انتقلت النجيبة بالطفلة عقيق الى بيتها ولازمتها كما الظل ، لا يهنأ لها بال الا وهي في مرمى البصر منها حتى ان بنتي النجيبة ظلتا في موقع الدهشة زمناً ،وما ان بدات عقيق الجلوس حتى منعت النجيبة عنها الزوار باستثناء مبروكة وعبدالله والدعقيق وسلمى والدتها فقط والتي فطمتها في الاربعين ولزمت بيت زوجها بعد نهرٍ ناضب وشارعين وتركت الفتاة للجدة ولم تشعر بشيءٍ من حسرة فهي في الخامسة عشر من عمرها ولن تُحسن العناية بعقيق على كل حال وفضلت ان تبقى مع زوجها في خصوصية المكان وعزلته بعيداً عن سيطرة النجيبة واسرارها الكثيرة المربكة
في بدر الشهر السادس من عمر عقيق قررت العمتان زيارة والدتهما وارسلا لها هدية عظيمة ومكتوب من الرق المذهب يطلب الاذن بالحضور لها وبعد القبول والبركة اتيا بعد ظهر قائظ ودخلا لمجلس السيدة ولاحظتا حالاً المنز المرتفع على ما يشبه صارية سفينة والمغطى بلفائف حريرٍ اخضر مقصب بالمعوذتين وحروف طلسمية متداخلة ،تحته مبخرة لا تنطفيء تفوح بارواح الصندل والعود يتداخل دخانهما ويتصاعد ليكون مثل صحنٍ غيمي شفاف حول السرير الصغير ولا يتخلله يقف عند اطرافه كما حارس لهواءه.
بعد القهوةِ والسلام وتبادل الاحوال والاخبار بادرت الابنة الكبيرة ليل امها النجيبة بسؤال مستقيم لا لوع فيه ولا مخاتلة
( اماه ،سيدتي ) حنت رأسها واكملت ( لنا من الاطفال مجتمعون اربعة عشر ولابناءكِ الآخرين مثلنا او اكثر ، ما الذي يميز عقيق عنهم وهي الانثى الصغيرة بنت الغريبة البعيدة ما السر الذي يجعلك توقفين حياتك عليها ولا تظهرينها حتى لنا نحن عماتها)
حل الصمت المهيب حتى اوجست العمة الصغيرة خيفة وتكثف حولهما هدوءاً عجيباً مظلماً بعث بالنعاس والصداع في عيني العمة الكبيرة ليل وكأنما مر يومٍ وغادرت ليلته قبل ان تتحدث النجيبة قائلة
( الأسرار يا ليل عبء على حاملها كما القضول قتل بطيء لروح متبنيه اما الطمع فخطيئة كُبرى تُثقل نفس متعاطيه حتى لا يستلذ بشيء ٍ عنده او لديه لان هناك دائماً من يملك اكثر او افضل او اجمل ، ولانني اخاف عليكما من وطأة السر وعبء حفظه منعته ، لا عنكما وحسب بل عن نفسي انا فلا تسألا عنه ولا تطمعا في منزلةٍ ليست لكما ولا لنسلكما ما دامت الدنيا ولا في فناءها لكم الا ما هو لكم وسياتيكم فلا تحاصروا حظوظكما بالامنيات ، ما دام فيّ رمق لحياةٍ استطيعها سيكون لعقيق هذا الشان فإن اردتما الراحة تحاها الامر ولا تكترثا وتنعما بوجودكما في وقتٍ تعيش عقيق فيه وهذا لو تعلما حظٌ عظيم)
ونفضت جلبابها ووقفت فتعثرتا واقفتان واذنت لهما مؤشرة بيدها للباب فخرحتا وهما لا تعرفان ما الذي حدث ليغضبها هكذا…
يتبع