تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مونولوج خارج النص لسيدة مختلة (تجريب)


ود
03-12-2020, 09:20 AM
تخليت عن الحديث الى الآخرين منذ زمنٍ لا اذكره، لا يعنيني ان ظنوا انني بكماء او بلهاء لا فرق لدي ، كرسي المشاهد على طرف الحياة ملعبي الآمن والوحيد، لا اخفيكم فزعت من الاصوات اكثر من الحروف ، لا ينطق الناس الكلمات ذاتها بنفس الطريقة ، بعض النبرات تخيفني وتزلزل اماني الداخلي حتى انني اظل في قوقعة الصوت حتى اغمره بصمتي وانفيه خارج كياني واغتسل منه، لذا غلفت ارجل الكراسي بالإسفنج وكذا فعلت في كل قطع الأثاث البسيطة التي انتخبتها لبيتي الصغير ، لم اضع اي قطع زينة على الطاولات والمداخل ، علقت لوحات كثيرة حتى لا ارى الجدران وادركت ان الجدار شيء آخر لا احتمله في اطار البصر ، ربما اسام ذات مساء وادخل الى لوحة اسهر بصحبة شخوصها او اعود بهم الى صالتي المستديرة ، هذا شيء آخر لا احتمله الزوايا الحادة تزعجني لا افهمها ولا اريد ان افعل

في االعناصر احببت الماء ، يكاد يكون العنصر الاوحد الذي اتقبله تماما بلا قيد واحتمل صوته ، في الالوان احببت الدافيء والترابي ، في الاضواء احببت الخافت والمراوغ ، وفي الكتابة احببت المدهش والمختلف عن ما اعرف وآلف

في الكتابة لا اتزلج على حواف الكلام ولا اتسول المعاني المدهشة اتركها تُولد كما تريد لتغويني بتكويناتها المتوالدة ، اقف امام قطعة مصطفاة كتبها شخص في لحظة صدق وتصلني تصب في مركز المتعة الصرفة كما السلاف الرائق يسلب الوعي تفعل الكلمات بي ، قد تبكيني او تبهجني او تفرحني حد البكاء او تبكيني حد الاغتسال بها من العادي والممجوج الذي أحمل بعض ذنبه

لا ازعم انني حين التفت لي افهمني ولو قليلا ، حاولت كل حياتي ان اقبض على طرف الرضا او بعضه ، اجهل حقيقة الرضا الذي يروج له بإسم الاديان او هو التسليم او هل هما واحد او يختلفان وقد تتسرب طاقة ضوء الى روحي واتذوق حلاوة السكون في السلام واتخيل ان هذا هو لقد ادركته وقد يخيب ظني وربما لا

لا اكتب بنسق متسق او بناءً على معادلة او قاعدة اعرفها. وليس لي اتجاه معين ولا مبرر اسوقه الى ذاتي كما ان الاهم انني لا اظنني مهمة في الاصل او انني مذ ولدت حتى الآن غيرت في تكوين العالم ذرة غبار الى اليمين او اليسار ولا اريد ان ادخل الى متاهات الطموح والرغبة في خلود الإسم وعرف القبيلة وما الى ذلك من تراهات لا احتملها ايضا

يبدو لي ان لي تفضيلات مختلفة او متخلفة نفس الحروف والحكم خاطيء في الصيغتين كل ما هناك انني منذ زمنٍ طويل ضللت الطريق وفضلت ان اتحدث الى نفسي وفي داخلي وكيفا اتفق ولا يهمني ما قد يظنه الآخرون.

الحديث الاول للسيدة المختلة في الطابق العلوي من المبنى المسكون رقم 3

ود
03-12-2020, 09:22 AM
لا احبذ الخروج من بيتي على الاغلب ، انما في نزهاتي القلبلة اجدني اتطلع لرؤية ثلاثة اشياء ، البحر والأفق ونوافذ المنازل التي امر بها مضاءة او مظلمة، انظر الى البيت وهيئته الكلية ثم امر بالتفاصيل المعتادة المملة واقف عند الزوايا الخارجية قلبلا فإن انتابني فضول نظرت الى نوافذه بتمعن، ولانني لا امتلك الكثير من الفضول تجاه ما لا يعنيني اجد تطلعي هذا غريبا علي، استطعم الشعور المصاحب للتحديث في نافذة مظلمة لبيتٍ كبير ومُهمل ، مثل مسن يجلس على عتبة داره الخالي ويخمن قصص المارة ليعيشها ويستعيد بها فرح او حزن او اي عاطفة تحرك الراكد في ماء حياته هكذا اشعر حين ارى نافذة مغبرة لم تُشرع منذ زمن واحس انين مفاصلها العالقة بألم في ذكرى لمسة يد اخيرة للعابر الأخير بها

استكين الى مقعد المركبة ولا اشارك في الحديث الدائر عن اللوحات الإعلانية او المحلات المبهرة التي فُتحت هنا وهناك ، لا يهمني العيش في مدينة كبيرة ولا يفرحني كل هذا التسويق القابض على اعناقنا

يلفتني ضوء مشنوق بسلك نحاسي على باب ٍ خشبي لبيت قديم ملون ، تظلله سدرة وتحيط به امواج ريحان مغسول للتو بمطرٍ خفيف ،رائحة التراب النظيفة الحُرة مختلطة بعبير زهرة البرتقال في تفتح اول وقد يبكيني برعم صغير لوردة جورية تدس راسها بين المتفتح من الورد وتنظر بخجل

وفي العودة اتأمل بيتي منذ مدخل الدرب المؤدي لبابي ، انظر له بشوق العائد لأمانه بعد ابحارِ سنين وافكر انه يشتاق ليدي تلمسه برفق وتربت عليه قبل ان تستأذنه العبور به الى دفء ٍيألفه قلبي وترتاح له روحي

اغتسل من قصص الطريق وانفض رأسي من بقايا الغربة ، افل قيد شعري وأتفقد ما حول اقرا صناديقي السلام واشعل العود ، اهيء لي قهوة بيضاء واجلس الى الطاولة اتناول كتابا ً وافتح صفحاته عشوائيا لأقرأ اول سطر على الصفحة اليمين واقرر كيف سيقضي هذا الليل وقته بصحبتي


الحديث الثاني للسيدة المختلة التي تجيد التحدث للنوافذ

ود
03-12-2020, 09:23 AM
في العشق اظل انافس الصورة المتخيلة عن ذاتي ، ارى في وعي من احب ما يظنه عني ونظراته لي في الصمت التام الذي انتهجه، يحثني على طرق جوهر الكلام ويسالني عن رايي في اشياء كثيرة لا اعرف حقاً ما رايي فيها ويدور في خلدي تساؤل لا بنفك يقلق سلامي هل يجب فعلاً ان يكون لنا رأي في الأشياء عامة وكيف نقيس ما الذي يمكننا الإعتراض عليه او التعارض معه او القبول به او النفور منه وكيف في اصل المعرفة نعرف حقيقة ان هذا الرأي او ذاك له اي اثر في التكوين الازلي للكون

كيف لنا ان نستهلك اللحظة هذه في تحليل ما حدث اللحظة الفائته او توقع ما سيأتي ، هل علينا ان نحمل كل هذا العبء ، وقد يقول اثناء صمتي في فكاهة مفترضة انه توجب عليه ان يتزوج ثرثارة لا تصمت حتى في نومها وانا التي اعتبر نفسي مهذار وأدون حتى احلامي لا يراني هكذا ، هل لأنني لست جيدة في عبور الجسور، لماذا اقف دائما في منتصف الجسر الى الضفة الاخرى ، لست التزم بالسؤال وليس علي الإجابة ، انا اعبر الحياة والتقط ما تمنحني من هبات كما الطير يلتقط ما تيسر من الحب ولا تشترط ان يكون قمحا

هل التحضر هو كل هذا الجنون التكنولوجي يحيطنا حتى نسينا ان نفكر فينا وهل ابهرنا الضوء الصناعي بالوانه حتى توقفنا عن النظر للدواخل وهل في زحام العيش تجاهلنا ان نكون نحن نحن كما نرغب في عيش حياتنا ، هل انشغلنا بصنع الذكريات وتوثيقها عن المكوث في متعة الآن ، الآن انا اتنفس وأعيش رائحة بيتي واعرف انني محظوظة تماما فقط لأني على حواف الرضا اتسكع بحثا ً عن مدخل للسلام لأسكنه ويسكنني

الحديث الثالث للسيدة المختلة

ود
03-12-2020, 09:24 AM
سأعترف جهاراً هنا ان صمتي الحياتي زائف ربما، انا اتحدث كتابة هنا وهناك، الفرق ان لا صوت الا صوت القاريء ، لا نبرة تضيق المعنى ولا تحمل الحديث عبء التفاسير
كما انني حين اكتب ادخل الى خلاصي من كل هذه الحوارات الداخلية التي لا تنتهي واحظى بهدوء حقيقي ، صمت مكتمل ومثالي يغلفني ويحميني حتى مني انا

ماذا سيحدث لو اننا استطعنا سماع افكار الناس وحواراتهم ، لا بد ان تنشب الحروب وتحترق الدنيا فقط من هول ما يعتمل في بواطننا وقد اقول قد يملا الخصب العالم وتُبتعث آلهة المحبة لتحكم الكون

في داخلي اعرف اكيدا انني غير متأكدة من شيء ولا اعلم او على الارجح لا اود ان اعرف ، كم هي ثقيلة تلك المعرفة التي تمنعنا من التسليم والدعة والإتكاء على فطرتنا الاولى وكم من التعاريف والكلمات يجب ان نفهم مدلولاتها في طفولتنا ومن الذي قرر ان يكون لكل هذه الاشياء ضرورة لنعيش كما يجب وما معنى العيش كما يجب

لو اننا تقاسمنا الحياة من سيأخذ ما يريد ولماذا اراد ما اراده

لم كل هذه الاسئلة ترهق روحي المسكينة وتملئها بالحيرة والسئم

الحديث الرابع لسيدة مختلة تكتب ما بدا لها

ود
03-12-2020, 09:25 AM
في بدء وقتي الآني على الارض ،ظننت انني مخلوقة ليلية ، لانني اميل للسكون اخذني القمر وتُيمت بالكواكب البعيدة ، حلمت بهم ، تمشيت على سطحهم الوحيد ، وحيدة من الآخرين ، مكتظة بي ،اختلط علي الأمر هل انا في حلم اصحو منه على الارض ام انني هناك ، تمارس روحي الاعيبها علي ، هناك يقظتي وهنا حلمي لم اكن متيقنة ، تفردي في الحلم وعناء الضوضاء هنا كان محل الشك في وجودي

لذا كنت ارسم على قدمي بالحناء سلسلة مشرعة ، مكسورة ، وفي الفراغ بين طرفيها ارسم مفتاحا صغيرا ، وكنت اغذي النبات بعناصر المر في العنبر حتى يأتي اللون قانيا مثل دمٍ طازج دافي يتحرر من اوردته ويجري متفرعا على خطوي ، احاول ان الحم شرياني الحر بمكاني واغذيه مني حتى اتكون من جديد كائن آخر يبتني عشه بأكثر الطرق غرابه واقرب الطرق اليه دمه الحر

انتخب من الزينة زعفرانها ووردها وريحانها وحنائها ولا اعرف لم أسميتها زينة فأنا لا اراها كذلك ، حين ارسم اقمار واهله ورياحين على فدمي فأنني ازرع خطوي هكذا اراه احددني ، اتعرف على ماهيتي الأولى واختلط بأرضي هنا حتى ان اخذني الحلم انظر الى قدمي فإن لم اجد ما رسمت عرفت اين انا وتعرفت على ملاذي وعلمت كم تتوق روحي للهيام في السماوات وسماع صمتها المهيب واختبرت الطواف طافية حول الكواكب وعلى سطحها

وكنت في طقسي لزرع الحناء على جسدي ، اجدني اسيرة وقت تفتحه في، امنحه الوقت ليستخلص عناصر الأحمر العنبري ويُظهر ذاته في ذاتي ليصبح انا وأصبح هو ، وحين يحل في اجلس الى قعدي قبالة لوحة لإمرأة خبيرة تبذر زرعها في ايدي فتيات صغيرات بعيون كبيرة مستديرة وغرة ناعمة تعكس لمعة ذهبية محمرة لشمس توشك ان تغيب يرتديهن (بخنق الزري) وتسكن جوارهم (دوخلة نابتة) تساوم الفقد عن معناه ، ادخل اليهن واصطف خلفهن مادة يدي للسيدة وانا ابحث عن دوخلة تخصني فقدتها ذات ليل

حديث السيدة المختلة الخامس عن احد احلامها

ود
03-12-2020, 09:26 AM
صادفت البارحة مشهد لأستاذة موسيقى تعزف لحنا ثنائيا مع تلميذها العبقري ، كانا يجلسان الى البيانو متلاصقان الكتفين كما يجب ، هي تنظر للنوته وهو لا يفعل ، وكانت القطعة تتراوح بين العالي من النغمات والهاديء وتتصاعد في آخرها مثل ذروة العشق بين منغمسين في الوله حين يتجاوز الروح ويسطي على كل شيء، على الجسد والمكان والجو المحيط والسقف والمرأه، كانت الموسيقى تحطم ما حولهما وتعيد بناءه من جديد وكنت انظر الى تعابير وجهيهما بقلبي ولم اشعر الا والدموع تبللني ، كانت مقطوعة من دقائق قليلة، وكان المشهد حياة بأكملها ، كان اختصار مكثف لعصارة الهوى حين يتجسد في انامل عاشقين يكتبان تاريخ جديد ويكتشفان جنات متواصلة في رعشة الهوى الممتدة رقصا عبر جسديهما ، لم يكن لديهما اي تنبه لما يدور حولهما ولا الحشد المشاهد استفاق ليصفق حتى اعجابا، نفذت الموسيقى ولم ننفذ نحن ولم ينفذ الحشد ولا تسلق اطراف الهاوية خروجا من الحالة ولم نرد ذلك

كنت انظر لهما وانا اتلبسهما، اكونهما في الشعور الممتزج بالرغبة الآخذة للغرق في نشوة الذهاب الى اقصى النغم تصاعدا والخلاص بلا خروج للخلاص كأنما منحنا تذكرة عودة ورفضناها تواً ، هذا الصدق الجارح الذي لا يمكن تجاهله، لا يمكن المرور بجانبه، لا نملك ان لا نتأثر به، ان لا نكون فيه، الصدق الغامر مثل موجة عظيمة لمحيط هائج، رجفة الجسد النحيل امام هذا الزخم من الشعور يكاد يغيب الشخص عن وعيه بذاته في التحام قاسي لا يأبه فيه بمن يقتله في اللحظة بل قد يفكر ان هذه لحظم مثالية للموت ، لحظة جميلة للخاتمة ان يموت بنغم ثنائي لسيدة ورجل في اوجهما ويشعر بذاته يجسدهما ويعيش عشقهما للموسيقى والبيانو ولبعضهما قبل كل شيء ، ان يموت شهيد كيمياء العناصر التي انسكبت في روحه وغيرت معالمها التي كان يظن انها استقرت على نمطٍ ما

الحديث الخامس الغير مكتمل للسيدة المختلة عن وصلة عشق

ود
03-12-2020, 09:50 AM
احب الرسائل الورقية ، طقسها كله، رائحتها مع مضي الوقت، الادراج التي تُحفظ بها ، احب الكلمات ورعشة الحرف الصادق حين يصطفي شخصاً ما وقتا مخصصا ويجلس الى قلم وورقة ليكتب للآخر رسالة حب ، قد يكون الحبيب في مرمى النظر وقد نستطيع دوماً البوح له بما نشعر بالحديث مباشرة ، لكن لن يكون له ذات الوقع ولا معنى الأثر

في الكتابة تخليد للمشهد، تأكيد على اللحظة العابرة ، خلق للذكرى في بعد آخر ، اكتمال لجوهر البذل ، كما اللمسة تُغني عن عشرات الكلمات والنظرة تذهل في سطوتها ، تفعل الرسائل التي تخلينا عنها في المجمل لكل الناس

لا زلت وفية لها وتحت عبء استغراب الآخرين وتساؤلهم عن نوعية عقلي ، أهديت لحبيبي كتاباً في البدء ومن خلاله ارسلت الرسالة ، وضعت خطوطاً تحت ما اريد قوله وحملته عناء الصلة والجمع ليتم قراءة ما اردت ان اقول ، اخذت اليه الكتاب ووضعه بقربه وتحدث الي وانا انظر للكتاب وأعرف انه لا يقرأ هذا النوع من الكتب وعلمت ان رسالتي لن تصل ما لم أُشر اليها صراحة وانه لو فتح الكتاب ووجد الخطوط لظن انني انتخبت بعضه ربما لن يربط بين السطور المتناثرة

احببت حيرتي وتلهفي واختلاسي النظر الى الكتاب وهل تحرك او لا من مكانه وهل فتحه ام لم يفعل وقد يكون فتحه واعاده ، كيف اعرف، ثم قامرت وراهنت على حدسه الذي لم يخيب ظني ابداً

وبعد عدة ايام وكنت قد سلمت وتركت الرسالة لاقدارها بعد ان وضعت سيناريو حزين وقصة مملة لشخص اكتشف رسالة حبيبته بعد هجرها وما الى ذلك من خيالات آنذاك
اتى الى شرفتي في ليلة صيف ، صامت على غير عادته ، في عينيه تعبير لأول مرة اراه وضمني اليه وبكى

من يومها وهو ان ناولته اي مطبوعه يفتحها بلهفة وانا ابتسم لرؤيته يبحث لا ابعث الرسائل دائما ، فقط حين احس انني اريد ان ارسل روحي اليه صافيه كي لا ينشغل بوجودي عنها وربما لذلك نحن البشر نحب الذكرى ونصيغها في داخلنا بطريقة منمقة لأنها روح اللحظة النقية لا يصاحبها اي شعور سوى بهجة المعتقة تهبنا اياها خمرة الذكريات

الحديث السادس للسيدة المختلة عن الرسائل

ود
03-12-2020, 09:51 AM
تعلقت ُ بالاحجار الكريمة حتى انني كتبت قصص واهمة عن اصول مفترضة للياقوت والكهرمان والفيروز والزمرد ، العقيق كان له النصيب الاكبر ، يذكرني العقيق بلون عيني ّ رجلي ، بالرقة الساطية والنور المنبعث من الداخل ، بإنعكاس الشعلة الحرة تتجول في عيني والاحق بريقها ، احتلني البريق منذ البدء ولا زال يجدد ولائي له كل لحظة

اما الهوى فهو للاخشاب الناحلة العطرة، مصقولة ومهذبة بنار العشق ويدي الصانع البارع تقطعان وتوصلان كما يفعل ليل الحب بالعشاق يفعل ، يرقق الخشب ، يغمسه في ماء الورد ويدهنه كل ساع بروح العنبر حتى اذا اكتمل به الليل اصبح طيعا ً كما الطفل في اول الهيام ، مشغوفاً باللمسة يذهب الى اقصاه في يد محبوبته لا يخشى ليلاً ولا حراس ، تشكله انثاه الاولى وتعيد صياغة خرائطه الداخليه

هكذا العناصر حين تخضع للصانع ، عاشق ومعشوق ، لن تعرف ان كان قد حفر تعريشاتها او انها باحت باسرار خلقتها الاولى بين يديه وسعت جاهدة للكشف حتى لا يبقى بين يده وجسدها ساتر او حجاب ، تتشكل في تسبيحة عشق لا تنتهي بتمام الختم ، ولا تليق في التسليم الا ليدٍ تتجانس ويد صانعها في التدله بها ، الاحتفاء بتفاصيلها ، تدليلها بالتربيت برفق الشاش المبتل بدهن الورد نافضةً عنها ما قد تعلق بها في درب السفر الى الملاذ الأخير ، قلب من اقتناها

الفيروز لا يستقيم معناه الا بعناق دائم، فإن اهمله صاحبه لفه الشحوب وعلته صفرة العلة من ألم الفراق ، حتى ان العارفون يستدلون على صحة صاحب الفيروز من الفص ذاته فان بدا كامد اللون ضيق العروق حزين النظرة قالوا تخلى الصاحب عن فيروزته وراح في البين

كتبتُ ذات تيه ان الياقوت دم عاشق نزفه ليرسم خريطة تدل معشوقته اليه
وان الكهرمان دم فاقد طرق باب المحبة حتى كل ساعده ، اخبروه بانها ماتت وحلم انها انها تكحلت بإثمد ٍ نادر يوجد حول جبلٍ تقوض ومرت به انهار وجفت ، راح يبحث عنه الليل كله، يستجدي الجنيات وحوريات البحار والمارة الغرباء ان يدلوه على دواء يبرءها ويعود بها اليه ولما لم يجد لس الى قبرها صائما عن الحياة ، ينزف في بطء ويكتب لها الرسائل حتى انتهى وحين انتهى نبت بين قبره وقبرها عرق كهرمان ممتد واذاقهما الوصال الذي لا فقد بعده

حين التفت اليّ متأملة جناية الكتابة المتطرفة جهة الممكن والمعقول واللاممكن واللا معقول وكيف انني انتهج تفسيرا لاصل الشيء المعروف في اصله حتى انني في حمى ما وضعت قصة لثمر النخيل الاحمر ولم اصبح لونين وللزيتون كذلك

هل تطورت الآن من مختلة الى ممسوسة ، ربما ، لا يهم ، لم يكن سؤالاً ذا قيمة على كل حال

الحديث السابع للسيدة المختلة عن الشغف بالعناصر من بيتها المسكون ، مبنى رقم ثلاثة الطابق العلوي

ود
03-12-2020, 09:52 AM
لا زلت بعد رحيلها اراها تغفو قرب سريري ، تُلصق اذنها بالمذياع خافت الصوت تستمع الى الاغاني القديمة وتهدهدني بها وانا في ترنمها اقع في الوسن الخفيف كأنما تحملني غيمة محبة مليئة في حضنها ، ادعي انني نمت حين تهمس بإسمي المدلل من شفتيها المنحوتتين بعناية ، استقبل رائحة المسك والورد في شعرها حين ترنو لي وتقبل راسي وتخرج على اطراف اصابعها

أراها بين جاراتها وصديقتها ، السيدة المحبوبة الكريمة ، واتذكر كيف كان اخوتي يثورون حين يعودون بعد المدرسة ويجدونها قد وهبت غذائنا لعابرٍ طرق بابنا ، وكيف كان والدي يصبرهم ويبتسم لها قائلاً لم لا تضاعفي الكمية فإن لم تجد لها آكل تعشينا بالباقي وتهمس ان شاء الله ولا تفعل الا ما تريده

ودائماً منذ تعرفت عليها ليس كأم فهي والدتي ، بل تعرفت عليها وانا اكبر ، استمعت لها وهي تهاتف اخواتها او تتحدث الى والدي او الينا او تشاهد التلفاز ، راقبتها كثيراً حتى التفت لي والدي ذات مساء وقال لي ستشبهين والدتك وتعكسين صورتها من كثرة تحديقك فيها، ليس لأنها جميلة الوجه وحسب ولا لانها أمي بل كنت اراقب فيها الإنسان في ذلك الوقت الذي كان فيه من البداهة في عرفنا ان تكون المرأة تابعة لزوجها وان تتبنى كل ما يراه وتتوافق معه ، كانت في رفق شديد وبلا طلب تدير دفة مركبنا وبهيبة العارف تعتني بنا وتفهمنا بلا حديث

وكنا اذا تحدثنا لغة اجنبية المفترض ان لا تعرفها كي نخفي عليها امراً ما ، تلمح ما نخفي وتعرفه وتبتسم لنا وتقول لنا ماذا نحيك لها وعن اي شيء نتحدث ، كيف لقلبها هذا ان يحتمل كل هذا الزخم حولها وكيف تعاملت معنا كل لوحده وبطريقة يقبلها وكل منا يتذكرها من زاويته بشكل مختلف لانها تناولت معه ذات الموضوع بما يتناسب وتفكيره كما تعرف الأم طفلها وتفهمه فهمتنا ومنحتنا القوة لنكون نحن بلا حاجة لان نتغير او نضيع في المجموع

الحكمة التي امتلكتها عصية على فهم شخص كما انا ، الفهم العميق لما حول والحضن الكبير الذي يجمع كل الاضداد فينا عجيب، لا اذكر انها نهرتنا في يوم او غيرت نهجنا لم يعنيها التيارات الخارجية ولم تسمح لاخوتنا بفرض ارادتهم علينا ولم تسأل احدنا لم رفضت هذا الزواج او لم غيرت الوظيفة ولا تدخلت في تخصصاتنا مثل السيدات حولنا ، كانت طير حر يرى العالم بصورة اشمل لانه هناك في الشاهق يحلق وينظر ببصيرته لا ببصره

ان كنت املك اي شيء حقيقي في جوهره فلا بد انها من منحني اياه ولا بد انني محظوظة اذ عشت في حضنها حتى رحلت في سلام مطمئنة وراضية ، وان كتبت لها او عنها كل الحياة لن اجيد لأنها الإنسان /جوهر الحياة ، هي امي.

الحديث الثامن للسيدة المختلة حين زارتها لحظة عاقلة عن والدتها

ود
03-12-2020, 09:53 AM
انا الروح الهائمة قبل التشكيل قيد التشكيك في ارتكاب جناية التجسد لاكون هذه الانثى التي تنسكب في ماء الغِوى الاول وتراود المارة عن تعففهم وصبرهم الاليم على فراق العشق ذاته ، كيف لي الترفع عن النظر الى مرآتي باحثة في انسان العين عني في قصة عتيقة لفتاة تمر باليابس فيشتعل الخصب وينبت الاخضر اليانع في خطوها، تتفتح البراعم الطفلة وتخالف الاشجار امها الطبيعة لتنبت الثمار المختلفة والألوان المتغايرة في ذات الغصن لأنها مست ثوبها الابيض في عبورٍ مفترض لحياةٍ قصيرة
تتلبسني جنيات الليل الفضي وتخالط ذهبي المخبوء في منجمٍ عصي على الطالب ، طيع لمن انتخبت، وحده يملك سر الباب وخريطة الاياب كلما اخذته غربة اجتلبه الحنين الى حنان انثى لا يشبه سواه لا يتقاطع وما عرف وألف لا يكتفي بهز جسده بل يبتعث الق روحه الاول قبل المعرفة ، يحوله في الوصال الى كائن أثيري يتبدد في اللحظة ويتكامل ويتحد ويمنح ويمنح ويمنح محاولاً الإكتفاء بما وهب، ويظل العطش رفيقه
كلما ظن انه ارتوى وتجاوز عتبة دارها ، سحبه الشوق وطواه الهيام المستعر للطعم والملمس والرائحة
كيف له ان يفتتح مدينة ويكون فارسها يدور في ارجاءها الرحبة ليتعلم كيف يعشق، تاخذه من يده في هدأة الليل وتشير بأناملها المستدقة الشفافة الى معالمها المخبوءة وأسرارها المستترة ، كلما إنكشف له ستر حمله التيه الى آخر
انثى لا تتسق في اطار ولا يحتملها المعنى ولا يحتويها العنصر حين تتجول جوهر حر خالص يشع في سكون ويبعث النور من طاقة الروح ، وانت المشفق على العالمين ينتابك الشغف وينال منك الشوق المستعر لتصل أكثر ، اعمق، اعلى ولا تصل الا الى ما ارادت ، لا خرائط تسعفك ولا بوصلة توجه الطفل فيك الى استكانة رضا او تنهيدة تحتمل البرء منها
الانثى التي تصيبك مثل صاعقة وحيدة مُركزة ، تحتلك وتسري في عرقك الحي وتتعرش فيك ، لا خلاص منها الا فيها ولا انتهاء منها الا ابتداءً اليها ، الانثى في بكور الكون وبين الكتف والنون خطيئتك الأولى وموتك الأخير

الحديث التاسع للسيدة المختلة في الوصال القاتل لأنثى لا حد لها

ود
03-12-2020, 09:53 AM
متى بدأ تعلقي بالمطر وما الحدث المصاحب ، لا اعرف حقاً ، بعضنا اظن ارواح مائية تحن الى النبع والنهر والمطر وكل ماء عذب ، امارس عنصرية تجاه البحر ، ارى الخليج ضحلاً واخضر ، في الاسكندرية المصرية تعلمت كيف يُعشق البحر وكيف تكون المدينة حضن يضم الغرباء والزبد الأبيض النظيف يترك علامات قصص من رسوا على الساحل وعشقوا ارض الاسكندرية الخصبة حيث ينبت العشق ويتمايل الهوى في المساءات الحميمة على نغمات تُسمع من بعيد لأم كلثوم تناجي ذكرى حبيب نسته وذكرها به الرفقة

مهووسة كنت ، لم ازل، بحدس البدوي الذي يتجول في جفاف الصحراء ، يحمل غصن عَطش طويل ، ناحل واسمر مثل صارية علم لمدينة هجرها سكانها ، يقف عند نقطة بعينها ، ويبدأحفر بئر ، معتمدا على حدسه التام ومعرفته الأكيدة وعرقه الحي حين يقف في المكان فتحتويه طاقة الماء الجاذبة ولا يملك الا الوقوع في فخ الامل في كرم بيداءه لتهبه نبع لا ينضب

مثل مقتفي الاثر اللذين يقرأون خطو الكائنات ، يعرفون جنسهم وهويتهم ونوع انتماءهم وهل هم جرحى او اصحاء ، لطالما تأملتهم وبحثت عنهم ، لذا وبعد ان تخليت عن كثير من الكتاب لا زال ابراهيم الكوني يحمل اعاجيبه الى خلوتي ويهتك ستر الأسرار المحتجبة في ارضهم العصية

يتجلى الإحتفال بالمطر في النفوذ حين تجد اطفال البدو الاصلين يغتسلون من هموم الوجود ذاته عند البكور ويتابعون السيول يتغزلون فيها ويتذكرونها ويؤرخون بها احداثهم الاكثر أهمية

في طفولتي كنت اظن المطر بكاء السماء ، ولا تزال لدي هذه السذاجة ، حين احزن وتمطر الدنيا اكون على يقين انها تمطر مؤازرة لي ، وعندما تمطر وانا فرحة اراها احتفالاً بي ، في مطلع مراهقتي كنت انسب كل الظواهر الطبيعية لحالتي ، اعرف الآن كم انا ذاتية وملتفة حولي بإحكام ، فالشمس لا تشرق الا لتفض النوم والقمر ونجومه ليؤنسون سهري او يضيئون ليلي او يستمعون لحكاياي التي لا تنتهي انذاك
اترك الناس واتحدث والكون ، ابتعد عن الارض وأشعر بروحي معلقة في السماوات التي ياخذني فضولي المهيمن اليها والى ما فيها وما تعني وكيف تشعر ولم هي بهذا اللون وكيف تعلقت فيها الكواكب وكيف انتثرت فيها الغيوم ولم نحن صغار جدا قبالتها ، كل التفاسير العلمية لا تعنيني ، لست اهتم لما يظنونه حقيقة مثبته ، يشغلني ما يتركني مشغولة به ، معنى لا يُفسر وبهجة خفيفة مرضية في روحي حين تمطر السماء كأنما تبعث لي رسائلها او تنظر لي بعطف وتغرورق عيونها فتبكيني لأنني بشر صغير صغير في الأرض ، بعيد بعيد عن السماء كل ما املكه ان اعلق قلبي في نظرة العين في رجاء لمنحي بعض بهجة ، بعض مطر

الحديث العاشر للسيدة المختلة عن المطر واشياء اخرى ربما

ود
03-12-2020, 09:54 AM
حين يكون مزاجي على نغم التوتر ، اقف لصوت همس الريح في النافذة ، افتح للموسيقى درب الحديث وأصغي باعصابٍ مكشوفة مثل سلك كهرباء مجروح وقابل للإشتعال لهبوب شرارة وحيدة تفر من اللهيب وترتعش انغماساً في النحاس العاري الذي يغوي الشرارات اللعوب للرقص حوله محتفلة بالكائنات والقطع المتناثرة

اجد قدمي تحملني الى رقصة متوحدة ، ادخل الى الطقس العشوائي مستعيدة روحي البدائية كانما استدعي الوعي القديم في داخلي كي يستفيق من شروده في واحمله مسغبة الملل الذي يغتال مساءى ، احاول ان اجهد هذا الجسد كي يستقيم عقلي ويطيعني قلبي العصي علي هذه اللحظة والذي أعجز عن فك شفرة عزوفه عن البقاء هادئاً مسالماً

لقد دربتني كثيرا ، حياة باكملها اسغرقت كي اكون انا كما اظنني على حافة الرضا وفي نور السلام الداخلي ، ترفعت، صمت، اعتزلت، بكيت، كفرت وآمنت وراوحت بين بين وتقلبت بين هذا وذاك وقرأت حتى شعرت بأني محض حرف يحن الى الكلمة التي بُعث منها حنين الطفل في اول الفطام لثدي امه ، وفي القراءة تماهيت وفرزت ومن ثم اننتخبت وعدت اصطفيت واحتدم بي الزهو حينا واكتظ بي التيه احيانا ثم تخلصت من كل ما قرات ووهبت كل كتبي ولم يتبق لدي الا القلة المرجوة والتي ان تناولتها عبثاً وجدتني او بعضي فيها

وكتبت كثيرا حتى نسيت كم فعلت وناورتني الكتابة وعافني القلم ثم ردني اليه وعاد ولفظني وارتد الي مثل سهم قاتل لا مهرب لي منه ولا هو قاتلي ، وكي اكون لا بد ان تكون الكتابة ، فان عاندني جسدي وارهقني الرقص كما يُعرف بين الناس راقصت تعبي وكلماتي وتناولت المي الداخلي مجهول النسب نيئاً فجاً على مائدة عشاء هذا الليل حتى اذا ملتني الحروف ولم يتبق في جعبتي ما قد اقول عن ذلك الشيء الحزين قمت للرقص ثانية حتى البكاء ، وكثيراً ما يصحب الرقص البكاء

حديث السيدة المختلة عن الملل

ود
03-12-2020, 09:56 AM
اخترت ان ادون احلامي في دفاتر زرقاء متاحة كي تكون متناسقة داخل خزانتي ، لا اعرف ضرورة لهوسي العجيب في ترتيب الأشياء بنسقٍ صارم ، ربما لأن البعثرة في عقلي لا تتناسب والفوضى خارجه ، على أحد الجهات ان يكون مرتباً بحيث لا يجهدني في البحث والنظر اليه

ولأنني اسكن بلدة يجتاحها الغبار المهيمن جُل ايام العام صيفها شتاءها ، اجدني في المساءات الاكثر وحشة ابحث عنه ، بعود قطن صغير مغمس في دهن الورد اغتال الغبار في الزوايا الداخلية للخشب الأليف حتى تسطع لمعته ويبث عطرا رقيق يشبه رائحة الأمهات القُدامى

حلمت البارحة بأنني اسكن في البحر ، اظنه بحراً، كأنني في الحلم كنت نائمة وبحكم العادة عندما استيقظت في حلمي فزعت وفكرت انني اغرق لوهلة، في اللحظة تلك اخذتني يد ووجهت عيني الى ما يشبه المرآة فوجدتني على هيئتي اطفو في وسط الماء مأخوذة ومرتبكة بالألوان والمخلوقات ، انصت لغناء الموج واتموج ورقصات المرجان الثابت في ارضه والمائل بفضول جهة الاعلى يتمايل والنغم الرتيب ويبعث ما احسسته طمأنينة في ما حول ، كان بحراً بمخلوقاتٍ لم ارها من قبل في هدوءها براعة السكون حين ينبع عن سلام لا يكون الا حين يعبر الكائن في أقرب نقطة للفناء ويعود الى الحياة

في حلمي لم يكن هناك حدث رئيس ، هي اللحظة الأولى الخائفة وانقضت ليثبت المشهد في دعةٍ ويسكن نومي كله كما اظن ، عندما هممت بتدوين الحلم احترت ، ماذا اقول وكيف ولم حلمت هذا الحلم وماا الذي ينتاب وعيي ّ الأول ، وهل كنت مخلوق مائي قبل القبل وهل اخترت حين خيروني ان اصبح ما انا عليه وماذا لو تذكرنا اللحظة الأولى في تكوننا وكل ما مررنا به في ارحام امهاتنا حتى الآن ، هل سنكون اكثر جنوناً أم ستتبنانا الحكمة وتهذب ارواحنا ، وما الذي يجعلنا ما نحن عليه ، لم نصبح بهذا التشابه والإختلاف في آن وما الذي يجعل اثنان من البشر نشئا في نفس الظروف ومُنحا الحظ ذاته يتعاملان بشكل مختلف كرد فعل لحدثٍ واحد وهل كان هذا الحلم اشارة لفتح باب السؤال وهل يصرف الناس اهتمامهم عن احلامهم كي لا ينال منهم اليأس لأنهم لن يكونوا سادة اقدارهم في حلم او ما يسمونه واقع

كنت اتساءل من قبل عن المسميات ودلالاتها ، لم ترمز الوردة للعطر والرقة ولم يكون الإرتواء ضد الظمأ وأنا ارى ان في بعض العطش ارتواء وان بعض النباتات لا تُزهر الا في العطش وان ما تعارف عليه العالم ليس بالضرورة حقيقة لكل فرد في الكون واننا نأتي لهذا الكون طواعية لنخوض تجربة ما لكننا ننسى وننخرط فيما نحن فيه ثم نموت ونتذكر ربما ، هل بدت لهجة الكتابة صارمة ، لا اظنني اجروء على تاكيد او نفي شيء ولا ادعي معرفة حقيقة صيرورتنا ولا مساغب حياتنا ولا معنى الموت حين يكون ممرا لحياة اخرى او منفذا للخلاص من الم العيش ذاته وكيف انظر له هكذا واحزن اذا زار من احب واغضب اذ اصطحب امي بعيدا ذات مساء ربيعي وقبل يوم الامهات بليلة واحدة

كيف وصل بي حلم العيش في ماء غريب وسط مخلوقات غرائبية الى هنا ، لا ادري فعلا لانني حين ارتب بيتي لا اتطاول عليّ وأحاول مجرد محاولة ترتيب دواخلي اتركها على عواهنها تجري مثل نهر حر تنحت ما تنحت في طريقها وتفعل ما تريد

حديث الأحلام للسيدةالمختلة في البيت المسكون رقم ثلاثة الطابق العلوي

ود
03-12-2020, 09:57 AM
كنت على يقين انني حين اكتب بعضي هنا ، ستتشعب الكلمات وتباشر جريانها مثل نهر اغتسل فيه مني ، انشد الخلاص من هذا الزحام في داخلي ، تُثقل روحي الافكار ولا اجد حقاً من يقاسمني الاسئلة ، لم ابدا بالصمت ، كنت اتحدث ذات يوم ، كانت لي صديقة اسمها امل ، كانت تفهم حين اقول لها انا والمقعد الأصفر نتكون من ذرات ، كُتب له ان تكون ذراته ساكنه ، ثابته ، متماسكة ، وكتب علي ان تكون ذراتي متحركة وطائشة وسريعة ، كُتب له عمر طويل وكتب لثوب روحي ان يكون جسداً فاني ، سياتي يوماً ما اصبح فيه غباراً يتطاير نهب الريح لا جسد يحويه ولا دفء يضمه.

وفي عصر يوم جمعة رطب وقاتل الحرارة ، عرفت ان صديقتي الوحيدة ستموت حتما وبها داء عضال لا تريد هي ان تتداوى منه ، طلبت مني عائلتها التدخل واقناعها بالعلاج ، ربما عرفت انهم ارادوا ذلك فرفضت ان تلقاني عند طلبي الأول ، في الحقيقة لم انو ابدا الطلب منها او حتى سؤالها ، لم اكن لأجرؤ على التدخل في قرار كهذا ، اخذت ارسل لها رسائل نصية ، كل يوم رسالة ، اتحدث فيها عن ما فعلته ذاك اليوم وكيف مضى بي النهار وماذا حلمت ولم تكن ترد، ارسلت لها رسائل يوميا لمدة عام بأكمله واكثر وبعدها طُرق باب بيتي وكانت أمل في إطار الباب ، هزيلة وصفراء ، تربط راسها بمنديل ازرق وترتدي نظارتها المعتادة ، احتضنتها ودعوتها للدخول فسبقتني لطاولة مطبخي حيث تعودت ان ترافقني هناك لأنها تدخن ولا تريد التدخين في البيت لانني منعته منذ انجابي لطفلي ، مدت يدها لمفتاح مروحة التهوية وفتحتها وايضا مفتاح جهاز تنقية الجو وشغلته ورمت بنفسها على المقعدواشعلت سيجارة واعددت لها الشاي الذي تحب وجلست قبالتها

لم ابدا الحديث ، انتظرت وانا اشرب قهوتي البضاء وهي تتأمل في المكان الذي تعرفه ، بعد فترة طويلة قالت : اخبروكِ ؟ قلت نعم
قالت : ما رايك
قلت : لا رأي لي
قالت : لم آخذ الا مسكنات حتى الآن
لم أرد
قالت : صمت رضا او امتعاض
قلت: لا هذا ولا ذاك
قالت: ماذا اذاً
قلت : لا شيء ، هل تريدين ان تأكلي
قالت : الن تنصحيني
قلت : لا
ابتسمت وقالت: كنت اثق انك مجنونة تماماً في عرفهم ، ماذا ستفعلين حين اموت
قلت: سافتقدك وأبكي كثيرا لفقدك
قالت : اوه، الن تبكي علي
قلت : لا
قالت: لم لا
قلت: احترم قرارك واودعك كأنما هاجرتِ لا اعرف حتما اين ستكونين ، لكنك لا تحتاجين بكاءي عليك الأرجح انم في الموت لا تتألمين انا هنا في العيش اتالم في فقد صديقتي الوحيدة ، لذا انا لن أبكي عليك انا سأبكي فقدك
قالت : هل نرى بعضنا حتى تاريخه
قلت : ان اردت واستطعت

تلاقينا مرات قليلة وتوفيت امل في منتصف مايو بعد يوم ميلادها بقليل شابة ثلاثينية ، كانت مغتبطة لأنها لم تنجب ولم تساهم في خلق شخص قد يشبهها من جديد

لم اتذكر امل لأنني لم انسها، ذكرتها هنا حتى أوكد على صمتي مع الناس حولي وانحسار حديثي في معية العالمين ، حتى انني لم أعد افكر بشكل جدي تماما ولا فلسفي شديد لا حتى ابحث في إمور غامضة ابحث في كشوفاتها عن مغزى خفي يمنحني اشارة او يدلني على درب لم اتطرق اليه من قبل يرتقي بروحي او يريح عقلي
اصبحت اصمت خوفاً من الجدل العقيم يضيع وقتي القصير في الدنيا هنا ، كل يوم انظر الى داخلي اكثر وعدا اسرتي الصغيرة وعطفي الشديد على العالم الذي لم استطع التخلص منه لا شيء يحملني لأن اكون سيدة عاقلة رزينة توسس لها مكانة في مكان ما ، اريد ان اكون حرة من الطمع في شيء ، حرة من الرغبة، حرة من غريزة البقاء ذاتها

اذا لماذا اكتب ، اكتب كما قال درويش حتى لا أموت ، ولم وانا ادعي الزهد لا اريد الموت ببساطة لأنني ام لطفل في التاسعة لا ذنب له اذا اُخترت لأكون والدته واحب ان ارعاه واكون له مثل ما كانت امي وتلك صورة عصية لكنني احاول وهذا طمعي الأخير الوحيد والأوحد ، أن اعيش له وحسب

خاتمة احاديث السيدة المختلة القاطنه في البيت المسكون وقم ثلاثة الطابق العلوي

تمت