(٢/١٣)
كليلوك
"وا هُياماه".أدركَتْ بذلِك أنها قدْ أطالَتِ التأمّل. التفتَتْ خلفَها بسرعةٍ لتَرى مصدَرَ الصّوت، فارتطمَتْ عيناها باللافِتةِ الخشبيةِ الكلاسيكيّة، الّتي كانَتْ خلفَهَا تماماً، و التّي تُقاربُها في الطول. أثار ظهرُ اللافِتة فُضولَها بشكلِه الغريبِ، فدارَتْ حولَهَا لتعرِفَ ما هو مكتُوبٌ على وجهِها *" كليلوك المقدسة- أوسيوس- كندا" "فلتَعلَمْ _عزيزي الزائر_ أنّه بمُجرّدِ أن تَطأ قَدمُكَ الرُقَعةَ المُقدّسةَ البُنّية، ستسحَبُك إلى أكبرِ همومِكَ، لتُواجِهه؛ ثمّ ستُخلّصُكَ مِنه. ما علَيكَ إلا أنْ تنتَصِفَ الرُقعة و تُغمضَ عينيك؛ فلتستَعدّ جيّداً للرّحلة." أعادَت قراءة المَكتُوبِ على اللوحِ الخَشبيّ مرّتين. زمّت شفتيْها ثمّ ضيّقت عينيهَا مُركّزةً على الجُملةِ المكتوبة بحبرٍ مُختَلف: "ثمّ ستُخلصُكَ منه". صورٌ كثيرة مرّت أمامَ عينيها بسُرعة: الفرحُ على وجهِ صديقتِها المُفضّلةِ عِندما أهدتْها كتاباً تُحبُّه؛ عيْنَا أختِها المُغرورقَتانِ بالدّموع يومَ جرَحتْ إبهَامَها و هيَ تقطعُ بُرتقالةً كبيرة؛ إنعكاسُ أبيها على المرآة و هو فاتحٌ ذراعيه ليحتَضِنها، بينَما كانَتْ جالسةً* تُسرّح شعرها. عادَ بها صوتُ صفيرِ الريحِ المارّ عبرَ أنبوبٍ مُلقًى بجانِبها، إلى حيثُ كانتْ تقِف أمامَ اللافتة؛ فقرّرت التحرّك صوب الرُقعَةِ البنّية. كانَتْ الدائرةُ المنشودة قابَ قوسينِ من حيثُ كانتْ تَقِف؛ قبلَ أن يُنادِيَها الصوتُ المُستَغيث. تقدّمت إلى الماءِ و هي تثبّتُ عينيْهَا على الرُقعةِ المُقدّسةِ المزعومة، و بعد أن بلّل الماءُ ساقيها إلى تحتِ رُكبتَيها بقليل.. وطأتها. بعدَ أن لامَسَتْ قدمَاها الحافيتانِ السطحَ، صارتْ تتمشّى على الرمالِ المَعدِنيّة البُنيّةِ _كعينيْها_ تتحسسُّ ملمَسَها، و تضُمُّ أصابِع قدمَيها و تفرِدُها مع كلّ خطوة، كمنْ يعجِنُ خُبزاً؛ لتشعُر بالدفء يتخلّلُها. انتصفَتْ الدائرةَ ثمّ أطرِقتْ رأسَها، مُتسائلةً عما قد يحدثُ بعد أن تُغمِضَ عينيْها، و تُسلّمَ نفسَها للمجهُول.