من كل قلبها أن تتاح لها فرصة زيارة تلك المرابع وملء رئتيها من نسيمها العذب .
بعد عامٍ طلبتْ من زوجها أن تزور قريتها وملاعب صباها فأذن لها وصحبها إلى القرية فجالتْ بين أزقة البيوت مستعيدة ذكرى أجمل أيام العمر ولياليه وعندما انتهيا من التجول اتجها إلى النبع وهناك رأيا عند الدوحة شابًّا يبكي فترك زوجته عند النبع وأقبل إليه وقال له : أي داهية ألمتْ بك ؟ وأي خطبٍ حلَّ بساحتك فأشجى قلبك وأسال دموعك ؟
رفع طرفه إليه ونظر إليه مليًّا ثم نظر إلى النبع وقال : توقَّفتْ نسماتٌ عذبةٌ كانتْ تهب من ناحية النبع وثارتْ زوبعةٌ أخذتْ معها يمامةً رؤيتها تَبعثُ في قلبي أنسًا وسرورًا بُدِّلا وحشةً وشجنًا !
ثم صمتَ قليلًا وبقلبه تموج أمواج الحنين وتصطخب ونظر إلى النبع نظر من لا يأبه لمن حوله أو من لا يشعر بوجود أحد ثم قال : أتذكرين يا حبيبة القلب شتلة الحب التي زرعناها ورعيناها إلى أن بسقتْ ؟
لقد صخدتها شمس النأي ، وعرَّتْ أفانينها عواصف الهجر ، فهل نسيتِ العهد أم أخلفته لتطاول المدد ؟!
لم يفهم الزوج مرامه فعاد إلى زوجته وقال لها : إنه لا عقل له ! فهو يتحدث عن الصبا ، ويمامة ، وهبات نسيم ، وحبيبة صبا ، فهلمي بنا لنعد إلى القرية فقد تأخر الوقت .
مضتْ أيامٌ على زيارتها للقرية وتلتها أعوام وشبتْ ابنتها وأضحتْ مطمح أنظار شبان القرية ومهوى أفئدتهم فتقدم لها شابٌّ رضي به والداها وتم الزفاف وبعد انتهاء الزفاف وما يليه من أفراح ومآدب أخذ عروسته ومضى بها إلى منزله وفي أول زيارة له لأهل عروسته أحدت الأم النظر إليه فتعجب وسألها عن سبب هذا فقالتْ له : لقد أعادتني رؤيتكَ لعهد الشباب المنصرم ، عهد المنى والأحلام ، عهد الهوى والليالي العذاب ، عهد اللقاء عند الدوحة الفينانة بجانب النبع العذب .
ثم صمتتْ قليلًا وقالتْ : ما اسم أبيك ؟
فأجابها : الوامق .
فقالتْ : أسكن قرية الشغف ؟
فأجابها قائلًا : نعم سكنها قبل أن يظعن إلى قريتنا ويقترن بأمي .
فقالتْ : أقرئ والدكَ السلام وقل له : لقد نسيتَ زهرة عند النبع في قرية الشغف لم تتفتَّح أوراقها ولم يعبق أريجها بعد رحيل البلبل الصداح من شجرة الدوح .
علت الابن علامات الدهشة وعندما عاد إلى أبيه أخبره بما حدث فترقرقت الدموع بعينيه وقال : منذ ثلاثين عامًا لم أُخلف عادتي في زيارة النبع ، وإني منذ ذلك العهد لا أضع جنبي على فراشي إلا وطيفها نديمي أسامره وأناجيه وأبثه ما أكابده من حنينٍ مرمض .
ابتسم الابن وقال : ضنَّت الدنيا بلقائكما وجادتْ بالوصل لفلذتيكما .
ابتسم الأب وبقلبه تضطرم أُتُنُ الحنين !

عبدالعزيز التويجري
05-28-2024, 06:17 PM
نصٌّ للأديب الكبير والناقد المتفرد عدي بلال (المهندس) :

( وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر )


تجلس في السجنِ صامتاً، والكلمات تثرثر في عقلك، تنشدك الكتابة ..
تترك الحرية لعنان فكرك، تتجاوز الباب، والسجان، والأسوار .. لا شيء يوقفك..

تفكر في قضاء يوم أجازةٍ مع والدتك، تشتاق نفسك إلى رائحة الخبزِ من يديها ..
تسمع صوت والدك يدعوك إلى الصلاةِ، ووجه أمك يشرق كشمس النهار أمام الطابون، تبتسم وهي تراقبك تسرق أول رغيفٍ .. " اصبر يا ولد " ..

تسمع هذا الراقد بجانبك يتمتم في حلمه، يهذي بأسماء تعرفها، حدثك عنها مراتٍ ومرات، تكاد تعرف أشكالهم، تسمع ضحكاتهم، قصصهم التي ما فتِئ يُحدثكَ عنها كل يوم.

تحاول أن تستعيد حريتك من حلمه، تصم أذنيك هذه المرة بأصبعيك، تحلق روحك إلى المدينة المجاورة، تقف أمام بيت من أحببتها، منذ كنتما صغاراً، تلعبان لعبة الغميضة، وتدعي كل مرة بأنك لم تجدها، وهي تسكن بداخلك.

تجلس معها في المقهى المجاور، تحتسيان القهوة، بعد يوم طويل من المحاضرات في الجامعة، ونفسك ترنو إلى لمس يديها، لكنك لا تجرؤ ، فأنت من أقسم بطهرها ذات شوق.

تسمع صياح السجان خلف البابِ، وسمعك قد ملَ من تكرار كلماتهِ الجوفاء كل مساء ..
" ناموا ولا تستيقظوا "، تتجاهل كلماته، وتمضي في حلمك الذي اخترته، لا شيء سيوقفك ..

تبتسم حين يرتسم على الجدار وجه اختك، مشاكساتها معك، تذمرها من كي ملابسك، شكواها لأمك، عبراتك تسكبها على الورقة البيضاء تحت قلمك، تتوضأ بها، ألا إن فرج الله لقريب.


قراءتي المتواضعة لنصه البديع :

حين ينثر سحر يراعه كاتب أديب أريب ناقد بارع مثل عدي بلال (المهندس) فأنتَ بحاجة إلى مئات العقول مع عقلكَ وطاقة استيعابية ضخمة تستوعب هذا الإبداع !
حين قرأتُ العنوان شردتُ قليلًا أتأملُ وأتساءلُ لماذا جعل عجز بيت أبي فراس عنوانًا للنص ! وسرعان ما تبادر إلى ذهني براعته فبما أنه يتحدث عن إخوتنا في سجون الاحتلال –فكَّ الله أسرهم ونصرهم على من ظلمهم- فهذا العجز يناسبه تمامًا لأن أبا فراس قال أروع رومياته (أراك عصي الدمع) في سجن الروم حين تخلَّى عنه الأقربون ! وإني لأتساءلُ مُتعجِّبًا هل يقصد عدي بالليلة الظلماء (الظلم الذي حاق والسجن الذي ضم) ؟! وبيُفتقدُ البدْرُ (الأهل والأحباب وقبلهما العدل والحرية) ؟!
ما أعجب هذا القاص البارع والناقد الأبرع عدي بلال ، فهو يعرف من أين تؤكل الكتف ، ويعلم بماذا يبدأ نصه ، وكيف يَشُدُّكَ من أول كلمة فيه !
يستهل نصه بــ (تجلس) وأراد به الديمومة والاستمرار (وهذا ليل الظلم يمتد ونادرًا ما ينجلي)
ثم يطابق مطابقة بليغة بليغة بليغة بين (صامتًا وتثرثر) ولها دلالة عميقة وصورة بلاغية مؤثرة ، ثم تفلتُ من فيكَ صيحة إعجاب ودهشة حين تقرأ هذه العبارة البديعة : (لا شيءَ يوقفكَ) ما أبرعها ! فقد بلغت الغاية ووفِّقَ غاية التوفيق في توظيفها هاهنا ، فلا الحيطان الشاهقة ، ولا القضبان الباردة ، ولا البنادق الرشاشة ، ولا الظلمة العابسون ، المتحفزون وأيديهم على الأزندة يستطيعون الحيلولة دونه ودون ما مضى خلفه !
يسرحُ مع أحلامه ! يمضي وراء رجاء ذلك اليوم ! فالجسدُ حبيسٌ لكنَّ العقلَ طليقٌ يمضي في ملكوت الأحباب ، وموئل الأتراب ، ومنزل الأهل حيث الأمن والأمان والطمأنينة والتمام الشمل !
وهنا يُغرقُ القاص البارع في صُوَرَ بَليْغَةِ لا تملكُ أمامها إلا ذرف الدموع مُرغمًا ، ورفْعَ الأكُفِّ من بداية شروده ومُضيِّه إلى إفاقته على صوت الظلم حتى يختمَ نصَّه العذب البليغ الذي تدثر غلالة الشجى بآية وعدنا بها الرحمن الرحيم (ألا إن نصر الله قريب) !
ليعذرني أخي على هذه القراءة العجلى فالنص مليء بالصور البلاغية ولكن غلالة الشجى التي اكتنفته حالت دون قراءته قراءة شاملة !

عبدالعزيز التويجري
06-19-2024, 09:43 PM
بسم الله أبدأ وبه أستعين وعليه أتوكل !

لم أشأ العودة إلى تلك البيداء المقفرة (الأدب) ، ولكنهم –كما قال ابن عباد- فأبتْ تغلبٌ علي اعتزالي- ، وقد بادرني أحدهم بما يسوء ، وأرسل يرعدُ معتدًّا باللون الأحمر وأزارير لوحة التحكم ، فكانتْ هذه :
قومٌ تجلببوا جلباب الأدب ، ادَّعوا حبه والحرص عليه ، وصونه من الدخلاء العابثين ببيانه ! المرنِّقين نميره ! المغتالين عنادله ! المشوهين رواءه ! وهم –وايم الله- لم يتجاوزوا النية والحديث فقط ! أما الحقيقة فهي اللهاث خلف الإناث وتبجيل نصوصهن –التي لو سمعها النابغة أو أحد رواد سوق عكاظ- لثنى عنان جواده ، وقال : أتقادم بي العهد فالتبستْ علي السبل ؟! أم أنني في دار أعاجم ؟! ويحي مالذي حل بي ؟!
يتشدقون بأفواه تتسع لما بين المشرقين بأن غايتهم من المنتدى الأدب والنهوض به ، وهم من قام على نحره ، وسعى في وأده ! وأقام اللكنة والركاكة على أنقاض عروبته ورصانته !
سبحان الله إلى أن يبعث النابغة وامرؤ القيس وطرفة وزهير وعنترة وبشر و... ! يجعلون ما وضعوه بأعلى الأقسام وحيًا لا يجبُ تجاوزه ولا الإخلال ببعض ما فيه وهو على هذا على البعض دون البعض الآخر ، مع أني لا أحفلُ بما أوردوه وما وضعوه وليفعلوا ما شاؤوا !
عفوًا ! عفوًا ! عفوًا ! عزب عني لبضع لحظاتٍ أن صروحهم الفردوس وأنها النعيم الدنيوي قبل النعيم الأخروي الدائم ، وأنه لا يجبُ علينا إلا الامتثال والانقياد ! وإلا خسرنا أحد النعيمين !
لا أحفلُ والله لو كان من بادر بما يسوء جديرٌ بأن أحتمل هفوته ، وأذخرها لذلك اليوم ، ولكنه اتخذ (ما أريكم إلا ما أرى) و (إن هو إلا وحيٌ يوحى) يرى بأنفه ، ويتحدث بحاجبه ، ويزن بمفرقه !
أي بني : وقِّرْ من عمره في الأدب يفوق سنيَّ عمركَ كلها !
وقِّرْ من يقضي من ساعات اليوم بين الكتب ما يعدل ما تقضيه في النوم والأكل والشرب والمسامرة !
وقِّرْ من لا تفقه ما يفقه ، ولا تعي ما يعي ! فمن الغضاضة والفجاجة والفظاظة التحدث بما يفوق استيعابكَ ! والزمجرة بألفاظٍ لا تعي معناها ! وأنتَ على علمٍ بأن الهزبر ما زال في عرينه ، مُبرزًا مخالبه ، مُكشِّرًا عن أنيابه ، ولا قدرة لكَ –ولا من معكَ- على مجابهته ! فلا تلوِّحْ بحيلة الضعفة العاجزين –أزارير لوحة التحكم- !
أي بني : لا يعني الصمتُ الضعفَ ! ولا التواضع الخنوع وجبن الجنان ! وقد قصدتم بحرًا زخَّارًا تقذفُ أمواجهُ الزَّبَدَا ! حمل الحيتان والقروش والسفن وابتلع ما ابتلع فهل سيحسبُ حسابًا لبضعة أقوامٍ خالوا بهم القدرة على قطع عبابه ، وتسكين أمواجه !
* صمتَ الهزبرُ فخالوا صمته ضعفًا وجبنًا فنبحت الجراء ، واستأسدت الثعالب !

عبدالعزيز التويجري
06-21-2024, 04:59 PM
نظر إلى السماء وهي تتلبَّدُ بالغيوم ، فاحتذى حذاءه ، وأوصد الباب خلفه ، وأخذ يجول في سككِ القرية التي هجرها بعض أهلها إلى المدينة حتى قادته قدماه دون وعيٍ منه إلى منزل شجرة الليمون في طرف القرية التي هجرها أهلها ومضوا عنها إلى المدينة !
أصاخ سمعه لصرير الباب وهو يفتحه ، ثم نظر إلى عرصة الدار المليئة بالغبار وبعض أغصان شجرة الليمون المبعثرة وأوراقها المتساقطة !
دلف إلى الداخل وبدأ التجول فيه متأمِّلًا متذكِّراً ما مضى ، عندما كان البيت آهلًا تخفق بين جوانحه السعادة ، ويَنْضَحُ من عِطْفَيْه الأنس والبهجة !
خطى بضع خطوات ووقف أمام العمود ونظر إلى العش في التجويف الخشبي أعلاه ، وتذكر كيف يصعدون إليه ويأخذون العصافير التي فيه ويذهبون بها إلى أمهاتهم ليذبحنها لهم ويطهينها !
تبسم ونقل ناظره إلى الميزاب في الحائط الذي يتناوبون القفز والمرور منه عندما يسيل منه ماء المطر !
أطال التأمل والتذكر ، ثم قال : ما الذي حداني على العوج على مغاني الصبا ومنزل شجرة الليمون مذْ ريعاني حتى كهولتي ؟!
ما الذي حداني إلى ترك مغنى الصبا وملتقى الأتراب في جهة الشمال والحضور إلى البقعة الخالية الصغيرة في الجنوب ؟!
ما الذي حداني على النوم في الفناء قرب الحائط الغربي ، وجعل رأسي إليه ؟!
ثلاثون عامًا مذْ ظعنتِ من القرية وأنا لم أنس ذلك المحيا الجميل ولا المنزل الذي ضمَّكِ عطفاه ؟!
ثلاثون عامًا وفؤاد الحنين يثعبُ دمًا لا يرقأ !
ثلاثون عامًا وأنياب النأي تقطر منها الدماء !
انسابتْ الدموع على وجنتيه وهو يتذكر ما كان في عطفي هذا المنزل والقرية من الأنس والسرور والتئام الشمل ، ونقاء القلوب ، وتكاتف الجيران ، وسارة التي كان يراها تمثال البهاء والحياء !
استدار ومضى إلى شجرة الليمون في آخر الفناء الشمالي الغربي ووقف أمامها ، وقال : أحببتكِ حبًّا تجاوز الجسد وسما إلى الروح ، حتى لو أن غيركِ بمسلاخكِ ما نظرتُ إليه فضلًا عن أن أحفل به !
يا الله ! كم أودُّ من كل قلبي أن أعود ذلك الطفل الذي ينسلُّ من مغنى ملتقى أترابه في الجهة الشمالية ، ويأتي إلى البقعة الخالية في جهة الجنوب لأنَّ منزلكِ هناكَ ! ولأنَّه يراكِ من النافذة تطلين فيُبهج ناظره بمحيَّاكِ العذب البديع ، وقلبه بالأماني التي ينسجها وينساق خلفها !
كم أودُّ أن أعود ذلك الطفل الذي يجلس تحت النخلة ليسرح مع أحلامه وأمانيه وأنتِ أعظمها وأعزها !
رفع رأسه إلى النافذة المطلة على شجرة الليمون ، وقال : لا شيء يعدلُ عند الكهل شروق الشمس وغروبها ، ورؤية الطيور العائدة إلى أكنانها ، ونسيم الصحراء والبحر في الليل ، وعبق الأثل وبيوت الطين والغيث المنهمر ، إلا رؤية محيَاكِ البهي ، ونجي حديثكِ البديع ، وصوتكِ العذب الذي ينساب في سمعه ويستقر فيه استقرار الطمأنينة في القلوب !
صمتَ قليلًا ورفع ناظره إلى الجدار المنثلم ، وقال : لم تُمْتَطَ صهوة جواد الوصل ! وها قد أكهلتُ فهل آن الأوان ؟! أم سيَنْبَتُّ رسَنُ الّلِجامِ ويمضي دون أن يُـمْتطى !
خرج يجرُّ قدميه جرًّا واتجه إلى الأثلة في آخر القرية واتخذ مجلسه أسفلها ، وبدأ يرقبُ السماء وهي تعبسُ ثم تكفهرُ ثم تزفرُ وتبتسمُ !
كانت هذه العادة لديه مُذْ أيفع لا يقطعها إلا حين يُقعده السَّقَمُ ، وحينها يجتمع عليه السقمان (سقم الجسد ، وسقم حرمانه من الأنس والسرور بجلوسه ومراقبته) !
كان يستروحُ عبير الأثل المخضلِّ من الغيث المنهمر ، ويقول : أي عبقٍ يعدلُ عبق الأثل المخضلة أغصانها وهدبها من الغيث المنهمر ؟!
أيعدله عبق لقاء الأحباب ووصلهم ؟!
هو والله منه وإليه ! فطالما اجتمعنا أسفلها واكتنَنَّا بها عن الغيث المنهمر ، وامتزج الغيث وما تساقط من الهدب بملابسنا ، وملأنا رئاتنا منه !
أم لحظات الوصال المختلسة من فم النأي ؟!
هي والله مكان اللقاء ، ومجلس الأنس ، ومأوى عنادل الهوى التي تشدو ألحان الحب وترانيم الوصل !
صمتَ قليلًا ، وأطرق برأسه وبقلبه يعتلج الذي أخرجه من العريش المسقف بجذوع الأثل وجريد النخل والجمر المضطرم في الموقد ، والقهوة والشاي ، والأثلة المنتصبة في عرصة الدار !
نظر عن يمينه فإذا الأرض منبسطة ممتدة لا يحدها سوى الكثبان الرملية ، ونظر عن يساره فإذا القرية تلوحُ له منازلها المتراصة صغيرة لبعد المسافة ، مد ناظره للأمام فرأى النساء يستعذبن الماء من النبع ، وعند الأثلة فتى وفتاة يتهامسان !
أطرق برأسه مرة أخرى فرأى زهرة صغيرة من الزهور الربيعية أقحمتْ نفسها بجانب جذع الأثلة ، وأطلَّتْ برأسها من بين هدبها المتساقط ! تبسَّم لهذا المنظر وأطال التأمل فيها ، ولم يفقْ من شروده إلا على يمامة تغرِّدُ ، فرفع رأسه إليها وقال : مضى الريعان ! وأوصدتْ دون الوصل ضِبَابُ الصَّرْمِ والنَّأْيِ والنُّزُوحِ ، ومكانكِ هذا وشدوكِ أولى به الغراب ونعيبه ! فقد مضى ما يؤبه له ويحفل ، ولم أعد أنشدُ إلا ما طال انتظاري له والله أعلم به ولن يخيب رجائي ويقيني !
لا أقول هذا من باب التشاؤم أو القنوط ! بل هو انصرام الريعان والشباب وقدوم الكهولة وتحفز الشيخوخة ! وأوان طيِّ الفراش والتأهب لذلك الموضع وذلك اليوم !
رفع رأسه ونظر إلى السماء متأملًا قطرات الغيث التي ينزلُ مع كل نقطة ملكٌ ليضعها في مكانها دون أن تمتزج بغيرها ، كان يتأمل بهذا الحديث الذي طرق سمعه وقدرة ملك الملوك الذي لا يعجزه شيءٌ ، فقال : لم آتِ إلى هذا المكان العزيز والأثلة المتأصلة في القلب للوصل واللقاء ، واختلاس ساعة أراها بها ، وإنما أتيتُ أبسطُ ضعفي وتضرعي ، وندمي على ما بدر !
أتيتُ للتودُّعِ من هذه المغاني ، وبسط يد الندم ، والرنو إلى السماء ، ورفع أكف الضراعة لعلَّ غافر الذنب قابل التوب يغفر لي ويقبل مني !
صمت قليلًا ، وأحد نظره إلى النبع ، وأراد المضي إليه ، ولكنه تردد ، ثم آثر البقاء تحت الأثلة والمشاهدة من بعيد ، وقال : لم يعد عزو ! بل أبو بسام ! ولم يعد الريعان بل الكهولة ! ولم تعد الفتوة بل الهدوء ! ولم يعد الرنُوُّ بل الإطراقُ ! ولم يعد اللهاث بل الإخلاد ! ولم تعد صلابة العريكة بل لينها !
سيقضي الكهلُ نحبَه ، وإنه لعلى يقينٍ بأن الحظَّ سيبتسم له ، وتشرق شمس السعادة ، ويبزغ بدر الأنس الذي طال انتظاره ، وأن الرحمن الرحيم حرمه الكثير من الأماني –التي زهد بها حين تقدم به العمر- ليحظى بأمنية عمره العظمى التي ينشدها منذ طفولته !
نعم ، سيمضي الكهل مبقيًا أطلال صباه ! مغاني طفولته ! فتنة قلبه ! بيوت الطين ! الأثل ! شدو الطيور ! غيث الشتاء وشروق شمسه وغَشْيُ ليله ! الأصيل ! التي أحبَّ الدنيا لأجلها !
سيمضي الكهلُ نادمًا على ما فرَّطَ فيه ، منيبًا إلى ربه ، سائلًا متضرِّعًا أن يغفر له ويتجاوز عنه ، وينظر إليه بعين الرحمة ويسكنه دار كرامته فضلًا منه وكرمًا !
سيمضي الكهل في ليلةٍ سرمدية كما أتى في ليلةٍ شديدة الغيهب ، مبتسمًا راضيًا حامدًا لله شاكرًا أن أتمَّ عليه نعمته وأسبغ عليه فضله !
سيقضي الكهل نحبه وستشدو الطيور سرورًا مازجةً بين الصبي ذي الشِّرَّة والكهل ذي الوقار !
ليمتد الجهام فغايته انبلاج الفجر ، ولتثر الزوابع فمداها السكون ، ولتربو القواصف فعقباها الهدوء ! ولتنعب الغربان فمآلها الصمت !
نهض من مجلسه واتجه صوب المقبرة في آخر القرية ، وجال بين رجامها الصامتة ، ورسومها الدارسة ، وهو يتذكر أحبابه الذين قضى معهم ردحًا من الزمن ، فمنهم من لبَّى النداء الأعظم ، وها هي بقايا رسوم ديارهم الدارسة ! ومنهم من شطتْ به الديار ومضى إلى حيث حطتْ به عصا التسيار ولقمة العيش ، فقال : متنا قبل أن تموتوا ، وسكنَّا أجداث الشجى ، قبل أن تسكنوا الرياض النضرة وتمتهدوا الزرابي والاستبرق –بإذن من وسعتْ رحمته السموات والأرض- ، وفاضتْ أرواحنا حنينًا قبل أن تفيضَ أرواحكم لرحمة الرحمن الجواد الأكرم !
مضى صوب الكثبان الرملية ، وهو يرى الليل مادًّا ذراعيه ، فقال : استقبلني الليل في أول قدومي إلى الدنيا ، وها هو يمد ذراعيه لاستقبالي في آخر المطاف !
لفه الليل بردائه ، وكان آخر العهد !

عبدالعزيز التويجري
07-04-2024, 08:53 PM
سألني أحد صحبي سؤالًا قبل عشرين عامًا : (متى يهجر الأديب الأدب والشاعر الشعر) ؟

وبعد مضيِّ هذه الأعوام عليه وجدتُّ الإجابة !

عبدالعزيز التويجري
07-10-2024, 01:00 PM
أردتُّ الاعتزال والمضي بسلام ، ولكنهم أبوا علي ذلك بحركاتهم الصبيانية ، وأخالُ أنَّ أعمارهم توقفتْ على المرحلة الابتدائية ولم تتجاوزها إلى ما بعدها من مراحل !

عبدالعزيز التويجري
07-16-2024, 08:32 PM
بعضهم يُبَغْبِغُ بكلمات جوفاء لا يعي معناها : (هناك من يغار من كتاباتنا ويحسدنا ، وينقدنا لأننا نفوقه ، ويحاربنا ليخلو له الميدان وتتجه إليه الأنظار) !
قهقهتُ أشدَّ قهقهةٍ ، وتاقتْ نفسي إلى إعداد كوبٍ من الشاي بعد قراءة هذه الطرفة اللطيفة !
أنشدكم الله ! أنشدكم من جعل أسلافنا أمة البلاغة والبيان بلا منازع : من يحسدنا على ما حبينا إياه من بلاغة وبيانٍ لم يُحْبَ مثلها أحدٌ مذْ بدء الخليقة إلى نفخة الصور !
أيحسدوننا ويغارون منا ويحاربوننا على ركاكة أقلامنا ؟! أم على عجمتنا ؟! أم على كثرة أخطائنا النحوية والإملائية التي نأتي فيهما بالداهية الدهياء ؟! أم ... ؟!
أيها القوم : اتقوا الأدب ! اتقوا البلاغة ! اتقوا اللغة ! ووقروا العلماء الذين وطَّؤوا سبيلها ، ومهَّدوا وعرها ، ولملموا نافرها ، ولا تحيدوا عما سنُّوهُ جهلًا واستكبارًا فما أقبح الاتزار بأحدهما فكيف إذا اجتمعا !
قد –وايم الله- جئتم بالطِّمِّ والرِّمِّ ، وبصيلمة دهياء –في الأدب- قهقهتْ منها العجماوات –إن كانتْ تقهقه- لسخفها وإغرابها (ههههههههههههههههههه ! قد سايرَتْ هذه العبارة ما تتفوهون به وتعدونه أدبًا تسير بذكره الركبان) !
ضربوا بأقوال العلماء وقواعدهم عرض الحائط فما دام من يُخْتَمُ بهذه الحروف (النون والتاء والألف المقصورة) فلا ضير من الإغضاء ! بل والتجاوز ! بل وسنُّ قواعدَ أخرى ولغة أخرى وقواميس ومعانٍ ! بل والتسبيح بما يُؤتَى به من بلاغة نادرةٍ لم يُحطْ بها –علمًا- علماء اللغة الأوائل وعلماء البلاغة ! وخفيتْ على أذهان فحول الشعراء الأوائل وبلغاء الخطباء ! وخُصَّ به الأواخر الذين فنَّدوا ما سبق وعرَّوهُ ، وأبانوا خلله وعُواره ! ولا عجب في هذا فصروحهم -قائمةٌ قائمةٌ قائمةٌ- على التزلف المقيت ، والتملق الممجوج ، والمداهنة لما أريد منها !
أعيدها للمرة الألف : من حقِّ الجميع أن يكتبَ ، وأن يفيضَ ما يعتلجُ بقلبه ، ولا يحقُّ لأحدٍ مهما بلغ من علمٍ وثقافةٍ أن ينهاه أو يسخر منه ما لم يتجاوزْ منزلته ، ويعدو بقلمه وموهبته قدرهما ! ويتعالى على ما سُنَّ وأُقِرَّ !
* هما فريقان فريقٌ ينظرُ إلينا بعين الرثاء والشفقة على ضعف ما حبينا وما اخترنا ! وفريقٌ يحمدُ الله أنَّه وقاه من هذه المصيبة ولم يُبْتَلَ بخوض غمارها على غير هدى بشدق أعوج وكف عضباء !

* أيها المتشدق المتفيهق : لم يُصَبِ الأدبُ بمصيبةٍ أعظمَ منَّا ، حتى في عصر الانحطاط لم ينحدروا للفظاعة التي انحدرنا إليها ، وإني أقسم بمن أقسم بالقلم أننا أضعف وأتفه من أن ينظر أحدٌ إلى ما نكتبه إلا من باب التزلف أو المحاباة ، وما سوى ذلك فمضيعة ومخرقة وهزء !

عبدالعزيز التويجري
08-20-2024, 05:34 PM
قصة سارة
للكاتب عبد العزيز التويجري

بسم الله أبدأ ..


نظر إلى السماء وهي تتلبَّدُ بالغيوم ، فاحتذى حذاءه ، وأوصد الباب خلفه ، وأخذ يجول في سككِ القرية التي هجرها بعض أهلها إلى المدينة حتى قادته قدماه دون وعيٍ منه إلى منزل شجرة الليمون في طرف القرية التي هجرها أهلها ومضوا عنها إلى المدينة !
بدأت السرد بلسان الراوي العليم، وظهور أول للشخصية الرئيسة ( ضمير الغائب ).
حملت جزئية الافتتاح معها البيئة الزمانية، فصل الشتاء .. والشاهد ( تلبد الغيوم )
حملت أيضاً البيئة المكانية ( القرية )، والتي هجرها بعض أهلها إلى المدينة، دونما حاجة لتكرار التذكير لهذه النقطة.
عدسة القاص تسلط الضوء على منزلٍ يُسمى ( منزل شجرة الليمون ) ومكانه ( في طرف القرية )
هذه العدسة ترافق الشخصية إلى ذلك المكان، ليشاهد القارىء شكل وماهية هذا المنزل من جهة، ومن جهة أخرى .. لمعرفة السبب الخفي للفعل ( قادته قدماه )، والتي تعني بأن شيئاً ما بداخل الشخصية يحركه إلى ذلك المنزل .. فما هو هذا الشيء؟

ونكمل القراءة ..

أصاخ سمعه لصرير الباب وهو يفتحه ، ثم نظر إلى عرصة الدار المليئة بالغبار وبعض أغصان شجرة الليمون المبعثرة وأوراقها المتساقطة !
دلف إلى الداخل وبدأ التجول فيه متأمِّلًا متذكِّراً ما مضى ، عندما كان البيت آهلًا تخفق بين جوانحه السعادة ، ويَنْضَحُ من عِطْفَيْه الأنس والبهجة !

عدسة القاص تكشف عن هيئة هذا المنزل، ولكل فعل دلالته ( صرير الباب ) والتي تعني الهجر وقلة الاستعمال.
( مليئة بالغبار ) / ( أوراقها متساقطة ) والتي تؤكد معنى الهجر.
ويكشف السارد عن معرفته السابقة لأهل البيت مستخدما ( متأملاً / متذكراً / جوانحه السعادة )

ونكمل القراءة ..

خطى بضع خطوات ووقف أمام العمود ونظر إلى العش في التجويف الخشبي أعلاه ، وتذكر كيف يصعدون إليه ويأخذون العصافير التي فيه ويذهبون بها إلى أمهاتهم ليذبحنها لهم ويطهينها !
تبسم ونقل ناظره إلى الميزاب في الحائط الذي يتناوبون القفز والمرور منه عندما يسيل منه ماء المطر !
أطال التأمل والتذكر ، ثم قال : ما الذي حداني على العوج على مغاني الصبا ومنزل شجرة الليمون مذْ ريعاني حتى كهولتي ؟!
ما الذي حداني إلى ترك مغنى الصبا وملتقى الأتراب في جهة الشمال والحضور إلى البقعة الخالية الصغيرة في الجنوب ؟!
ما الذي حداني على النوم في الفناء قرب الحائط الغربي ، وجعل رأسي إليه ؟!

في الجزئية السابقة ..

اعتمد القاص على السردية في بناء الحبكة، فأكثر من الوصف للبيئة المكانية، بتزامنٍ وخط موازي لتأثير هذه البيئة على دواخل الشخصية.
على صعيد آخر .. جاء المونولوج الداخلي على هيئة أسئلة للنفس، في تضادٍ ملفت بين سبب القدوم إلى هذا المنزل، وسبب الرحيل عنه أصلاً ..
حملت هذه الجزئية عمر هذه الشخصية ( كهولتي ).

ثلاثون عامًا مذْ ظعنتِ من القرية وأنا لم أنس ذلك المحيا الجميل ولا المنزل الذي ضمَّكِ عطفاه ؟!
ثلاثون عامًا وفؤاد الحنين يثعبُ دمًا لا يرقأ !
ثلاثون عامًا وأنياب النأي تقطر منها الدماء !

في الجزئية السابقة ..
يكشف السارد من خلال استمرار المونولوج الداخلي أيضاً عن البيئة الزمانية قبل هذه الزيارة ( ثلاثون عاماً )
يكشف السارد عن الشخصية البطلة من خلال ذات المونولوج، ورحيلها عن هذه القرية .. بلغة تقطر عذوبة وحنين، قوية المفردة تُظهر مدى تأثر هذه الشخصية بكل اقتدار ومهارة.
فما تأثير هذه الذكرى على الشخصية ..؟

انسابتْ الدموع على وجنتيه وهو يتذكر ما كان في عطفي هذا المنزل والقرية من الأنس والسرور والتئام الشمل ، ونقاء القلوب ، وتكاتف الجيران ، وسارة التي كان يراها تمثال البهاء والحياء !

تظهر هذه الجزئية تأثير هذه الذكرى ( الدموع ) ويفصح السارد عن اسم الشخصية البطلة ( سارة ) وبعض صفاتها ( البهاء / الحياء ) .

ونكمل القراءة ..

استدار ومضى إلى شجرة الليمون في آخر الفناء الشمالي الغربي ووقف أمامها ، وقال : أحببتكِ حبًّا تجاوز الجسد وسما إلى الروح ، حتى لو أن غيركِ بمسلاخكِ ما نظرتُ إليه فضلًا عن أن أحفل به !
يا الله ! كم أودُّ من كل قلبي أن أعود ذلك الطفل الذي ينسلُّ من مغنى ملتقى أترابه في الجهة الشمالية ، ويأتي إلى البقعة الخالية في جهة الجنوب لأنَّ منزلكِ هناكَ ! ولأنَّه يراكِ من النافذة تطلين فيُبهج ناظره بمحيَّاكِ العذب البديع ، وقلبه بالأماني التي ينسجها وينساق خلفها !
كم أودُّ أن أعود ذلك الطفل الذي يجلس تحت النخلة ليسرح مع أحلامه وأمانيه وأنتِ أعظمها وأعزها !


في الجزئية السابقة ..
تلازم عدسة القاص المشهد، وفعل الحركة البطيء للشخصية متوافق مع ( كهولتي ) ورغبة الشخصية في معايشة كل التفاصيل .. لذلك
كان استخدام الحبكة السردية للحدث مناسباً جداً، والتي – وأعني الحكبة السردية- تعتمد على الوصف المكثف لأدق التفاصيل من جهة، ومن جهة أخرى .. تركز على جوانيات الشخصية.
حملت هذه الجزئية مكان الشخصية البطلة ( البقعة الخالية في جهة الجنوب ).. قبل ثلاثين عاماً.

ونكمل القراءة ..

رفع رأسه إلى النافذة المطلة على شجرة الليمون ، وقال : لا شيء يعدلُ عند الكهل شروق الشمس وغروبها ، ورؤية الطيور العائدة إلى أكنانها ، ونسيم الصحراء والبحر في الليل ، وعبق الأثل وبيوت الطين والغيث المنهمر ، إلا رؤية محيَاكِ البهي ، ونجي حديثكِ البديع ، وصوتكِ العذب الذي ينساب في سمعه ويستقر فيه استقرار الطمأنينة في القلوب !
صمتَ قليلًا ورفع ناظره إلى الجدار المنثلم ، وقال : لم تُمْتَطَ صهوة جواد الوصل ! وها قد أكهلتُ فهل آن الأوان ؟! أم سيَنْبَتُّ رسَنُ الّلِجامِ ويمضي دون أن يُـمْتطى !

في الجزئية السابقة ..

امتداد طبيعي للحوار الداخلي للشخصية، وتسليط الضوء على المرحلة العمرية للشخصية وتصرفاتها وأمانيها في حصد لقاء مع الشخصية البطلة.
راق لي هذا الوصف الحالم النقي لعواطف الشخصية، لأنه مناسب لعمرها.
ليختم السارد هذه الجزئية برجاء ولغة قوية المفردة، عميقة المعنى ..
رجاء الوصل الذي ليس له بديلا.


ونكمل القراءة ..

خرج يجرُّ قدميه جرًّا واتجه إلى الأثلة في آخر القرية واتخذ مجلسه أسفلها ، وبدأ يرقبُ السماء وهي تعبسُ ثم تكفهرُ ثم تزفرُ وتبتسمُ !
كانت هذه العادة لديه مُذْ أيفع لا يقطعها إلا حين يُقعده السَّقَمُ ، وحينها يجتمع عليه السقمان (سقم الجسد ، وسقم حرمانه من الأنس والسرور بجلوسه ومراقبته) !
كان يستروحُ عبير الأثل المخضلِّ من الغيث المنهمر ، ويقول : أي عبقٍ يعدلُ عبق الأثل المخضلة أغصانها وهدبها من الغيث المنهمر ؟!
أيعدله عبق لقاء الأحباب ووصلهم ؟!
هو والله منه وإليه ! فطالما اجتمعنا أسفلها واكتنَنَّا بها عن الغيث المنهمر ، وامتزج الغيث وما تساقط من الهدب بملابسنا ، وملأنا رئاتنا منه !
أم لحظات الوصال المختلسة من فم النأي ؟!
هي والله مكان اللقاء ، ومجلس الأنس ، ومأوى عنادل الهوى التي تشدو ألحان الحب وترانيم الوصل !
صمتَ قليلًا ، وأطرق برأسه وبقلبه يعتلج الذي أخرجه من العريش المسقف بجذوع الأثل وجريد النخل والجمر المضطرم في الموقد ، والقهوة والشاي ، والأثلة المنتصبة في عرصة الدار !

في الجزئية السابقة ..

مهارة السرد تتجلى في أمرين ..
الأول هو حرص السارد على فعل الحركة للشخصية بين كل فقرة وفقرة ( تحريك النص )
هذا الامر مهم جداً في القص، والسبب لأن الحبكة سردية، وعدم وجود أفعال حركة قد يجنح بالنص إلى نثر الخاطرة، وهذا ما لا يريده السارد، عن معرفة واقتدار.

والثاني هو هذه المواكبة بين الماضي والحاضر، وربط الزمنين من خلال ذكرى مشتركة، والتأكيد على أن ما بداخل الشخصية ( الحب ) ثابت ويزيد.

الصور الشاعرية تجلت بوضوح في هذه الجزئية، وقدرة القاص ومخزونه اللغوي لا تنكرهما العين، ولا يغفل عنها العقل.

ونكمل القراءة ..

نظر عن يمينه فإذا الأرض منبسطة ممتدة لا يحدها سوى الكثبان الرملية ، ونظر عن يساره فإذا القرية تلوحُ له منازلها المتراصة صغيرة لبعد المسافة ، مد ناظره للأمام فرأى النساء يستعذبن الماء من النبع ، وعند الأثلة فتى وفتاة يتهامسان !

في الجزئية السابقة ..
يمارس القاص فعل الحركة من خلال رصد ما تراه العين، فتأخذ العين مكان الأقدام في رصد المحيط الخارجي للشخصية، وظهور شخصيات ثانوية ( النساء ) من جهة ، ومن جهة أخرى عادات لم تندثر ( يستعذبن الماء من النبع )، ويختم الجزئية برصد شخصيتان ( فتى وفتاة ) والفعل ( يتهامسان ) قال الكثير .. ضمنياً.

ونكمل القراءة ..

أطرق برأسه مرة أخرى فرأى زهرة صغيرة من الزهور الربيعية أقحمتْ نفسها بجانب جذع الأثلة ، وأطلَّتْ برأسها من بين هدبها المتساقط ! تبسَّم لهذا المنظر وأطال التأمل فيها ، ولم يفقْ من شروده إلا على يمامة تغرِّدُ ، فرفع رأسه إليها وقال : مضى الريعان ! وأوصدتْ دون الوصل ضِبَابُ الصَّرْمِ والنَّأْيِ والنُّزُوحِ ، ومكانكِ هذا وشدوكِ أولى به الغراب ونعيبه ! فقد مضى ما يؤبه له ويحفل ، ولم أعد أنشدُ إلا ما طال انتظاري له والله أعلم به ولن يخيب رجائي ويقيني !
لا أقول هذا من باب التشاؤم أو القنوط ! بل هو انصرام الريعان والشباب وقدوم الكهولة وتحفز الشيخوخة ! وأوان طيِّ الفراش والتأهب لذلك الموضع وذلك اليوم !

في الجزئية السابقة ..

يسلط القاص عدسته على المحيط الخارجي للشخصية ( زهرة ثم يمامة ) وأثرهما على نفسيته..
بين السلام في استحضار اليمام وانصرام الشباب في استحضار الغراب.
فكأنما الشخصية تشعر بدنو أجلها، وهذا الشعور هو جوهر هذه الزيارة.
ليختم السارد بالرجاء.
ونكمل القراءة ..

رفع رأسه ونظر إلى السماء متأملًا قطرات الغيث التي ينزلُ مع كل نقطة ملكٌ ليضعها في مكانها دون أن تمتزج بغيرها ، كان يتأمل بهذا الحديث الذي طرق سمعه وقدرة ملك الملوك الذي لا يعجزه شيءٌ ، فقال : لم آتِ إلى هذا المكان العزيز والأثلة المتأصلة في القلب للوصل واللقاء ، واختلاس ساعة أراها بها ، وإنما أتيتُ أبسطُ ضعفي وتضرعي ، وندمي على ما بدر !
أتيتُ للتودُّعِ من هذه المغاني ، وبسط يد الندم ، والرنو إلى السماء ، ورفع أكف الضراعة لعلَّ غافر الذنب قابل التوب يغفر لي ويقبل مني !

في الجزئية السابقة ..

ربط جميل ومبدع بين قدرة ملك الملوك ( كل قطرة ماء في محلها ) وبين ( ضعفي وتضرعي )
ليختم السارد هذه الجزئية بوقفة للقارىء من خلال جملة ( ندمي على ما بدر ! )
والتي حملت معها ماضٍ لم يفصح عنه السارد وشخصيته طيلة فترة السرد الفائتة.

فلماذا الندم ؟
يحمل القارىء هذا السؤال فوق رأسه ..
ونكمل القراءة ..

صمت قليلًا ، وأحد نظره إلى النبع ، وأراد المضي إليه ، ولكنه تردد ، ثم آثر البقاء تحت الأثلة والمشاهدة من بعيد ، وقال : لم يعد عزو ! بل أبو بسام ! ولم يعد الريعان بل الكهولة ! ولم تعد الفتوة بل الهدوء ! ولم يعد الرنُوُّ بل الإطراقُ ! ولم يعد اللهاث بل الإخلاد ! ولم تعد صلابة العريكة بل لينها !
سيقضي الكهلُ نحبَه ، وإنه لعلى يقينٍ بأن الحظَّ سيبتسم له ، وتشرق شمس السعادة ، ويبزغ بدر الأنس الذي طال انتظاره ، وأن الرحمن الرحيم حرمه الكثير من الأماني –التي زهد بها حين تقدم به العمر- ليحظى بأمنية عمره العظمى التي ينشدها منذ طفولته !
نعم ، سيمضي الكهل مبقيًا أطلال صباه ! مغاني طفولته ! فتنة قلبه ! بيوت الطين ! الأثل ! شدو الطيور ! غيث الشتاء وشروق شمسه وغَشْيُ ليله ! الأصيل ! التي أحبَّ الدنيا لأجلها !
سيمضي الكهلُ نادمًا على ما فرَّطَ فيه ، منيبًا إلى ربه ، سائلًا متضرِّعًا أن يغفر له ويتجاوز عنه ، وينظر إليه بعين الرحمة ويسكنه دار كرامته فضلًا منه وكرمًا !
سيمضي الكهل في ليلةٍ سرمدية كما أتى في ليلةٍ شديدة الغيهب ، مبتسمًا راضيًا حامدًا لله شاكرًا أن أتمَّ عليه نعمته وأسبغ عليه فضله !
سيقضي الكهل نحبه وستشدو الطيور سرورًا مازجةً بين الصبي ذي الشِّرَّة والكهل ذي الوقار !
ليمتد الجهام فغايته انبلاج الفجر ، ولتثر الزوابع فمداها السكون ، ولتربو القواصف فعقباها الهدوء ! ولتنعب الغربان فمآلها الصمت !

في الجزئية السابقة ..

مونولوج طويل جداً .. كانه مصارحة بين القاص والقارىء في صورة حديث للنفس.
حمل هذا المونولوج اسم الشخصية الرئيسة ( عزو/ أبو بسام )
حمل أيضاً أمنية كل مسلم من ربه ( العفو والغفران والرحمة )
كان التبتل بصيغة الفارس الذي انهكته الحروب والنزاعات مع الدنيا .. والاستراحة تحت ظل الأثلة كانت صورة الربط بين التشبيهين ( الفارس / الكهولة ).
حمل أيضاً جواب السؤال ( لماذا الندم ؟ ) والذي مصدره الشعور بالوهن وقتراب الأجل الذي تشعر به الشخصية.
حمل معه .. خلاصة الحياة من زاوية القاص على لسان شخصيته.

ونكمل القراءة ..

نهض من مجلسه واتجه صوب المقبرة في آخر القرية ، وجال بين رجامها الصامتة ، ورسومها الدارسة ، وهو يتذكر أحبابه الذين قضى معهم ردحًا من الزمن ، فمنهم من لبَّى النداء الأعظم ، وها هي بقايا رسوم ديارهم الدارسة ! ومنهم من شطتْ به الديار ومضى إلى حيث حطتْ به عصا التسيار ولقمة العيش ، فقال : متنا قبل أن تموتوا ، وسكنَّا أجداث الشجى ، قبل أن تسكنوا الرياض النضرة والمهاد الموضوعة –بإذن من وسعتْ رحمته السموات والأرض- ، وفاضتْ أرواحنا حنينًا قبل أن تفيضَ أرواحكم لرحمة الرحمن الجواد الأكرم !

في الجزئية السابقة ..

تنتهي رحلة الذكريات المحملة بأفكار هذه الشخصية، فكأنما صور هذه الذكريات تتساقط الواحدة تلو الأخرى أمامه
وتتحرك الشخصية إلى المقابر، لتختم معها هذه الرحلة في مخاطبة بليغة مقتصدة مع السابقين في رؤية تبناها القاص .. وهي (متنا قبل أن تموتوا ، وسكنَّا أجداث الشجى ، قبل أن تسكنوا الرياض النضرة والمهاد الموضوعة –بإذن من وسعتْ رحمته السموات والأرض- ، وفاضتْ أرواحنا حنينًا قبل أن تفيضَ أرواحكم لرحمة الرحمن الجواد الأكرم ! )

لتأتي الخاتمة هنا..

مضى صوب الكثبان الرملية ، وهو يرى الليل مادًّا ذراعيه ، فقال : استقبلني الليل في أول قدومي إلى الدنيا ، وها هو يمد ذراعيه لاستقبالي في آخر المطاف !
لفه الليل بردائه ، وكان آخر العهد !

نهاية حزينة .. نعم
لكن تصويرها كان بديعاً في مشهدٍ سينمائي بامتياز يتناسب مع طبيعة الشخصية، واختيار الحبكة المناسبة له في خط سردي وأفعال حركة كانت ترافق الشخصية في جميع مراحل تنقلها من الخروج الاول (وأخذ يجول في سككِ القرية ) حتى ( لفه الليل بردائه ).

نص متقن بيد قاص يعرف كيف يتعامل مع أدواتهِ السردية، ويراعي أفعال الحركة للشخصية، متزامن مع تصرفاتها الخارجية، ومتناغماً مع جوانياتها .. باقتدار وتمكن.
لن أنسى في نهاية تعقيبي هذا، أن أوجه أصابع الإشادة بجميل اللغة وقوة المفردة والمخزون الثقافي للقاص.
استمتعت بوقتي هنا
كل التحية

عبدالعزيز التويجري
08-28-2024, 05:10 PM
قد –وايم الله- وصمتموني بالكبر والتعالي ولم أستروحْ نَفْثَهُما ! ولكنني الآن سأريكم حين أَسْتَرْوحُ نَفْثَ الشيطان لمدة دقيقةٍ كيفَ أَكُونُ !

عبدالعزيز التويجري
09-21-2024, 11:55 AM
في رثاء الإمام الجليل العابد الزاهد الشيخ محمد العليط رحمه الله وغفر له ورضي عنه :

أحَقًّا مَضَى شَيْخٌ جَليْلُ المنَاقبِ
وغَابَتْ بُدُورُ الكَوْنِ دُوْنَ إيابِ

أَمَاتَ التُّقَى مِنْ بَعْدِ مَوْتِ مُحَمَّدٍ
وآَذَنَتِ الدُّنيا شَجَىً بِذَهَابِ

غَضَضْتَ عن الدُّنيا عُيُونًا تَقيَّةً
وقَلْبًا نقيًّا ما طَوَاهُ التَّصَابي

تَجَلَّلْتَ ثَوْبَ الصِّدْقِ والزُّهْدِ دَائبًا
وما شَابَتِ الأدْرانُ بِيْضَ الثِّيَابِ

مَضَيْتَ حَميْدًا لم تُقَارفْ نَقيْصَةً
نقيًّا من الإبقال حتى الخضابِ


الأربعاء 1446/3/15 هـ

عبدالعزيز التويجري
10-30-2024, 06:36 PM
ما الجُرْحُ الذي لا يَنْدَملُ على مَرِّ الأيَّامِ ؟
ما الكَسْرُ الذي لا يُجْبَرُ مدى العُمْرِ ؟
ما الموطنُ الذي لا إِثْمَ ولا عَارَ فيه في ذَرْفِ الدُّمُوعِ وتَصْعيْدِ الزَّفَرَاتِ ؟
إنَّهُ رحيْلُ مَنْ نُحبُّ وغيَابُهُم عن أَعْيُنِنَا ومواراتهم الثَّرى بأيدينا ! وانْصرَافُنَا عَنْهُم بجبالِ الشَّجى وبحَارِ الحنين وتوديعهم بالدُّعاء والبُكَاء !
وايمُ الله ما حَضَرْتُ جنازةً ، ولا رأيتُ فقيدًا يُدْرَجُ في لحده إلا أيْقَنْتُ من ضآلة الدنيا وتفاهتها ! وأنَّنا ضيوفٌ سنمضي حين تنتهي أَيَّامُ الضِّيَافَة !
أرى الوجوه كَلْمَى تتجلَّدُ في مَوْطن الضَّعْفِ وتُواري الدُّمُوعَ التي تَكَادُ تَنْبَجسُ من عِظَمِ الخَطْبِ ! وفي القلوب من الشَّجَى واضْطرَامِ الحنين مالا يَعْلَمُهُ إلا الذي يجزي على الصَّبْرِ وعظيم الابتلاء !
أيتها الأم الرؤوم : أفيضي عبرات الوجد على من حملْتِه في أحشائكِ جنينًا ثم دبَّ ودرجَ أمام ناظريكِ ! عيناكِ حرسه ! قلبكِ حصنه ! لسانكِ وقاؤه ! حضنكِ ذمامه !
أيها الأب الحاني : هبَّتْ رحمَاَتُ الرَّحمن الرَّحيْمِ لتَصْطَفي إلى جواره ثَمَرَةَ فُؤادكَ ليجزيَ صبرَكَ (بَيْتَ الحَمْدِ) في جنةٍ عرضها السموات والأرض .
أيها الإخوة الكلمى : في قلوبكم ثُلْمَةٌ لا تُعَوَّضُ ولا تُرْأَبُ فصبَّرَ الله قلوبًا أَدْمَاها الفَقْدُ وأَضْنَاها الرَّحيْلُ وأَدْنَفَها الحنيْنُ !
أيا أبناء العم : تبَدَّلَتِ الوُجُوهُ فَأَيْفَعَ الصَّبيُّ ، وأَبْقَلَ الأَمْرَدُ ، وخَضَبَ الشَّابُّ ، وتَجَعَّدَ الكَهْلُ ، وانْحَنَى الشَّيْخُ ، وأَوْفَى على دار الحَقِّ من انْتَهَتْ أَيَّامُ ضيَافته !
اللهم صبِّرِ القُلُوبَ الكَلْمَى التي أشْجاها الفَقْدُ ، وأَضْرَمَ أُوَارَ حنينها الظُّعُونُ الأبَديُّ الذي لا أَوْبَةَ منْهُ ولا لِقَاءَ بَعْدَهُ إلا بين يديكَ وفي دار كرامتكَ !
اللهم ارحمنا إذا خَلَتْ منَّا مَوَاطنُ الّلِقَاءِ ، ومَحَافِلُ الأَقَاربِ ، ومُنْتَدَيَاتُ الأَحْبَابِ !

الاثنين 1446/4/25 هـ 18 : 6 مساءً .

عبدالعزيز التويجري
01-23-2025, 10:16 AM
قرأتُ نعي أخي وصديقي العزيز أبي يزن أحمد داوود الطريفي (أحمد حماد) فكانتْ نفثة الشجى هذه :

أخي وصديقي العزيز أبا يزن أحمد داوود الطريفي : ها هو من تناديه بـــ (العزيز عبد العزيز سيد الأبجد) * يكفكف دموع الشجى ويجالد جحفل الحنين ، ويختصر مع كل يوم ينصرم من عمره شاسع المسافات التي تحول بينه وبين أحبته في باطن الأرض ، ويلتقي بهم في ملكوت الذكرى !
يا الله ! إنكم وايم الحق لا تمضون خلو اليدين ! بل تمضون بأعنة القلوب ، وأزمة الأكباد ، وحدق العيون !
تمضون وأعيننا على الخط المرسوم الذي سبقتمونا إليه ، والذي سنصله في نهاية المطاف !
تمضون وتنعون لنا أنفسنا وتخبرونا أنَّنا على الإثر ماضون حيث مضيتم !
تمضون لتنبؤونا أن الدنيا دار الهوان والزخرف الزائل ! دار الضغن والأحقاد والتنابز والتفاخر والتكاثر !
أبا يزن : لم أعهد عنكَ وايم الحق إلا رحابة الصدر ونقاءه من الكثير من أمراض القلوب التي استعمرتها !
مضيتَ وأبقيتَ لنا إرثًا خالدًا من الأدب الناصع والنقد البارع !
مضيتَ وأبقيتَ لنا دماثة خلقك التي تعد الصغير بها ابنًا والكبير أخًا !
مضيتَ عن الدنيا حميدًا ولم تمضِ عن قلوب أحبتكَ فأنتَ خالدٌ فيها حاضرٌ أمام نواظرهم ، فرحمكَ الله ورضي عنكَ ولقَّاكَ الأمن والبشرى والكرامة والزلفى !

* أعلم أنه لا ينبغي إيراد هذه الجملة ولكنني أوردتها لما لها من وقعٍ عظيم على قلبي من الراحل العزيز أبي يزن رحمه الله !

عبدالعزيز التويجري
03-12-2025, 10:37 PM
كان منذ ريعانه يعوجُ على ذلك المقهى الذي كان فيما مضى مرجًا يلهو به ويلتقي مع من شغفته فيه ، ويعدو فوق الوهد وهي تتبعه ثم يصعد الرابية فتنتظره في الأسفل لكي ينزل ، فيقهقه ويستلقي على ظهره ويرنو إلى السماء والسعادة تكاد تنبجس من قلبه !
يندر أن يمضي يومٌ ولم يُلْممْ به ، وفي أحد الأيام فوجئ بتلك النَّصَفِ جالسة على الطاولة ! رافعة فنجان القهوة تحتسيه وعيناها تطالع كتابًا !
أحد النظر إليها ولم ينبس ببنتِ شفة ، ومذْ ذلك اليوم حرص أن يأتي باكرًا ويجلسَ في مكانٍ قصيٍّ يرقبها من حيث لا تشعر ! وإذا بدأ رواد المقهى بالانفضاض انفض مع أوائلهم !
مُذْ ذلكَ اليوم والحنين والخشية يعتلجان بقلبه فطورًا وطورًا ! وكان مع هذا يأتي باكرًا ويمضي مع أوائل المنفضين ، ولم يفجأه في أحد الأيام إلا وردة موضوعة على الأصيص فوق طاولته !
اختلس النظر إلى طاولة النَّصَفِ فلم يرها ، وأجال ناظره في المكان فلم ير لها أثرًا ، وبعد مضي بعض الوقت أتتْ وكعادتها فنجان قهوة وكتاب !
أطال النظر إليها خلسة ، والذكرى تمر أمام ناظريه وفي قلبه يعتلج ما يعتلج ، ومع هذا ظل قابعًا مكانه وطلب كوب شاي أتبعه بآخر ، وبعدها نهض ومضى صوب الباب ، وتوقف قليلًا ، ونظر إليها ، ثم اعتدل وخرج .
لم يقرَّ له قرارٌ تلك الليلة في منزله ، فخرج واتجه صوب الرابية ، وصعد إليها وهبَّتْ نسماتُ المساء العليلة مضمَّخةً بذكرى من لم تبرح عقله وقلبه ، فقال : الدنيا تُفرِّقُ أكثر مما تجمع ! وتُقصي أكثر مما تُدني ! وتُشجي أكثر مما تسعدُ ! واجتماعنا بعد هذا العمر إنما هو اجتماع الكمد والفراق والتشفِّي ! وإني لماضٍ إلى حيث الخلوة التي لن تطول حتى يَأْزَفَ خروجي الذي لا أوبه منه مدى الدهر ! فمتى تهبُّ الرياح لتأخذ هذه اللعاعة بين جنبي وتمضي بها إلى حيث طال حنيني في الموطن الذي سبقني إليه أحبائي ؟!
أطال النظر إلى البدر المكتمل ، وهو يرى فيه من شغفته ، فقال : لستُ أختلسُ النظر إليكِ وأنتِ قادمةٌ ! بل كنتُ أختلسُ النظر إلى شمس حياتي ، وبدر ليلي وربيع دنياي ومجرة سروري البعيدة المنال !
لما بدأت النجوم بالأفول انحدر من الرابية ، وهو يقول : -وايم الحق- لم يعد لتغريد بلابل الوصل معنى بعد هذا العمر الذي آن فيه الاستعداد لذلك الشقِّ وما فيه من أهوال !
وصل منزله بعيد الفجر ، فأخلد للمبيت وقبيل الظهر أفاق من نومه ، وبعد أداء الصلاة قر عزمه على ما يرى أنه لابدَّ منه ، فاتجه إلى طاولته وأخرج الورق وأمسك القلم ، وبدأ يكتبُ : مُذْ مضيتِ عن القرية وأنتِ لي في حلكة الشجى أنسًا وسرورًا ! وفي غمرة القنوط بدر أملٍ يضيءُ ويجلو جحافله ! وإني لأذكركِ خاليًا فترتسم البسمة على محياي وينساب السرور في قلبي ! وتروضُ يباب الأمل القاحلة !
مُذْ مضيتِ والعوج على المرج المنبسط لي فيه بعض السلوى فسليه وسلي التلال الممتدة عن سيري فيها ومناجاتي لأحجارها وأشجارها وعنادلها وبثي لها صبابات قلبي ووجده !
أما عدونا على سفوحها الممتدة ؟! أما مددنا أكفَّنا الصغيرة حتى تمتلئ بالغيث ثم نشربها بأنس وسرور ؟! أما كنا نستكن تحت أيكة اللقاء ؟! بل أيكة السرور والبهجة والطهر والبراءة ، ثم أنحني فوق رأسكِ لأقيكِ من المطر ؟! أما كنتِ تطرقين علينا الباب لنذهبَ معًا إلى الرابية والتلال للعدو واللعب ، وحينًا أنا من يطرق الباب ؟! أما كنتُ أختلسُ بعض النقود من خزانة أبي لأشتري لكِ بعض ما يأتي به الباعة المتجولون وأهديكِ إياه ؟! أما ... ؟! أما ... ؟!
سلي هذا المرج كم عجتُ عليه في ريعاني –بعد ظعونكِ- وشبابي وغرة كهولتي مرجًا وحوانيت ومقهى ، وما دعاني إلى العوج عليه إلا هواكِ والحنين إليكِ والغدو مع محياكِ العذب والرواح مع ذكراكِ في عهد الطفولة العذب النقي –كقلبكِ- ، وطالما وددتُ من كل قلبي -في عمري الذي مضى- أن أُبهجَ ناظري بمحيَّاكِ العذبِ البديع ، وقلبي بالوصل الذي حال دونه أمد النأي الذي لم ينقضِ ، وأشنِّفَ سمعي من عذب حديثكِ ! أما الآن فحيل بين الهوى والوصل بضباب الخشية والندم والرنو إلى الأمام ومضي الشمس صوب الأصيل ، واستبدلتُ بالدموع التي كانتْ تنهمرُ من الحنين وشجي الشعر ، دموع الخشية والندم وما يطرق سمعي مما يزلزلُ !
طوى الورقة ووضعها في ظرف وضعه في جيبه وبعد العصر مضى صوب المقهى ، واتخذ مكانه المعتاد واحتسى بضعة أكواب من الشاي ، وعيناه على الباب حتى رآها تدلفُ وتتخذُ مكانها المعتاد ، فنهض واستدار وخطى بضع خطوات نحوها ، وتوقف فجأة يقدِّمُ رجلًا ويُؤخرُ أخرى !
لبث برهة على هذه الحال ، حتى غلبه ذلك الأمرُ فاستدعى النادل وأعطاه الظرف وطلب منه أن يسلمه لتلك النَّصفِ بعد ذهابه !
لما دنى الأصيل دفع ثمن القهوة والشاي وانصرف ، فاتجه النادل بالظرف إليها ، وسلمها إياه ، ففضته وقرأتْ الرسالة فطفرتِ الدموع من عينيها وهي تقرأ ما تقرأ ، وبحثتْ عنه في المقهى فلم تجده فخرجتْ وعدتْ إلى الرابية ، فرأته مستقبلًا الشمس المائلة للغروب ويمضي صوبها ، ويقول :

نَعْمْ آَنَ صَحْوي مِنْ غَيَاهبِ دُجْنَةٍ
وَصَرْمُ ثِيَابِ الرَّانِ قَبْلَ اغْترَابي

وكان آخر عهدها به !

1446/8/29 هـ 16 : 11 ليلًا !

عبدالعزيز التويجري
03-20-2025, 05:05 AM
واخوي ياللي يم قارة خفا فات
من عاد من عقبه بيستر خمالي

ليته كفاني سوِّ بقعا ولا مات
وأنا كفيته سوِّ قبرٍ يهالي

وليته مع الحيين راع الجمالات
وأنا فدىً له من غبون الليالي

شالح بن هدلان

لي وقفة بإذن الله مع هذه الأبيات

عبدالعزيز التويجري
03-30-2025, 11:25 PM
عيدي إليكم أيها الراقدون تحت أطباق الثرى ، قلب مرمض وأكف ترتفع للرحمن الرحيم أن يجعلكم آمنين مطمئنين تسألون تعجيل النشر لما بشرتم به ورأيتموه من رحمته ولطفه .

عبدالعزيز التويجري
04-04-2025, 01:10 AM
أخي الشاعر العذب صناجة أبعاد أدبية : قلتها لكَ قبل بضعة أعوامٍ عندما قرأتُ أول نصٍّ لكَ (أنتَ شاعرٌ موهوبٌ ! أنتَ شاعرٌ -تبارك الله- بالفطرة ، وشعركَ ينسابُ انسياب الأثير المضمخ بالمسك ! فلا تأبه ولا تحفل للمثبطين ، فشعركَ الربيع بين الفصول) !

عبدالعزيز التويجري
04-04-2025, 01:17 AM
قبل فترة رأيتُ أحدهم ، فقال لي : قَبْلَ بضْعَةِ أَعْوامٍ أهْدَيتني كتابكَ (هذه طفولتي) وكُنْتَ تُحدِّثني عنه وعن كُتُبِكَ الأخرى ، وكانتِ الحماسةُ أثناء حديثكَ تعلوكُ والشَّغَفُ للأدب يكادُ ينبجسُ من قلبكَ ! فعجبتُ والله من رنُوِّكَ وشغفكَ ! واليوم أراكَ على خلاف ما عهدته عنكَ في ذلك اليوم ! فأينَ ذاك من هذا ؟!
وأنا أستعيدُ هذا الموقف دارتْ بخلدي هذه الكلمات :