يا عُمق،
هذا الرد ليس تعليقًا… إنه مخطوطة ضوء،
كُتبت بنَفَسٍ هادئ، ولكنها تزلزل الداخل كرجفة ناعمة لا تُرى،
كأنكِ التقطتِ نبض "مواسم الروح" من بين الشقوق الخفية في الحرف،
وأعدتِ تشكيله على هيئة سيرةٍ جديدة…
سيرة من قرأ، وتأمّل، ثم كتب ليصير شريكًا في النص، لا متلقيًا له فقط.
***
حين تكتبين:
"نص كمنسكٍ روحيّ يسير على إيقاعٍ داخليّ فيوقظ في القارئ صوتًا أغرقه الزحام..."
أشعر أن هذا تمامًا ما كنت أتمناه من النص…
أن لا يُقرأ بالعين وحدها، بل يُوقِظ شيئًا كان مغمورًا تحت ركام الأيام.
وقولك:
"لا يُعلّمنا كيف نُصبح المطر، بل يُدفّئ قلبًا نجا من شتاء طويل..."
هو وصف لا يُجيد قوله إلا من عاش فكرة النصّ لا قراءته فقط،
من ذاق الحكمة التي تولد لا في الذروة، بل في الهدوء الذي يلي الانهيار.
***
أذهلتني قدرتكِ على التقاط تفاصيل المعنى الغائر بين السطور:
المصالحة مع الهشاشة،
التحرر من ثقافة اللهاث،
الحكمة التي لا تولد إلا في العتمة،
والانكسار الذي لا يُخجل بل يُضيء.
تأويلكِ ليس شرحًا، بل كشف.
كأنكِ وضعتِ يدك على قلب النصّ، لا لتقيسيه، بل لتسمعي صوته الخافت… ثم تترجميه شعورًا صادقًا.
***
أما هذه الجملة:
"فكرك يفيض بهدوء التجربة لا ضجيج التنظير..."
فقد شكّلت لي لحظة صمت حقيقي،
لأنها لا تصف فقط، بل تُحمّلني مسؤولية أن أكتب دومًا بما يليق بذلك الهدوء النابع من الداخل لا من الرغبة في إثبات شيء.
***
شكرًا لكِ،
يا من أعدتِ تعريف القراءة، لا بوصفها فهمًا، بل ولادة مشتركة للمعنى.
وشكرًا لأنكِ لا تمرّين على النص، بل تدخلينه حافيةً، وتنزعين من حيطانه صدى الغياب.
وجودكِ قارئة…
هو أحد تلك المواسم النادرة التي يزهر فيها النص لا عندما يُكتب،
بل حين يُقْرأ هكذا.