مشاهدة النسخة كاملة : " هَامِش حَداثَوي "
عَلاَمَ
10-31-2019, 12:09 PM
السلام عليكم
يخبرنا السيد: حسين سرمك
قلت كثيرا أن المبدع الجبار هو من يمسك بإحكام بالإجابة الشافية على سؤالين حاسمين :
الأول: هو الرؤية ( بالتاء المربوطة )
أما الثاني: فهو الرؤيا ( بالألف الممدودة ) .
الرؤية تتعلق بسؤال مركزي هو : كيف أكتب ؟ أي ( التقنية )
أما الرؤيا فتتعلق بالسؤال المركزي الآخر وهو : لماذا أكتب ؟
أي ( الفلسفة أو الموقف الوجودي من الابداع أو ببساطة الجدوى من كتابة الشعر ).
ووسط الأزبال التي كتمت أنفاس الحبيب يقف ( مظفر النواب ) فوق أطروحات الرؤية والرؤيا على حد سواء ،
يجمعهما في تعبير بسيط ومركب وشديد الأذى :
أگولن گاعي وأعرفها
أگولن گاعي ،
يتنفس بريتي ترابها …….
وحبها … وبصلها ….والشمس … والطين..
باعوني عليها
وخضّرت عيني بدمعها
وماني بايعها
وسنلاحظ ظاهرة أخرى تتمثل في أن النواب صانع ماهر بوعي متقد ، إنه يصنع القصيدة
بمعنى أنها تستنزفه وتتطلب منه تركيزا هائلا وانتباهة شديدة لكل كلمة .. بل لكل حرف
وهذا يذكرنا بما قاله شاعر ألمانيا العظيم ” هاينه ” :
“ يتحدثون عن الإلهام وأنا أعمل كالحداد ” .
هناك أسرار في الصنعة النوابية إذا فككت رموزها ستتأكد أن مظفر ينطبق عليه قول :“ إليوت ” :
( الكتابة هي تحويل الدم إلى حبر ) .
إذ يقول:
قبل النواب لم يكن هناك حساب لحرف ولم يكن هناك فهم للدلالات الموسيقية والنفسية للحرف وليس للكلمة حسب ،
النواب لم يعد الاعتبار للمفردة فقط بل للحرف أيضا .
حسام الدين ريشو
10-31-2019, 01:18 PM
جميلة هذه الدراسة
مفيدة لمن يكتب
جزاك الله خيرا
سيرين
10-31-2019, 02:00 PM
مظفر النواب بصمة مائزة تعتلي رُبى الشعر إرثاََ ومجداََ
واي موهبة لابد لها ان تصقل حتى تحتل تلك مكانة العظيمة
كما ذكر
( الكتابة هي تحويل الدم إلى حبر ) .
رائعة ياعلام وما تهدينا من نفحات الجمال
مودتي والياسمين
\..:icon20:
عَلاَمَ
11-04-2019, 11:39 AM
" زين .. ومو زين "
,
مَرحبًا :
يُخبرنا السيد: حسين سرمك
عندما يتراجع مظفّر النواب أمام المثكل وقتيا فإنه يتراجع كأسد جريح ،
كان الهاجس الطاغي لدى السياب في شعره هو الموت الوشيك والهشاشة الوجودية أمام الفناء .
وسيطرة الخوف من شبح الموت على السياب منذ مراهقته المبكرة ،
تجلى هذا الخوف في أحلامه وقصائده المبكرة ورسائله إلى صديقه ” خالد الشواف ” وهو في مرحلة الدراسة الإعدادية ،
ولهذا يعتبر بعض النقاد وهم محقون أن السياب “ انتحر” ولم يمت في الواقع .
لقد اندحر وتحطمت إرادته المقاومة فركب الموت على ظهر وجوده وساقه مستسلما إلى ظلمات العالم الأسفل .
لقد كان النواب وهو في أشد حالات المرض التي شاهدتها بعيني كان باسلا في الحفاظ على كبريائه العزيزة .
كان حين يُسأل عن وضعه الصحي وعليه أعراض متعبة من مرضه المزمن ، يرد : زين ..
وفي أسوأ الأحوال يقول : زين .. ومو زين !! .
حتى في الأوضاع التي يتسيّد فيها تأثير المرض كحقيقة ساحقة .. ، يحاول إنصاف ذاته الجسور فيحتفظ بنصف من كفة الصراع .
كل من سبقوا مظفر أو عاصروه في الشعر العامي أو الفصيح بشقيه ( العمودي والحديث – شعر التفعيلة )
مرّوا بحالات مراوحة بين الإقدام والإحجام تكللت بالإقرار ، المستخذي أحيانا ، بحقيقة الموت ..
إلّا مظفر النواب : فهو الإنسان الذي يطوّع معادلات الفناء رغم علمه بحتميتها وقدريتها التي لا تُرد ولا تتزحزح .
ولا يمكن الحصول على صورة كاملة تعبر عن هذا الحال العجيب إذا لم نمض وبصورة متسلسلة من عيش حچام واسعيده من قصيدة :
( حچام البريس ) في أتون تجربة المواجهة مع رموز القمع ؛ الشرطة – المسخ التي لا هي كلاب ولا هي رجال .
تلك التجربة التي تنغزل فيها خيوط الشروط الحركية والصوتية والضوئية واللونية ،
وهذا التظافر التعددي هو جوهر الفعل السينمائي والتي تتصاعد حسب الحركة الموجية المتناوبة بين صعود وهبوط جزئي لا يصل القعر الانفعالي أبدا
لأن عتبة – threshold انفعال روح الشاعر متوترة دائما وعالية المستوى حتى في حالة المناجاة الحلمية الشعرية ، ومختلفة عن عتبة انفعال البشر العاديين .
,
عَلاَمَ
11-05-2019, 11:48 AM
https://www.alnaked-aliraqi.net/files/2014/01/mothaffar-8.jpg
" شتائم ما بعد النقمة "
مرحبا
يقول السيد: حسين سرمك
.. ومن المؤسف أن شتائم مظفر والأوصاف البذيئة والأفعال التحرّشية لم تحض بوقفات نقدية متأنية .
وقد عجبت ذات مرّة حين قرأت إدانات بعض النقاد والسياسيين لشتائم الشاعر التي ترد في نصوصه .
يقولون : لا يجوز للشاعر أن يستخدم التعبيرات البذيئة في المجتمع العربي الذي تشكل ثقافته وسلوكه قيم دينية واجتماعية معروفة .
لكنني أسأل : هل هناك شيء غير بذيء في الحياة العربية ؟ هل يوجد عهر داعر يفوق عهر السياسة العربية ؟ يصفون السياسيين بأنهم مثل العاهرات ،
وهذا ظلم فادح نوقعه على العاهرات . المومس تقدّم لك لذة محسوبة مقابل المال ...
وقد تتعاطف مع همومك في استجابة أمومية تصل أعظم تجلياتها في ما اصطلح عليه بوصف ” المومس الفاضلة ” المأخوذ عن ” جان بول سارتر ” .
لكن ما هي اللذة التي يقدمها لنا السياسي الداعر؟. إنه يحطم مستقبلك ومستقبل أطفالك ويسحق مقدرات وطنك وينهب ثروات شعبك دون أن يقدم شيئا مقابل ذلك ،
وبذلك فهو أحط من المومسات عهرا ! .
ولكن لشتائم مظفر جذرا آخر نفسيا غائرا غفل عنه الكثيرون من النقاد ويتعلق باللعب المصلحي – النفسي – المتبادل بين الشاعر والمتلقي .
فللشاعر فوق الضرورات الفكرية والنضالية لهذا السلوك الشعري هناك ضرورة إبداعية .
إنها نتاج عجز اللغة الشعرية التقليدية عن تجسيد حالة (ما بعد النقمة) .
إنه العي الذي ينتابنا حين تجتاحنا حالات أقصى الغضب .. فنصمت . إن هذه الشتائم هي في الواقع أقصى الصمت ، وهي الوجه الآخر لبلاغته .
وهناك ناحية أخرى ، فمن خلال متابعة النمو النفسي للطفل نجده يحصل على لذة كبرى حين يحوز على اللغة .
إنها الأداة الأعظم التي تعزز شعوره بالقدرة الكلية -omnipotence ، يقول للشيء كن فيكون ،
وبدل الصراخ المضني الذي قد لا يتبعه حضور موضوع الرغبة – الأم ، أصبح هذا الموضوع (تخلقه) الكلمة البسيطة وتتسبب في حضوره بلا عناء .
هنا تتجلى أول تمظهرات سحر اللغة الآسر .
لكن بعد أن نكبر وننضج وندرك الطبيعة القامعة للحياة الاجتماعية وكيف أنها لا تخضع للرغبة ولا لفعل اللغة ،
تفقد اللغة سحرها ولا يبقى منه سوى المفردات والصياغات التي ترتبط بالمجازات الشعرية وعبارات التجديف والشتائم والكلمات البذيئة .
هذه فقط تعيد للغة دهشتها الطفلية الأولى .
ولعل هذا هو القاسم المشترك الذي يجعل طرفي العملية الإبداعية ؛ الشاعر والمتلقي ،
يجدان لذة كبرى في الشتائم الشعرية ويتصافقان عليها في اتفاق غير معلن .
مظفر يعيش وضعا متفردا ومختلفا ، إنه متلبس بحالة “ ما بعد الحب ” العجيبة .
هنا ينمو الولاء بدرجة أشد في حالة انكسار المحبوب ليس لأن صورة العودة الصحية المختزنة هي الأساس المرجعي المشبع من قبل ،
فقد فتح مظفر عينيه على الحياة وأرضه ترزح مُذلّة تحت أكوام تاريخية من أزبال الطغاة ومختنقة الأنفاس بفعل ..
الاضطهاد والحرمان والموت والخراب ،
إن البهاء يستعر حين تتراكم على المحبوب الفضلات الخانقة .. ( ترتد النقمة ثأرا مسعورا ، لكن من من؟ ، من الذات!! ).
,
عَلاَمَ
11-06-2019, 11:12 AM
https://api.al-aalem.com/api/500x340/uploads/images/uploads/2016/03/%D9%85%D8%B8%D9%81%D8%B1.jpeg
مرحبا
يُخبرنا السيد: حسين سرمك
بقول الشاعر الصيني ” وو كياد ” في توضيح الفرق بين الشعر والنثر ، معبرا عن ذلك بالبلاغة البوذية المركزة والمكثفة ،
وبفن التشبيه المعروف الذي يشتق من حكمة الطبيعة التي تغنيها عن الكثير من الإطالات التفسيرية والاستطالات الكلامية :
( إن رسالة الكاتب مثل الأرز ، عندما تكتب نثرا فإنك ” تطبخ ” الأرز ، وعندما تكتب الشعر فإنك تحول الأرز إلى نبيذ ،
طهو الأرز لا يغيّر شيئا من شكله ، لكن تحويله إلى نبيذ يغير شكله وخصائصه .
الأرز المطبوخ يجعل المرء يشبع ، ويحيا حياة كاملة . النبيذ من جهة أخرى يجعل المرء ثملا ،
ويجعل السعيد حزينا والحزين سعيدا . إن أثره ، وبكل رفعة ، يقع خارج الشرح ) .
ومظفر النواب هو من صنف الشعراء الذين يحوّلون الأرز إلى نبيذ ؛
إلى خمرة كونية تجعل الحزين سعيدا في كل حال لكنها عندما تفرط في همّها الذاتي تجعل السعيد حزينا في أقل الأحوال .
النواب يبذل جهدا هائلا في الصبر ليس على ” تخمير ” القصيدة مبنى ومعنى حسب ، بل على تخمير المفردة الواحدة ،
وأحيانا الحرف الواحد . وهذا الصبر المتطاول المحسوب ، ينتج لنا أروع أنواع الخمور الشعرية الساحرة ؛
,
عَلاَمَ
11-10-2019, 10:51 AM
.
مرّينه بيكم حمد …
واحنه ابغطار الليل ..
واسمعنه دگ اگهوه …
وشمّينه ريحة هيل
يا ريل ...
صيح ابقهر ...
صيحة عشگ , يا ريل
هودر هواهم ,
ولك ,
حدر السنابل گطه
مرحبا ,
يُخبرنا السيد : حسين سرمك
إن سبب إنتشار قصيدة " للريل وحمد "
أن هؤلاء البسطاء يجدون في شعر النواب غبطة الحزن ورجفة التعاسة التي تجعل شيئا من الرجاء .. من الأمل ..
ومن المحبة .. يتململ في أعماقهم المترعة بالحزن في عالم تحاصرهم فيه أشباح الخراب والموت من كل جانب
وجد المتلقي العراقي بغيته ؛ قصيدة حديثة وبسيطة ..
فيها أغلب شروط الحداثة ومفهومة من قبل كل العراقيين مهما اختلفت مستوياتهم الثقافية وأصولهم الاجتماعية .
كل فرد يجد في قصيدة مظفر ” شيئا ” يشبع حاجاته الجمالية ، ويلبي رغباته المعلنة والدفينة – حتى الحسّي الملتهب منها – .
هي حداثية عامة ، ومركبة مفهومة ، يلتحم فيها الفردي بالجمعي ، والشخصي بالإنساني ، والعشقي بالسياسي ، والأهم الحزن بالفرح ،
والإحباط بالرجاء ، واليأس بالأمل ، وكلها تحت خيمة المراهنة على بصيص حياة يحاول الشعر أن يفتح له منفذًا أكبر.
,
عَلاَمَ
11-12-2019, 11:12 AM
http://www.ab33ad.info/up/uploads/images/ab33ad.info-f4b52b6833.jpg
.
مرحبا
يخبرنا السيد : حسين سرمك
إن العنف الذي أدخله مظفر النواب إلى القصيدة العامية هو من نوع ( العنف المُحبّب ) أو ( العنف الآسر )
الذي يختلف جذريا عن ( العنف الدموي ) الذي أدخله الجواهري إلى القصيدة العراقية الفصحى ، والذي امتدت عدواه إلى روّاد قصيدة التفعيلة .
،
الفارق شاسع بين عنف الجواهري والبنية الفنية واللغوية والجمالية لقصيدته ، وبنية قصيدة السياب العمودية شكلا ومضمونا وقدرة تصويرية .
لكن ما يهمنا هنا هو أن العنف الجواهري الوحشي عنفٌ معدٍ أصاب بعدواه شعراء الحركة الجديدة الذين امتدت في نصوصهم مفردات الجواهري ...
أمّا العنف النوابي فهو العنف المحبّب – العنف الآسر ، العنف الناجم عن تشابك إرادتي الموت والحياة في وحدة جدلية خلّاقة .
،
إن الثورة النوابية قد دشّنت مرحلة الإنتقال النهائي في القصيدة العامية العراقية من المرحلة ( الفوتوغرافية ) إلى المرحلة ( السينمائية ) إذا جاز الوصف .
إن هذه المشهدية السينمائية قد فرضتها ثقافة الشاعر .
ولنقل بلا تردّد أن شعراء العامية الذين سبقوا مظفر لم يكونوا مثقفين ،
وهم معذورون بسبب طبيعة المرحلة التاريخية التي عاشوها . كانوا مثقفي فطرة ..
وثقافة الفطرة قد تُدهِش أحيانا من ناحية الإلتقاط التلقائي ( العذري ) لتململات الطبيعة ، لكنها (لا تخلق) ،
بمعنى أنها لا تستطيع تشكيل حركة شعرية من الحركة الطبيعية التلقائية ،
أي أنها عاجزة عن الإنتقال من حالة (الرصد) الفوتوغرافي إلى مرحلة (التجسيد) السينمائي المشهدي العريض الذي ابتكره النواب.
,
عَلاَمَ
11-16-2019, 05:09 PM
.
كتاب " قطار الشظايا الندية "
السيد : حسين سرمك
[ يستهل الكاتب كتابه بالسؤال ,لماذا أدب الحرب الكبير يكتب بعد الحرب؟.. وبعد الإجابة الوافية عن هذا السؤال يبدأ الناقد بتحليل لثلاثة عشر قصة من أدب الحرب لكُتاب عراقيين ].
،
اني اغبط من يمتلكه.
عمرو بن أحمد
11-18-2019, 11:35 PM
متعة الالتقاطات المدهشة ... تجعلنا نتحلق حول كتابات سرمك الملغومة ..
شكرا علام
عَلاَمَ
11-27-2019, 10:44 AM
متعة الالتقاطات المدهشة ... تجعلنا نتحلق حول كتابات سرمك الملغومة ..
شكرا علام
انما الشكر لحضورك
عَلاَمَ
11-27-2019, 11:07 AM
.
" الجيل الناقم .. "
يخبرنا السيد: حسين سرمك
ليس أصعب على الإنسان من أن يكون بطلاً لكنه يقضي أوقاته في مقهى أو في بيع غرفة نومه
أو نياشين شجاعته ليشتري الملابس المعادة لدول العدوان “ المتحضرة ”..
والأخطر هو انهيار قيم عالمهم الشامل.. وسحق كل ما هو جميل في حياتهم…
أمّا الشعر الذي كان يرون – تقليدياً – أنه يعبر عن معاناة الناس فقد وجدوا أنه غارق والأصح محلِّق في سماء الأساطير
والروائح الصوفية والغثيان والإنشطارات والبيانات وتهشيم بنى اللغة وتفجيرها من الداخل..
فجاء الجيل الناقم ، وأؤكد لا اليائس ، لينـزل بالشعر من سماواته إلى أرض الواقع المتفجّر ويخلق صوفية شعرية جديدة
هي “ صوفية التراب ” التي وفرّوا لها شرطيها الأساسيين:
* الأداة التعبيرية المناسبة التي تتطلب التخلي عن “ لآلئ ” اللغة القاموسية وحتى الشعرية المتداولة ،
* والمرجعية في الحياة التي سيعبِّرون عنها والتي وجدوا أنّها لا تتمثل في " متن " الحياة ،
بل في " هامشها " الهامش في كل شيء.. في النّاس، القيم، اللغة، الأماكن…إلخ..
هو المعين الذي لا ينضب ، وهو المرجع الحقيقي الذي أُهمل طويلاً.
لقد أخلصوا لأداتهم فأصبحت المفردة اليومية الحربيّة والتحرّشية خصوصاً شائعة في نصوصهم..
وآمنوا بقداسة “ الهامش ” ويتضح ذلك في الأعمال الشعرية عند أبرز ممثلي الجيل الناقم [ سلمان داود محمد ] .
بدءاً من العنوان ، بالإخلاص لرفيق الشاعر في الحياة: الموت ولعطاياه الفائقة ، الإيمان بصوفية التراب الطهور ،
شيوع المفردات الحربيّة ، قداسة المكان ، السخرية السوداء ، الإمساك باللحظة الحاضرة دون ذيول تراثية أو رؤي مستقبلية ،
نقل الهامش في اللغة إلى المركز الشعري ، وغيرها.
وكل ذلك تحت غطاء مشحون ومُلتهب من النقمة الشاملة على كل شيء ، نعم على كل شيء ودون استثناء وبلا تردد ،
ويتضح جلياً أنّ هناك إيمان بأن هامش الحياة الحقيقي المهمل والفذ في الوقت نفسه يفوق إغواءات متنها المنافق والخادع ،
هذا المتن الذي هوسبب الخرابات والعذابات التي مزقت وجود الشاعر والمجتمع الذي يعيش فيه شـر ممـزق.
,
عَلاَمَ
12-16-2019, 11:46 AM
.
http://www.ab33ad.info/up/uploads/images/ab33ad.info-989f77ef9a.jpg
.
" النقد الإنطباعي.. "
يُخبرنا السيد : حسين سرمك
أن الكثير من النقاد العرب الإنطباعيين ، يخجل ، أو يخاف ، من الإعلان عن موقفهم النقدي الانطباعي بفعل ما أسميته بـ " الإرهاب النقدي الحداثي "
الذي تصاعد مع المد البنيوي وهُرعنا خلف غبار خطواته في النقد العربي دون تمحيص بفعل التبعية للآخر الغربي والإنبهار العصابي ..
لقد استبعد (ويلبر س. سكوت) من كتابه ( خمسة مداخل إلى النقد الأدبي) المنهج الإنطباعي ، مُبررا موقفه بقوله :
( والمدخل الآخر غير المذكور هنا هو ( الإنطباعي- the impressionistic ) .
إن لكل امرىء انطباعاته في مواجهة التجربة الأدبية ، وقد يجد بعضهم ضرورة في كتابتها
إن تقدير هؤلاء يعتمد بالطبع على الذوق ، والمعرفة ، والقدرة على الكتابة النقدية ، غير أن طبيعة هذا ( اللون )
وحدها تجعل من العسير إدخاله ضمن تصنيف خاص ، أو لأنه مشمول بأحد المداخل المذكورة هنا .
والمداخل الخمسة هي: الأخلاقي ، النفساني، الاجتماعي ، الشكلي (الجمالي) ، النموذجي (الأسطوري) .
( عبد الجبار عباس ) الناقد العراقي والعربي الوحيد الذي دافع عن موقف واختياره كناقد انطباعي بصورة علمية ومنطقية ،
خصوصا في اللقاء الشامل الذي أجراه معه الروائي (عائد خصباك) والذي أعلن فيه بلا تردد :
والذي نشر في مجلة الأقلام / العدد السادس: 1985. قال:
( دعني ألفت نظرك إلى شيء طريف هو أنك لا تجد ناقدا عربيا يجهر بما أجهر به الآن من أنني ناقد انطباعي ).
الناقد العربي المعاصر يخجل من أن يعلن عن انطباعيته ربما لأن الانطباعية ماتزال متهمة بأنها قرينة الذاتية واللامنهجية ،
وأنها النقيض لما حققه النقد الأدبي المعاصر بفضل التزامه مناهج تقيم للفكر والموقف الفكري وزنا كبيرا .
إنك تستطيع أن تتلمس هذه الانطباعية ، فالفنان يحقق ذاته في هذه الطريقة ، لا تكتب لتعلن عن موقف ، وإنما تجد في نفسك حاجة .
مثلما هزت الشاعر تجربة معينة فأثمرت قصيدة ، كذلك أنت قرأت أثرا أو مجموعة آثار ، فوجدت أنها بذرت في نفسك بذرة ،
نضجت لتستحيل إلى أثر نقدي ، إن هذه الطريقة تشعره أنه يأتي بشيء من ابتكاره يصبح المنهج أسلوبه .
ويناقش عبد الجبار معنى المنهجية وضرورتها للناقد والبحث النقدي فيرى أولا أن المنهج النقدي كالأسلوب الأدبي ينمو ويتبلور
عبر التجارب حتى يستقيم فيصبح مرآة لشخصية الكاتب ، وكما أن أسلوب الرجل هو الرجل حسب تعبير الفرنسي " سنت بوف " فإن منهج الناقد هو الناقد .
ويرى عبد الجبار أن الإنطباعية بتحررها من التوق إلى التطابق ( الأناني ) تبدأ بالذاتية ذات الناقد المتلقي
لتنتهي إلى أقصى قدر ممكن من الموضوعية ، أي رؤية العمل كما هو كما يبدو لي بعيدا عن أي قسر أو ميل مسبق.
وإذا كان منهج الناقد هو الناقد ، ينبغي أن تعامله في هذه الحال ، كما تعامل أي فنان
لا تستطيع أن تطالبه بأن يفصح عن اختياراته الفكرية في عمل واحد .
* من فضائل الإنطباعية أنها تؤمن بأنها تجعل من الذاتية منطلقا إلى تحبيذ " الديمقراطية " في التعامل والحوار،
لا تكون ذاتي هي المنطلق إلا بقدر ما تكون معبرا إلى الآخر ، ويجترح مصطلح " الديمقراطية النقدية "
ويعدها أكبر فضائل النقد الانطباعي إذ إنه يحبذ الديمقراطية الأدبية دون أن تكون ملزما بأن تفقد شخصيتك أنت
ليس من الديمقراطية أنك لست ذا رأي ، أو موقف من الحياة ، ولكن ذاتك وذوات الآخرين قطبان يلتقيان معًا
على صعيد تجربة مشتركة ، ومن خلاله تفصح عن اختياراتك وشخصيتك بقدر ما تسمح للآخرين أيضا أن يقوموا بتجربة مشابهة.
* وإن الذات يمكن أن تلخّص عصرا ، وتحتوي مرحلة ، وهكذا فإن الذاتية لا تكون منقصة في النقد إلا إذا كانت ذاتية ضيقة
لا يعنيها معرفة أين هي من العصر ، ومن فكره وحساسيته الجديدة المعقدة ، وربما كانت هذه الغنية المتمثلة لعصرها
أجدى بكثير من ذات تبدأ من قناعات أو رؤى يطرحها العصر لكنها لا تُحسن تمثيلها ولا تقيم وزنا للذات في التلقي أو التعامل والتقييم.
* إن الناقد الإنطباعي لم يعد يرى في الإستعانة بعلوم النفس والإجتماع والجمال والفلسفة قتلا للأدب وتجميدا لعناصره الداخلية
التي هي عناصر أدبية بحتة ، أي تركيبات لغوية نابعة من منطق فني داخلي يحكم العمل ويشيع فيه ، بل يرى في الاستعانة
الحساسة بهذه العلوم دون جمود أو قسر أو تعالم ، وفي صهر الثقافة لصالح تربية ذوقية جديدة ، سلاحا نافذا في تحقيق هدفه الأساس .
* وفي عصرنا الذي تتعدد فيه النظريات الشمولية وتمتد سطوة الإيديولوجيا إلى كافة حقول المعرفة ، ومنها الأدب والفن ،
لم يعد النقد الإنطباعي يلاقي قبولا واسعا كالذي تحقق له منذ مطلع القرن الماضي – القرن التاسع عشر- .
ومع ذلك فإن هذا لا يفقده شيئا من أهميته الإبداعية وأمانته الأخلاقية …
لقد كانت نشأة النقد الإنطباعي ردة فعل متشككة في سطوة و(علمية) النظريات ، باعتبار أن الجماليات هي أقل مجالات المعرفة تحديدا.
* أن الناقد كما يقول " أناتول فرانس " لا يستطيع أن يفعل أكثر من أن يتحدث عن نفسه في الوقت الذي يدعي فيه التحدث
عن الاعمال الأدبية : فالنقد بهذا المعنى تجوالات الروح بين الأعمال الأدبية العظيمة .
,
عَلاَمَ
12-26-2019, 11:32 AM
جميلة هذه الدراسة
مفيدة لمن يكتب
جزاك الله خيرا
.
استادي الموقر
حضورك كريم ، العذر منك على التأخير
شكرًا لك
عَلاَمَ
12-26-2019, 11:35 AM
مظفر النواب بصمة مائزة تعتلي رُبى الشعر إرثاََ ومجداََ
واي موهبة لابد لها ان تصقل حتى تحتل تلك مكانة العظيمة
كما ذكر
( الكتابة هي تحويل الدم إلى حبر ) .
رائعة ياعلام وما تهدينا من نفحات الجمال
مودتي والياسمين
\..:icon20:
.
استادتي الورده سيرين ، حضورك عبير
اعذريني على التأخير
شكرًا لك:34:
عَلاَمَ
12-26-2019, 12:05 PM
.
http://www.ab33ad.info/up/uploads/images/ab33ad.info-536f0bd158.jpg
" كُتاب واقع ، وليس كُتاب واقعية .."
يخبرنا السيد: حسين سرمك
أن على الفنان أن لا يتعالى على هموم الإنسان ، وأن يكون من دون أن يغفل الإشتراطات الفنية واللغوية والجمالية طبعا ،
في خندق هذا الإنسان في أيّ زمان وفي أيّ مكان وتحت أقسى الظروف.
لو لاحقنا النتاج الروائي الغربي فسوف نلاحظ أن موضوعات الغالبية المطلقة من الروايات هي موضوعات فانتازية وأسطورية وبوليسية
وغرائبية يكتبها أغلب الكتّاب وعينهم على هوليود. وآخر ما يتم التفكير فيه هو أن للإنسان هموما اجتماعية ونفسية واقتصادية وطبقية.
والمصيبة أن بعض الكتّاب العرب قد "فهموا " اللعبة ، فبدأوا في مسعاهم للحصول على ترجمة أعمالهم والإنتشار في الغرب
وهو مسعى مشروع بالتأكيد ، يكتبون النصوص الروائية التي تتحدث عن الجنس والإنحرافات والقهر الطائفي والديني
في مجتمعاتهم تماشيا مع الموضوعات المركزية التي تروّج لها الآلة النقدية الغربية الهائلة وهي الجنس:
( الشاذ منه خصوصا كالعلاقات المحارمية والجنسية المثلية ) والعنف ، ووصم المجتمعات العربية والإسلامية
بالتخلف وقهر المرأة ومصادرة الحريّات ، ونبش الجذور الطائفية والمذهبية عبر لعبة " الوثائق "
والكنوز المطمورة والمتاهات على طريقة " شفرة دافنشي" الرواية " التوراتية " مثلا .. إلخ.
وفي قلب المجتمع الذي يمثل الأنموذج المغوي والخارق لهذا التوجّه الهادر وهو المجتمع الأمريكي
يقف [ محمود سعيد ] الساكن في شيكاغو منذ عقود صامدا ومصرا بعزم وثبات على إيمانه بأن الأدب
يجب أن يُسخّر لملاحقة تحولات حياة الإنسان وخيباته وإحباطاته ، وأن على الأديب مسؤولية كبرى
في هذا العالم الجائر، وقد فرض عليه هذا الإيمان الراسخ ان يبقى على شطآن المدرسة الواقعية
طبعا ليست الواقعية الفجّة التي هي واقعية حديثة بوصف دقيق .
* لقد سُئل بابلو نيرودا مرة : لماذا لا تكتب عن الزهور؟ فأجاب : أنظروا إلى الدماء في شوارع الشيلي.
ونحن الذين نعيش قضايا ساخنة ولاهبة لا نستطيع إلا أن نكتب عنها . نحن لا نستطيع إلا أن نقول للذين يريدون أن نكتب عن ترف الفن :
انظروا الدماء في شوارع الأراضي العربية المحتلة في فلسطين . إن هذه المواضيع تفرض ذاتها علينا ،
وهي تحتاج إلى الواقعية الخلّاقة التي يمكن من خلالها أن تقول الرواية أشياء كثيرة ).
[ محمود سعيد ] لم يستطع أن يغمض عينيه عن الدماء التي سُفكت ، والتي ستُسفك وقت كتابة الثلاثية في وطنه
بفعل عدوانات الولايات المتحدة الأميركية الوحشية على العراق، وبينها حصار العشر سنوات المجرم الجائر الذي اجتث مليون إنسان من شعبه.
وبعد الإحتلال الأمريكي للعراق، وتدميره ، وتحقيق التعهد الأمريكي بإعادته إلى العصور الوسطى،
ظهرت روايات تنحاز لهذه الواقعة اللاقانونية واللاإنسانية ، وفوق ذلك تزيّن للقارىء العراقي خصوصا
صورة المجتمع الغربي في بلدي العدوان الرئيسيين : الولايات المتحدة وبريطانيا ، وحياة المهاجر المسترخية والموقرة
وحسب قول أحد الكتاب العراقيين الذين يقيسون الوطنية بالوثائق والمعونات : ( بريطانيا منحتني الجواز والكرامة!! )
ناسيا أو متناسيا أن من لا يستطيع انتزاع كرامته في وطنه من برائن الذئاب، سيحتقره من يمنحه إياها من " جيبه "
وسجلّاته في بلد غريب وهو مسترخ مع النوارس. وعلى طريقة أمهاتنا الأميّات اللاحداثيات في التعبير :
( الذي يطلع من داره ، يقلّ مقداره )
وظهرت ( ثلاثية شيكاغو )، تكشف بلا تردد وبلا لبس ، طبيعة ما منّى المهاجر العراقي نفسه به طويلا ،
كمصدر ضغوط جسيمة يواجهها في محاولة التكيّف مع طبيعة الحياة فيه. فبرغم توفير الجواز و" الكرامة "
إلا أن الكثير من المهاجرين في العيّنة التي عرضها محمود سعيد على الأقل يواجهون ضياع " دلالات " ذواتهم ،
في مجتمع يقوم على أساس " فصل الدال عن المدلول " ولانهائية المعنى وصولا إلى ضياعه ، ويسوّي بين الإنسان والمادة .
والثلاثية : حافة التيه ، أسدورا ، زيطة وسعدان:
* هي محاولة متفرّدة للغوص في أعماق نفسية المهاجر العراقي تحديدا ، وما يعانيه من مصاعب ، وتحولات تبدو مستحيله لأنه يخالف الطبيعة البنيوية لشخصية هذا المهاجر.
* هي لا تتردّد في الإمساك الحازم بمواضع الإختلالات العميقة في شخصية المهاجر والتي يأتي مُحمّلا بها من وطنه الأم فتُربك حياته في البلاد الجديدة.
* هي كشفٌ لما يجري في مجتمعات هؤلاء المهاجرين من سلوكيات وصراعات وأفعال مُلتبسة ومُقلقة جعلتهم أنموذجا ينطبق عليه المثل العامي عن الكائن الذي " يضيّع المشيتين"
* هي بحث في معاناة المهاجر العربي إلى أي بلد غربي بشكل عام.. فهو يدرك أن " الرحيل اي رحيل يعني قليلا من الموت ".
,
عَلاَمَ
01-07-2020, 02:23 AM
.
http://www.ab33ad.info/up/uploads/images/ab33ad.info-3866862bf9.jpg
" التخيل التاريخي في السرد العراقي "
يخبرنا السيد: حسين سرمك
وها هو الآن يفتح ملفاته الضخمة المتراكبة ، والتي دوّن فيها ملاحظات كان جزئها الأكبر يعود إلى " بدر فرهود الطارش "
مسؤول متحف مدينة الأسلاف والثري المقعد المشلول نصفياً بفعل جلطة دماغية الذي عاصر الإحتلال البريطاني الأول للعراق عام 1917م
والتحوّلات العاصفة التي تبعته .
* سيكون بدر الشاهد على الإحتلال الأول ، ممثلّاً لـ [ الذاكرة ] البعيدة .. للوثيقة
ولأرشيف مكتبته الهائلة .. وللمتحف إذا جاز الوصف .
* في حين سيكون الراوي الكاتب شاهداً على الإحتلال الثاني
الأمريكي المتحالف مع البريطاني الآن كذيل وليس كقوّة مستقلّة كما في الإحتلال الأول ، وممثلاً [ للعين ] الفاحصة المسجّلة للذاكرة القريبة
* وفي لقائهما على محور الزمان يمثلان لقاء الماضي بالحاضر ..
عمل المؤرّخ يُتمثّل في عمل السارد حيث يصبح التاريخ سرداً ، والسرد تاريخاً حسب تعبير: " بول ريكور " وهو ما وضعه الفيلسوف والمؤرّخ:
" روبن جورج كولنغوود " تحت مسمّى الأواليّة التي ابتكرها في النصف الأول من القرن العشرين وسمّاها :
" التخيّل التاريخي _ Historical Imagination ".
الذي يعدّه الكثيرون الآن الآلية المُثلى التي يُبنى وفقها معيار " الروايات التاريخية – Historical Novels "
بالرغم من المحاذير التي قد تنجم عنه .
* ومن المهم أن يضع السيّد القارئ في حسبانه أن التخيّل التاريخي آليّة عمل في السرد للتعامل مع وقائع التاريخ
وليس جنسا إبداعياً يحل محل جنس الرواية التاريخية .
* كان بدر مصدر إلهام الكاتب في فترة عصيبة من فترات تاريخ بلاده وهي فترة الحصار الرهيب الذي فرضه الأمريكان القتلة على شعبه .
* كان يزوره في مدينته [ الأسلاف ] واسمها يعكس أيضاً بُعدها التاريخي ، فيستقبله بدر
وهو على كرسيّه المتحرّك بمساعدة إبن أخيه [ رياض ] الذي تولّى إدارة متحف المدينة بعد مرض بدر المزمن .
* كانت مكتبة بدر تتكوّن من عشرات الرفوف المُثقلة بآلاف*الكتب والمخطوطات والملفات .
* كان بدر يقول له :
[ ثق يا صديقي بأني خير شاهد على أحداث جسام تتابعت على مدى عقود من الزمن لتنتهي بما نحن عليه الآن من مهانة وقد بلغنا " ... " الختام لا مسكه] .
* وهنا يثير عبد الخالق تساؤلات خطيرة عن الكيفية التي يُكتب بها التاريخ ويُسجّل من قبل المؤرّخ :
_ فهل تتيح نقمة بدر فسحة للحيادية الموضوعية التي تُطلب من المؤرّخ عادة ؟
_ أم أن كون المؤرّخ وحسب أطروحة كولنغوود يتناول أفكار البشر الفاعلين وليس الظروف الخارجية فقط وهذا يتطلّب منه :
( التعاطف – Empathy) ؟ .
_ ألا يؤثر العامل الذاتي لبدر كونه [ فاعلاً ] ، وليس [ موضوعاً ] فقط في الصورة التي " يسرد " بها الأحداث على الكاتب ؟ .
_ ثم وهذا أخطر*كيف ستصبح " استحالات " الحقائق وهي تنتقل من:
{ سارد } رئيسي هو بدر إلى { سارد } رئيسي آخر هو الراوي ؟.
* إنّ رواية عبد الخالق هذه هي الأنموذج التطبيقي الحي على كل ذلك.
ولعل ما لا يقلّ أهمّية فيها هو أنها تؤشّر وبصورة مباشرة التقصير الفادح الذي اقترفه الروائيون العراقيون
في استثمار وقائع تاريخ بلادهم ، وانشغلوا بعد الإحتلال خصوصا في التنفيس عن:
[ الثأر السياسي ] من المرحلة الطغيانية السابقة ، الذي بالرغم من أهميّته إلّا انه لا يسهم في تعزيز :
( الشخصية السردية ) للشعب أولاً ، ولا في الحفاظ على ديمومة التاريخ وسيرورته " محكيّاً " ليترسّخ في ذاكرة أفراد الجماعة ثانياً .
* كان بدر يلح على الراوي بضرورة استثمار مخزون ذاكرته في كتابة روايته .
* كان يستشرف الخراب المقبل ، ليس على المستوى السياسي:
[ الأمريكيون قادمون لا محالة .. نعم سيحتلون بلادنا ، ولكن ليس الآن ، بل حين تسنح الفرصة الملائمة لهم .. استوعبوا درس هزيمتهم في فيتنام ..
سيتجملون بالصبر تاركين لهذا الحصار البربري ، الذي فرضوه علينا بأداتهم المتمثلة بالأمم المتحدة ، أن يفعل فعله على مهل
معوّلين على فرق التفتيش الدولية في تجريد الجيش العراقي من أصناف الأسلحة التي قد تشكل خطرا عليهم ..
وعندها فقط سيضربون ضربتهم وقد أوشكت الثمرة أن تسقط بين أيديهم من تلقاء نفسها ] .
* لم يعِ الروائيون العراقيون التأثيرات الخطيرة لتأخرّهم في التصدّي لتجسيد المتغيرات التاريخية الهائلة التي عصفت ببلادهم .
* جعل هذا التأخّر الزمني القاريء العراقي يشعر بأنه (يعرف) ما تتحدّث عنه الشخصيات مثل بدر الآن منذ زمان طويل .
* صحيحٌ أنّ الإختمار الذي تحدّث عنه الكاتب هو مرحلة ضرورية من مراحل الإبداع وتحويل المادة الواقعية الخام إلى { تخييل سردي } .
لكنها طالت كما أعلن الكاتب نفسه تحت ذريعة انتظار " الومضة " في حين أن البلاد تشتعل والناس تموت بصورة تفوق ما وصف به :
{ هاينه } الحال في كوليرا باريس :[ الأشجار تخضرّ ، والناس تزرقّ ].
* لقد انشغل الروائيون العراقيون بموضوعات كثيرة لا يمكن نكران أهميّتها ، لكنهم أهملوا حقلاً أكثر أهمية وإلحاحاً وهو التاريخ .
* أين هي الروايات التاريخية في الفن الروائي العراقي التي تتناول قرن التحوّلات العاصفة ؛ القرن العشرين عموما
وعقد الخراب النهائي ؛ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين خصوصاً ؟ .
* إنّ عدم اكتمال القدرة البحثية لدى الروائي سيوصلنا إلى حالة من التلاعب بالذاكرة خصوصاً أن رسوخ المعلومة التاريخية
التي تُقدّم برداء فني سردي لغوي أو صوري ، يكون أكثر قوّة في ذهن المتلقي من معلومة المؤرّخ الحجرية الجافة حتى لو كانت أكثر دقّة.
خطيرة الرواية حين تتصاعد الدعوات لجعلها " ديوان العرب " كما هو الحال فعلاً الآن ، فالرواية قادرة على تأسيس ذاكرة جديدة لدى الجماعة المتلقية ..
وهذا امتياز خطير وخطير جدا .
وهذا ما كان يؤكّد عليه بدر لعبد الخالق قائلاً :
[ الذاكرة .. عليك بتشغيل ذاكرتك فيما بعد لأرشفة ما ستكون بك حاجة إليه . ألستَ روائياً ؟
حسن .. وهل الروائي سوى ذاكرة جبّارة قادرة على تلقّف كل ما يخطر في البال وما لا يخطر ؟ ].
* تنبع هذه الخطورة من أن الروائي سيتصدّى لإعادة صياغة الذكريات و" تصويرها " ، إنّ عمله لا يتم إذا لم " يتلاعب " بها .
* وهذا أمر مطلوب بل هو جوهر عملية " التخيل التاريخي – Historical Imagination".
التي يتحوّل فيها التاريخ إلى قصّ ، ويصبح فيه القصّ تاريخاً . وهو ما تصدّى له عبد الخالق الركابي بامتياز في مسيرة الرواية العراقية .
* ولعل هذا من امتيازات { عبد الخالق الركابي } روائياً.
,
عَلاَمَ
01-16-2020, 01:49 PM
.
الكرام:
إلى هُنا يقف الإقتطاف.
،
شكرًا لكم
رشا عرابي
03-08-2020, 03:07 AM
قراءة شموليّة للنوّاب بطريقةٍ أكثر من ذكية!
حالة الشعر واستنزافه
تفوّقت على مآخذ النقّاد فيما يتعلّق بأسلوبه في رصف الشتائم وبروَزتها
لأغراضه الشعرية
عَلاَمَ،
أنتِ قامة غنيّة بالثقافة
ما أجملكِ
عَلاَمَ
02-28-2021, 08:56 PM
.
وفي 2021م
رَحل استادي: حسين سرمك.
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025,