في نهاية القرن الماضي كان العالم يعاني خوفًا يزيد كلما اقتربت بنا الأيام إلى فجر اليوم الأول من عام 2000م، لطبيعة الرقم المميزة، وما يتقاطع في تميزه من بذلٍ إعلامي وصحفي وسينمائي؛ لنفخ الانتقال إلى القرن الجديد وتهويله (حتى أنه أسست لجنة خاصة في البيت الأبيض لتيسير هذا الانتقال!!)، وكثْرةِ تداول عناوين مخيفة ترتبط بهذا العام: حروب نووية، يوم القيامة، انتهاء التقنية.. كوارث بيئية، ومجاعات.. وغير ذلك من المصطلحات التي تفخّمها ألفاظ وأساطير وأخبار الساعة.. ونتاج هوليود.

لا أعتقد أننا سننسى أيام انتهاء القرن الميلادي السابق التي أذيع فيها خبر انتحار مجموعات من الناس لدوافع دينية خرافية في أوغندا، وإحراق أكثر من 900 شخص لأنفسهم.. مع فرار الزعماء الذين دفعوهم لهذا الانتحار!!. وبما أن الأمر يتعلق بنهاية العالم فلابد أن يكون لجماعات حماية البيئة والاحتباس الحراري نصيبٌ في إنهاء العالم وإثارة الرعب، فظهرت تحذيرات من غرق العديد من المدن الساحلية على المدى القريب، وقبل نهاية القرن (إذن.. تسونامي لا تُحتسب!).

لكن تلك الليلة مرت بسلام كأي ليلة أخرى، وأعتقد أننا في اللحظة التي كنا نتنفس فيها الصعداء بعد اطمئناننا بعدم سقوط الصورايخ النووية فوق رؤوسنا، كان روّاد هوليود وكبرى الشبكات العالمية يعدّون أرباحهم ويحتفلون لإنجاز أضخم سيناريو قاموا به، ثم –وهو الأهم- ناموا تلك الليلة بأمان ولم نكن كذلك!.

في الحاضر.. تعيد الأيام هذا السيناريو مع رقمٍ مختلف، وهو العام 2012م، لكن اليوم.. بدأت تتسع آثار متابعة هذا الأمر بين شبابنا لاتساع وسائل وصول المعلومة وأسلوب إثارتها، والاهتمام الشديد من قبل كتاب هوليود بهذا الأمر، وقد تمكن الانشغال به من أيامِ شبابنا ولياليهم، ليعيشوا في تحليل ومناقشة ما يُنتج لهم من غموض وإثارة، ووصل الأمر إلى إنشاء منتديات ومدونات ومجموعات لهذا الأمر.. حتى وصلت الصفحات العربية المهتمة بهذا الشأن خلال هذا العام إلى 36.000 صفحة إلكترونية حتى كتابة هذا المقال ولمّا ينته العام بعد.

وفي كل رقمٍ جديدٍ حضارة أو مجموعة تَعِدُ بعجائب وغرائب مستندة على قصص وأساطير، ففي العام 2000م ظهرت لنا الكثير من المجموعات التي تزبد وترعد في شأن نهاية القرن كطائفة إحياء الوصايا، وطائفة الألفيين، أما عام 2012م فكان الأكثر حظًّا بعدد الطوائف المشاركة في إنهاء العالم (حضارة المايا، الواصلون،. بعض أشهر المتنبئين وغيرهم)، وهو كذلك الأكثر حظًّا بسيناريوهات جمعيات التحذير من الاحتباس الحراري والعواصف الشمسية وهجوم الشياطين.. إلخ، وأنتجت أضخم الأفلام الرمزية والصريحة في حق نهاية هذا العالم في عام 2012.. لتتكرر ذات المهزلة مرة أخرى، مع كوني قد لاحظت أنه حين اقتربنا من عام 2012م في هذا الوقت تمّ تأخير العواصف الشمسية إلى عام 2013م، وفي الحقيقة.. كل ما عليك فعله أن تبحث في الشبكة عن (عاصفة شمسية) ثم تبدأ بكتابات التواريخ بجوارها بالترتيب: 2010م.. ثم 2011م.. وهكذا، وستجد أن لنا موعدًا مع عاصفة متوقعة ومصيبة جديدة ونهاية أخرى للعالم.. كل عام، ومن المفترض أننا لم نصل إلى هذه الأيام لأن عام 2010م كان من الأعوام التي نالت اهتمام نبوءات نهاية العالم عن طريق عاصفة شمسية، مع أن أضرار العاصفة الشمسية -على أسوأ سيناريو يمكن أن يحصل- لن يتجاوز 32% كما ذكر ذلك أحد علماء ناسا، وهذا قد يعطل الاتصالات في بعض الدول، أو يؤثر على عملها.. لكنه لن ينهي شيئا.

على أية حال.. الاستغراب ليس من مشكلة الاحتباس الحراري أو خطر العواصف الشمسية، فهي موضع بحثٍ وأخذ ورد بين العلماء المعنيين، وإنما الغرابة في ربطها بانتهاء العالم، والأغرب من ذلك أن تجد من يصدقهم فيقتل نفسه !!!.

وهذه الآية التي ذكرتيها أختي الفاضلة تختصر الكثير، إلا أن مشكلتنا في الغفلة عنها.. والسير وراء خرافات القصص والنت ونبوءات المنجمين.

طلال العطاوي’ تجذبهم الإثارة، حيث تطرح هذه الأمور بوسائل مثيرة للغاية: مسلسلات وثائقية، أفلام سينمائية، كتب شديدة الجذب بصورها وعناوينها، مواقع ومواضيع لها جاذبيتها كذلك.. وربط أمور نهاية العالم بتفسيرات كثيرة تتعلق بسياسة أمريكا، والقادة العرب.. وإيران.. ونحو كذلك، كل ذلك من أسباب الإثارة، وهي تُعمي عن الحقائق الدينية والفكرية؛ بل وحتى المنطقية فيما يتعلق بهذه الأمور.

لذلك ما دعاني إلى كتابة الموضوع هو شدة تأثيره على الشباب والأطفال، فمن أكثر الأسئلة التي تدور بين الطلاب هو السؤال عن المسيح الدجال ويأجوج ومأجوج.. ونحو ذلك، وماجاء هذا إلا من الإعلام السينمائي والجديد.

مي العتيبي’ الموضوع كتبته لأجل انتشار ظاهرة البحث عن الغيبيات بين أبنائنا، وليس بسبب الخوف من انتحارهم.. فعبارتي كانت للسخرية.
في الحقيقة.. لا أعتقد أنني في عصر وأد الخرافات؛ بل في عصر طغت المادية فيه خلال القرن الماضي حتى أخذ يبحث الكثير عن الخرافات كملاذ روحي لهم يفسر الكثير من التساؤلات حول الكون والحياة ونهاية الدنيا.

أشكر لك جميل ردك، وكريم تنبيهك ورأيك.