تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حلم لا كباقي الأحلام ! بقلم ندى يزوغ


ندى يزوغ
01-24-2025, 08:10 AM
في عالم يشبه الواقع ولكنه مزيج من الأحلام، أجد نفسي أقف في غرفة مضاءة بألوان الفرح.

طاولة مرصعة بأطباق لحلويات مغربية مميزة تزيّنها الورود البيضاء والكعك الشهي، وصوت موسيقى هادئة مقتطف من أغنية لأسماء المنور يملأ المكان بدفء خاص.

كنت أجهز هذه الحفلة منذ أسابيع، أردت أن أجعلها مميزة، لأنه عيد ميلاده، ولأنه يوم يستحق أن يُعاش بكل تفاصيله الجميلة.
الجميع هنا، أصدقاؤه، أحبابه الذين لم يراهم منذ سنوات خلت، الوجوه التي يعرفها والتي افتقدها.
دعوته دون أن يعلم، أردت أن أفاجئه، أن أخبره، ولو لمرة واحدة، أن هناك من يفكر فيه حتى في تفاصيل صغيرة مثل يوم ميلاده، رغم أن ثقافته و تربيته التقليدية لاتعترف بأعياد الميلاد.

عندما دخل الغرفة، كانت الصدمة على وجهه كافية لتروي لنا كل شيء.
وقف في الباب للحظات، يتأمل الحضور، زينة المكان، وشمع الكعكة الذي يتراقص في خجل. عيناه كانت تقول أكثر مما يستطيع التعبير عنه بالكلمات.
"هذا لي؟!" سأل بصوت مرتعش.
أومأت برأسي وابتسمت. "لك يا فاضلي!. لأنك باختصار تستحق أن تعرف كم أنت مهم."
تقدمت نحوه، ومددت له يدي.
أخذها وكأنه يمسك الحياة لأول مرة.
قُدته إلى الكعكة، حيث كان الجميع ينتظرون أن يطفئ الشموع.!
قبل أن يفعل، نظرت إليه وقلت:
"اليوم ليس فقط عيد ميلادك، بل عيد لحضورك في حياة هؤلاء الذين يحبونك و منهم من أحبك بصمت !
أنت الضوء الذي افتقدوه مهما غاب."
أغمض عينيه للحظة، ثم نفخ الشموع.
دوى التصفيق، ولكنني شعرت أن شيئًا أعظم قد حدث، شعرت أنني أخيرًا استطعت أن أعوضه عن كل الحرمان الذي عاشه، عن كل عيد ميلاد مر دون احتفال، ودون حضور الأحباب، و بالأخص أبناؤه....!
بعد الحفلة، عندما بدأ الجميع بالمغادرة، جلسنا في زاوية هادئة.
كان ينظر متأملا من النافذة، ثم وجه عينيه نحوي وقال:
"أنتِ جعلتِني أشعر أنني شخص يستحق الاحتفال. لم أشعر بهذا منذ زمن طويل."
ابتسمت، وأمسكت يده. "أنت تستحق كل الفرح في هذا العالم. ."
ولكن فجأة، وأنا أعيش هذه اللحظة، أدركت أن كل شيء كان حلمًا. استيقظت في سريري و الدهشة تملأ قلبي!. ورغم أن الحلم انتهى، إلا أن شعور السعادة ظل معي. لأنني، و لو في عالم الأحلام، استطعت أن أقدم له شيئًا يعوضه عن حرمانه.
أجزم أنني لن أتمكن أبدًا من إقامة هذه الحفلة في الواقع، لكنني تبادلت تفاصيلها في حلم لا كباقي الأحلام.

جهاد غريب
01-28-2025, 06:43 PM
كم هي سحرية تلك الكلمات التي نسجتها ندى يزوغ بمهارة فنانة تُبدع لوحة بألوان الحنين والدفء.
نصّها أشبه بأغنية عذبة، تنساب إلى القلب لتبعث فيه حياة جديدة، وتوقظ فيه مشاعر دفينة كادت أن تُنسى وسط صخب الأيام.

الوصف الحسي الذي اعتمدته الكاتبة جعلني أعيش تفاصيل حلمها وكأنني أحد الحاضرين في تلك الحفلة. رأيت بأم عيني الزهور البيضاء، وشممت عبق الكعك المغربي، وسمعت نغمات أغنية أسماء المنور تهمس برفق في أذني. حتى الضوء كان يحمل رمزية خفية، وكأنه يحتفل باللحظة قبل أن يشاركنا الاحتفاء بالشخص.

هذا الحلم لم يكن مجرد حكاية بل كان رسالة مضمّخة بالأمل والإنسانية، وفيه دعوة واضحة لكل منا كي يصبح شعاع دفء في حياة الآخرين.
لقد شعرت من خلاله بمزيج من المشاعر المتناقضة؛ فرحٌ برؤية السعادة التي أهدتها الكاتبة لبطلها، وحزنٌ عميق لأنها جعلتني أواجه أمنياتي المؤجلة، تلك التي تمنيت تحقيقها لمن أحب دون أن تسعفني الظروف.

لغة ندى الشعرية كانت أداة جبّارة استطاعت بها أن تخلق جواً من السحر والتأمل، وكأن كلماتها كانت ترقص بين السطور، تدعونا للحلم، وللتعاطف، ولإعادة النظر في علاقاتنا.
أشعرتني أن الحلم هو مساحة للحرية، حيث نستطيع أن نعوّض عن ما فاتنا، وأن نحب بلا قيود.

لقد أثارت القصة في نفسي تساؤلاً مؤلماً: كم مرة مرّت مناسبات كهذه ولم نلتفت فيها لمن يحتاجنا؟ كم من القلوب تنتظر مبادرة صغيرة، كلمة دافئة، أو احتفالاً يعيد لها الإحساس بقيمتها؟

أدهشتني قدرة ندى على تحويل تجربة شخصية إلى دعوة إنسانية شاملة.
الرسائل الضمنية في النص كانت عميقة: تقدير الآخر، الاحتفال بوجوده، وملء فراغات الروح التي تتركها الأيام.
الحلم، رغم كونه خيالياً، لم يفشل في جعلي أشعر بثقل الحقيقة التي يحملها، حقيقة أننا جميعاً بحاجة إلى الحب، وإلى أن نشعر أننا مهمون في حياة الآخرين.

في النهاية، أجد نفسي ممتناً لهذه القصة التي أعادت لي شعوراً افتقدته. شعور أن بإمكاننا، ولو بكلمات أو أفعال بسيطة، أن نعيد رسم معالم السعادة في قلوب الآخرين، فالحلم، كما رسمته ندى، ليس فقط لوحة خيالية بل هو مرآة تعكس أعماق أرواحنا، وتدعونا لنجعل من الواقع صورة أقرب إلى ذلك الحلم.

فلنكن جميعاً سبباً في سعادة من حولنا، وليكن هذا الحلم دافعاً لنا لصنع لحظات لا تُنسى، لأننا، كما قالت القصة، نعيش حقاً عندما نحب، ونضيء حياة الآخرين.