برَّاقُ : كم أودُّ لو عدتُ ذلك الطفل البريء النقي السريرة الخلي مما يعتري قلوب الكبار ! الذي يخرجُ من حلقة تحفيظ القرآن في الساعة الرابعة ليسابق ظله ليدرك ما تبقى من الرسوم المتحركة التي يندمجُ معها اندماجًا تامًّا والشجن يغمر قلبه لبعض ما فيها !
برَّاقُ : كم أودُّ لو عاد الصبا ليحوطنا ببردي الأنس والسرور ، ويغمرَنا بغيثه وبهائه ورونقه وعبيره وطهره ونقائه وبراءته ، لنعدو في المربع العذب من شروق الشمس إلى غروبها غير آبهين إلا لما نحن فيه مما يكادُ يفيضُ من قلوبنا من أنسٍ وبشرٍ !
برَّاقُ : يرفرف قلبي على تلك المرابع ، ويجول فيها كما كان طفلًا تفيضُ من جانبيه أنهار الأنس وجداول السرور ! ولم يسلُ ولم ينسَ أولئك الأتراب وتلك البطاح العذبة التي امتزج أريجها مع رئتيه وتأصل تغريد طيورها مع نبض قلبه وتجذر أثلها مع نمو جسده !
برَّاقُ : تعاورتني سيوف النأي ورماح الظعن وسهام الفقد المريشة وقد مال الفارس المثخنُ منها عن صهوة جواده وأوشك على السقوط في موطنٍ لا يحبذه وفي غير الزمن المليء بالطهر والشرة ! وها قد أقبلتْ زوابع الضعف والكهولة لتضعفه -قبل جندلته- في غير ما أحب وأمَّل !
برَّاقُ : كم قَتَلَتِ القَلْبَ بسهمٍ عاقرٍ وسيفٍ شُحذَ سمًّا مَقُوْلَةُ : (ذهب إلى ربه) وليس عقلي كما كان في صباه ليعي أنه مضيٌّ مؤقَّتٌ نلتقي به فيما بعد !
برَّاقُ : سيقال للصغار إن سألوا عني (مضى إلى ربه ليلتقي بأحبابه وسنلتقي به فيما بعد في الجنة) وللكبار (انتقل إلى رحمة الله فسلوا له المغفرة والرحمة) ! فإذا سألوا عني فأخبروهم أنني مضيتُ إلى أحبائي وأودائي –في الجنة- الذين طال حنيني إليهم والذين طالما سألتُ الله أن ألتقي بهم في كنف رحمته !
ربِّ أيا ذا الرحمات المائة : أتيتُ إلى الدنيا باكيًا فاجعل رحيلي منها ضاحكًا مستبشرًا بما بشرتُ به ، واجعلني ممن تقول له الملائكة (هلم إلى ربٍّ رحيم ! هلمَّ إلى روحٍ وريحانٍ وربٍّ راضٍ غيرِ غضبان) !
ربِّ : تنكبتُ المحجة في ريعاني (رياض العلم) وسلكتُ سبيل الغَيِّ (الأدب) ! وقد أدركتني رحمتكَ فزالتِ الغشاوة وانجلى الرانُ فبرحمتكَ اغفر لي ما سلف واعفُ عما اجترحتُ واجعلني من عبادك السابقين إلى طاعتك المجتهدين في التقرب إليك الفائزين برحمتك ومغفرتك ورضوانك وفردوسك !
ربِّ : برحمتكَ حرمتني الكثير من الأماني التي اعتلجتْ بقلبي وأنتَ علام الغُيُوبِ تعلم دخائل الأنفس وما تضمره القلوب ، وتعلمُ جلَّ جلالكَ ما يعتملُ بقلبي وما لم تَكفَّ الأيدي عنه ولم يَنْزِلِ البَصَرُ ويَفْتُرِ الّلِسَانُ منه فلا تحرمني منه برحمتك التي وسعت كل شيءٍ يا أرحم الراحمين وأجود الأجودين وأكرم الأكرمين !