إن ما تعانيه النخب المثقفة هو الشعور بالإفلاس سواء في باب المرجعية أو المنهجية أو المساهمة في بناء المجتمع أو الإنتماء له, وقد أورثها هذا الشعور بأن إنجازها يتمثل في التربص بالآخرين الدوائر فيتتبوعن سقطاتهم, ويذيعونها على الملأ, ويعمدون إلى ماعند الغرب من شهوات ويسوقونها كمنهج لهم , ويبحثون في هرطقات العقلانيين ليجعلوها مرجعية لهم واستدلالاً في حل المسائل الشائكة. ويح الأعرابي حين يكون غربي الهوى !

أزمة الدعاة تكمن في كونهم أصبحوا قضية بعد أن كانوا يحملون القضية, فهم قضية باختلاف الناس في تقديسهم, قضية في تشرذمهم, قضية في تناحرهم, قضية فيما يدّعونه من مراجعات, قضية في تتبع الناس لأخبارهم الشخصية ككم عنده من المال؟ وأين يسكن؟ ومن يصاحب من عليه القوم؟ وكم يتقاضى من الإعلام ؟. إن الشهرة وكثرة الجماهير وحسد الأقران مُحرقة ومهلكة. إن بين الدعوة إلى الدين, وطلب الدنيا خيط رفيع يسقط فيه من قلّ علمه ومن اتبع هواه .

المدرسة العقلانية لاتفتأ بين حين وآخر في التحايل على إزاحة القرآن الكريم من كونه مصدر التشريع الأول, فحيناً بأنه ربما مع الجمع حصل فيه نقص, وحيناً أن بعض تشريعاته كانت لعصر معين, وحيناً تفسيره حسب الواقع, وحيناً بالتعامل مع روح النص وليس مع حرفية النص, وحيناً بأخذ بعضه وترك بعضه, وحيناً بالحديث عن الناسخ والمنسوخ. يجب أن نسميهم بــ(أهل الأهواء) كما سماهم السلف . لقد أشربوا حب العجل ولم يشربوا حب العقل .

لو قال لي أحد من النَّاس اشتر بكل ماتملك خلقاً حسناً لاشتريت الصبر دون تردد. كيف لا ؟ وهو يضبط النفس عن السأم والملل, والغضب والطيش, والعجلة والرعونة, والخوف والطمع, وعن الإندفاع وراء الشهوات والأهواء ؛ ويعودها على تحمل المتاعب والمشقات, وألآم النفس والبدن . إنه دليل على كمال الإيمان والعقل, وهداية القلب وحسن الإسلام . اللهم اجعلنا من الصابرين الموقنين .

الأمة التي تقدس الأفكار تسخر لها الأشخاص والأشياء فتنمو وتقوى, ويسودها العدل والمواساة؛ والأمة التي تقدس الأشخاص تسخر لهم الأفكار والأشياء فيسودها القمع والتخلف والجهل, وتسلط الحكام الطغاة؛ والأمة التي تقدس الأشياء تسخر لها الأفكار والأشخاص فيسودها الإنغماس في الشهوات والشبهات, والخنوع وموت الضمير. وهذه المرحلة الأخيرة من عمر كل أمّة .

(مؤتمر بكين حرب للدنيا والدين) ألغى مصطلح الأسرة, ولاسلطة للأب ولاللزوج, واستبدل اسمه بالشريك لتشمل الزنا وتجيزه, والإجهاض من السفاح جائز, والشذوذ الجنسي جائز, وعلاقة المثليين جائزة, وسن قوانين وأنظمة تكفل حقوقهم. أمر لاتقره شرعية مهما كانت كافرة. إن مؤتمر بكين يشرع الرذيلة ويحميها, ويحارب الفضيلة ويقصيها. إنهم اليهود يهيؤون الأرض لخروج الدجال(..ويبقى شرار الخلق يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة) الحديث .

ابحث عن نقطة ظلام وأوقد فيها شمعة, ابحث عن أرض جرداء واغرس فيها غرسة, وابحث عن عقل على الفطرة واقدح فيه فكرة, ابحث عن قلب صادق وانزف له مشاعراً, ابحث عن صفحة بيضاء واكتب فيها البياض, وابحث عن صعيد وضع عليه لبنة, وابحث عن قبر وابك عنده واتعظ, وابحث عن يتيم وامسح رأسه, وابحث عن ظلال وارف واجلس تحته, وابحث عن سماء صافية وتأمل نجومها, وابحث عن معينٍ صافٍ واشرب منه, وابحث متفائل وتحدث معه, وابحث عن تائبٍ وجالسه, وابحث عن شاب واعمل معه, وابحث كبير سنٍ وشاوره . إنك بالحياة والحياة بك ؛ ولاخير فيمن لم يكن مثل اللبنة السليمة في البناء القويم .

حين يتوب الإنسان ويصبح مع الملتزمين يرى الفرقة والنزاع, فالغيبة والنميمة والتبديع والتفسيق مباحة لديهم. فكأنّه خرج من باطل إلى باطل ملبوس بالحق. لن يحفظ التائب ويثبته مثل العلم والعبادة؛ فليدرس مختصرات كتب الأحكام الشرعية: عقيدة وفقه وتفسير وحديث, ليستدرك مافاته منها؛ وليجتهد في العبادة ليطهر قلبه مما علق بها من معاصٍ فائته, ويثبته على الحق حتى لاينتكس, ومن لم يسلك هذا الدرب عاد وارتكس إلى ماكان عليه من قبل .