بعد الليل
03-20-2007, 07:51 PM
ماذا لو أنَّ شاعرًا اقتحم كرسيّ الشعراء ، في الحلقة الأخيرة من برنامج شاعر المليون ، واختطف الميكرفون في اللحظة الأخيرة ، وقعد بثبات على الكرسيّ ، ثم ألقى نظرته الأخيرة على الجمهور قبل أن يلوِّح بيديه معلنًا " الفِراق" ، رافضًا أن يكون القطعة "اللي تكمل الديكور"، قائلا : " لذا مدَّيت كفّي للوداع وبـ اعلن فراقي " !!
شخصيَّا ، لن أعدَّه مجنونًا ، ولن أضحك ، أو أصوِّت بصفير ، فيما لو كنت ضمن هذا الجمهور ، حتى وأنا أعلم أنَّ هذا الشطر هو نصف بيت من قصيدة " عبث " للشاعر/ الرؤيا : فهد عافت !
ذلك أنِّي سأفترض أنَّ هذا " الشاعر " الذي خطف قصيدة عافت وهرول بها إلى شاطئ الراحة ، يريد أن يضع نفسه رمزًا فنيًّا لمعادل موضوعيّ ، بينما تجيء القصيدة ، أو النصّ العافتيّ ، رغم تقدُّمه زمنيَّا ، في سياقه الزمنيّ الصحيح ، وفي مكانه الذي يمكن أن يُضيء فيه بشكل أوضح ، لتبرز الدلالات بجلاء ، وكأنما تقول القصيدة كلَّ شيءِ عن حال الشِّعر والشاعر !
لا يهمّ ماذا سيقول الجمهور عن الشاعر " المُختطِف" للنصّ والكرسيّ معًا ! ، ففي الوقت الذي يعلو فيه " صفير " الجمهور ، وتتقافز فيه ضحكاتهم ، يكون الشاعر وصل ، لحظة الإلقاء ، إلى قوله : " أنا الذابل ما بين الميكرفون ورغبة الجمهور " ! وحين لا يشعر به أحدٌ من الجمهور يكون قد بلغ ، في اللحظة التي شبع فيها جمهور الضجيج موتًا ، لحظة الحياة قائلا : " عشان احيا مثل ما لازم احيا داخل اوراقي " !!
وهنا ستبدأ الأزمة ، أزمة الشاعر مع الجمهور ، هذا حيٌّ على ورقته ، وذلك ميِّتٌ تحت أصوات الأغاني وضجيج التصفيق ، وبين شاعرٍ حيٍّ وجمهورِ ميِّت تقف البلادة حاجزًا ، ومانعًا من موانع الفهم ، ليصرخ الشاعر ، بعد أن يتسرَّب الملل إلى أطرافه ويتغلغل بين جونحه ، قائلا : " ملل / ملل / ملل : يلغيني التصفيق و " المسرح " بليد شعور " !! بينما يظلُّ الجمهور مترنّحا بين تصفيقه وصفيره ودهشته من هذا الشاعر الذي اقتحم المسرح في غفلةٍ من أعين الرقباء ظانًَّا أنَّه جاء متأخِّرًا لقطف " المليون" ، أو أنَّه مجنونٌ خرج للتوّ من الصحّة النفسيَّة وجاءللمشاركة في الحلقة الأخيرة من البرنامج كي يقطف " الوردة" التي يتنافس عليها الشعراء منذ وقتٍ مبكِّر ! ، بينما الحقيقة تقول غير ذلك ، والجنون ، في عرف ذلك " الشاعر " هو في محاولة نيل الحياة ممَّن يقف ضدّ أسباب الحياة ، الجنون هو أن تطلب أن تعيش برئة مختنقة ، وأن تطلب حياة الشاعر ممَّن يقتل الشِّعر ، وكأنِّي بذلك الشاعر ، وهو يمدّ لسانه ، لا يديه ، قائلا : " جنون استقبل الوردة من اللّي يذبح الساقي " !!
وكأنِّي به ، وقد شعر بالدوار من هذا المكان الخانق ، المختنق ، الممتلئ ضجيجًا ، وألوانا ، المحتفل بكلِّ شيءٍ إلاَّ بالشِّعر والشعراء ، فأحسَّ بآفاقه وهي تضيق عليه وتحبسه في بوتقة ضوءٍ أحمر ، وهو يلفظ آخر أنفاسه الشعريَّة قائلا :
ستارٍ باردٍ مُسدَل وجرحٍ ما ينزّ بنور
وكرسيٍّ تشدّ عيونهم باطرافه وثاقي !
ليعلن رغبته في الخروج من سيطرة سجَّانٍ يجبر البلابل على التغريد في قفص ثمَّ يصدر أحكامه عليها ليعلن في النهاية : الصوت الأجمل ، ناسيًا أن جمال أصوات البلابل لا يكون إلاَّ وهي تمارس التحليق في الأفق ، أمَّا تلك الأصوات التي يسمعها وهي حبيسة القفص فليست سوى أصداء تحاكي أصوات البلابل !
ولنا أن نتساءل قبل أن يُسدَلَ الستار ، وبعده :
أيهما " المجنون " : الشاعر الذي خرج على النصّ ليعيد إنتاج نصٍّ سابق في لحظة راهنة أم الشاعر الذي يتوكّأ على خشبة المسرح ليستقبل " الوردة " ممَّن يذبح ساقي الورود ؟!
الكاتب الرائع : سعود الصاعدي
* قراءة مجنونة لــــ .. شاعر المليون
تستحق الوقوف بها وله طويلا ... لـــ .. تكون القراءة للـــ شعر والـــ .. شعراء فقط
شخصيَّا ، لن أعدَّه مجنونًا ، ولن أضحك ، أو أصوِّت بصفير ، فيما لو كنت ضمن هذا الجمهور ، حتى وأنا أعلم أنَّ هذا الشطر هو نصف بيت من قصيدة " عبث " للشاعر/ الرؤيا : فهد عافت !
ذلك أنِّي سأفترض أنَّ هذا " الشاعر " الذي خطف قصيدة عافت وهرول بها إلى شاطئ الراحة ، يريد أن يضع نفسه رمزًا فنيًّا لمعادل موضوعيّ ، بينما تجيء القصيدة ، أو النصّ العافتيّ ، رغم تقدُّمه زمنيَّا ، في سياقه الزمنيّ الصحيح ، وفي مكانه الذي يمكن أن يُضيء فيه بشكل أوضح ، لتبرز الدلالات بجلاء ، وكأنما تقول القصيدة كلَّ شيءِ عن حال الشِّعر والشاعر !
لا يهمّ ماذا سيقول الجمهور عن الشاعر " المُختطِف" للنصّ والكرسيّ معًا ! ، ففي الوقت الذي يعلو فيه " صفير " الجمهور ، وتتقافز فيه ضحكاتهم ، يكون الشاعر وصل ، لحظة الإلقاء ، إلى قوله : " أنا الذابل ما بين الميكرفون ورغبة الجمهور " ! وحين لا يشعر به أحدٌ من الجمهور يكون قد بلغ ، في اللحظة التي شبع فيها جمهور الضجيج موتًا ، لحظة الحياة قائلا : " عشان احيا مثل ما لازم احيا داخل اوراقي " !!
وهنا ستبدأ الأزمة ، أزمة الشاعر مع الجمهور ، هذا حيٌّ على ورقته ، وذلك ميِّتٌ تحت أصوات الأغاني وضجيج التصفيق ، وبين شاعرٍ حيٍّ وجمهورِ ميِّت تقف البلادة حاجزًا ، ومانعًا من موانع الفهم ، ليصرخ الشاعر ، بعد أن يتسرَّب الملل إلى أطرافه ويتغلغل بين جونحه ، قائلا : " ملل / ملل / ملل : يلغيني التصفيق و " المسرح " بليد شعور " !! بينما يظلُّ الجمهور مترنّحا بين تصفيقه وصفيره ودهشته من هذا الشاعر الذي اقتحم المسرح في غفلةٍ من أعين الرقباء ظانًَّا أنَّه جاء متأخِّرًا لقطف " المليون" ، أو أنَّه مجنونٌ خرج للتوّ من الصحّة النفسيَّة وجاءللمشاركة في الحلقة الأخيرة من البرنامج كي يقطف " الوردة" التي يتنافس عليها الشعراء منذ وقتٍ مبكِّر ! ، بينما الحقيقة تقول غير ذلك ، والجنون ، في عرف ذلك " الشاعر " هو في محاولة نيل الحياة ممَّن يقف ضدّ أسباب الحياة ، الجنون هو أن تطلب أن تعيش برئة مختنقة ، وأن تطلب حياة الشاعر ممَّن يقتل الشِّعر ، وكأنِّي بذلك الشاعر ، وهو يمدّ لسانه ، لا يديه ، قائلا : " جنون استقبل الوردة من اللّي يذبح الساقي " !!
وكأنِّي به ، وقد شعر بالدوار من هذا المكان الخانق ، المختنق ، الممتلئ ضجيجًا ، وألوانا ، المحتفل بكلِّ شيءٍ إلاَّ بالشِّعر والشعراء ، فأحسَّ بآفاقه وهي تضيق عليه وتحبسه في بوتقة ضوءٍ أحمر ، وهو يلفظ آخر أنفاسه الشعريَّة قائلا :
ستارٍ باردٍ مُسدَل وجرحٍ ما ينزّ بنور
وكرسيٍّ تشدّ عيونهم باطرافه وثاقي !
ليعلن رغبته في الخروج من سيطرة سجَّانٍ يجبر البلابل على التغريد في قفص ثمَّ يصدر أحكامه عليها ليعلن في النهاية : الصوت الأجمل ، ناسيًا أن جمال أصوات البلابل لا يكون إلاَّ وهي تمارس التحليق في الأفق ، أمَّا تلك الأصوات التي يسمعها وهي حبيسة القفص فليست سوى أصداء تحاكي أصوات البلابل !
ولنا أن نتساءل قبل أن يُسدَلَ الستار ، وبعده :
أيهما " المجنون " : الشاعر الذي خرج على النصّ ليعيد إنتاج نصٍّ سابق في لحظة راهنة أم الشاعر الذي يتوكّأ على خشبة المسرح ليستقبل " الوردة " ممَّن يذبح ساقي الورود ؟!
الكاتب الرائع : سعود الصاعدي
* قراءة مجنونة لــــ .. شاعر المليون
تستحق الوقوف بها وله طويلا ... لـــ .. تكون القراءة للـــ شعر والـــ .. شعراء فقط