كنت على يقين انني حين اكتب بعضي هنا ، ستتشعب الكلمات وتباشر جريانها مثل نهر اغتسل فيه مني ، انشد الخلاص من هذا الزحام في داخلي ، تُثقل روحي الافكار ولا اجد حقاً من يقاسمني الاسئلة ، لم ابدا بالصمت ، كنت اتحدث ذات يوم ، كانت لي صديقة اسمها امل ، كانت تفهم حين اقول لها انا والمقعد الأصفر نتكون من ذرات ، كُتب له ان تكون ذراته ساكنه ، ثابته ، متماسكة ، وكتب علي ان تكون ذراتي متحركة وطائشة وسريعة ، كُتب له عمر طويل وكتب لثوب روحي ان يكون جسداً فاني ، سياتي يوماً ما اصبح فيه غباراً يتطاير نهب الريح لا جسد يحويه ولا دفء يضمه.
وفي عصر يوم جمعة رطب وقاتل الحرارة ، عرفت ان صديقتي الوحيدة ستموت حتما وبها داء عضال لا تريد هي ان تتداوى منه ، طلبت مني عائلتها التدخل واقناعها بالعلاج ، ربما عرفت انهم ارادوا ذلك فرفضت ان تلقاني عند طلبي الأول ، في الحقيقة لم انو ابدا الطلب منها او حتى سؤالها ، لم اكن لأجرؤ على التدخل في قرار كهذا ، اخذت ارسل لها رسائل نصية ، كل يوم رسالة ، اتحدث فيها عن ما فعلته ذاك اليوم وكيف مضى بي النهار وماذا حلمت ولم تكن ترد، ارسلت لها رسائل يوميا لمدة عام بأكمله واكثر وبعدها طُرق باب بيتي وكانت أمل في إطار الباب ، هزيلة وصفراء ، تربط راسها بمنديل ازرق وترتدي نظارتها المعتادة ، احتضنتها ودعوتها للدخول فسبقتني لطاولة مطبخي حيث تعودت ان ترافقني هناك لأنها تدخن ولا تريد التدخين في البيت لانني منعته منذ انجابي لطفلي ، مدت يدها لمفتاح مروحة التهوية وفتحتها وايضا مفتاح جهاز تنقية الجو وشغلته ورمت بنفسها على المقعدواشعلت سيجارة واعددت لها الشاي الذي تحب وجلست قبالتها
لم ابدا الحديث ، انتظرت وانا اشرب قهوتي البضاء وهي تتأمل في المكان الذي تعرفه ، بعد فترة طويلة قالت : اخبروكِ ؟ قلت نعم
قالت : ما رايك
قلت : لا رأي لي
قالت : لم آخذ الا مسكنات حتى الآن
لم أرد
قالت : صمت رضا او امتعاض
قلت: لا هذا ولا ذاك
قالت: ماذا اذاً
قلت : لا شيء ، هل تريدين ان تأكلي
قالت : الن تنصحيني
قلت : لا
ابتسمت وقالت: كنت اثق انك مجنونة تماماً في عرفهم ، ماذا ستفعلين حين اموت
قلت: سافتقدك وأبكي كثيرا لفقدك
قالت : اوه، الن تبكي علي
قلت : لا
قالت: لم لا
قلت: احترم قرارك واودعك كأنما هاجرتِ لا اعرف حتما اين ستكونين ، لكنك لا تحتاجين بكاءي عليك الأرجح انم في الموت لا تتألمين انا هنا في العيش اتالم في فقد صديقتي الوحيدة ، لذا انا لن أبكي عليك انا سأبكي فقدك
قالت : هل نرى بعضنا حتى تاريخه
قلت : ان اردت واستطعت
تلاقينا مرات قليلة وتوفيت امل في منتصف مايو بعد يوم ميلادها بقليل شابة ثلاثينية ، كانت مغتبطة لأنها لم تنجب ولم تساهم في خلق شخص قد يشبهها من جديد
لم اتذكر امل لأنني لم انسها، ذكرتها هنا حتى أوكد على صمتي مع الناس حولي وانحسار حديثي في معية العالمين ، حتى انني لم أعد افكر بشكل جدي تماما ولا فلسفي شديد لا حتى ابحث في إمور غامضة ابحث في كشوفاتها عن مغزى خفي يمنحني اشارة او يدلني على درب لم اتطرق اليه من قبل يرتقي بروحي او يريح عقلي
اصبحت اصمت خوفاً من الجدل العقيم يضيع وقتي القصير في الدنيا هنا ، كل يوم انظر الى داخلي اكثر وعدا اسرتي الصغيرة وعطفي الشديد على العالم الذي لم استطع التخلص منه لا شيء يحملني لأن اكون سيدة عاقلة رزينة توسس لها مكانة في مكان ما ، اريد ان اكون حرة من الطمع في شيء ، حرة من الرغبة، حرة من غريزة البقاء ذاتها
اذا لماذا اكتب ، اكتب كما قال درويش حتى لا أموت ، ولم وانا ادعي الزهد لا اريد الموت ببساطة لأنني ام لطفل في التاسعة لا ذنب له اذا اُخترت لأكون والدته واحب ان ارعاه واكون له مثل ما كانت امي وتلك صورة عصية لكنني احاول وهذا طمعي الأخير الوحيد والأوحد ، أن اعيش له وحسب
خاتمة احاديث السيدة المختلة القاطنه في البيت المسكون وقم ثلاثة الطابق العلوي
تمت