تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العالقون 🌼🌼


شهرزاد
10-11-2019, 07:28 PM
،

لا أعلم كيف ستكون البداية هنا
فأنا نسيت الكثير من تفاصيل العودة
وكلمات الدخول
وتنسيق النص ...وأدوات الكتابة
،
لكني وجدت نفسي هنا

بعد تلك الليلة المختلفة ..
التي شعرتُ فيها بالجوع ..
فارتديت حنيني ...
وخرجت بحثاً عن منتدى نسي ان يُغلق أبوابه ..وأنواره
ورفاق فاتهم قطار الرحيل ..فلم يغادروا المحطات الدافئة..
فوجدت مصابيح هذا المكان مضاءة

ودفعني الفرح كي أكون هنا
حيث التفاصيل شبيهة بزمن أحببته
وتعلقتُ ... وعلقت به كثيراً .
،
،

شهرزاد
10-11-2019, 11:04 PM
،

وقد نكبر أحيانا ًفي مكان
وتكبر أحلامنا في مكان آخر ..
فنلتقي بها على طرقات الحياة ... كالغرباء .
،
،

شهرزاد
10-11-2019, 11:11 PM
،
على الأغلب
الأنثى التي ترافقها كتبها إلى سريرها
وتكون القراءة خاتمة يومها
هي امرأة وحيدة
حتى لو كان هناك من يقاسمها كل شي في حياتها
فالوحدة الحقيقية هي ذلك الشعور المؤذي بفراغنا الداخلي

،
ذات مرحلة ... كنتُ هذه الأنثي ..

،

شهرزاد
10-13-2019, 11:34 PM
،

وحين كبرتُ أدركتُ أنك لم تكن كتلة الوهم تلك التي علقت بقلبي في المرحلة الأولى من العمر،
ولا أنت ذلك الجرح الذي أخبروني حين أبكاني في طفولتي
أنني حين أكبر سيتحول إلى فكاهة أتذكرها وأضحك،
فأنا تذكرتك كثيراً ولم أضحك، واستعرضت الكثير من اللحظات معك،
والكثير من الأفراح والأحزان التي عايشتها في حكايتك ولم أضحك..


نعم ضحكت على حماقات كثيرة، وعلى سخافات كثيرة،
وعلى تفاهات كثيرة مارسناها ذات براءة عشق، لكن ذلك الجرح منك لم يضحكني كما ظنوا،
ولم أجد في تلك الحكاية الحقيقية ما يشبه الفكاهة،
فليس كل الحكايات القديمة تكون مضحكة عند التذكر والسرد،
ولا كل الجروح تتحول مع الوقت الي قشور باردة بلا ألم وبلا حياة...
فهناك حكايات تتحول مع الوقت إلى سجون بلا أبواب لكننا لا نفكر بمغادرتها أبداً،
ونمارس فيها دور السجين والسجان بكامل إرادتنا.


وهناك حكايات تتحول في دواخلنا إلى صناديق سرية، نتستر كثيراً حين نفكر بالاقتراب منها،
وتَفَقُّدِ محتوياتها، ونتخفى بإتقان كي لاتتشوه زخرفتنا الخارجية في نظر الآخرين،
فلأرواحنا ولقلوبنا ديكورات خارجية، نحرص على طلائها وعلى زخرفتها،
وعلى نقش تلك الكلمات التي نود أن يقرأها الآخرون عنا.


فدعك من زخرفتي الظاهرة لك، ولا تدقق كثيراً في هذا الوهن الذي يسرد قصة الحياة على وجهي،
فهذه أنا رغم وهن الصوت ورغم اصفرار أوراق أمنياتي ورغم انحناء الكثير من أحلامي.
هذه أنا العاشقة التي تمنت يوماً أن تكبر معك،
أن تحمل طفلها الأول منك، أن تقاسمك فرحة زفاف ابنكما البكر، أن تحتفل معك بتخريج أول بناتك منها.
هذه أنا المرأة التي قلمت أظفارك خيالاً وراقصتك خيالاً، المرأة التي كتبت اسمك في دفاترها،
وارتدت في سلسال عنقها أول حروف اسمك،
الأنثى المجنونة التي كانت تتستر كي تراك من بعيد،
وتتستر كي تنتقي هدايا مناسباتك على غفلة من فضولهم،
وتتستر كي تضع رسائلها إليك في صندوق البريد.

تلك الأنثى الغيور التي كانت تصرخ بك عند كل ظهور لأنثى أخرى بجانبك.
وتغني لك أغنيات الأطفال في المهد كي تنام، وتقرأ لك قصائد شعراء الحب كي تغفو،
وتتلو آيات الله على قلبك كي تطمئن.

،
حين نكبر نتذكر الكثير، ونضحك على الكثير،
لكن هناك حكايات حين نسترجع تفاصيلها نبكي بحرقة..
كأن الزمن الذي مر بيننا وبينها... لم يمر.

،

شهرزاد
10-14-2019, 08:55 PM
،
يؤمن أغلبنا بأن ليست كل العلاقات تنتهي بمجرد أن نقول وداعاً،
ولا كل المشاعر تتلاشى بمجرد أن نعلن النسيان،
ولا كل الأسباب قد تبدو بعد الفراق مقنعة..


فحين نصل إلى الميناء الأخير من الحكاية،
نجد أنفسنا أمام مفترق الطرق، فنضطر لاختيار وجهة واحدة،
رغم يقيننا أن مدينتنا الفاضلة قد تكون في نهاية الطريق الذي أدرنا له ظهورنا مرغمين،
فنحن قد نفقد عند مفترق الطرق حقنا في انتقاء الطريق الذي نرغب،
وحقنا في الاحتفاظ بالكثير من أمنياتنا،
وحقنا في تقاسم الطريق الواحد مع أرواح ندرك أنها أنصافنا الحقيقية،
التي لن نشعر بالاكتمال بعدها مهما اكتملنا،
فننتقى ما لا نريد من الطرق ومن الحكايات ومن الأدوار،
ثم نغادر لندخل في حالة من التخبط الداخلي،
ولنكتشف أننا أضعف من تجاوز عراقيل الحنين، الذي يلتصق بنا كرفيق رحلة عمر طويلة،
فيمضي معنا، ويكبر معنا، ويبكي معنا، ويتألم معنا،
ويتحول مع الوقت إلى عاطفة صديقة أو مؤذية..



وأنت تحولت بعد الرحيل في داخلي إلى كتلة حنين مؤذية، كلما التصقت بي أوجعتني..
فأنا أحن إليك كوطن أرغمت على الرحيل منه،
كأرجوحة طفولة أفلتت يدي حبالها ولم تعد،
كمنزل قديم أوهموني وأنا أبكي على عتبة بابه في اليوم الأخير، أن الجديد سيكون أجمل..


أحن إليك
كحكاية قبل النوم، تسرد بحشرجة صوت جدة مسنة،
كإحساس الأمان عند سماع همهمات صوت أمي في صلاة الفجر،
كرائحة عطر أبي في فناء المنزل عند عودته من سفر طويل،
كتلك الفرحة التي كانت تدفعني إلى أن أضع فستان العيد وحذاء العيد وحقيبة العيد بجانبي،
وأنا أبتسم لهم قبل أن أغفو بانتظار شمس العيد..


أحن إليك..ككل الأشياء الجميلة التي استيقظت منها حين ارتفع صوت رنين الواقع،
وتحولت إلى مجموعة أحلام فقدت لونها الأخضر،
وأصبحت كتلة صلبة كأنها لبنة في جدار قديم، كلما التفت إليها وجدتها تزداد صلابة!
فأنا منذ أن أدرت لحكايتك ظهري، وأنا أكثر الالتفات إلى الخلف،
فأسمع الأصوات ذاتها، وكأن أذني قد احتفظت بصوت خطواتك وأنت تمضي،
وبصوت انهيار مدينة أحلامي وأنا أغادر..


،
قد تشعر أحياناً بوجع لا تعرف سببه،
ثم تكتشف أن كل ما في الأمر، أن أحدهم كان هنا... ولم يعد!

،

شهرزاد
10-15-2019, 07:46 PM
،
لا تأجلوا أحلامكم الجميلة
عيشوها قبل أن يتقدم بكم وبها العمر
فالأحلام تكبر وتنحني كالإنسان تماماً !

،

شهرزاد
10-16-2019, 08:13 PM
،
تائهة أنا ياسيدي
أتخبط وكأن كل الأرض ... مرايا !

،

شهرزاد
10-19-2019, 09:20 PM
،
النبلاء يترفعون
حتي حين يستطيعون !

،

شهرزاد
10-19-2019, 09:25 PM
،
رحل الكثير من الأصدقاء
كانوا ( أصدقاء ) حتى لحظة المغادرة
ثم لمحتهم وهم يحلقون عالياً يقذفون لي بأقنعتهم ... وأخلاقهم !

،

شهرزاد
10-22-2019, 11:17 PM
،

ترى كم سنة نفسية أبعدتنا الحياة عن أنفسنا؟
حتى أصبحنا لا ننتبه للكثير من المتغيرات التي قد تستجد في دواخلنا،
فنحن قد ننسى دون أن ندرك أننا نسينا،
وقد نُسقط الكثير من دواخلنا دون أن نلاحظ أن تلك الأشياء قد سقطت منا.
وأنت كنت من تلك الأشياء التي سقطت من داخلي على غفلة مني،
دون الانتباه للحظة سقوطك، أو تسجيل توقيت مغادرتك لقلبي..
فأنا اكتشفتُ غيابك حين مرتني تلك الأغنية التي أهديتني إياها ذات ميلاد،
دون أن أتوقف أمامها وأتذكر كما كنت أفعل دائماً..


اكتشفت غيابك حين أنصت إلى أغنيات الفراق، وقصائد المنفى،
ولم أبكِ حنيناً إليك، وقرأتُ روايات الحب دون أن تلامسني أسطرها الحزينة،
ودون أن يدفعني حنيني للبحث عنك بين الصفحات..
اكتشفت غيابك حين لاحظت أن الأشياء التي كانت تؤلمني لم تعد تؤلمني،
وأن التفاصيل التي كانت تزرع في داخلي مساحة من الوجع لم تعد تفعل ذلك..
اكتشفت غيابك..


حين تفقدت تلك الوجوه التي أخفيتها في قلبي فلم أجد وجهك،
وتفقدت تلك الأصوات التي احتفظت بها في زوايا ذاكرتي
فلم أجد نبرة صوتك بينها..
عندها أدركتُ أنك غادرت أعماقي منذ زمن دون أن أنتبه لذلك،
ودون أن أسمع صوت خطواتك الأخيرة وأنت تتسرب من أعماقي..
لذا لا أعلم متى فقدتَ عرشك بي، ومتي تحولت إلى شخص عادي،
وكيف مررت من باب الخروج دون أن تُحدث ضجة كبرى تدفع قلبي للنبض بقوة..
ولا أعلم كيف أسقطتك فى زحمة الحياة،
دون أن تنبهني حاستي السادسة لسقوطك..


ولا كيف رحلت دون أن نقف عند عتبة باب الخروج من الحكاية،
كي نتذكر الكثير ونثرثر بالكثير،
ولا كيف رحلت دون أن ألمح حقيبة النهايات في يدك،
ولا كيف مررت بجانبي دون أن أنتبه أنك على سفر
ولا أعلم كيف رحلت دون أن أحتفل معك الاحتفال الأخير،
ودون أن أطفئ الشمعة الأخيرة معك، ودون أن أفرقع بالونات أحلامي أمامك،
ودون أن أقول لك شكراً على حكاية دافئة عشت تفاصيلها يوماً بكل طفولة وفرح.

،

أخبرني كيف رحلت دون أن تطلب مني الصفح الأخير؟
ودون أن نتشارك بزراعة الورد على قبر حكاية كانت لنا يوماً وطناً..


،

شهرزاد
11-09-2019, 07:38 PM
،
كأن بطلة روايتي توقظني من نومي
في ذات التوقيت الذى اعتدت الكتابة فيه كل ليلة
وتطلب مني اكمال حكايتها التي ظننتُ أنا انها انتهت ،
بينما تعتقد هي غير ذلك !

ترى ؟
هل يلاحقنا أبطال الروايات بعد ان ننهي كتابتها
ونحولها إلى كتاب على رف مكتبة ؟

،

شهرزاد
11-14-2019, 12:23 AM
منذ أن فارقتك وأنا أتساءل:
من سرق حذائي ومشبك شعري من أحلامي ؟
فكل أحلامي التي تلت لحظة الفراق ..
كنت أركض فيها بأقدام حافية ... وشعر مبعثر !

،

شهرزاد
11-14-2019, 07:48 PM
هل تذكرون ( كوزيت ) بطلة الحكاية العالمية (بائعة الكبريت) ؟
كوزيت تُمثل أحلامنا!
تلك الأحلام التي تخلينا أو اضطررنا للتخلي عنها
عند أول مواجهة لنا مع نور الواقع..

الأحلام التي خذلناها
لأن أعواد الثقاب في حقائب أعمارنا لم تكن كافية
لبث الدف في أحلام بداياتنا الوهنة .

،

شهرزاد
11-23-2019, 10:27 PM
منذ أيام ووجوه غريبة توقظني من نومي.

‏مجموعة من الأصدقاء
‏بلا هويات
‏بلا بيانات
‏بلا عناوين
‏بلا أسماء
‏،
‏،
‏أظنهم أبطال رواية جديدة !

شهرزاد
12-02-2019, 04:00 PM
للحزن احترامه
وللفرح احترامه
فلا تؤذي الحزين بفرحك
ولا تؤذي السعيد بحزنك

هي الحياة
تمضي بنا أحياناً إلى حيث لانريد
ولانرغب...

،

شهرزاد
01-19-2020, 09:30 PM
لا تسخر من أوجاع الآخرين
فالأوجاع ليست ( ثابتة )
هي دائرة ... وتدور !

،

شهرزاد
02-21-2021, 07:30 PM
،
مساء الخير
،
،
مساء الخير بصوت امرأة تَطْرق أبواب الدور القديمة بعد غيابٍ ،
ولاتعلم أيّ الأصوات قد تتسرّب من الداخلِ لتسألها : من الطارق؟
هي أيضاً لاتملك إجابة حقيقيّة على السؤالِ ، ولا تعلم من الطارق ومن تكون ..
فعلى الأغلب نحن لانعود إلى الطرقاتِ القديمة إلا حين نفْقد القدرة على التواصلِ مع أنفسنا الجديدة ..
لانعود إلا حين يؤذينا البرد على المحطات المستحدثة في حياتنا
لانعود إلا حين يصبح عدد الأقنعة حولنا أكثر من عدد الوجوه الحقيقيّة
لانعود إلا حين نخفق في العثور على مساحةٍ خاصة تمنحنا حق البكاء بحريةٍ
لانعود إلا حين نكتشف الجانب المرعب من الحياة !
والجانب الحَقيقيّ منا ..
،
،
مساء الخير بصوت البدايات
ماأجمل البدايات ، ليْت كل الفصول تبقى بدايات
ليت كل مراحلنا تبقى ( بدايات ) ، ليت كل حكاياتنا تبقى ( بدايات)
ليت كل التفاصيل لاتغادر مرحلة البدايات ..

،

شهرزاد
02-21-2021, 07:39 PM
،
شهر الحزن

،
مَرّ سِبْتَمْبِر شَهْر رحيلك كما يَمُرُّ كل عامٍ بالكثير من الحنينِ ،
لم يتوَّقف أمامي كي يعتذر لي عن ذلك الحُزْنِ العظيم الذي دفعني لاكْتشافه ذات طفولة ،
فالشُهور لاتعْتذر لنا عن تلك الأحْزان التي تلْتصق بنا فيها ،
لكنها تتحوَّل مع الوقتِ إلى ذِكْرى حزينة ، ذِكْرى كلما مرَّت بنا ، آلمتنا وأعادتنا إلى زمن ومكان الحُزْن القَديم ..


ففي سِبْتَمْبِر عشتُ رُعْب طِفْلة قطع أحدهم حَبْل الأمان في قلبها ،
وأفْلت يدها في ازْدِحامِ الطريق ، فرفعت يدها مُحدقة في وجوه الغُرَباءِ بينما بدأ صوتها يَغيبُ في داخلها ويخْتَفي ..

في سِبْتَمْبِر رأيتُ بُكاء أمي وأبي للمَرّةِ الأولى ، وكنت أظن قبل ذلك اليوم أن الأُمَّهات والآباء لايبْكون !
لا أعرف كيف التعبير عن بشاعةِ ذلك المَنْظر، وعن وَجَع ذلك الإحساس ..
لكنه كان يشْبه الحَريق كثيراً ..

في سِبْتَمْبِر خَذلت جدّي عصاته فما عاد يَقْوى السيْر على ثلاثة ،
وخَرَّ على الأرضِ كجبلٍ شامخ تعرَّض لهَزّة أرْضيّة قويّة ، وكنتُ أظن قبل ذلك اليوم أن الأجداد لايصابون بالهَشاشةِ مهما كبروا ،
ولاينْسكبون كالماءِ أبداً ..

في سِبْتَمْبِر أسْند عمي رأسه على جِدار المنزل وبكى كطفل يكْتشف البُكاء للمرّةِ الأولى ،
كان ذلك الصوت لايشْبه صوت البُكاء كثيراً ،كان أقوى منه بمراحِل ،
كان كصَفير الرياح الذي تسلَّل إلى أُذني منذ سنواتٍ طويلة ولم يُغادر ،
و بَقِيَ الأقْوى بين كل الأصواتِ التي ملأت أُذني ، ولم يسْقط رغم اني هززت رأسي مّرات عَديدة !

في سِبْتَمْبِر كنت ممتلئة بالصَدْمةِ وبالدموعِ ، فأمسكتُ رأسي بقوّة ٍ،
كأنني أحاول اسْتِعادة وَعْيي، والعودة من حلم مُزْعِج ،
وكلما فتحت عيني وادْركت اني ليست بنائمة كرّرت المحاولة المؤلمة ورفضت اسْتيعاب واقع لايحتويك ..

في سِبْتَمْبِر تعود كل الأوجاع المدْفونة إلى الحياة وإلى الذاكرة ،
وكأن أحدهم قد عبث بتراب قبرها.. فلازلت أتذكر كل التفاصيل المؤلمة بِوُضوحٍ ،
وتحْتفظ ذاكرتي بكامل أجزاء الحُزْن وملامحه، متجاهلة كل السنوات المُرْعبة التي مرَّت بعد تلك الليلة وغيَّرت بي ماغيَّرت ،
وأخَذت مني معها ما أخَذت ..

ولازالت كل الأجْزاءِ في ذاكرتي مُرتَّبة ، وكل القطع مُتكامِلة ، باسْتِثْناءِ قِطْعة واحدة لازالت مَفْقودة ..
القِطْعة التي تحتوي إجابات الأسئلة الصعْبة ، القِطْعة التي تمثل كلمات السِر لكل الأبْواب المغْلقة ،
القِطْعة التي أخذتها معك ،وتعمدت أن تَبْقى الحكاية خلفك مَبْتورة وكأنها أُحْجيّة بِلا حَل..
فنحن حين نتعرَّض لحالةِ فِراق مُفاجئ يُخيَّلُ إلينا أن الحِكاية لم تنته
وأن هناك جُزْء آخر ستكمله الأيّام يوما ً..

،
،
لأشهر أحزاننا هيْبة عظيمة ، فهي لاتمرُّ بنا مُرور الكِرام أبداً.

.

شهرزاد
02-22-2021, 08:01 PM
غرناطة

هل تأثر أحدكم يوماً بشخْصيّةٍ تاريخيّة أو دينيّة أو سياسيّة أوأدبيّة أو فنيّة
إلى حدِّ تَقَمُّصِ هذه الشخصيّة بكلِّ مواقفها وأحساسيسها وأحلامها وانْكساراتها؟

وهل جرب أحدكم يوماً أن يغفو أمام صفحاتِ كتاب يتحدّث عن حِقْبةٍ زمنيّة معينة ،
ثم يستيقظ ليجد نفسه يتجوَّل في طرقاتها وهو يرتدي ملابس أهلها ويمارس طقوسهم، ويعيش الحياة التي يعيشونها؟

على الرغمِ من غَرابةِ الاستفسارات هنا ، إلاّ أن هذا قد يحدث أحياناً بِشَكْلٍ أو بآخر!

فقد كنت في مُنْتَصَفِ مرحلة المُراهقة حين قرأت ولأوَّلِ مّرةٍ عن ليلةِ سقوط غرناطة ،
ولاأعلم لماذا تعلَّقت روحي بأحداثها إلى هذه الدرجة التي أبْقتها حيّة في ذاكرتي كل هذه السنوات،
وكأنها لم تكن ليلة تاريخيّة خُلدت في كتب التاريخ ، بل كأنها كانت ليلة شخصيّة
عشت أحداثها ذات عُمْرٍ ، وعانيت فيها من شِدّةِ الفَزَعِ والحزن والقلق..

فكلِّ ليلة حزينة مرَّت بعمري ذكرتني بليلةِ سقوط غرناطة،
وكل ليلة أتت مثْقلة بوجعِ الحنين ذكرتني بليلةِ سقوطِ غرناطة ،
وكل ليلة ختمت فيها حِكاية دافئة أو فقدت فيها أمنيّة عزيزة ،ذكرتني بليلةِ سقوط غرناطة..

وكل ليلة لوحت فيها لعزيزٍ مودعة ،أو ترقبت فيها نبأ حزين أو انْكسار ما ، ذكرتني بليلةِ سقوط غرناطة..

وأجهل وجه الشبه بين ليالي روحي الحزينة ،وتلك الليلة التي سقطت فيها المدينة الجميلة ..
فغرناطة عاشت في داخلي منذ ذلك العمر الذي بكيت فيه وأنا أقرأ طقوس ليلتها الأخيرة قبل السقوطِ ،
وكأنني ولدت في ليلة من لياليها المقمرة ،أوكأنني كبرت في منزلٍ من منازلها الدافئة وقضيت طفولتي بين طرقاتها القديمة !

ترى لماذا تتعلّق أرواحنا في الأماكنِ التي نزورها في بعض الكتبِ؟
وكأننا نتوه عند القراءةِ بين أوراقِ الكتبِ ونفقد ذاكرتنا على صفحاتها ونتقمَّص شخصيّاتها إلى حَدِّ الوهم
والضياع بين حدودِ الخيال والواقع ، فلا نعلم إلى أيِّ الحدودِ ننتسب وننتمي؟

وربما هذا ماحدث معي حين قرأت عن تلك الليلة الحزينة ، واقْتربت من خلالِ القراءةِ من مشاعرِ أهلها وفزعهم في تلك الليلة ،
فكبرت وأنا أتذكر كل التفاصيل التي نسيت أن أتخلَّى عنها في مرحلةٍ عمرية سابقة ،
وحملتها معي كاملة كأنني عشتها بالصوتِ وبالصورةِ ، وكأنني كنت اخْتبئ في مكانٍ ما حين تسلَّل إلى أُذُني صوت بكاء الأطفال والنساء ،
وصوت الأميرة الأم وهي توبِّخ آخر ملوك الأندلس بعبارتها الشهيرة (ابك كالنساء مُلكاً لم تحافظ عليه كالرجال)
,
كانت ليلة فراقك طويلة ، كئيبة حزينة ، كأنها ليلة سقوط غرناطة، ففي ليالي الفراق تسقط مدن أحلامنا بقسوةٍ!

***

شهرزاد
02-27-2021, 08:18 PM
هي الحياة ..
،
هل أدركنا كم هي تافهة ، مخادعة ، زائفة ؟
‏واننا فجأة قد نرحل
نرحل هكذا بلا مقدماتٍ، وبلا فرصة أخيرة تسبق رحيلنا
‏فنتحوّل إلى خبرٍ في صحيفةٍ ورقيّة
‏إلى موضوعٍ في موقعٍ إلكتروني
‏إلى نصٍ يكتبه صاحب قلم مخلص لنا
‏إلى(هاشتاق)يطلقة محبينا بين مصدق ومكذب للخبر الحزين
‏إلى مساحةٍ صغيرة تحت الأرض التي كنا يوماً نسير فوقها

شهرزاد
03-07-2021, 11:23 PM
هنا قد يمر بك عمرك بكامل هيبته وزينته وتفاصيله ، أو قد تعلّق بك من أمسك أشياء .. وأشياء !
مرحباً أيها الحنين ،مرحباً أيتها التفاصيل المستيقظة على عَجلٍ كأنها عاشقة تودُّ اللحاق بموعدها الأول والحصول على تذكرةِ قطارها الأخير ..
البيوت المتلاصقة،الغرف الصغيرة ،الأبواب ذات الألوان المتعددة ، سلك الحديد الذي يبقيه والدي في ثُقْب البابِ،الممرّات الضيقة،الطرقات الواسعة ، الرفاق الحفاة،لوحات الفحم على جدرانِ المنازل، صوت المطر على أجهزةِ التكييف ، قطط الطرقات التي ترفض قطع الجبن المُثلَّثة ، كلاب الشوارع الصديقة، انتهاء الإجازة الصيفيّة الطويلة ، حافلات المدارس الصفراء ، لقاء صديقات الدراسة ، رائحة الكتب الجديدة ، فرحة اسْتلام الدفاتر والأقلام، تسلُّل صوت الإذاعة المدرسية إلى المنازل ، صوت معلمة الرياضة مردداً ( للخلفِ دور ) ، دقائق الدرس البطيئة ،العبارات المحفورة على الطاولات الخشبية ،المعالات الرياضيّة التي لاتكتمل أبداً،قوانين الفيزياء التي لاتلتصق بذاكرتي طويلاً ، الجملة المفيدة التي أفشل في إعرابها ، غضب معلمة اللغلة الإنجليزية لتدني درجة الإملاء ، تهديد معلمة الرياضيات لنسيان علبة الأدوات الهندسيّة ، أقلام الرصاص التي تنتهي سريعاً ، رائحة التفاح في صناديق التغذية المدرسيّة ، منظر شطائر الجبن التي تعرقت في داخل أكياس البلاستيك ، عقاب مخالفة الزيّ المدرسي ، الجوارب الملوّنة ، إخفاء قلم الكحل وقنينة صبغ الأظافر الأحمر ، الهمسات الجانبيّة التي لاتتوقّف ، الأحاديث الخاصة التي لاتنتهي ، صوت ضحكات صبايا في مقتبلِ العمر ، ثقل الحقيبة الجلدية ، انسكاب الصمغ في قاعِ الحقيبة ، معاناة تغليف الكتب ، الفقاعات الهوائية المقيتة على الأغلفة ، متعة كتابة البيانات على الطوابعِ الورقيّة ، رائحة الممحاة الشهيّة ، بقايا أقلام الرصاص في المِبْراةِ ، فرحة تجربة الكتابة بقلم الحبر ،الهروب إلى الطرقات وقت القيلولة، فرحة الإجازة صباح الجمعة ، رائحة الخبز بالسمن العربي ، تكرار سكب الحليب بين كوبين للتخفيف من درجة حرارته ، صوت رنين الهاتف الأرضي ، المكالمات الممتدَّة لفتراتٍ طويلة بين أمي وخالتي ،صوت مطرقة أبي لإصلاح عطل ما في الصباح الباكر، جلوس جدي فوق مقعده الخشبي بعد صلاة العصر ، رائحة الطعام الشهيّة من مطبخ جدتي بعد صلاة العشاء ،احتفالات ليلة النصف من شعبان ،الحقائب القماشية الممتلئة بالمكسراتِ ، فرحة رؤية هلال رمضان ، قراءة البرامج التلفزيونية بصوت المذيع ، صلاة التراويح بصحبةِ فتيات الحي ، طقوس ليلة العيد، رائحة العود ونقوش الحناء ، الملابس المبهرجة والأحذية اللامعة، الموائد العامرة ، وصوت الدراهم المعدنية في حقائب الصغيرات ، سرعة زحف السنوات نحونا ، ارتفاع قاماتنا وتغير ملامحنا ، وهم الاستقلاليّة ،التذمُّر من النصائحِ ،التمرُّد على التوجيهات ، طقوس مرحلة المراهقة ، روايات الحب المخفيّة تحت وسائدنا ، أغنيات الشوق التي ننصت إليها سراً، قراءة قصائد الغزل ، كتابة أول خاطرة حنين ، الرسائل التي تكتب لمجهولٍ، قصاصات الصحف الورقيّة ، قلق انْتظار المكالمات الخاصة ، طيران أيامنا الجميلة ،طوارئ ليالي الاختبارات،حرق الكتب بعد الامتحان الأخير ، ترقب اعلان النتائج عبر المذياع بتوتر ، فرحة الالتحاق بالجامعةِ ، مصافحة وجوه جديدة ، السكن الداخلي ، الغربة اللذيذة ، الأرواح النقية ، السنوات المختلفة ،التفاصيل الخالدة ، بكاء اليوم الأخير على مدرجات الجامعة ، حكايات أهدتنا إياها الحياة ، وحكايات سلبتها منا الأيام ، أحلامنا الخضراء التي اشْتعلت فيها النيران لأسباب مجهولة ، حرقة البكاء على أمنيات ولدت في الخفاء وماتت في الخفاء ، لحظات الحنين التي خنقها كاشف الأرقام ، انطفاء الجزء الأكبر من لهفتنا، أطفال دفاترنا الذين ودعناهم على محطات ورقيّة، المنزل الجديد ،جزء الكأس الفارغ من الذكريات، الحنين الذي بقي في العمر القديم ،الأحاديث التي اختبأت في جدرانِ الغُرَف الأولى، الأسرار التي تحوّلت مع الوقت إلى صناديق سوداء، عالم المنتديات الذي عشنا فيه أعوام جميلة، أصدقاء الدردشات العفويّة ، العلاقات الوهمية ، الحماقات الطيبة ، الليالي التي أصبحت ذكرى،الرفاق الذين مضى بهم الوقت، حوادث الفقد التي غرسها فينا الزمن بقسوة،الأصوات التي رفضت أن تغادر رؤوسنا، هواتفنا القديمة التي تحوّلت إلى مقابر جماعية ، البقايا التي نقفل عليها خزائننا الخاصة ..الحنين الذي يتجرأ علينا والذكريات التي تفترس أرواحنا بين فترة وأخرى ..
كل ماسبق .. طقوس أفتقدها جداً ، أفتقدها حدَّ البكاء ، حدّ البحث عن مفاتيح بوابة الأمس ، حدّ الاختباء في زاويةٍ معتمة ورسم كل الوجوه التي أحن إليها وتقليد كل الأصوات التي اشتاقها ..

شهرزاد
04-04-2021, 12:21 AM
كاخوة يوسف ..
قذفوا بك في فم الغيب
وعادوا يتباكون !

شهرزاد
04-05-2021, 10:37 PM
،
أسطر من رواية :

ورفض قلبه كل حكايةِ حب لم تكن زينب بطلتها منذ تلك الليلة التي وضع فيها يديه على أذنيه كي لا تتسلّل إليها أصوات المَعازِف
التي تتسرّب من فناءِ دار ( زينب ) حيث كان الجميع في حالةِ فرح ، إلاّ هو ، كان في حالةِ برْد موجع ..
انه البرد الذي نشعر به حين تتعرّض أرواحنا لصدمةٍ ما ، أو لهزّةِ حزن قويّة !
لذا تمنى ليلتها أن تصمت الحياة كلها
وأن يتخلّص من هذا البرْد الذي كان يُدْرك تماماً انه لن يدفأ بعده أبداً ...!

،

شهرزاد
04-22-2021, 01:17 AM
عمتي في ذمة الله ... كأن النبأ دعوة للبكاء ..
لحفلة تنكريّة أهرب فيها من نفسي فلا الحق بي ..

عمتي ...أنا التي كتبت يوماً ان
(الموت حكاية وجع.. إن رحلنا قبلهم أوجعناهم، وإن رحلوا قبلنا أوجعونا) ....
وهاأنتِ ترحلين قبلي ...وتوجعيني ...توجعيني جداً ...
.فأبكي بصمت كأنني أتعرّض لهزّة نفسيّة ...
كأنني نسيت طريقة البكاء ...كأنني أكتشف الحزن للمرّةِ الأولى ..
لم يعلمني أحد البكاء ياعمتي..تعلمته من تكْرارِ حالات الفقد في عمري ..
فهاأنا أقف الآن أمام هذا الحزن العظيم مُتلعْثِمة ، مُرْتبكة الشعور ...
كأنني أمسك القلم للمرّةِ الأولى ..
فيهتز قلبي كأنه جرحي الأول ..ويهتز قلمي كأنه مقالي الأول ؟
،
فمنذ سنوات طويلة وأنا أكتب الحزن ..
لكني في هذه الليلة فقط اكتشفت ان الحزن هو الذي
كان يكتبني في كلِّ مرةٍ أبدأ فيها بالكتابةِ ...
سنوات طويلة وأنا أتناول الحزن بشهيّةٍ .
.لكني اكتشفت هذا المساء ان الحزن هو الذي كان يتناولني بشهيّةٍ عند كلِّ نوبةِ حزن تنتابني لسببٍ أو لآخر ....

فأخبريني ....
هل حقاً تتلاقى الأرواح المغادرة في العالمِ الآخر وتتعانق بشوقٍ؟
ان كان هذا يحدث ..فهل التقيت بكلِّ الأرواح التي غادرت الحياة قبلك دون علمك .
.هل التقيت بروحِ سالم وروح فاطمة وروح صديقتك المُقربة،
وروح جارتك الطيِّبة وأرواح كثيرة رحلت قبل رحيلك..
وكنت تظنين انهم على قيد الحياة، وربما ساورك الشك حين طال غيابهم عنك ..
وهل اكتشفتِ كذباتنا البيضاء التي ارتكبناها خوفاً عليكِ ...
وأدركتِ كم أحببناك وكم قلقنا عليك ...
وكم مارسنا الكذب وكم زيفنا الحقائق كي لاينال الحزن من قلبكِ الطيب....
،
( عمتي في ذمة الله )
تبَّاً لهذه الليلة الثقيلة جداً، إنها تدفعني نحو الكتابة عن الفَقْدِ بقوّةٍ،
على الرغْمِ من يقيني أن الكتابة ليست دائماً هي الطريقة المثلى للخروجِ من نوْباتِ الحزن،
فهناك حالات حزن تبْتلع أرواحنا بشدةٍ، تَقْضِمُ الجزء الأكبر من قلوبنا، تؤلمنا كثيراً،
أكثر من قدرتنا على التعبيرِ، وتكرر قذف أرواحنا في متاهات الفقْدِ، فلا نهاية لحالاتِ الفقْدِ،
وكلما امْتَدَّ بنا العمر كنا أكثر عُرْضة لفقدانِ المزيد من الأحبةِ،
وأكثر عُرْضة لخوضِ حالات عِدّة من الفراقِ وتَكْرار تجرُّع حزنها.
فبعض الوداعِ يتجاوز حدود الألم، ولا يشبه وداع القطارات،
تلك المشاهد التي يتم تصويرها فوق محطات الوداع، حيث يتم تبادل الوعود وباقات الورود
والكلمات المتبقيّة في قلوبنا، والوعود المُطَمْئِنة قبل صفارةِ الرحيل الأخيرة.
وبعض الوداع شبيه بتلك المساحات الساشِعة التي نركض عليها في أحلامنا حُفاة،
دون أن تنتهي، ودون أن نصل إلى فتحة الضوء التي تبشرنا باقْتِرابِ الفرج،
وباقْترابِ لحظة التنفس بعد ذلك الاختناق، الذي نال من أرواحنا فترة طويلة.
أمَّا أصعب أنواع الوداع فهو ذلك النوع الذي يقوم ببطولته أقرب الناس إلينا،
أحبتنا الأعزاء الذين لم نهيئ أرواحنا لفكرةِ رحيلهم، ونجد صعوبة في التأقلمِ مع واقع فراقهم،
ويُخيَّلُ إلينا أن رحيلهم هو الفصل الأخير من الحياةِ.
لكن الحياة تستمر، ولا تتوقف عند تلك اللحظة الثقيلة من عمرِ الزمن،
اللحظة التي قلنا فيها وداعاً، ولوَّحنا بأيادينا رغماً عنا، فهناك رحيل لانملك القدرة على منعهِ أو رفضه،
هو يأتي كقدرٍ مؤلم، ويحوِّل الأرض إلى مساحاتٍ خاوية،
تتحوَّل مع الوقتِ إلى غابات مرعبة،
تغني فيها أرواحنا مَواويل الرحيل، فالحياة التي تستمر حولنا، قد تتوقَّف في دواخلنا،
فبعد رحيلهم نتعرض لنوباتٍ من الحنين المؤذي، فنحنّ إلى كل التفاصيل المتعلِّقة بهم،
نحنّ إلى وجوههم وأصواتهم وأماكنهم المفضَّلة، نحنّ إلى حواراتهم ومناقشاتهم
وضحكاتهم ونوبات غضبهم، نحنّ إلى حماقاتهم التي لم نكن نراها قبل أن نقول وداعاً،
فكل الأحداث حين نتبعد تصبح شديدة الوضوح فجأة، وكأنها اغْتسلت بعد رحيلهم من شوائب السنوات،
وكأن الحياة لم تعد على عهدها القديم معنا، وكأننا نعيد اكتشافها بعد الفراقِ من جديدٍ،
فالذين فقدوا آباءهم أدركوا أن الحياة بِلا أبٍ باردة جداً، والذين فقدوا أُمَّهاتهم أدركوا أن الحياة بِلا أمٍّ مرعبة جداً،
والذين فقدوا فلذاتهم أدركوا أن الحياة مزيفة جداً، كما أدرك الذين فقدوا إخْوتهم أن الحياة بِلا إخْوةٍ موحشة بِلا حدٍّ..
،
الراحلون الأعزاء .... نحن لن ننساكم ...كنتم قِطْعة من أرواحنا ..
قِطعة من أعمارنا الجميلة..قِطْعة من تفاصيلِ حياتنا الحقيقيّة قِطْعة من ذكرياتنا المُخَلّدة...كنتم أشياء كثيرة ، أشياء لا تُشرح ؟ لاتوصف لايمكننا التعبير عنها أبداً...

الراحلون الأعزاء نحن لن ننساكم ...
فأنتم الشطر الأكبر والأغلى من الذاكرةِ ..
فوجوهكم ستبقى في ذاكرة أعيننا ...
أصواتكم ستبقى في ذاكرة اذاننا ...
تفاصيلنا المشتركة معكم ستبقى في ذاكرة قلوبنا ...

الراحلون الأعزاء ...نحن لن ننساكم ...
فنحن نملك قدرة الحزن ولانملك وقدرة الصبر وقدرة الشوق وقدرة التأقلم وقدرة التناسي ....
ولانملك قدرة النسيان...

شهرزاد
05-23-2021, 12:39 AM
أشعر الآن بالقوة عند الكتابة إليك ..
فدائرة الوجع أكملت دورتها
والأدوار توشك أن تتغير..
،
هل أبوح لك بشيءٍ؟
أنا فقدت قدرة الصفح عنهم !
لم أعد تلك الفتاة الطيبة التي تتوجع بصمتٍ،
فمع مرور السنوات واتساع رقعة الوجع في روحي
أصبحت لا أنتظر سوى عودتك
وسقوط أقنعتهم عند هبوب رياح الفرح على مدني ...
وانصهار وجوههم تحت أضواء الحقيقة ..

شهرزاد
05-25-2021, 12:19 AM
القلقون الذين لاينامون بسهولةٍ..
اغمضوا أعينكم قبل النومِ ...تنفسوا بعمقٍ
اعبثوا بأزرار الوقت .. سافروا خيالاً إلى أجمل مراحلكم العمرية
زوروا المنازل التي كانت تمثل وطن الامان لأرواحكم
ادخلوا مدارسكم القديمة ...صافحوا رفاقكم القدامى ...
اجلسوا فوق مقاعدكم الخشبية .. استخرجوا كتبكم الدراسية
امسحوا طباشير السبورة السوداء....
ارتدوا ملابسكم المزخرفة ... أعيدوا الاحتفال بمناسباتكم السعيدة
كرروا الصدف الجميلة في حياتكم
اركضوا على الطرقات بِلا انتهاءٍ.
اغمسوا أقدامكم في رمالِ الشواطىء
تابعوا رحلة طائراتكم الورقية ....
حلقوا معها باتجاه السماء ...حيث الراحة والصفاء والهدوء .

شهرزاد
10-04-2021, 09:28 PM
كيف أنتِ ؟
أخبريني عنكِ !
ماذا أخبرك عني؟
والحنين للماضياتِ كل ما تبقى مني!
،
،
فكم احتجت أن يعيرني أحدهم أذنيه وصمته واهتمامه ووقته،
كي أنجح في إخراج كل ذلك الضجيج الذي ملأ روحي في سنوات الغياب ..
السنوات التي غاب فيها رفاقي وأصدقائي ....
وبقيت وحيدة لا أشبه شيء ولا يشبهني شيء !

أحتجت لدعوة البوح هذه حين كنت أبحث عن جدران منزلي القديم
كي أكتب عليه بعد أن احترقت كل أوراقي وكل لوحاتي ..
وجردوني من كل مساحاتي الآمنة....
ووشموا قلبي بختم الغربة والغرباء !

احتجتها حين كنت وحيدة أتعرقل بعلاماتِ استفهام بلا أجوبةٍ ...
حين كانت المتاهة واسعة جداً و الأبواب مغلقة في وجهي ،
حين كنت بطلة في لعبة الثعبان والسلم ،
وكلما ارتفعت وأوشكت على اعتلاء القمة أسقطني ثعبان مترصد ،
كنت وحيدة جداً أدقق في وجوه المارة
لعلّ أحدهم يتوقف ليسألني ماطعم وجع الوحدة ،
وماحجم الخوف في مساحاتنا الآمنة حين يرحل الرفاق
ونبقى بصحبةِ ظلالنا التي حين تغيب الشمس تختفي هي أيضاً ...
كنت خائفة جداً .. أسترق النظر إلى الغرباء كأنني أبحث عن وطن ..
كنت أتمنى أن يستوقفني أحدهم كي يهديني أغنية عن الوطن ..
كان يرعبني أن أخبرهم انني أفتقد وطن..

لكن لم تكن أوقاتهم تتسع لرؤية وجعي الداخلي ...
كانت همومهم الحاجز بينهم وبين الآخرين .
.كان الجميع يتألم بطريقته الخاصة ،
كان الجميع ينتظر أن يستوقفه أحد كي يهديه مفقوداته ...

أعلم اني قد ثرثرت كثيراً ...
بينما كل ما وددت إخبارك به هو انني( بخير) ...
وأصبحت أشبه أشياء كثيرة إلاّ نفسي ، توقفت عن الكتابةِ ،
وعن القراءةِ ، وعن عدّ الخراف قبل النوم ،
ولم أعد أسلي نفسي بتشكيل ظلال الحيوانات على جدار غرفة شبه مظلمة،
وتوقفت عن سماع أغنياتي المفضلات ،
وأفلت يد الكلمات التي كانت تعيدني إلى الأزمنة والأمكنة القديمة ،
وتخلصت من صندوق البريد الملاصق لباب منزلنا ،
وأصبحت لا أختنق في الأماكن المغلقة ، ولا أهتم بعتمة الغرفة كي أنام ،
وتنازلت عن الإبحار بقارب صغير إلى جزيرة مهجورة ،
ولم أعد أحلم ببيع الورود على طريق يسير عليه العشاق حين تنكرهم بقاع الأرض ،
ولا زال انصهار المسافات يرعبني ، ويدخلني في حالة من حالات الفراق المفاجىء ،
فما زالت لعنة القرب تطاردني ..
وأود أن أتحول إلى خيال مآتة لايقترب مني أحد ..
أو ان أصعد إلى خشبةِ المسرح ، وأجسد دور المهرج ...
الذي يتلوّن لهم كثيراً ...ويضحك معهم كثيراً ..
ويقفز أمامهم كثيراً ......ويبكي وحيداً ...
ويجمع قطع انكساره وحيداً !
،

شهرزاد
11-22-2021, 09:31 PM
،

مرّت سنوات !
ماذا تبقى مني بك ؟
هل أسقطتني كاملة
أم احتفظت ببعضي؟


.